رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

أ. د. أحمد جاسم الساعي

كلية التربية – جامعة قطر
[email protected]

مساحة إعلانية

مقالات

582

أ. د. أحمد جاسم الساعي

ترامب.. والمعادلة المتناقضة الأطراف

19 فبراير 2025 , 02:53ص

يرى المتتبع لتصريحات الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» منذ ترشيح نفسه للرئاسة الأمريكية إلى الآن، وبعد تنصيبه بشكل رسمي رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية في الـــ 20 من يناير 2025، أن هناك تناقضات بين وعوده وتهديداته وادعاءاته المثيرة للجدل. فقد وعد الرئيس بإنهاء الحروب الجارية، ومنها الحرب على غزة، وهدَدَ بجحيم لا مثيل له في الشرق الأوسط إن لم يُفرَج عن الرهائن المحتجزين في غزة العزة، وأدعى ويَدَعي بأن هذه الحروب ما كانت لتقع لو أنه كان رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية في وقتها. فماذا يعني هذا؟!! فهل هي تناقضات عفوية، أم أن الحرب في الشرق الأوسط شأن آخر لا يتضمنه قرار إيقاف الحروب؟ وماذا عن عنتريته وادعاءاته بإمكانية منع كل هذه الحروب قبل اندلاعها لو كان هو في سدة الحكم في تلك الفترة الزمنية، فهذه نقاط جوهرية تتمحور حولها هذه المقالة.

وابتداءً بالوعد الرئيسي بإنهاء الحروب، وحرب أوكرانيا على وجه الخصوص، فهي مطلب أمريكي أوروبي في المقام الأول لما تشكله من عبءٍ ثقيلٍ على الإدارة الأمريكية السابقة والحالية من جهة، وعلى دول الاتحاد الأوروبي من جهة أخرى نتيجة لالتزامها بدعم أوكرانيا في صدها للعدوان الروسي؛ فالحرب هذه ليست حربًا روسيةً أوكرانيةً فحسب، بل هي حرب روسية أوروبية بدعم سياسي ولوجستي أمريكي، فأمريكا متورطة بشكل أو بآخر في هذه الحرب كما يراها ترامب. ولذا فلا بد من إيقافها، وسينجح ترامب في إيقافها، بدلائل المؤشرات الإعلامية الجارية.

أما فيما يتعلق بإيقاف الحرب على غزة، فالأمر صعب لتعنت إسرائيل، وعدم رغبتها في ذلك على الرغم من هدنة تبادل السرى الجارية حالياً، والتي تحاول إسرائيل التملص من استحقاقات مرحلتها الثانية كما تشير وسائل الإعلام الإقليمية والعالمية. ولذا، فهناك سؤال حول جدية ترامب في إيقاف هذه الحرب، فهل هو جاد فعلا، وبأية نية؟ وماذا عن تهديداته بالجحيم في الشرق الأوسط،، فهل المعني بها طرفا النزاع الإسرائيلي والفلسطيني، أم الطرف الفلسطيني فقط؟ فالإجابة لا، بل المستهدف بالجحيم العرب الفلسطينيون فقط، وكل حركات المقاومة وتحديداً حماس. وذلك لاعتبار ما قامت به المقاومة بكل فصائلها في السابع من أكتوبر 2023 (طوفان الأقصى) من وجهة نظر ترامب المنحازة بشدة لإسرائيل فظائع ضد الإنسانية. أما الفظائع الحقيقية التي ارتكبتها وترتكبها إسرائيل يومياً على مدى خمسة عشر شهراً (475 يوماً) قبل سريان هدنة تبادل الأسرى، فلا يراها ترامب، وكل رؤساء أمريكا السابقين إلا دفاعاً عن النفس.

فجدية «ترامب» من عدمها في إيقاف الحرب في غزة وباقي المدن والقطاعات الفلسطينية، يمكن قياسها بما تشهده الساحة الفلسطينية حالياً، ومن خلال عدد من التساؤلات العقلانية مثل: كيف ينادي ترامب بإيقاف الحرب في فلسطين، ولم يحرك ساكناً حول عربدة إسرائيل في الضفة الغربية حالياً على الرغم من هدنة غزة، وكيف يُفهم تصريح ترامب حول حجم إسرائيل الصغير، والدعوة إلى زيادة حجمها في المنطقة العربية، وكيف تستقيم المناداة بوقف الحرب، والدعوة إلى تهجير وترحيل أهل غزة من أرضهم، أليس في كل هذه التصريحات والدعوات والادعاءات والاقتراحات تناقض صريح وواضح، فكيف تستقيم هذه المعادلة؟

وأخيراً، وليس آخراً، فلم يبق إلا الحديث عن تصريحات ترامب وادعاءاته المتعلقة بإمكانيته منع الحروب الجارية حالياً لو كان هو رئيسا لأمريكا في حينها، ومنها الحرب على غزة، وطوفان الأقصى (7 أكتوبر 2023)، وهذه ادعاءات خيالية، وغير معقولة. ولذلك، فلا ترامب ولا بايدن، ولا أي رئيس أو حاكم عالمي أو إقليمي باستطاعته أن يمنع الحرب على غزة، ويمنع الطوفان، وذلك لسريته التامة التي تم بها، وفي ظلها حيث أخفيت العملية برمتها عن أقرب المقربين، فلم تُكتشف خطة الهجوم، ولم يعلم بها أحد حتى قيادة حركة حماس السياسية، ولم تُرصد أية إشارة من قِبل الاستخبارات الإسرائيلية، ولا الأمريكية، ولا أي استخبارات إقليمية وعالمية. فكيف إذن لترامب الذي لم يستطع أن يُميز بين (غزة – موزمبيق) التي يدعمها بخمسين مليون دولار سنوياً لمكافحة الإيدز، و(غزة – فلسطين) التي يحاربها، ويحرم شعبها من أبسط حقوقه في العيش على أرضه، ويدعو إلى تهجيره، أن يمنع طوفان عجزت مخابراته ومخابرات حليفته وربيبته إسرائيل أن تكشفه، أو تعرف عنه شيئا قبل حدوثه؟!.

أما فيما يتعلق بدواعي الطوفان المقدس، فهي كثيرة عنوانها القهر والظلم، والأجواء الملبدة بغيوم السيطرة التامة، والهيمنة الإسرائيلية على المنطقة، والترويج لخريطة إسرائيل الكبرى، وخداع الدول العربية، وجر بعضها إلى التطبيع المجاني، وقبول إسرائيل كدولة رئيسة في المنطقة العربية، ومؤشرات التطبيع الوشيك لأكبر دولة عربية مع الكيان الصهيوني باعتباره المسار الأهم في عملية التطبيع المجاني. وليس هذا فحسب؛ بل هناك دواعٍ أخرى لا تقل أهميةً ولا تأثيراً في قرار الهجوم الطوفاني، مثل الممارسات الإسرائيلية اليومية في القدس، والعبث المستمر بالمسجد الأقصى وتدنيسه، والعمل الدؤوب على تصفية القضية الفلسطينية، وإنهائها إلى الأبد، وإلغاء حق العودة، وغيرها من ممارسات الظلم والطغيان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني الأعزل؛ ولذا، فلم يكن طوفان الأقصى المباغت إلا نتيجة طبيعية حتمية، وليس سبباً في الحرب على غزة كما يدعي الصهاينة المحتلون.

 

مساحة إعلانية