رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

فيلسوف الفواكه

كنت عائدا للمنزل، وجاءتني المكالمة "إياها" من أم محمد، تطلب شراء الفاكهة للمنزل، وطبعا ليس من الضروري أن أقول بأنني كنت منهكا، مرهقا، أكاد أسقط من طولي، لكن في النهاية يجب التضحية من أجل الشعب. سرت بهدوء في شارع الوكرة التجاري، حتى لمحت محلا لبيع الفاكهة، اسمه "المحترف للفاكهة الأصلية"، فتوقفت عنده، ودخلت المحل، وأنا أتساءل عن الفرق بين الفاكهة الأصلية، والفاكهة التقليد!!رأيت البائع يلعب بأصبعه في أنفه، جاءني متعبا، مكفهر الوجه، وقف أمامي مبتسما بتوتر، تفحصته من رأسه إلى أخمص قدميه، ومن شكله أدركت أنه يعاني الهزال مثلي، ونسبة السكر زائدة في دمه، مصاب بسبعة أمراض مزمنة على الأقل، ومن صفاته أنه مزعج، لحوح، ممل، عصبي، لذلك فتجاهلته وأخذت أتأمل المعروضات لفترة، ثم بدأت الشراء.طلبت كيلو بصل، ومثله من الباذنجان، وصندوق بطاطس، وعدة كيلوجرامات من الطماطم، والخيار، والكوسة، وكنت حريصا على أن أتابعه وهو يضع ما اخترته في الكيس، وتجاهلت أني رأيته يعبث في أنفه، مهلا، أنا متعب للغاية، ولا أحتمل أن يسألني أحدكم، هل الطماطم والباذنجان من الفواكه أم الخضار، لا جواب عندي، ولن أشتري غير ما اشتريت.توقفت عند طاولة الحساب، وقلت بعصبية: كم إجمالي الحساب؟!!، الأخ لم يرد، فقد كان منشغلا عني بتعديل أوضاع بعض الصناديق، صرخت، "بكم"، لم يرد من جديد، غضبت، والتفت له، لكن المحل كان خاليا، كنت أقف بالقرب من الباب، ولم أره يخرج، يا للهول. وقبل أن أفكر بالهرب، انطفأت الكهرباء للحظات، ثم عادت، وهنا رأيت رجلا كبيرا في السن، له لحية بيضاء كالقطن، يرتدي بدل الثياب، كل ما يخطر على بالك من الفواكه، جسمه كان مغطى بالفاكهة الأصلية، التفاح، الرمان، البرتقال، المانجا، وكان يضع فوق رأسه تاجا من ثمار "السنطرة".نزع تفاحة، وقال: يا صاحب الخضار، ماذا تفعل هنا؟، فأجبته وركبي تصطك، خوفا، ورعبا، وهلعا: جئت أشتري قليلا من الفاكهة!ضحك طويلا، ورأيت أن أسنانه بيضاء في مكانها، رغم عمره، كما أن ضحكته كانت رقيعة، مثل ضحكات راقصات في ملهى ليلي، لكني لم أبال وقتها بالأخلاق، فخوفي كان هو الأعظم.قدم لي تفاحة، ثم قال: في الميثولوجيا الغربية، التفاحة رمز المعرفة، بسبب أكلهما من شجرة التفاح، خرج آدم وحواء من الجنة، لأنهما علما أكثر مما ينبغي!نظرت إليه كما أنظر لأي أحمق، لم أتكلم، بينما تابع فيلسوف الفاكهة حديثه، قائلا: أما إسحق نيوتن، فعندما سقطت التفاحة على "أم" رأسه، جاء لنا بقانون الجاذبية، والذي بدأ عصرا جديدا في الحضارة الإنسانية. هززت رأسي، دون أن أفهم ما يرمي إليه، ورأيته، ينتزع "سنطرة" من على رأسه، ثم يقشرها، ويأكلها، قبل أن يقول: شركة أبل، أكلت ربع تفاحة، ثم أكلت وراءها سوق التقنية بالعالم. ثم رماني بقشر "السنطرة" غاضبا، وقال: أما أنتم أيها العرب، فكان أبرز إنجازاتكم في علاقتكم مع التفاح هي "شيشة التفاح"!

1949

| 18 يناير 2017

الجني المليح

في يوم ما، وفي مكان ما، تقابل جني مليح، مع جنية جميلة، ودار بينهما حوار عجيب، شبيه بقصص ألف ليلة وليلة، وأساطير الأخوين جريم، قال الجني المليح المتيم: يا حبيبتي، إنني أحمل في ذاكرتي من القصص والأخبار مع البشر، ما لن تصدقيها، ولكن أجمل قصتين أفتخر بهما، لم يكن لي دخل فيهما. تعجبت الجميلة، وتغنجت، وطارت من مكانها، ليشتعل الهواء قليلا قبل أن تخمد النيران وهي تقول: هات ما عندك يا توتو، فقد شوقتني!.طبعا جني محترم، طول وعرض، اسمه توتو، أمر لا يمكن تخيله، لكنه يحدث، صدقوني، كل شيء جائز، المهم، بدأ توتو يروي قصته بصوت بدا وكأنه يخرج من قعر بئر مليء بالطحالب الخضراء.قبل سنوات طويلة ربما أكثر من 1200 عام، أهدى خليفة المسلمين هارون الرشيد، ساعة ميكانيكية، هدية لملك فرنسا شارلمان، كانت ساعة كبيرة، طولها يصل لأربعة أمتار، يحملها عدد من الرجال الغلاظ الشداد، وتم عرضها أمام الملك وحاشيته في احتفال مبهر، تم تنظيمه لهذا الغرض.كانت ساعة ميكانيكية متكاملة، تعمل بالماء، وعندما حانت الساعة الواحدة، دقت الساعة دقة واحدة، بصوت معدني مرتفع، أسمع كل من في القصر، وعندما حانت الثانية، دقت مرتين، وفي الساعة الثالثة دقت ثلاث دقات.هنا خاف الجميع، ارتعبوا، ارتجفوا، وصرخ الملك: "ما هذا السحر، أبعدوا هذه الآلة الشيطانية، قبل أن تحل بنا لعنة الرب"، فيما بدأ الناس يهتفون مطالبين بتحطيم الساعة، وطرد الجني الذي يتلبسها.قال الجني المليح، ذو الخدود المشتعلة، والذي اسمه توتو: كنت هناك، أستمع وأراقب، لكن لم يكن لي دخل في كل ذلك، فالساعة لم تكن إلا اختراعا، عجيبا، صنعه علماء ومهندسون مسلمون عباقرة.أما القصة الثانية التي يرويها توتو المليح، ولم يكن له دخل بها، لكن جاء ذكره فيها، واتهامه ظلما، بأنه يقف وراءها، فقد وقعت بعيدا عن فرنسا، زمانا ومكانا، في القاهرة هذه المرة، في عصر الاحتلال الفرنسي، أواخر القرن الثامن عشر، عندما جاء نابليون بالمطبعة، ليطبع المنشورات، ويسيطر على عقول المصريين.توالت الأحداث، وخرج نابليون من مصر، مذموما، مدحورا، لكن خلف وراءه المطبعة، وكانت غنيمة ثمينة، للمصريين، والمسلمين، قال الباشا حسنين: يا الله، يا لها من تحفة، سنستخدم المطبعة في طباعة القرآن الكريم، والكتب الدينية، وأيضا كتب الأدب والشعر، والمعارف المختلفة.طبع الرجل كتابا واحدا، لكن عمال المطبعة أنفسهم، ومعهم الجهال، بقيادة الشيخ فتحي، ثاروا ضده، وهتف كبيرهم في وجهه: حطم هذه الآلة الجهنمية، التي يتلبسها الجان، ستدمر ديننا، وستحرف القرآن، وكتب الصحاح، وتنشر التفاهات في مجتمعنا، فلن يأت لنا جني جاء مع "بونابرطا" بخير!!!!.هتفت الجميلة باشمئزاز "يا لهم من أغبياء يا حياتي"، فرد المليح توتو بأن الحق معها، وبأن الاتهام طاله لثاني مرة في قضية لم يكن له دخل بها، وقال بأن شارلمان لو تعلم أسس الميكانيكا والهندسة في الساعة، لاستطاع أن ينقل بلاده مبكرا نحو الأمام في سلم الحضارة.ولو استفاد الشيخ فتحي، ومن ورائه العرب والمسلمون، والدولة العثمانية، من المطبعة باكرا، لنقلوا الأمة الإسلامية نقلة حضارية إلى الأمام، وما كان المستعمر حينها بقادر على أن يستعمرها عسكريا وفكريا، فأمة بلا كتب ولا معرفة، أمة ضائعة.

1412

| 11 يناير 2017

البطيخ والفلسفة !

بعد رحلة استغرقت سنوات، عاد د. عادل من الولايات المتحدة، حيث حصل على شهادة الدكتوراه من أفضل جامعاتها، وحقيقة، كان الرجل بارعا في مجال تخصصه، "فلسفة الأخلاق"، حيث تتلمذ على أيدي أشهر العلماء في هذا المجال. مضت 7 سنوات منذ عاد، لم يتطور وظيفيا، وألف 6 كتب حاول ان يبسط فيها مفهوم الفلسفة لطلبة الجامعات، لكن لم يجد ناشرا محترما يقبل طباعتها، فطبعها على حسابه مرغما، ثم بحث عن موزع فلم يعطه أحد وجها. أحد الناشرين تأمل كتابه الثاني، وقلب صفحاته، ثم قال : "الفلسفة المعاصرة .. تبسيط وتحليل" ، عنوان ممل، ثم أن محتوى كتابك واضح اكثر من اللازم، لو أعطيته لبائع الشاي في السوق سيفهمه، هذا يعني ان كتابك "تعبان" ، ولا قيمة علمية ترجى من ورائه. احمر وجه د. عادل ، وقال بأن هذه البساطة هي ميزة الكتاب، فقد استطاع أن يبسط أعقد المفاهيم الفلسفية في أسلوب بسيط، متاح للجميع، من الطالب الجامعي، إلى المثقف العادي، أو حتى ربة المنزل، دون أن يقلل ذلك من قيمة محتواه العلمي، حتى أن فلسفة دريدا "التفكيكية"، مشروحة في الكتاب ببساطة لا متناهية، أراد أن يقول للناشر بأنه جاهل، وظالم في حكمه، لكنه لم يفعل، بل غادر منكسرا.في ليلة ما، ذهب إلى منزل صديقه الرسام المشهور، جلسا في الحديقة الواسعة، وأخذ يشكو ويبث همه لصاحبه، استمع له الرسام طويلا، ثم طلب منه أن ينهض، ليدخل معه إلى مرسمه، الذي يقع في طرف الحديقة.هناك شاهد د. عادل ، عشرات اللوحات الإبداعية، الجميلة، التي رسمها صديقه الرسام عبر فترات مختلفة من حياته الفنية، لكنه لاحظ أيضا، أن تلك الرسوم جميلة ومفهومة، وتختلف تماما عن الأسلوب الذي اشتهر به الرسام لاحقا.قال الرسام : هذه هي الأجمل بين لوحاتي، تمثل رسما جميلا لمناظر طبيعية، وبعضها تحمل رسائل إنسانية ونفسية واضحة، لكنني بين أمرين، إما أن "أبللها بالماء وأشرب منقوعها"، أو أعلقها هنا حتى تهترئ، فلا أحد يريد الاطلاع عليها، لأنهم يعتبرونها عادية، مجرد صور فوتوغرافية. ثم أمسك بيده وأدخله إلى غرفة جانبية، مظلمة، سمع أصواتا غريبة، ميز بينها صوت أرنب، ودجاجة، وربما خروف، وقطط، قام الرسام بإشعال الضوء، فأصاب د. عادل الذهول، حيث وجد هذه الحيوانات وقد تلطخت أقدامها بالأصباغ المختلفة، تسير جيئة وذهابا، فوق 6 لوحات بيضاء، موزعة في أرجاء الغرفة، وعليها مع الايام تتشكل خطوط وهمية لا معنى لها، تشبه بالضبط أسلوب لوحات الرسام الشهير، والتي يبيعها بمئات الآلاف، تحت مسمى "الفن الحديث".بعد تفكير عميق، قرر د. عادل، أن يجرب حظه في التأليف من جديد، فألف كتابا بعنوان، "البطيخ والفلسفة"، يدور الكتاب بأكمله، وبأسلوب سفسطائي معقد حول السؤال التالي: "لماذا نأكل البطيخ؟ هل البطيخ موجود بالفعل أم أننا نتخيّل وجوده لأن حواسّنا هي التي أوجدته؟ هل البطيخ من الداخل لونه أحمر أم أننا نعتقد ذلك؟".هذه المرة تسابق الناشرون لطباعة الكتاب وتوزيعه، بمقدم عقد مجز، وخلال عام واحد أعيدت طباعة الكتاب عدة مرات، وباع آلاف النسخ، وأيقن أخيرا أنه عبر قنطرة الفقر نحو الثراء.

1376

| 04 يناير 2017

فارس والأديب الكبير

اصفر وجه الأديب الكبير، وشعر ببعض التوتر، وهو يكتب صفحات من روايته الجديدة، وشعر ببعض الآلام في أمعائه، ولم يكن ذلك نتيجة معاناته في الكتابة، إنما كان ذلك نتاج رغبة طبيعية بدخول الحمام. في الفصل العاشر، كان بطل الرواية فارس، سيقتحم بيت عشيقته سرًا، بالاتفاق معها، وعندها سيكتب الأديب الكبير الكثير من الوصف الحسي الذي يروقه، ولن يترك شاردة وواردة جنسية، إلا سطرها على لوحة مفاتيح الكمبيوتر. بعد أن كتب كلمتين، من الفصل العاشر، فجأة وبلا مقدمات، انفجرت شاشة الكمبيوتر، وحجب دخان أسود كثيف الرؤية للحظات، ارتعب الأديب وسقط على الأرض، وتناثرت قطع الزجاج، والأدوات المكسورة في كل مكان.ارتاع الأديب وهو يشاهد رجلا يجلس أمامه، فخاف كثيرا، وأراد أن يسأله عن شخصيته، وكيف دخل، لكن صوته اختفى، تماما، لم تكن هيئة الرجل الغامض غريبة على الأديب، كان فيه شيء مألوف، خاصة مع قميصه الوردي، وبنطلون الجينز الأسود، هل رآه قبل ذلك؟!! قال الرجل الغامض بغضب مكتوم: أنا فارس أيها الأديب، الشخصية التي ابتكرتها في روايتك، وكتبت عني نحو 9 فصول حتى الآن، وما زلت تواصل بذاءاتك!!نهض الأديب وقال: بذاءاتي، إلا أن فارس لم يدعه يكمل، وبادره قائلا: بالله عليك، 9 فصول، و9 نساء أرتكب معهن المنكر، وأشرب الخمر في كل حين، لقد جعلت أبا جهل بالنسبة لي أكثر تقى وورعا، لماذا تحرك شخصيتي بهذا الاتجاه البذيء؟!!تمتم الأديب بكلمات غير مفهومة، ثم قال: هذا واقع الحياة، من هو في مكانك، وطبقتك الاجتماعية، يعرف النساء، ويشرب الخمر، الأمر طبيعي تماما!صرخ فارس في وجهه، وقال: إن كنت تدعي الواقعية، ولأجل ذلك، تصف العري، والإباحية، بتفصيل مقزز، فلماذا لا تصفني أثناء تناول طعامي، أو حتى وأنا أقضي حاجتي، أليس ذلك مما يفعله كل الناس؟!!، أم أن الواقعية لا تبدو كذلك إلا مع الجنس الفاضح، وقلة الأدب، تبا لك!هز الأديب رأسه، ولم يقل شيئًا، لكن رغبته بدخول الحمام زادت جموحا، في حين تابع فارس: بل أنت وأمثالك من أدعياء الأدب والثقافة، تريدون أن تبيعوا رواياتكم فحسب، حتى لو كان ذلك على حساب الأخلاق، أو حتى القيمة الفنية الأدبية.

383

| 28 ديسمبر 2016

الفتنة الزرقاء

هذه الأيام أسافر كثيرا عبر الفضاء، فهذه الأرض لم تعد مكانا مثاليا للسكنى، وانا أرى هذه الوحشية كل يوم، ومذابح النساء والأطفال التي لا تتوقف، فلسطين، حلب، والقائمة تطول، لذلك قررت استكشاف كواكب جديدة.على بعد سنتين ضوئيتين، خذ أول لفة بعد الثقب الأسود الخامس، الذي يقع شرق مجرة درب التبانة، ستجد هناك نجم صغير، يسميه علماء الفلك "القزم الأحمر"، ساكن وبارد، بعد "القزم الأحمر" بسنتين ضوئيتين، سترى نجما صغيرا كشمسنا، يسبح في الفضاء، وحول هذا الشمس كوكب يشبه أرضنا في كل شيء، يسميه أهله، كوكب "البريق".يعيش على هذا الكوكب ثلاثة أعراق مختلفة، لكل عرق لون يميزه، وحيوان يقدسونه، يتصدر المشهد على الكوكب العرق الأزرق، والعرق الأخضر، فهما يتبادلان السيطرة عبر مختلف مراحل التاريخ، قديما جدا كان ينافسهم العرق الأحمر، لكنه الان ومنذ ٢٠٠ سنة أصبح خارج المنافسة، تماما.في اجتماع سري ضم كبار قادة العرق الأزرق، قال أبو نجمة الأزرقي: ثمة محاولات للتحالف بين جماعة الخضر وبني الأحمر، لا ينبغي لهذا الحلف أن يتم، فلو تم، سنفقد السيطرة على الكوكب تماما، وربما رجعنا للوراء قرونا!!.رد عليه قائد الجند، وعيناه تشعان بالأشعة فوق البنفسجية: قنبلة إشعاعية واحدة تخلصنا منهم جميعا، ونرتاح من هذا الصداع المستمر، وسنكون ... لم يدعه الأزرقي يكمل كلامه، بل صرخ فيه: هذه القنبلة تضعها في مخازنك وتغلق عليها الباب، لو لوثت أرضهم بالإشعاع فكيف نستفيد من خيراتهم، وموارد طاقتهم، وأراضيهم الخصبة، يجب أن يبقوا أحياء، سالمين، لكن خاضعين لنا.عندها، انبرى للحديث شاب وسيم، كانت زرقته تميل للون الفاتح، وتبدو ملامح الذكاء والنجابة على وجهه، ومنذ فترة تم تجنيده للعمل في جهاز المخابرات، لذكائه، ونجابته، ولما يملكه من معرفة وسعة اطلاع بحال الكوكب وثقافته، قال رجل المخابرات بهدوء: الحل عندي أيها الأزرقي، وقد بدأت التنفيذ منذ أمد؟- ما هو الحل ؟- المنظمات المقاتلة المقدسة!فغر الأزرقي فاه، وصمت الجميع، وحده رجل المخابرات تكلم: تم تكليف زميل بالمخابرات، صبغ نفسه بالأخضر، بتأسيس جماعة دينية مقاتلة خضراء، وزميل آخر بتأسيس منظمة أخرى حمراء، بعد أن صبغ نفسه بالأحمر، حيث يقومان بتجنيد الحمقى، والجهلة ورجال العصابات، والخونة من أصحاب المصالح معنا!.تعجب الأزرقي، ثم سأل: وما هي فائدة تأسيس مثل هذه المنظمات ؟!.تابع رجل المخابرات حديثه: تعرفون أن جماعة الخضر، وبني الأحمر، يعبدون نجم الدب، ويقدسون السنجاب، لكن بينهم خلافات عميقة في فهم الدين، وأيضا في السياسة والحكم، الحروب بينهم لم تتوقف منذ قرون، ما جعلهم يتوقفون عن قتل بعضهم البعض، هو حربهم مع مملكة الأزارقة!.وهكذا قرر الأزرقي، وقائد الجند الأزرق، ورجل المخابرات، أن يعيدوا الحرب جذعة بين جماعة الخضر وبني الأحمر، فظهرت في وسائل الإعلام تصريحات منظمة المد الأخضر، المعادية لكل ما هو أحمر، ومتجاهلة العدو الأزرق الحقيقي.وبالتزامن ظهرت المنظمة الحمراء المقدسة، التي أسستها مخابرات مملكة الأزرق، ثم بدأت سلسلة تفجيرات في مناطق بني الأحمر، وأخرى في المناطق الخضراء، واشتعلت الفتنة في كل الكوكب.

944

| 21 ديسمبر 2016

المعلم جرجير

اسمه "جرجير"، مواطن في كوكب شبيه بكوكبنا، يقع على بعد 100 سنة ضوئية، يعمل معلما منذ قديم الزمان، ورغم اسمه المضحك، والذي يثير الكثير من السخرية، والتساؤلات بين التلاميذ، إلا أنه كان معلما صاحب شخصية قوية، يستطيع أن يفرض احترامه على الطلاب، وله في ذلك طرق متعددة. بداية، فهو عالم متبحر، متخصص بحق، يدرك أبعاد العلم الذي يقوم بتدريسه جيدا، ويتابع آخر التطورات والأبحاث الأكاديمية في مجاله، كما أنه مطلع على أحدث الدراسات التربوية، ونظريات التعليم الجديدة التي تراعي الفروق الفردية للطلبة.لذلك فالأمور سهلة لديه في أغلب الأحيان، مع ذلك، يؤمن أيضا بضرورة العقاب أحيانا، بتدرجاته المختلفة، ابتداء من الصراخ والنهر، مرورا بالطرد من الفصل، وأحيانا الضرب، غير المبرح وغير المؤذي، وغير المهين.لكن فجأة مع مرور الأيام، تغيرت فلسفات التعليم، وما عاد العقاب أو الضرب مسموحا، فأدى ذلك إلى تزعزع سيطرته على فصل يضم ثلة من المراهقين، يبدون في هيئة شياطين صغيرة، عندما يبلغون أوج نشاطهم.وقف الطالب "عبود" متحديا أستاذه، بل إنه أهانه، وقال له: سأفعل ما يحلو لي، وألهو بالهاتف الذكي، وأنت أكمل درسك؟! هيا عاقبني لو تستطيع، هيا أنتظرك!ضحك التلاميذ، غضب المعلم "جرجير"، احمر وجهه، واسودت أذناه كعادة أهل الكوكب، وارتفعت حرارته، وعربدت الأفكار في دماغه، كان قابضا أصابعه بقوة، ويحاول أن يرفع يده ليهوي بها على ذراع الطالب، لكن يده كانت ثقيلة، حاول، وحاول، وأخيرا نجح، ضرب الطالب "عبود" ضربة خفيفة.وهنا انشقت الأرض كالقبر، وكشفت عن رجل عجوز، أبيض الشعر، أسود القلب، صرخ غاضبا: ما ذا فعلت يا "جرجير"، ما ذا فعلت؟، هل تدرك أبعاد جريمتك؟، لقد كسرت روح الطالب!! أرقت كرامته على الأرض! سيصبح صاحب شخصية مهزوزة، ولو تعرف على شلة من "الصيع" لربما أصبح لصا، ولا أستبعد على الإطلاق انضمامه لداعش، لينتقم منك ومن أمثالك!!فغر المعلم "جرجير" فاه، وقال: "داعش!" لم يتكلم الضمير الإداري كثيرا، فقط اشتعلت عيناه غضبا، وتناثر اللعاب من شدقيه، كان يشبه المصروع، وفي النهاية، قال: أنت محال إلى التحقيق. وهنا تدخل الجني الأحمر الشرير، كان يقول حكما، على غير العادة، فخاطب "جرجير"، موسوسا له: لا عليك منه، أنت لم ترتكب جريمة، أنت حاولت أن تربي الولد، لا أن تعاقبه، هناك من يحتاج لمن يكبح جماحه أحيانا، ولو بالضرب، هكذا تقول الطبيعة الإنسانية!!لكن صاحبنا "جرجير" كان قد استيقن خطأه، وكاد أن يجثو على ركبتيه، معتذرا، للطالب "عبود"، فقطع الأعناق ولا قطع الأرزاق، إلا أن الجني لم يستسلم، بل قال: "واضربوهم عليها لعشر"، الإسلام يطلب ضرب الطفل الذي لا يصلي أن بلغ العاشرة من العمر وظل على عصيانه.لأول مرة في التاريخ، الجني الأحمر الشرير، يتظاهر بأنه متدين، لكن "جرجير" لا تنطلي عليه هذه الوساوس.فخضع مرغما للأنظمة التعليمية الجديدة، ومع الوقت، أصبحت الصفوف بيئات طاردة للإبداع، الطلاب مشاغبون، والمدرسون ضائعون، ولسان الحال يقول، مهما كان التعليم قويا، والتقنيات متوفرة، لكن الحقيقة المرة تقول: من أمن العقوبة أساء الأدب، وأضاع العلم.

1342

| 07 ديسمبر 2016

كوزيت والبوركيني والبؤساء

كان الفيلسوف المشهور جان جاك روسو مستلقيا على شاطئ نيس الفرنسي، يتأمل الغاديات والرائحات، وفي ذات الوقت يفكر في ما وراء العالم، ويضع نظريات جديدة في علم الاجتماع السياسي، بل إنه كاد في استلقائه ذاك أن يتوصل إلى تصميمات القنبلة النووية، لولا أن لفت انتباهه سيدتان تتناقشان بحدة، وقد ارتفعت أصواتهما، والعجيب أنه لم ينتبه لهما سواه.علم روسو، أن السيدة الشقراء المغرورة، التي ترتدي من الثياب والمجوهرات أفخمها، لم تكن إلا الملكة المشهورة ماري أنطوانيت، فعبس قليلا، وسرعان ما ارتسمت على شفتيه ابتسامة ارتياح، عندما علم أن الثانية تدعى كوزيت، ربيبة جان فالجان، والتي خرجت من عالم البؤساء على ما يبدو.قالت كوزيت مخاطبة الملكة: لقد انتهى عهدكم سيدتي، لم يعد هناك خوف، لم يعد هناك قمع، لن يعود للظلم مكان في فرنسا، كلنا سواسية، لقد ثار الشعب، وعرفت المقصلة أهدافها، والعالم بات أكثر عدالة بعيدا عنكم. لم يعرف جان جاك روسو، قصد كوزيت بالثورة، صحيح أنه كان من دعاة العدالة الاجتماعية، لكنه لم يبشر أبدا، بأن المقصلة طريق للعدالة، في جميع الأحوال هو قد توفي قبل اندلاع الثورة الفرنسية.فجأة، اختفت السيدتان، كأنهما حوريتان خرجتا من المياه، أوصلتا الرسالة ثم غادرتا عائدتين، تعجب جان جاك روسو، خاف قليلا، ثم عاد لجلسته الاسترخائية، وبدأ يؤسس لفلسفة جديدة للتعليم في فرنسا. وفجأة، دخل، وبصوته المستفز أخذ يصرخ، ويقول: جان فالجان، لا تظن بأنك ستنجو مني، سأقبض عليك، ولو كان ذلك آخر عمل بحياتي، ثم أخذ ينقل بصره بين رواد الشاطئ، ويتفحصهم واحدا واحدا، وواحدة واحدة، ثم توقف بصره عند إحدى السيدات.جان جاك روسو عرفه على الفور، فهذا هو جافير، مفتش الشرطة الفرنسي الذي كان يطارد جان فالجان، من بداية رواية البؤساء إلى نهايتها، وكانت جريمة جان فالجان الكبيرة، أنه سرق خبزا لإطعام أخته وأطفالها.توقف جافير عند سيدة مسلمة، ترتدي لباس بحر يقال عنه إسلامي، ويسمى "البوركيني"، وهتف بصوت غاضب : لا يعني مطاردتي لجان فالجان ، أنني سأتجاهل مهمتي الأساسية في حفظ الأمن والنظام ، يا سيدتي لباسك هذا يخدش حياء العلمانية ، بإمكانك ارتداء البكيني، او بإمكانك التجول في شواطئ العراة بدون لباس، لكن يحظر تماما ارتداء "البوركيني"!!.بكل مشاعر الهوان خلعت السيدة لباس "البوركيني" ، وخرجت لاحقا من الشاطئ منكسرة، لم يعد للحرية مكان في فرنسا، ومن بعيد، ابتسمت ماري أنطوانيت.نهض روسو من مكانه، نفض تراب الشاطئ من على جسمه، ثم جرجر أقدامه عائدا على سجلات التاريخ، وفي ذات الوقت، تجعد وجه الموناليزا في اللوفر، أصبحت عجوزا شمطاء، أغلقت فمها، ولم تعد تبتسم، فهي لا تريد أن يشاهد الناس فمها الذي أصبح مشوها بفعل الزمن، بعد أن تساقط معظم أسنانها.

1239

| 30 نوفمبر 2016

الشيطان يمتحن تلاميذه!

تصاعدت رائحة الكبريت .. فجأة و بلا سبب منطقي في تلك المنطقة المهجورة من شاطئ البحر .. قبل أن يظهر من العدم كائن أسود اللون .. تشع النيران من عينيه .. وتسيل الدماء من شدقيه .. كان مرعبا للغاية، ولا شك أنه الشيطان.جلس الشيطان متربعا فوق الأرض، كان يطير حقا لا مجازا، دون أن يتحرك من مكانه، مثل طائرة أباتشي أمريكية.مضت دقائق ثم ظهر شيطان صغير له قرن واحد، ومثل بين يدي سيده، مقبلا قدميه المشتعلتين ثم قال : جئتك من الكنيست بنبأ عظيم.ضحك الشيطان ثم قال : مازلت غرا ساذجا، يا ذا القرن الواحد، لكن هات ماعندك، لعل تدريبي أثمر، وتطورت جرائمك مقارنة بآخر مرة جئتني فيها؟!.فأخذ الشيطان ذو القرن الواحد يروي كيف أنه وسوس بنجاح للصهاينة بأن يمنعوا الأذان عبر مكبرات الصوت، في القدس والخط الأخضر وقرب المستوطنات.هز الشيطان كتفيه لامباليا، لأن الجريمة تافهة، وبسيطة بالنسبة للصهاينة، الذين يتعلم منهم في بعض الأحيان، نظرا لدهائهم، وابتسم وهو يتذكر آخر اجتماع مع رئيس وزرائهم.إلا أن الشيطان ذا القرن الواحد والمتحمس كثيرا نظرا لحداثة سنه، تابع حديثه وقال : ماسبق الجزء الأول من الخطة، أما العبقرية فتجلت في أنني جعلت أحد النواب العرب يؤذن في الكنيست، وأغويت الصهاينة بأن يتركوه يكمل أذانه.ظلت اللامبالاة مرتسمة على وجه الشيطان، الخبير ببواطن الأمور.في حين تابع الشيطان الصغير ذو القرن الواحد : انتشرت الصورة مع الفيديو انتشار النار في الهشيم، عبر شبكات التواصل.صمت ذو القرن الواحد قليلا، بلع خلالها كمية من الديدان التي كادت أن تخرج من أمعائه، ثم قال : الآن .. أصبح العرب أنفسهم يروجون لديمقراطية الصهاينة، وسماحتهم، حيث شاهد العالم، الملايين شرقا وغربا، أنهم يتركون العرب يعبرون عن رأيهم كيفما شاؤوا دون منع أو قمع إن تناغموا مع المنظومة الإسرائيلية!.وبذلك يبررون ضربهم للمقاومة من خلال مصطلح قمع الإرهاب، وربما قريبا القضاء على داعش.ضحك الشيطان وزلزل صوته أرجاء المكان، وهو يراقب تجسد شيطان أحمر اللون، ثم قال بصوت كأنه يأتي من قعر جهنم : العرب أغبياء، وأصدقاؤنا الصهاينة أذكياء، وهذا المشهد ليس بجديد على الطرفين، الطرف الغبي يخدم عدوه الذكي من حيث لايدري.أصاب الإحباط ذا القرن الواحد، فسال اللهب من عينيه، وهو يشاهد الشيطان، يشير للشيطان الأحمر كي يقترب ويتكلم.فقال الشيطان الأحمر : لقد فرقت بين نبيل وفضيلة .. جعلت نادلة في مطعم تغوي نبيلا فخان زوجته، ثم طلقها بعد صراع مرير، امتد لأشهر.قال الشيطان : نبيل وفضيلة .. العاشقان المشهوران.أجابه الشيطان الأحمر بسعادة وفخر : نعم !نهض الشيطان من مكانه وعانق الشيطان الأحمر، فتصاعد منهما النار والدخان الكبريتي، وهو يقول : أنت رائع .. تستحق أن أقربك مني.ثم أوضح للجميع، بأن أفضل إفساد يمكن أن يصنعه شيطان، هو تفكيك البنية الاجتماعية والأخلاقية في أي مجتمع، حيث يغدو المجتمع بعد ذلك رخوا مهلهلا، بلا حصانة أو خطوط دفاعية، جاهزا لسيطرة كل شياطين الدنيا، إنسا وجنا.

1814

| 23 نوفمبر 2016

باحثون وشركات

ارتدى عباس، الباحث المغمور، معطف المختبر، وبدأ يحلل نسبة السكر في منتج غذائي لشركة عالمية، وبعد ساعات استخرج النسبة، وأضافها لقائمة أخرى من النسب، رتبها في جدول بياني تصاعديا، ثم كتب في دفتر المختبر: غدا إن شاء الله أبدأ دراستي حول تأثير السكر على أمراض القلب!خرج الباحث المغمور من معمله، وركب سيارته متجها للبيت، قبل أن يأتيه اتصال من خارج الحدود، قال له صوت أنثوي ناعم: سيد عباس، نحن نتابع مقالاتك العلمية في المجلات، ونريد دعم أبحاثك العلمية! تعجب عباس، فهو لم ينشر إلى الآن بحثا في أي مجلة علمية محترمة، ربما نشر جانبا من أبحاثه في مجلة ماجد وميكي، إلا أنه قال: من أنتم؟ فأجابته بصوت ناعس، وقالت له بأنها تنتمي لشركة غذائية عالمية، اسمها شركة (التفاح البني)، وكل ما يطلبونه منه أن: يبحث في التأثيرات الإيجابية للسكر على جسم الإنسان، وحياده التام فيما يتعلق بأمراض القلب، وقيمة المنحة 2 مليون دولار!!طبعا وافق الباحث عباس على الشروط، وتم توقيع العقد، وأكد عباس أن السكر صديق للقلب، بل ينصح بتناوله باعتدال، وبنسب أعلى من تلك التي ينصح بها الأطباء، وهذا يعني بشكل غير مباشر، أن منتجات شركة (التفاح البني) آمنة تماما، ويمكنك أن تتناول منها ما تشاء.وفي برنامج تلفزيوني، دار جدل علمي حول الشاي، هل هو مفيد أم مضر، قال الباحث عباس: إن الشاي في عمومه مفيد، خاصة الأخضر، ونصح المشاهدين بتناوله، وهذا ما كان قد أكده سابقا في دراسته التي أعدها بتمويل من شركة (الشاي العجيب) العالمية، ونشرها في مجلة علمية محكمة. بالمقابل قالت الباحثة قمر، بأن القهوة مضرة، وتسبب أمراض القلب، وأكدت ذلك في دراستها التي نشرتها بتمويل شركة (شاي كرك) المحلية، فظل العالم سنوات يتناول الشاي دون حسيب ورقيب. في أطراف العاصمة، بعد غروب الشمس، صعد الباحث الشهير د. جوني درجات سلم مبنى قديم ومتهالك، ووصل إلى المكاتب الإدارية، لإحدى شركات الاتصالات الدولية، المتعددة الجنسيات، ليقابل المدير، الذي قال له مباشرة: د. جوني، لعلك بخير، أعجبتنا أبحاثك حول موجات الميكروويف، وموجات الهاتف الجوال، نريد أن نمول بحثا حول مدى تأثيرها على صحة الإنسان.بلع د. جوني ريقه وقال: كم قيمة المنحة؟! فقال المدير بسرعة: 5 ملايين دولار، وأظن المبلغ كاف جدا، لتقدم لنا بحثا علميا منضبطا، ومحايدا، ويؤكد التأثير الإيجابي لموجات وإشعاعات الهاتف على صحة الإنسان، وابتسم بخبث: ونرجو أن تكون أمينا في بحثك. ضحك د. جوني، وضحك المدير، وخلال أشهر معدودات، كان بحث د. جوني منشورا، في مجلة علمية محكمة، تصدر عن جامعة عالمية مرموقة، يؤكد سلامة موجات الهاتف، وعدم تأثيرها سلبا على صحة الإنسان، ونشرت أكبر وسائل الإعلام، وجميع شبكات التواصل هذا الخبر. وفي عالم موازٍ، حاول الباحث صابر، أن يصل لإحدى الجامعات المرموقة، ليطلب التمويل لدراسته حول التأثير السلبي لموجات الهاتف على صحة الإنسان، لكنه لم يجد ممولا أبدا، والأدهى من ذلك، اختفى الرجل في ظروف غامضة.

466

| 10 نوفمبر 2016

تلبيس إبليس (2)

أثناء زيارتي لمكتبة خاصة، في منزل أحد الأعيان، رأيت رجلا غريب السمت، أشيب الشعر، كث الشارب، منهمكا في الكتابة، وأمامه عشرات المجلدات من الكتب الدسمة، وبيمينه الريشة، يغمسها بين الفينة والأخرى في المحبرة، ليكتب على ورق فاخر مصنوع من القطن بضعة أسطر، ثم يتوقف مفكرا، مع سعلة أو عطسة. لفت انتباهي، وجذبني اهتمامه بما يفعل، ثم تعجبت، كيف يكتب رجل في القرن الحادي والعشرين على أوراق بدائية، بواسطة الريشة والمحبرة، اقتربت منه متسائلا، فالتفت لي وقال مبادرا قبل أن أفتح فمي: أكتب اليوم الجزء الثاني من كتابي "تلبيس إبليس"، من الضروري أن أفعل ذلك؟ إذا أنا أقف أمام ابن الجوزي، وربما وهو الغالب، معتوه يريد أن يجرني معه إلى متاهة السفر عبر الزمن، فهززت رأسي موافقا، "مكبرا الدماغ" كما يقولون، وابتسمت له، دون أن أنطق بحرف. ابن الجوزي الحقيقي، هو أبو الفرج عبد الرحمن بن على التيمي البكري، فقيه حنبلي محدث ومؤرخ ومتكلم، عاش بالقرن السادس الهجري، ولد وتوفي في بغداد، أما هذا فلا أعرف أصله أو فصله.قال لي ابن الجوزي العصري: لإبليس لعنه الله تأثير غير محدود على أهل الإيمان والصلاح، فيلبس عليهم دينهم، إما بإدخال أفكار منحرفة لعقولهم، أو بإيقاعهم في براثن الرياء، والعياذ بـالله. فذلك عبد يبدو في ظاهره صالحا، لا يترك فريضة أو سنة، ثم يأتيك في مكتبك، ومن غير مناسبة يقول: صداع رهيب أشعر به لأني لم أتناول قهوة الصباح، فأنا صائم!!، وكأنه يمن على الله صومه. وذاك رجل تقي ورع، يأتيك ويقول، في الليلة الماضية، وأنا متجه لأداء صلاة الفجر، وقعت في بركة من الطين فتلوثت ثيابي، جميل، علمنا أنك تصلي الفجر جماعة، أجرك على الله، وليس عندي أيها الحبيب. ابتسم لي ابن الجوزي العصري، فكشف لي عن أسنان صفراء، يبدو أنه يتناول القهوة كثيرا، في مقهى (صندوق النجمة)، ثم استرسل وقال بعصبية، كل ذلك بسيط إلى جانب الهراء الذي رأيته في شبكات التواصل الاجتماعية!!ستقرأ في الجزء الثاني من تلبيس إبليس، عن ذلك الشاب، الذي يذهب للحج أو العمرة، وقبل ذهابه يكتب بالفيسبوك: حللوني، فأنا ذاهب لأداء الحج، وأثناء طوافه يصور نفسه، وينشرها في الانستجرام، ثم يقول: اللهم تقبل منا أعمالنا، واجعلها مخلصة لوجهك؟!!، طيب إن أردتها مخلصة، فلماذا تضعها بالفيسبوك أمام الملأ أيها الفالح؟!!؟.كما ستقرأ عن ذلك الذي في ظاهره فاعل خير، يتقدم بإعانة لمجموعة من الفقراء، شيء يسير لا يكاد يسمن أو يغني من جوع، ثم يقوم بأخذ صورة جماعية مع المساكين الذين حصلوا على المساعدات، وينشر الصورة في كل مكان بشبكات التواصل!!صمت ابن الجوزي قليلا، توقعت أن لديه الكثير ليقوله، لكنه بدأ يرتجف، وأبخرة صفراء تتصاعد من شعره، وأنا شخصيا شعرت بالرعب، فهربت، غير ملتفت ورائي، ولا أدري ما حصل بعد ذلك.

1117

| 04 نوفمبر 2016

الكوكب الأزرق

الكوكب الأزرق يقع في أطراف المجرة، بعيدا جدا عن كوكب الأرض، لكن الثقب الزمكاني الذي اكتشفه ابن سينا، مؤخرا، بالقرب من القمر، يختصر المسافة والزمان بين الكوكبين، فبات الكوكب الأزرق محطة سياحية هامة، كما أن لأهل الأرض بها مآرب أخرى.الكوكب الأزرق، سماؤه زرقاء، كل شيء على سطحه أزرق اللون، بشرة الكائنات العاقلة التي تعيش عليه، المياه، الصحاري والرمال، الهواء، النباتات، والحيوانات، الشمس، كل شيء أزرق في أزرق.لذلك باتت طباع أهله صعبة الفهم، انفعالاتهم غامضة، مشاعرهم كئيبة، أمراضهم النفسية كثيرة بلا عدد، لكنهم رغم ذلك تجار من طراز فريد، يبيعون كل شيء، وأي شيء، حتى الغيمة الزرقاء في السماء، سيقنعونك أنهم يملكونها، ويبيعونها لك. في ليلة زرقاء بلا قمر، تسلل "نوفل" بمركبته الفضائية الصغيرة، إلى الكوكب الأزرق، هبط في مهبط معد للقادمين من كوكب الأرض، وخرج من مركبته، بعد أن عدل لباسه وتعطر، ثم توجه إلى محل صغير في أطراف المدينة، ووقف أمام البائع الأزرق، وقال له: سيدي أحتاج شهادة جامعية كي أترقى في عملي. قال له البائع: طلب بسيط، لكن عليك أن تدفع 1000 دولار أرضي، وتحصل فورا على شهادة معتمدة من أفضل الجامعات بالمجرة، ولن تجد مثل خدمتنا في أي مكان. دفع "نوفل" المبلغ على مضض ثم خرج، كان المبلغ كبيرا بالنسبة له، لكنه يدرك تماما أن فاشلا في الدراسة مثله، ليس أمامه سوى هذه الطريقة، كي يصبح جامعيا، ويترقى في عمله، ويتزوج زميلته غيداء، التي لن تعطيه وجها إلا بالشهادة.وهنا وصلت السيدة حنان، ووقفت أمام البائع الأزرق وقالت: أريد إجازة مرضية، لمدة ثلاثة أعوام، موقعة من المستشفى الأزرق، لقد تعبت من الدوام!! لم يجادلها البائع الأزرق، إنما طلب منها 2000 دولار ثم وفر لها طلبها، مختوما، موقعا من المستشفى الأزرق، وأفادت الشهادة أنها مريضة وغير صالحة للعمل لمدة ثلاث سنوات. وهنا دخل أبو الحارث، وكان طلبه عجيبا للغاية، كان يريد صكا وطنيا، شهادة تؤكد بأنه مناضل، شريف، مستنير، لا يضره بعدها ما فعل أو ما لم يفعل حتى!!قال البائع الأزرق ضاحكا: حدِّث العاقل بما يعقل يا خبيبي، فأنت لص، قاتل، خائن لأهلك، كنت ولا تزال زعيم عصابة، وتطلب صكا بالوطنية؟!! هز أبو الحارث رأسه، بمعنى أنه يعلم تاريخه جيدا، وأنه لا يزال مصرا على طلبه، لذلك بادره البائع الأزرق قائلا: لست أول حرامي يطلب صكا وطنيا، لكن طلبك مكلف للغاية، يحتاج الكثير من المال، فالشهادة وحدها لن تكفيك، نحتاج أن نجند كل وسائل الإعلام، والسحرة لأجلك، حتى تحظى بما تريد، هات 100 ألف دولار!دفع أبو الحارث المبلغ بسعادة، وعاد إلى كوكب الأرض مسرورا، فقد بدأت حملة التلميع حتى قبل أن يغادر الكوكب الأزرق، فالبائع الأزرق لا يلعب، وأبو الحارث يدرك ذلك جيدا، ففي الكوكب الأزرق كل شيء قد يباع، على هيئة شهادة، حتى الوطنية، طالما كنت تملك المال.

688

| 28 أكتوبر 2016

آي– عبدالمعطي

أخذ المخبر عبدالمعطي زاويته المعتادة في ذلك المقهى الشعبي، بعد صلاة المغرب، وارتدى كالمعتاد نظارة شمسية ليخفي معالم وجهه، ثم أمسك الجريدة بالمقلوب كما هو متوقع، وجلس في مكانه يتصيد الهمسات والضحكات، ويسجل التقارير. كان يظن أنه يؤدي عملا مقدسا، كما أنه كان واثقا من ذكائه وقدراته الفذة، فهو يجلس ذات الجلسة منذ 18 عاما، دون أن يكشف أمره أحد، وهذا إبداع وعبقرية يحسد عليها، فالكثير من زملائه بالمقاهي الأخرى تعرضوا للضرب أو الطرد.من جانبه أخذ المعلم خلدون، يتابع شؤون المقهى، ويأمر عماله بتلبية الطلبات، ويطارد بعينيه سحب الدخان الأبيض المتصاعد في سماء المقهى، نتيجة تدخين الشيشة، وبين الفينة والأخرى يضحك ضحكة طويلة رقيعة، وهو ينظر لعبدالمعطي، وكان يهمس مازحا لرئيس عماله : هذا الأحمق، حتى كلاب الشارع تفهم ما يقوم به، إلا أنه ساذج وغبي رغم شره.بالتأكيد!، الأعمى فقط ، هو الذي لن يدرك طبيعة رجل يرتدي نظارة شمسية، في مقهى مغلق، بعد غروب الشمس، ويحمل جريدة بالمقلوب، يعود تاريخ صدورها لأسبوع مضى على الأقل.لذلك اعتاد رواد المقهى على أن يجعلوه مدارا لسخريتهم ، وكانوا يسخرون منه على الدوام، من أمامه ومن خلفه، وكانوا يتنافسون في فبركة القصص الخيالية، والتي كان ينقلها حرفيا لمن يتابعون شؤونه في الأجهزة الأمنية، بل إنهم ذات مرة أخبروه عن شمشون القادم من الفضاء، والذي يسعى لإفساد الوطن، وكان لذكائه المحدود لا يدرك حقيقة الأمور، ويصدق!.وهكذا مرت الأيام على هذه الحال، القوم يمثلون، والرجل غارق في أوهامه، إلى أن دقت ساعة الحقيقة، وبدأ الزمن يتغير، رويدا رويدا لاحظ عبدالمعطي بأن الناس قد انشغلوا عنه، بأجهزة يحملونها في أيديهم، والأدهى من ذلك أن رؤساءه في العمل ما عادوا يلحون للحصول على تقاريره، بل يتجاهلونها، كما أن العديد من زملاء المهنة اختفوا فجأة!، ولفرط شعوره بالوحدة، أصابه الإحباط، فانتحر. حزن عليه رواد المقهى، وبكى المعلم خلدون قليلا، وكان لبكائه أسباب متباينة، أقل الأسباب أهمية كان الجانب الإنساني بالطبع، كان في الحقيقة خائفا من تعيين بديل شاطر، قد لا يتمكن من اكتشافه، وهنا الكارثة.مرت الأيام دون أن يأتي أحد بديل، وانشغل رواد المقهى كل ليلة بهواتفهم الذكية، والكمبيوترات اللوحية، والساعات الذكية، كانوا خلال هذه الوسائل يكتبون كل أفكارهم، وما يجول بخواطرهم.وحتى في هذا العالم الافتراضي كانوا يرتدون أقنعة متنوعة، فعلى الحوائط العامة كانوا يقولون رأيا قد يتفق أو يختلف، مع ما يقولونه ويتداولونه عبر الخاص، في غياب المخبر عبدالمعطي، بدا أن سقف الحريات قد ارتفع للغاية. ذات ليلة، وبدون مقدمات، دخل (آي–عبد المعطي)، إلى المقهى عبر الألياف الضوئية، تلفت قليلا من حوله، ثم طار في سماء المقهى، قبل أن يستقر في جلسته بالقرب من جهاز الواي فاي.خرج من رأس (آي-عبدالمعطي) هوائي صغير، اتصل بشبكة إنترنت المقهى، ثم أخذ (يشفط) كل المعلومات، ويسجل في قاعدة بيانات ضخمة كل ما يتداوله رواد المقهى، من كلام بالسياسة، والدين، والجنس، وحتى الرياضة، كان حسيبا رقيبا، يوثق كل ما يكتبون ويقولون، العجيب أن القوم استمروا في طمأنينتهم، حتى المعلم خلدون كان ينتقد الإمبراطور علانية عبر أحد تطبيقات الدردشة!!. والأعجب أن المخبر الجديد (آي–عبدالمعطي) كان شفافا، غير مرئي، وكان ينتقل عبر شبكات الواي فاي، والألياف الضوئية بسرعة الضوء، ويسجل البيانات بسرعة الضوء، ثم يحلل البيانات ويصنفها بسرعة الضوء، وكان رؤساؤه متى ما شاءوا يطلعون على المعلومات، دون أن يرجعوا له.أما أهل المقهى، والمدينة، وكوكب الأرض، فأصبحوا لا مبالين، والأسرار البسيطة التي كانوا يخفونها عن المخبر عبدالمعطي رحمه الله، كانوا يوثقونها اليوم، على هيئة بيانات ومعلومات لا تعد ولا تحصى، ويقدمونها لقمة سائغة للمخبر الجديد (آي–عبدالمعطي)، الذي لم يعرفوا حتى بوجوده.

594

| 20 أكتوبر 2016

alsharq
حدود العنكبوت

حينَ شقَّ الاستعمار جسدَ الأمة بخطوطٍ من حديد...

3573

| 04 نوفمبر 2025

alsharq
انخفاض معدلات المواليد في قطر.. وبعض الحلول 2-2

اطلعت على الكثير من التعليقات حول موضوع المقال...

2160

| 03 نوفمبر 2025

alsharq
العالم في قطر

8 آلاف مشارك بينهم رؤساء دولوحكومات وقادة منظمات...

2076

| 04 نوفمبر 2025

alsharq
حين يصبح النجاح ديكوراً لملتقيات فوضوية

من الطرائف العجيبة أن تجد اسمك يتصدر أجندة...

1266

| 04 نوفمبر 2025

alsharq
الكفالات البنكية... حماية ضرورية أم عبء؟

تُعدّ الكفالات البنكية بمختلف أنواعها مثل ضمان العطاء...

930

| 04 نوفمبر 2025

alsharq
نظرة على عقد إعادة الشراء

أصدر مصرف قطر المركزي في التاسع والعشرين من...

921

| 05 نوفمبر 2025

alsharq
خطاب سمو الأمير خريطة طريق للنهوض بالتنمية العالمية

مضامين ومواقف تشخص مكامن الخلل.. شكّل خطاب حضرة...

885

| 05 نوفمبر 2025

alsharq
نحو تفويض واضح للقوة الدولية في غزة

تسعى قطر جاهدة لتثبيت وقف اطلاق النار في...

876

| 03 نوفمبر 2025

alsharq
مِن أدوات الصهيونية في هدم الأسرة

ما من ريبٍ أن الحلم الصهيوني لم يكن...

843

| 02 نوفمبر 2025

alsharq
عمدة نيويورك

ليس مطلوباً منا نحن المسلمين المبالغة في مسألة...

690

| 06 نوفمبر 2025

alsharq
الانتخابات العراقية ومعركة الشرعية القادمة

تتهيأ الساحة العراقية لانتخابات تشريعية جديدة يوم 11/11/2025،...

675

| 04 نوفمبر 2025

alsharq
التعلم بالقيم قبل الكتب: التجربة اليابانية نموذجًا

لفت انتباهي مؤخرًا فيديو عن طريقة التعليم في...

675

| 05 نوفمبر 2025

أخبار محلية