رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
قد يتساءل البعض عن حقيقة وواقع المعايير المزدوجة في العالمين الحقيقي الواقعي، والرقمي الافتراضي، وقد يصدق ويؤكد غالبية الناس إن لم يكن جميعهم على ازدواجية هذه المعايير في العالم الحقيقي لما يراه ويسمعه عن هذه الازدواجية في عالمنا اليوم، وفي المجال السياسي والعسكري على وجه الخصوص. وذلك نتيجة لما تُظهره وسائل الإعلام من تناقضات وتعارضات سياسية حول مواقف عسكرية خلافية بين مؤيد ومعارض من هذه الجهة أو تلك، وفي مواقف متشابهة وبين أطراف مختلفة، ووفقا للمصالح السياسية والعسكرية كما بدا جلياً من مواقف متناقضة بين التسرع والتردد في اتخاذ مواقف ثابتة واضحة الاتجاه والتوجه نحو مسألة ما (مع أو ضد) من قبل حكومات ودول إقليمية ودولية حول قضايا الشرق الأوسط، وثورات الربيع العربي وغيرها من الدول التي وقفت مع طرف في موقف، ومع الطرف الآخر في مواقف أخرى مشابهة، فكيف تُوصَف هذه المواقف، وكيف تُقرأ، أليست هي مواقف تثبت ازدواجية المعايير؟ بالطبع نعم هي كذلك، فهذا ما حدث، ويحدث، ولا يزال يحدث في عالمنا الحقيقي الواقعي تجاه قضايانا العربية والإسلامية العادلة على وجه الخصوص في مقابل عدم الازدواجية في مواقف أخرى حول قضايا أخرى في الطرف الآخر من عالمنا الواقعي.
أما في عالمنا الرقمي الحديث، فالأمر بالطبع مختلف، ومن الطبيعي أن يكون مختلفاً، فالعالم الرقمي له طبيعته الخاصة، وجمهوره، وأجواؤه، ووسائل تواصله وتفاعله الخاصة به، فهو عالم افتراضي عامته نخبة من المثقفين تكنولوجياً، والمتمكنين من مهارات التكنولوجيا الحديثة، ووسائلها الإعلامية، والمتفاعلين مع غيرهم ومتابعيهم محليا وعالميا عبر وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي الحديثة، ومواقعها، ومنصاتها مثل تويتر، والفيسبوك، والانستجرام، والوتس أب... وغيرها من المواقع والمنصات، ولذا فهو عالم يتميز بالفردية، والخصوصية الذاتية في المقام الأول، حيث يتم فيه الاتصال والتواصل بشكل فردي عن بعد، مما يعني المسؤولية الفردية عما يُقال ويُنشر. وتبعاً لهذه الخصوصية الفردية لا يطلع على التعليق المنشور إلا صاحبه، أو من يسمح لهم من متابعيه بالاطلاع عليه للتواصل والتفاعل معه، والأخذ والرد حول موضوع أو قضية معينة.
ومن ناحية أخرى، فقبول نشر هذا الرد أو ذاك في تغريدة أو تعليق من إدارة المنصة أو القائمين عليها أيضا فردي لا يطلع عليه أحد، ولهذا فالازدواجية غير مُدركة ولا مُلاحظة من قبل العامة من الناس، مما يؤدي إلى الاعتقاد العام بأن هذه المنصات لها معاييرها المُوحدة والمُحكمة، وليست مزدوجة المعايير. ولكن يبقى هذا مجرد اعتقاد ناتج عن عدم إدراك هذه الازدواجية وملاحظتها، ربما لعدم ارتباطها بالقضايا المطروحة من قبل العامة من الناس، وعدم إدراك هذه الازدواجية أو ملاحظتها لا ينفي وجودها. فهي موجودة وإن اختفت عن بصر العامة من مرتادي هذه المنصات أو بصيرتهم، مما يعني أن هناك بالفعل معايير مزدوجة للنشر والتعليق حيث يتم في ضوئها قبول نشر هذا التعليق أو التغريدة أو رفضها، فمعاييرهم مزدوجة، وموازينهم مقلوبة، فالمقاومة ضد الاحتلال على سبيل المثال تعد إرهاباً، والإرهاب الإسرائيلي وهدم المنازل وقتل الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ يُعتبر دفاعاً عن النفس، واعتداء المستوطنين على المواطنين الفلسطينيين وحرقُ مزارعهم واقتحام بيوتهم وانتهاك حرماتها حق مشروع للاستيلاء على الأرض والاستيطان، وتأمين الحياة. وتأييد ممارسات الاحتلال شجاعة وبطولة، واعتراف بالحق، بينما معارضة هذه الممارسات خيانة، وعدوانية وتطاول ومعارضة للمعايير المعتمدة لهذه المنصة أو تلك، والأمثلة على ذلك كثيرة فعدم إدانة عمليات اقتحام ساحة المسجد الأقصى يعتبر تحضراً وتعقلاً واعترافاً بالحق في الاقتحام مهما كان، وممن كان، فمعاييرهم إسرائيلية في المقام الأول، يرفضون ما ترفضه إسرائيل، ويقبلون ما تقبله.
وبالتالي فأي تعليق أو تغريدة تتعارض مع هذه المعايير فهي محجوبة عن النشر، والعكس مع التغريدات أو التعليقات المتوافقة مع النهج الإسرائيلي وتوجهه، فما المطوب منك إذن ليتوافق رأيك وتوجهك مع معايير هذه المنصات؟
المطلوب منك ببساطة هو ألا تغضب لغضب إخوتك الفلسطينيين، ولا تحزن لحزنهم، ولا تدين الممارسات الإسرائيلية العنيفة ضدهم في الضفة الغربية وقطاع غزة، أو في أي مكان آخر في فلسطين المحتلة.
ولذا، ينبغي ألا تحتوي أي تغريدة أو تعليق على إدانة لإسرائيل، ولا إشادة بأي عملية مقاومة فلسطينية. ولا يُكتفى بذلك، بل يجب عليك أن تدين كل عمليات المقاومة الفلسطينية لأنها تعتبر إرهاباً في العرف الإسرائيلي والثقافة الأمريكية والغربية. وبغير ذلك، فلن تجد تغريدتك أو تعليقك أي سبيل للنشر على هذه المنصات، فالمعايير مزدوجة، والموازين مقلوبة، والمصلحة غالبة.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كلية التربية – جامعة قطر
[email protected]
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم خارج إطار العطاء، بل نراهم ذاكرة الوطن الحية، وامتداد مسيرة بنائه منذ عقود. هم الجيل الذي زرع، وأسّس، وساهم في تشكيل الملامح الأولى لمؤسسات الدولة الحديثة. ولأن قطر لم تكن يومًا دولة تنسى أبناءها، فقد كانت من أوائل الدول التي خصّت المتقاعدين برعاية استثنائية، وعلاوات تحفيزية، ومكافآت تليق بتاريخ عطائهم، في نهج إنساني رسخته القيادة الحكيمة منذ أعوام. لكن أبناء الوطن هؤلاء «المتقاعدون» لا يزالون ينظرون بعين الفخر والمحبة إلى كل خطوة تُتخذ اليوم، في ظل القيادة الرشيدة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله – فهم يرون في كل قرار جديد نبض الوطن يتجدد. ويقولون من قلوبهم: نحن أيضًا أبناؤك يا صاحب السمو، ما زلنا نعيش على عهدك، ننتظر لمستك الحانية التي تعودناها، ونثق أن كرمك لا يفرق بين من لا يزال في الميدان، ومن تقاعد بعد رحلة شرف وخدمة. وفي هذا الإطار، جاء اعتماد القانون الجديد للموارد البشرية ليؤكد من جديد أن التحفيز في قطر لا يقف عند حد، ولا يُوجّه لفئة دون أخرى. فالقانون ليس مجرد تحديث إداري أو تعديل في اللوائح، بل هو رؤية وطنية متكاملة تستهدف الإنسان قبل المنصب، والعطاء قبل العنوان الوظيفي. وقد حمل القانون في طياته علاوات متعددة، من بدل الزواج إلى بدل العمل الإضافي، وحوافز الأداء، وتشجيع التطوير المهني، في خطوة تُكرس العدالة، وتُعزز ثقافة التحفيز والاستقرار الأسري والمهني. هذا القانون يُعد امتدادًا طبيعيًا لنهج القيادة القطرية في تمكين الإنسان، سواء كان موظفًا أو متقاعدًا، فالجميع في عين الوطن سواء، وكل من خدم قطر سيبقى جزءًا من نسيجها وذاكرتها. إنه نهج يُترجم رؤية القيادة التي تؤمن بأن الوفاء ليس مجرد قيمة اجتماعية، بل سياسة دولة تُكرم العطاء وتزرع في الأجيال حب الخدمة العامة. في النهاية، يثبت هذا القانون أن قطر ماضية في تعزيز العدالة الوظيفية والتحفيز الإنساني، وأن الاستثمار في الإنسان – في كل مراحله – هو الاستثمار الأجدر والأبقى. فالموظف في مكتبه، والمتقاعد في بيته، كلاهما يسهم في كتابة الحكاية نفسها: حكاية وطن لا ينسى أبناءه.
7314
| 09 أكتوبر 2025
كثير من المراكز التدريبية اليوم وجدت سلعة سهلة الترويج، برنامج إعداد المدربين، يطرحونه كأنه عصا سحرية، يَعِدون المشترك بأنه بعد خمسة أيام أو أسبوع من «الدروس» سيخرج مدربًا متمكنًا، يقف على المنصة، ويُدير القاعة، ويعالج كل التحديات، كأن التدريب مجرد شهادة تُعلق على الجدار، أو بطاقة مرور سريعة إلى عالم لم يعرفه الطالب بعد. المشكلة ليست في البرنامج بحد ذاته، بل في الوهم المعبأ معه. يتم تسويقه للمشتركين على أنه بوابة النجومية في التدريب، بينما في الواقع هو مجرد خطوة أولى في طريق طويل. ليس أكثر من مدخل نظري يضع أساسيات عامة: كيف تُصمم عرضًا؟ كيف ترتب محتوى؟ كيف تُعرّف التدريب؟. لكنه لا يمنح المتدرب أدوات مواجهة التحديات المعقدة في القاعة، ولا يصنع له كاريزما، ولا يضع بين يديه لغة جسد قوية، ولا يمنحه مهارة السيطرة على المواقف. ومع ذلك، يتم بيعه تحت ستار «إعداد المدربين» وكأن من أنهى البرنامج صار فجأة خبيرًا يقود الحشود. تجارب دولية متعمقة في دول نجحت في بناء مدربين حقيقيين، نرى الصورة مختلفة تمامًا: • بريطانيا: لدى «معهد التعلم والأداء» (CIPD) برامج طويلة المدى، لا تُمنح فيها شهادة «مدرب محترف» إلا بعد إنجاز مشاريع تدريبية عملية وتقييم صارم من لجنة مختصة. • الولايات المتحدة: تقدم «جمعية تطوير المواهب – ATD» مسارات متعددة، تبدأ بالمعارف، ثم ورش تطبيقية، تليها اختبارات عملية، ولا يُعتمد المدرب إلا بعد أن يُثبت قدرته في جلسات تدريب واقعية. • فنلندا: يمر المدرب ببرنامج يمتد لأشهر، يتضمن محاكاة واقعية، مراقبة في الصفوف، ثم تقييما شاملا لمهارات العرض، إدارة النقاش، والقدرة على حل المشكلات. هذه التجارب تثبت أن إعداد المدرب يتم عبر برامج متعمقة، اجتيازات، وتدرّج عملي. المجتمع يجب أن يعي الحقيقة: الحقيقة التي يجب أن يعرفها الجميع أن TOT ليس نقطة الانطلاق، بل الخطوة المعرفية الأولى فقط. المدرب الحقيقي لا يُصنع في أسبوع، بل يُبنى عبر برامج تخصصية أعمق مثل «اختصاصي تدريب»، التي تغوص في تفاصيل لغة الجسد، السيطرة على الحضور، مواجهة المواقف الحرجة، وبناء الكاريزما. هذه هي المراحل التي تُشكل شخصية المدرب، لا مجرد ورقة مكتوب عليها «مدرب معتمد». لكي نحمي المجتمع من أوهام «الشهادات الورقية»، يجب أن يُعتمد مبدأ الاختبار قبل الدخول، بحيث لا يُقبل أي شخص في برنامج إعداد مدربين إلا بعد اجتياز اختبار قبلي يقيس مهاراته الأساسية في التواصل والعرض. ثم، بعد انتهاء البرنامج، يجب أن يخضع المتدرب لاختبار عملي أمام لجنة تقييم مستقلة، ليُثبت أنه قادر على التدريب لا على الحفظ. الشهادة يجب أن تكون شهادة اجتياز، لا مجرد «شهادة حضور». هل يُعقل أن يتحول من حضر خمسة أيام إلى «قائد قاعة»؟ هل يكفي أن تحفظ شرائح عرض لتصير مدربًا؟ أين الارتباك والتجربة والخطأ؟ أين الكاريزما التي تُبنى عبر سنوات؟ أم أن المسألة مجرد صور على إنستغرام تُوهم الناس بأنهم أصبحوا «مدربين عالميين» في أسبوع؟ TOT مجرد مدخل بسيط للتدريب، فالتدريب مهنة جادة وليس عرضا استهلاكيا. المطلوب وعي مجتمعي ورقابة مؤسسية وآليات صارمة للاجتياز، فمن دون ذلك سيبقى سوق التدريب ساحة لبيع الوهم تحت عناوين براقة.
5397
| 06 أكتوبر 2025
في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ «استيراد المعلّب»، حيث يتم استقدام برامج أو قوالب تدريبية جاهزة من بعض الدول الخليجية المجاورة لعرضها على وزارات أو مؤسسات في قطر، رغم وجود كفاءات محلية وجهات تدريبية قادرة على تقديم محتوى أكثر أصالة وفاعلية. الفكرة بحد ذاتها ليست إشكالية، فالتبادل المعرفي مطلوب، والتعاون الخليجي قيمة مضافة. لكن الإشكال يكمن في الاختزال: أن يكون الخيار الأول هو الحل المستورد، بينما تبقى القدرات المحلية في موقع المتفرج. أين الخلل؟ حين تأتي وفود خارجية وتعرض برامج جاهزة، غالبًا ما يتم التعامل معها باندفاع هذا المشهد قد يعطي انطباعًا مضللًا بأن ما تم تقديمه هو «ابتكار خارجي» لا يمكننا بلوغه داخليًا، بينما الحقيقة أن في قطر كفاءات بشرية ومؤسسات تدريبية تمتلك القدرة على الإبداع والتطوير. والمفارقة أن لدينا في قطر جهات رسمية مسؤولة عن التدريب وتحت مظلتها عشرات المراكز المحلية، لكن السؤال: لماذا لا تقوم هذه المظلات بدورها في حماية القطاع؟ لماذا تُترك الوزارات لتتسابق نحو البرامج المستوردة من الخارج، بل إن بعضها يُستورد دون أي اعتماد دولي حقيقي، غياب هذا الدور الرقابي والحامي يفتح الباب واسعًا أمام تهميش الكفاءات الوطنية. وتزداد الصورة حدة حين نرى المراكز التدريبية الخارجية تتسابق في نشر صورها مع المسؤولين عبر المنصات الاجتماعية، معلنةً أنها وقّعت اتفاقيات مع الوزارة الفلانية لتقديم برنامج تدريبي أو تربوي، وكأن الساحة القطرية تخلو من المفكرين التربويين أو من الكفاءات الوطنية في مجال التدريب. هذا المشهد لا يسيء فقط إلى مكانة المراكز المحلية، بل يضعف ثقة المجتمع بقدراته الذاتية. منطق الأولويات الأصل أن يكون هناك تسلسل منطقي: 1. أولًا: البحث عن الإمكانات المحلية، وإعطاء الفرصة للكوادر القطرية لتقديم حلولهم وبرامجهم. 2. ثانيًا: إن لم تتوفر الخبرة محليًا، يتم النظر إلى الاستعانة بالخبرة الخليجية أو الدولية كخيار داعم لا كبديل دائم. بهذا الترتيب نحافظ على مكانة الكفاءات الوطنية، ونعزز من ثقة المؤسسات بقدراتها، ونوجه السوق نحو الإبداع المحلي. انعكاسات «استيراد المعلّب: - اقتصادياً: الاعتماد المفرط على الخارج يستنزف الموارد المالية ويضعف من استدامة السوق المحلي للتدريب. - مهنياً: يحبط الكفاءات المحلية التي ترى نفسها مهمشة رغم جاهزيتها. - اجتماعياً: يرسخ فكرة أن النجاح لا يأتي إلا من الخارج، في حين أن بناء الثقة بالمؤسسات الوطنية هو أحد ركائز الاستقلال المجتمعي. ما الحل؟ الحل ليس في الانغلاق، بل في إعادة ضبط البوصلة: وضع آلية واضحة في الوزارات والمؤسسات تقضي بطرح أي مشروع تدريبي أولًا على المراكز المحلية. - تمكين المظلات المسؤولة عن التدريب من ممارسة دورها في حماية المراكز ومنع تجاوزها. - جعل الاستعانة بالبرامج المستوردة خيارًا تكميليًا عند الحاجة، لا قرارًا تلقائيًا. الخلاصة: «استيراد المعلّب» قد يكون مريحًا على المدى القصير، لكنه على المدى البعيد يضعف مناعة المؤسسات ويعطل القدرات الوطنية. إننا بحاجة إلى عقلية ترى في الكفاءة القطرية الخيار الأول، لا الأخير. فالطموح الحقيقي ليس في أن نستحسن ما يأتي من الخارج ونستعجل نشر صورته، بل في أن نُصدر نحن للعالم نموذجًا فريدًا ينبع من بيئتنا، ويعكس قدرتنا على بناء المستقبل بأيدينا.
4962
| 02 أكتوبر 2025