رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يتساءل المرء العربي بالذات وليس غيره من بني البشر في هذا العالم عن قصة بايدن مع اسطوانته المشروخة في التحقيق الشامل كما كان يرددها في كل مناسبة ترتكب فيها إسرائيل جرائمها المفضوحة نهاراً جهاراً ضد الشعب العربي الفلسطيني أفراداً وجماعات، حيث بدأت هذه الاسطوانة بالترديد لأول مرة عند مطالبة بايدن بالتحقيق الشامل في اغتيال مراسلة الجزيرة الصحفية الأمريكية الفلسطينية شيرين أبوعاقلة، ورددها مؤخراً في حرب إسرائيل الأخيرة على غزة، فما هي القصة، وما مغزى إثارتها وترديدها بين الفينة والأخرى، وبمناسبة وبغير مناسبة، فهل الرئيس الأمريكي بايدن صادق في المطالبة بإجراء تحقيق شامل في هذه الجرائم، أم هي عنترية للاستهلاك الداخلي الأمريكي باعتبار شيرين مواطنة أمريكية من ناحية، ولذر الرماد في عيون العرب والفلسطينيين من ناحية أخرى، أم للتظاهر بالعدل والإنصاف والمسؤولية المزيفة أمام العالم ككل، والتظاهر بالنزاهة والحيادية وعدم الانحياز لإسرائيل؟ فالنتيجة واضحة، فلا مصداقية ولا نزاهة ولا حياد، بل عنترية مطلقة، وانحياز واضح وصريح لإسرائيل، وضرب كل القيم والمبادئ الأخلاقية الأمريكية بعرض الحائط، ودون خجل ولا حياء ولا استحياء.
ففي واقعة اغتيال مراسلة الجزيرة شيرين أبوعاقلة، طالب الرئيس بايدن وألح وأصر على إجراء تحقيق شامل ونزيه في الحادثة، مع علمه اليقين بأن الحادثة ما كانت لتحدث لولا صدور أوامر واضحة مباشرة من رؤساء وضباط الجيس الإسرائيلي. فالحديث هنا عن صدور أمر عسكري صريح ذي خلفية سياسية بالاغتيال وجب تنفيذه دون تردد. فالأمر واضح وشيرين مستهدفة بالاغتيال في المقام الأول ومن أعلى هرم السلطة الإسرائيلية. وعلى الرغم من ذلك، فلم يتردد بايدن في إصراره على التحقيق الشامل في الحادثة. فماذا حدث في التحقيق الأمريكي الشامل، فهل وُجهت تهمة مباشرة وصريحة إلى إسرائيل أم تم التلاعب بالألفاظ، وإيجاد الحجج والمبررات مثل وقوع الحادثة في معركة بين الفلسطينيين والإسرائيلين، مما يُرجح انطلاق رصاصة طائشة من هنا أوهناك، كما ورد في الرواية الإسرائيلية، وفي النهاية تُبرأ إسرائيل وتنجو بفعلتها ليس من العقاب فحسب بل حتى من مجرد التهمة، وذلك بمساعدة فريق التحقيق الأمريكي الذي جاء من واشنطن بغرض تمييع القضية بأحداثها وملابساتها وتحريفها عن مسارها، ليضيع دم شيرين، ويُغلق الملف. وهذا يحدث في قضية اغتيال مواطنة أمريكية، فكيف لو لم تكن الضحية أمريكية؟ لكانت النتيجة أدهى وأمر، وأشد ظلماً وقهراً. وبذلك فقد وضع بايدن نفسه في حرج أمام العالم.
وفي الواقعة الثانية، وهي حرب إسرائيل على غزة، والهجوم المباغت عليها، وقصف المنازل من الجو، وهدمها على رؤوس ساكنيها، واستهداف قيادات في حركة الجهاد الإسلامي بالاغتيال والتصفية الجسدية، وقتل الأبرياء من شيوخ ونساء وأطفال بالطائرات الحربية المقاتلة، والقذائف الصاروخية، والأسلحة المتطورة الفتاكة، وتدمير شامل للمخيمات الفلسطينية دون مراعاة لأبسط حقوق المواطنين الغزاويين في العيش بأمن وأمان في مخيماتهم السكنية في أرضهم الفلسطينية. فالاعتداء وحشي همجي لا هوادة فيه، ولا رحمة، ومجرد من كل القيم والمبادئ الإنسانية، ومستنداً إلى حجج واهية، ومبررات ضعيفة لا تدعم قرار العدوان الظالم، وقتل وتشريد المواطنين الآمنين الأبرياء من منازلهم ومساكنهم.
وعلى الرغم مما يحدث، يأتي بيان البيت الأبيض ليؤكد على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، ولو كان ذلك بعملية عسكرية استباقية احترازية مبنية على الافتراضات والمعلومات المفبركة. والغريب أن يأتي هذا البيان قبل أن تبدأ حركة الجهاد بالرد بالصواريخ والقذائف الصاروخية الموجهة إلى مدن الاحتلال الإسرائيلي القريبة من قطاع غزة وعلى الشريط الحدودي منها، والمدن البعيدة عنه. ومن ثم يأتي الرئيس الأمركي بايدن بتصريح آخر يدعم فيه إجراء تحقيق شامل في الواقعة، فكيف يكون ذلك، وبأي منطق وعقلانية؟ سؤال يستدعي التوقف والتمعن في المغزى من إجراء التحقيق الشامل في العدوان ودعمه أمريكيا، ففيم التحقيق؟. هل هو في العدوان على غزة وأسبابه، وما نجم عنه من قتل وتدمير وتشريد للمواطنين الآمنين، أم في صد العدوان والرد عليه، وقصف المدن إسرائيلية القريبة والبعيدة من غزة؟.
وبالتوقف عند الحالتين والتمعن فيهما، يتبين الموقف الأمريكي المزيف، والمغزى الكامن وراءه. ففي الحالة الأولى لم يكن إصرار البيت الأبيض على التحقيق إلا لإخراج إسرائيل من مأزق الاغتيال المتعمد للتأكيد على أنه اغتيال غير مقصود حدث نتيجة للتراشق بالنيران بين الجيش الإسرائيلي وعناصر من حركة الجهاد الإسلامي. وهذا بالطبع مخرج يفتقر إلى العقلانية والموضوعية والدقة، ولا يمكن لأي عاقل أن يصدقه على الإطلاق. أما التحقيق في القضية الثانية، فهو مجرد دعم لأي مطلب للتحقيق في المواجهة بين طرفي الصراع في غزة، وذلك مرة أخرى لتبرير العدوان على غزة. ففي النهاية، يتبين أن التحقيق والمطالبة به أو دعمه ما هو إلا أسطوانة مشروخة رددها بايدن لتبرير جرائم إسرائيل، ودعمها في أي موقف ومناسبة، وتبرئتها من أي جرم.
● كلية التربية – جامعة قطر
(70 مليون طن من الركام والأنقاض وأكثر من 20,000 من القنابل التي لم تنفجر في قطاع غزة) ربما... اقرأ المزيد
192
| 19 أكتوبر 2025
أعادت الطائرات المسيّرة رسم مشهد الحروب الحديثة، فلم تعد مجرد أدوات تقنية، بل أصبحت قوة بنيوية تغيّر موازين... اقرأ المزيد
132
| 19 أكتوبر 2025
المرحلة الثانية من وقف الحرب لا تُشبه الهدوء، بل تشبه الصمت الذي يسبق الانفجار. هي مرحلة تتزيّن بالحديث... اقرأ المزيد
81
| 19 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كلية التربية – جامعة قطر
[email protected]
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا صحفيًا لا وجود فيه للصحافة؟ منصة أنيقة، شعارات لامعة، كاميرات معلّقة على الحائط، لكن لا قلم يكتب، ولا ميكروفون يحمل شعار صحيفة، ولا حتى سؤال واحد يوقظ الوعي! تتحدث الجهة المنظمة، تصفق لنفسها، وتغادر القاعة وكأنها أقنعت العالم بينما لم يسمعها أحد أصلًا! لماذا إذن يُسمّى «مؤتمرًا صحفيًا»؟ هل لأنهم اعتادوا أن يضعوا الكلمة فقط في الدعوة دون أن يدركوا معناها؟ أم لأن المواجهة الحقيقية مع الصحفيين باتت تزعج من تعودوا على الكلام الآمن، والتصفيق المضمون؟ أين الصحافة من المشهد؟ الصحافة الحقيقية ليست ديكورًا خلف المنصّة. الصحافة سؤالٌ، وجرأة، وضمير يسائل، لا يصفّق. فحين تغيب الأسئلة، يغيب العقل الجمعي، ويغيب معها جوهر المؤتمر ذاته. ما معنى أن تُقصى الميكروفونات ويُستبدل الحوار ببيانٍ مكتوب؟ منذ متى تحوّل «المؤتمر الصحفي» إلى إعلان تجاري مغلّف بالكلمات؟ ومنذ متى أصبحت الصورة أهم من المضمون؟ الخوف من السؤال. أزمة ثقة أم غياب وعي؟ الخوف من السؤال هو أول مظاهر الضعف في أي مؤسسة. المسؤول الذي يتهرب من الإجابة يعلن – دون أن يدري – فقره في الفكرة، وضعفه في الإقناع. في السياسة والإعلام، الشفافية لا تُمنح، بل تُختبر أمام الميكروفون، لا خلف العدسة. لماذا نخشى الصحفي؟ هل لأننا لا نملك إجابة؟ أم لأننا نخشى أن يكتشف الناس غيابها؟ الحقيقة الغائبة خلف العدسة ما يجري اليوم من «مؤتمرات بلا صحافة» هو تشويه للمفهوم ذاته. فالمؤتمر الصحفي لم يُخلق لتلميع الصورة، بل لكشف الحقيقة. هو مساحة مواجهة بين الكلمة والمسؤول، بين الفعل والتبرير. حين تتحول المنصّة إلى monologue - حديث ذاتي- تفقد الرسالة معناها. فما قيمة خطاب بلا جمهور؟ وما معنى شفافية لا تُختبر؟ في الختام.. المؤتمر بلا صحفيين، كالوطن بلا مواطنين، والصوت بلا صدى. من أراد الظهور، فليجرب الوقوف أمام سؤال صادق. ومن أراد الاحترام فليتحدث أمام من يملك الجرأة على أن يسأله: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
7902
| 13 أكتوبر 2025
انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت الطائرات عن التحليق، وصمت هدير المدافع، لكن المدينة لم تنم. فمن تحت الركام خرج الناس كأنهم يوقظون الحياة التي خُيّل إلى العالم أنها ماتت. عادوا أفراداً وجماعات، يحملون المكان في قلوبهم قبل أن يحملوا أمتعتهم. رأى العالم مشهدًا لم يتوقعه: رجال يكنسون الغبار عن العتبات، نساء يغسلن الحجارة بماء بحر غزة، وأطفال يركضون بين الخراب يبحثون عن كرة ضائعة أو بين الركام عن كتاب لم يحترق بعد. خلال ساعات معدودة، تحول الخراب إلى حركة، والموت إلى عمل، والدمار إلى إرادة. كان المشهد إعجازًا إنسانيًا بكل المقاييس، كأن غزة بأسرها خرجت من القبر وقالت: «ها أنا عدتُ إلى الحياة». تجاوز عدد الشهداء ستين ألفًا، والجراح تزيد على مائة وأربعين ألفًا، والبيوت المدمرة بالآلاف، لكن من نجا لم ينتظر المعونات، ولم ينتظر أعذار من خذلوه وتخاذلوا عنه، ولم يرفع راية الاستسلام. عاد الناس إلى بقايا منازلهم يرممونها بأيديهم العارية، وكأن الحجارة تُقبّل أيديهم وتقول: أنتم الحجارة بصمودكم لا أنا. عادوا يزرعون في قلب الخراب بذور الأمل والحياة. ذلك الزحف نحو النهوض أدهش العالم، كما أذهله من قبل صمودهم تحت دمار شارك فيه العالم كله ضدهم. ما رآه الآخرون “عودة”، رآه أهل غزة انتصارًا واسترجاعًا للحق السليب. في اللغة العربية، التي تُحسن التفريق بين المعاني، الفوز غير النصر. الفوز هو النجاة، أن تخرج من النار سليم الروح وإن احترق الجسد، أن تُنقذ كرامتك ولو فقدت بيتك. أما الانتصار فهو الغلبة، أن تتفوق على خصمك وتفرض عليه إرادتك. الفوز خلاص للنفس، والانتصار قهر للعدو. وغزة، بميزان اللغة والحق، (فازت لأنها نجت، وانتصرت لأنها ثبتت). لم تملك الطائرات ولا الدبابات، ولا الإمدادات ولا التحالفات، بل لم تملك شيئًا البتة سوى الإيمان بأن الأرض لا تموت ما دام فيها قلب ينبض. فمن ترابها خُلِقوا، وهم الأرض، وهم الركام، وهم الحطام، وها هم عادوا كأمواج تتلاطم يسابقون الزمن لغد أفضل. غزة لم ترفع سلاحًا أقوى من الصبر، ولا راية أعلى من الأمل. قال الله تعالى: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ”. فانتصارها كان بالله فقط، لا بعتاد البشر. لقد خسر العدو كثيرًا مما ظنّه نصرًا. خسر صورته أمام العالم، فصار علم فلسطين ودبكة غزة يلفّان الأرض شرقًا وغربًا. صار كلُّ حر في العالم غزاويًّا؛ مهما اختلف لونه ودينه ومذهبه أو لغته. وصار لغزة جوازُ سفرٍ لا تصدره حكومة ولا سلطة، اسمه الانتصار. يحمله كل حر وشريف لايلزم حمله إذنٌ رسمي ولا طلبٌ دبلوماسي. أصبحت غزة موجودة تنبض في شوارع أشهر المدن، وفي أكبر الملاعب والمحافل، وفي اشهر المنصات الإعلامية تأثيرًا. خسر العدو قدرته على تبرير المشهد، وذهل من تبدل الأدوار وانقلاب الموازين التي خسرها عليها عقوداً من السردية وامولاً لا حد لها ؛ فالدفة لم تعد بيده، والسفينة يقودها أحرار العالم. وذلك نصر الله، حين يشاء أن ينصر، فلله جنود السماوات والأرض. أما غزة، ففازت لأنها عادت، والعود ذاته فوز. فازت لأن الصمود فيها أرغم السياسة، ولأن الناس فيها اختاروا البناء على البكاء، والعمل على العويل، والأمل على اليأس. والله إنه لمشهدُ نصر وفتح مبين. من فاز؟ ومن انتصر؟ والله إنهم فازوا حين لم يستسلموا، وانتصروا حين لم يخضعوا رغم خذلان العالم لهم، حُرموا حتى من الماء، فلم يهاجروا، أُريد تهجيرهم، فلم يغادروا، أُحرقت بيوتهم، فلم ينكسروا، حوصرت مقاومتهم، فلم يتراجعوا، أرادوا إسكاتهم، فلم يصمتوا. لم… ولم… ولم… إلى ما لا نهاية من الثبات والعزيمة. فهل ما زلت تسأل من فاز ومن انتصر؟
6768
| 14 أكتوبر 2025
منذ صدور قانون التقاعد الجديد لسنة 2023، استبشر الموظفون والمتقاعدون في قطر بمرحلة جديدة من العدالة الاجتماعية والتقدير العملي لعطاءاتهم الطويلة. فقد نصت المادة (31) من القانون على أن الموظف الذي أكمل أكثر من ثلاثين سنة في الخدمة يستحق مكافأة عن السنوات الزائدة، وهو ما اعتُبر نقلة نوعية في التشريعات، ورسالة وفاء وعرفان من الدولة لأبنائها الذين أفنوا أعمارهم في خدمة مؤسساتها. غير أن هذا التفاؤل لم يدم طويلاً، إذ جاءت اللائحة التنفيذية لتضع قيداً لم يرد في النص الأصلي، حيث حصرت استحقاق مكافأة السنوات الزائدة فيمن تجاوزت خدمته الثلاثين سنة ابتداءً من عام 2023 فقط، متجاهلة بذلك آلاف المتقاعدين الذين أنهوا خدماتهم الطويلة قبل هذا التاريخ. هذا التفسير الضيّق أثار جدلاً واسعاً بين القانونيين والمتقاعدين، لأنه خالف صراحة روح المادة (31) وأفرغها من مضمونها العادل. النص التشريعي والغاية المقصودة: لا جدال في أن المشرّع حين أقر المادة (31) كان يبتغي تحقيق مبدأ المساواة والعدل بين كل من خدم الوطن أكثر من ثلاثين عاماً، دون التفريق بين من انتهت خدمته قبل أو بعد 2023. فالقانون قاعدة عامة مجردة، ومقاصده تتجاوز اللحظة الزمنية لتغطي جميع الحالات المماثلة. فإذا جاء النص واضحاً في تقرير الاستحقاق، فإن أي تفسير لاحق يجب أن يكون شارحاً ومكملاً، لا مقيّداً أو مفرغاً من المضمون. إن حصر المكافأة بفئة زمنية محددة يتنافى مع المبادئ العامة للتشريع، ويجعل القانون غير منصف في تطبيقه. فالذين تقاعدوا قبل 2023 قدّموا جهدهم وعرقهم طوال عقود، ومن غير المنطقي أن يُحرموا من حق أثبته النص لمجرد أن توقيت تقاعدهم سبق صدور القانون الجديد. أثر التمييز الزمني على المتقاعدين: إن استبعاد فئة كبيرة من المتقاعدين من حق المكافأة يخلق شعوراً بالغبن واللامساواة، ويؤدي إلى اهتزاز الثقة في العدالة التشريعية. هؤلاء المتقاعدون خدموا في الوزارات والهيئات والمؤسسات العامة، وأسهموا في بناء نهضة الدولة منذ بداياتها، وتحملوا ظروف العمل في فترات صعبة لم تكن فيها الامتيازات والرواتب كما هي اليوم. إن تجاهل هذه الفئة يرسل رسالة سلبية مفادها أن جهد العقود الطويلة يمكن أن يُطوى بجرة قلم، وأن التقدير مرهون بتاريخ تقاعد لا بعطاء حقيقي. وهذا يتناقض مع قيم الوفاء والعرفان التي اعتادت الدولة على إظهارها لأبنائها. الحديث عن مكافأة السنوات الزائدة ليس مجرد نقاش مالي أو قانوني، بل هو في جوهره قضية عدالة اجتماعية وكرامة إنسانية. فالمكافأة تمثل تقديراً رمزياً لمشوار طويل من الخدمة، وتساهم في تحسين أوضاع المتقاعدين الذين يواجهون أعباء الحياة المتزايدة بعد انتهاء عملهم. ومن هنا فإن إعادة النظر في تفسير المادة (31) ليس مجرد إجراء قانوني، بل هو استجابة طبيعية لقيم العدالة التي تميز نظامنا القانوني والإداري. الحق لا يسقط بالتقادم: ومن المهم التأكيد على أن الحق لا يسقط بالتقادم، خاصة إذا كان مرتبطاً بسنوات خدمة طويلة بذل فيها المواطن جهده وطاقته في سبيل وطنه. إن مكافأة السنوات الزائدة تظل حقاً أصيلاً لصاحبها، يحق له المطالبة به ولو بعد حين، ما دام القانون قد أقرّه صراحة في نصوصه. إن محاولة إسقاط هذا الحق بمرور الزمن أو تقييده بتاريخ صدور اللائحة التنفيذية أمر يتعارض مع المبادئ القانونية الراسخة ومع قواعد العدالة والإنصاف. المقارنة بتجارب خليجية سابقة: من المفيد أن نشير إلى أن دولاً خليجية أخرى اعتمدت أنظمة تقاعدية أكثر مرونة في هذا الجانب، حيث شملت مكافآت أو بدلات السنوات الزائدة جميع المتقاعدين دون تمييز زمني، إيماناً منها بأن العطاء لا يُقاس بتاريخ انتهاء الخدمة بل بعدد السنوات التي قضاها الموظف في خدمة وطنه. هذا يعكس أن المبدأ ليس غريباً أو صعب التطبيق، بل هو إجراء ممكن وواقعي أثبت نجاحه في بيئات مشابهة. المطلوب هو أن تشمل مكافأة السنوات الزائدة جميع من تجاوز ثلاثين عاماً خدمة، سواء تقاعد قبل 2023 أو بعده. فذلك هو التطبيق الأمثل لروح القانون، والتجسيد الحقيقي للعدل، والضمانة لردّ الاعتبار لمن حُرموا من حقهم رغم استحقاقهم. إن مكافأة السنوات الزائدة ليست ترفاً ولا منحة عابرة، بل هي استحقاق مشروع وواجب وطني في حق كل من خدم الدولة أكثر من ثلاثة عقود. تجاهل هذا الاستحقاق يفتح باب التمييز ويضعف الثقة في التشريع، بينما إنصاف المتقاعدين يرسخ مبادئ العدالة ويؤكد أن الدولة لا تنسى أبناءها الذين حملوا على عاتقهم مسؤولية البناء والتطوير. وليطمئن كل متقاعد أن عطاءه محفوظ في سجل الوفاء الوطني، وأن سنوات الخدمة الزائدة لن تضيع هدراً، بل ستُكافأ بالعدل والإنصاف.
3480
| 12 أكتوبر 2025