رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

أهمية وعي المُستثمر بالتشريعات الناظمة للتداول

يُعدّ وعي المُستثمر بالقواعد والأحكام المنصوص عليها في تشريعات هيئة قطر للأسواق المالية أمراً بالغ الأهمية لضمان سلامة التعامل في السوق المالي، وتعزيز الثقة والاستقرار فيه. فالسلوك الواعي والمبني على إدراك قانوني سليم يُجنب المُستثمر الوقوع في مُمارسات غير مشروعة، قد تبدو في ظاهرها جزءاً من "استراتيجيات التداول" لدى المُستثمر، لكنها في حقيقتها قد تنطوي على مُخالفات جسيمة لتشريعات الهيئة تضع المُتعامل تحت طائلة المسؤولية القانونية. ومن أبرز صور السلوكيات المحظورة التي دأب بعض المُتعاملين في الأسواق المالية، بوجه عام، على ممارستها، قيامهم بإدخال أوامر صورية – سواء بالشراء أو البيع – ثم إلغائها لاحقاً، بقصد التأثير المُصطنع على حركة السوق، وخلق انطباع مُضلل بوجود طلب أو عرض غير حقيقي على ورقة مالية معينة. ويترتب على ذلك، غالباً، تحريك سعر السهم صعوداً أو هبوطاً على نحو مُصطنع يخالف الواقع الفعلي لقوى العرض والطلب. وتُعد هذه التصرفات، وإن توهّم بعض المُتعاملين بأنها تندرج ضمن أنماط "المُضاربة "، من قبيل الممارسات الاحتيالية والتضليلية التي يجرمها القانون صراحةً، ويُولي لها المُشرّع الرقابي في مُعظم التشريعات المُقارنة عناية خاصة، نظراً لما لها من آثار خطيرة على عدالة السوق المالي وسلامة التعاملات فيه. وتُعد هذه الأفعال، عند ارتكابها في سوق المال القطري، مخالفة صريحة لأحكام المادة (34) من القانون رقم (8) لسنة 2012 بشأن هيئة قطر للأسواق المالية، والمادة (40/بند 8) من ذات القانون، فضلاً عن مخالفتها للمادة (87) من اللائحة التنفيذية الصادرة عن الهيئة. وفي هذا السياق، فقد أصدرت هيئة قطر للأسواق المالية "ضوابط سلوكيات التعامل في السوق" كمرجع تنظيمي يوضح للمُستثمرين والمُشاركين في السوق الحدود الفاصلة بين السلوك المشروع والمُخالف، ويدعو إلى الالتزام بالجدية والشفافية في أوامر التداول، والامتناع عن أي تصرف من شأنه إعطاء انطباع مضلل أو التأثير على السعر بوسائل غير مشروعة. ومن المهم الإشارة إلى أن بعض المُتعاملين في السوق المالي قد يجهلون أن إدخال الأوامر الوهمية والإلغاءات المتكررة، تُعد مخالفة قانونية تؤثر سلباً على كفاءة السوق وسلوكياته. فالمُشرّع لم يربط المسؤولية القانونية بنتيجة الفعل فحسب، بل بنية الفاعل والهدف من تصرفه، ما يجعل الوعي المُسبق بالتشريعات المُنظمة ضرورة لا غنى عنها. إن الحفاظ على نزاهة السوق المالي وفعاليته يتطلب من كل مُستثمر أن يكون على دراية كافية بالتشريعات والأنظمة المعمول بها، وأن يتوخى الحذر في كل تصرفاته المتعلقة بالتداول. فالقانون لا يحمي فقط المُتعاملين المُلتزمين، بل يحاسب كل من يخل بقواعده، حتى وإن ادّعى الجهل بها. ومن هذا المُنطلق، فإن نشر الوعي القانوني بين المُستثمرين يُعد ركيزة أساسية في تعزيز البيئة الاستثمارية السليمة التي تسعى دولة قطر إلى ترسيخها. وفي هذا الإطار، تواصل هيئة قطر للأسواق المالية جهودها الحثيثة في تنظيم وعقد الدورات التوعوية وورش العمل المتخصصة، بهدف رفع مُستوى الثقافة القانونية والرقابية لدى جميع فئات المُتعاملين في السوق.

759

| 21 سبتمبر 2025

نحو عدالة متخصصة ومرنة

أصدر سعادة وزير التجارة والصناعة القرار رقم (39) لسنة 2025 بشأن القواعد والإجراءات المتبعة أمام المحكمة المدنية والتجارية لمركز قطر للمال. ويُعد هذا القرار خطوة مهمة نحو تعزيز البيئة القضائية المتخصصة داخل مركز قطر للمال، بما يواكب المعايير الدولية ويُلبي متطلبات العدالة التجارية المعاصرة. وقد جاء القرار ليُعيد تنظيم الإجراءات القضائية أمام المحكمة، مُلغياً القرار السابق رقم (1) لسنة 2011 بشأن القواعد والإجراءات المتبعة أمام المحكمة المدنية والتجارية للمركز، وذلك في إطار تحديث شامل لمنظومة التقاضي في مركز قطر للمال. وقد نُشر القرار في الجريدة الرسمية بتاريخ 30 مايو 2025، ودخل حيّز النفاذ في اليوم التالي لنشره، أي اعتباراً من 1 يونيو 2025. ويتضمن القرار الجديد 38 مادة تُغطي مختلف مراحل إجراءات الدعوى، ابتداءً من قيدها وحتى صدور الحُكم وتنفيذه. وقد أكدت المادة (3) من القواعد الجديدة ما سبق أن نص عليه القرار السابق رقم (1) لسنة 2011 (الملغى)، من أن المحكمة المدنية والتجارية لمركز قطر للمال هي محكمة قطرية ذات طبيعة دولية، وتسمح للأطراف حرية اختيار اللغة الإجرائية، سواء باللغة الإنجليزية بما يتناسب مع طبيعة الشركات الدولية المؤسسة في المركز والمناطق الحرة، أو باللغة العربية باعتبارها اللغة الرسمية للدولة وفقاً لأحكام الدستور القطري. ويُعد ذلك تأكيداً على مرونة النظام القضائي بالمركز، بما يراعي تنوّع الأطراف واحتياجاتهم العملية. الإيداع الإلكتروني للمستندات ومن أبرز مظاهر التحديث الإجرائي ما ورد في المادة (8) من القرار، والتي أجازت للأطراف إيداع المستندات أو الإخطارات إلكترونياً، سواء عبر البريد الإلكتروني أو من خلال النظام الإلكتروني للمحكمة، دون اشتراط الإيداع الورقي، ما لم يقرِّر خلاف ذلك قلم المحكمة أو القاضي المختص. ويُعدّ هذا التطوير نقلة نوعية تُسهم في تسريع الإجراءات وتوفير قدر كبير من المرونة، لا سيّما في القضايا التي تشمل أطرافاً دوليين أو مكاتب تمثيل قانونية خارج الدولة، حيث يمكن تقديم المذكرات والمرفقات إلكترونياً دون الحاجة إلى الحضور الفعلي أو التسليم الورقي، مما يقلل من الأعباء الإدارية والتكاليف المالية على الأطراف. الإعلان عبر العنوان الوطني ومن أهم التعديلات أن القواعد الجديدة اعتمدت وسيلة الإعلان عبر «العنوان الوطني»، وهي وسيلة مستحدثة ضمن هذه القواعد، وذلك استناداً إلى القانون رقم (24) لسنة 2017 بشأن العنوان الوطني، والذي اعتبر الإعلانات القضائية والإخطارات الرسمية التي تتم على العنوان الوطني صحيحة ومنتجة لكافة آثارها القانونية. وبناءً عليه، أصبح بإمكان الأطراف، وفقاً للقواعد الجديدة، إجراء الإعلان عبر العنوان الوطني، إلى جانب وسائل الإعلان التقليدية، مثل الإعلان الشخصي، أو عبر البريد، أو البريد الإلكتروني، أو الفاكس، بل وحتى عبر الوسائل التي يتفق عليها الأطراف. ويُسهم هذا التنوع في وسائل الإعلان في تحقيق قدر أكبر من اليقين الإجرائي، ويُقلل من احتمالات الطعن في صحة الإعلان متى تم وفق إحدى الوسائل المعتمدة. الجلسات عبر وسائل الاتصال الحديثة ومن أهم التعديلات أيضاً، ما نصّت عليه المادة (29) من القرار الجديد بشأن إمكانية عقد جلسات المحكمة باستخدام وسائل الاتصال الحديثة، وهو تطور إجرائي مهم يواكب التحديات العملية، كما حدث إبان جائحة كوفيد أو عند تعذّر حضور أحد الأطراف أو كليهما شخصياً إلى المحكمة. وتوفّر الإجراءات الجديدة إمكانية عقد الجلسات عن بُعد عبر تقنيات الاتصال المرئي أو المسموع، مما يمنح مرونة أكبر في إدارة الجلسات ويسهم في تسريع عملية التقاضي، وفقاً لما تراه المحكمة مناسباً لطبيعة النزاع وظروفه. وتُدار هذه الجلسات من مقر المحكمة داخل الدولة، مما يُمكّن المحكمة من الفصل في النزاعات بفعالية ومرونة، ودون المساس بمبدأي المواجهة والعلنية. الحُكم الغيابي وفق المادة (22): تنظيم دقيق ومتوازن كذلك، من أهم التعديلات ما جاءت به المادة (22)، حيث نظّمت آلية إصدار الحكم الغيابي بشكل مفصّل، إذ أجازت للمدعي، في حال تخلّف المدعى عليه عن تقديم دفاعه، أن يتقدّم بطلب إلى قلم المحكمة للحصول على حكم غيابي، سواء كانت المطالبة بمبلغ محدد أو غير محدد. ويتمتع الحكم الغيابي بذات حجية الأحكام العادية، ويمكن تنفيذه وفق قواعد التنفيذ. كما أجازت المادة للمدعى عليه أن يتقدّم بطلب لإلغاء أو تعديل الحكم الغيابي إذا أثبت وجود أوجه دفاع جدّية أو أسباب وجيهة أخرى، مع اشتراط أن يتم تقديم الطلب على وجه السرعة، بما يعزز مبدأ الموازنة بين العدالة الناجزة وضمانات التقاضي. نظام استئناف مرن وآلية فحص أولي ومن التعديلات الجوهرية التي جاءت في القرار الجديد، ما نصّت عليه المادة (36)، والتي استحدثت آلية فحص الطعون الاستئنافية قبل قبولها، حيث تُشكَّل دائرة من ثلاثة قضاة لفحص مدى جدية الطعن قبل عرضه على الدائرة الاستئنافية، ويُعد قرار الرفض نهائياً وغير قابل للطعن. وتُسهم هذه الآلية في الحد من الطعون الكيدية وحماية وقت المحكمة. دور قاضي التنفيذ وفي سبيل تعزيز تنفيذ الأحكام الصادرة عن المحكمة، أكّد القرار الجديد على صلاحية رئيس المحكمة في تعيين أحد قضاة المحكمة ليشغل منصب قاضي التنفيذ، وهو ما يُشكل ضمانة تنظيمية مهمة لتعزيز فاعلية التنفيذ القضائي في مركز قطر للمال. ويتمتع قاضي التنفيذ بصلاحيات تشمل النظر في طلبات التنفيذ والإشراف على الإجراءات المرتبطة بها، بما يضمن سرعة الاستجابة، ويعزز الثقة في قدرة المحكمة على إنفاذ أحكامها داخل الدولة، ويؤكد على التزامها بضمان وصول الحقوق لأصحابها. خاتمة يُعد القرار الوزاري رقم (39) لسنة 2025 نقطة تحوّل نوعية في تنظيم إجراءات التقاضي أمام المحكمة المدنية والتجارية لمركز قطر للمال، لما تضمّنه من أحكام دقيقة وشاملة في مجالات الإعلان، والإيداع الإلكتروني، والحُكم الغيابي، ومرونة الحضور والانعقاد، بالإضافة إلى تطوير منظومة الاستئناف. ويُتوقع أن يُعزز هذا الإطار الجديد ثقة المُستثمرين والمُتقاضين في فعالية القضاء التجاري المُتخصص في دولة قطر، ويدعم مكانة مركز قطر للمال كمظلة قانونية متكاملة ذات طابع دولي في قلب المنطقة.

687

| 16 يونيو 2025

ستون عاماً على إنشاء مركز تسوية منازعات الاستثمار

جاءت فكرة إنشاء المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار بمبادرة من البنك الدولي إدراكا منه لأهمية إيجاد آلية قانونية مؤسسية تُعزِّز ثقة المستثمرين الأجانب في بيئة الاستثمار العالمية، وتحد من مخاطر اللجوء إلى القضاء الوطني، والذي قد يفتقر –في نظر المستثمر الأجنبي، ولا سيما في بعض الدول– إلى معايير الحياد والاستقلالية اللازمة للفصل في المنازعات ذات الطابع الاستثماري. وفي هذا الإطار، بادر البنك الدولي إلى إجراء مشاورات موسعة خلال الفترة الممتدة من عام 1961 إلى عام 1965، شارك فيها ممثلون عن ستٍ وثمانين دولة، وأسفرت عن اعتماد «اتفاقية تسوية منازعات الاستثمار بين الدول ومواطني الدول الأخرى» المعروفة اختصاراً باتفاقية واشنطن – بتاريخ 18 مارس 1965. وبموجب هذه الاتفاقية، تم إنشاء المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار (ICSID) بوصفه هيئة مستقلة ضمن مجموعة البنك الدولي، ويختص بتقديم خدمات التحكيم والتوفيق في المنازعات الناشئة عن الاستثمارات الأجنبية وتهدف الاتفاقية إلى إرساء إطار قانوني مؤسسي لتسوية المنازعات بين الدولة المضيفة والمستثمر الأجنبي، بما يُعزّز من مفهوم اليقين القانوني، ويُسهم في تهيئة مناخ استثماري مستقر وعادل. وعلى الرغم من ذلك، يُؤخذ على الاتفاقية عدم تضمينها تعريفاً دقيقاً لمفهوم «الاستثمار»، وهو ما ترك للهيئات التحكيمية حرية تقدير ماهية الأنشطة التي تندرج ضمن هذا المفهوم، وفقاً لمعايير اجتهادية مرنة. وقد دخلت الاتفاقية حيّز النفاذ بتاريخ 14 أكتوبر 1966، عقب بلوغ عدد الدول المصدقة عليها عشرين دولة. وقد حظيت الاتفاقية منذ نشأتها بقبول متزايد من قبل الدول النامية، لا سيما من القارة الإفريقية، في حين أبدت بعض دول أمريكا اللاتينية تحفظات عليها. وفي عام 1978، أُضيفت قواعد التسهيلات الإضافية (Additional Facility Rules) لتوسيع نطاق خدمات المركز لتشمل بعض الحالات التي لا يتوافر فيها شرط الاختصاص الكامل. وعلى مرّ العقود، اتسع نطاق الدول الأطراف في الاتفاقية، ليبلغ عدد الدول التي صادقت عليها 158 دولة حتى عام 2024، بالإضافة إلى سبع دول أخرى وقّعت على الاتفاقية دون أن تستكمل إجراءات التصديق. وقد انضمت دولة قطر إلى اتفاقية تسوية منازعات الاستثمار بين الدول ومواطني الدول الأخرى – المعروفة بـ»اتفاقية واشنطن» – بتاريخ 21 ديسمبر 2010، وصادقت عليها بموجب المرسوم الأميري رقم (5) لسنة 2011 الصادر بتاريخ 14 فبراير 2011. وإعمالًا لأحكام الاتفاقية، فقد أدرجت دولة قطر شرط اللجوء إلى التحكيم أمام المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار (ICSID) في عدد من الاتفاقيات الثنائية التي أبرمتها بشأن تشجيع وحماية الاستثمارات، باعتبار أن التحكيم أمام المركز يُعدّ من أبرز الآليات القانونية المعتمدة لتسوية المنازعات الناشئة بين الدولة والمستثمر الأجنبي. وقد شملت هذه الاتفاقيات دولًا متعددة، من بينها – على سبيل المثال لا الحصر – فرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وسويسرا، والبرتغال، وفنلندا، وقبرص، وأوكرانيا، والصين، والهند، وباكستان، و كوريا الجنوبية، وسنغافورة، وتركيا، وبنما، وكوت ديفوار، و السودان، والمملكة الأردنية الهاشمية. وفيما يتعلّق بنطاق الاختصاص لدى المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار، فقد بيّنت المادة (25) من اتفاقية واشنطن الشروط التي يتوجب توافرها لانعقاد ولاية المركز للنظر في النزاع، وذلك على النحو الآتي: أولاً: الاختصاص الشخصي: يشترط أن يكون أحد طرفي النزاع دولة متعاقدة في الاتفاقية أو أحد الكيانات التابعة لها، وأن يكون الطرف الآخر مستثمرًا يتمتع بجنسية دولة أخرى طرف في الاتفاقية. ثانياً: الاختصاص الموضوعي: يتطلب أن يكون النزاع ناشئاً بصورة مباشرة عن استثمار. وقد تركت الاتفاقية تحديد مفهوم «الاستثمار» للهيئات التحكيمية، التي استقرت على جملة من المعايير المرنة لتحديد ما يُعدّ استثماراً في السياق الدولي. ثالثاً: الرضا الصريح: وهو شرط جوهري لانعقاد ولاية المركز، إذ لا ينعقد الاختصاص إلا بتوافر رضا صريح ومكتوب من كلا الطرفين، سواء أكان ذلك من خلال إدراجه في العقد الاستثماري، أو النص عليه في التشريع الوطني، أو تضمينه في الاتفاقيات الدولية ذات الصلة. ووفقاً للمادة (26)، فإن منح الولاية التحكيمية للمركز يرتب أثراً قانونياً مزدوجاً، فهو يجعل هذه الولاية نهائية وغير قابلة للإلغاء من طرف واحد، ويؤدي إلى اختصاص حصري للمركز دون غيره. و يتميّز النظام القانوني المعتمد لدى المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار باستقلاله التام عن الرقابة القضائية الوطنية، إذ لا يجوز لمحاكم الدول التدخل في إجراءات التحكيم أو مراجعة القرارات أو الأحكام الصادرة عن المركز، والتي تُعد واجبة النفاذ بذات القوة المقررة للأحكام القضائية الوطنية في الدول الأطراف، وذلك عملاً بالمادة (54) من اتفاقية واشنطن، مع الأخذ في الاعتبار ما تقرره قواعد القانون الدولي من حصانات للدول، ودون المساس بالحماية المقررة لأصولها ذات الطابع السيادي من إجراءات التنفيذ الجبري. وبحسب الإحصائية الرسمية الصادرة عن المركز، فقد بلغ إجمالي القضايا المسجّلة لديه منذ إنشائه وحتى 31 ديسمبر 2024، ما مجموعه (1022) قضية، توزّعت ما بين دعاوى أُقيمت استناداً إلى أحكام اتفاقية واشنطن وأخرى بُوشرت وفقاً لقواعد التسهيلات الإضافية. وقد شهد عام 2024 وحده تسجيل (53) قضية جديدة، في دلالة واضحة على تنامي الثقة الدولية بآلية المركز، بوصفها إطاراً مؤسسياً راسخاً لتسوية المنازعات الاستثمارية، يتّسم بالحياد والاستقلال وسرعة الفصل وقابلية التنفيذ عبر الحدود.

936

| 03 يونيو 2025

الذكاء الاصطناعي في المحاكم

في السنوات الأخيرة، ازداد اهتمام الدول باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في أنظمتها القضائية بهدف تسريع عمليات التقاضي، وتحسين جودة العمل القضائي، وصولا إلى تحقيق العدالة الناجزة. ومع ذلك، يظل هناك تحفظ في بعض الدول إزاء تطبيق هذه الأدوات في المحاكم، بسبب المخاوف من التأثيرات السلبية المحتملة عند استخدامها بشكل غير دقيق أو دون إشراف مناسب. وتشمل التطبيقات الحالية لأدوات الذكاء الاصطناعي المستخدمة حاليًا في محاكم بعض الدول مهام متنوعة مثل أتمتة نظم ملفات المحاكم، وجدولة مواعيد الجلسات، والترجمة الآلية للنصوص الأجنبية، وتلخيص الوقائع القانونية، وتحديد النقاط المتكررة في المذكرات المقدمة، بل وحتى إصدار أحكام في بعض القضايا المحددة. وعلى الرغم من الفوائد الواضحة لبعض هذه التطبيقات من حيث تعزيز الكفاءة والسرعة في عمل المحاكم، فإن اعتمادها بشكل واسع يثير تساؤلات حول مدى تأثيرها على نزاهة واستقلالية القضاء، وما إذا كان بإمكان الذكاء الاصطناعي أن يحل محل القاضي البشري في دراسة ملفات الدعاوى وإصدار الأحكام، مع الحفاظ على العدالة والاعتبارات الإنسانية. ومع ذلك، فقد بدأت العديد من الدول في اعتماد هذه التقنيات بدرجات متفاوتة وبإجراءات تنظيمية مختلفة، فعلى سبيل المثال، فقد قامت دول مثل نيوزيلندا، والمملكة المتحدة، وأستراليا، وكندا بمحاولات فردية لوضع معايير إرشادية تضبط استخدام الذكاء الاصطناعي في أنظمتها القضائية. ومع ذلك، لا تزال هناك فجوة في وجود معايير دولية موحدة تكفل الاستخدام المسؤول لهذه التقنية، مما يعكس الحاجة إلى تعاون دولي لمعالجة هذه القضية. ولقد أدركت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، المعروفة اختصارًا بمنظمة اليونسكو، أهمية وضع إرشادات دولية لضبط استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي في المحاكم والهيئات القضائية. ومن هذا المنطلق، دشنت مشروعًا لتطوير مبادئ توجيهية شاملة تهدف إلى تحقيق التوازن بين الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي وضمان العدالة الإجرائية. وفي إطار هذا المشروع، أجرت اليونسكو دراسة استقصائية في عام 2023 كشفت أن 93% من الكوادر القضائية التي شملتها الدراسة تستخدم الذكاء الاصطناعي في أنشطتها المهنية. كما أظهرت الدراسة أن 9% فقط من الجهات القضائية التي تعتمد على هذه الأدوات قد أصدرت مبادئ توجيهية لتنظيم استخدامها، مما يبرز الحاجة الملحة إلى تطوير إطار عالمي موحد يضمن الاستخدام المسؤول لهذه التقنية. وبناء على تلك المعطيات، دشنت اليونسكو مشروعًا لتطوير مبادئ توجيهية شاملة توازن بين الاستفادة من الذكاء الاصطناعي وضمان العدالة الإجرائية. وقد تضمنت مسودة المبادئ ثلاثة عشر مبدأً، ركزت على حماية حقوق الإنسان وضمان العدالة الإجرائية والمساواة من خلال توفير وصول متكافئ للتكنولوجيا لجميع الأطراف. كما أكدت على حماية البيانات الشخصية، وضمان الخصوصية، وتجنب التحيز، حيث يعتمد الذكاء الاصطناعي على البيانات المُدخلة، والتي إن كانت متحيزة ستؤدي إلى نتائج غير عادلة. كذلك، فقد شددت المسودة أيضًا على الالتزام بالقيم القضائية الأساسية كالحياد والاستقلالية، مع توفير التدريب المستمر للكوادر القضائية لتطوير مهاراتهم الرقمية. كما أوصت المسودة بضرورة وجود إشراف بشري مستمر على تطبيقات الذكاء الاصطناعي لضمان دقة المخرجات وتجنب الاعتماد المفرط عليها، حيث وردت تقارير في بعض الدول عن حالات اعتمد فيها قضاة ومحامون على معلومات غير دقيقة صادرة عن أدوات الذكاء الاصطناعي، مما أسفر عن إصدار قرارات قضائية أو إعداد مذكرات قانونية استندت إلى أحكام غير صحيحة أو غير موجودة. وقد عرضت اليونسكو مسودة المبادئ على موقعها الإلكتروني لاستقبال الملاحظات من المهتمين، وكان آخر موعد لذلك في 25 سبتمبر 2024. ومن المتوقع أن تعتمد اليونسكو المسودة بعد مراجعة كافة الملاحظات وأخذها بعين الاعتبار، تمهيدًا لإصدار المبادئ بصيغتها النهائية. ولقد أدركت دولة قطر أهمية أدوات الذكاء الاصطناعي، حيث أصدر مجلس الوزراء الموقر القرار رقم (10) لسنة 2021 بإنشاء لجنة الذكاء الاصطناعي والتي تهدف إلى تنفيذ استراتيجية قطر للذكاء الاصطناعي ومتابعة تنفيذها. كما تشمل اختصاصات اللجنة الإشراف على البرامج والمبادرات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، واقتراح خطط لتطوير الكوادر البشرية في هذا المجال، ودعم الشركات الناشئة، وتعزيز البحث العلمي، وإنشاء قنوات تعاون مع الجهات الدولية المختصة. ولقد قامت محكمة قطر الدولية مؤخرًا بتدشين مبادرة لاستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي على موقعها الإلكتروني لإعطاء ملخصات عن أحكام المحكمة بواسطة الذكاء الاصطناعي، مما يضمن وصول المهتمين من المحامين والقانونيين والمتقاضين إلى المعلومات القانونية بسهولة. كما دشنت المحكمة المحادثة المدعومة بالذكاء الاصطناعي التي تهدف إلى الإجابة على استفسارات العامة المتعلقة بالمحكمة. وختامًا، من المتوقع أن يصبح استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي في المحاكم أمرًا حتميًا، وإن كان بوتيرة متفاوتة بين الدول. لذا، من الضروري وضع معايير واضحة للاستخدام المسؤول لهذه التقنيات، بما يضمن احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، مع استعداد الدول لهذه المرحلة بطريقة تتماشى مع قيمها وعاداتها الثقافية والاجتماعية.

1527

| 04 ديسمبر 2024

محكمة العدل الدولية في سطور

أُنشئت محكمة العدل الدولية في عام 1945 بموجب ميثاق الأمم المتحدة، وتُعد المحكمة واحدة من الأجهزة الستة لهيئة الأمم المتحدة، والتي تتضمن الجمعية العامة، ومجلس الأمن، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، ومجلس الوصاية، ومحكمة العدل الدولية، والأمانة العامة للأمم المتحدة. وتعد محكمة العدل الدولية بموجب المادة 92 من ميثاق الأمم المتحدة الأداة القضائية الرئيسية للأمم المتحدة ولها صلاحيات الفصل في النزاعات التي تنشأ بين الدول، بالإضافة إلى إبداء الفتاوى القانونية في المسائل التي تحال إلى المحكمة من قبل الجمعية العامة أو من قبل مجلس الأمن، أو من قبل الهيئات والوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة، شريطة الحصول ابتداء على إذن الجمعية العامة بهذا الشأن. وتلجأ الدول غالبا إلى المحكمة عندما يثور النزاع مع دولة أخرى في مسائل تتعلق بترسيم الحدود الجغرافية فيما بينها، أو في حالات النزاع على جزر أو مناطق بحرية، أو في حالات إخلال إحدى الدول بالمواثيق أو المعاهدات الدولية. ويكون اختصاص المحكمة إلزاميا في جميع المسائل المنصوص عليها بشكل خاص في ميثاق الأمم المتحدة، أو في حال إذا ما اتفقت الدول الأطراف المتنازعة سلفا، من خلال الاتفاقيات أو المعاهدات الدولية التي تكون الدولة طرفا فيها، على منح المحكمة الاختصاص بالفصل في النزاع الذي قد ينشأ فيما بينها بموجب أحكام هذه الاتفاقيات أو المعاهدات. وقد يكون اختصاص المحكمة اختياريا، بمعنى أن المحكمة لا تملك صلاحية الفصل في النزاع ابتداءً إلا إذا وافقت الدول الأطراف المتنازعة على اختصاص المحكمة للفصل في النزاع القائم بينهم. تشكيل المحكمة وتتكون الهيئة القضائية لمحكمة العدل الدولية من (15) خمسة عشر قاضيا، ويحق لكل دولة في الأمم المتحدة أن ترشح أحد مواطنيها المشهود له بحسن السمعة والسلوك، وممن تتوفر فيه المؤهلات المطلوبة لشغل المناصب القضائية العليا فيها، أو أن يكون فقيها في مجال القانون الدولي، ليكون عضوا في الكادر القضائي لمحكمة العدل الدولية. ويتم انتخاب أعضاء المحكمة من قبل الجمعية العامة ومجلس الأمن من بين قائمة بأسماء الأشخاص المرشحين لتولي المناصب القضائية في محكمة العدل الدولية. ويكون الاقتراع سريا. ويُعلن فوز المرشحين لعضوية المحكمة ممن حصلوا على أكبر عدد من الأصوات من الدول الأطراف الحاضرة والمصوتة، حيث إن نظام انتخاب القضاة يكون وفقا لنظام الأغلبية المطلقة. وتبلغ مدة الولاية القضائية لكل قاضٍ تسع سنوات. وضمانا لعدم تغيير القضاة دفعة واحدة، تجرى الانتخابات كل ثلاث سنوات على ثلث المقاعد في المحكمة، حيث تنتهي ولاية خمسة قضاة خلال الأعوام الثلاثة الأولى من الولاية، ومن ثم تنتهي ولاية العشرة قضاة الآخرين في نهاية الست سنوات الباقية من الولاية، مع إمكانية إعادة انتخاب القضاة الذين سبق ان تم انتخابهم. ويجب ان ينتمي كل قاضٍ في محكمة العدل الدولية إلى جنسية دولة واحدة، بمعنى أنه لا يجوز أن يكون في الكادر القضائي للمحكمة قاضيان أو أكثر من جنسية دولة واحدة، وذلك مراعاة لضمانات العدالة. إجراءات التقاضي إن إجراءات التقاضي أمام محكمة العدل الدولية تمر بمرحلتين، حيث إنه في المرحلة الأولى تقدم الدول المتقاضية الحجج والأدلة والتقارير خطيا إلى المحكمة لإثبات الواقعة المتنازع عليها، وفي المرحلة الثانية يقوم ممثلو ومحامو تلك الدول بتقديم مرافعاتهم الشفوية أثناء جلسات المحكمة المقررة. وبعد انتهاء ممثلي الدول الأطراف من تقديم مرافعاتهم، تبدأ هيئة المحكمة المداولات والتي يغلب عليها طابع السرية، ومن ثم تصدر المحكمة قراراتها من قبل أغلبية القضاة الحاضرين. وغالبا ما تدوم مداولات المحكمة لإصدار الحكم ما بين أربعة إلى ستة أشهر، وتصدر المحكمة قراراتها وأحكامها في جلسة علنية، حيث يتم تلاوة الحكم والذي يتضمن منطوقه وأسبابه. ومن ثم تصدر تلك القرارات والأحكام باللغتين الرسميتين للمحكمة وهما اللغة الإنجليزية واللغة الفرنسية، ويُسلم القرار أو الحكم إلى الدول المعنية. وتعتبر جميع الأحكام الصادرة عن محكمة العدل الدولية نهائية وغير قابلة للاستئناف أو الطعن عليها بأي طريق من طرق الطعن. ووفقا لأحكام المادة 94 من ميثاق الأمم المتحدة تتعهد كل دولة عضو في الأمم المتحدة بالالتزام بتنفيذ حكم محكمة العدل الدولية في أية قضية تكون الدولة طرفاً فيها. وإذا ما امتنعت إحدى الدول المتقاضية في قضية ما عن تنفيذ الحكم الصادر عن محكمة العدل الدولية، فيجوز للدولة الخصم (الطرف الآخر في القضية) أن تلجأ إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن عدم امتثال الدولة الأخرى لقرار المحكمة، وفي هذه الحالة يجوز لمجلس الأمن أن يقدم توصياته أو أن يصدر قراراً بالتدابير التي يجب اتخاذها لتنفيذ هذا الحكم. وعمليا تنفذ جميع الأحكام الصادرة عن المحكمة طواعية، وإذا ما رفضت إحدى الدول تطبيقها، فيمكن للدولة الخصم اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، إذ يجوز لهذا الأخير وفقا للمادة 94 من ميثاق الأمم المتحدة إصدار توصيات أو إقرار تدابير لتنفيذ القرار. ومما لا شك فيه أن محكمة العدل الدولية تلعب دوراً حيوياً في التسوية السلمية للنزاعات الدولية وتعد الركيزة الأساسية في نظام العدالة الدولية، وتسعى المحكمة جاهدةً لتحقيق العدالة وفض النزاعات الدولية بروح من العدالة والنزاهة.

3177

| 22 فبراير 2024

التنفيذ الجبري

يعد التنفيذ ثمرة الحكم القضائي باعتباره المرحلة الأخيرة في إجراءات التقاضي. والتنفيذ الجبري هو التنفيذ الذي تجريه السلطة العامة في الدولة جبرا عن المدين، تحت إشراف قاضي التنفيذ ورقابته. وقاضي التنفيذ هو أحد قضاة المحكمة الكلية أو الجزئية بالمحكمة الابتدائية ويختص بالفصل في جميع منازعات التنفيذ، وبإصدار القرارات والأوامر المتعلقة بالتنفيذ. وقد نظّم المشرع القطري أحكام وقواعد التنفيذ الجبري في المواد المدنية والتجارية في الكتاب الثالث من قانون المرافعات المدنية والتجارية رقم 13 لسنة 1990 وتعديلاته في المواد 362 إلى 518. ويكون التنفيذ الجبري بناءً على طلب من الدائن الذي بيده سند (تنفيذي) مستوف للشروط التي نص عليها القانون، استيفاءً لحقه الثابت به. ويمكن تعريف السند التنفيذ بأنه السند الذي يخول صاحبه الحق في التنفيذ جبرا عن المدين. والسندات التنفيذية هي الأحكام والأوامر الصادرة من المحاكم واتفاقات الصلح التي أثبتت بمحضر الجلسة أو ألحقت به والأوراق الرسمية التي يعطيها القانون قوة التنفيذ. وتعد الاحكام القضائية أهم السندات التنفيذية تأكيدا للحق، واكثرها شيوعا في العمل. ويجب أن يكون لدى طالب التنفيذ صورة عن الحكم عليها صيغة معينة تسمى الصيغة التنفيذية حتى يتمكن من تنفيذ الحكم جبرا عن المدين. فالحكم القضائي كورقة تؤكد وجود الحق لا تنفيذه، ما لم توضع على صورة رسمية منه الصيغة التنفيذية. وتختم صورة الحكم التي يكون التنفيذ بموجبها بخاتم المحكمة ويوقعها الكاتب بعد أن يذيلها بالصيغة التنفيذية. والأحكام الجائز تنفيذها جبرا هي الأحكام التي تلزم المحكوم عليه بشيء يقتضي تدخل السلطة العامة لإجباره على التنفيذ، كالحكم عليه بدفع تعويض معين أو الحكم بتسليم منقول معين بالذات، أما الأحكام التي لا تلزم المحكوم بشيء فإنها لا تعتبر سندات تنفيذية كالحكم المقرر ومثاله الحكم بصحة ونفاذ عقد البيع، أو الحكم المنشئ ومثاله كالحكم بالطلاق. ففي كلتا الحالتين لا يتضمن الحكم إلزام المحكوم عليه بشيء يقتضي تدخل السلطة العامة لتنفيذه جبرا وانما تتحقق الحماية القانونية للمحكوم له في الحالتين بمجرد تنفيذ الحكم. على أنه ليست كل أحكام الإلزام سندات تنفيذية وإنما فقط الأحكام الحائزة على قوة الأمر المقضي به أي الأحكام التي لا تقبل الطعن فيها بطرق الطعن العادية. وينطبق هذا الوصف على الأحكام التالية: 1.أحكام محاكم الدرجة الأولى التي تصدر غير قابلة للطعن فيها بالاستئناف كالحكم الصادر من المحكمة الجزئية في حدود نصابها النهائي إذا كانت قيمة الدعوى لا تزيد على ثلاثين ألف ريال، أو الحكم الصادر من المحكمة الكلية في حدود نصابها النهائي إذا كانت قيمة الدعوى لا تزيد على خمسين ألف ريال، أو الأحكام الصادرة من محكمة الدرجة الأولى القابلة للاستئناف ثم تصبح بسقوط حق الطعن فيها حائزة على قوة الأمر المقضي به. 2.أحكام المحاكم الاستئنافية الصادرة بإلغاء أو تأييد أو تعديل حكم محكمة الدرجة الأولى ما دام الطعن فيها بالاستئناف جائزاً. أما قابلية الحكم للطعن فيه بإحدى طرق الطعن غير العادية وهي: التماس إعادة النظر أو التمييز فإنه لا يحول دون تنفيذ الحكم. فإذا حكمت المحكمة بقبول الالتماس أو التمييز، فإن هذا الحكم يعتبر سندا تنفيذيا لإعادة الحال إلى ما كانت عليه. أما إذا حكم برفض الطعن بالالتماس أو التمييز، فإن الحكم المطعون يظل هو السند التنفيذي بالنسبة لما قضى به. ويكون التنفيذ على أموال المدين التي يجيز القانون التنفيذ الجبري عليها. ويجب أن يسبق التنفيذ إعلان السند التنفيذي للمدين المنفذ ضده، وبغض النظر عن طبيعة المال المراد التنفيذ عليه، وذلك لإتاحة الفرصة للمدين ان يقوم بالوفاء بالتزامه اختيارا ليتجنب إجراءات التنفيذ الجبري. ولا يجوز التنفيذ إلا بعد مضي يوم على الأقل من إعلان السند التنفيذي. وفي خطوة ريادية للمجلس الأعلى للقضاء، باشرت المحاكم القطرية بالتحول الرقمي والطلبات الالكترونية في إجراءات التنفيذ وذلك تسهيلا على المتقاضين والتخفيف من العقبات واختصارا للوقت في سبيل الوصول للعدالة الناجزة في أقل تكلفة وأقل وقت. وتخضع إجراءات التنفيذ الجبري في محكمة قطر الدولية (المحكمة المدنية والتجارية) لنفس الإجراءات المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1990 وتعديلاته، حيث لم ينظم المشرع القطري إجراءات التنفيذ الجبري لمحكمة قطر الدولية في قانون مركز قطر للمال، وترك أمر تنظيمها للقواعد العامة المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية. ولا شك في أن تنفيذ الأحكام القضائية يساهم في تحقيق وتعزيز العدالة الناجزة ويكفل حصول أصحاب الحقوق على حقهم، مما يساهم في تحقيق التوازن بين مصالح الأفراد ويكفل الاستقرار للمجتمع وتقدمه.

4374

| 26 يناير 2024

مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في دولة قطر

قامت العديد من الدول في السنوات الأخيرة بسن التشريعات التي تُعنى بمكافحة ظاهرة غسل الأموال وتمويل الإرهاب لغايات الحفاظ على سلامة واستقرار النظام المالي فيها، والحد من الأضرار التي قد تطال مؤسساتها المالية وتقوّض استقرار قطاعها المصرفي واقتصادها الوطني. كذلك فقد عملت العديد من الدول على تحديث تشريعاتها ذات الصلة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب لضمان مواكبة أفضل المعايير والممارسات الدولية فيما يتعلق بتعزيز تدابير مكافحة عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب وأي مستجدات في هذا الشأن، وذلك على ضوء المبادئ الارشادية الدولية والتوصيات المتعلقة بتعزيز أنظمة الرقابة الداخلية وإدارة المخاطر لدى البنوك والمؤسسات المالية. وتعد دولة قطر من أوائل الدول التي أولت موضوع غسل الأموال ومكافحة الإرهاب اهتماما خاصا، حيث قامت الدولة بوضع التشريعات الكفيلة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب منذ عام 2002. وقد كانت دولة قطر من أوائل الدول التي ساهمت في تأسيس المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب The Global Counterterrorism Forum (GCTF)، والذي يّعدّ منصة دولية تضم في عضويتها العديد من دول العالم بهدف تعزيز التعاون المشترك فيما بينها لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتبادل الخبرات والتجارب في هذا المجال. وقد ترأست دولة قطر المنتدى في عام 2016، ودشنت خلال فترة رئاستها مبادرة نوعية لتعزيز مجابهة غسل الأموال وتمويل الإرهاب حيث دعت إلى إنشاء منتدى خبراء مكافحة تمويل الإرهاب والذي يهدف إلى تسليط الضوء وإبراز دور جهات إنفاذ القانون وأجهزة الأمن ووحدات المعلومات المالية. وفي ديسمبر 2018، وقعت دولة قطر ومكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب United Nation Office of Counter-Terrorism (UNOCT) اتفاقاً لإنشاء مكتب تابع للأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب في الدوحة، وساهمت بمبلغ 75 مليون دولار أمريكي لدعم استراتيجيته العامة. وفي أعقاب ذلك، عقدت دولة قطر ومكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب في شهر مارس 2019 الحوار الاستراتيجي الأول في مقر الأمم المتحدة. وبتاريخ 25 سبتمبر 2019 أصدر المشرع القطري القانون رقم (20) لسنة 2019 بإصدار قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب حيث جاء هذا القانون ليحل محل قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب الصادر بالقانون رقم (4) لسنة 2010. كذلك فقد صدر قرار مجلس الوزراء رقم (41) لسنة 2019 بإصدار اللائحة التنفيذية لقانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب الصادر بالقانون رقم (20) لسنة 2019. وقد أكّد القانون الجديد على أهمية تشكيل اللجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال بمصرف قطر المركزي وعلى اختصاصاتها حيث أوكلت لها العديد من الصلاحيات والمهام ذات العلاقة بغسل الأموال. ويقصد بغسل الأموال: العملية التي يتم من خلالها إخفاء مصدر الأموال غير المشروعة أو التي تستخدم لأغراض غير مشروعة وجعلها تبدو أموالا مشروعة تقبل التّداول بمختلف الأنشطة العامّة وذلك لقطع الصلة بين الأموال ومصدرها غير المشروع، كما يُعرفُ كذلك بأنّهُ عملية حجب مصدر المتحصلات الاجرامية لتمكين المجرمين وشركائهم من استخدام هذه المتحصلات دون لفت انتباه جهات انفاذ القانون أو المؤسسات المالية. وقد عملت الجهات الرقابية في الدولة ممثلة بمصرف قطر المركزي وهيئة قطر للأواق المالية وهيئة تنظيم مركز قطر للمال على تعزيز وتطوير تشريعاتها المتعلقة بمكافحة ظاهرة غسل الأموال وتمويل الإرهاب من خلال إلزام الجهات الخاضعة لرقابتها بتعزيز سياساتها، وأنظمتها ووسائل الرقابة لديها المتعلقة بغسل الأموال، للتحقق من هويات المتعاملين معها، ومعرفة مصادر أموالهم، و رصد العمليات المصرفية والمالية المشبوهة والتبليغ عنها. وقد أشاد تقرير التقييم المتبادل لدولة قطر، الذي نشرته مجموعة العمل المالي (FATF) ومجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENAFATF)، بجهود دولة قطر في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتمويل انتشار التسلح، حيت أشار التقرير إلى مدى التزام وفعالية نظام مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتمويل انتشار التسلح مع المعايير الدولية. كما أكّد التقرير أن نظام المكافحة بدولة قطر يتمتع بإطار قانوني وتنظيمي قوي مما يجعل دولة قطر من أوائل الدول على مستوى دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التزاما بجميع التوصيات الأربعين التي أصدرتها مجموعة العمل المالي. وتجدر الإشارة إلى أنه قد تم تبني تقرير التقييم المتبادل لدولة قطر من مجموعة العمل المالي في شهر فبراير 2023، ومن مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في شهر مايو 2023. ومما لا شك فيه ان التصدي لظاهرة غسل الأموال وتمويل الإرهاب هو التزام وطني ومسؤولية مشتركة ويتطلب مكافحتها تضافر جميع الجهود الوطنية، وتحقيق الوعي المجتمعي بخطورة هذه الظاهرة التي تضر بالاقتصاد الوطني وتفتح الباب للمنظمات الاجرامية لارتكاب جرائمها.

2802

| 30 نوفمبر 2023

دور القاضي في تقديم الأدلة في الأنظمة القضائية

يُقسّم الفقه القانوني الغربي الدور الذي يقوم به القاضي في تقديم الأدلة إلى نظامين رئيسيين وهما: نظام التمحيص القضائي والمعروف باللغة الإنجليزية بمسمى (Inquisitorial System)، والمشابه أيضا لمذهب الإثبات الحر وفقا للفقه القانوني لمعظم الدول العربية، ونظام المغارمة والمعروف باللغة الإنجليزية بمسمى (Adversarial System)، والمشابه أيضا لمذهب الإثبات المقيد وفقا للفقه القانوني لمعظم الدول العربية. ويتسم النظام الاول بأنه نظام قضائي يضطلع فيه القاضي بدور فعَّال وإيجابي في تقصي الحقائق وتمحيص وقائع الدعوى من خلال استعراضه للأدلة وتقديرها واستجواب الشهود، بينما يتسم النظام الثاني بأنه نظام قضائي يقف فيه القاضي موقف الحياد من الدعوى، حيث يقتصر دوره على تلقي ما يقدمه أطراف النزاع من أدلة في الدعوى، وتقدير قوة كل دليل وفقا لقوته التي حددها له القانون، ومن ثم الحكم في الدعوى بناء على اقتناعه الذي تكون لديه من الادلة المقدمة من الخصوم، إذا ليس من عمل القاضي ان يساهم في جمع الأدلة أو يستند إلى دليل تحراه بنفسه. وقد يختلط الأمر على البعض في التمييز بين مفهوم عدم التحيّز لأي من الخصوم ومفهوم حياد القاضي. فعدم تحيّز القاضي لأحد الخصمين هو أمر مفروغ منه في أي نظام قضائي، بينما المقصود بحياد القاضي أن يقف القاضي موقفا سلبيا من كلا الخصمين فيما يتعلق بإثبات الدعوى، حيث لا يقضي القاضي إلا بما يعرض عليه الخصوم من أدلة في الدعوى المعروضة عليه، ولا يتجاوز ذلك باستجماعه لأي أدلة أخرى، بل يقتصر دوره على ما يعرض عليه الخصوم منها، وأن ينطلق اقتناعه دائما من اثباتهم فيما قدموه من أدلة. ويسود نظام التمحيص القضائي في النظام القضائي الفرنسي وفي الأنظمة القضائية لبعض الدول التي تأثرت بالنظام القانوني اللاتيني او المدني (Civil Law System) مثل فرنسا وألمانيا واسبانيا وبعض الدول العربية، بينما يسود نظام المغارمة القضائي في إنجلترا وبعض الدول التي تأثرت بالنظام القانوني الإنجليزي أو النظام القانوني العام (Common Law system) والذي التي يستمد جذوره من التراث القانوني الإنجليزي مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، وأستراليا، ونيوزيلاندا. ولعله من المفيد أن نشير إلى أهم الخصائص التي تميّز النظام القضائي اللاتيني أو المدني عن نظام القانون العام، حيث يتميز النظام اللاتيني بأن دور القاضي يقتصر فيه على تطبيق القانون لا وضعه، بمعنى أن القاضي إذا أصدر حكما في قضية ما بناءً على تفسيره وتأويله لنصوص القانون، فإن هذا الحكم لا يكون له قوة الالزام على غيره من القضاة بشأن أي قضية جديدة تحمل نفس الموضوع. وعلى ذلك، فإن الاحكام القضائية في هذا النظام تعد مصدرا تفسيريا غير ملزم للقاضي وسواء كانت الاحكام صادرة من محكمة من نفس الدرجة التي يباشر القاضي فيها عمله أو من محكمة أعلى درجة منها، هذا من حيث المبدأ، إلا أن معظم محاكم الدول التي تأخذ بهذا النظام تلتزم بقضاء وقرارات المحاكم العليا التزاماً أدبيّاً وليس قانونيّاً. أما في نظام القانون العام، فإن أهم ما يميز هذا النظام أن السوابق القضائية تعد مصدراً رسمياً ملزماً للقاضي لاستخلاص القاعدة القانونية الواجبة التطبيق على النزاع المعروض عليه، بمعنى أن القاضي ملزم بإتباع السوابق القضائية الصادرة عن المحاكم الأخرى ذات نفس درجة محكمة القاضي أو عن المحاكم الأعلى درجة من محكمة القاضي. وعلى ذلك فإن للقاضي السلطة الكاملة لإصدار حكم جديد تماماً بشأن قضية لم يتم معالجتها في نصوص القانون أو لم يتم تناولها من قبل في الاحكام القضائية السابقة، ويقوم الحكم القضائي الجديد الذي أصدره القاضي مقام التشريع بشأن أي قضية جديدة تحمل نفس الموضوع. وقد لوحظ في السنوات الأخيرة أن الاختلاف بين النظامين قد أخذت في التقلص، وذلك لاستعارة كل من النظامين أدوات ومنهجيات من النظام المقابل، كما لوحظ أن العديد من الدول التي تتبنى النظام القانوني والقضائي اللاتيني أو المدني، قد قامت بإنشاء محاكم تجارية دولية متأثرة بالنظام القضائي المستمد من نظام القانون العام (Common Law system)، باعتبار أن العديد من الشركات الدولية تفضل الاستثمار في الدول التي تتبنى هذا النظام القضائي نظرا لمعرفة تلك الشركات بإجراءات التقاضي وفقا لهذا النظام. وفي دولة قطر، فقد تأثّر النظام القانوني فيها بالنظام القانوني اللاتيني، بالإضافة إلى تأثّر العديد من النظريات المنصوص عليها في القانون المدني بالشريعة الإسلامية. كذلك فقد أخذ المشرع القطري بالمذهب المختلط فيما يتعلق بدور القاضي في تقديم الأدلة والذي يجمع بين الإثبات المطلق والإثبات المقيد، فأعطى المشرع للقاضي دورا إيجابيا في قانون المرافعات المدنية والتجارية عند تقدير الأدلة التي لم يحدد لها القانون قوة معينة كالشهادة والقرائن القضائية من جهة، بينما عمد المشرع إلى تقييد حرية القاضي في العديد من النصوص المتعلقة بتحديد طرق الإثبات من جهة أخرى. إلا أن الدولة قد حرصت عند انشائها لمحكمة قطر الدولية، وباعتبارها أحد عناصر الجذب للاستثمار في مركز قطر للمال، على أن تكون إجراءات المحكمة ذات صبغة دولية، وأقرب إلى الإجراءات المتبعة في النظام القضائي المستمد من نظام القانون العام (Common Law)، وذلك على اعتبار أن الشركات الدولية معتادة على التقاضي في المحاكم التجارية الدولية وفقا للنظام الأخير، وحتى تساهم المحكمة من خلال قيامها بدورها القضائي في تعزيز القدرات التنافسية لمركز قطر للمال. وعلى ذلك، فقد تأثرت القواعد الإجرائية المعمول بها في محكمة قطر الدولية بالقواعد الإجرائية المعمول بها في المحاكم التجارية في إنجلترا وويلز وبمبادئ نظام المغارمة (Adversarial System)، وقد أدى ذلك بدوره إلى اتباع محكمة قطر الدولية تقريبا نفس نهج سير إجراءات الدعوى المعمول به في محاكم انجلترا وويلز. كذلك فقد تأثرت طريقة الاستدلال المنطقي لقضاة محكمة قطر الدولية وأصبحت مشابهة لقضاة المحاكم التجارية الانجليزية في القضايا المماثلة. إلا أن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال بإدراج محكمة قطر الدولية تحت لواء النظام القضائي الانجلوسكسوني أو نظام القانون العام (Common Law)، حيث إن المحكمة غير ملزمة قانونياً بتطبيق السوابق القضائية الإنجليزية أو السوابق القضائية الصادرة في الدول ذات النظام القضائي الانجلوسكسوني أو العام على الدعاوى المنظورة أمامها، كما أن المحكمة غير ملزمة قانونا باتباع المبادئ القانونية التي توصلت إليها تلك السوابق القضائية في القضايا المستقبلية المشابهة. وعلى ذلك، فلا يكون للأحكام الصادرة في الدول ذات أنظمة القانون العام حُجيّة في القضايا المشابهة المنظورة في محكمة قطر الدولية. إلا أنه في الواقع العملي، فإن الخصوم المتقاضين أمام محكمة قطر الدولية غالبا ما يستدلون إلى الأحكام في القضايا المشابهة في محاكم الدول ذات أنظمة القانون العام، وذلك لتسليط الضوء على النهج التي اتبعته تلك المحاكم في التعامل مع تلك القضايا، إذ قد تسترشد المحكمة بهذه القضايا لتحديد كيفية التعامل مع القضية المنظورة أمامها. وقد تشير محكمة قطر الدولية من وقت لآخر في حيثيات أحكامها إلى الاحكام الصادرة في دعاوى مشابهة في دول أخرى على سبيل الاسترشاد، إلا أن المحكمة غير ملزمة بإتباع تلك الأحكام كما أشرنا سابقا، حيث إن المحكمة تطبق على الدعوى المنظورة أمامها التشريعات المحددة ذات العلاقة، وتتوصل إلى الأحكام بناء على استدلالها وعقيدتها المستمدة من فهمها للوقائع وملابسات الدعوى. كذلك، تضع محكمة قطر الدولية أحكام محكمة التمييز القطرية موضوع إكبار وتقدير، وقد أشارت محكمة قطر الدولية في العديد من أحكامها إلى الاحكام والمبادئ التي أقرتها محكمة التمييز في قضائها. وفي الختام، نرى أن معرفة الاختلاف بين نظامي التقاضي المعمول بهما في الدولة هو أمر ضروري ومهم لكافة العاملين في الحقل القانوني بالدولة، لما لذلك من أثر مهم على الإجراءات المتبعة أمام المحاكم في الدولة وعلى الإجراءات المتبعة أمام محكمة قطر الدولية.

6474

| 20 فبراير 2023

المنتدى الدولي الدائم للمحاكم التجارية

أنشئ المنتدى الدولي الدائم للمحاكم التجارية في عام 2017 بدعوة ومبادرة من القاضي اللورد توماس- والذي تولى سابقا عدة مناصب قضائية رفيعة في المملكة المتحدة أهمها رئيس السلطة القضائية ورئيس المحكمة العليا في انجلترا وويلز والذي يتولى حاليا منصب رئيس محكمة قطر الدولية- حيث وجّه نداءً إلى كافة المحاكم التجارية في العالم لإنشاء منتدى دولي دائم للمحاكم التجارية، بهدف تعزيز التعاون فيما بينها وتبادل وجهات النظر والخبرات بين المحاكم التجارية في مسائل تنفيذ الاحكام المالية، واستخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة في المحاكم، ومشاركة أفضل التجارب والممارسات القضائية المطبقة في إدارة الدعاوى، وحث المحاكم التجارية على تشجيع الأطراف إلى اللجوء إلى آليات تسوية المنازعات البديلة مثل التحكيم والوساطة لتسوية نزعاتهم بعيدا عن أروقة المحاكم. ولقد استجابت لمبادرة القاضي اللورد توماس، العديد من الدول ذات القضاء المتخصص، حيث شارك في الاجتماع الأول والذي انعقد بتاريخ 4 مايو 2017 ممثلون عن العديد من محاكم الدول ومنها المحاكم التجارية لكل من ولاية نيويورك وولاية ديلاوير بالولايات المتحدة، والمحكمة الاتحادية والمحكمة العليا لولاية فكتوريا والمحكمة العليا لولاية نيو ساوث ويلز في أستراليا، والمحكمة التجارية في سنغافورة، والمحكمة التجارية في ايرلندا، والمحكمة التجارية في المملكة المتحدة، ومحكمة قطر الدولية في دولة قطر، ومحكمة أبوظبي التجارية ومحاكم مركز دبي المالي العالمي في دولة الامارات العربية المتحدة، والمحكمة الكبرى المدنية للمنازعات المصرفية والمالية والاستثمارية في مملكة البحرين، والمحكمة التجارية في هونج كونج، ومحاكم مركز آستانة المالي الدولي في كازخستان. والمحكمة التجارية في هولندا، والمحاكم التجارية في كل من اوغندا وسيراليون ورواندا ونيجيريا وكندا ونيوزيلاندا. ولقد أكد المنتدى الدولي في نهاية اجتماعه الاول على أهمية تظافر الجهود لتعزيز سيادة القانون وترسيخ ورفع الوعي الدولي بالنزاهة القضائية والخدمات القانونية الدولية. ولقد أشار اللورد توماس في هذا الاجتماع إلى ان إنشاء هذا المنتدى يأتي لمواكبة التغيرات التجارية السريعة التي تشهدها دول العالم، بالإضافة إلى تبادل الخبرات والتجارب المتعلقة بأفضل الممارسات القضائية المتبعة، وكيفية التغّلب على التحديات التي تواجه قطاع العدالة، والتركيز على أهمية التعاون بين جميع المحاكم التجارية لتعزيز سيادة القانون، وتعزيز الوعي بأهمية اللجوء إلى الوسائل البديلة لحل النزاعات التجارية. ولقد أصدر المنتدى مذكرة تفاهم متعددة الأطراف لأعضائه لتوضيح أسس الاعتراف المتبادل لتنفيذ الاحكام المالية، كما أصدر المنتدى دليلا إرشاديا لأفضل الممارسات القضائية المتبعة في إدارة الدعوى وجلسات الاستماع عن بعد لمواجهة تداعيات جائحة الكرونا على سير العملية القضائية. وسوف يعقد المنتدى اجتماعه السنوي القادم خلال الفترة من 20-21 أكتوبر 2022 لمناقشة آخر المستجدات على الساحة القضائية التجارية الدولية. ولقد حرصت العديد من الدول في السنوات الأخيرة باستحداث محاكم تجارية متخصصة ضمن نظامها القضائي نظراً للتطور الاقتصادي الذي يشهده العالم والذي أوجد معاملات تجارية متطورة ومعقدة بحاجة إلى قضاء تجاري متخصص يلم بالمستجدات والمعاملات المعاصرة. وتتميّز المحاكم التجارية بوجود إجراءات تقاض سريعة خاصة بها، بالإضافة إلى نظام حديث لإدارة الدعاوى يتوافق مع طبيعة عملها وبما يساهم في تحسين جودة الاحكام القضائية، وتحقيق سرعة الفصل في الدعاوى، وتقليص أمد التقاضي وصولا إلى العدالة الناجزة. ولقد حرصت القيادة الرشيدة في دولة قطر على دعم القضاء المتخصص لتحفيز مناخ الاستثمار والاعمال في الدولة. فقامت بدايةً بإنشاء محكمة قطر الدولية في عام 2009، كما قامت مؤخرا بإنشاء محكمة الاستثمار والتجارة في عام 2021 والتي باشرت أعمالها في شهر مايو 2021. وسوف يكون للمحكمتين أثر كبير في زيادة جاذبية الاستثمار في الدولة، وتبسيط وتسريع إجراءات التقاضي لتحقيق العدالة الناجزة المنشودة وبما يخدم مصالح كافة أفراد المجتمع ويلبي الطموحات والأهداف التي ترمي إليها رؤية قطر الوطنية 2030.

3198

| 20 أكتوبر 2022

محكمة التحكيم الرياضي (كاس)

شهدت الرياضة في العقود الماضية تطورا كبيرا، حيث أصبحت الرياضة صناعة قائمة بحد ذاتها وباتت تلعب دورا رئيسيا في اقتصاديات العديد من الدول، الأمر الذي أدى إلى التنافس الدولي على استضافة الأحداث الرياضية الدولية لما لها من أثر مهم في جذب الاستثمارات وتنشيط حركة السياحة والتجارة والاقتصاد. وفي بدايات الثمانينات من القرن الماضي، كثرت النزاعات الرياضية لاسيما المنازعات المتعلقة بالمجال الرياضي الدولي، ولا يوجد آنذاك آلية أو منظومة دولية مختصّة ومستقلة لتسوية النزاعات الرياضية بقرارات ملزمة، وكثرت الدعوات لإنشاء جهة دولية محايدة ومستقلة ومختصّة لتسوية المنازعات المتعلقة بالرياضة بعيدا عن أروقة المحاكم الوطنية، مما حدا باللجنة الأولمبية الدولية إلى إنشاء محكمة التحكيم الرياضي والتي تعرف اختصارا باللغة الإنجليزية بمسمى (كاس) لتسوية النزاعات الرياضية بواسطة التحكيم وذلك في عام 1984. ويوجد المقر الرئيس للمحكمة في سويسرا في مدينة لوزان، كما يوجد للمحكمة مقر للاستماع في مدينتي نيويورك بـالولايات المتحدة وسيدني بـأستراليا، فضلا عن مقر مؤقت يجري إنشاؤه في المدن المستضيفة للأحداث الرياضية الدولية خلال فترة إقامة الحدث الرياضي. وقد ثار موضوع استقلالية المحكمة في النزاعات التي تكون اللجنة الأولمبية الدولية أحد أطرافها، حيث تعرّض أحد الأحكام التي أصدرتها المحكمة الفدرالية السويسرية في عام 1993 بشكل غير مباشر إلى هذا الموضوع، وأشار إلى أن العلاقة القائمة بين محكمة التحكيم الرياضي واللجنة الأولمبية الدولية قد يؤثر على استقلالية وحياد الأخيرة في حال عرض نزاع عليها وكانت اللجنة الأولمبية الدولية أحد طرفيه، باعتبار أن اللجنة الأولمبية هي المموّل الوحيد للمحكمة وهي صاحبة الاختصاص بتعديل القانون المنشئ للمحكمة واختصاصاتها. وبناء على ذلك، تم مراجعة قانون المحكمة وتعديله في عام 1994 لغايات جعل هيكل المحكمة أكثر استقلالية وحيادية عن اللجنة الأولمبية الدولية، حيث تم إنشاء المجلس الدولي للتحكيم الرياضي للقيام بدور الإشراف على أعمال وتمويل محكمة التحكيم الرياضي عوضا عن اللجنة الأولمبية. ومن أهم التعديلات التي طرأت أيضا على القانون هو انشاء قسمين في هيكل المحكمة: يسمى القسم الأول بدائرة منازعات التحكيم العادي ويختص بالفصل في المنازعات الرياضية العادية وفقا لإجراءات التحكيم العادية، أما القسم الثاني فيسمى بالقسم الاستئنافي، ويختص بنظر المنازعات الرياضية المتعلقة بالقرارات التي تتخذها الاتحادات أو المؤسسات او المنظمات الرياضية. وقد تم اعتماد التعديلات والإصلاحات التي طرأت على قانون محكمة التحكيم من قبل اللجنة الأولمبية الدولية، ورابطة الاتحادات الرياضية الدولية للألعاب الأولمبية الصيفية، ورابطة اتحادات الرياضات الشتوية الدولية، واتحاد اللجان الأولمبية الوطنية بتاريخ 22 يونيو 1994 وبعد أن تم التوقيع على اتفاقية بهذا الخصوص والتي تعرف باسم اتفاقية باريس لعام 1994. وقد أكّدت المحكمة الفدرالية السويسرية في أحد أحكامها الصادر في عام 2003، والذي كانت فيه اللجنة الأولمبية الدولية أحد أطرافه، على استقلالية محكمة التحكيم الرياضي في هيكلها الحالي عن اللجنة الأولمبية وبأنها لم تعد تابعة لها. ويعد هذا الحكم بمثابة الاعتراف بمكانة واستقلالية وصلاحيات محكمة التحكيم الرياضي في مجال التحكيم الرياضي. ولقد اعترفت كافة الاتحادات الدولية وجميع اللجان الأولمبية المحلية والقارية باختصاص وولاية وصلاحيات محكمة التحكيم الرياضي في حل المنازعات الرياضية، حيث قامت تلك الاتحادات بتضمين اتفاق التحكيم في قوانينها ولوائحها لإحالة أي نزاع ينشأ فيما بينها والغير إلى التحكيم وفقا لإجراءات التحكيم المعمول بها في محكمة التحكيم الرياضي. بالإضافة إلى ذلك أجبرت الاتحادات الدولية الاتحادات المحلية التابعة لها على تضمين شرط التحكيم في لوائحها لتسوية أي نزاع في المجال الرياضي وفقا لإجراءات التحكيم المعمول بها في محكمة التحكيم الرياضي عوضا عن اللّجوء للقضاء الوطني. وتخضع إجراءات التحكيم في محكمة التحكيم الرياضي لمدونة الرياضة المتعلق بالتحكيم المعمول بها في المحكمة. ويشترط لانعقاد الاختصاص التحكيمي للمحكمة وفقا لإجراءات التحكيم العادية أن يكون هناك اتفاق تحكيم بين الطرفين المتنازعين على تسوية أي نزاع قد ينشأ فيما بينهم من خلال التحكيم وفقا لقانون وإجراءات محكمة التحكيم الرياضي. وتبدأ الإجراءات في هذا النوع غالبا بحث الأطراف المتنازعة على حل النزاع بالطرق الودية من خلال الوساطة، وإذا لم تثمر تلك الطرق إلى تسوية النزاع، فتبدأ عندئذ إجراءات التحكيم. وهناك إجراءات أخرى للتحكيم في محكمة التحكيم الرياضي تعرف بإجراءات التحكيم الاستئنافي. وتنظم هذه الإجراءات تسوية المنازعات الخاصّة بالقرارات الصادرة عن الاتحادات والمنظّمات الرياضيّة الدولية والمحلية، شريطة أن تكون اللّوائح المعمول بها في تلك الاتحادات والمنظّمات الرياضيّة تجيز استئناف قراراتها أمام محكمة التحكيم الرياضي والتي لها صلاحيات إلغاء القرارات المُتظلّم منها كليًا أو جزئيًا أو استبدالها بقرارات جديدة. وكما يوجد هناك أيضا إجراءات سريعة خاصة بالتحكيم الاستئنافي لتسوية المنازعات التي تحدث خلال الأحداث والفاعليات الرياضية الكبرى مثل بطولة كأس العالم الفيفا ودورات الألعاب الأولمبية، حيث تكون هناك لجنة من المحكمين في مكان الحدث وجاهزة لسماع أي نزاع يتعلق بالطعن في أي قرار تم اتخاذه من قبل الجهة المنظمة للحدث الرياضي، بل وإصدار الحكم فيه خلال 24 ساعة. كذلك، تقدم محكمة التحكيم الرياضي فتاوى غير ملزمة بشأن بعض المسائل المتعلقة بالرياضة بناءً على طلب من اللجان الأولمبية الدولية أو الاتحادات الرياضية الدولية. وتكون مدة التحكيم لإصدار الحكم المنهي للخصومة وفقا لإجراءات التحكيم العادية ما بين 6 إلى 12 شهرا، أما في حال التحكيم وفقا لإجراءات التحكيم الاستئنافي، فتكون مدة التحكيم لإصدار الحكم المنهي للخصومة خلال 3 أشهر من تاريخ إحالة ملف النزاع إلى هيئة التحكيم. ويكون لمحكمة التحكيم الرياضي أن تأمر باتخاذ التدابير الوقتية والتحفظية المناسبة للحفاظ على حقوق أحد الأطراف وذلك في الحالات التي قد تؤدي إلى وقوع ضرر لا يمكن تفاديه فيما بعد. وقد ألزم الاتحاد الدولي لكرة القدم الفيفا الاتحادات الوطنية بإنشاء هيئات تحكيم وطنية تفصل في المنازعات الرياضية قبل اللجوء إلى محكمة التحكيم الرياضي، حيث تنص المادة (67/2) من النظام الأساسي للاتحاد الدولية لكرة القدم على أنه لا يجوز اللجوء لمحكمة التحكيم الرياضي إلا بعد استنفاد كافة طرق التسوية الداخلية. وقد وضعت بعض الاتحادات الدولية آليات خاصة فيها لتسوية النزاعات الرياضة قبل إمكانية اللجوء إلى محكمة التحكيم الرياضي. فعلى سبيل المثال، فقد قام الاتحاد الدولي لكرة القدم الفيفا بإنشاء عدة لجان للفصل في المنازعات الرياضية المتعلقة بالاتحاد مثل: لجنة الانضباط ولجنة الاستئناف ولجنة الاخلاق وغرفة فض المنازعات. ولقد نص النظام الأساسي للاتحاد القطري لكرة القدم على أن من شروط العضوية بالاتحاد هو إقرار واعتراف مقدم الطلب بهيئة التحكيم التابعة للاتحاد القطري في محكمة التحكيم الرياضية. ويستثني النظام الأساسي للاتحاد بعض النزاعات من عرضها على محكمة التحكيم الرياضي بصفتها الاستئنافية والتي تتعلق بالمخالفات لقوانين اللعبة أو الإيقاف لما يصل إلى أربع مباريات أو لما يصل إلى ثلاثة أشهر، أو بالنسبة إلى القرارات الصادرة من قبل هيئة تحكيم مستقلة ومشكلة بصورة صحيحة من قبل اتحاد أهلي أو اتحاد قاري. وتجدر الإشارة إلى أنه قد تم إنشاء مؤسسة قطر للتحكيم الرياضي لتسوية المنازعات الرياضة الخاصة بكرة القدم عن طريق التحكيم والوساطة. وتتألف المؤسسة من قسم التحكيم العادي وتختص بالفصل في المنازعات الرياضية العادية، وقسم التحكيم بالاستئناف، وتختص بنظر قرارات الجهات الخاصة بلعبة كرة القدم شريطة ان تنص اللوائح الخاصة بتلك الجهات في الدولة. وسوف تكون مؤسسة قطر للتحكيم الرياضي مقرا لهيئات ومحكمي محكمة التحكيم الرياضي خلال منافسات كأس العالم فيفا قطر 2022 التي تستضيفها دولة قطر بتاريخ 20 نوفمبر 2022. وقد أبرمت مؤسسة قطر للتحكيم الرياضي مذكرة تفاهم مع محكمة قطر الدولية للتعاون وتبادل الخبرات واستخدام مرافق محكمة قطر الدولية لعقد الجلسات في القضايا الرياضية. ونرى بأنه من الأهمية بمكان تعزيز الوعي القانوني لدى الرياضيين المحترفين والأندية الرياضية والاتحادات المحلية بالدور المهم الذي تقوم به محكمة التحكيم الرياضي لتسوية النزاعات الرياضية.

7446

| 29 سبتمبر 2022

العدالة الإلكترونية

أولت العديد من الدول في السنوات الأخيرة اهتماما كبيرا وملحوظا لتطوير منظومتها القضائية التقليدية، وكانت حريصة على مواكبة التطوّر التقني والتكنولوجي المتسارع في مجال التقاضي، وذلك بهدف تعزيز نظام العدالة وسيادة القانون، والتغلب على تحديات تحقيق العدالة الناجزة، لاسيما بعدما تفشت جائحة كورونا وما فرضته تداعياتها على واقع الحياة العملية تمثلت بعضها بالتدابير الوقائية والقيود على الحركة والتنقل، والتي أدت بدورها في بعض الأحيان إلى عرقلة وتأخر وصول الحقوق لأصحابها. وعلى ذلك، قامت تلك الدول بتعزيز وتطوير منظومة البنية التكنولوجية بمحاكمها بهدف التوظيف الأمثل للتكنولوجيا وتسخيرها في مجال العدالة وإدارة المحاكم. ولذلك ظهر في الآونة الأخيرة العديد من المصطلحات المستحدثة في المجال القضائي، فأصبحنا نسمع بمصطلحات العدالة الالكترونية، والمحكمة الالكترونية، ورقمنة المحاكم، ونظام التقاضي الالكتروني، وغيرها من المصطلحات والتي افرزتها التطورات القضائية الأخيرة على طبيعة عمل المحاكم. ويقصد بمصطلح العدالة الالكترونية هو إنشاء منظومة قضائية تكنولوجية متكاملة توفّر مجموعة من الخدمات الإلكترونية الآمنة، بحيث تتيح إمكانية رفع الدعاوى وقيدها، وإعلانها، وتبادل المذكرات، وتحديد الجلسات، والإخطار بمواعيدها، والتقاضي أمام المحاكم باختلاف أنواعها ودرجاتها عن بعد، حتى صدور الحكم، وذلك من خلال استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة، ودون التوجه للمحكمة، مما يسهم في تيسير إجراءات التقاضي وتحقيق العدالة الناجزة وتخفيف العبء على المتقاضين. كما يقصد بمصطلح المحكمة الإلكترونية هو النظام الإلكتروني المختص بخدمات المحكمة الذي يسمح بأن تكون جميع الإجراءات القضائية إلكترونية ًبدءًا من رفع الدعوى وقيدها، وحضور جلساتها، إلى صدور الحكم فيها باستخدام شبكة المعلومات (الانترنت) والنظام الإلكتروني للمحكمة وإمكانية الاتصال عن بعد، ودون الحاجة للحضور شخصيا إلى مرافق المحاكم للقيام بتلك الإجراءات. ويترتب على ذلك إنجاز المحاكم للقضايا بعدالة وسرعة، وتحقيق مفهوم ما يُعرف اصطلاحا بالعدالة الناجزة، ناهيك عن تبسيط الإجراءات وتوفير الوقت والجهد على المراجعين والمتقاضين ووكلائهم القانونيين والذين قد يقطعون المسافات الطويلة لمجرّد الاطّلاع على مواعيد الجلسات أو تقديم المذكرات أو أي مستندات أخرى في دعاويهم المنظورة أمام القضاء. ويلاحظ مما تقدم بأن مصطلح العدالة الالكترونية يكاد يكون له نفس المعنى تقريبا لمصطلح المحكمة الالكترونية، ولذلك يستخدم مصطلح العدالة الالكترونية في كثير من الأحيان كرديف لمصطلح المحكمة الالكترونية، والعكس صحيح. وأما المقصود بمصطلح رقمنة المحاكم أو ميكنة المحاكم فيعني عمليّة تحويل كافّة الإجراءات التقليدية بالمحاكم إلى إجراءات إلكترونية، ويتضمن ذلك تحويل كافة الإجراءات الورقية إلى إجراءات إلكترونية، وتوفير كل الأدوات اللازمة للسادة القضاة لنظر الدعاوى والاطلاع على ملفاتها وكافة المذكرات والمستندات المتعلقة بها إلكترونيا، وبالتالي أداء مهمتهم بالشكل الأكمل، بالإضافة إلى إتاحة خدمات التقاضي عن بعد، وخدمات الإعلان الالكتروني، وتوفير نظام إدارة الدعاوى الإلكتروني، وخدمات الأرشيف الإلكتروني. وأما مصطلح نظام التقاضي الالكتروني فيعني النظام الالكتروني الذي يسمح للمتقاضين من خلاله بالقيام بإجراءات رفع الدعوى إلكترونيا، وإعلانها بواسطة البريد الالكتروني بدلا من الإعلان التقليدي، وتبادل المذكرات الممسوحة ضوئياً محلّ المذكّرات والخطابات المطبوعة، والتداعي أمام المحاكم إلكترونيا، بل واستئناف الأحكام الابتدائية الصادر فيها، بالإضافة إلى حضور الجلسات عن بعد وبواسطة وسائل الاتصال المرئية الحديثة بدلا عن الحضور الفعلي للجلسات. ونخلص مما تقدم إلى أن جميع المصطلحات أعلاه وبشكل عام تشير إلى استخدام الأدوات والوسائل الالكترونية في إجراءات المحاكم وتسخير التكنولوجيا في خدمة العدالة. ولقد حرص المجلس الأعلى للقضاء في دولة قطر على تطوير نظام العدالة الإلكتروني بمرافق القضاء، حيث يعكف المجلس حاليا على تنفيذ خطة وطنية شاملة لتحديث المحاكم والتحوّل الرقمي بإجراءات التقاضي. ويوفّر المجلس حاليا مجموعة من الخدمات القضائية الإلكترونية للمتقاضين والمراجعين والمحامين عبر الموقع الإلكتروني الرسمي للمجلس على شبكة الإنترنت، والتطبيق الخاص بالمجلس على الأجهزة الذكية، بالإضافة إلى خدمات الإشعارات والاخطارات القضائية بشكل الكتروني من خلال الرسائل النصية. وتجدر الإشارة إلى أن محكمة قطر الدولية قد دشنت قبل عامين تقريبا نظام المحكمة الالكترونية الخاص بها والذي يسمى باللغة الإنجليزية ب eCourt. ويسمح هذا النظام بإمكانية رفع الدعوى وقيدها، وإعلانها، وتبادل المذكرات، وحضور الجلسات عن بُعد، والاستعلام عن كافة الإجراءات التي تمت في الدعوى إلكترونيا ودون الحاجة للحضور شخصيا. وفي الختام، نرى بأن الاتجاه السائد نحو ميكنة المحاكم يعد خطوة كبيرة في زيادة الثقة في سرعة وفاعلية المنظومة القضائية، وسرعة الفصل في الدعاوى، والمساهمة في تحقيق العدالة الناجزة.

9985

| 24 يناير 2022

نظرات على المحاكم المتخصصة في دولة قطر

في إطار سعي القيادة الرشيدة الدائم لدعم البيئة الاستثمارية بالدولة، وإيمانا من المشرع القطري بأهمية القضاء المتخصص كأحد أهم عوامل تحفيز الاستثمار، وجذب رؤوس الأموال إلى الدولة، لاسيما بعد نجاح تجربة محكمة قطر الدولية في تعزيز مناخ الاستثمار في مركز قطر للمال، فقد أصدر المشرّع القانون رقم 21 لسنة 2021 بإصدار قانون إنشاء محكمة الاستثمار والتجارة بتاريخ 19 أكتوبر 2021، والذي يتم بموجبه إنشاء محكمة جديدة تُدعى محكمة الاستثمار والتجارة، والتي تختصُّ بالنظر والفصل في دعاوى الاستثمار والتجارة. ووفقا لما نص عليه القانون، سيتم العمل به بعد مرور ستة أشهر من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية. بيد أن القانون لم يتم نشره حتى تاريخه في الجريدة الرسمية. لذا فإنه من المنتظر أن يتم نشر القانون في الجريدة الرسمية قريبا جدا، ليتم البدء باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة والاستعدادات الفنية لإنشاء المحكمة بحيث تكون جاهزة لبدء عملها بعد مرور ستة أشهر من تاريخ نشر القانون في الجريدة الرسمية. وبمقتضى أحكام القانون، فسوف تُشكّل محكمة الاستثمار والتجارة الجديدة من دوائر ابتدائية وأخرى استئنافية، كما أنه سوف يكون للمحكمة الجديدة مقر مستقل وموازنة خاصة تلحق بموازنة المجلس الأعلى للقضاء. وبموجب نص المادة (7) من القانون الجديد، تختص الدائرة الابتدائية بمحكمة الاستثمار والتجارة بالنظر والفصل في كافة المنازعات المتعلقة بالعقود التجارية والدعاوى الناشئة بين التجار، والمنازعات بين الشركاء أو المساهمين بعضهم البعض، أو التي تقع فيما بينهم والشركة بحسب الأحوال، والمنازعات المتعلقة بالأصول التجارية، والمنازعات المتعلقة باستثمار رأس المال غير القطري في النشاط الاقتصادي، والمنازعات المتعلقة بالبيوع البحرية، والمنازعات المتعلقة بعمليات البنوك والأوراق التجارية وشركات التأمين وشركات التمويل والاستثمار، والمنازعات المتعلقة بالإفلاس والصلح الواقي منه، والمنازعات المتعلقة ببراءات الاختراع، والعلامات التجارية، والنماذج الصناعية، والأسرار التجارية، وغيرها من حقوق الملكية الفكرية، والمنازعات المتعلقة بحماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية ومكافحة الممارسات الضارة بالمنتجات الوطنية في التجارة الدولية، والمنازعات المتعلقة بالتجارة الإلكترونية، والمنازعات المتعلقة بعقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وقد حرص المشرع القطري في القانون الجديد على إنشاء نظام إلكتروني خاص بالمحكمة، لمواكبة آخر المستجدات الإلكترونية وتسخيرها لخدمة عملية التقاضي اختصارا لأمد التقاضي وتيسيرا لإجراءات الدعوى، حيث ستتمكن المحكمة بواسطة النظام الجديد من إرسال الإخطارات المختلفة المتعلقة بالدعوى إلى الأطراف إلكترونيا. كما سوف يكون بإمكان أطراف الدعوى إيداع وتبادل المذكرات والمستندات وتقارير الخبرة فيما بينهم إلكترونيا ودون الحاجة إلى الإيداع الورقي لتلك المذكرات والمستندات والتقارير في قلم المحكمة. كما حرص المشرع في القانون الجديد على إنشاء مكتب لإدارة الدعوى، حيث سوف يعمل هذا المكتب على التحقق من استيفاء كافة المستندات اللازمة من المدعي عند إيداع صحيفة الدعوى إلكترونيا، والتحقق من انتهاء تبادل كافة مذكّرات الرد والتعقيب بين الخصوم، بحيث يتم إحالة ملف الدعوى إلكترونيا إلى الدائرة المختصة كاملا ومشتملا على ردود الخصوم وكافة مستندات الدعوى، ليتم الفصل فيها من قبل الدائرة المعنية خلال فترة لا تتجاوز (90) يوما. ويلاحظ أن القانون الجديد قد اختصر مواعيد الطعن بالاستئناف أمام الدوائر الاستئنافية بالمحكمة بالمقارنة مع مواعيد الطعن بالاستئناف المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية رقم 13 لسنة 1990، حيث قصّر المشرع القطري ميعاد الطعن بالاستئناف في الأحكام الصادرة عن الدوائر الابتدائية بالمحكمة الجديدة وجعلها (15) يومًا من تاريخ إعلان ذوي الشأن في الدعاوى العادية، بدلا من (30) كما هو الحال المعمول به أمام محكمة الاستئناف وفقا لأحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية. كذلك جعل المشرع القطري ميعاد الطعن بالاستئناف في الأحكام الصادرة عن الدوائر الابتدائية بالمحكمة الجديدة المتعلقة بالمسائل المستعجلة (7) أيام بدلا من (20) كما هو الحال المعمول به أمام محكمة الاستئناف وفقا لأحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية. وقد نص القانون الجديد كذلك على إنشاء دائرة بمحكمة التمييز تسمى دائرة المنازعات الاستثمارية والتجارية تختص بالفصل في الطعون في الأحكام الصادرة عن محاكم الاستئناف بخصوص المنازعات محل اختصاص المحكمة الجديدة، كذلك فقد قصّر المشرع القطري مواعيد الطعن بالتمييز وجعلها (30) يومًا بدلا من (60) كما هو الحال المعمول به أمام دوائر التمييز الأخرى. كذلك فقد أجاز المشرع القطري لدائرة المنازعات الاستثمارية والتجارية بمحكمة التمييز إذا قضت بتمييز الحكم المطعون فيه أن تحكم في موضوع الدعوى تجنبًا لإطالة أمد التقاضي وإحالة الدعوى مرة أخرى إلى محكمة الاستئناف. ويلاحظ أن أهم ما يميز القانون الجديد هو حرص المشرع القطري على إنشاء مكتب إدارة الدعوى وهو ما يعرف اصطلاحا بنظام إدارة الدعوى، والنظام الإلكتروني بالمحكمة، لاسيما بعد أن أثبت النظام الإلكتروني لإدارة الدعوى المعمول به في محكمة قطر الدولية نجاعته وفاعليته في محكمة قطر الدولية في كيفية التعامل مع الدعاوى والمنازعات على نحو يحقق العدالة الناجزة وتسريع وصول الحقوق لأصحابها. وتجدر الإشارة إلى أن المشرع القطري قد أصدر مؤخرا القانون رقم 15 لسنة 2021 بتعديل بعض أحكام قانون المناطق الحرة، ضمن حزمة التشريعات الداعمة للاستثمار في دولة قطر، وذلك لإدراج كافة المنازعات والمسائل التي تقع في المناطق الحرة بالدولة ضمن الاختصاص القضائي لمحكمة قطر الدولية، وذلك دعما للبيئة الاستثمارية في المناطق الحرة واستقطاب المزيد من الشركات الدولية للتأسيس فيها. وفي الختام، نرى بأن التوجه لإنشاء المحاكم المتخصصة في الدولة مثل محكمة الاستثمار والتجارة، ومحكمة قطر الدولية، ما هو إلا دليل على الرغبة القوية لدى المشرع القطري في أن تلعب تلك المحاكم دورا رئيسيا في المساهمة في دعم وتحفيز مناخ الاستثمار في دولة قطر. ولنجاح هذه الخطوة في تفعيل القضاء المتخصص، كان لابد من استحداث آليات قضائية إجرائية حديثة، تتناسب مع الطبيعة الخاصة للمنازعات الاستثمارية والاقتصادية والتجارية التي تختص بنظرها تلك المحاكم.

6326

| 06 ديسمبر 2021

alsharq
الكلمات قد تخدع.. لكن الجسد يفضح

في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه،...

4842

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
في وداع لطيفة

هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات...

4617

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
TOT... السلعة الرائجة

كثير من المراكز التدريبية اليوم وجدت سلعة سهلة...

2835

| 06 أكتوبر 2025

alsharq
الإقامة الدائمة: مفتاح قطر لتحقيق نمو مستدام

تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في...

1761

| 05 أكتوبر 2025

alsharq
استيراد المعرفة المعلبة... ضبط البوصلة المحلية على عاتق من؟

في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ...

1233

| 02 أكتوبر 2025

alsharq
حين يُستَبدل ميزان الحق بمقام الأشخاص

‏من أخطر ما يُبتلى به التفكير البشري أن...

1059

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
حماس ونتنياهو.. معركة الفِخاخ

في الوقت الذي كان العالم يترقب رد حركة...

927

| 05 أكتوبر 2025

alsharq
إعطاء من لا يملك لمن لا يستحق

منذ أكثر من مائة عام ارتُكبت واحدة من...

885

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
النسيان نعمة أم نقمة؟

في لحظة صفاء مع النفس، يطلّ النسيان عليَّ...

852

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
الوضع ما يطمن

لسنا متشائمين ولا سلبيين في أفكارنا وتوقعاتنا ولكن...

819

| 03 أكتوبر 2025

alsharq
تعلّم كيف تقول لا دون أن تفقد نفسك

كم مرة قلت «نعم» في العمل بينما في...

756

| 02 أكتوبر 2025

alsharq
كورنيش الدوحة بين ريجيم “راشد” وعيون “مايكل جون” الزرقاء

في فجرٍ قطريّ عليل، كان البحر يلمع بألوان...

642

| 30 سبتمبر 2025

أخبار محلية