رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

جمال الظاهر والباطن

المرء العاقل يعلم جيداً في قرارة نفسه أن أول ما يلفت نظرنا هو جمال الظاهر قبل جمال الباطن، في حين أن جمال الباطن يحتاج إلى وقت لنستبينه ونتعرف عليه لما جعل له الأهمية العظمى، بعكس الظاهر الذي يدخل عينيك وقلبك قبل أن يرتد إليك طرفك، فالله عز وجل خلق الإنسان في أحسن صورة، فالإنسان هو الكائن الوحيد في هذا الوجود الذي نفخ الله فيه من روحه، وقد كانت هذه النفخة الروحية الإلهية هي مناط التكريم الذي حظى به الإنسان، ومن اجل ذلك طلب الله سبحانه وتعالى من الملائكة ان يسجدوا لآدم تكريما له، ليس لأنه خلق من طين ولكن لأن الله قد نفخ فيه من روحه، فكان هذا التكريم الذي جعله للإنسان سببا في استخلافه في الأرض وتعميره لها ببقاء النوع الإنساني. والأمة تعيش في هذه الأوقات فتناً كبرى ومتغيرات خطيرة تعصف بنا كعصف الريح العاتية بالورقة اليابسة، فتنا تمر على العباد كقطع الليل المظلم، تتبدل فيها الأحوال وتتغير فيها النفوس وتضيق بها صدور أهل الحق، حتى يصبح فيها الحليم حيران، ولا عجب فقد اخبر الهدي النبوي بذلك بأنها ستكون فتن كقطع الليل المظلم قيل وما المخرج منها قال كتاب الله الكريم هو حبل الله المتين وصراطه المستقيم، فجمال الطبيعة هو منصة الانطلاق التي تدفعنا للتفكر في عظمة خالقها والنواميس التي وضعها فيها، ولو كانت الطبيعة موحشة كئيبة صماء لنفرنا منها ولما مارسنا عبادة التفكر. إن الحق رائع وجميل لكن إدراك ذلك لا يتم فورا لجميع الناس، فما كان للجمال الباطني للحق أن يظهر على نطاق واسع لولا أن قيض الله له هذه المحسنات الظاهرية، ومن ذلك جمال الشكل لدى البشر، فقد كان الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه أحسن الناس خلقة وأجملهم محيا، كما أوجب على المؤمن أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة، فهناك من بالغ صاعا وصاعين في الأمر وصار الجمال عنده جمال المظهر وحسب، وليعلم كل ذي عقل وفهم أن طاعة الله تعالى هي الأصل الذي جاءت به الشرائع السماوية جمعاء، ودعت إليه كل الديانات السماوية على لسان الرسل والأنبياء، الذين بعثهم الله عز وجل منقذين البشرية من الظلمات إلى النور، ووضعت لذلك أسس وشرائع من عبادات ومعاملات تقوم عليها سعادة البشرية، فبهذا الإيمان تستطيع هذه البشرية التي استخلفها الله تعالى في الأرض أن تعيش في سعادة وأمان ويتحقق لها الرخاء والطمأنينة، فإن بناء الرجال الذين تفخر بهم الأمة يقوم في حقيقته على الاهتمام ببناء النفس والعقل، فتفاوت الناس بالهمم لا بالصور، والله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم، وحتى يصل الإنسان إلى هذه المرتبة فإن عليه أن يعمل على استقامة صلته بنفسه وبالله وبالناس وبالعالم الذي يعيش فيه، فلا يشتغل المرء إلا بما يكسب به العلا ولا يرضى لنفسه بالهلاك، فإن الناس مختلفون في بناء أنفسهم وتأسيسها وتربيتها اختلافا بيّنا، يظهر ذلك جليا في اختلافهم في استقبال المحن والمنح، والإغراء والتحذير والنعم والنقم والترغيب والترهيب، والفقر والغنى فمنهم سابق للخيرات وهو من أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان، فربى نفسه على الطاعة والقربات وأدبها بالبعد عن المعاصي والملذات، فهذا لا تضره فتنة ولا تزعزعه شبهة ولا تغلبه شهوة، صامد كالطود الشامخ فهم الحياة نعمة ونقمة يسرا وعسرا، ثم اجتهد في التوازن بين هذا وذاك لأنه علم أن كل شيء بقدر وأن مع العسر يسر فضبط نفسه في الحالين، فلم يحزن على ما فات ولم يفرح بما هو آت، فتجده راضي النفس مطمئن الفؤاد، هذا هو السابق إلى الخيرات كريم النفس صافي القلب لا تزعزعه المحن ولا تؤثر فيه الفتن بل يزرع الخير ويجني الفوائد، فلا يوجد لدى الإسلام مشكلة مع جمال المظهر، المشكلة هي مع الفتنة والفتنة مكانها الجسد والقلب، والإسلام وضع ضوابط وقواعد للتعامل بينهما، فحمى بذلك الجسد والقلب معا أرأيتم أن الجمال ليس بالضرورة هو الفتنة، وإن كان بوابة أساسية له على اعتبار أن الجميل يلفت النظر لكن الإسلام سد الذريعة أمام ذلك بقواعد للتعامل تصون المجتمع، كما أن الانشغال بجمال الظاهر وحده جناية، فإن الخوف من الاعتراف بأهمية جمال الظاهر جناية عظمى لأنها تتبع سياسة التجنب وإيثار السلامة، ولأنها تأتي من عقل لا يريد أن يتطور ولا يريد أن ينضو عن نفسه بالأنماط التي غرسها المجتمع فيه، فجمال المظهر يملك جواز سفر دبلوماسيا يمكننا منه الدخول في حضرة جمال الباطن. [email protected]

4905

| 04 أغسطس 2016

فلنحافظ على أطفالنا

إن المجتمع الإسلامي له خصوصيات عامة حيث إنه يدعو لمكارم الأخلاق فتركيبنا الاجتماعي يختلف عن الغرب تماما، فنحن لدينا نوع من الانضباط الأخلاقي، ولست أقول إن الغرب ليس لديه أخلاق بل لديه أخلاق وقيم، وهذا أمر يقيني ولكن منظومته الأخلاقية تصدر عن رؤيته وتصوره تماما، كما أن لنا منظومة أخلاقية تصدر عن منظورنا ومفهومنا الذي ينطلق من منهج الغيب والذي يضبط سلوك الإنسان وعلاقته مع الإنسان، وعلاقة الإنسان مع الله والإنسان مع الكون والإنسان مع الحياة، فالخالق سبحانه وتعالى خلق الإنسان واستخلفه في الأرض ليؤدي رسالته في الحياة فينعم بما وهبه الله من نعم فالإنسان يعيش في هذه الدنيا بين حاجات يريدها وواجبات مفروضة عليه وأمنيات يتمناها وأحلام يسعى لتحقيقها وتختلف هذه الغايات والأهداف من شخص لآخر لعوامل عديدة كالبيئة والمجتمع والأسرة؛ فإن الإيمان بأن كل مولود يولد على الفطرة ليس مسألة حفظ بالجنان وتلويك باللسان بل هو تصور عقدي ينبني عليه التزام عملي تربوي ثابت فالانحراف عن هذا التصور يجعل سلوكنا تجاه أبنائنا منذ البداية محكوما عليه بالفشل الذريع، إذ يجب علينا الاعتقاد بأن الله تعالى قد منح الطفل من الملكات الفطرية والقدرات الأولية وبذلك التصور سيتحدد نوع تدخلنا في كيانه والذي يتجلى في وظيفة محددة هي الإنضاج والتنمية، فوظيفتنا تجاه الطفل هي تقديم يد المساعدة للطفل حتى ينضج تلك الملكات وينمي تلكم القدرات. وقد يجد الوالدان صعوبة في التكيف معهم والتعامل مع كافة متطلباتهم في هذه الحياة ولكن لا يتم ذلك إلا بإشاعة المودة والصراحة والصدق والأمانة وتعزيز الثقة بالنفس فمتى كانت هذه المادة قوية متماسكة كانت جودة هذه اللبنة بقدر هذا التماسك ومتى كانت رخوة طرية كانت هذه اللبنة معيبة لا تصلح للبناء، فالولد في حال الطفولة مستعد أن يتقبل كل توجيه وهو في هذه الحالة سيستوعب كل شيء أمامه ويختزنه في ذاكرته ثم يقلده، والطفل كيان إنساني سليم وليس حالة خاضعة لنظريات تربوية قد تخطئ أو تصيب، فالأطفال هم سمة الحياة والشيء الجميل فيها فهم يزينون الحياة بالبهجة والسعادة والتطور لأنهم حماة المستقبل الواعد الذي سيأتون إليه بهمتهم ونشاطهم وحركتهم الدائمة التي تملأ البيت حبورا وسرورا فطفلك الصغير هو مليكك المتوج في مملكة حياتك، لأن ذلك من فطرة الله تعالى التي فطر الناس عليها فهم زينة الحياة الدنيا فمع التطور التكنولوجي والتقنية الحديثة وسرعة نمو تقنية المعلومات تغيرت بعض هذه الأهداف والغايات منها للأفضل والآخر للأسوأ لذلك أصبح للمحطات الفضائية تأثير كبير على العادات والقناعات والأفكار وهذا التأثير أدى إلى تغير هذه الغايات والأهداف واستغل أعداء الفكر السليم هذه المحطات فأصبح يغزو أبناءنا وأطفالنا ويحاربهم عن طريق المسلسلات والأفلام الكرتونية التي نعتقد أنها مفيدة لأطفالنا وأنها لشغل أوقات الفراغ والترفيه عن النفس ولكنها في الحقيقة تحمل في طياتها العديد من الأهداف غير المباشرة والتي تؤثر على عقول أبنائنا الباطنية فينحرف سلوكهم وتتغير وجهتهم وتسوء أفكارهم مما يكون له الأثر السلبي في تكوين الطفل ومعتقداته وهي في الأساس حرب على العادات سواء العربية أو الإسلامية فيزرعون الخيال في عقول النشء مثل كلام الحيوانات وكيف يطير الإنسان ؟ وكيف يتحول لوحش ؟ وكيف يطلق طاقات يفجر من خلالها الكواكب ويحرق الأعداء ويعيد الأموات للحياة وغيرها من الخرافات والخيالات وعلى صعيد الأفلام والمسلسلات يصورون العديد من الشخصيات والأفكار الدخيلة على مجتمعاتنا العربية بأنها واقعنا وعاداتنا ويطلقون عليها اسم الحرية وهي في الأساس حملات على العادات العربية لا يستخدمون فيها الأسلحة وإنما يستخدمون فيها سلاح إرسال الرسائل السلبية للعقول فعندما أرادوا محاربة الحجاب جعلوا أبطال أفلامهم منزوعي الحجاب لنشر الفتنة لدى الشباب العربي وبداعي الحرية وللأسف الشديد فهناك غزاة للفكر العربي من أصلٍ عربي وهؤلاء خطرهم أشد فشبكة المعلومات الإنترنت تعتبر الآن من أقوى مصادر وقواعد الغزو الفكري فبسهولة يستطيعون التأثير على مرتادي هذه الشبكة بوضع صور مخلة وإعلانات مدمرة ومواقع إباحية وهناك العديد من الوسائل الأخرى التي تخدم أهدافهم وقد علمنا الهدي النبوي أن الطفل يولد على الفطرة السليمة ولكننا نؤثر عليه بالمعلومة والصورة المزيفة والتي تجعله هشا ضعيفا وأن الإنسان إنما يخرج عن مقتضى فطرته بمؤثرات خارجية من تربية وبيئة وتعليم فكذلك ما يتعرض له الإنسان من انحراف في فطرته هو بتأثير خارجي ينبغي علينا أن نعي خطورته ونحفظ عقول أطفالنا ليكونوا رجال المستقبل.

490

| 30 يوليو 2016

لا تقتلوا البيئة!!

إن المحافظة على نظافة البيئة يعكس أخلاق كل فرد منها والمحافظة عليها مهم ليعكس وجه حضارتنا المشرقة ويبرهن على عظيم الأخلاق، فالبيئة هي المكان المحيط بنا وهي المكان الذي نعيش فيه، وقد من الحق سبحانه وتعالى بفضله العظيم على كثير من عباده مما جعل لهم القبول في الأرض، فاهتدوا بنور الإيمان وعملوا على تنفيذ الأركان وسعوا لنيل عظيم الجنان عند الملك العلام، لذا يجب علينا أن نحافظ على الحي الذي نعيش فيه وأن نحميه من الأمراض ونواجه أخطار التلوّث بنشر الوعي بين أفراد المجتمع، ولنفعل كل ما هو في استطاعتنا للحد من هذه الملوثات، ويجب على كل عاقل أن يحافظ على الحي الذي يعيش فيه وأن نحميه من الأمراض، فقد يسبب التلوث أمراضا لا يمكن السيطرة عليها، فإن المجتمع الإسلامي مجتمع نظيف في مظهره طاهر في مخبره والمسلم فيه يحثو السير إلى الارتقاء المادي والنفسي، لذا فديننا الحنيف بهديه العظيم وآدابه السامية وخلقه الرفيع كما يدعو إلى جمال الهيئة والمحافظة على النظافة الشخصية،فانه يدعو إلى جمال الطبيعة والمحافظة على البيئة السليمة التي تصلح لحياة الإنسان وراحته،وبالمحبة بين الناس يكون هناك ترابط ويكون تعاون بمعنى الكلمة تعاون يفيد مصلحة الجميع ويعمل على إيقاف التلوث، ويجب أن ننشر الوعي الصحي بين الناس وأن ننبه أطفالنا إلى الحفاظ على البيئة فهذا واجب وطني. فلقد أصبحت مشكلة تلوث البيئة خطرا يهدد الجنس البشرى بالزوال بل يهدد حياة كل الكائنات الحية والنباتات ولقد برزت هذه المشكلة نتيجة للتقدم التكنولوجي والصناعي والحضاري للإنسان ويشمل تلوث البيئة كلا من البر والبحر وطبقة الهواء التي فوقها وهو ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون )الروم:41،و لكي نبدأ فيه وننشىْ حضارة جديدة نظيفة ومن هنا يتضح لنا أن الحرص على حياة الإنسان وسعادته لهو أسمى مقاصد الشريعة، أما ما نراه من سلوك اجتماعي سيئ من الناس في بعض المناسبات الطيبة التي جعلت لهم أعيادا وأفراحا وهم يخرجون في صحبة أسرهم وأطفالهم للفرح والمرح والتنزه والتلذذ بجمال الطبيعة التي خلقها الله عز وجل للإنسان ليستمتع بها، ولكن يحول هذا الاستمتاع إلى مناظر تسيء لنا كمسلمين وتلوث الطبيعة وتسيء للأمة جمعاء عندما نرى بعض الناس من مواطنين ومقيمين وبعد الانتهاء من تمتعهم وتنزههم لم يكلفوا أنفسهم بنظافة المكان الذي جلسوا فيه، بل الأدهى والأمر أن يقوموا برمي المخلفات في الشوارع العامة،عندما يكونون متوقفين عند إحدى الإشارات الضوئية في احد شوارع عاصمتنا الحبيبة النظيفة بصورة يحق لكل كمواطن ومقيم الفخر بها، وفجأة ترى صاحب المركبة التي أمامك يرمي قصاصات الورق والأكياس المحملة بالمخلفات في الشارع، وبالنظر إلى صاحب هذا السلوك المشين تجده وكأن لسان حالة يقول وهو عابس الوجه هناك بلدية ولها عمال نظافة،فهيا لنعطيه درساً مهذبا عن النظافة ونبين له أن ديننا الحنيف يحثنا عليها ورسولنا الحبيب عليه الصلاة والسلام يعلمنا أن النظافة من الإيمان وأن إماطة الأذى عن الطريق صدقة، فكيف بك يا أيها المسلم وأنت ترمي الأذى بالطرقات؟ ألم تعلم أن هذا إهدار للمال العام بطريقة غير مباشرة، فإماطة الأذى عن الطريق شعبة من شعب الإيمان، وقد اعتبر هذا العمل الخفيف الجليل من أمور العبادات التي يجب على المسلم أن يهتم بها مثلها مثل الصلاة والصدقة وغيرها من العبادات، لذا من الضروري علينا كأمة مسلمة الرجوع إلى منهج الله تعالى في تغير الأنفس حتى تتغير الأحوال وتطهير القلوب حتى تطهر الأجواء فقد دعا الإسلام إلى المحافظة على البيئة نظيفة طاهرة من كل تلوث بدءا من النهى عن التبول في الماء أو التبرز في الطريق العام حتى في الظل،فإذا تدبرنا آيات القرآن الكريم ونصوص السنة النبوية الشريفة نجدها زاخرة بكل ما يدعو إلى النظافة والطهارة وجمال الكون والنفس، ويجب على جميع المجتمعات البشرية ان تتعاون من أجل الحفاظ على سلامة البيئة، ومن أجل حماية الإنسان من التلوّث ومن أجل أن يأتي أطفال اصحاء وسعداء بمجتمعهم، ومن أجل الاستقرار والسلامة لجميع أفراد الأمة، ويجب أن يحافظ الإنسان عليها جيدة حتى يضمن الحصول على بيئة جيدة كما انها تبرهن على حسن العلاقة بين العبد وربه، إذا كان العبد في طاعة الله فإنه سيلقى بيئة جيدة وحياة جيدة، فلا تقتل البيئة كي لا تقتلك. الحشرات وتكون مصدرا للعلل والأمراض.

2779

| 21 يوليو 2016

الجفاف العاطفي في الأسرة

إن العواطف الصادقة تحرك الجبال قبل النفوس وتوجه كثيرا من سلوكياتنا إما إلى السعادة الحقيقية أو إلى الشقاء والعناء الذي لاتحتمل معه الحياة، بل تدير منازلنا ومؤسساتنا شئنا أم أبينا، ولذلك ينبغي أن نهتم بالعاطفة ونحركها نحو الأفضل، فكلمات الحب الهامسة ولمسات الأبوة الحانية وقبلات الأم الدافئة، تلعب دورا ملموسا في تربية الأبناء، فالنفس البشرية عميقة وتحتاج إلى جهود كبرى لفهمها والتوصل إلى المعاملة المثالية معها، فلقد أدرك الغرب أنه تقدم كثيرا في مجال المادة والتقنية والصناعة، ولكنه فشل في إدراك أسرار هذه النفس البشرية التي حار الفلاسفة على مر العصور في فهمها، ولكن هدي الإسلام بينها لنا في تعاليم النبي صلى الله عليه وسلم للمجتمع الإسلامي، عندما جاء الأقرع بن حابس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآه يقبّل الحسن بن علي رضي الله عنهما، فقال الأقرع: أتقبّلون صبيانكم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبّلت واحدا منهم قط، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "من لا يرحم لا يرحم" متفق عليه. فالأسرة هي التي تتلقى الطفل منذ نعومة أظفاره ومنذ أن يفتح عينيه على النور وهي الوعاء الذي تتشكل داخله شخصية هذا الطفل تشكيلا فرديا سلوكيا واجتماعيا، كما انها المكان الأنسب الذي تطرح فيه أفكار الآباء والكبار ليستطيع الصغار تطبيقها على مر الأيام من خلال تنشئتهم في الحياة، فهي أول جماعة يعيش فيها ويشعر بالانتماء إليها، ويتعلم منها كيف يتعامل مع الآخرين في سعيه لإشباع حاجاته وإقامة العلاقات التعاونية بين الناس، ولها يرجع الفضل في تعلم الإنسان واكتساب المهارات والقيم وقواعد الآداب والأخلاق، فعندما تسأل أحدا من الناس عن أنه يحب زوجته وأولاده لا يختلف بل يكاد يجزم أن المحبة واقعة بينهم، ولكن أين التعبير عن الحب، لا تجده ملموسا بين الزوجين وبين أفراد الأسرة ككل، للأسف تجد بعض بيوتنا صحراء قاحلة يختفي بين أفرادها عبارات الحب الهامسة والبسمة الشافية، فما نجد إلا جفافا في المشاعر وقسوة في العبارات التي غالبا ما يصحبها صوت عال بالمنزل بين الأزواج، وبين الأولاد وبين الآباء وأولادهم، فاضطراب الحياة المعاصرة وتشعباتها وتوترها وقلقها أدى إلى كوارث في هذه الحياة أولها انتشار الطلاق، وهدم البيوت وتشريد الأطفال وتكوين أجيال من الشباب والفتيات الذين لم يعيشوا حياة أسرية مستقرة، فتوجه منهم من توجه إلى الجريمة بأنواعها والمخدرات وضياع الوقت، فلكل مجتمع عاداته وقيمه وأمثلته الخاصة به وهي تشكل الركيزة الثقافية التي يعتمد عليها، لذلك تعد الأسرة السعيدة اللبنة الأساسية في أي مجتمع، لذا فإن التعرف على الأبعاد الأساسية السائدة داخل الأسرة يعطينا مؤشرات واضحة نحو أساليب اكتساب القيم والعادات والمحافظة على المعتقد الديني وانتقاله من الآباء إلى الأبناء لينساب بشكل طبيعي بعيدا عن التعنت وأنماط الضغط في التربية لاكتساب هذا المكون الأساسي، فكم من مشكلات أسرية قامت بسبب كلمات جارحة وصرخات غامضة على أمور تافهة، حتى وصلت في بعض الأسر الى تقاطع الأرحام والتفكك الأسري بل وامتدت إلى القطيعة والهجر، إنه الجفاف العاطفي، أين لو سمحت مثلا وأحبك والسلام عليكم والكلمات المعبرة عن صدق وتسامح ومودة، فمن المؤسف أن تسمع من الأبناء أمي لا تحبني ولا تعلمني شيئا إلا بصوت عال ولا تقبلني إلا في العيد، وأخرى زوجي لا يحبني، وآخر والدي لا يحبني، نعم الحب موجود لكنه غير ملموس والتعبير عنه مفقود، فمن الأفضل والأحسن أن نتدرب عليه ونتفق مع أبنائنا على ممارسته قبل النوم وبعد الاستيقاظ وعند الخروج من المنزل او الدخول اليه، فليس أجمل من أن أهمس في أذن ابنتي وهي على فراشها أحبك مع طبع قبلة على جبينها، وما أجمل أن أودع ابني وهو ذاهب إلى الصلاة بقبلات ودعوات يسمعها مني، وعند عودته احتضنه ليس كل مرة ولكن لتكن ضمن جدولنا اليومي، فالأسرة المتمثلة في الأبوين هي المسؤولة عن بث روح المسؤولية واحترام القيم، وتعويد الأبناء على احترام الأنظمة الاجتماعية ومعايير السلوك فضلا عن المحافظة على حقوق الآخرين واستمرارية التواصل ونبذ السلوكيات الخاطئة لدى أبنائها، مثل التعصب الذي يعده البعض اتجاها نفسيا جامدا ومشحونا وانفعاليا، وكذلك ظواهر أخرى تعد محرمة دينيا، أو التقرب منها يعد عدوانا على حقوق الغير، فإشباع حاجات الأبناء من قبل الأبوين يخفف إلى حد ما من درجات التناقض في التربية، فضلا عن تحقيق التماسك الأسري واستقراره، حيث بالإمكان أن يسود جو من العاطفة الصادقة الخالية من التشاحن والخلافات.

4582

| 15 يوليو 2016

وا فرحتاه

إن أيام العيد تجمع في طياتها الفرح والحب في آن واحد، وعيد الفطر الذي يأتي عقب صوم شهر رمضان الذي نزل فيه القرآن الكريم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ويَرى فيه المسلمون فرحة كبيرة منحها الله لهم، في أعقاب صوم شهر كامل قاموا فيه بعبادة الله بطرق مختلفة، منها تلاوة القرآن والصلاة في المساجد، أو بالذهاب إلى أداء مناسك العمرة، فيا فرحتاه لعبد خرج من هذه الأيام مغفورا له، ثم جاء عليه العيد ليفرح مع أهله وجيرانه، فإن الأعياد من خصائص المجتمعات والحضارات، وجزء مهم من نسيجها الثقافي، لذا عندما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وجد الناسَ يحتفلون بأيام جعلوها لهم عيداً فقال لأصحابه، إن الله أبدلكم بهم يومين يوم الفطر، ويوم الأضحى، أعياد فرح وسرور وتواصل ومحبة ومودة، فقد شرعت الأعياد في الإسلام لحكم سامية ولمقاصد عالية، فالعيد فرصة للفرح ولتقوية الروابط الاجتماعية، ولتجديد قيمة التواصي بالحق والتواصي بالمرحمة، فيا فرحتاه لمن وصل رحمه وتصالح مع نفسه، ومع الناس وطهر قلبه من الغل والحقد وامتلأ قلبه بالرحمة، فإن المناسبات السعيدة والأعياد تزيد من التواصل والتراحم وصفاء النفوس، فإذا كان هناك بعض الشوائب العالقة في علاقات الناس بعضهم وبعض، ففي مثل هذه الأيام المباركة يجد المسلم مجالا رحبا لنبذها والقضاء عليها، من خلال التقاء المسلم بأخيه، ومن خلال المودة والقرب بين كل أفراد المجتمع. فالعيد لأمة الإسلام يوم لباس وزينة وتجمل، وموسم سرور وفرح، ولذلك تجد الناس في العيدين يطعمون الفقراء حتى لا يبقى بيت أهله جياع، ولعل من فضل الله على المجتمعات الإسلامية، فوَا فرحتاه للناس الذين يخرجون زكواتهم ويزيدون من صدقاتهم في مواسم الأعياد، حتى يجد الفقراء ما يشترون به الجديد والأنيق من الثياب والملبوسات، فلا تحزن قلوبهم بتميز أحد عليهم أو بتخلفهم عن عادة عموم الناس، فقد تكرم الله سبحانه وتعالى على عباده المؤمنين؛ بأن شرع لهم الأعياد، ففي العيد تتجلى السلوكات الطيبة والأخلاق الحميدة، فيسارع الناس إلى تبادل التهاني بقدوم العيد، ويتصالح المتخاصمون، وتنعقد مجالس الحب والتراحم والمودة، وتزول الأحقاد من النفوس، فتتجدد العلاقات الإنسانية، وتقوى الروابط الاجتماعية وتنمو القيم الأخلاقية، وتعلو قيمة التآخي والتعاون والبذل والعطاء والجود والكرم والتراحم والتعاطف، فإن هذا المعاني الاجتماعية النبيلة ينبغي علينا الاتصاف والتحلي بها، ومجانبة البذخ والترف، يأتي العيد ليكون مناسبة لطيفة كريمة تعود فيها البسمة إلى الشفاه والفرحة إلى القلوب، ويتجلى فيها كرم الضيافة وخشوع النفوس واطمئنانها بالشكر والحمد والثناء، وإسعاد الأقارب والأرحام فيزداد البر والصلة وتتقارب النفوس وتتآلف القلوب، فوَا فرحتاه لمسلم يغتنم أيامه ولياليه في طاعة الله تعالى، فيبقى له العمل الصالح الذي يصعد إلى الله، فيكون حجة له يوم القيامة يدافع عنه ويكون وسيلة لنيل أعلى الدرجات عند الله تعالى، وبمدى قربك لله تعالى وامتثالك أوامره والإذعان له بالطاعة في كل وقت وحين، والإكثار من الذكر لله تعالى في كل أوقاتك تستثمر أيامك في ذكر الله، والتقرب إليه، فما أفضل الطاعة لله تعالى في أيام مباركة، ولكن الأجمل والأحسن المداومة على هذه الطاعات والقربات والإكثار من الذكر والاستغفار وكثرة الإنابة إلى العزيز الرحمن، فمثل هذه الصفات الحسنة بين الناس في المجتمعات المسلمة تسهم كثيرا في توطيد أواصر المحبة والوئام بين الناس، فمن جملة البر والإنفاق الذي يعد من أهم ما يمتاز به المجتمع الإسلامي، الذي يقوي أواصر الترابط والتعاون، ويعد من أسمى منازل الرفعة والفضيلة فوَا فرحتاه بالتهنئة التي يتبادلها الناس، فيما بينهم والتصافح والتآلف والتآخي، ووَا فرحتاه بإدراك رمضان وبلبس الجديد وشهود الصلاة، واجتماع ودعوة المسلمين، ووَا فرحتاه بالتكبير والاقتداء بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم بالصيام والإفطار، ووَا فرحتاه بتمام النعم واستكمال الشهر، ما يوجب شكر الله تعالى على نعمة الصيام والقيام، ووا فرحتاه لمن صام لأنه فرح عند فطره، وسيفرح عند لقاء ربه، فيا فرحتاه للصغار والكبار؛ لأن الفرح بذاته فطرة، ولذا فرحت عائشة رضي الله عنها في العيد، وقامت تنظر إلى الحبشة، وهم يلعبون في المسجد، والنبي صلى الله عليه وسلم يتكئ لها لتنظر من ورائه، وذلك لإدخال السرور عليهم بفعلها، فلا يحسن بأمة أن تحتفل بما يغضب خالقها في يوم عيدها وفرحها، خاصة مع توافر النعم وكثرة المنن من الله سبحانه، المنعم المتفضل بكل حال والمستحق للشكر دوماً.

1129

| 09 يوليو 2016

التراحم في العيد

إننا نسعد بفرحة العيد ففي العيد نعطف على الفقير ونزور المريض ونسعد الوحيد، فالعيد له أكثر من معنى في النفوس وكل شخص يصف العيد بطريقته ويعبر عن مشاعره التي يشعر بها، فلقد جاء يوم العيد يوم الخروج من الزمن إلى زمن وحده لا يستمر أكثر من يوم، زمن قصير ظريف ضاحك، يشرعه لنا ديننا الحنيف ليكون لهم بين الحين والحين يوما طبيعيا في هذه الحياة التي انتقلت عن طبيعتها، يوم السلام والبِشْر والضحك والوفاء والإخاء، وقول الإنسان للإنسان وأنتم بخير، يوم الثياب الجديدة على الكل إشعارا لهم بأن الوجه الإنساني جديد في هذا اليوم، يوم الزينة التي لا يراد منها إلا إظهار أثرها على النفس ليكون الناس جميعا في يوم حب، يوم العيد يوم تعم فيه الناس ألفاظ الدعاء والتهنئة مرتفعة بقوة إلهية فوق منازعات الحياة، ذلك اليوم الذي ينظر فيه الإنسان إلى نفسه نظرة تلمح السعادة، وإلى أهله نظرة تبصر الإعزاز وإلى داره نظرة تدرك الجمال، وإلى الناس نظرة ترى الصداقة ومن كل هذه النظرات تستوي له النظرة الجميلة إلى الحياة والعالم فتبتهج نفسه بالعالم والحياة، وما أسماها نظرة تكشف للإنسان أن الكل جماله في الكل.فالصيام مسؤولية عظمى يشترك فيها أفراد المجتمع إنها المسؤولية التي تمسك بناصية كل فرد في المجتمع الإسلامي، فما تجد أحدا فيه إلا مسؤولا عن جانب من جوانبه ذلك أن الحياة في نظر الإسلام جد وعمل و بناء، يتطلب من كل فرد في المجتمع أن يكون مسؤولا وليست هزلا و فراغا و لهوا، فنهاية شهر رمضان الكريم دقت أجراسها فمن المفترض أن تكون الأسر قد اجتهدوا في العبادة ومضاعفة الجهد في قيام الليل وقراءة القرآن والتهجد والذكر والتسبيح،علها ترزق ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر إن العشر الأواخر من رمضان فيها ليلة القدر وهي خير من ألف شهر،فلكل شيء نهاية وخير كل شيء في آخره إذ فيه تدارك ما فات بالاستكثار مما هو آت وكذلك رمضان فخيره في أواخره ولذلك كان للعشر الأخير منه خصائص ليست لغيرها من الأيام، فلقد خلق الله عز وجل الإنسان لغاية وأسمى هذه الغايات العبادة فهكذا الأيام تمر و الليالي تنقضي وقد جعل الله عز وجل لنا في أيام دهرنا نفحات وأمرنا بالتعرض لها لعل أن تصيب أحدنا نفحة فلا يشقى بعدها أبدا ،فالعاقل من اغتنم الأيام والليالي وعمل ليوم تشخص فيه القلوب والأبصار وراقب بعمله العزيز الغفار وعلم أن رب رمضان هو رب غير رمضان ،فأطاع الله عزوجل في كل الأحوال فهو بذلك عند الله من الفائزين ،إن الإنسان يستقبل عيد الفطر بالفرح والسرور فلقد أذن الله سبحانه وتعالى لرمضان بالرحيل فدوام الحال من المحال، و ربح فيه المسلم الذي أدرك سرائر الصيام فخرج من هذا الشهر وقد غفر الله له ذنوبه مصداقا لهدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي يعلمنا أن من صام رمضان إيمانا وإحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه، فإن ما رأيناه في رمضان ليثلج الصدور ويفرح القلوب مساجد ممتلئة بالمصلين والذاكرين لله تعالى والقارئين لآيات القرآن الكريم ،قلوب عمرت بالإيمان فتقربت إلى الواحد الديان ترجو رحمته وتخشى عذابه ولهجت الألسن بالدعاء والرجاء ،وامتدت الأيدي بالإنفاق والإحسان الكل يطمع في مغفرة الذنوب وتفريج الكروب شيء مفرح أن يتعرض المسلم لنفحات الله تعالى لعل أن تصيبه نفحة فلا يشقى بعدها أبدا.

2657

| 05 يوليو 2016

الرحمة ليلة العيد

أقبل العيد علينا، وها نحن نستعد له باكرا لشراء ما لذ وطاب من المأكل والملبس، بل حتى ما ليس بالضرورة نقوم بشرائه، بالمقابل هناك من يبحثون عن العيد ولا يجدونه.. اسألوا الأسر الفقيرة عن العيد، اسألوا الأطفال الفقراء عن ثوب العيد، وإذا لم يعرفوا الإجابة اسألوهم عن أجسادهم لماذا هي نحيلة، تريدون أن تشعروا قليلا بإحساس هؤلاء الفقراء في صباح ومساء العيد عندما تفقدون حبيبا أو قريبا ماذا تصنعون هؤلاء الفقراء كل سنة يفقدون العيد هل سنعطيهم ولو القليل، لماذا لا ندع حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ينطبق علينا ""مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاضدهم كمثل الجسد الواحد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى""، فقد نزل القرآن الكريم للبناء والعطاء لبناء الإنسان الخير السوي وعطاء الحضارة الندية السخية وإن بعد الناس عنه فسيصيبهم الله بالخزي والعار والتأخر وعدم التقدم، لأنه جاء للإنسان ومن أجل تربيته على حب العطاء والإنفاق، وإن أي فكرة لا تتصل بالإنسان وأي عقيدة أو مبدأ لا يتوجه للإنسان بخير أو ضر لن يكون لها في البشرية صدى ولن تعمر طويلا من المدى.وإن من أعظم الأفكار التي كانت تصاحب البشرية على امتدادها هي تنشئة الإنسان تنشئة صحيحة وتربيته تربية سليمة قويمة، فقد نغفل فتغيب أفكارنا نحلم فنهيم في الخيال نسرح ونمرح وننسى من حولنا نبتسم حين تحيط بناالسعادة، ننسى الألم نسرح في عالم النسيان ننسى أن هناك ألما في قلب فقير وقد لا تكون ضمائرنا ميتة ولكنها راقدة مع النسيان، أمر غريب حقا حين يرى الشخص حال غيره وفقرهم وحاجتهم الملحة للمساعدة، سيعرف جيدا عندها أنه غني حتى وإن كان هذا الشخص لا يملك سوى راتبه الذي سوف ينـتهي قبل نهاية الشهر، لأن غيره لا يملك راتبا لـينتهي ولا خاطرا لـيعيش، صدقوني يريدون ولو القليل منــا لأن القليل بالنسبة لهم لقمة عيش، فإن شهر رمضان هو شهر القرآن، فرض الله عز وجل علينا صيامه وسن لنا النبي صلى الله عليه وسلم قيامه، فهو ركن حصين من الأركان التي بني عليها الإسلام، فالمرء يغتنم شهر رمضان ليكثر من أعمال البر والخير والتي تكون في ميزان حسناته يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. وليتذكر المسلم أن الله عز وجل فرض علينا في رمضان صدقة الفطر والتي شرعها الله عز وجل طهرة للصائم من اللغو والرفث وصغائر الذنوب وطعمة للمساكين، كما علمنا الهدي النبوي بأن نغنيهم في مثل هذه الأيام، فلا يسألوا الناس في أيام العيد. فالإسلام دين يقوم على البذل والإنفاق ويضيع عند الشح والإمساك، ولذلك حبب إلى بنيه أن تكون نفوسهم سخية وأكفهم ندية، ووصاهم بالمسارعة إلى دواعي الإحسان ووجوه البر، وأن يجعلوا تقديم الخير إلى الناس شغلهم الدائم لا ينفكون عنه في صباح أو مساء، ومن هنا يزداد الإنسان كرما كلما ازداد من الله قربا، وكلما استشعر ما أعده الله من نعيم للكرماء الأسخياء الباذلين في سبيله ازداد سخاء وبذلا وكلما قويت صلته بـالله ازداد شعوره بثمرات الكرم عمقا وزاد عطاؤه امتدادا وسعة، فلقد كان الهدي النبوي حريصا على تأصيل فضيلة الكرم في نفوس المسلمين، وجعلها من الفضائل التي يتسابق المسلمون إلى التحلي بها والتنافس فيها فنتراحم فيما بيننا ونزداد قربا من ربنا ونطمع في جنة عرضها السموات والأرض، فلقد بين لنا نبينا صلى الله عليه وسلم فضل الإنفاق والتصدق في سبيل الله وثماره وآثاره وأن الصدقة لا تنقص المال بل تزيده بما يحصل فيه من بركة الإنفاق والعطاء.

560

| 04 يوليو 2016

الرحمة بالمخطئين

إن من طبيعة البشر التي لا مهرب منها أنهم يخطئون فكل ابن آدم خطَّاء وخير الخطائين التوابون ،وإذا كان الخطأ متوقعا بهذه الصورة من كل إنسان فلابد من وجود منهج ثابت في الشرع الحكيم لمواجهة أخطاء البشر وجيل الصحابة هو أفضل أجيال الأرض بل شهد لهم رب العالمين سبحانه وتعالى في أكثر من موضع في كتابه الكريم،" رضي الله عنهم ورضوا عنه " ولكن ليس معنى ذلك أن الصحابة ليسوا بشرا، أو أنه لا تجري عليهم أحكام البشر التي تجري على عامة الناس ومنها وقوع الخطأ نعم الخطأ في حقهم قليل وأخطاؤهم تذوب في بحار حسناتهم، إلا أنها في النهاية موجودة وكان للرسول صلى الله عليه وسلم منهج واضح ثابت في معالجتها وإن شئت أن تقول هذا المبدأ في كلمة واحدة فستكون هذه الكلمة هي منهج الرحمة، فالإيجابية لها تأثير ثنائي الأبعاد فهي عامل مشترك يقع دائما بين الفرد والمجتمع، فهناك ما يسمى بالإيجابية الفردية والتي تشتمل على الارتقاء بالنفس وتطويرها والثانية الإيجابية الاجتماعية أو الجماعية وهى قدرة الفرد على التفاعل مع قضايا مجتمعه والمشاركة في الأحداث وصنع القرار فأكثر ما يعاني منه مجتمعنا كون أكثر أفراده يعانون من السلبية سواء في إدراك الأمور أو التعامل معها أو في ردات الفعل تجاهها ،فلابد وأن يكون الهدف من تصرفاتنا النظرة إلى النتيجة المتحققة وما هو التصرف الذي يحقق المصلحة.عندما نعي هذا الأمر سوف تتحول تصرفاتنا وردات أفعالنا بشكل كبير للأفضل وسوف نتحكم بمشاعرنا لأن همنا ليس تحقيق مصلحة ذاتية وقد يتعجب إنسان من أن يكون منهج علاج الخطأ هو منهج الرحمة، لأن الذي يقفز مباشرة إلى الذهن عند الحديث عن الأخطاء هو العقاب، وليس الأمر كذلك على الدوام، بل كان الكثير من الأخطاء يعالج عن طريق الابتسامة والتوجيه والنصح والتعليم قبل أن يأتي عقاب أو شدة، وبينما كان النبي صلى الله عليه وسلم جالسا ذات يوم بين أصحابه في مسجده، إذ دخل أعرابي فصلى ركعتين ثم قال: اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا، فقال رسول الله: لقد حجرت ( ضيقت ) واسعا، ثم ما لبث أن عرضت له حاجته فتنحى وتبول في ناحية من المسجد، فثار إليه الصحابة ليقعوا به بسبب هذه الفعلة الشنيعة وهو الذي دعا عليهم قبل قليل بالحرمان من رحمة الله، ثم هو لا يدرك حرمة المساجد ،فرأى النبي هبة الصحابة في وجه الأعرابي، وأدرك أن مثل هذا الأعرابي جاهل بأحكام المساجد غير قاصد هتك حرمتها، فقال: لا تزرموه دعوه وذلك حتى لا يتأذى بحبس بوله وانقطاعه، وأرشدهم إلى حل بسيط تصغر بمثله كل مشكلة مهما كبرت في عيون أصحابها، فقال: هريقوا على بوله سجلا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين ثم لما أتم الرجل حاجته دعاه رسول الله صلَّى الله عليه وسلم فقال له موجها وناصحا: إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن، وفي هذا الحديث يظهر لنا الرفق بالجاهل وتعليمه ما يلزمه من غير تعنيف ولا إيذاء، وكيفية التعامل مع المخطئ، أولها الدعاء له والحنو عليه والسماح له بالتعبير عن كوامنه، واستجاشة الخير الذي لا يخلو منه قلب خاطئ أبدا، وفيها دعوة لنراجع أنفسنا، في التعبير عن ضجرنا من أخطاء أبنائنا وأصدقائنا، فالسب والشتم الذي نكيله للمخطئين لن يكون سببا في إصلاحهم وتهذيب سلوكهم وتعريفهم بأخطائهم، فالإنسان الإيجابي درجة ينسى فيها نفسه ومشاعره ويكون همه الآخرين وإصلاح المجتمع بقدر ما يستطيع ،إنه ارتقاء بالنفس لمنزلة عليا والسمو بالروح إلى خارج نطاق الإطار البشري المحدود وخارج القيود الأرضية الضيقة.

2326

| 03 يوليو 2016

الرحمة بالعاملين

إن الرحمة إذا كانت من الله ابتداءً وتفضلا ونعمة من الله تعالى على عباده، فينبغي أن تكون بين عباده المؤمنين صفة ملازمة لأخلاقهم ومعاملاتهم، ما أجمل أن تكون الرحمة متمثلة في سلوكنا وتعاملاتنا، إنها الرحمة المنشودة بين الأب وأبنائه والزوج وزوجته، إنها الرحمة بين الرئيس ومرؤوسيه، فالإنسان هو المستخلف في هذه الأرض لتعميرها فهو يعمرها بالخير ويهدمها بالشر ،إن كل بشر منا يرغب في إحراز النجاحات إما على مستوى الفرد أو الأسرة أو المجتمع، فللنجاح طريق تتجلى معالمه في الإدارة الناجحة ونجاح الفرد وراءه إدارة ناجحة ونجاح الأسرة خلفه قائد ومدير لها ناجح، ونجاح المؤسسة وراءه إدارة ناجحة، وعندما كان الإسلام منظومة فكرية وعملية متكاملة، كان للإدارة حيز خاص وواسع فيه نظمت شؤون المسلمين وأحوالهم طبقا لتعاليم الإسلام وقيمه وآدابه، ومن المبادئ التي أصَّل لها الإسلام خير تأصيل الصفات التي يجب أن يتحلى بها كل من ولِيَ أمْرا ومنهم المدير المسلم، وهي في الحقيقة أصول وقيم ينبغي أن يراعِيَ تطبيقها كل مسلم في أي مستوى إداري سواء كان رئيسا أم مرؤوسا مديرا أم أجيرا.إن الأخلاق العظيمة في الإدارة هي الممارسة الإدارية في أدائها الأعلى والأسمى والأرقى بحيث تحول الجسم الإداري إلى حالة يتحد فيها الأفراد ليشكلوا جسما واحدا ويعملوا لتحقيق هدف واحد في انسجام تام معزز بمشاعر الود والحب، فيكونوا مصداقا حيا لهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم " مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء في السهر والحمى" وفرق بين أن تثق بمن معك وبين أن تحبه، إن التراحم والمحبة بين الأفراد في المؤسسة الواحدة يجعل الأفراد يؤدون وظائفهم بشغف واتفان وإيثار فتصبح المؤسسة جزءا من كيانهم، فالمدير أو السؤول في العمل هو واحد من الناس يجب عليه ما يجب عليهم، ويحرم عليه ما يحرم عليهم وله ما لهم من الحقوق، وإن كان يتميز عنهم في دوره الذي يؤديه ومسؤولياته التي يتحمل عبئها، وهذا لا يعطيه فضيلة عليهم ليتبجح بها ويستطيل على الناس بسببها ويصاب بجنون العظمة جراءها، وإن كان له من فضيلة فهي التقوى فسيرحم من معه وينشر بينهم روح التعاون والمحبة، إذا فالمدير المسلم لا يجب أن يتأثر بموقعه الإداري ومنصبه التنظيمي لأنه في النهاية أيا كان موقعه هو عبد لله كبقية عباد الله تعالى يؤدي وظيفته ويتقرب بها إليه سبحانه وتعالى وهو مسؤول بين يدي الله، وأسمى من هذا كله أن يتحول الرئيس إلى قدوة صالحة في أدائه الإداري وفي أخلاقه العملية، فعند هذا المستوى يذوب الأفراد فيه وهنا لن تجد فرقا من الناحية النفسية والشعورية بين الرئيس والمرؤوس، وإن كان من فرق فهو فرق إداري ظاهري وحسب ،وهذا يعد أعلى مراتب الإدارة التي ستكون قادرة بلا شك على الإبداع والتطوير وفعل المعجزات، فيكون سببا لسعادة البشرية لما يعود بالنفع على الفرد والمجتمع وهذه الأيام المباركة أيام شهر رمضان والتي نتعلم من خلالها الخلق الكريم، فالمسلم الحق يتصف بالخلق الحسن تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي كان خلقه القرآن ،فالمسلم الصادق التقي الخلوق مهذب دمث مرهف الشعور لا يصدر عنه فعل قبيح يؤذي به الناس بل تجده رفيقا بإخوانه ولا يقصر في حق أحد ،فإن ربط البواعث الخلقية بالإيمان بالله ويعلم أن الله عز وجل مطلع على الخفي من الأسرار فيستحي منه قبل حيائه من الناس المطلعين على الظاهر من أخباره ،فالإنسان الحق الخلوق لطيف متأنٍّ رفيق بالناس حين يحسن اللطف ويستحب الرفق وتحمد الأخلاق ،ذلك أن اللطف والرفق خصال حميدة يحبها الله في عباده المؤمنين.

1657

| 02 يوليو 2016

وهكذا تمر الأيام الجميلة

الأيام المباركة تمر وتنقضي والذكريات تبقى محفورة داخلنا ونتذكر من خلالها أجمل اللحظات التي وقفنا فيها بين يدي الخالق ندعوه ونسأله المغفرة والجنة، فنعيش بذكريات وأمل على أن تعود من جديد، فأمتنا الإسلامية خير أمة أخرجت للناس تقوم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير، فمجتمعنا الإسلامي حقا إنه لمجتمع إنساني راق متواد متماسك مترابط متعاون تقوم أركانه على منهجية الحب والإلفة، والايام الحلوة ما زالت انفاسها تتهادى وتأتي فتخفف لحظات الضجر ولكن هذه الانفاس لاتستمر طويلا لعل يبددها الأمل في المغفرة والجنة، فقد كنا بالأمس القريب نستقبل رمضان بالبهجة والسرور، وقد أسرعت الأيام حتى ذهب أكثره وقد أحسن أناس في الأيام الماضية فصاموا النهار وقاموا الليل وقرأوا القرآن وتصدقوا وأحسنوا وتركوا المعاصي والسيئات، فلهم الأجر العظيم والثواب الكبير وعليهم المزيد في الباقي من أيام رمضان المبارك، وقد أساء آخرون فأخلوا بالصيام وتركوا القيام وسهروا الليالي الطوال على القيل والقال وإضاعة المال وهجروا القرآن وبخلوا بأموالهم، لكن الله تعالى ذو الفضل العظيم والإحسان العميم يقبل التوبة ويعفو عن السيئات لمن تاب وأناب، وقد جعل سبحانه العشر الأواخر من رمضان فرصة لمن أحسن في أول الشهر أن يزاد، ولمن أساء أن يستدرك ما فاته ويغتنم هذه الأيام العشر في الطاعات وما يقربه من الله تعالى فالأيام الحلوة تمر مر السحاب. فأيام الصيام والمسلم قريب من الله تعالى توقظ القلوب وتحيي الضمائر ولا يؤتى هذا الصوم ثماره إلا بسلامة الصدور وطهارة القلوب وسخاء النفوس، فلنحرص على القرب من الله تعالى في هذه الأيام المباركة بنفوس راضية مطمئنة بفعل الخيرات والبعد عن المنكرات لعلنا نفوز بما أعده الله لعباده الصائمين من جنة عرضها الأرض والسموات، فلا ينقي الصدور ويطهرها ولا ينتزع الحسد من النفوس إلا أخوة صادقة عالية تسود حياة المسلمين وتقوم على المحبة والتواد والتناصح والألفة والبشاشة ويطهرها من الكيد والغل والحسد وحتى لاتمر الإيام الحلوة إلا ونكون من الفائزين.

4024

| 01 يوليو 2016

الرحمة بالرعية

إن أخطر الولايات وأهمها هي الولاية العامة التي يرعى فيها رجل أحوال أمة كاملة، فصواب هذا الرجل أو خطؤه سيعود بالنفع أو الضرر على شعوب كثيرة، وقد يستمر النفع أو الضرر في أجيالٍ متعاقبة، فالإنسان يخلص العمل لله تعالى طمعا في نيل الثواب والأجر وإننا في هذه الأيام المباركة أيام رمضان والتي فرض الله علينا صيامه والذي يعد عنوانا للإخلاص والقرب من الله تعالى ،فعندما يسطع شعاعه في النفس يزداد المرء قربا لله تعالى وأشد ما يكون تألقا في الشدائد المحرجة ،فإن الإنسان عندها ينسلخ من أهوائه ويبرأ من أخطائه ويقف في ساحة الله أوابا يرجو رحمته ويخاف عذابه ،ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا أن الرعية الذين يأتمرون بأمر أحدهم في وضع ضعف معين يتطلب رحمة ورفقا من الراعي لهم والمتولي لشؤونهم، إنها المسؤولية الشاملة التي طوق بها الإسلام أعناق أبناء الحياة جميعا وجعلها فطرة سليمة أودعها في قلوب ولاة الأمور وألزمهم بها ،فلم تغادر منهم أحدا وجعل بمقتضاها الولاة مسؤولين عن تربية المجتمع تربية إسلامية دقيقة وتنشئتهم التنشئة الصالحة القائمة على مكارم الأخلاق أيا كان مستوى هذه الولاية، وما أروع الحديث الجامع الذي فصل فيه مسؤولية كل إنسان تجاه من يعول وقول الرسول صلى الله عليه وسلم (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته الإمام راع ومسؤول عن رعيته والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته فكلكم راع ومسؤول عن رعيته.... ) متفق عليه. فإن القلب المقفر من الإخلاص لا ينبت قبولا كالحجر المكسو بالتراب لا يخرج زرعا والقشور الخادعة لا تغني عن اللباب الرديء شيئا إلا ما أنفس الإخلاص وأغزر بركته أنه يخالط القليل فينميه حتى يزن الجبال وإذا خلا منه الكثير من العمل فلا يزن عند الله هباءة ،ويظهر أن تفاوت الأجور التي رصدت للحسنات من عشرة أضعاف إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة يعود إلى سر الإخلاص الكامن في خفايا الصدور وهو ما لا يطلع عليه إلا عالم الغيب والشهادة ،فعلى قدر نقاء السريرة وسعة النفع تكتب الأضعاف، وليس ظاهر الإنسان ولا ظاهر الحياة الدنيا هو الذي يمنحه من الله رضوانه وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يجتهد في وضع الضوابط التي تضمن استمرارية عملية العدل والرحمة بالرعية، فيحض الوالي على استصحاب بطانة الخير التي توضح له الرؤية بصدق وتأمره بالحق والعدل كما يجب على ولاة الأمور الرفق بالرعية والإحسان إليهم واتباع مصالحهم، وتوليه من هو أهل للولاية ودفع الشر عنهم وغير ذلك من مصالحهم لأنهم مسؤولون عنهم أمام الله عز وجل، كما يجب على الرعية السمع والطاعة في غير المعصية والنصح للولاة، وعدم التشويش عليهم وعدم إثارة الناس عليهم وطي مساوئهم وبيان محاسنهم، لأن المساوئ يمكن أن ينصح فيها الولاة سرا بدون أن تنشر على الناس، لأن نشر مساوئ ولاة الأمور أمام الناس لا يستفاد منه بل يزيد الأمر شدة فتحمل صدور الناس البغضاء والكراهية لولاة الأمور، فمن ربط حياته بهذه الحقائق فقد استراح في معاشه وتأهب لمعاده فلا يضيره ما فقد ولا يحزنه ما قدم ،وحرارة الإخلاص تنطفئ رويدا رويدا كلما هاجت في النفس نوازع الأثرة والأنانية بحب الذات والتلذذ بالثناء بين الناس وحب السمعة والتطلع إلى الجاه والرغبة في التصيت وحب العلو والإفتخار فرب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر والتعب.

8653

| 01 يوليو 2016

الرحمة بالحيوان

إن الإسلام جاء بأحكام عدة تبين حدود التعامل مع الحيوان تنطلق من شمول الإسلام وكماله، وتتصف بالرحمة التي تميزت بها هذه الشريعة الغراء ،فقد خلق الإنسان وكرمه وسخر له الحيوانات لتخدمه في قضاء حوائجه، فيستفيد من لحومها وألبانها ويرتدي الملابس من أصوأفها وجلودها ويتخذ من بعضها زينة، فقد دعا الدين الإسلامي إلىالرحمة في كل شيء حتى للحيوان، فبينما رجل يمشي بطريق إذِ اشتد عليه العطش، فوجد بئرا فنزل فيها فشرب ثم خرج، فإذا كلب يلهث يأكل الثرى منَ العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب منَ العطش مثل الذي كان بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ماء، ثم أمسكه بفيه حتى رقى فسقى الكلب، فشكر الله تعالى له فغفر له فقالوا: يا رسول الله: وإن لنا في البهائم لأجرا؟ فقال: (في كل ذات كبدٍ رطبة أجر) رواه البخاري، لذلك عرف المسلمون مفهوم الرفق بالحيوان وطبقوه في حياتهم في زمان كانت تنتهك فيه حقوق الإنسان فضلا عن الحيوان بأنواع شتى من الانتهاكات، كالاستعباد والقهر والوأد وغير ذلك، وكان للمسلمين قصب السبق بعشرات القرون لعملهم بتلك الأحكام، علما بأنه لم يتنبه غيرهم لهذا الأمر إلا في أزمنة متأخرة، فأنشئت فيهم المؤسسات والهيئات والمنظمات لحماية الحيوان ورعايته، فعليكم بتقوى الله عز وجل فمن يتقي الله يجعل له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ويجعل له من أمره يسرا ويجعل له العسير يسيرا ويؤتيه خيرا كثيرا.فإن الله سبحانه وتعالى كرم الإنسان وفضله على كثير ممن خلق فاستخلفه في الأرض يعمر ويبني فما أجمل أن يعمر الإنسان نفسه بالطاعة والذكر ويبني أفراد أسرته على أسس القرب والطاعة، عندئذ يكون هذا الإنسان جديرا بحق بان يكون وكيلا عن الله في الأرض يقيم فيها موازين العدل ويرسي دعائم الحق ويزرع الخير الذي تعود ثمرته على الآخرين وهذا ما ينبغي على هذا الوكيل أن يفعله إلى آخر نفس في حياته وإلى يوم القيامة، فقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم: أن امرأة دخلت النار لأنها حبست قطة ومنعتها من الطعام والشراب، فقال: (دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدْعها تأكل من خشاش الأرض) متفق عليه، فهدي الإسلام يحرم إجاعة الحيوان وتعريضه للضعف والهزال، فقد مر النبي عليه الصلاة والسلام ببعير قد لصق ظهره ببطنه، فقال: اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة فاركبوها صالحة وكلوها صالحة، كما يحرم إرهاقه بالعمل فوق ما يتحمل فلقد دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بستانا لرجل من الأنصار فإذا فيه جمل، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حن وذرفت عيناه، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح دموعه ثم قال: من صاحب هذا الجمل؟، فقال صاحبه: أنا يا رسول الله، فقال له عليه الصلاة والسلام: (أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها، فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتؤذيه)رواه أبو داود، أي تتعبه بكثـرة استعماله. ليس أدل على رقي الأمة وجدارتها بالحياة واستحقاقها لقيادة العالم، مِن سمو النزعة الإنسانية في أفرادها سموا يفيض بالخير والبر والرحمة على طبقات المجتمع كافة، بل على كل من يعيش على الأرض من إنسان وحيوان، وبهذا المقياس تخلد حضارات الأمم، وبآثارها في هذا السبيل يفاضل بين حضارتها ومدنيتها، وأمتنا بلغت في ذلك الذروة التي لم يصل إليها شعب من قبلها على الإطلاق و لم تبلغ ذروة السمو الإنساني الخالص لله عز وجل كما بلغته أمتنا في عصور قوتها ومجدها، فأين أنت في أيام رمضان وصيام الأبناء وتعليمهم قيم الإسلام وآدابه التي تحث على الرحمة بكل شيء حتى الرحمةبالحيوان.

1207

| 30 يونيو 2016

alsharq
TOT... السلعة الرائجة

كثير من المراكز التدريبية اليوم وجدت سلعة سهلة...

5217

| 06 أكتوبر 2025

alsharq
الإقامة الدائمة: مفتاح قطر لتحقيق نمو مستدام

تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في...

1920

| 05 أكتوبر 2025

alsharq
استيراد المعرفة المعلبة... ضبط البوصلة المحلية على عاتق من؟

في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ...

1779

| 02 أكتوبر 2025

alsharq
حماس ونتنياهو.. معركة الفِخاخ

في الوقت الذي كان العالم يترقب رد حركة...

963

| 05 أكتوبر 2025

alsharq
إعطاء من لا يملك لمن لا يستحق

منذ أكثر من مائة عام ارتُكبت واحدة من...

891

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
الوضع ما يطمن

لسنا متشائمين ولا سلبيين في أفكارنا وتوقعاتنا ولكن...

885

| 03 أكتوبر 2025

alsharq
النسيان نعمة أم نقمة؟

في لحظة صفاء مع النفس، يطلّ النسيان عليَّ...

852

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
تعلّم كيف تقول لا دون أن تفقد نفسك

كم مرة قلت «نعم» في العمل بينما في...

756

| 02 أكتوبر 2025

alsharq
بين دفء الاجتماع ووحشة الوحدة

الإنسان لم يُخلق ليعيش وحيداً. فمنذ فجر التاريخ،...

672

| 06 أكتوبر 2025

alsharq
كورنيش الدوحة بين ريجيم “راشد” وعيون “مايكل جون” الزرقاء

في فجرٍ قطريّ عليل، كان البحر يلمع بألوان...

651

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
النعمة في السر والستر

كيف نحمي فرحنا من الحسد كثيرًا ما نسمع...

627

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
الشريك الرئيسي في إعداد الأجيال القادمة

كل عام، في الخامس من أكتوبر يحتفى العالم...

627

| 05 أكتوبر 2025

أخبار محلية