رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

هنادي وليد الجاسم

[email protected]

مساحة إعلانية

مقالات

225

هنادي وليد الجاسم

ولا تنسوا الفضل بينكم... حتى في زمن الخصام

09 أكتوبر 2025 , 06:59ص

في عالم يتغير بسرعة وتذوب فيه القيم وسط ضجيج الخلافات والمصالح، تبقى عبارة القرآن الكريم: « ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير «. 

جاءت هذه الآية الكريمة في سياق الحديث عن الطلاق والحقوق الزوجية، لكن معناها يتجاوز هذا الإطار ليشمل كل تعامل إنساني، فهي تذكير من الله عز وجل بألا نغفل عن المعروف الذي كان بيننا، وألا تمحو الخلافات أو التقلبات في العلاقات آثار الخير والإحسان التي جرت من قبل. 

وتذكرنا الآية أيضا بجوهر الفضل وعدم جحود الإنسان وتذكر الفضل بالمعاملة الكريمة التي تفيض من القلب دون انتظار مقابل لأي شخص حولك سواء تعامل زوج، زوجة، صديق، زميل، أو حتى قريب...الخ، وهو خلق الأنبياء والأولياء، حين يختلف الناس أو يفترقون، يبقى الفضل هو المقياس الحقيقي للنضج الإنساني، لأن العدل يُعطي كل ذي حق حقه، أما الفضل فيعطي ما هو أكثر من الحق. ومن أجمل الامثلة الحياتية على الامتنان لمعنى الفضل بين الزوجين حين يطلق رجل زوجته بعد خلافات طويلة، لكنه حين يسأل عنها يقول: «كانت امرأة صالحة، أحسنت إليّ كثيرًا، وبيننا عشرة لا تُنسى.»

وبين الأصدقاء كصديقين افترقا بعد سوء تفاهم، لكن أحدهما رأى الآخر في حاجة يوماً، فسارع بمساعدته دون تردد، لأنه تذكّر كم من مرة وقف معه في أيام الشدة، فلم يسمح للزعل أن يُنسيه سنوات المودة. 

وبين الأقارب والأهل حيث قد يختلف الأخوة حول الميراث أو الأمور العائلية لكن الأخ يقول: «مهما اختلفنا، هو أخي، له عليّ حق الدم والرحم» وهنا تجسيد لمعنى الفضل وعدم قطع لصلة الرحم حتى في ظل الزعل والمشاكل، وفي بيئة العمل فنعم الموظف الذي ترك مؤسسته بعد سوء فهم مع الإدارة، لكنه حين سُئل عن تجربته قال: «تعلمت الكثير منهم، وأقدّر ما قدموه لي» فهكذا يكون الوفاء حتى بعد الفراق المهني في أرقى صوره. 

فهؤلاء الذين لم ينسوا الفضل بل فهموا عمق الرسالة الإلهية وأن القلوب الراقية لا تنكر المعروف، ولا تُطفئ نور الأيام الجميلة بسبب لحظة غضب أو خلاف. 

ويؤثر تذكر المعاملة الطيبة أن يعيش الانسان بسلام داخلي، ويزرع الامتنان في القلب، أما من يتكبر وينسى الفضل، فيعيش في ضيق ومرارة لا تزول، لأنه يغلق الباب أمام الخير والعلاقات الصادقة. 

من أرقى صور الإيمان والإنسانية أن يتذكّر المرء الفضل حتى وهو غاضب، وأن لا يسمح لحرارة الزعل أن تحرق ما بناه من مودة وإحسان، فالخصومة لا تُبرّر نسيان المعروف، ولا تلغي جميل الأيام التي جمعت القلوب على الخير. 

حين نتذكر الفضل في أوقات الخلاف، نطفئ نار الكراهية ونحفظ لأنفسنا كرامة النفس وهدوء الضمير، لا شيء أنبل من أن تقول في غياب من خاصمك: “ قد اختلفنا، لكن لا أنكر خيره عليّ»، فهكذا يكون السمو، وهكذا تبنى المجتمعات على الرحمة والامتنان لا على الجفاء والتكبر. 

خاطرة،،،

الفضل لا يُمحى بالزعل، والمواقف الجميلة لا تلغى بخلاف عابر، فحين نتأمل هذه الآية القصيرة، نجد أنها مدرسة كاملة في الأخلاق والرحمة والامتنان، فحين تختلف أو تفترق، تذكّر دائمًا: “قد كانت بيننا أيام من المودة والاحترام، ولن أنسى الفضل بيننا «، فالنفوس العظيمة هم من تحفظ الود حتى بعد الخلاف، وأن من ينكر الفضل يخسر إنسانيته. 

فلتكن قاعدتنا في كل العلاقات:

«قد نختلف، ولكن لا أنكر خيرك، ولا أنسى فضلك». 

مساحة إعلانية