رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في ظل غياب القيم الأخلاقية، تضيع المبادئ، وتُزدوج المعايير، وتختل الموازين، وتختلط بعد ذلك الأمور، وتُغلب المصالح، ويسود الظلم، وتُرمى الاتهامات بالعنف والإرهاب جزافاً، وتُسمى الأشياء بغير أسمائها، فتُسمى المقاومة إرهاباً، والإرهاب المنهجي المنظم دفاعاً عن النفس، ويُمزج بين النازية المقيتة والحق في مقاومة المحتل وتقرير المصير، ويأتي نتيجة لذلك الظلم والجور في محاولات العدو الإسرائيلي وأمريكا والغرب من بعدهما في الربط غير المنطقي بين تنظيمين متضادين هما حماس وداعش. فالمقارنة بين التنظيمين بمثابة المقاربة بين الخير والشر اللذين لا يلتقيان أبداً، فلا داعش ينبغي لها أن تدرك حماس، ولا حماس تقبل أن تُشبه بداعش، وكلٌّ في فلكٍ يسبحون. وفي ضوء طبيعة التنظيمين وخصائصهما الأيديولوجية، وفلستهما الفكرية، والعقيدة القتالية، فيمكن المقارنة من عدة أوجه، فمن حيث المنشأ على سبيل المثال، فقد وُلدت حركة حماس في بيئة مظلمة يسودها الظلم والقهر والمهانة. فالحياة صعبة وقاسية، ولكنها ليست مستحيلة، بل كفيلة بصناعة الرجال، وإثارة التحدي، ومواجهة الأزمات، والتغلب على الصعوبات من خلال التربية والتنشئة السليمة القائمة على مواجهة قسوة الحياة وصعوبتها وتحدياتها، وذلك بترسيخ مبادئ المواجهة وانتزاع الحق المسلوب من العدو الصهيوني الغاصب. ولا يتم ذلك إلا بالعمل الجاد على الخلاص من هذا الظلم والظلمات، والعيش في عزة وكرامة بمقاومة الاضطهاد والظلم والظالم المعتدي، وكسر شوكته بالقوة. ولذا، فشاعت هذه الثقافة، وتشكلت عقيدة حركة حماس الفكرية القائمة على محاربة العدو الإسرائيلي وصد عدوانه بالقوة لأنه لا يعرف سواها، ولا يُقهر ولا ينكسر بغيرها. وبذلك تشكلت هذه الثقافة، وترسخت مبادئها الأخلاقية الموجهة لرد الظالم المحتل عن ظلمه بكل ما أُوتيت من قوة ومن رباط الخيل ترهب به عدو الله وعدوها، متخذةً مبدأً أخلاقياً يقضي بعدم رفع السلاح في وجه أي إنسان غير العدو الإسرائيلي، ومن والاه وأيده في ظلمه وقهره للشعب الفلسطيني. وهذا مشهود للحركة بأنها لم تطلق رصاصة واحدة خارج حدود وطنها فلسطين المحتلة. ولذلك، فكان الهدف الرئيس من تأسيس الحركة هو رد الظلم ومكافحة المحتل بكل أساليب المقاومة العسكرية، وهذا حق تكفله لها كل القوانين والمواثيق الدولية. فحركة حماس ليست إرهابية على الإطلاق، بل هي حركة وطنية عربية إسلامية تمارس حقها المشروع في مقاومة المحتل.
أما تنظيم داعش، فلم يُولد ولادة طبيعية، بل وُجد وصُنع صناعة قصدية، وزُرع في منطقة تضم دول ثورات الربيع العربي بهدف نشر الرعب والإرهاب والظلم والقهر بين العرب والمسلمين المحسوبين على هذه الثورات في المنطقة العربية، والمؤيدين لها. ولم يُزرع هذا التنظيم في المنطقة إلا ليكون حجة وذريعة تتذرع بها أمريكا ومن في كنفها للتدخل العسكري لمحاربة الإرهاب في المنطقة متى ما أرادت. فالتنظيم أُنشئ لإرهاب أبناء المنطقة من العرب والمسلمين، وقتلهم والتنكيل بهم أمام عدسات الكاميرات، وعيون المجتمع الدولي، ولم يتعد هذا الإرهاب بكل أشكاله حسب رؤية المراقب المحايد الشعوب العربية المسلمة في المنطقة إلى شعوب أخرى ودول لم تصلها هذه الثورات، ولذا فداعش تنظيم إرهابي لا علاقة له بالإسلام على الإطلاق، بل زُرع ليحقق غايات وأهدافا غربية أمريكية بشكل خاص، وذلك استشهاداً بما ردده الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في مناكفته للديمقراطيين أثناء حملته الانتخابية سنة 2016، حين قال «إن تنظيم داعش من صناعة أوباما وهيلاري كلينتون». وربما جاء هذا التنظيم ليكون دعامة من دعائم الفوضى الخلاقة التي تبنتها وأشاعتها الإدارة الأمريكية على لسان وزيرة خارجيتها السيدة/ كوندليزا رايز، والمبنية على إثارة النعرات الطائفية، وإشعال الفتن، وتأجيج الخلافات بين طوائف شعوب المنطقة العربية. ولم تكن هذه العبارة من تأليف ترامب، ولا من وحي خياله، بل من مصادره الخاصة كسياسي متابع لسياسة بلاده الخارجية، ومرشح لرئاستها في تلك الفترة.
كما أن هناك أوجها أخرى للمقارنة، وليست المقاربة بين التنظيمين، مثل الهوية، والحاضنة الشعبية، وغيرهما على سبيل المثال لا الحصر. فمن ناحية الهوية فحماس حركة وطنية فلسطينية، ولها حاضنة شعبية متينة، ولها عمق إستراتيجي في غزة، بينما داعش ليست وطنية، ولا تُعرف لها هوية، ولا انتماء، ولا أصل على الإطلاق، كما أنها تفتقر إلى الحاضنة الشعبية في المنطقة التي زُرعت فيها، فليس لها جذور ولا عمق إستراتيجي يحتويها متى ما دعت الحاجة، فهي عدوة الكل في المنطقة. وبناء على ما سبق، فليس من العدل التشبيه والمقاربة بين حركة حماس وتنظيم داعش، فالمقاربة باطلة، وما التشبيه إلا اتهام باطل لحركة حماس بالإرهاب من الإرهابيين أنفسهم، ومن يشهد لهم التاريخ بممارساتهم الإرهابية في المنطقة العربية والإسلامية.
وقبل الختام هناك سؤالان، لابد من طرحهما، فالأول لأمريكا وإسرائيل حول الإرهابي الحقيقي، فمن هو الإرهابي الحقيقي، هل هو المدافع عن أهله ووطنه السليب، والمتصدي للغزاة المحتلين للأرض، أم هو من يعتدي على الشعوب في أوطانها، ويُرهب الآمنين في بيوتهم ومدنهم كما يحدث في غزة اليوم ومنذ 43 يوما من القتل والهدم والتشريد، والعربدة غير المبررة وهدم المستشفيات، وتجويع الشعب الفلسطيني في غزة العزة والكرامة، أم هو من يُجيش الجيوش لغزو دول أخرى، ويعتدي على سيادة هذه الدول، والعبث فيها وتغيير أنظمة الحكم فيها، وما كلف هذه الدول من خسائر فادحة في الأرواح والعتاد ومصادر الثقافة وغيرها كما حدث لأفغانستان، والعراق.. أليس هذا إرهابا رسميا ممنجهاً دون حجة ولا تبرير؟
والسؤال الثاني يوجه للأنظمة العربية المعادية لحركة حماس، ما الذي يبرر المواقف السلبية من حركة المقاومة الوطنية الفلسطينية (حماس)، مع العلم أنها لم تعتدِ على أحد من هذه الأنظمة، ولم تعبث بأي نظام عربي، ولم تطلق أي طلقة رصاص في أي دولة عربية، بل بالعكس فقد احترمت كل مواقف هذه الدول ولم تعترض على سياسات أي من هذه الأنظمة على الإطلاق، فما المبرر لهذه المواقف. أليست حماس حركة عربية تدافع عن الأمة العربية والإسلامية ضد الحركة الصهيونية العالمية في هذا الزمن، أليست حماس وحركات المقاومة الفلسطينية هي الحصن الحصين المتبقي من النظام العربي المشتت؟ وغيرها من التساؤلات والوقفات مع مواقف الدول العربية غير المفهومة.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كلية التربية – جامعة قطر
[email protected]
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كثير من المراكز التدريبية اليوم وجدت سلعة سهلة الترويج، برنامج إعداد المدربين، يطرحونه كأنه عصا سحرية، يَعِدون المشترك بأنه بعد خمسة أيام أو أسبوع من «الدروس» سيخرج مدربًا متمكنًا، يقف على المنصة، ويُدير القاعة، ويعالج كل التحديات، كأن التدريب مجرد شهادة تُعلق على الجدار، أو بطاقة مرور سريعة إلى عالم لم يعرفه الطالب بعد. المشكلة ليست في البرنامج بحد ذاته، بل في الوهم المعبأ معه. يتم تسويقه للمشتركين على أنه بوابة النجومية في التدريب، بينما في الواقع هو مجرد خطوة أولى في طريق طويل. ليس أكثر من مدخل نظري يضع أساسيات عامة: كيف تُصمم عرضًا؟ كيف ترتب محتوى؟ كيف تُعرّف التدريب؟. لكنه لا يمنح المتدرب أدوات مواجهة التحديات المعقدة في القاعة، ولا يصنع له كاريزما، ولا يضع بين يديه لغة جسد قوية، ولا يمنحه مهارة السيطرة على المواقف. ومع ذلك، يتم بيعه تحت ستار «إعداد المدربين» وكأن من أنهى البرنامج صار فجأة خبيرًا يقود الحشود. تجارب دولية متعمقة في دول نجحت في بناء مدربين حقيقيين، نرى الصورة مختلفة تمامًا: • بريطانيا: لدى «معهد التعلم والأداء» (CIPD) برامج طويلة المدى، لا تُمنح فيها شهادة «مدرب محترف» إلا بعد إنجاز مشاريع تدريبية عملية وتقييم صارم من لجنة مختصة. • الولايات المتحدة: تقدم «جمعية تطوير المواهب – ATD» مسارات متعددة، تبدأ بالمعارف، ثم ورش تطبيقية، تليها اختبارات عملية، ولا يُعتمد المدرب إلا بعد أن يُثبت قدرته في جلسات تدريب واقعية. • فنلندا: يمر المدرب ببرنامج يمتد لأشهر، يتضمن محاكاة واقعية، مراقبة في الصفوف، ثم تقييما شاملا لمهارات العرض، إدارة النقاش، والقدرة على حل المشكلات. هذه التجارب تثبت أن إعداد المدرب يتم عبر برامج متعمقة، اجتيازات، وتدرّج عملي. المجتمع يجب أن يعي الحقيقة: الحقيقة التي يجب أن يعرفها الجميع أن TOT ليس نقطة الانطلاق، بل الخطوة المعرفية الأولى فقط. المدرب الحقيقي لا يُصنع في أسبوع، بل يُبنى عبر برامج تخصصية أعمق مثل «اختصاصي تدريب»، التي تغوص في تفاصيل لغة الجسد، السيطرة على الحضور، مواجهة المواقف الحرجة، وبناء الكاريزما. هذه هي المراحل التي تُشكل شخصية المدرب، لا مجرد ورقة مكتوب عليها «مدرب معتمد». لكي نحمي المجتمع من أوهام «الشهادات الورقية»، يجب أن يُعتمد مبدأ الاختبار قبل الدخول، بحيث لا يُقبل أي شخص في برنامج إعداد مدربين إلا بعد اجتياز اختبار قبلي يقيس مهاراته الأساسية في التواصل والعرض. ثم، بعد انتهاء البرنامج، يجب أن يخضع المتدرب لاختبار عملي أمام لجنة تقييم مستقلة، ليُثبت أنه قادر على التدريب لا على الحفظ. الشهادة يجب أن تكون شهادة اجتياز، لا مجرد «شهادة حضور». هل يُعقل أن يتحول من حضر خمسة أيام إلى «قائد قاعة»؟ هل يكفي أن تحفظ شرائح عرض لتصير مدربًا؟ أين الارتباك والتجربة والخطأ؟ أين الكاريزما التي تُبنى عبر سنوات؟ أم أن المسألة مجرد صور على إنستغرام تُوهم الناس بأنهم أصبحوا «مدربين عالميين» في أسبوع؟ TOT مجرد مدخل بسيط للتدريب، فالتدريب مهنة جادة وليس عرضا استهلاكيا. المطلوب وعي مجتمعي ورقابة مؤسسية وآليات صارمة للاجتياز، فمن دون ذلك سيبقى سوق التدريب ساحة لبيع الوهم تحت عناوين براقة.
5328
| 06 أكتوبر 2025
في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ «استيراد المعلّب»، حيث يتم استقدام برامج أو قوالب تدريبية جاهزة من بعض الدول الخليجية المجاورة لعرضها على وزارات أو مؤسسات في قطر، رغم وجود كفاءات محلية وجهات تدريبية قادرة على تقديم محتوى أكثر أصالة وفاعلية. الفكرة بحد ذاتها ليست إشكالية، فالتبادل المعرفي مطلوب، والتعاون الخليجي قيمة مضافة. لكن الإشكال يكمن في الاختزال: أن يكون الخيار الأول هو الحل المستورد، بينما تبقى القدرات المحلية في موقع المتفرج. أين الخلل؟ حين تأتي وفود خارجية وتعرض برامج جاهزة، غالبًا ما يتم التعامل معها باندفاع هذا المشهد قد يعطي انطباعًا مضللًا بأن ما تم تقديمه هو «ابتكار خارجي» لا يمكننا بلوغه داخليًا، بينما الحقيقة أن في قطر كفاءات بشرية ومؤسسات تدريبية تمتلك القدرة على الإبداع والتطوير. والمفارقة أن لدينا في قطر جهات رسمية مسؤولة عن التدريب وتحت مظلتها عشرات المراكز المحلية، لكن السؤال: لماذا لا تقوم هذه المظلات بدورها في حماية القطاع؟ لماذا تُترك الوزارات لتتسابق نحو البرامج المستوردة من الخارج، بل إن بعضها يُستورد دون أي اعتماد دولي حقيقي، غياب هذا الدور الرقابي والحامي يفتح الباب واسعًا أمام تهميش الكفاءات الوطنية. وتزداد الصورة حدة حين نرى المراكز التدريبية الخارجية تتسابق في نشر صورها مع المسؤولين عبر المنصات الاجتماعية، معلنةً أنها وقّعت اتفاقيات مع الوزارة الفلانية لتقديم برنامج تدريبي أو تربوي، وكأن الساحة القطرية تخلو من المفكرين التربويين أو من الكفاءات الوطنية في مجال التدريب. هذا المشهد لا يسيء فقط إلى مكانة المراكز المحلية، بل يضعف ثقة المجتمع بقدراته الذاتية. منطق الأولويات الأصل أن يكون هناك تسلسل منطقي: 1. أولًا: البحث عن الإمكانات المحلية، وإعطاء الفرصة للكوادر القطرية لتقديم حلولهم وبرامجهم. 2. ثانيًا: إن لم تتوفر الخبرة محليًا، يتم النظر إلى الاستعانة بالخبرة الخليجية أو الدولية كخيار داعم لا كبديل دائم. بهذا الترتيب نحافظ على مكانة الكفاءات الوطنية، ونعزز من ثقة المؤسسات بقدراتها، ونوجه السوق نحو الإبداع المحلي. انعكاسات «استيراد المعلّب: - اقتصادياً: الاعتماد المفرط على الخارج يستنزف الموارد المالية ويضعف من استدامة السوق المحلي للتدريب. - مهنياً: يحبط الكفاءات المحلية التي ترى نفسها مهمشة رغم جاهزيتها. - اجتماعياً: يرسخ فكرة أن النجاح لا يأتي إلا من الخارج، في حين أن بناء الثقة بالمؤسسات الوطنية هو أحد ركائز الاستقلال المجتمعي. ما الحل؟ الحل ليس في الانغلاق، بل في إعادة ضبط البوصلة: وضع آلية واضحة في الوزارات والمؤسسات تقضي بطرح أي مشروع تدريبي أولًا على المراكز المحلية. - تمكين المظلات المسؤولة عن التدريب من ممارسة دورها في حماية المراكز ومنع تجاوزها. - جعل الاستعانة بالبرامج المستوردة خيارًا تكميليًا عند الحاجة، لا قرارًا تلقائيًا. الخلاصة: «استيراد المعلّب» قد يكون مريحًا على المدى القصير، لكنه على المدى البعيد يضعف مناعة المؤسسات ويعطل القدرات الوطنية. إننا بحاجة إلى عقلية ترى في الكفاءة القطرية الخيار الأول، لا الأخير. فالطموح الحقيقي ليس في أن نستحسن ما يأتي من الخارج ونستعجل نشر صورته، بل في أن نُصدر نحن للعالم نموذجًا فريدًا ينبع من بيئتنا، ويعكس قدرتنا على بناء المستقبل بأيدينا.
4368
| 02 أكتوبر 2025
تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في قطر، وهو رجل أعمال من المقيمين في قطر كان قد جدد لتوّه إقامته، ولكنه لم يحصل إلا على تأشيرة سارية لمدة عام واحد فقط، بحجة أنه تجاوز الستين من عمره. وبالنظر إلى أنه قد يعيش عقدين آخرين أو أكثر، وإلى أن حجم استثماره ضخم، فضلاً عن أن الاستثمار في الكفاءات الوافدة واستقطابها يُعدّان من الأولويات للدولة، فإن تمديد الإقامة لمدة عام واحد يبدو قصيرًا للغاية. وتُسلط هذه الحادثة الضوء على مسألة حساسة تتمثل في كيفية تشجيع الإقامات الطويلة بدولة قطر، في إطار الالتزام الإستراتيجي بزيادة عدد السكان، وهي قضية تواجهها جميع دول الخليج. ويُعد النمو السكاني أحد أكثر أسباب النمو الاقتصادي، إلا أن بعض أشكال النمو السكاني المعزز تعود بفوائد اقتصادية أكبر من غيرها، حيث إن المهنيين ورواد الأعمال الشباب هم الأكثر طلبًا في الدول التي تسعى لاستقطاب الوافدين. ولا تمنح دول الخليج في العادة الجنسية الكاملة للمقيمين الأجانب. ويُعد الحصول على تأشيرة إقامة طويلة الأمد السبيل الرئيسي للبقاء في البلاد لفترات طويلة. ولا يقل الاحتفاظ بالمتخصصين والمستثمرين الأجانب ذوي الكفاءة العالية أهميةً عن استقطابهم، بل قد يكون أكثر أهمية. فكلما طالت فترة إقامتهم في البلاد، ازدادت المنافع، حيث يكون المقيمون لفترات طويلة أكثر ميلاً للاستثمار في الاقتصاد المحلي، وتقل احتمالات تحويل مدخراتهم إلى الخارج. ويمكن تحسين سياسة قطر لتصبح أكثر جاذبية ووضوحًا، عبر توفير شروط وإجراءات الإقامة الدائمة بوضوح وسهولة عبر منصات إلكترونية، بما في ذلك إمكانية العمل في مختلف القطاعات وإنشاء المشاريع التجارية بدون نقل الكفالة. وفي الوقت الحالي، تتوفر المعلومات من مصادر متعددة، ولكنها ليست دقيقة أو متسقة في جميع الأحيان، ولا يوجد وضوح بخصوص إمكانية العمل أو الوقت المطلوب لإنهاء إجراءات الإقامة الدائمة. وقد أصبحت شروط إصدار «تأشيرات الإقامة الذهبية»، التي تمنحها العديد من الدول، أكثر تطورًا وسهولة. فهناك توجه للابتعاد عن ربطها بالثروة الصافية أو تملك العقارات فقط، وتقديمها لأصحاب المهارات والتخصصات المطلوبة في الدولة. وفي سلطنة عمان، يُمثل برنامج الإقامة الذهبية الجديد الذي يمتد لعشر سنوات توسعًا في البرامج القائمة. ويشمل هذا النظام الجديد شريحة أوسع من المتقدمين، ويُسهّل إجراءات التقديم إلكترونيًا، كما يتيح إمكانية ضم أفراد الأسرة من الدرجة الأولى. وتتوفر المعلومات اللازمة حول الشروط وإجراءات التقديم بسهولة. أما في دولة الإمارات العربية المتحدة، فهناك أيضًا مجموعة واضحة من المتطلبات لبرنامج التأشيرة الذهبية، حيث تمنح الإقامة لمدة تتراوح بين خمس و10 سنوات، وتُمنح للمستثمرين ورواد الأعمال وفئات متنوعة من المهنيين، مع إمكانية ضم أفراد الأسرة. ويتم منح الإقامة الذهبية خلال 48 ساعة فقط. وقد شهدت قطر نموًا سكانيًا سريعًا خلال أول عقدين من القرن الحالي، ثم تباطأ هذا النمو لاحقًا. فقد ارتفع عدد السكان من 1.7 مليون نسمة وفقًا لتعداد عام 2010 إلى 2.4 مليون نسمة في عام 2015، أي بزيادة قدرها 41.5 %. وبلغ العدد 2.8 مليون نسمة في تعداد عام 2020، ويُقدَّر حاليًا بحوالي 3.1 مليون نسمة. ومن المشاكل التي تواجه القطاع العقاري عدم تناسب وتيرة النمو السكاني مع توسع هذا القطاع. فخلال فترة انخفاض أسعار الفائدة والاستعداد لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، شهد قطاع البناء انتعاشًا كبيرًا. ومع ذلك، لا يُشكل هذا الفائض من العقارات المعروضة مشكلة كبيرة، بل يمكن تحويله إلى ميزة. فمثلاً، يُمكن للمقيمين الأجانب ذوي الدخل المرتفع الاستفادة وشراء المساكن الحديثة بأسعار معقولة. إن تطوير سياسات الإقامة في قطر ليكون التقديم عليها سهلًا وواضحًا عبر المنصات الإلكترونية سيجعلها أكثر جاذبية للكفاءات التي تبحث عن بيئة مستقرة وواضحة المعالم. فكلما كانت الإجراءات أسرع والمتطلبات أقل تعقيدًا، كلما شعر المستثمر والمهني أن وقته مُقدَّر وأن استقراره مضمون. كما أن السماح للمقيمين بالعمل مباشرة تحت مظلة الإقامة الدائمة، من دون الحاجة لنقل الكفالة أو الارتباط بصاحب عمل محدد، سيعزز حرية الحركة الاقتصادية ويفتح المجال لابتكار المشاريع وتأسيس الأعمال الجديدة. وهذا بدوره ينعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني عبر زيادة الإنفاق والاستثمار المحلي، وتقليل تحويلات الأموال إلى الخارج، وتحقيق استقرار سكاني طويل الأمد.
4038
| 05 أكتوبر 2025