رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

الاستخفاف بالأُخوّة.. وضياع المُروءة

يقول الشيخ عبد الله بن المبارك التميمي (118 – 181 هجري) في حكمته البالغة ذات الأبعاد الثلاثة... «من استخف بالعلماء ذهبت آخرته، ومن استخف بالأمراء ذهبت دنياه، ومن استخف بالأخوة ذهبت مروءته». ونضيف بُعداً آخر ينطبق على عصرنا الحاضر، ويتوافق مع طبيعته وخصائصه وثقافته السائدة «ومن غَلَبَ مصالَحَه، ذهبت مبادئه، وازدوَجَت معاييره، واختَلَت موازينَه.» والسؤال الأول في حكمة ابن المبارك، هو: هل عبارة الاستخفاف بالعلماء تنطبق على علماء اليوم، علماء البلاط، والمُغلبينَ لمصالحهم على مبادئ دينهم، وشرعهم، وملتهم الإسلامية؟ هل الاستخفاف بمن يقول علناً بأن أمريكا صانعة سلام دون دليل، يدخل ضمن المحظور، وكيف يمكن تصديق مثل هذا الادعاء؟ ألم تشعل أمريكا الحرب في أفغانستان، والعراق، وتتبنى إثارة الفوضى الخلاقة في منطقة الشرق الأوسط، وتغض الطرف عما يحدث في فلسطين، وغزة على وجه الخصوص، فأين السلام الذي يتحدث عنه هذا الشيخ العالِم؟ وماذا عن الشيخ أو العلِم الذي ينكر على المجاهدين الفلسطينين جهادهم في غزة، ووصفهم بالجرذان المختبئين في جحورهم أي أنفاقهم، فهل يدخل ضمن القائمة المُحَذَر الاستخفاف بها، وما رأي الشيخ ابن المبارك فيمن يصنف ابطال طوفان الأقصى بأنهم فئة ضالة، وفيمن يقول إن المجاعة والتجويع في غزة فيه خير لأهلها، وكأن ما يحدث في غزة ليس تجويعاً مُتعمداً مُمنهجاً، فماذا يقال عن هذا العالم الجليل؟ وأمثاله من علماء اليوم المتماهين مع الركب السائد في إدانة المقاومة الفلسطينية، وإنكار عليها جهادها في سبيل الله، والسكوت على مصيبة أهل غزة، فهل يجوز لكل هؤلاء العلماء أن يظلوا في قائمة عدم النقد، لضمان عدم ضياع الآخرة؟ أما البعد الثاني من حكمة المبارك أعلاه، والمعني بالاستخفاف بالأمراء وولاة الأمر، وما يترتب عليه من عواقب، فلا استخفاف، ولا نقد على الاطلاق، بل الدعوة لأمراء وملوك وحكام الأمة العربية والإسلامية اليوم جميعاً بالصلاح والهداية إلى سبيل الرشاد، والتوفيق في إدارة أمور هذه الأمة النائمة، وإيقاظها من سباتها للقيام بوظيفتها ومهامها وواجباتها الوطنية والقومية والدينية، والعمل بإخلاص على توحيد كلمتها، والرقي بأدائها السياسي والعسكري واللوجستي، ليتوافق مع حجم وقوة الهجمة الشرسة عليها من أعداء الله وأعدائها، ومواجهة هذا العدوان، وإيقاف المعتدي عند حده، والعمل على نصرة قضايا الأمة العربية والإسلامية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية باعتبارها القضية الأم، والدفاع عن كيان الأمة وكينونتها، ورفع الظلم عن أبنائها الفلسطينيين في غزة، والضفة الغربية، وباقي أرجاء وأنحاء ومدن فلسطين المحتلة ككل، ومواجهة العدو الإسرائيلي بكل قوة وحزم سياسياً وعسكرياً، وثقافياً ولوجستياً، وعلى كل الأصعدة الوطنية والإقليمية والعالمية، وعدم الاستجابة لمطالبه السياسية والعسكرية، وعدم السماح بتسليم سلاح المقاومة باعتباره الأداة الوحيدة الباقية لصد العدوان الإسرائيلي الغاشم، فوجود السلاح في يد المقاوم المدافع عن أرضه وعرضه وشرفه، هو شرف بحد ذاته، والتخلي عنه وتسليمه يعنى التفريط في شرف الأمة ككل. ولذا، فنرجو من زعماء الأمة ألا يتهاونوا مع العدو المحتل، وعدم الاستجابة لمطالبه، وعدم الانخداع بحيله ومكره وألاعيبه القذرة، ومقاومة كل الضغوطات الخارجية المبيتة للنيل من الأمة وثرواتها ومقدراتها، وقيمها، ورفض كل المخططات والصفقات المُهينة، وعدم التنازل عن حقوق الأمة في العيش والبقاء، وحق الدفاع عن النفس، ومقاومة العدوان بكل أشكاله. * أما عن البعد الأخير في حكمة ابن المبارك، فمتعلق بالأُخوّةِ والمروءةِ، وما بينهما من علاقة وطيدة، فالأُخوة تلدُ المروءة، وغياب الأولى يعنى بالضرورة ضياع الثانية، ولا يستقيم الأمر إلا في صلتهما الطبيعية ببعضهما البعض، وعدم فصل أي منهما عن الأخرى تحت أي ظرف من الظروف، ولأي سبب من الأسباب. وليس أدل على ذلك مما نشهده في واقعنا العربي المرير مع أخوتنا الفلسطينيين، فهو شاهدٌ علينا، ومسجلٌ علينا خذلاننا لهم في محنتهم ونكبتهم الثانية. ومرة أخرى يتكرر السؤال هنا أيضا وفي السياق نفسه، وبالصياغة ذاتها.. «هل استخففنا بالأُخوةِ»؟ فالإجابة بــ «نعم» استخففنا بالأُخوَةِ، فذهبت المروءةُ، فأين المروءة في زمننا هذا، وأين مروءتنا نحن العرب والمسلمين مع إخوتنا الفلسطينيين المشردين المُجوَعين في محنتهم وحربهم الطاحنة المفروضة عليهم من العدو الصهيويني. وما تَركُنا لإخوتنا في مآسيهم يعانون ويلات الحرب، والدمار، والتشريد، والتهجير، والتجويع الممنهج، والإبادة الجماعية في غزة والضفة، وباقي المدن الفلسطينية، إلا دليل على تجردنا من أُخوتِنا وضياع مُروءَتنا، ونخوتنا، وشهامتنا العربية، والإسلامية، فأين نصرنا لإخواننا، وأين امتثالنا لحِكَمنا وأمثالنا العربية الإسلامية الأصيلة؟ فلِمَ لم ننصر أخانا ظالماً أو مظلوما؟! ولم نقف معه في ظلمه ومظلوميته لنمنعه أو نرد الظلم عنه؟! ولم نقف مع أخينا ضد ابن عمنا، ولا مع ابن عمنا ضد الغريب، بل تجاوزنا ذلك، وتخلينا عن أُخوتنا، وفقدنا مروءتنا بوقوفنا مع الغريب ضد أخينا وابن عمنا، ويا ويلنا من الله على ما ارتكبنا من جُرمٍ كبيرٍ بحق إخوتنا الفلسطينيين، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

486

| 11 أغسطس 2025

ترامب.. والمعادلة المتناقضة الأطراف

يرى المتتبع لتصريحات الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» منذ ترشيح نفسه للرئاسة الأمريكية إلى الآن، وبعد تنصيبه بشكل رسمي رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية في الـــ 20 من يناير 2025، أن هناك تناقضات بين وعوده وتهديداته وادعاءاته المثيرة للجدل. فقد وعد الرئيس بإنهاء الحروب الجارية، ومنها الحرب على غزة، وهدَدَ بجحيم لا مثيل له في الشرق الأوسط إن لم يُفرَج عن الرهائن المحتجزين في غزة العزة، وأدعى ويَدَعي بأن هذه الحروب ما كانت لتقع لو أنه كان رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية في وقتها. فماذا يعني هذا؟!! فهل هي تناقضات عفوية، أم أن الحرب في الشرق الأوسط شأن آخر لا يتضمنه قرار إيقاف الحروب؟ وماذا عن عنتريته وادعاءاته بإمكانية منع كل هذه الحروب قبل اندلاعها لو كان هو في سدة الحكم في تلك الفترة الزمنية، فهذه نقاط جوهرية تتمحور حولها هذه المقالة. وابتداءً بالوعد الرئيسي بإنهاء الحروب، وحرب أوكرانيا على وجه الخصوص، فهي مطلب أمريكي أوروبي في المقام الأول لما تشكله من عبءٍ ثقيلٍ على الإدارة الأمريكية السابقة والحالية من جهة، وعلى دول الاتحاد الأوروبي من جهة أخرى نتيجة لالتزامها بدعم أوكرانيا في صدها للعدوان الروسي؛ فالحرب هذه ليست حربًا روسيةً أوكرانيةً فحسب، بل هي حرب روسية أوروبية بدعم سياسي ولوجستي أمريكي، فأمريكا متورطة بشكل أو بآخر في هذه الحرب كما يراها ترامب. ولذا فلا بد من إيقافها، وسينجح ترامب في إيقافها، بدلائل المؤشرات الإعلامية الجارية. أما فيما يتعلق بإيقاف الحرب على غزة، فالأمر صعب لتعنت إسرائيل، وعدم رغبتها في ذلك على الرغم من هدنة تبادل السرى الجارية حالياً، والتي تحاول إسرائيل التملص من استحقاقات مرحلتها الثانية كما تشير وسائل الإعلام الإقليمية والعالمية. ولذا، فهناك سؤال حول جدية ترامب في إيقاف هذه الحرب، فهل هو جاد فعلا، وبأية نية؟ وماذا عن تهديداته بالجحيم في الشرق الأوسط،، فهل المعني بها طرفا النزاع الإسرائيلي والفلسطيني، أم الطرف الفلسطيني فقط؟ فالإجابة لا، بل المستهدف بالجحيم العرب الفلسطينيون فقط، وكل حركات المقاومة وتحديداً حماس. وذلك لاعتبار ما قامت به المقاومة بكل فصائلها في السابع من أكتوبر 2023 (طوفان الأقصى) من وجهة نظر ترامب المنحازة بشدة لإسرائيل فظائع ضد الإنسانية. أما الفظائع الحقيقية التي ارتكبتها وترتكبها إسرائيل يومياً على مدى خمسة عشر شهراً (475 يوماً) قبل سريان هدنة تبادل الأسرى، فلا يراها ترامب، وكل رؤساء أمريكا السابقين إلا دفاعاً عن النفس. فجدية «ترامب» من عدمها في إيقاف الحرب في غزة وباقي المدن والقطاعات الفلسطينية، يمكن قياسها بما تشهده الساحة الفلسطينية حالياً، ومن خلال عدد من التساؤلات العقلانية مثل: كيف ينادي ترامب بإيقاف الحرب في فلسطين، ولم يحرك ساكناً حول عربدة إسرائيل في الضفة الغربية حالياً على الرغم من هدنة غزة، وكيف يُفهم تصريح ترامب حول حجم إسرائيل الصغير، والدعوة إلى زيادة حجمها في المنطقة العربية، وكيف تستقيم المناداة بوقف الحرب، والدعوة إلى تهجير وترحيل أهل غزة من أرضهم، أليس في كل هذه التصريحات والدعوات والادعاءات والاقتراحات تناقض صريح وواضح، فكيف تستقيم هذه المعادلة؟ وأخيراً، وليس آخراً، فلم يبق إلا الحديث عن تصريحات ترامب وادعاءاته المتعلقة بإمكانيته منع الحروب الجارية حالياً لو كان هو رئيسا لأمريكا في حينها، ومنها الحرب على غزة، وطوفان الأقصى (7 أكتوبر 2023)، وهذه ادعاءات خيالية، وغير معقولة. ولذلك، فلا ترامب ولا بايدن، ولا أي رئيس أو حاكم عالمي أو إقليمي باستطاعته أن يمنع الحرب على غزة، ويمنع الطوفان، وذلك لسريته التامة التي تم بها، وفي ظلها حيث أخفيت العملية برمتها عن أقرب المقربين، فلم تُكتشف خطة الهجوم، ولم يعلم بها أحد حتى قيادة حركة حماس السياسية، ولم تُرصد أية إشارة من قِبل الاستخبارات الإسرائيلية، ولا الأمريكية، ولا أي استخبارات إقليمية وعالمية. فكيف إذن لترامب الذي لم يستطع أن يُميز بين (غزة – موزمبيق) التي يدعمها بخمسين مليون دولار سنوياً لمكافحة الإيدز، و(غزة – فلسطين) التي يحاربها، ويحرم شعبها من أبسط حقوقه في العيش على أرضه، ويدعو إلى تهجيره، أن يمنع طوفان عجزت مخابراته ومخابرات حليفته وربيبته إسرائيل أن تكشفه، أو تعرف عنه شيئا قبل حدوثه؟!. أما فيما يتعلق بدواعي الطوفان المقدس، فهي كثيرة عنوانها القهر والظلم، والأجواء الملبدة بغيوم السيطرة التامة، والهيمنة الإسرائيلية على المنطقة، والترويج لخريطة إسرائيل الكبرى، وخداع الدول العربية، وجر بعضها إلى التطبيع المجاني، وقبول إسرائيل كدولة رئيسة في المنطقة العربية، ومؤشرات التطبيع الوشيك لأكبر دولة عربية مع الكيان الصهيوني باعتباره المسار الأهم في عملية التطبيع المجاني. وليس هذا فحسب؛ بل هناك دواعٍ أخرى لا تقل أهميةً ولا تأثيراً في قرار الهجوم الطوفاني، مثل الممارسات الإسرائيلية اليومية في القدس، والعبث المستمر بالمسجد الأقصى وتدنيسه، والعمل الدؤوب على تصفية القضية الفلسطينية، وإنهائها إلى الأبد، وإلغاء حق العودة، وغيرها من ممارسات الظلم والطغيان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني الأعزل؛ ولذا، فلم يكن طوفان الأقصى المباغت إلا نتيجة طبيعية حتمية، وليس سبباً في الحرب على غزة كما يدعي الصهاينة المحتلون.

582

| 19 فبراير 2025

أمة تائهة بين السبات والممات

لا يخفى على أحد ما تمر به الشعوب العربية والإسلامية من حيرة تجاه حال أمتها من غياب فعلي عما يدور على الساحة الفلسطينية من تقتيل وتشريد وتجويع وإبادة جماعية لإخوتنا الفلسطينيين المستضعفين في غزة العزة، غزة الكرامة، غزة الصمود، وغزة الكفاح والجهاد المقدس. ففعلاً هناك حيرة عند هذه الشعوب، ولا تدري ماذا تفعل في مبتلاها الجلل، صمت رهيب، وسكوت فاضح لا يدل إلا على أحد أمرين إما سُبات عميق أو موت سريري مشهود، وكيف لا، والإحساس غائب والشعور معدوم، فقد بَحَّت أصوات الفلسطينين بالنجدة والاستنجاد بإخوتهم العرب لعلهم يسمعون ويستجيبون، ولكن لا سمعاً ولا طاعةً ولا استجابةً، فلا دراية ولا علم بما يحدث من حولهم، وذلك تمثيلاً لقول الشاعر «لقد أسمعت لو ناديت حياً، ولكن لا حياة لمن تنادي». ولذا، فالأمة ما هي إلا جثة هامدة مُلقاة على الأرض يعبث بها القاصي والداني، والقوي والضعيف، فها هي الكلاب المسعورة تنهش في هذا الجسد منذ ما يقارب من الـــ 180 يوماً إلى الآن دون أي إحساس بالألم، فلم يتحرك في جسد الأمة ساكن، علماً بأنها أمة الجسد الواحد كما وصفها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» فأين الأمة من هذا الحديث النبوي، وأين أعضاء هذا الجسد العربي المسلم من الحديث ذاته، وأين حكام هذه الأمة، وشعوبها العربية والإسلامية من دينهم وثقافتهم والتزاماتهم الدينية والوطنية والقومية، وما تُمليه عليهم من مودة وتعاطف وتراحم مع إخوتهم الفلسطينيين في غزة وباقى المدن الفلسطينية الذين تجمعهم بهم اللغة والدين والأخوة. فغريب أمر هذه الأمة المتفرقة المتشرذمة غير المتعاونة على الخير، بل المتنافسة فيما بينها على فتات الدنيا لا تجمعها مصلحة عامة، ولا هدف ولا قضية، فقد تخلت عن قضيتها الأولى (القضية الفلسطينية) من أجل مصالح داخلية خاصة سواء أكانت اقتصادية أو تجارية أو سياسية أو عسكرية، وعلى حساب المصلحة القومية العامة للأمة العربية والإسلامية ككل، وما ينتج عنها من ضرر على أمنها القومي، وتخطي المحظور والمُحرم من تكوين علاقات مع العدو الإسرائيلي، وتطبيع سريع لا مبرر له، فلا مصلحة في العلاقات والتطبيع مع إسرائيل على الإطلاق، بل المصلحة كلها للجانب الإسرائيلي، فمعروف عن إسرائيل أنها لا تعطي ولا تفيد بل تأخذ وتستفيد، والأمثلة على ذلك كثيرة، مثل معاهدة كامب ديفيد، ومعاهدة وادي عربة واتفاقية أوسلو، والبقية تأتي تباعاً. وأول أضرار هذه العلاقات هي الفتنة وتفريق الشمل العربي، وتمزيق الأمة، فكل هذه الدول الآن مُحيَّدة في حرب أسرائيل على غزة، حيث إنها لم تتخذ موقفها الاستراتيجي التاريخي الطبيعي مع إخوتها الفلسطينيين في غزة، بل تقف منحازة إلى الجانب الإسرائيلي، وما هذا الصمت والسكوت الفاضح إلا دليل قاطع على ذلك. فمعاهدة كامب ديفيد على سبيل المثال شَقَت الصف العربي، وفتحت الطريق لمعاهدة وادي عربة مع الأردن. أما اتفاق أوسلو فقد شَق الصف الفلسطيني حيث انقسم الفلسطينيون فيما بينهم بين السلطة في الضفة الغربية، وحماس في غزة، وهذه فتنة ثمارها واضحة في هذه الحرب. فهذا هو حال الأمة العربية المُشين المُهين في هذه الحرب الظالمة على إخوتنا الفلسطينيين في غزة، ولكن الفرصة لازالت مواتية لتعديل الموقف وتغيير المسار إذا توفرت الإرادة السياسية، والإحساس بالمسؤولية الوطنية والقومية والدينية، وخصوصا في ظل ما تمر به إسرائيل من ورطة عسكرية، وجنائية وأخلاقية وانقسام داخلي، وغضب خارجي بسبب إصرارها وتعتنها لمحاربة الأبرياء الفلسطينيين العُزل من شيوخ ونساء وأطفال وتشريدهم وتجويعهم والعمل على إبادتهم جماعياً، وتدمير مُدنهم ومنازلهم ومدارسهم ومستشفياتهم، ومراكز الإيواء العالمية، ومنع الإغاثة بكل أنواعها وأشكالها بالاعتداء على الطواقم الطبية، وسيارات الإسعاف، ورجال الإنقاذ المحلية والدولية، وآخرها استهداف فريق الإغاثة التابع للمطبخ المركزي العالمي وقتلهم جميعاً، مما أثار غضب العالم بأسره، وخصوصا العالم الغربي الموالي والمساند أساساً لكل تصرفات وممارسات إسرائيل الوحشية في غزة. ولذا، وفي ظل هذا الغضب شبه العالمي الرسمي الخجول، والشعبي الصريح الواضح، والتحولات العالمية ضد إسرائيل، والتفكير في اتخاذ إجراءات فعلية لمنع تصدير السلاح لإسرائيل من قبل بعض الدول الغربية، واتساع دائرة الغضب المتوقعة، فليس أمام هذه الأمة إلا أن تستيقظ من سُباتها العميق، وتخرج عن صمتها المُشين، لتعلن عن موقف عربي وطني شُجاع يليق بحجم الأمة ومكانتها وكرامتها وكيانها لنصرة الشعب العربي الفلسطيني المسلم في غزة، ورفع الظلم عنه، والعمل على إيقاف كل إجراءات التطبيع، ورفض جميع المحاولات الأمريكية لفرض هذا التطبيع المجاني المُخجل، وذلك أضعف الإيمان.

1443

| 09 أبريل 2024

حماس وداعش.. والمقاربة الباطلة

في ظل غياب القيم الأخلاقية، تضيع المبادئ، وتُزدوج المعايير، وتختل الموازين، وتختلط بعد ذلك الأمور، وتُغلب المصالح، ويسود الظلم، وتُرمى الاتهامات بالعنف والإرهاب جزافاً، وتُسمى الأشياء بغير أسمائها، فتُسمى المقاومة إرهاباً، والإرهاب المنهجي المنظم دفاعاً عن النفس، ويُمزج بين النازية المقيتة والحق في مقاومة المحتل وتقرير المصير، ويأتي نتيجة لذلك الظلم والجور في محاولات العدو الإسرائيلي وأمريكا والغرب من بعدهما في الربط غير المنطقي بين تنظيمين متضادين هما حماس وداعش. فالمقارنة بين التنظيمين بمثابة المقاربة بين الخير والشر اللذين لا يلتقيان أبداً، فلا داعش ينبغي لها أن تدرك حماس، ولا حماس تقبل أن تُشبه بداعش، وكلٌّ في فلكٍ يسبحون. وفي ضوء طبيعة التنظيمين وخصائصهما الأيديولوجية، وفلستهما الفكرية، والعقيدة القتالية، فيمكن المقارنة من عدة أوجه، فمن حيث المنشأ على سبيل المثال، فقد وُلدت حركة حماس في بيئة مظلمة يسودها الظلم والقهر والمهانة. فالحياة صعبة وقاسية، ولكنها ليست مستحيلة، بل كفيلة بصناعة الرجال، وإثارة التحدي، ومواجهة الأزمات، والتغلب على الصعوبات من خلال التربية والتنشئة السليمة القائمة على مواجهة قسوة الحياة وصعوبتها وتحدياتها، وذلك بترسيخ مبادئ المواجهة وانتزاع الحق المسلوب من العدو الصهيوني الغاصب. ولا يتم ذلك إلا بالعمل الجاد على الخلاص من هذا الظلم والظلمات، والعيش في عزة وكرامة بمقاومة الاضطهاد والظلم والظالم المعتدي، وكسر شوكته بالقوة. ولذا، فشاعت هذه الثقافة، وتشكلت عقيدة حركة حماس الفكرية القائمة على محاربة العدو الإسرائيلي وصد عدوانه بالقوة لأنه لا يعرف سواها، ولا يُقهر ولا ينكسر بغيرها. وبذلك تشكلت هذه الثقافة، وترسخت مبادئها الأخلاقية الموجهة لرد الظالم المحتل عن ظلمه بكل ما أُوتيت من قوة ومن رباط الخيل ترهب به عدو الله وعدوها، متخذةً مبدأً أخلاقياً يقضي بعدم رفع السلاح في وجه أي إنسان غير العدو الإسرائيلي، ومن والاه وأيده في ظلمه وقهره للشعب الفلسطيني. وهذا مشهود للحركة بأنها لم تطلق رصاصة واحدة خارج حدود وطنها فلسطين المحتلة. ولذلك، فكان الهدف الرئيس من تأسيس الحركة هو رد الظلم ومكافحة المحتل بكل أساليب المقاومة العسكرية، وهذا حق تكفله لها كل القوانين والمواثيق الدولية. فحركة حماس ليست إرهابية على الإطلاق، بل هي حركة وطنية عربية إسلامية تمارس حقها المشروع في مقاومة المحتل. أما تنظيم داعش، فلم يُولد ولادة طبيعية، بل وُجد وصُنع صناعة قصدية، وزُرع في منطقة تضم دول ثورات الربيع العربي بهدف نشر الرعب والإرهاب والظلم والقهر بين العرب والمسلمين المحسوبين على هذه الثورات في المنطقة العربية، والمؤيدين لها. ولم يُزرع هذا التنظيم في المنطقة إلا ليكون حجة وذريعة تتذرع بها أمريكا ومن في كنفها للتدخل العسكري لمحاربة الإرهاب في المنطقة متى ما أرادت. فالتنظيم أُنشئ لإرهاب أبناء المنطقة من العرب والمسلمين، وقتلهم والتنكيل بهم أمام عدسات الكاميرات، وعيون المجتمع الدولي، ولم يتعد هذا الإرهاب بكل أشكاله حسب رؤية المراقب المحايد الشعوب العربية المسلمة في المنطقة إلى شعوب أخرى ودول لم تصلها هذه الثورات، ولذا فداعش تنظيم إرهابي لا علاقة له بالإسلام على الإطلاق، بل زُرع ليحقق غايات وأهدافا غربية أمريكية بشكل خاص، وذلك استشهاداً بما ردده الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في مناكفته للديمقراطيين أثناء حملته الانتخابية سنة 2016، حين قال «إن تنظيم داعش من صناعة أوباما وهيلاري كلينتون». وربما جاء هذا التنظيم ليكون دعامة من دعائم الفوضى الخلاقة التي تبنتها وأشاعتها الإدارة الأمريكية على لسان وزيرة خارجيتها السيدة/ كوندليزا رايز، والمبنية على إثارة النعرات الطائفية، وإشعال الفتن، وتأجيج الخلافات بين طوائف شعوب المنطقة العربية. ولم تكن هذه العبارة من تأليف ترامب، ولا من وحي خياله، بل من مصادره الخاصة كسياسي متابع لسياسة بلاده الخارجية، ومرشح لرئاستها في تلك الفترة. كما أن هناك أوجها أخرى للمقارنة، وليست المقاربة بين التنظيمين، مثل الهوية، والحاضنة الشعبية، وغيرهما على سبيل المثال لا الحصر. فمن ناحية الهوية فحماس حركة وطنية فلسطينية، ولها حاضنة شعبية متينة، ولها عمق إستراتيجي في غزة، بينما داعش ليست وطنية، ولا تُعرف لها هوية، ولا انتماء، ولا أصل على الإطلاق، كما أنها تفتقر إلى الحاضنة الشعبية في المنطقة التي زُرعت فيها، فليس لها جذور ولا عمق إستراتيجي يحتويها متى ما دعت الحاجة، فهي عدوة الكل في المنطقة. وبناء على ما سبق، فليس من العدل التشبيه والمقاربة بين حركة حماس وتنظيم داعش، فالمقاربة باطلة، وما التشبيه إلا اتهام باطل لحركة حماس بالإرهاب من الإرهابيين أنفسهم، ومن يشهد لهم التاريخ بممارساتهم الإرهابية في المنطقة العربية والإسلامية. وقبل الختام هناك سؤالان، لابد من طرحهما، فالأول لأمريكا وإسرائيل حول الإرهابي الحقيقي، فمن هو الإرهابي الحقيقي، هل هو المدافع عن أهله ووطنه السليب، والمتصدي للغزاة المحتلين للأرض، أم هو من يعتدي على الشعوب في أوطانها، ويُرهب الآمنين في بيوتهم ومدنهم كما يحدث في غزة اليوم ومنذ 43 يوما من القتل والهدم والتشريد، والعربدة غير المبررة وهدم المستشفيات، وتجويع الشعب الفلسطيني في غزة العزة والكرامة، أم هو من يُجيش الجيوش لغزو دول أخرى، ويعتدي على سيادة هذه الدول، والعبث فيها وتغيير أنظمة الحكم فيها، وما كلف هذه الدول من خسائر فادحة في الأرواح والعتاد ومصادر الثقافة وغيرها كما حدث لأفغانستان، والعراق.. أليس هذا إرهابا رسميا ممنجهاً دون حجة ولا تبرير؟ والسؤال الثاني يوجه للأنظمة العربية المعادية لحركة حماس، ما الذي يبرر المواقف السلبية من حركة المقاومة الوطنية الفلسطينية (حماس)، مع العلم أنها لم تعتدِ على أحد من هذه الأنظمة، ولم تعبث بأي نظام عربي، ولم تطلق أي طلقة رصاص في أي دولة عربية، بل بالعكس فقد احترمت كل مواقف هذه الدول ولم تعترض على سياسات أي من هذه الأنظمة على الإطلاق، فما المبرر لهذه المواقف. أليست حماس حركة عربية تدافع عن الأمة العربية والإسلامية ضد الحركة الصهيونية العالمية في هذا الزمن، أليست حماس وحركات المقاومة الفلسطينية هي الحصن الحصين المتبقي من النظام العربي المشتت؟ وغيرها من التساؤلات والوقفات مع مواقف الدول العربية غير المفهومة.

2286

| 30 نوفمبر 2023

تعظيم سلام... للمقاومة الفلسطينية

تحية إجلال وإكبار وتعظيم وسلام لكل بواسل وكواسر ومقاتلي كل فصائل المقاومة الفلسطينية الحرة التي اسهمت برجالها وعتادها وروحها في قهر الجيش الإسرائيلي الأسطورة الذي لا يُقهر، وتحطيم صورته المزيفة. فقد قُهر الجيش الإسرائيلي في سويعات قليلة خلال الساعات الباكرة من صباح يوم السبت 7 أكتوبر 2023 المجيد، وهُزم شر هزيمة من فئة صغيرة لا يتجاوز عددها ألف مقاتل فلسطيني حر حملوا أرواحهم في أيديهم، واقتحموا بقوة الطوفان السياج الأمني الحدودي الفاصل بين غزة والمستوطنات الحدودية الواقعة على الشريط الحدودي لقطاع غزة، وهجموا على المواقع العسكرية الإسرائيلية، وفاجأوا الجنود الإسرائيليين، وصعقوهم وزلزلوا الأرض من تحت أقدامهم، وأدخلوا الرعب والخوف في نفوسهم ونفوس المستوطنين، وألحقوا بهم الهزيمة النفسية قبل العسكرية. فالصدمة قوية، والهول كبير، والهلع والذعر كانا سيدي الموقف، ولم يكن أمام إسرائيل في تلك اللحظة إلا الاستنجاد بولية أمرها، وراعيتها والمسؤولة عن تربيتها وتقويتها وحمايتها، والداعمة لعدوانها واعتداءاتها الشرسة الهوجاء على اخوتنا الفلسطينيين في غزة وباقي الأراضي الفلسطينية المحتلة، وما أن تلقت أمريكا الصرخة بطلب النجدة إلا وهرعت وأمرت بتحريك قطعها العسكرية البحرية، وتوجيه مدمراتها وحاملات طائرات إلى البحر المتوسط لتكون عوناً وسندا لربيبتها المدللة إسرائيل. وما هذا الموقف وهذه الاستجابة السريعة، إلا ضوء أخضر لإسرائيل للمضي قدماً في الرد بالهجوم العسكري على غزة، واستهداف واستباحة أرضها ودم أهلها من نساء وشيوخ وأطفال، وتدمير مبانيها ومنازلها وأحيائها كاملة بكل صلف وبربرية وهمجية ممنهجة، وبشراسة الدب الأهوج المجنون، ودون هوادة، ولا رحمة، فإسرائيل مجردة من القيم الأخلاقية، ومن الضمير الإنساني الذي يمكن أن يحكم غضبها ويهذب سلوكها العدواني، فسجلها العسكري مليء بالجرائم الإنسانية، فلم يسلم من رعونتها وتجبرها طفل ولا سيدة ولا شيخ، ولا حجر ولا شجر ولا بشر، فهي تطلق النار وتسقط القتلى والجرحى، وتمنع الإسعاف ومحاولات إنقاذ الجرحى والمصابين، وتدمر وتهدم وتعيث في الأرض فساداً ودون هوادة ولا رحمة، فأي خلق هذا، وأي رحمة هذه عند هؤلاء المتجبرين المتكبرين الصهاينة؟ فالرحمة منزوعة من قلوبهم، والدلائل والأمثلة على ذلك كثيرة سواء عند جنودهم وسياسييهم، وصحفييهم الصهاينة الذين نُزعت من قلوبهم الرحمة، فهذا الصحفي الإسرائيلي «ديفيد بن صهيون» على سبيل المثال قد افترى على مقاتلي حماس بكذبة ادعى فيها بأنهم قتلوا الاطفال الأسرى الاسرائيليين، وقطعوا رؤوسهم وتركوهم دون رؤوس، وقام بنشر هذه الكذبة دون دليل واضح. ولم يكن من السياسيين الإسرائيليين إلا التصديق والنشر دون التحقق من صحة الادعاء، وترويج هذه الكذبة إعلاميا وسياسيا والاستشهاد بها في أي مناسبة محلية ودولية، فنتنياهو ذكرها واستشهد بها، وصدقها بايدن، واستشهد بها في إدانته لعملية طوفان الأقصى، ولم يكتفِ بايدين بالاستشهاد بما سمع، بل أصر على صحتها بأنه رأى الواقعة بعينه، فكيف، فهل شهد الواقعة؟ بالطبع لا، ويستمر الكذب والتلفيق والتضليل، وعلى مستوى رؤساء دول الغرب المجردة من الضمير الحي، وعلى رأسهم أمريكا. ولم يتوقف التضليل عند هذا الحد، بل تبنت الكذبة المراسلة الصحفية البريطانية لتتولى نشرها في صحيفة الاندبندنت البريطانية دون التحقق من مصداقيتها. ويمكن القياس على ذلك مع باقي الصحف الغربية المنحازة لإسرائيل، وكل ذلك بقصد تشويه صورة المقاومة الفلسطينية وتأجيج الرأي العام عليها كحركة جهادية تقاوم الاحتلال الإسرائيلي، وتدافع عن أرضها وعرضها. فهذه ليست دولة بل أخلاق عصابات فاشية حاقدة، وغير مستوعبة النصر الذي حققته المقاومة على الجيش الإسرائيلي الذي لا يُهزم ولا يُقهر. وتستمر إسرائيل في عدوانها الغاشم على غزة حتى اليوم، من القصف الجوي والمدفعي وقطع الكهرباء والماء، وهدم المباني والمنازل على ساكنيها دون تمييز بين الصغير والكبير والمرأة والرجل، والبيت والمدرسة والمستشفى والمخبز وأي مكان يجتمع حوله أبناء غزة العزة الفلسطينيون العزل. ويأتي الرئيس الأمريكي بانحياز واضح وصارخ ليبرئ ساحة إسرائيل من جريمة قصف مستشفى الأهلي المعمداني، ويوجه الاتهام إلى المقاومة، في الوقت الذي يندد فيه العالم بأسره بهذا الهجوم، ومنهم على سبيل المثال حليفهم الرئيس الفرنسي ماكرون الذي قال «لا شيء يبرر قصف المستشفى» فهل هذه مصداقية رئيس أكبر وأقوى دولة في العالم؟ أما الطامة الكبرى، والخزي الفاضح، والعار الموصوم في جبين زعماء العرب الصامتين الخرسان، والمهزومين الجبناء، والمطبعين الخونة فتمثلت في مواقف مخزية جبانة من بعض الدول العربية التي أدانت عملية طوفان الأقصى من جهة، وقدمت التعازي لمجرمي بني صهيون في قتلاهم وأسراهم من جهة أخرى. أما الشعوب العربية والإسلامية، فنهضت، وانتعشت، وصرخت بأعلى صوتها الموت لإسرائيل ومن يدعمها من الغربيين المتمثلين في أمريكا وأوروبا، والعزة للعرب والمسلمين والفلسطينيين الذين قهروا الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهر. وبنظرة ثاقبة لما حدث، فيمكن القول إن الحدث جاء ليميز الخبيث من الطيب من البشر، والرخيص من الثمين، والصادق من الكاذب، والصديق من العدو، وميزت بين الموازين والمعايير، فتبينت المعايير الصحيحة الثابتة، والمعايير المزدوجة المهزوزة، وغيرها من المقارنات بين الشيء وضده، كالصح والخطأ، والأبيض والأسود والصالح والطالح، والحق والباطل،...... وما إلى ذلك، فتبين العربي المسلم الأصيل المؤيد لعملية طوفان الأقصى، والمعتز بها وبأبطالها، والعربي المتصهين المُدين والمُندد لها من حكامنا العرب. وأهم من هذا كله، يمكن القول إن المقاومة الفلسطينية قد حققت مجموعة من النتائج الواقعية في عملية طوفان الأقصى مثل توحيد الأمة حول قضيتها المركزية (القضية الفلسطينية)، وكسر هيبة العدو الإسرائيلي، ونزع ثقة الإسرائيليين بحكومتهم، وقادتهم العسكريين والسياسيين، كما حققت نجاحاً في تعطيل مسارات التطبيع مع الكيان الصهيوني، بل ربما في إيقافها نهائيا، وزعزعت ثقة المطبعين بقوة إسرائيل وقدرتها على حمايتهم عند الحاجة، فكيف لا، وقد هُزم الجيش وقُهر وأُصيب في مقتل، وأخيراً وليس آخراً، كسبت المقاومة ثقة الأمة العربية بعزيمة رجالها في مقاومة العدو وتحقيق النصر المبين إن شاء الله. أما إسرائيل، فقد وقعت إسرائيل في شر أعمالها.

1536

| 26 أكتوبر 2023

العالمان الرقمي والحقيقي والمعايير المزدوجة

قد يتساءل البعض عن حقيقة وواقع المعايير المزدوجة في العالمين الحقيقي الواقعي، والرقمي الافتراضي، وقد يصدق ويؤكد غالبية الناس إن لم يكن جميعهم على ازدواجية هذه المعايير في العالم الحقيقي لما يراه ويسمعه عن هذه الازدواجية في عالمنا اليوم، وفي المجال السياسي والعسكري على وجه الخصوص. وذلك نتيجة لما تُظهره وسائل الإعلام من تناقضات وتعارضات سياسية حول مواقف عسكرية خلافية بين مؤيد ومعارض من هذه الجهة أو تلك، وفي مواقف متشابهة وبين أطراف مختلفة، ووفقا للمصالح السياسية والعسكرية كما بدا جلياً من مواقف متناقضة بين التسرع والتردد في اتخاذ مواقف ثابتة واضحة الاتجاه والتوجه نحو مسألة ما (مع أو ضد) من قبل حكومات ودول إقليمية ودولية حول قضايا الشرق الأوسط، وثورات الربيع العربي وغيرها من الدول التي وقفت مع طرف في موقف، ومع الطرف الآخر في مواقف أخرى مشابهة، فكيف تُوصَف هذه المواقف، وكيف تُقرأ، أليست هي مواقف تثبت ازدواجية المعايير؟ بالطبع نعم هي كذلك، فهذا ما حدث، ويحدث، ولا يزال يحدث في عالمنا الحقيقي الواقعي تجاه قضايانا العربية والإسلامية العادلة على وجه الخصوص في مقابل عدم الازدواجية في مواقف أخرى حول قضايا أخرى في الطرف الآخر من عالمنا الواقعي. أما في عالمنا الرقمي الحديث، فالأمر بالطبع مختلف، ومن الطبيعي أن يكون مختلفاً، فالعالم الرقمي له طبيعته الخاصة، وجمهوره، وأجواؤه، ووسائل تواصله وتفاعله الخاصة به، فهو عالم افتراضي عامته نخبة من المثقفين تكنولوجياً، والمتمكنين من مهارات التكنولوجيا الحديثة، ووسائلها الإعلامية، والمتفاعلين مع غيرهم ومتابعيهم محليا وعالميا عبر وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي الحديثة، ومواقعها، ومنصاتها مثل تويتر، والفيسبوك، والانستجرام، والوتس أب... وغيرها من المواقع والمنصات، ولذا فهو عالم يتميز بالفردية، والخصوصية الذاتية في المقام الأول، حيث يتم فيه الاتصال والتواصل بشكل فردي عن بعد، مما يعني المسؤولية الفردية عما يُقال ويُنشر. وتبعاً لهذه الخصوصية الفردية لا يطلع على التعليق المنشور إلا صاحبه، أو من يسمح لهم من متابعيه بالاطلاع عليه للتواصل والتفاعل معه، والأخذ والرد حول موضوع أو قضية معينة. ومن ناحية أخرى، فقبول نشر هذا الرد أو ذاك في تغريدة أو تعليق من إدارة المنصة أو القائمين عليها أيضا فردي لا يطلع عليه أحد، ولهذا فالازدواجية غير مُدركة ولا مُلاحظة من قبل العامة من الناس، مما يؤدي إلى الاعتقاد العام بأن هذه المنصات لها معاييرها المُوحدة والمُحكمة، وليست مزدوجة المعايير. ولكن يبقى هذا مجرد اعتقاد ناتج عن عدم إدراك هذه الازدواجية وملاحظتها، ربما لعدم ارتباطها بالقضايا المطروحة من قبل العامة من الناس، وعدم إدراك هذه الازدواجية أو ملاحظتها لا ينفي وجودها. فهي موجودة وإن اختفت عن بصر العامة من مرتادي هذه المنصات أو بصيرتهم، مما يعني أن هناك بالفعل معايير مزدوجة للنشر والتعليق حيث يتم في ضوئها قبول نشر هذا التعليق أو التغريدة أو رفضها، فمعاييرهم مزدوجة، وموازينهم مقلوبة، فالمقاومة ضد الاحتلال على سبيل المثال تعد إرهاباً، والإرهاب الإسرائيلي وهدم المنازل وقتل الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ يُعتبر دفاعاً عن النفس، واعتداء المستوطنين على المواطنين الفلسطينيين وحرقُ مزارعهم واقتحام بيوتهم وانتهاك حرماتها حق مشروع للاستيلاء على الأرض والاستيطان، وتأمين الحياة. وتأييد ممارسات الاحتلال شجاعة وبطولة، واعتراف بالحق، بينما معارضة هذه الممارسات خيانة، وعدوانية وتطاول ومعارضة للمعايير المعتمدة لهذه المنصة أو تلك، والأمثلة على ذلك كثيرة فعدم إدانة عمليات اقتحام ساحة المسجد الأقصى يعتبر تحضراً وتعقلاً واعترافاً بالحق في الاقتحام مهما كان، وممن كان، فمعاييرهم إسرائيلية في المقام الأول، يرفضون ما ترفضه إسرائيل، ويقبلون ما تقبله. وبالتالي فأي تعليق أو تغريدة تتعارض مع هذه المعايير فهي محجوبة عن النشر، والعكس مع التغريدات أو التعليقات المتوافقة مع النهج الإسرائيلي وتوجهه، فما المطوب منك إذن ليتوافق رأيك وتوجهك مع معايير هذه المنصات؟ المطلوب منك ببساطة هو ألا تغضب لغضب إخوتك الفلسطينيين، ولا تحزن لحزنهم، ولا تدين الممارسات الإسرائيلية العنيفة ضدهم في الضفة الغربية وقطاع غزة، أو في أي مكان آخر في فلسطين المحتلة. ولذا، ينبغي ألا تحتوي أي تغريدة أو تعليق على إدانة لإسرائيل، ولا إشادة بأي عملية مقاومة فلسطينية. ولا يُكتفى بذلك، بل يجب عليك أن تدين كل عمليات المقاومة الفلسطينية لأنها تعتبر إرهاباً في العرف الإسرائيلي والثقافة الأمريكية والغربية. وبغير ذلك، فلن تجد تغريدتك أو تعليقك أي سبيل للنشر على هذه المنصات، فالمعايير مزدوجة، والموازين مقلوبة، والمصلحة غالبة. [email protected]

1314

| 03 يوليو 2023

الإبراهيمية.. ديانة جديدة.. أم لعبة جديدة

لا يخفى على القارئ المعاصر والمتابع لما يدور من حوله من أحداث ومحن وأزمات وغزوات عسكرية وفكرية، وحروب شرسة عالمية وإقليمية تُشن هنا وهناك، وبسبب وبدون سبب، أن عنوان المقالة يتضمن سؤالاً صريحا يتعلق بمصطلح «الإبراهيمية» الذي يُعبَر عنه تواريةً من قبل مبتدعيه ومتبنيه بــ «البيت الإبراهيمي» وليس «الديانة الإبراهيمية» وذلك بقصد الكذب والتدليس، والخداع والتضليل، باعتباره بيتاً دينياً يضم الديانات السماوية الثلاث، اليهودية، والمسيحية والإسلام، ويجمع بينها في مواطن اتفاق مشتركة، وليست دينا جديدا على الإطلاق. ومن هنا يأتي السؤال.. هل الإبراهيمية ديانة جديدة أو بيت ديني جديد كما يُظهرون، أم أنها لعبة جديدة كما يخفون؟ فبالطبع هي ليست ديانة كما يدعون، لأنه لا ديانة ولا دين سماوي بعد الإسلام لقوله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم: «اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام دينا» (المائدة، 6)، فهو الدين الخاتم الذي أظهره الله سبحانه وتعالى على يد نبيه الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم، ولا دين ولا ديانة بعده، فلا موسوية، ولا عيساوية، ولا إبراهيمية، ولا غيرها من المسميات المقترنة بأي من أسماء الأنبياء. فالديانة الإبراهيمية اذن ما هي إلا لعبة من ألاعيب الصهيونية العالمية، وخدعة من خدع أمريكا وإسرائيل والدول الغربية وبعض الأنظمة العربية الموالية لها، والمخطوفة من كيانها العربي والإسلامي. فالصهيونية العالمية ومن والاها تعكف بكل ما أوتيت من قوة وجهد ووقت على تبني الدسائس والمكائد والحيل، والمؤمرات الخفية، والعمل بشكل دؤوب على رسم الخطط وتنفيذها في العالم العربي لإدماج الصهاينة وصهرهم في المحيط العربي المسلم، وبين الشعوب العربية المسلمة الرافضة للتعامل مع هؤلاء الصهاينة شكلاً ومضموناً، كما ظهر جلياً في الدوحة خلال فعاليات مونديال (قطر 2022)، حيث لُوحظ الرفض التام، وشوهد بالصوت والصورة على شاشات التلفاز، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، مما يدل على عدم قبول الشعوب العربية قاطبةً لهذا الكيان الدخيل، ولا حتى بمجرد الحديث مع أي صهيوني. فاللعبة مكشوفة، والهدف واضح، والمستهدف هو الدين الإسلامي ومن يتبعه من المسلمين في المقام الأول. ولذا، فالديانة الإبراهيمية ما هي إلا حجة وحيلة خبيثة لإيجاد وعاء ديني يتم فيه صهر الديانات السماوية الثلاث (اليهودية، والمسيحية، والإسلام)، بمبادئها وسننها وقيمها، وتذويب الفوارق القيمية بين معتنقيها، وتوحيد العقائد الدينية تحت شعار السلام والتسامح والعدل والمساواة، والحرية، ونبذ العنف، وكل ما يردده اليهود والنصارى، ومن والاهم، والتي ثبت زيفها وعدم صدقها من خلال الحروب التي شُنت وتُشن بين الفينة والأخرى على المسلمين في كل بقاع الأرض من غير وجه حق، وزهق أرواح الملايين من البشر في كل من العراق وأفغانستان، وفلسطين، وغيرها من الدول العربية والإسلامية، وبحجج واهية لا وجود لها على الإطلاق، كالإرهاب، وأسلحة الدمار الشامل التي لم يثبت وجودها في أي من هذه المناطق. فالديانة الجديدة باطلة، ومرفوضة وإن حملت اسم أبي الانبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام، وهي كما وصفها بعض رجال الدين العرب الأحرار بأنها كفر وشرك وخروج عن الملة، حيث لا توحيد بين الأديان، ولا جمع بين الحق والباطل، وبين الكفر والإيمان، فكيف يلتقي الخير بالشر، والحق بالباطل؟ فالإسلام دين الحق، وغيره الباطل. وكيف يشترك في العقيدة كل من يوحد الله وحده ولا يُشرك به أحداً مع من يُشرك به، أو يشرك معه شريكاً غيره، ومع من يؤمن بأن الله ثالث ثلاثة؟ وكيف للإسلام الجامع لكل الأنبياء والمؤمن بهم جميعا أن يذوب وينصهر في بوتقة دين مبتدع لا أساس له ولا رسالة، ولا كتاب ولا سُنة، ولا حتى أتباع؟ فالإبراهيمية إذن ديانة بلا هوية، وبدعة لا أساس لها، جاءت على هوى العابثين من اليهود والنصارى، ومن والاهم من بني جلدتنا بتبني واحتضان من الصهيونية العالمية، ومؤسساتها المؤتمرة بأمرها، والمتحدثة بلسانها والمنفذة لكل مخططاتها بهدوء وروية وخُفية من منظمات وجمعيات وحركات سياسية وثقافية واجتماعية عالمية. فمشروع الديانة خطير ويستهدف الإسلام بالدرجة الأولى، وعلى المسلمين الحذر الشديد والعمل على إفشاله كما فشل غيره من المشاريع الصهيونية، واتفاقات التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني، والصفقات المشبوهة مثل صفقة القرن، وما سبقها وما يليها فيما بعد. فالتحديات جسيمة، والمسؤولية كبيرة وشاقة، وتقع على كاهل كل من الأسرة المسلمة أولا، والمدرسة العامة والخاصة ثانيا، ووسائل الإعلام الرسمي المحلي ثالثا، ووسائل التواصل الاجتماعي الفردي والجماعي والمؤسسي رابعا، وذلك بتأهيل وتسليح النشء وتزويدهم بالعلوم الدينية والقيم الاجتماعية الأخلاقية السمحة، والأفكار والمواعظ والعبر الإسلامية لإعداد أجيال قادمة صاعدة قادرة على التصدي لمثل هذه النزعات والغزوات الثقافية المعادية، والمحاولات الحثيثة الهادفة إلى طمس الهوية الإسلامية على المدى القريب والبعيد. ولذا، فالدعوة موجهة لكل من هو حريص على دينه وهويته الإسلامية أن يحافظ على تعاليم هذا الدين ومبادئه وقيمه الفاضلة.

3963

| 15 مارس 2023

مونديال قطر 2022... والموازين المقلوبة

الحديث عن الموازين هنا، لا يعني موازين الحكم على المونديال من حيث النجاح والفشل، فالمونديال ناجح بكل المقاييس الموضوعية، ومن وجهات نظر عالمية وعربية ومحلية، بل يعني الحديث عن موازين التعامل مع المونديال ذاته، والتفاعل مع فعالياته أو عدم تقبله بصورة إيجابية لحاجة في النفس، فهناك الكثير من المتربصين لتنظيمه من الحاقدين والعنصريين الذين لا يريدونه أساساً أن يُنظم في المنطقة العربية لحجج واهية، ومبررات غير منطقية، وخصوصاً في قطر باعتبارها دولة عربية إسلامية في المقام الأول، وهذا واضح وجلي للقاصي والداني. ولكن قبل الخوض في هذه العبث، والمكائد الدنيئة، وغيرها من الأحقاد، لابد من تسليط الضوء على المونديال من لحظة انطلاقه. فالمونديال منذ بدايته كان رائعاً ومبهراً، فقد انبهر العالم بافتتاحه الاسطوري العالمي الراقي الذي مزج بين الثقافات الوطنية المحلية والعربية بعاداتها وتقاليدها وأعرافها وما يزينها من كرم وضيافة ورفعة خُلق وترحيب بالجماهير الكروية، وبين الثقافات العالمية وتوجهاتها وتكنولوجيتها، ونمط حياتها المتسارع الخطى، فالافتتاح كان لوحة تصويرية فنية رائعة عكست الثقافة الإسلامية الأصيلة حيث بدأ بتلاوة من آيات الذكر الحكيم، وتضمنت فنوناً كثيرة ذات خلفية موسيقية، ومشاهد فيديو تصويرية تعبر عن الصلة بين أصالة الماضي وإيقاع الحاضر ونقماته، وبوسائل تقنية حديثة. وبذلك فقد نال الحفل الافتتاحي إعجاب الجماهير في كل بقاع الأرض من الحاضرين في موقع الاحتفال في أستاد البيت بمدينة الخور القطرية، أو الجالسين أمام شاشات التلفاز داخلياً وخارجياً، حيث كان البثُ مباشراً على القنوات الفضائية المتاحة لجماهير كأس العالم لكرة القدم. ولذا، فقد نجح المونديال رغم أنف الحاقدين المتشككين في قدرة قطر على التنظيم والاستضافة. فكان تنظيماً رائعا، واستضافةً راقيةً مغلفةً بكرم الضيافة، وطيب المعاملة، ومبطنة بالقيم الأخلاقية المتجذرة في المجتمع القطري والعربي. ويمضي المونديال شامخاً مستمراً في علوه وارتقائه يضيء الأجواء العالمية نوراً ساطعا وصيتاً ذائعاً طوال هذه الفترة منذ انطلاقه يوم السبت 20 نوفمبر 2022 إلى الآن حيث بداية الاسبوع الثالث، والدخول في منافسات الدور الثاني (دور الــ 16)، ولم ينخفض صيت المونديال، ولم يخفت له ضوء، ولم يبهت له بريق، فلازال براقاً متلألئاً في سماء الكرة الأرضية برمتها. وما هذا في الحقيقة إلا نجاحاً باهراً يحسب للمونديال، ولكن لهذا النجاح أعداء ومغرضون يملؤهم الحقد الدفين، والعنصرية المقُيتة التي بدورها تؤدي إلى اختلال الموازين والمقاييس، وبروز المعايير المزدوجة في التعامل مع المونديال قبل أن يبدأ. وإحقاقا للحق، ووضع المونديال في موازينه الموضوعية الصحيحة، فيمكن القول بأن مونديال العرب قد حقق أهدافه بجمع الجماهير العربية، ووحد كلمتهم حول قضيتهم الأولى «القضية الفلسطينية» فكان العلم الفلسطيني، والوشاح الفلسطيني وغيرها من الرموز الشعارات الفلسطينية حاضرة في كل أرجاء قطر، وفي كل فعاليات المونديال، مما أدى إلى حصار الوجود الإعلامي الإسرائيلي، وتحجيمه وتعريفه بقيمته الرخيصة عند الشعوب العربية، فالكيان الصهيوني منبوذ عربياً شعبياً. وبذلك أصبح المونديال بمثابة استفتاءٍ شعبي لرفض ما يسمي بالتطبيع الشعبي العربي كما يُروج له في دول التطبيع المجاني، والذي لم ولن يكون موجوداً أصلاً، فهو وهم لا حقيقة له على الإطلاق، وبذلك فقد ندم الإسرائيليون على حضورهم هذا المونديال الذي لم يحقق لهم مرادهم ولا في الحصول على مقابلة واحدة مع عربي واحد أثناء المونديال، فرجعوا بخفي حنين خائبين يلطمون وجههم من الحسرة والندم. كما يحسب للمونديال نشره للثقافة العربية بقيمها وأخلاقها الأصيلة من سماحة وضيافة وكرم وأخلاق ظهرت في تآلف وتفاعل المواطنين والجماهير العربية مع الجماهير العالمية وغيرهم مما أعطى صورة جميلة عن هذه الشعوب العربية الأصيلة، وعمل على تغيير صورتهم النمطية في الدول الغربية وأمريكا وغيرها ممن يتأثر بالإعلام الغربي المضلل. أما بالنسبة للتعامل مع الموازين المقلوبة كما ورد في عنوان المقالة، فقد تمثلت في بعض المواقف المشينة مثل موقف وزيرة اوروبية خالفت قوانين المونديال والتحايل عليها بإخفائها إحدى الشعارات، وهذا سلوك مشين وغير لائق من وزيرة. هذا علاوة على الهجوم الإعلامي الشرس على قطر ومونديالها العالمي قبل أن يبدأ، وأثناء انطلاقه في الوهلة الأولى، حيث مُنعَ نقل مراسم الافتتاح بعالميته على قنواتهم الرئيسية بسبب منع رفع شعار الشذوذ الجنسي، فماذا يسمى هذا، أليس حقداً وكراهيةً وموازين مقلوبة من المرتدين لثوب النزاهة والعدالة والحضارة، فهل هذه هي الحضارة؟ وكل هذا شيء، وما يأتي من بني جلدتنا ويلبس ثوبنا ويتحدث بلغتنا، ويدين بديننا شيء آخر، فأول من انتقد افتتاح المونديال بآيات من القران الكريم هم أخوة لنا من العرب والمسلمين حين ابدوا تذمرهم بقولهم كيف يمكن افتتاح حدث عالمي كهذا يحضره الكثير من غير المسلمين بآيات من القرآن الكريم، ولم تفرضونه على جماهير العالم؟ في حين أن الآيات القرآنية التي بدأ بها الافتتاح كانت آيات تحث على التجمع والتآلف والمحبة بين الشعوب، بعيداً كل البعد عن معاني العنف والكراهية، فهل هذا موضع انتقاد وتذمر يا أخوتنا في العروبة والإسلام؟ وخلاصة القول، فمونديال العرب هذا كان محكاً مُحكَماً لبني البشر حيث ميز بين الصالح والطالح، والأصيل والخبيث، والغالي والرخيص، والرفيع والوضيع. فمبروك لقطر مونديالها العالمي الاستثنائي الرائع. مونديال قطر 2022... والموازين المقلوبة كلية التربية – جامعة قطر

1791

| 06 ديسمبر 2022

بايدن.. وأسطوانة التحقيق المشروخة

يتساءل المرء العربي بالذات وليس غيره من بني البشر في هذا العالم عن قصة بايدن مع اسطوانته المشروخة في التحقيق الشامل كما كان يرددها في كل مناسبة ترتكب فيها إسرائيل جرائمها المفضوحة نهاراً جهاراً ضد الشعب العربي الفلسطيني أفراداً وجماعات، حيث بدأت هذه الاسطوانة بالترديد لأول مرة عند مطالبة بايدن بالتحقيق الشامل في اغتيال مراسلة الجزيرة الصحفية الأمريكية الفلسطينية شيرين أبوعاقلة، ورددها مؤخراً في حرب إسرائيل الأخيرة على غزة، فما هي القصة، وما مغزى إثارتها وترديدها بين الفينة والأخرى، وبمناسبة وبغير مناسبة، فهل الرئيس الأمريكي بايدن صادق في المطالبة بإجراء تحقيق شامل في هذه الجرائم، أم هي عنترية للاستهلاك الداخلي الأمريكي باعتبار شيرين مواطنة أمريكية من ناحية، ولذر الرماد في عيون العرب والفلسطينيين من ناحية أخرى، أم للتظاهر بالعدل والإنصاف والمسؤولية المزيفة أمام العالم ككل، والتظاهر بالنزاهة والحيادية وعدم الانحياز لإسرائيل؟ فالنتيجة واضحة، فلا مصداقية ولا نزاهة ولا حياد، بل عنترية مطلقة، وانحياز واضح وصريح لإسرائيل، وضرب كل القيم والمبادئ الأخلاقية الأمريكية بعرض الحائط، ودون خجل ولا حياء ولا استحياء. ففي واقعة اغتيال مراسلة الجزيرة شيرين أبوعاقلة، طالب الرئيس بايدن وألح وأصر على إجراء تحقيق شامل ونزيه في الحادثة، مع علمه اليقين بأن الحادثة ما كانت لتحدث لولا صدور أوامر واضحة مباشرة من رؤساء وضباط الجيس الإسرائيلي. فالحديث هنا عن صدور أمر عسكري صريح ذي خلفية سياسية بالاغتيال وجب تنفيذه دون تردد. فالأمر واضح وشيرين مستهدفة بالاغتيال في المقام الأول ومن أعلى هرم السلطة الإسرائيلية. وعلى الرغم من ذلك، فلم يتردد بايدن في إصراره على التحقيق الشامل في الحادثة. فماذا حدث في التحقيق الأمريكي الشامل، فهل وُجهت تهمة مباشرة وصريحة إلى إسرائيل أم تم التلاعب بالألفاظ، وإيجاد الحجج والمبررات مثل وقوع الحادثة في معركة بين الفلسطينيين والإسرائيلين، مما يُرجح انطلاق رصاصة طائشة من هنا أوهناك، كما ورد في الرواية الإسرائيلية، وفي النهاية تُبرأ إسرائيل وتنجو بفعلتها ليس من العقاب فحسب بل حتى من مجرد التهمة، وذلك بمساعدة فريق التحقيق الأمريكي الذي جاء من واشنطن بغرض تمييع القضية بأحداثها وملابساتها وتحريفها عن مسارها، ليضيع دم شيرين، ويُغلق الملف. وهذا يحدث في قضية اغتيال مواطنة أمريكية، فكيف لو لم تكن الضحية أمريكية؟ لكانت النتيجة أدهى وأمر، وأشد ظلماً وقهراً. وبذلك فقد وضع بايدن نفسه في حرج أمام العالم. وفي الواقعة الثانية، وهي حرب إسرائيل على غزة، والهجوم المباغت عليها، وقصف المنازل من الجو، وهدمها على رؤوس ساكنيها، واستهداف قيادات في حركة الجهاد الإسلامي بالاغتيال والتصفية الجسدية، وقتل الأبرياء من شيوخ ونساء وأطفال بالطائرات الحربية المقاتلة، والقذائف الصاروخية، والأسلحة المتطورة الفتاكة، وتدمير شامل للمخيمات الفلسطينية دون مراعاة لأبسط حقوق المواطنين الغزاويين في العيش بأمن وأمان في مخيماتهم السكنية في أرضهم الفلسطينية. فالاعتداء وحشي همجي لا هوادة فيه، ولا رحمة، ومجرد من كل القيم والمبادئ الإنسانية، ومستنداً إلى حجج واهية، ومبررات ضعيفة لا تدعم قرار العدوان الظالم، وقتل وتشريد المواطنين الآمنين الأبرياء من منازلهم ومساكنهم. وعلى الرغم مما يحدث، يأتي بيان البيت الأبيض ليؤكد على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، ولو كان ذلك بعملية عسكرية استباقية احترازية مبنية على الافتراضات والمعلومات المفبركة. والغريب أن يأتي هذا البيان قبل أن تبدأ حركة الجهاد بالرد بالصواريخ والقذائف الصاروخية الموجهة إلى مدن الاحتلال الإسرائيلي القريبة من قطاع غزة وعلى الشريط الحدودي منها، والمدن البعيدة عنه. ومن ثم يأتي الرئيس الأمركي بايدن بتصريح آخر يدعم فيه إجراء تحقيق شامل في الواقعة، فكيف يكون ذلك، وبأي منطق وعقلانية؟ سؤال يستدعي التوقف والتمعن في المغزى من إجراء التحقيق الشامل في العدوان ودعمه أمريكيا، ففيم التحقيق؟. هل هو في العدوان على غزة وأسبابه، وما نجم عنه من قتل وتدمير وتشريد للمواطنين الآمنين، أم في صد العدوان والرد عليه، وقصف المدن إسرائيلية القريبة والبعيدة من غزة؟. وبالتوقف عند الحالتين والتمعن فيهما، يتبين الموقف الأمريكي المزيف، والمغزى الكامن وراءه. ففي الحالة الأولى لم يكن إصرار البيت الأبيض على التحقيق إلا لإخراج إسرائيل من مأزق الاغتيال المتعمد للتأكيد على أنه اغتيال غير مقصود حدث نتيجة للتراشق بالنيران بين الجيش الإسرائيلي وعناصر من حركة الجهاد الإسلامي. وهذا بالطبع مخرج يفتقر إلى العقلانية والموضوعية والدقة، ولا يمكن لأي عاقل أن يصدقه على الإطلاق. أما التحقيق في القضية الثانية، فهو مجرد دعم لأي مطلب للتحقيق في المواجهة بين طرفي الصراع في غزة، وذلك مرة أخرى لتبرير العدوان على غزة. ففي النهاية، يتبين أن التحقيق والمطالبة به أو دعمه ما هو إلا أسطوانة مشروخة رددها بايدن لتبرير جرائم إسرائيل، ودعمها في أي موقف ومناسبة، وتبرئتها من أي جرم. ● كلية التربية – جامعة قطر

632

| 14 أغسطس 2022

بايدن والمنطقة.. والكارثة المرتقبة

يلاحظ اهتمام بعض الرؤساء الأمريكان وخاصة آخر ثلاثة رؤساء ابتداءً بأوباما وانتهاءً ببايدن، ومروراً بالرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذين قاموا ويقومون قريباً بزيارات رسمية تاريخية للمنطقة العربية، فبدأ الرئيس أوباما في بداية فترته الرئاسية بزيارة للقاهرة في 4 يونيو 2009 ليلقي خطاباً موجهاً للعالم الإسلامي في رحاب جامعة القاهرة، يعرض فيه مقاربة جادة كما يزعم للسلام في الشرق الأوسط، وبدأ خطابه بلهجة عاطفية يخاطب بها الوجدان العربي الإسلامي، ويطالب بفتح صفحة جديدة بين العالمين الغربي والإسلامي، ويُغني على أوتار العناصر والمبادئ المشتركة بين أمريكا والعالم الإسلامي مثل مبادئ العدالة والتقدم والتسامح وكرامة كل إنسان، مما يثير التساؤل من جهة والتعجب من جهة أخرى. فهل هذا السجال في خطاب أوباما هو اعتراف منه شخصياً بما بيننا من نقاط تلاقٍ أم هو تغنٍ وتغزل بالشعوب والأنظمة العربية والإسلامية لحاجة في نفس يعقوب؟. وفي خطابه أشار أوباما إلى القضية الفلسطينية، حيث قال في الفلسطينيين كلاما لم يقله من قبله أحد من الرؤساء الأمريكيين، فتحدث بوضوح وصراحة غير معهودة عن معاناة الشعب الفلسطيني، فقال بالحرف الواحد نصاً "لقد عانى الفلسطينيون لأكثر من ستين سنة من التهجير، حيث بقي العديد منهم ينتظر في مخيمات اللاجئين بالضفة الغربية وفي غزة والأراضي المجاورة، يحلمون بحياة يسودها السلام والأمان لم يذوقوا طعمها أبداً، ويذوقون مرارة الذل يومياً بشتى أنواعه على يد الاحتلال. لذلك، علينا أن نقول صراحة إن وضعية الشعب الفلسطيني لم تعد تُحتَمل. ولذلك أيضاً، لن تدير أمريكا ظهرها في وجه تطلعات الفلسطينيين الشرعية للعيش في كرامة داخل وطن خاص بهم" (فواز جرجس 13 يونيو 2009). وبذلك يكون أوباما قد وعد وعوداً لم يف بها، فلم يتحقق السلام، ولم يتوقف الاستيطان، ولم تُحل الدولتان، وعلى عكس ما وعد أوباما، فقد أدارت أمريكا ظهرها للشعب الفلسطيني. وعلى الرغم من ذلك، ولمجرد تغني أوباما بالسلام وتفوهه بالحق في العيش بسلام للفسطينيين، فقد تأهل الرئيس أوباما لنيل جائزة نوبل للسلام، ونالها بالفعل دون أن يُحرك ساكناً في مسألة السلام وحل الدولتين، ولم ينل الفلسطينيون في المقابل حقهم في دولتهم. وليس غريبا أن يخرج أوباما من المنطقة دون تحقيق أي من هذه الوعود، بل الغريب أن تبدأ إرهاصات ومقدمات الفوضى الخلاقة في عهده، وذلك إيذاناً بتشكل الشرق الأوسط الجديد الذي وعد به بوش الأب من قبل إبان حرب تحرير الكويت. فهذا هو الرئيس الأمريكي أوباما يخرج من المنطقة بكارثة الفوضى الخلاقة وتشكيل الشرق الأوسط الجديد، إذن خرج أوباما بكارثة عربية، ونال جائزة دولية. وتنتهي فترة أوباما، لتدخل مرحلة الرئيس الأمريكي الثاني دونالد ترامب الذي قرر أن يزور المنطقة في أول رحلة له كرئيس خارج أمريكا متوجهاً إلى المملكة العربية السعودية، وبدأت مراسم الترحيب والاستقبال بقدوم الضيف الجديد لعل في زيارته مستقبلاً واعداً جديداً للمنطقة العربية، ولم يحدث إلا عكس ذلك، فقد تأثرت ميزانيات الدول الخليجية، واندلعت الأزمة الخليجية، وشُق الصف الخليجي، ومن بعده الصف العربي. والخلاصة، خروج ترامب من المنطقة بكارثة أخرى. فالكوارث العربية مقترنة بزيارات الرؤساء الأمريكيين، فهل تحدث كارثة أخرى بقدوم الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن للمنطقة، وإنشاء تحالف عربي إسرائيلي بقيادة أمريكية لمواجهة التهديد والخطر الإيراني. فالإجابة، نعم ستحدث كارثة نتيجة لزيارة الرئيس جو بايدن للمنطقة، فالتحالف العربي الإسرائيلي المرتقب في حد ذاته كارثة تدفع المنطقة برمتها إلى التوتر والخطر وعدم الاستقرار الذي يدفع ثمنه الخليجيون والعرب بشكل عام، وفلسطين والفلسطينيون بشكل خاص. فالتحالف العربي مع إسرائيل ما هو إلا مكر يمكرونه لتحقيق مبتغاهم، ولكن الله أشد مكراً وأشد تثبيتاً. فالتحالف المرتقب كما يدعون تقوده أمريكا في البداية، وتقوده إسرائيل في النهاية. ولن يكون للعرب إلا السمع والطاعة، وهذا يعني تخلي الأمة عن قضاياها وأولوياتها، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وترك الفلسطينيين وحدهم دون عون ولا سند ولا ناصر ولا نصير إلا الله سبحانه وتعالي في مواجهة الطغيان والهيمنة والعربدة الإسرائيلية اللامسؤولة، واللامحدودة على الإطلاق، حيث لا حسيب ولا رقيب، ولا حساب ولا عقاب. فالتحالف العربي الإسرائيلي يعني التغلغل الإسرائيلي في المنطقة، والهيمنة والسيطرة على الأمة العربية وخصوصياتها وقضاياها الرئيسية، مما يعني بعبارة أوضح وأفصح تسليم الأمة العربية لإسرائيل. وهذه هي الكارثة الكبرى حيث الفرصة الثمينة السانحة للتحكم الإسرائيلي في مفاصل الأمة ومقدراتها وأمن المنطقة لما فيه المصلحة الإسرائيلية في نهاية المطاف. ولذلك، ندعو الله عز وجل أن يحفظ الأمة ويُفشل هذا المخطط، ليعود بايدن إلى داره بخفي حنين. المراجع: فواز جرجس (2009). قراءة في خطاب أوباما في القاهرة واستراتيجيته الشرق أوسطية. 13 يونيو 2009. كلية التربية – جامعة قطر [email protected]

1073

| 30 يونيو 2022

اللغة العربية.. ومكانتها المجتمعية

اختتمت فعاليات الموسم الثقافي لندوات وزارة الثقافة القطرية في الفترة من 17- 31 مارس 2022، والذي تضمن مجموعة من الندوات تعلقت باللغة العربية ومكانتها المجتمعية، والعلاقة بين العربية الفصحى والعامية المحلية، ونحن والغرب، والشعر العربي والأغاني، والنخب الثقافية القطرية والدور التفاعلي المأمول، وغيرها من الندوات التي انتهت بندوة "ملتقى قطر للتواصل الاجتماعي" حيث أخذت كل ندوة مكانها في جدول الندوات من حيث الزمان والمكان، فقد أقيمت هذه الندوات في جامعة قطر، ومعهد الدوحة للدراسات العليا. وقد نشطت الساحة الثقافية في هذه الفترة، وتوفرت أجواء تفاعلية بين المحاضرين والجمهور ومثقفي المجتمع، وتلاقحت الأفكار وتبُودلت الآراء في قضايا المجتمع الثقافية التي تناولتها الندوات، ليأتي دور الإعلام المحلي ووسائله المرئية والمقروءة والمسموعة لتغطية الحدث بشكل موضوعي وشامل حيث طالعتنا جريدة الشرق بتقارير صحفية ووصف كامل لما دار من عرض وحوار ومداخلات حول كل هذه الندوات. ونظرا لتعدد اهتمامات الجمهور، وفيما يخص ندوة اللغة العربية ومكانتها في مجتمعها، فقد طالعتنا جريدة الشرق القطرية في عدد الثلاثاء 22 مارس 2022 بتقرير حول ندوة "هل تراجعت مكانة اللغة العربية في مجتمعاتها؟" التي تحدث فيها كل من د. على أحمد الكبيسي، والشاعر القطري عبدالرحمن الدليمي، والإعلامية الجزائرية أمل عراب. وتولى تقرير جريدة الشرق تغطية شاملة لما ورد في الندوة من أفكار وتفاعلات ومداخلات بالرأي في توافقه وتعارضه مع ما تم طرحه في الندوة. ووفقا للتقرير، فقد أشار د. الكبيسي إلى تعذر الحكم على تراجع اللغة العربية في مجتمعها في ظل غياب ما يسند هذا الرأي من دلائل ومؤشرات ناتجة عن دراسات وبحوث علمية في هذا الشأن. وتوصيفا لما أورده المتحدث، ورغم تريثه في الحكم على تراجع مكانة اللغة العربية، إلا أنه صنف الآراء في هذا التراجع إلى ثلاثة تصنيفات أو آراء شخصية أولها يفيد بأن هذا التراجع كان عارضاً وله أسباب وحيثيات، وسرعان ما يزول بزوال هذه الأسباب. أما الرأي الثاني، فيشير إلى أن هناك تراجعاً واضحاً في مكانة اللغة العربية في مجتمعها، مما يثير القلق، ويرفع درجة الحذر منه ومن تداعياته على الفرد أولا، وعلى المجتمع والأمة بأكملها ثانيا. أما الفريق الثالث الذي أشار إليه المحاضر، فيرى أنه لا تراجع لمكانة اللغة العربية في المجتمعات العربية استنادا إلى حفظها بنص القرآن الكريم وحكم الدستور. وبالنظر إلى مجتمع الندوة وجمهورها باختلاف تياراتهم الفكرية وتخصصاتهم العلمية بين اللغة والإعلام وعلم الاجتماع وباقي التخصصات العلمية والأكاديمية بجامعة قطر وغيرها من التيارات الفكرية، وتعقيباً على ما ورد في الطرح بشأن صحة تراجع مكانة اللغة العربية من عدمه، فمن المنطق والموضوعية وفقا لرأي الكاتب ترجيح كفة الرأي المؤيد للتراجع في مكانة اللغة على الآراء الأخرى المعارضة، والشواهد على ذلك كثيرة. ولذا، فماذا يُسمى الدفاع عن اللغة الإنجليزية وليست العربية في كل الأحوال والمناسبات من قبل الكثير من طلبة الجامعات، وبعض مثقفي المجتمعات العربية وخريجي الجامعات الأجنبية، والغربية على وجه الخصوص، وتبرير التحدث باللغة الإنجليزية بمناسبة وبغير مناسبة. وليس هذا فحسب، ولا يُكتفى بالهوس بالتحدث بلغة الغير، بل يقابله التشدد وعدم التواني بالطعن في اللغة العربية، ونقدها في كيانها وطبيعتها وخصوصيتها وأحكامها وقواعدها ونحوها، ونعتها بالتأخر والتخلف عن الركب الحضاري، وعدم مسايرة التطور، وعدم صلاحيتها للاستخدام في عصر التكنولوجيا. كما تُنعت العربية في الكثير من الأحيان بأنها ليست لغة العلم والتقدم، وغيرها من الطعون والانتقادات من قبل متحضري العصر، ورافعي راية التحضر والتقدم غير المبني على أساس علمي ومنطقي. ومن ناحية أخرى، فبم تُبرر الرغبة في إدخال مصطلحات ومرادفات إنجليزية في سياق الحديث باللغة العربية للتفسير والتوضيح بحجة وبدون حجة كنوع من التباهي والتفاخر بلغة الغير وليست لغة الذات والهوية والقومية. وكيف يُفسر تهافت اولياء أمور الطلبة وسعيهم الحثيث إلى إدخال أبنائهم وبناتهم في مدارس أجنبية، مع يقينهم التام بعدم اهتمام هذه المؤسسات التعليمية بلغة المجتمع والأمة، وإن وجد بعض الاهتمام باللغة العربية في هذه المدارس، فهو اهتمام ضيق وصغير جدا لا يكاد يذكر، وذلك من باب الاستحياء والتغني بوجود بعض الاهتمام باللغة العربية لطمأنة الجمهور، ذر الرماد في العيون. وبم يُفسر إصرار بعض مؤسسات الدولة بالتحدث بلغة الغير وإهمال اللغة العربية في التخاطب والمراسلات بين أقسامها وإداراتها، واعتبار اللغة الإنجليزية لغة التخاطب والتفاهم بين منتسبي هذه المؤسسات؟ وماذا عن الجيل الناشئ من أطفالنا الذين لا يتخاطبون ولا يتفاهمون إلا باللغة الإنجليزية، فهل يُنتظر من هذا الجيل أن يعتز ويتفاخر بلغته الأم.. اللغة العربية التي لم يتحدث بها ولم يمارسها في حياته حتى في بيته ومع والديه؟ والسؤال الختامي هنا هو: أليس في كل هذه الأمثلة والنماذج والمواقف الواقعية الحية تراجعاً لمكانة اللغة العربية في مجتمعها؟ ولذا، فيرجى التفكر والتأمل في وضع اللغة العربية بعد 10 سنوات من الآن. كلية التربية – جامعة قطر [email protected]

1676

| 05 أبريل 2022

التعليم عن بُعد.. أم البُعد عن التعليم

عنوان جدلي، ربما يثير الكثير من التساؤلات المبنية على الاتفاق أحياناً، والاختلاف أحياناً أخرى. فالاختلاف الموضوعي المنطقي البعيد عن الأهواء الشخصية، والتفسيرات عميقة الهوى يثري القضية ولا يفسدها، وهذا هو المغزى في نهاية المطاف. فالتعليم قضية وطنية عامة في كل المجتمعات المتحضرة، وإثراؤها مطلب اجتماعي خالص، ومناقشتها أمر مُلح في كل الظروف العادية والاستثنائية، ومن قِبَل كل شرائح المجتمع وطوائفه وأجناسه من مواطنين ومقيمين سواء بسواء، ودون استثناء، والتساؤل والجدل فيها وحولها وارد ومتاح. ولذا، فما المانع من إثارة مثل هذا السؤال المتجسد في عنوان هذه المقالة؟ وذلك من أجل إثراء القضية التعليمية وما لها وما عليها من شجون وهموم يلمسها ويحس بها كل من يعيش على هذه الأرض من مواطن ومقيم؟ وباعتبارها قضية مجتمعية في المقام الأول، فهي مسؤولية الجميع، من أفراد وجماعات ومؤسسات عامة وخاصة، فالمدرسة من جهتها مسؤولة، والبيت مسؤول، والطالب مسؤول، وكذلك الحال مع المعلم، ومن في حكمه. فكل له دوره المنوط به. فتوفير بيئة تعليمية مواتية تتوافق مع خصائص المتعلم، وتلبي احتياجاته التعليمية تقع على عاتق المعلم، حيث إنه المسؤول الأول عن إعداد هذه البيئة وتهيئة الظروف المحيطة بالمتعلم من أجل حدوث التعلم، وتوفير البنية التحتية لهذه البيئة مسؤولية القيادة التربوية من جهة، والإدارة المدرسية من جهة أخرى. وكذلك الحال مع البيت ومؤسسات المجتمع المدني الأخرى المعنية بالعملية التعليمية من قريب أو بعيد. وكل هذه المسؤوليات قائمة وملاحظة وملموسة في الظروف العادية في اللقاء المباشر وجها لوجه بين المعلم والمتعلم في التعليم عن قُرب في الصف. أما التعليم عن بُعد، فهو أمر مختلف لأنه لا يلتقي المعلم والمتعلم في مكان واحد في غرفة الصف، بل يلتقيان عبر شاشة كمبيوتر واحدة في مكان المتعلم في البيت حيث يُنقَل إليه الدرس كاملا بكل ملحقاته ومتطلباته ومستلزماته، وهذا الأمر غير عادي في الظروف الطبيعية. والسؤال هنا هل تتغير المسؤوليات التعليمية آنفة الذكر في مثل هذا الظرف؟ بمعنى هل تتغير مسؤولية المعلم والمتعلم والبيت وباقي مسؤوليات مؤسسات المجتمع المعنية بالعملية التعليمية؟ فالإجابة بالطبع «لا»، فالمسؤوليات لا تتغير، بل تتغير الطرق والأساليب، وربما تزداد الجهود وتتضاعف، وتختلف الخبرات، وتكبر التحديات. ونظرا لما آلَ إليه الوضع الحالي من دواعٍ طارئة خاصة فرضته ظروف انتشار فيروس أوميكرون Omicron الجديد المتحور، والكفيلة بتغيير مسار النظام التعليمي بتوفير بيئة يشترط فيها التباعد المكاني بين الطلبة للحد من انتشار الفيروس، فلم يكن أمام المعنيين بالعملية التعليمية والقائمين عليها بوزارة التربية والتعليم والتعليم العالي، إلا العودة الاضطرارية إلى نظام التعليم عن بعد. وهذه حالة استثنائية تتغير فيها المعادلة بأكملها، وتنقلب فيها الأمور، ويختل فيها ميزان التوافق والمواءمة بين مكونات البيئة التعليمية، وخصائص المتعلمين، وشروط حدوث التعلم. ولذا، فقد لا تكون هذه البيئة التعليمية الإلكترونية المُعدة عبر شاشة الكمبيوتر مواتية ومتوافقة مع خصائص المتعلمين المستهدفين. وهذا يعني أنه قد لا تتوفر في شاشة الكمبيوتر كل شروط التعلم. فالشاشة الصغيرة ليست كفيلة بإبعاد كل المشتتات الإدراكية البصرية التي قد تسبب انصرافا ذهنيا للمتعلم، وتبعده عن جو الدرس الإلكتروني على شاشة الكمبيوتر، كالصور والرسوم وديكورات الغرفة، وغيرها من المشتتات الإدراكية البصرية الموجودة في مكان المتعلم. بينما يمكن التحكم بكل المشتتات الإدراكية البصرية والسمعية في البيئة التعليمية الصفية المباشرة. كما لا يمكن للمعلم في غياب المواجهة مع المتعلمين أن يحكم على أدائه الإلكتروني، ومدى فاعلية درسه، نتيجة لعدم قدرته على ملاحظة المتعلمين كما هو الحال في الدرس العادي في قاعة الدراسة حيث بإمكانه ذلك من خلال ملاحظة ردود فعل المتعلمين على ما يقول ويعرض عليهم من معلومات وأفكار، وبالتالي فلا يمكنه تحديد مواطن الصعوبة عند المتعلم. أما عبر المواجهة المباشرة في التعليم عن قُرب، فيستطيع المعلم أن يرى أثر تدريسه على وجوه طلابه في الفصل، مما يدفعه للتوقف عند بعض النقاط التي قد تحتاج إلى توضيح أو تفسير. وعلاوة على ذلك فلا يمكن للمعلم أن يعرف من معه ويتابعه من طلابه ومن ليس كذلك، ومن حاضر الدرس بحضوره الفعلي وليس الاسمي فقط، فهو يعلم علم اليقين أن الطالب معه في الصف الافتراضي، ولكنه لا يعلم إن كان هذا الطالب أو ذاك حاضرا معه بذهنه وحواسه وأحاسيسه، مما يعني أنه قد يكون الطالب حاضرا باسمه وليس بعقله ولا ببدنه، وقد يكون حاضرا بالفعل، ولكنه منشغل بأمور أخرى إلكترونية وغيرها. وليس هذا فحسب، بل وربما يكون انشغاله بحوارات وتغريدات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومشاهدات فيديو ومسلسلات درامية وغيرها من الملهيات الإلكترونية المتاحة. وكل هذه ملاحظات أولياء الأمور على أبنائهم أثناء الدروس الافتراضية. والسؤال هو، أليست هذه نُزهةً للمتعلم، وبُعداً عن التعليم؟. كلية التربية – جامعة قطر ​ [email protected]

8578

| 09 يناير 2022

alsharq
TOT... السلعة الرائجة

كثير من المراكز التدريبية اليوم وجدت سلعة سهلة...

5253

| 06 أكتوبر 2025

alsharq
استيراد المعرفة المعلبة... ضبط البوصلة المحلية على عاتق من؟

في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ...

2487

| 02 أكتوبر 2025

alsharq
الإقامة الدائمة: مفتاح قطر لتحقيق نمو مستدام

تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في...

2037

| 05 أكتوبر 2025

alsharq
حماس ونتنياهو.. معركة الفِخاخ

في الوقت الذي كان العالم يترقب رد حركة...

963

| 05 أكتوبر 2025

alsharq
إعطاء من لا يملك لمن لا يستحق

منذ أكثر من مائة عام ارتُكبت واحدة من...

891

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
الوضع ما يطمن

لسنا متشائمين ولا سلبيين في أفكارنا وتوقعاتنا ولكن...

885

| 03 أكتوبر 2025

alsharq
النسيان نعمة أم نقمة؟

في لحظة صفاء مع النفس، يطلّ النسيان عليَّ...

852

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
تعلّم كيف تقول لا دون أن تفقد نفسك

كم مرة قلت «نعم» في العمل بينما في...

756

| 02 أكتوبر 2025

alsharq
بين دفء الاجتماع ووحشة الوحدة

الإنسان لم يُخلق ليعيش وحيداً. فمنذ فجر التاريخ،...

702

| 06 أكتوبر 2025

alsharq
كورنيش الدوحة بين ريجيم “راشد” وعيون “مايكل جون” الزرقاء

في فجرٍ قطريّ عليل، كان البحر يلمع بألوان...

657

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
النعمة في السر والستر

كيف نحمي فرحنا من الحسد كثيرًا ما نسمع...

627

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
الشريك الرئيسي في إعداد الأجيال القادمة

كل عام، في الخامس من أكتوبر يحتفى العالم...

627

| 05 أكتوبر 2025

أخبار محلية