رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
الذي حدث في مدينة سليانة وفي قرية الروحية بالبلاد التونسية يوم الأربعاء الماضي يعتبر سابقة خطيرة و مؤشر تحول نوعي لمسلسل نرجو ألا يستمر من العنف و علامة من علامات فوضى لا نراها خلاقة و لا حبلى بالفجر الموعود. فالشهيد المقدم الطاهر العياري الذي قتله رصاص عصابات مسلحة مجهولة أو معلومة لم يكن يعلم قطعا بأن بلاده الوديعة مستهدفة و بأن مواطنيه مقبلون على مرحلة حرجة غامضة من الاندساس الإرهابي الوارد علينا من حدودنا و لم يدر بخلده رحمه الله بأنه ضمن كتيبته من الجيش التونسي سيواجه شبابا مسلحين لا يعلم أحد من أين جاؤوا و لا بمن سلحهم و لا لأية غاية. على مسافة أربعة شهور صعبة و مليئة بالأمل منذ منتصف يناير إلى منتصف مايو تغير المشهد السياسي و الاجتماعي التونسي بشكل جذري و توارى الصمت ليفسح المجال أمام انفجار التعبير و الطاقات و الانتظارت و المطالبات و البرامج و الحوارات، و اندلعت الحريات بشتى أصنافها لتأخذ حظوظها المغتصبة منها و فوجئ التونسيون بظاهرة جديدة لم يألفوها منذ نصف قرن وهي تقلص الأمن بمعناه المدني أي المنظم لحياة الناس و الضامن لبقائهم و أرزاقهم و أطفالهم. ولعل هذا التقلص أو أحيانا الغياب جاء نتيجة لمناخ انعدام الثقة المؤقت بين المواطن المدني و المواطن لابس الزي فحل سوء التفاهم محل الحوار واكتشف الناس بأن الشرطة و الحرس الوطني جهازان أساسيان لحماية المواطن و حقوقه و ممتلكاته و دلت عمليات سبر الآراء على أن الهاجس الأول لدى أغلب المواطنين هو هاجس الأمن لأن الأمن بمفهومه الحداثي الديمقراطي يعني بكل بساطة توفير اللبن للرضيع و الدواء للمريض و الراتب للموظف و المتقاعد نهاية الشهر و فتح المدارس و الجامعات في وجوه مليون من بنات و أبناء تونس و رفع النفايات من الشوارع و تزويد العائلات بالخبز و الخضار و الكهرباء و الغاز و بتوصيلة الإنترنت لجزء كبير من الشعب. تمر بعض المجتمعات العربية هذه الأيام بمرحلة مخاض عسير لمولد دولة الحق و القانون و العدل وهي مرحلة ليس من اليسير توقع نتائجها أو ضمان عواقبها بسبب ما يترصد مسار التحولات الكبرى من مخاطر التفاف قوى الردة عليها بشتى الأساليب و مختلف الألاعيب. و لعل أخطر ما يجهض هذه الحركات الإصلاحية هو انتشار الفوضى و ضياع البوصلة و انقلاب قوى الخير ضد بعضها البعض و التخلي عن احترام الاختلاف ليحل محله منطق إقصاء الآخر بدعاوى إيديولوجية أو طائفية أو حزبية أو جهوية أو قبلية. هل يمكن أن نعتبر أي تغيير ناجحا و أن نعتبر أي تحول مباركا إذا ما أفقنا ذات صباح على صراخ رضيع فقد الحليب و على أنين مريض فقد الدواء و على حسرة رب أسرة لم يستطع صرف راتبه لأن البنك موصد و على مأساة والد احتفظ بابنته في البيت عوض الذهاب إلى مدرستها بل إن هذه المعضلات تبدو أرفق و ألطف أمام أم ثكلت ابنها الشاب الذي خرج و لم يعد و أمام فتى في مقتبل العمر أصبح معاقا و أمام صاحب مصنع وقف عاجزا أمام حريق حول ثمرة كفاح عمره إلى كومة رماد. كل هذه التوابع المتوقعة أو الطارئة عشناها و عرفناها في تونس و دقت اليوم ساعة الجد حتى تفيق النخبة مهما كانت مواقعها الفكرية أو مصالحها الانتخابية على حقائق جديدة من مغبة وأد أحلام الشباب و تحويل نهر الحريات عن مساره التاريخي ليتمخض عن تسونامي هادر لا يبقي و لا يذر. إن عديد الحركات عبر التاريخ المعاصر و القديم جاءت بثمراتها المرة عوض إهداء الحريات للأمم و حل دكتاتور أحمر عوض الدكتاتور الأخضر و تغيرت الشعارات لكن الحقوق صودرت و الأفواه كممت و الأحلام أجهضت. و أنا الذي عشت في طفولتي عهد الاستعمار الفرنسي و صفقت للاستقلال على أيدي بورقيبة ثم بعد ثلاثين عاما من البورقيبية علقت الآمال على من أزاح بورقيبة رغم معاناتي للمنفى و المظالم و الكيد ثم سريعا ما خاب الظن و انطفأ الأمل و بعد 23 سنة من الاستبداد فرحت ككل التونسيين بحركة التغيير يوم 14 يناير 2011 و علقنا الرجاء على نضج الشعب و وعي النخبة. فارحموا هذا الوطن يرحمكم الله و لا تقلبوا الأولويات فالتاريخ له نواميس و سنن لا تتغير و لا تتحول.
575
| 25 مايو 2011
تألمت جدا هذا الأسبوع لرحيل صديق شخصي عزيز هو الوزير الفرنسي الأسبق (برنار ستازي) عن سن الثمانين وهو رجل المبادئ الأخلاقية في سياسة فرنسا والاتحاد الأوروبي والذي غادر الحكومة في عهد الرئيس جورج بومبيدو عندما صدع سنة 1973 بموقف صارم وغاضب ضد الجنرال الانقلابي أوغستو بينوشيه الذي اغتال ولي نعمته الرئيس المنتخب سالفدور ألندي في جمهورية التشيلي. وتصرف رئيس الجمهورية الفرنسية آنذاك من منطق ضرورة الانضباط الحكومي وعزل برنار ستازي الذي تسلح دائما بمنطق القيم السياسية. وعاود الكرة في ديسمبر 1975 حين نشر مقاله في صحيفة لوموند منددا بما سماه "انحراف الرئيس جيسكار نحو الاستبداد" ثم تميز منذ أواسط السبعينيات بموقفه ضد عقوبة الإعدام قبل أن يلغيها الرئيس فرنسوا ميتران في الثمانينيات. وتألق برنار ستازي في أكتوبر 1986 حين وقف وقفة مناضل حقوقي باسل ضد اليمين الفرنسي والأوروبي المتطرف في مواجهة تلفزيونية مع زعيم العنصرية المناهضة للمهاجرين العرب رئيس حزب الجبهة الوطنية جون ماري لوبان ودفع ستازي ثمن شجاعته غاليا حيث فقد رئاسة لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الفرنسي بسبب تكالب أصوات النواب اليمينيين ضده. أما جهاده المناصر للعرب فقد توج بنشر كتابه الجريء الشهير في مؤسسة لافون للنشر بعنوان: "الهجرة فرصة تاريخية لفرنسا". وهنا بدأت بيني وبينه علاقة صداقة متواصلة لم تنقطع حيث كنت أنا عضوا في البرلمان التونسي ومقررا للجنة السياسية فيه وراسلته شاكرا له ومقدرا هذه الجرأة النادرة في نصرة المهاجر العربي وهذا الوقوف المشرف إلى جانب حقوق أبنائنا المهاجرين في مجتمع فرنسي وأوروبي شرع ينجرف وراء بهتان العنصريين والاستعماريين من اليمين المخادع فنسي المجتمع الغربي أن هؤلاء المهاجرين هم من أسسوا أغلب البنية التحتية الأوروبية من طرقات سريعة وجسور وسدود منذ الخمسينيات في ظروف يعلمها الله من البرد والعراء والفاقة والسكنى في أكواخ القصدير المحيطة بمدن الثلوج، ثم إن هؤلاء المهاجرين هم أبناء أولائك الجنود التوانسة والجزائريين والمغاربة الذين هبوا لتحرير فرنسا من الاستعمار النازي الهتلري في أغسطس 1944 حين جمع الجنرال الفرنسي (لوكلارك) صفوفهم فيما سمي بكتائب لوكلارك التي أبحرت من شواطئ المغرب العربي لتقاتل الجيش النازي وتنقذ فرنسا وهو ما غاب تماما عن ذاكرة الأجيال الفرنسية المتعاقبة في نوع من الجحود المخزي الذي لا يليق بالأمم الكبيرة الأصيلة. وبدأت بيني وبين هذا المناضل مراسلات ولقاءات عديدة توجناها معا سنة 1985 بتأسيس جمعية الصداقة البرلمانية التونسية الفرنسية ثم أصابتنا أنا وصديقي محمد مزالي رئيس حكومة تونس آنذاك محنة المنفى إلى باريس في صيف 1986 تلاحقنا فلول أذيال الاستعمار وأعداء الهوية من بطانة الزعيم الحبيب بورقيبة بسبب ما أحدثناه من ثورة صامتة في برامج التربية التونسية حيث رفعنا لواء التعريب لأغلب المواد المدروسة في مؤسساتنا التربوية وانحزنا إلى العبقريات المسلمة لنشحن بها فلسفة التعليم ورحنا ضحية مؤامرات الصراع من أجل وراثة الزعيم بورقيبة. وفي المنفى العسير كان برنار ستازي هو الملجأ الأمين والصديق الصدوق دافع عني وعن الأخ محمد مزالي بنوع نادر من الوفاء للمبادئ لم ألمسه في كثير من الغربيين وكان لي ولمحمد مزالي نعم السند في الملمات حين جاء زين العابدين للحكم وأمعن في الانتقام الرخيص مني ومن صديقي مزالي ومن كل من لم يرق له ولوزيره الأول آنذاك وهو ما ذكرته في كتابي المتواضع الصادر سنة 2005 في حضرة السلطان الجائر لا بعد رحيله بعنوان (ذكريات من السلطة إلى المنفى). وقف برنار ستازي معي ومع حرية بلادي وضد القمع وساعدني خاصة يوم إيقافي من قبل النائب العام بمدينة فرساي الفرنسية بطلب كيدي لجلبي إلى تونس مكلبشا يوم 25 أغسطس 1992 بتهم غريبة وعجيبة ضدي وضد مزالي فعلم بالأمر برنار ستازي واتصل بوزير العدل الفرنسي آنذاك (ميشال فوزال) الذي أسرع بإطلاق سراحي ونال نظام الطاغوت صفعة مدوية وللتاريخ والعبرة أقول اليوم بأن الظلم لا يبز الحق وأن الله لا يحب الظالمين وأن العاقبة للمتقين. ولكني رغم مرور الأيام لن أنسى للوزير برنار ستازي نبله وسمو أخلاقه نحوي ونحو وطني وأبناء وطني ونحو القضايا العادلة.
1205
| 18 مايو 2011
تشابهت الحركات الإصلاحية التي تعاقبت على العالم العربي منذ شهور فكان طابعها الثوري السريع هو الرابط بينها ولكنها ستمكث في عمقها التاريخي وفي بعدها الحضاري وفي غاياتها النبيلة حركات تأصيلية للأمة تستعيد لها مقومات كبريائها الضائعة وتسترجع لها أمجادها المقموعة وتعيد تأسيس الجسور المهدمة بين واقع الأمة ومنطلقات تراثها الغني والزاخر من دين قويم وانتماء عروبي ولغة عريقة وقيم أخلاقية وتسامح وسطي واعتدال ناجع. ويخطأ من يعتقد بأن الحداثة هي بضاعة عالمية بلا جنسية نوردها ونصدرها كما نشاء ونستعيرها كما يستعار الرداء لأن الأمم التي نهضت وسبقتنا آلاف الأميال هي التي صنعت حداثتها من معدن تراثها الأصيل مثل اليابان وماليزيا وتركيا وكل الشعوب الأوروبية وبلدان أمريكا اللاتينية ولأن الأمم التي اعتقدت حتى عن حسن نية بأن الحداثة الوحيدة المتاحة لها هي حداثة أمريكا وأوروبا فاستنسخت نهضتها من النماذج الغربية المسيحية وترون نتيجة هذا الضلال الحضاري في الدرك الأسفل من التخلف والاستبداد والتبعية والاستكانة والمذلة التي دمغتنا في المجتمعات المتذيلة للغرب وبالتالي لإسرائيل فلم تحصل لا على النهضة ولا على الحداثة وكادت تخرج من التاريخ الحديث مطرودة مدحورة بل إن بعضها مثل العراق عاد إليه الاستخراب الملقب بالاستعمار. إن تحصين الأمم المستضعفة من مخاطر الانصهار في أمم مستكبرة أقوى منها لا يمر إلا عن طريق التأصيل أي ابتكار أدوات الحضارة من أصولها الفكرية دون انطواء أو انزواء. وقد وفق الله فريقا من أهل الرأي في تونس في الستينيات إلى انتهاج تعريب برامج التربية والتعليم وأسلمة الثقافة الوطنية في عهد الزعيم بورقيبة الذي عرف عنه عداؤه للهوية حين ناصر التمدد الفرنكوفوني اللغوي والحضاري وتقدم بمعية الرئيس السينغالي الراحل سيدار سنغور بمشروع الرابطة الفرنكوفونية على غرار منظمة الكومنولث البريطانية. وكان بورقيبة متأثرا بمغامرة مصطفى كمال أتاتورك ويريد عن حسن نية تحقيق ما كان يسميه (اللحاق بركب الحضارة) وهو يقصد ركب الحضارة الفرنسية والغربية عموما بتسريع الخطى التونسية نحو هذا "المثل الأعلى". ولا يمكن أن نبلغ "المثل الأعلى" حسب تقدير الزعيم الراحل إلا بالتخلي عن مقومات الهوية ولو رمزيا مثل نبذ الحجاب وسن قوانين الأحوال الشخصية حسب القالب الأوروبي وتصفية منظومة الأوقاف وقد كانت تشكل العمل الخيري والمجتمع المدني ثم تقليص منزلة اللغة العربية وتقزيم جامعة الزيتونة واعتبار صيام رمضان عائقا نحو التقدم.. إلى آخر تلك الخيارات التي اعتمدت عليها الدكتاتورية النوفمبرية بعد وفاة بورقيبة لتمعن في نفس النهج بدهاء إستراتيجي للبروباجندا السياسية افتقد خلاله نظام بن علي ذكاء بورقيبة ونواياه الطيبة وغيرته الوطنية فجاء الانسلاخ عن الهوية هذه المرة وعلى مدى ثلاثة وعشرين عاما مصحوبا بالجهل الفادح والفساد المستشري ورفع فيه اليسار المتطرف والمتحالف مع بن علي شعار تجفيف المنابع واستئصال شأفة الهوية العربية الإسلامية مؤيدا بتصفيق اليمين المتعصب في الغرب ومعززا بإعانة الصهيونية المتجذرة. وهذا الخطأ في تقدير فرنسا والغرب ندمت عليه الدبلوماسية الفرنسية على لسان وزير خارجيتها (ألن جوبيه) منذ أيام قليلة في تونس ما بعد الثورة حين قال علنا بأن باريس أساءت تقييم المشهد السياسي التونسي والعربي عموما حين أيدت الدكتاتوريات العاتية خوفا من الإسلام والإسلاميين. وجاء هذا الندم المتأخر من الحكومة الفرنسية إيمانا منها بأن الحركات الإسلامية ليست إرهابا بل اجتهادات ديمقراطية مدنية يمكن أن تتعايش مع كل الأطياف الفكرية وتحترم كل الحريات الأساسية وتقدر الغرب حق قدره وتتعاون معه في مناخ من السلام والأمن بل وتأخذ من الغرب أفضل إنجازاته الديمقراطية وترعى الحداثة الحقيقية لا الحداثة اللقيطة. هذا ما نراه اليوم ونحن نقرأ اختلاف نوايا المنادين بعقد جمهوري تونسي، فالمبدأ في حد ذاته نبيل لكن بعض المنظرين لعداء الهوية لا يخفون مقاصدهم الرامية إلى إقصاء بعض منافسيهم عبر آلية هذا العقد معولين على قطع طريق صناديق الانتخاب ليكونوا في مأمن من حكم الجماهير غدا. ولتلك الأسباب ندرك بأن محرك هؤلاء المتغربين ليس الخوف من هوية الشعب بعروبته وإسلامه فحسب بل الخوف من الشعب نفسه، وهنا مكمن الخطر.
754
| 05 مايو 2011
يخطأ من لا يعتبر بالزلازل التي هزت العالم العربي منذ أسابيع قليلة وكان مركزها تونس وهي زلازل بلغت سبعة على سلم ريختر الحضاري ومثل سائر الزلازل لا تنجو من مراحل توابع من جراء فقدان البوصلة. لكني أظل مؤمنا كما كتبت وأعلنت ذلك منذ زمن بعيد بأن مخاطر الحرية أفضل ألف مرة من مخاطر الاستبداد وأن تسونامي الديمقراطية أرفق من فيضانات القمع. واليوم تجد النخب العربية هنا وهناك نفسها أمام واقع حصري جديد واستثنائي وأحيانا تفيق من سباتها لتكتشف أنها تمسك بالسلطة أو بجزء منها وهي لم تتهيأ بالقدر الكافي لتحمل الأمانة الثقيلة وفي أغلب الأحيان والأوطان تجد نفسها مضطرة لتطهير إسطبلات الأنظمة الفاسدة بعد عقود من غياب السياسة والشفافية والحريات. وإني أعرف شخصيا معارضين من أصدقائي كانوا في السجون والمنافي ثم أصبحوا يمسكون ببعض خيوط القرار واكتشفوا اليوم أن أطيافا شابة من شعوبهم تطالبهم بالإصلاح والتغيير وتجسيد طموحات الثورات ولكنهم وهم يجلسون على نفس كراسي من سبقوهم يجدون أنهم لا يملكون عصا سحرية فالموارد شحيحة أو مفقودة والدولة هشة أو مهزوزة والأمن سراب أو تخبط! وأدرك الكثير منهم بأن شباب الثورة لا يعترف بسقف معقول في التدرج والإصلاح ولعل الإحباط أصاب بعض هؤلاء فاستقالوا أو فضلوا الوقوف على مسافة من الأحداث حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود في مسيرة التاريخ الحديث. ولهذه الأسباب سأظل أدعو إلى الوفاق الوطني في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا والبحرين بعد إنهاء عهد الظلم والفساد وتغول المخابرات أي بعد إقرار عهد السياسة في معناها النبيل وعهد الحرية في أبعادها الشخصية والمدنية والجماعية. والوفاق هو الوقاية ضد الحقد وتصفية الحسابات الضيقة وملاحقة الخصوم بما يشبه محاكم التفتيش. ولا ننسى أن الثورات الصادقة كان من غاياتها الوفاق وتأسيس الأمان وإقرار العدالة. أحترم آراء الإخوة العرب الكرام الذين لا يرون فائدة من الأيدي الممدودة للمصافحة والذين يبررون مواقفهم بإخفاق التجارب الماضية بين السلط العربية ومخالفيها، لكن السياسة تتغير بتغير الظروف المحيطة بالوطن وفي صلب الوطن، فليس من المنطقي تأبيد وتحنيط العلاقات بين السلط وأطياف المجتمع المدني في مرحلة تاريخية بعينها دون أن تعتريها عوامل داخلية وخارجية تدفعها للتغيير وإعادة الصياغة. فنحن لا بد أن نتكيف مع هذه المتغيرات ولا نقنط من تغليب العقل على العواطف ولو كانت شرعية وجياشة، في مرحلة نراها جديدة من تاريخ عالمنا العربي، بفضل المراجعات الضرورية والحكيمة في الضفتين وإعادة النظر في نتائج المواقف هنا وهناك. فالسياسة كما يقول أحد زعماء فرنسا هي النتائج إلى جانب كونها هي المبادئ. وأنا أتساءل عما يمكن أن نحرك به السواكن، دون أن يفقد أحد ماء الوجه أو يتخلى عن ثوابته، لأننا بالسعي إلى المصالحة الممكنة نتخذ من الشعب شاهد حق، فهو المؤهل وحده لأداء الشهادة أمام التاريخ، في معزل عن الأيديولوجيات الجامدة والحسابات الشخصية وتراكمات الماضي الثقيلة. أما إذا استعرضنا التضحيات التي تحملها هذا أو ذاك من النشطاء وأصحاب الرأي فإننا لا نرى في المزايدة على بعضنا البعض إلا إهدارا للحوار الأمين ومضيعة للوقت الثمين، لأن كل الفرقاء لهم رصيد من التضحية متواز بشكل أو بآخر، وجميعهم من ذوي الوطنية والمبادئ العليا ومحبة أوطانهم، وإذا ما اختلفنا حول الطرق والمناهج فنحن من أبناء الوطن الواحد الذي سيبقى بعدنا لأطفالنا. ويعلم الله أني بحكم السن والتركيبة الفكرية ومعابر الحياة كنت شديد الصلة بشخصيات من داخل النظام في بلدان عربية عديدة أعتبرهم قمما في الاستقامة والإيمان والوطنية، كما أني أيضا وفي ظروف أخرى من حياتي كنت وثيق الصلة بشخصيات مختلفة مع السلطة ولكنها قمم في علو الأخلاق ورفعة الهمة وأمانة الضمير. وطالما قلت لنفسي من باب الأمانة الفكرية أيضا: يا لها من مكاسب غالية ومن منجزات رائدة ستحققها اليوم مجتمعاتنا العربية لو توفقنا إلى كسر حواجز الخوف وسوء التفاهم بين هؤلاء وأولئك، قاطعين مسالك النميمة والأحقاد الدفينة ورهن مصير الوطن في المواقف المتشنجة، فاتحين بعض أبواب الحوار الموصدة منذ ربع قرن. إن غايتنا هي رفض منطق الأبيض والأسود في تصنيف النخب العربية، وهو المنطق الذي أسميه منطق الفسطاطين (فسطاط الخير وفسطاط الشر!) وهو المنطق الذي يجعل الناس على ضفتي نهر من الماء الطامي كل ضفة تلوح بأنها تمسك بالحقيقة وتتهم الضفة الأخرى بالضلال، مع أن العقل يقتضي محاولة مد جسر على نهر الوطن. فمن يلومنا على محاولة مد جسر على النهر، داعين الناس في الضفتين للعبور واللقاء على الجسر لو توفرت نوايا الخير ووضع حد ولو تدريجيا للفرقة والشقاق والقطيعة. ثم إن الأيام القريبة القادمة هي التي ستحكم لنا أو علينا، والصبر الجميل صفة من صفات المسلم ومن صفات الوطني المخلص. فلماذا التنابز بألقاب أيديولوجية لا تخدم مصلحة بلادنا بينما لو قرأنا تاريخ الثورات والتحولات الكبرى التي سبقتنا لتعلمنا منها أن كثيرا منها صودرت وكثيرا منها أجهضت وكثيرا منها أنجبت دكتاتوريات حين تتغلب الأحقاد على المبادئ وحين تعلو أصوات الانتقام على أصوات الحكمة! تلك من سنن الله الخالدة.
740
| 29 أبريل 2011
منذ ستة وستين عاما وجامعة الدول العربية تقبع في القاهرة مع استثناء تواجدها على أرض تونس في الثمانينيات عندما خرجت مصر عن الإجماع العربي بسبب معاهدة مخيم داود. ومن المفارقات التاريخية أن أمينها العام الأول هو عبد الرحمن عزام باشا المصري الذي ولد سنة 1893 وحارب مع العثمانيين في البلقان ثم تطوع للحرب ضد الاستعمار الإيطالي في ليبيا إلى جانب الملك السنوسي. فالجامعة ولدت على أيدي مجاهد عربي حين كان الملوك العرب يجاهدون وتوالى الأمناء العامون على الجامعة من عبد الخالق حسونة إلى محمود رياض إلى عصمت عبد المجيد مرورا بالقوسين التونسيين عندما تولاها الشاذلي القليبي. إلى أن حل بها مضطرا لا مختارا عمرو موسى بعد أن فكر محمد حسني مبارك التخلص منه بتثليجه في "فريزر" الجامعة. وأذكر في مطلع الثمانينيات عندما استقرت الجامعة في ضاحية "مونبليزير" بالعاصمة التونسية أن أحد كبار مساعدي الشاذلي القليبي كان يطوف بي في الأدوار الستة للجامعة وهو يحذرني مازحا قائلا: "إذا رأيت أحد موظفي الجامعة يتصفح جريدة فلا تظنن أنه يطالع مقالة أو يستطلع خبرا فهو بكل بساطة يقرأ جدول قيمة صرف الدولار لأن رواتبهم بالدولار". ثم وصل بي الصديق الموظف إلى مكتب مهيب مغلق علقت عليه يافطة كتب عليها " مكتب الدفاع العربي المشترك" فشعرت بالرهبة متذكرا بأن الجامعة وقعت سنة 1945 معاهدة الدفاع العربي المشترك قبل معاهدة حلف شمال الأطلسي وكان يقين الملوك العرب أن هذه المعاهدة ستزيل الصهيونية من خارطة الشرق الأوسط وتحرر فلسطين! وفاتهم بأن جمهوريات انقلابية عربية سترثهم وتؤبد رؤساءها في الحكم بل وستورثها للأنجال. وأعود بقرائي لزيارة مقر الجامعة وقد طرق صديقي باب مكتب الدفاع العربي المشترك، فلم يجب أحد ففتح صديقي المكتب لنجد الموظف فيما يشبه الغيبوبة اللذيذة بين النوم والكرى وقد استرخى مطمئنا إلى أن لا أحد من الأمناء العامين المساعدين يمكن أن يزوره أو يقطع غفوته، وأذكر أن صديقي الموظف بالجامعة علق على هذه المفاجأة قائلا: "إن حال الدفاع العربي المشترك كحال هذا الموظف المسؤول عنه، كلاهما يغط في نوم عميق". اليوم بعد ستة وستين عاما من عمر الجامعة جرت في العالم العربي أنهار التاريخ الحديث تحت جسور حكامه وشعوبه وزلزلت الأرض العربية بهزائم 1967 وأنصاف انتصارات 1973 وثورات 2011 لا بد من الاعتبار بهذه التحولات الجذرية التي دكت صروحا قديمة وأعلنت ميلاد الأمة من تحت رماد الخوف ولا بد من إعادة النظر كليا في ذلك الهيكل الجامد وهزه بشدة ليستفيق على الواقع الجديد. فالجامعة لم تعد جامعة لدول عربية بل هي تريد أن تكون جامعة للشعوب العربية وللمجتمعات المدنية العربية مثلما هي الحال في الاتحاد الأوروبي حيث يجمع الاتحاد مختلف الفعاليات والقوى المدنية النافذة ليتحول الاتحاد إلى آلية عملية حية تتحرك لتنسيق المواقف الأوروبية وتترفع عن المصالح الوطنية الضيقة لتدافع عن مصالح القارة الأوروبية وتفرض حضور أوروبا في العالم. إن هذا النموذج الأوروبي استطاع عبد الرحمن بن حمد العطية الاستنارة به عندما تحمل مسؤولية مجلس التعاون لدول الخليج العربي وهو السفير السابق في عواصم أوروبية ولدى المنتظم الأممي وحين كان مسؤولا ساميا بالخارجية القطرية. فهو الدبلوماسي العربي المناسب اليوم لأمانة جامعة الدول العربية وقد وفقت دولة قطر حين رشحته لخلافة عمرو موسى ووفقت الدول الخليجية حين عززت هذا الترشيح. وقد تشرفت شخصيا بالتعرف على أبو حمد حين كان في الثمانينيات سفيرا لقطر في باريس ثم حين اشتركنا في الدوحة في تأسيس مركز قطر لاستشراف المستقبل في التسعينيات وعرفت فيه الكفاءة العالية مع رفعة الأخلاق وذكاء التعامل مع الملفات الدقيقة بالحكمة والتشاور والأناة وهي صفات ستؤهله للنجاح في إدارة التحول المطلوب من الجامعة العربية اليوم في ظرف إقليمي شديد الحساسية وفي مناخ دولي صعب المراس مشحون بالتحديات، بل أكبر وأكثر من ذلك فهو المسؤول الذي نرجو أن يعود العرب للتاريخ على يديه وأيدي أمثاله من المخلصين الأمناء.
857
| 20 أبريل 2011
نقرأ في أدبيات الإعلام الدولي و العربي هذه الأيام تحليلات لا تخلو من عمق ولا تعوزها الحصافة حول تداعيات الثورات العربية على دول الخليج العربي ومدى تأثر المجتمعات الخليجية بما يحدث هنا أو هناك. و لعلي شخصيا بسبب معايشتي الطويلة لواقع الخليج وارتباطي المديد بناسه وقضاياهم أدرك أفضل من سواي ما عساه يحرك التاريخ في هذه المجتمعات الكريمة الطيبة الأصيلة لا لأني أذكى أو أعقل من غيري-حاشا لله- و لكن بفضل تواجدي الفكري والاجتماعي في الخليج على مدى حوالي عشرين سنة من سنوات العمر. وسألفت أنظار قرائي الكرام إلى حقيقة غابت عن المراقبين والخبراء العرب و غير العرب حول هذا المحور وهي أن للخليج فضلا عظيما على انضاج الطموحات المشروعة للحريات في باقي المجتمعات العربية. وهذه حقيقة موضوعية أكاديمية لا يتطرق إليها الشك. فالإعلام الخليجي كان سباقا لفتح البصائر والأبصار حين كانت أغلب أجهزة الإعلام العربي أدوات دعاية و تسويق للأنظمة و للزعماء لا للشعوب. و هنا لابد من ذكر أقدم مجلة خليجية راقية عرفت الرأي العام العربي بحقائق الصراع بين الإسلام وأعدائه وبين العنصرية الصهيونية والحق الفلسطيني ألا وهي مجلة "العربي" الكويتية و رائدها المفكر العربي د.أحمد زكي رحمه الله. فقد تحولت المجلة من بيئتها الكويتية و الخليجية إلى سفيرة عربية متنقلة فارضة رؤية جريئة للواقع العربي وعارضة قراءة طريفة لأمجاد العرب ومحركة المياه الراكدة في عالم عربي لم يخرج بعد من ربقة الاستخراب الفكري والثقافي، و كانت "العربي" بورقها الصقيل و ألوانها الزاهية و عمق تقاريرها أداة تحرير عربي من الطراز الأول. ثم التحقت بها مجلة "الدوحة" فانتشرت بسرعة قياسية لدى القراء العرب بأسعارها الرمزية و موادها الدسمة و مقالات الكاتب السوداني العبقري الطيب صالح طيب الله ثراه. و في السبعينات أسس الخليج في أوروبا و العالم الغربي صحفا قوية مثل " الشرق الأوسط" ثم أعاد الروح لصحيفة " الحياة" انطلاقا من لندن واجتمعت على صفحات هاتين اليوميتين الرائدتين أقلام متميزة كان أغلبها مقموعا في أوطانها العربية الأصلية و تفتحت على أعمدتها أزهار الحرية الفكرية و السياسية فتلقفتها أيادي القراء والنخبة لتعيد صياغة الثقافة السياسية والإبداعية العربية على أسس الحرية. ثم جاء عصر الفضائيات فكانت قناة " الجزيرة" من قطر فتحا لا إعلاميا فحسب بل فتحا حضاريا و أطلت من شاشتها وجوه كانت من قبل مطموسة في بلدانها لتنادي منذ 1996 بهبوب رياح الحريات و إرادة الشعوب. و للحق فإن سقف الحريات كان أيضا مرتفعا في عديد الفضائيات الخليجية الأخرى مما أصاب القنوات بالعدوى المباركة فسرت روح المبادرة في البرامج الحوارية و تنافس المتنافسون في نقاشات أثرت الرأي العام العربي بل صنعته صنعا حيث غاب أو بدلت مساراته و تلاعبت به الأيادي. هذا في الإعلام أما في مجال نشر الكتب و توزيعها فقد كان الخليج رائدا بمعارض الكتاب العربي أو الدولي في كل عواصمه بدون استثناء وتسابقت الأقلام العربية تكتب و تنشر بل وتهاجر إلى دول الخليج بحثا عن التعبير الحر والرزق الحلال. أما الإسهام الخليجي الأكبر في إنضاج الطموحات وتحرير الفكر فبدأ في الخمسينات وتواصل في الستينات و ما بعدها وهو احتضان عواصم و مدن الخليج لنخبة عربية مضطهدة من قبل حكامها من أجل مبادئها وخياراتها أمثال الإخوان المسلمين الذين نجوا بجلودهم وعيالهم من قمع تعرضوا له في مصر والشام فوجدوا في جدة والدوحة ومسقط وأبو ظبي الصدور الدافئة الحانية فعاشوا أمنين و ساهموا في التعليم و نشر العلم و القيم في مجتمعات الخليج. وكتب الله لي أن أكون أحد هؤلاء منذ بداية التسعينات حيث أوتني قطر العزيزة و وفرت لي و لأسرتي الملاذ الأمين لسنوات طويلة كنت خلالها ملاحقا من قبل إنتربول ظلما و كيدا كغيري من آلاف التوانسة و العرب ووجدت في الدوحة واحة خير وأمن ورزق وتعبير جزى الله أميرها ونخبتها وأهلها كل خير. هذه بعض مساهمات الخليج فيما نشهده اليوم من استعادة كرامة المواطن و الأوطان ودعاؤنا من القلوب أن يسلم الخليج و الخليجيون من الزلل و أن يحفظ أراضيه من أيادي الشر إنه السميع المجيب.
1292
| 13 أبريل 2011
تحتل الشعوب العربية منذ انتصار ثورة تونس في 14 يناير 2011 مركز الاهتمام لدى الرأي العام الدولي لسبب بسيط هو أن هذا الرأي العام فوجئ باندلاع الشرارة من تونس وتفجر نهر الحريات من ينبوعه التونسي إلى كافة أرجاء المشرق والمغرب ونأمل أن يسير في مجراه إلى مصب العودة للتاريخ. وهو ما أنصفنا فيه المنصفون حين قال أحدهم بأن لبلادنا الحق في براءة الاختراع والسبب الثاني لوقع المفاجأة لدى المراقبين هو أن العديد من المستشرقين الغربيين الجدد أبناء فكر برنارد لويس طالما وضعوا للعالم العربي نظريات تفيد بأن الاستبداد يحمل جينات عربية إسلامية وأن العرب أهل تبعية وأعداء للحرية. بل إن كثيرا من العرب يؤيدون بهتانهم ويحبرون البحوث والدراسات للمراكز والجامعات يؤكدون فيها قواعد القنوط من العرب. وأنت تراهم اليوم أيها القارئ الكريم بعد خيبة أملهم وانكسار حجتهم أمام نهر الحريات العربية الجارف يواصلون المؤامرات بأساليب أخرى غايتهم أن يظل العرب ذيولا وأذنابا لأسيادهم الغربيين بل ربما تسللوا إلى مراكز السلطة تدعمهم جيوش نراها أو لا نراها من أعوان المخابرات الغربية تبوأهم المناصب وتغدق عليهم المصداقية والنعمة. و أذكر أنني منذ مدة شاهدت في برنامج تليفزيوني شهير بقناة الجزيرة، مقابلة بين "مفكرين اثنين" من المغرب العربي للجدل حول صدقية الانتخابات في بعض الدول العربية ومدى تعبيرها عن الرأي الحقيقي للشعوب، وهو موضوع فيه اختلاف،و فيه بالطبع اختلاف المتناقشين الاثنين، والاختلاف مطلوب من قبل صاحب هذا البرنامج، ويتحول أحيانا إلى خلاف مما لا يفسد للود قضية على كل حال حسب الحكمة العربية. وأنا لا أريد في هذا التعليق القصير أن أدلي برأيي، بعد أن أدليت به مرات عديدة في نفس ذلك البرنامج وعلى نفس القناة، لكني أريد فقط التعبير عن أشد العجب من اعتقاد راسخ لدى أحد المتجادلين، بأن الغربيين عموما والفرنسيين تحديدا يستحقون الديمقراطية وحقوق الإنسان لأنهم – كما قال هذا الرجل حرفيا – لديهم فطاحلة الفكر أمثال فولتير ومنتسكيو وجون جاك روسو، مهدوا للفكر الديمقراطي وأسسوا مدرسة التنوير ونظروا للدساتير الليبرالية، وأضاف المتحدث المتحمس لبرهانه: أين نحن العرب من هذا؟ للحقيقة قررت حينما سمعت هذا السؤال أن أساهم بقسطي المتواضع للجواب عليه، توسما للخير في هذه الحوارات التي يجب أن تستمر عبر وسائل الإعلام ومنابر الثقافة. ولا أخفي مدى صدمتي وأنا أسمع من فم مثقف عربي نكرانا لكل التراث العربي الإسلامي في مجال الحريات واحترام العقد الرابط بين الحاكم والمحكوم، وقد أضيع في خضم الرصيد العربي الممتد من المحيط إلى الخليج في هذا الباب فقط أي الفكر السياسي العربي الإسلامي الزاخر كالبحر بعمالقة كبار تركوا للإنسانية كلها أهرامات من المعاجم وأمهات الكتب خلال خمسة عشر قرنا من الحضارة. وخشية أن أضيع بين الكنوز الفكرية رأيت أن يقتصر كلامي على بلاد المتحدث نفسه، تونس، وعلى جزء يسير من إسهامها في إثراء الثقافة العربية والإسلامية والعالمية، قبل قرون طويلة من العظماء الفرنسيين الذين ذكرهم الرجل واستشهد بفكرهم الثاقب لاستحقاق الديمقراطية دون العرب.. الذين نعتهم بكونهم أيتام مجد وناقصي حضارة. وتونس العربية هي التي أنجبت العلامة عبد الرحمن ابن خلدون، صاحب كتاب المقدمة وفي هذا الكتاب كان العلامة هو أول من طالب الملوك بسن دستور واضح يحدد الحقوق والواجبات ويكون بين ولي الأمر وشعبه عقدا سياسيا ونظاما للملك مقترحا الميثاق المختوم بين الحاكم والمحكوم. وتونس أيضا هي من أنجبت الأمم سحنون بن سعيد التنوخي الذي كان أول من قنن مبدأ استقلال القضاء حين رفض منصب القضاء الذي عرضه عليه الأمير محمد بن الأغلب فسأله الأمير عن سر رفضه فأجابه بقول خلده المؤرخون وهو: "أشترط أن أقاضي أهل بيتك وقرابتك وأعوانك فإن عليهم ظلامات للناس وأموالا لهم منذ زمن طويل حيث لم يجترأ عليهم من ولي القضاء قبلي"، فقال الأمير: "نعم لا تبدأ إلا بهم وأجر الحق على مفترق رأسي". وهذا المبدأ الذي ظهر اليوم خلال الثورات العربية مبدأ أساسيا وهو مبدأ استقلال القضاء هو الذي يؤسس لدولة الحق وسيادة القانون والتفريق بين السلطات وكانت تونس سباقة إليه بثمانمائة سنة قبل منتسكيو وفولتير. إن أفضل تحية نوجهها للثورات العربية هي أن نؤسسها على هويتها الحضارية ونعتز بأمجادنا ونرفع رؤوسنا بها عالية فبل أن نطالب غيرنا بالاعتراف بأفضالنا عليهم.. وهي أفضال حقيقية وموثقة.
1247
| 06 أبريل 2011
مساحة إعلانية
حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم...
8799
| 09 أكتوبر 2025
كثير من المراكز التدريبية اليوم وجدت سلعة سهلة...
7161
| 06 أكتوبر 2025
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا...
3312
| 13 أكتوبر 2025
في زمن تتسابق فيه الأمم على رقمنة ذاكرتها...
2370
| 07 أكتوبر 2025
في خطوة متقدمة تعكس رؤية قطر نحو التحديث...
1833
| 12 أكتوبر 2025
مع دخول خطة وقف إطلاق النار حيز التنفيذ،...
1710
| 10 أكتوبر 2025
قبل كل شيء.. شكراً سمو الأمير المفدى وإن...
1692
| 08 أكتوبر 2025
لم يكن الإنسان يوماً عنصراً مكمّلاً في معادلة...
1686
| 08 أكتوبر 2025
في السنوات الأخيرة، تصاعدت التحذيرات الدولية بشأن المخاطر...
1092
| 09 أكتوبر 2025
حين نسمع كلمة «سمعة الشركة»، يتبادر إلى الأذهان...
948
| 10 أكتوبر 2025
سنغافورة بلد آسيوي وضع له تعليماً خاصاً يليق...
942
| 09 أكتوبر 2025
يخوض منتخبنا انطلاقاً من الساعة السادسة مساء اليوم...
894
| 08 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية