رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. زين العابدين شرار

مساحة إعلانية

مقالات

972

د. زين العابدين شرار

ستون عاماً على إنشاء مركز تسوية منازعات الاستثمار

03 يونيو 2025 , 02:00ص

جاءت فكرة إنشاء المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار بمبادرة من البنك الدولي إدراكا منه لأهمية إيجاد آلية قانونية مؤسسية تُعزِّز ثقة المستثمرين الأجانب في بيئة الاستثمار العالمية، وتحد من مخاطر اللجوء إلى القضاء الوطني، والذي قد يفتقر –في نظر المستثمر الأجنبي، ولا سيما في بعض الدول– إلى معايير الحياد والاستقلالية اللازمة للفصل في المنازعات ذات الطابع الاستثماري. وفي هذا الإطار، بادر البنك الدولي إلى إجراء مشاورات موسعة خلال الفترة الممتدة من عام 1961 إلى عام 1965، شارك فيها ممثلون عن ستٍ وثمانين دولة، وأسفرت عن اعتماد «اتفاقية تسوية منازعات الاستثمار بين الدول ومواطني الدول الأخرى» المعروفة اختصاراً باتفاقية واشنطن – بتاريخ 18 مارس 1965. وبموجب هذه الاتفاقية، تم إنشاء المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار (ICSID) بوصفه هيئة مستقلة ضمن مجموعة البنك الدولي، ويختص بتقديم خدمات التحكيم والتوفيق في المنازعات الناشئة عن الاستثمارات الأجنبية وتهدف الاتفاقية إلى إرساء إطار قانوني مؤسسي لتسوية المنازعات بين الدولة المضيفة والمستثمر الأجنبي، بما يُعزّز من مفهوم اليقين القانوني، ويُسهم في تهيئة مناخ استثماري مستقر وعادل. وعلى الرغم من ذلك، يُؤخذ على الاتفاقية عدم تضمينها تعريفاً دقيقاً لمفهوم «الاستثمار»، وهو ما ترك للهيئات التحكيمية حرية تقدير ماهية الأنشطة التي تندرج ضمن هذا المفهوم، وفقاً لمعايير اجتهادية مرنة. وقد دخلت الاتفاقية حيّز النفاذ بتاريخ 14 أكتوبر 1966، عقب بلوغ عدد الدول المصدقة عليها عشرين دولة. وقد حظيت الاتفاقية منذ نشأتها بقبول متزايد من قبل الدول النامية، لا سيما من القارة الإفريقية، في حين أبدت بعض دول أمريكا اللاتينية تحفظات عليها. 

وفي عام 1978، أُضيفت قواعد التسهيلات الإضافية (Additional Facility Rules) لتوسيع نطاق خدمات المركز لتشمل بعض الحالات التي لا يتوافر فيها شرط الاختصاص الكامل. وعلى مرّ العقود، اتسع نطاق الدول الأطراف في الاتفاقية، ليبلغ عدد الدول التي صادقت عليها 158 دولة حتى عام 2024، بالإضافة إلى سبع دول أخرى وقّعت على الاتفاقية دون أن تستكمل إجراءات التصديق. وقد انضمت دولة قطر إلى اتفاقية تسوية منازعات الاستثمار بين الدول ومواطني الدول الأخرى – المعروفة بـ»اتفاقية واشنطن» – بتاريخ 21 ديسمبر 2010، وصادقت عليها بموجب المرسوم الأميري رقم (5) لسنة 2011 الصادر بتاريخ 14 فبراير 2011. وإعمالًا لأحكام الاتفاقية، فقد أدرجت دولة قطر شرط اللجوء إلى التحكيم أمام المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار (ICSID) في عدد من الاتفاقيات الثنائية التي أبرمتها بشأن تشجيع وحماية الاستثمارات، باعتبار أن التحكيم أمام المركز يُعدّ من أبرز الآليات القانونية المعتمدة لتسوية المنازعات الناشئة بين الدولة والمستثمر الأجنبي. وقد شملت هذه الاتفاقيات دولًا متعددة، من بينها – على سبيل المثال لا الحصر – فرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وسويسرا، والبرتغال، وفنلندا، وقبرص، وأوكرانيا، والصين، والهند، وباكستان، و كوريا الجنوبية، وسنغافورة، وتركيا، وبنما، وكوت ديفوار، و السودان، والمملكة الأردنية الهاشمية. وفيما يتعلّق بنطاق الاختصاص لدى المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار، فقد بيّنت المادة (25) من اتفاقية واشنطن الشروط التي يتوجب توافرها لانعقاد ولاية المركز للنظر في النزاع، وذلك على النحو الآتي:

أولاً: الاختصاص الشخصي: يشترط أن يكون أحد طرفي النزاع دولة متعاقدة في الاتفاقية أو أحد الكيانات التابعة لها، وأن يكون الطرف الآخر مستثمرًا يتمتع بجنسية دولة أخرى طرف في الاتفاقية. ثانياً: الاختصاص الموضوعي: يتطلب أن يكون النزاع ناشئاً بصورة مباشرة عن استثمار. وقد تركت الاتفاقية تحديد مفهوم «الاستثمار» للهيئات التحكيمية، التي استقرت على جملة من المعايير المرنة لتحديد ما يُعدّ استثماراً في السياق الدولي. ثالثاً: الرضا الصريح: وهو شرط جوهري لانعقاد ولاية المركز، إذ لا ينعقد الاختصاص إلا بتوافر رضا صريح ومكتوب من كلا الطرفين، سواء أكان ذلك من خلال إدراجه في العقد الاستثماري، أو النص عليه في التشريع الوطني، أو تضمينه في الاتفاقيات الدولية ذات الصلة. ووفقاً للمادة (26)، فإن منح الولاية التحكيمية للمركز يرتب أثراً قانونياً مزدوجاً، فهو يجعل هذه الولاية نهائية وغير قابلة للإلغاء من طرف واحد، ويؤدي إلى اختصاص حصري للمركز دون غيره. و يتميّز النظام القانوني المعتمد لدى المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار باستقلاله التام عن الرقابة القضائية الوطنية، إذ لا يجوز لمحاكم الدول التدخل في إجراءات التحكيم أو مراجعة القرارات أو الأحكام الصادرة عن المركز، والتي تُعد واجبة النفاذ بذات القوة المقررة للأحكام القضائية الوطنية في الدول الأطراف، وذلك عملاً بالمادة (54) من اتفاقية واشنطن، مع الأخذ في الاعتبار ما تقرره قواعد القانون الدولي من حصانات للدول، ودون المساس بالحماية المقررة لأصولها ذات الطابع السيادي من إجراءات التنفيذ الجبري. وبحسب الإحصائية الرسمية الصادرة عن المركز، فقد بلغ إجمالي القضايا المسجّلة لديه منذ إنشائه وحتى 31 ديسمبر 2024، ما مجموعه (1022) قضية، توزّعت ما بين دعاوى أُقيمت استناداً إلى أحكام اتفاقية واشنطن وأخرى بُوشرت وفقاً لقواعد التسهيلات الإضافية. وقد شهد عام 2024 وحده تسجيل (53) قضية جديدة، في دلالة واضحة على تنامي الثقة الدولية بآلية المركز، بوصفها إطاراً مؤسسياً راسخاً لتسوية المنازعات الاستثمارية، يتّسم بالحياد والاستقلال وسرعة الفصل وقابلية التنفيذ عبر الحدود.

مساحة إعلانية