رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

الخوف الأوروبي من القطبية الثنائية الجديدة: أمريكا والصين

هل تعرفون يا قرائي الأفاضل من هو السيد (لو جي وال)؟ لا أعتقد أنكم سمعتم بهذا الاسم من قبل. أقول لكم من هو لأن اسمه يملأ هذه الأيام الأخيرة من سنة 2011 جل وسائل الإعلام الأوروبية والأمريكية وكذلك محاضر اجتماعات المصارف الكبرى ومجالس وزراء الحكومات الغربية. إنه رئيس الصندوق السيادي للصين أي المتصرف في آلاف مليارات الدولارات واليوروات باسم الشعب الصيني (مليار و400 مليون مواطن) وبالطبع كما تعلمون (12% نسبة النمو السنوي مقابل 0.2 لمنطقة اليورو و2.5 للولايات المتحدة مثلا) ونقلت الصحف الاقتصادية الأوروبية هذه الأيام عن السيد (لو جي وال) تصريحه بأن الصين سخية وستقوم بالاستيلاء اللطيف على شركات أوروبا المختصة في تصنيع البضاعة الفاخرة (اللوكس) أي أن أشهر الماركات المعروفة لدينا في الخليج بأنها فرنسية مثلا سوف نشتريها من باريس طبعا ولكن من أصحابها الصينيين! (أنظر صحيفة لوفيجارو الباريسية عدد يوم الثلاثاء 29 نوفمبر2011) وللتذكير فإنه مباشرة بعد انهيار جدار برلين في نوفمبر 1989 وانطواء الصفحة الشيوعية من القارة الأوروبية بسقوط الإمبراطورية السوفييتية إلى الأبد ومحو ما كان يعرف بالمعسكر الشرقي الذي فرضته موسكو على مدى سبعين عاما على أوروبا كالطوق المضروب،كان العالم ينتظر كيف ستصير خارطة العالم؟ ومع تعملق القوة الأمريكية العظمى وانفرادها بالقرار والتدخل والمبادرة وحتى الحرب، أدرك الرأي العام الدولي أننا أصبحنا نعيش أحادية القطبية بعد الثنائية وأن الولايات المتحدة هي التي أنهت التاريخ على رأي فرنسيس فوكوياما بإقرار الليبرالية واقتصاد السوق والحريات المدنية والشخصية بصفة نهائية ولا رجعة فيها! ثم نظر المنظرون الأمريكان لحلول عصر صدام الحضارات فرشحوا الحضارة الإسلامية والحضارة الصينية الكنفوشية للنزال مع الغرب وقيم الغرب وانتهى صمويل هنتنجتن إلى أن المصير الإنساني سيتقبل راضيا أو صاغرا هيمنة القوة الغربية لأنها مستقبلة ولأنه يطمح إليها ولأنه لا مناص من توحيد العالم إلا تحت بيارقها! ثم على رأي هؤلاء أليس الغرب هو الذي كسب معارك التكنولوجيا الحديثة وهو الذي سيطر على الموارد البشرية؟ أليست أمريكا هي التي أنقذت الدنيا من خطرين هددا وجود الإنسان وهما النازية والشيوعية؟ أليس الغرب هو السباق للعولمة يحطم بها الحدود وينقل بها الثقافات والناس والبضاعة؟ ولعل الجواب الأصوب عن هذه التساؤلات هو بنعم ولكن الصعود السريع والمفاجئ للقوة الصينية بدأ يبعث الشكوك في الحقائق المسلم بها ويطرح على الساسة والمراقبين في العالم قضية منزلة الصين الجديدة على مسرح الاستراتيجيات الدولية وبدأت الصين تطرق أبواب عالم غربي مهدد بالإفلاس بعد انهيار اليونان والبرتغال وتهديد إسبانيا وإيطاليا وعجز البنك المركزي الأوروبي عن ضخ المليارات في موازين هذه الدول ورفض ألمانيا تحمل عجز هذه الشعوب. علما بأن أزمة أمريكا سبقت سنة 2008 فعوضت بكين واشنطن في رعاية ورصد وتغطية مصائب أوروبا. كانت الأدبيات السائدة في عصر العولمة مابين 1989 و2001 أي ما بين سقوط جدار برلين وبين اعتداء 11 سبتمبر الإرهابي في قلب نيويورك وواشنطن هي أدبيات الفرح والتفاؤل بعصر سيجسد في الواقع مبدأ القرية العالمية الصغيرة الذي ابتكره المفكر/ مارشال ماك لوهان. ولكن عصرا جديدا بدأ يشرق نوره(أو بالأحرى تتكاثف ظلماته) منذ 2001 إلى 2011 وهو عصر ما بعد العولمة حيث استيقظت الأمم على نواقيس أخطار أخرى لم تتوقعها وهي أخطار أربعة هي: ظاهرة ثورات الشعوب العربية والغربية على السواء ضد توحش الليبرالية والاستبداد وهي ظاهرة جديدة خارجة عن إرادة الدول تفجر حقائق منسية وتحرك ملفات مهملة ظاهرة تشابك قضايا البيئة على الصعيد العالمي ظاهرة تدويل ملف الأوبئة الكبرى باختراقه الحدود مثل الإيدز واستفحال عولمة الكوارث مثل حريق المفاعل النووي الياباني الأخير ظاهرة تغير الوضع السياسي والأمني في الشرق الأوسط (العراق وسوريا وإيران ومصر واليمن بعد تونس وليبيا وبؤرة الصراعات الطائفية وعدم وفاء إسرائيل بمستحقات خارطة الطريق في هذه البيئة الجغراسياسية المتقلبة جاء مولد المارد الصيني يحمل خمسة آلاف عام من حكمة وفلسفة (كونفشيوس) وروح التضحية والمناعة ترمز إليها عبقرية سور الصين العملاق ومليارات السيد (لو جي وال). وسؤالي أين نحن العرب من هذه التحولات؟

479

| 07 ديسمبر 2011

انتصار العقل العربي

حينما نكون اليوم شهود عيان على صحوة الضمائر العربية وعودة الأمة للتاريخ بعد أن أطردت منه وحينما يستيقظ المارد الشعبي بغير قيادات للمطالبة بالحريات والكرامة وحينما يعود للعقل العربي وعيه الغائب فإنما نتفاءل ونتوقع نهضة الأمة بفضل انتصار التأصيل على الاستئصال، بعد أن عشنا أعمارنا كلها ننتظر بزوغ هذه الشمس الساطعة الغراء وانبلاج هذا الفجر المقدس. ورغم تفجيرات العنف التي تعصف بأرواح عدد من شباب العرب الأبرياء، هذا الشباب الذي يفضل ركوب زوارق الموت الصغيرة التي تحمل زهرات شبابنا المغاربي عبر البحر الأبيض المتوسط ليلتحقوا بسواحل أوروبا حاملين شهادات لم تنفعهم في أوطانهم، ورغم أننا كنا نقرأ إحصاءات الأمية المتفشية في البلدان العربية في تقرير منظمة الألكسو العربية، أو نسمع زعماء العالم الأقوياء يتوعدوننا بالويل والثبور وعظائم الأمور إذا لم نصلح تعليمنا ونغير خرائطنا ونحرر مجتمعاتنا، فإن أول ما كنا نفكر فيه هو أن العقل العربي مني بهزيمة نكراء أو للتفاؤل لنقل نكسة كما فعلنا مع الخامس من يونيو 1967. كل من يقرأ تاريخ العقل العربي منذ انتشار الرسالة الإسلامية إلى اليوم، يقف حائرا حسيرا أمام النكبة التي أصابته والانحدار الذي اعتراه. هذا العقل الذي قدم للإنسانية علوم الرياضيات والفلك والجغرافيا والجبر والطبيعة وأسس لها علم الاجتماع وفلسفة التاريخ وأبدع الأدب والفنون وعرف كيف ينقل عن الثقافات المختلفة ويضيف إليها دون عقدة أو انغلاق. كيف تقهقر إلى الوراء وتجمدت أطرافه وتصلبت شرايينه ولحقه عفاء الزمن؟ إنها ظاهرة خطيرة أن يتقلص العقل العربي إلى دور التقليد بعد مجد الإبداع وأن يقتصر على التبرير عوض التفكير وأن تجف منابع الاجتهاد ليتحول العرب إلى ببغاوات التقليد والتكرير وإعادة إنتاج ثقافات الأمم الأخرى في عالم لا مكان فيه إلا للمبدعين ولا سيادة فيه إلا للمبتكرين. أين انتفاضة أبي ذر الغفاري وثورة ابن المقفع وحيرة أبي العلاء المعري واجتهاد ابن رشد وإبحار الجاحظ في العلوم الطبيعية وقانون الطب الذي وضعه للإنسانية الرئيس ابن سينا وترجمات بيت الحكمة والمدينة الفاضلة لأبي نصر الفارابي والتحليل العميق للمجتمعات الإنسانية الذي قام به العلامة ابن خلدون؟ بل أين نحن من اكتشافات ابن النفيس وطبائع الاستبداد للكواكبي وأقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك للوزير خير الدين التونسي وتخليص الإبريز لرفاعة الطهطاوي وقواعد الوحدة الإسلامية لجمال الدين الأفغاني؟ لا شك في أن العقل العربي تخلف وارتد عن هؤلاء العمالقة الرواد، ولا مجال البتة لمقارنة مجد العقل العربي الزاهر بحالته الراهنة الكاسدة التي طالت إلى يوم 17 ديسمبر 2010 حين استشهد شاب تونسي مجهول بائع خضراوات في سوق مدينة سيدي بوزيد، فالمقارنة كادت أن تؤدي بنا إلى الإحباط واليأس والقنوط. وطالما كنا نتطارح ونتناقش حول الأسباب المختلفة التي أطاحـت بقـلاع العقل العربي ودمرت حصونه وطالما تواصينا بأفضـل الحـلول وأنجـع العلاجـات للخروج من عصر الظلمات الذي أناخ بكلكله على العالــم العربــي منـذ أن استقلت شعوبنا وأقامت دولا وأعلنت جمهوريات وحتى جماهيريات ورفعت عقيرتها بالشعارات وتخيلت الثورات وتعاقبت فيها الانقلابات وتمت القطيعة الكاملة بين أصحاب الأمر وأصحاب الفكر. حينها وبالتدريج تم تدجين العقل المفكر وتحرير العاطفة الهوجاء. تم إلغاء الاجتهاد وتنصيب الاستبداد وخاصة بحجج لا صوت يعلو على صوت المعركة... كما كان في العهد الناصري والبعثي أو بحجج لا صوت يعلو على صوت الوحدة القومية كما كان يقول الحبيب بورقيبة! وفي الغالب ذبح العقل قربانا للأوهام وأصيب العالم العربي بما يمكن أن نسميه التصحر الحضاري الذي أتى على أخضر الفكر ويابسه وتعطل جهاز الحكمة، لتنبت أشجار ضياع الثقة في النفوس وانهيار المناعة الثقافية وانتشار وباء التقليد للآخرين في الملبس والمأكل والسلوك واللغة والفن وحتى الدين، كأننا أعجاز النخل الخاوية التي ذكرها رب العالمين في القرآن. والغريب أن هزيمة العقل العربي تواصلت حثيثة في عالم استيقظ منذ عقود على نداء العولمة ووحدة المصير وكونية القيم الإنسانية، فهربنا نخفي رؤوسنا وراء الخصوصيات المزعومة، حتى ضاق العالم بنا ذرعا ولم يعد يتحمل ترددنا وفرارنا إلى الأمام وأصبحنا مهددين لا في خصوصياتنا بل في وجودنا لتزحف علينا الأمم الأخرى الأقوى وتبتلعنا بخصوصياتنا بلع القرش للسمكة الهزيلة الضائعة. إن الحكم الصالح هو صمام الأمان ضد التهميش والضياع، لأن الاستبداد هو الرحم الذي ينمو فيه العنف والإرهاب والتخلف. وللحكم الصالح شروط وقواعد ثابتة أكدت جدواها في مجتمعات أخرى، يتعاون في توفيرها الحاكم والنخبة والمجتمع المدني. أملنا ألا نكون نحلم.

489

| 23 نوفمبر 2011

نحو التأسيس لأخلاقية نظام عالمي جديد

نعيش لحظات تاريخية هذه الأيام مع تفكك مجموعة اليورو الأوروبية بإعلان اليونان رغبتها في العودة للدرهم عملتها القديمة وتهديد إيطاليا بالإفلاس. وننسى أن هذا الزلزال الأوروبي سبقه عام 2008 زلزال الدولار الأمريكي. وهو ما يؤكد أن ثورة حقيقية عميقة تهز أركان الغرب لا نقديا فحسب بل سياسيا واستراتيجيا وحضاريا. وهنا نفهم كيف تتطوع الصين...الدولة الشيوعية الأعظم لإغاثة أوروبا الليبرالية! فلا أحد ينكر اليوم بأن عدم استقرار قيمة العملة الخضراء أصبح يهدد المخزون المالي للبلدان المصدرة للنفط ويهدد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي لدول الاتحاد الأوروبي، وشرع يزعزع حالة الرفاهة والنعماء التي طالما تمتعت بها دول جنوب شرقي آسيا، كما لا أحد ينكر بأن عديد الدول بدأت تفكر وتخطط لاستبدال الدولار بسلة عملات منها اليوان الصيني والين الياباني في المبادلات التجارية الدولية، وأخيرا لا أحد ينكر بأن استمرار اعتماد الدولار كعملة مرجعية ليس مرده قوة الاقتصاد الأمريكي بل وأساسا قوتها السياسية وهيمنتها الاستراتيجية والعسكرية. هذه الحقائق أصبحت اليوم بديهية ومعترفا بها لدى أصحاب القرار ورجال المال والأعمال، خاصة ونحن نجتاز أزمات عالمية مختلفة وخطيرة، ليس أقلها ثورات الجوع وعودة الحرب الباردة ودخول الغرب من خلال تعملق حلف الناتو إلى منطق المواجهة وحسم الصراعات بالقوة العسكرية كما في ليبيا وقبلها أفغانستان أو التهديد بالقوة النووية أمام المعضلة الإيرانية، إلى جانب سقوط المصارف الكبرى وإفلاس الشركات العابرة للقارات وتدخل المصارف المركزية لضخ الأموال الطائلة في شرايين الاقتصادات الغربية المنهكة. وفي كل هذه الحقب المتلاحقة نجد أن للدولار واليورو دورا محوريا في إعادة إرساء العلاقات الدولية على أسس القوة والاحتلال والتحدي بدل البحث الرصين عن حلول السلام العالمي والعدالة الدولية! حتى نفهم حقيقة الوضع المالي الأمريكي والدولي لا بد من لمحة تاريخية تنير الواقع، فالدولار عملة الولايات المتحدة منذ عام 1785 لكنه لم يصبح المرجع الأول للاقتصاد العالمي سوى عام 1944 بإنشاء النظام العالمي النقدي المعروف ببريتن وودس، فاحتل الدولار مكانة الجنيه الإسترليني ومعدن الذهب في الوقت نفسه،وتحول إلى " أصل" أو إلى ميزان به وحده تقاس قيمة العملات الأخرى واعتلى عرش المالية والتجارة الدوليتين بلا منازع. وهذا الصعود يتناغم ويتماشى مع الحدث السياسي الكوني حيث كانت أمريكا هي القوة الكبرى التي حسمت الحرب العالمية الثانية لصالح الحلفاء الغربيين ضد قوات المحور المؤلفة من ألمانيا النازية واليابان الإمبراطوري وإيطاليا الفاشية بمأساة إلقاء أول قنبلة نووية على مدينتي هيروشيما وناجازاكي، ولتصبح واشنطن سيدة العالم الغربي الرأسمالي وتعوض الإمبراطوريتين التقليديتين الاستعماريتين: فرنسا وبريطانيا، خاصة وأن الولايات المتحدة خرجت من الحرب بلا ضرر وطني كما كان الحال في أوروبا، فهي بفضل الجغرافيا جزيرة عملاقة نائية عن مسرح العمليات، وتملك 75% من مخزون الذهب في العالم. أما اليورو فتم إقراره في 17 دولة أوروبية باستعجال ثبت أنه لم يكن خيارا حكيما حين شهدنا خلال الأسابيع الأخيرة ثورات الشعوب الغربية منادية بأن الشعب يريد إسقاط بريتن وودس واحتلال وول ستريت على غرار الثورات العربية وبنفس الشعار حين تعاظم الاقتصاد الأمريكي بفعل الغلبة العسكرية ورفع الدولار إلى أعلى عليين ليصبح " الحكم" في كل المباريات التجارية بين دول العالم وفرضت واشنطن لا فقط عملتها بل كل النظام النقدي الدولي (بريتن وودس) الذي يسير الاقتصاد العالمي بسن سياسات جمركية وإنتاجية وصناعية سويت بالضبط على قياس المصالح الغربية المصرفية لا الشعبية وأدت إلى ما يتخبط فيه العالم اليوم بعد مضي عقد على القرن الحادي والعشرين من انعدام الأمن الغذائي واتساع دائرة الحرمان وانزلاق كثير من شعوب الغرب مثل مناطق الجنوب الفقير إلى مخاطر المجاعات والهزات الاجتماعية والعنف السياسي. فالحروب الإقليمية الراهنة ليست في جوهرها سوى النتيجة المنطقية للظلم السائد في العلاقات الدولية وانعدام الحق وانخرام القانون وتغييب الحريات وقيم العدل والمساواة في العالم. أي أن هيمنة الليبرالية المتوحشة على الاقتصادات الوطنية الغربية والعربية والعالمية منذ ستين عاما هو التعبير المؤكد لهيمنة البنوك والشركات العملاقة المفروضة قسرا على المجتمع الدولي. وبالتالي يمكن الاستنتاج بأن هذا الوضع الشاذ الذي طال بدأ يتغير بفضل إفلاس كثير من السياسات الغربية الخاطئة حينما نجحت ثورات عربية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط في فرض علاقات دولية أكثر عدلا وحينما صعدت للساحة العالمية بلاد عملاقة مثل الصين وتعقبها الهند مع نزعات استقلالية يابانية متنامية وحين خرجت عن بيت الطاعة إلى حد اليوم سبعة دول من أمريكا الجنوبية وحين تفاقم الخطب العراقي وتشعب المستنقع الأفغاني لإعلان إفلاس الخيارات الأمريكية في التعامل مع العالم الإسلامي والشرق الأوسط وحين ينفجر تدريجيا برميل البارود الفلسطيني بعد الاحتقان والحصار والتجويع والترويع في قطاع غزة معلنا بلوغ المخططات الأمريكية للسلام المغشوش نهاية النفق، فالشهيد ياسر عرفات أول زعيم اعترف بالدولة اليهودية ومد يده بغصن الزيتون مات تحت ركام بيته المقصوف بالقنابل والجرافات حتى ولو مات في مستشفى برسيه بباريس مسموما. هذه نهاية بريتن وودس واقتراب نهاية سيادة رأس المال. وربما تدشين عهد عالمي جديد يقوم على قوة الحق لا على حق القوة. ولعل تونس برفضها الاستبداد دشنته لدى العرب كما أن عودة الوعي الأوروبي والأمريكي ستقود العالم الغربي إلى مرحلة جديدة مبتكرة من السلام الحقيقي القائم على العدل والتعاون السليم أي على قيم أخلاقية لتعويض النظام المنهار الجائر والبناء على أنقاضه عوض ترميمه من دون جدوى!

364

| 16 نوفمبر 2011

استراتيجية غربية جديدة للتعامل مع الإسلاميين

أعادت الحركات العربية الشعبية (تونس مصر ليبيا اليمن سوريا) لواجهة الأحداث الدولية ملف التعاطي الغربي الرسمي والشعبي مع الإسلاميين. وجاء هذا التحول نتيجة الاعتراف بالواقع أولا وكضرورة استراتيجية لحماية مصالح الغرب ثانيا. ولابد من التذكير بأن هذا المنعرج له أصوله التدريجية وقد تابعنا كخبراء ملاحظين تحول النخب الغربية الحاكمة والمفكرة من موقف العداء البدائي للإسلاميين إلى سن سياسات مبتكرة للتعامل الذكي معهم بعد سقوط أنظمة عربية قامت على الاستبداد والغش والخديعة وأصبحت العولمة تدريجيا تعني النسيج العالمي المتكامل للتعامل المشترك مع الملفات والقضايا الحساسة. فالعولمة في جوهرها ليست وقفا على التجارة الحرة وإلغاء الحدود وتعدي الحواجز، بل تحولت إلى شراكة دولية ضرورية لمواجهة التحديات السياسية القائمة أمام العالم بأسره. وقد رأينا في الثمانينيات بداية تشكيل وعي عالمي بقضايا البيئة وحماية الغابات والبحار والهواء من التلوث وسوء الاستغلال، ورأينا في التسعينات مخططات دولية ترعاها منظمة الأمم المتحدة لمقاومة وباء الإيدز، وفي مطلع الألفية الثالثة رأينا مخططات دولية لمقاومة الإرهاب وكشف شبكاته وتجفيف مصادر تمويله ومعالجة الهجرة السرية. وهذه التـشابكات في المصالح جعلت كل الدول مضطرة إلى الاشتراك في التفكير والتدبير إزاء أي قضية ذات طابع دولي من أجل الإعداد لفهمها والتعاطي المشترك معها، لأنه بكل بساطة لا حدود للأزمات البشرية ولا جنسيات محددة للملفات الكبرى ولا سيادة دولة تقف عائقا أمام التضامن الدولي. هذا هو التحول الأكبر والأخطر في القانون الدولي الجديد القائم بالفعل على الشراكة التي أحببنا أم كرهنا هي التي ستحدد المستقبل إلى الثلاثين عاما القادمة. ومنذ شهور بدأنا نسمع أصداء واضحة جلية لما يسمى التعامل مع الإسلاميين المعتدلين في العالم الإسلامي بما فيه العالم العربي، وتحول الملف إلى تناصح عالمي فهذه وزارة الخارجية الأمريكية توجه مساعديها إلى الدخول في اتصالات مع حركات ذات توجه ديني وأخلاقي في آسيا الوسطى ومصر وفلسطين والخليج والمغرب العربي لمحاولة التعرف إلى برامجها واستعدادها للمشاركة بقسطها في التحولات الكبرى التي تهب رياحها على المنطقة التي يسميها الأمريكان الشرق الأوسط الكبير. والدبلوماسية الأمريكية بالطبع تضع المصالح الأمريكية فوق كل القيم والمبادئ، لكنها تنطلق من تحليل للواقع وقراءة للأحداث وتستخلص دروس التاريخ الحديث الذي يصنع أمام أعيننا. فلا بد أن تكون الدبلوماسية الجديدة في واشنطن وعواصم أوروبا فرقت بين حركات الإرهاب الأعمى الناتج عن اليأس الذي ضربها يوم الحادي عشر من سبتمبر وبين تيارات أخلاقية وديمقراطية ومدنية نشأت تحت شعار الإسلام في كل مناطق العالم الإسلامي للتعبير عن حقوق إنسانية ومطالب سياسية ومستحقات اجتماعية وهويات ثقافية بل وحتى طموحات نقابية لم يكن بإمكانها في مناخ الانغلاق والاستبداد وقوانين الطوارئ أن تعبر عنها بشكل سياسي مشروع وعلني ولم يتوافر لها في أوطانها صياغتها في برنامج سياسي وحضاري شرعي ومدني. واليوم نلاحظ أن واشنطن والاتحاد الأوروبي يتفقان على التخلي عن سياسة الدعم الجائر للمعادين للدين الذين يدينون بالولاء لقيم الغرب نحو توسيع الحوار إلى ما سماه السيد (جون أسلبورن) وزير خارجية اللكسمبورغ "الحركات ذات التوجه الإسلامي والأكثر تمثيلية للمجتمعات المدنية" وهذا الوزير ترأست بلاده الاتحاد الأوروبي ونسقت مع الحليف الأمريكي شؤون السياسة الخارجية الأطلسية وتعاملها المشترك مع شؤون الشرق الأوسط. وتنطلق هذه الرؤية الجديدة للغرب من القناعة المنطقية بأنه من الضروري تغيير السياسات نحو التعامل مع الواقع السياسي والثقافي والحضاري للشعوب العربية والشرقية عموما كما هو لا كما يتمنى غلاة العلمانية المتطرفون أن يكون، ونظل نراوح جميعا مكاننا بدون أي إصلاح حقيقي خشية أن تقع المجتمعات العربية في أنظمة رجعية استبدادية لأنها ذات منطلقات دينية! وهي الفرضية التي تعطل كل سعي جاد لتغيير واقع الأمة كما جاء في تقرير التنمية الإنسانية للعالم العربي الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للتنمية. لقد آن الأوان لإحلال السلام المدني محل علاقات العنف والتجريم والتكفير التي سادت أغلب بلداننا على مدى الخمسين عاما الماضية حيث صودرت الحريات المدنية ومنعت الحوارات السلمية حتى انقطعت شعرة معاوية بين هؤلاء وأولئك وتحملت المجتمعات المدنية هذا الكسر في لحمها ودمها في حالات من التأزم والفوضى بلغت في الجزائر حد الحرب الأهلية وفي العراق حد الاحتلال الأجنبي وفي المجتمعات الأخرى حدودا متفاوتة الخطورة والتأثير. وأمام هذه التحولات العالمية لماذا لا نتحلى نحن العرب حكومات ومجتمعات مدنية بفضيلة العقل والحكمة لنغير ما بأنفسنا لعل الله يغير ما بنا! أليست إعادة التقييم هذه فرصة تاريخية لعزل الإرهابيين باسم الدين أو باسم العلمانية المنسلخة عن الهوية والمعادية لضمير الأمة الذين أساؤوا لا للعرب فحسب، بل للأمة الإسلامية وحضارتها ومصالحها ومصيرها.

422

| 09 نوفمبر 2011

الغرب يريد إسقاط وول ستريت (2-2)

من خلال مظاهرات الشوارع الغربية هذه الأيام ضد منظومة (بريتن وودس) الجائرة والمناداة باحتلال (وول ستريت) نستخلص انتصار رجل أمريكي فذ هو عالم الاقتصاد المعروف (ليندن لاروش) الذي كان مستشارا للرئيس ريغن في الثمانينات و الذي أنذر الغرب مرارا بأنه مقبل على كارثة انهيار اقتصادي و مالي كبير بسبب تواصل تغول الرأسمالية المتوحشة و غياب رؤية حضارية إنسانية للعلاقات الدولية و نسيان أمم إفريقيا و تركها نهبا للأوبئة و المجاعات و الحروب و عدم إنجاز مشاريع عملاقة تعيد للاقتصاد الحقيقي مواقعه المسلوبة. هذا الرجل تكلم منذ أكثر من ثلاثين عاما و كتب وحذر و نظم المؤتمرات و تشرفت شخصيا بأن كنت العربي الوحيد الذي صادقته و رافقته على مدى ثلاثين عاما و استضافني في بيته بضواحي واشنطن و في بيت زوجته الناشطة السياسية الألمانية في مدينة فيزبادن بألمانيا كما دعاني إلى التعبير عن حقوق العرب وبيان مظلمة فلسطين في مؤتمراته للرأي العام الأمريكي. هاهو صديقي لاروش ينتقم من خصومه و من سياسات التجويع و التفقير و يرى اليوم ما تنبأ به و دعا إليه أي قيام الشعوب بتحمل أمانة التغيير و الخروج للشوارع دفاعا عن كرامة المواطن الغربي وحقوقه و لقمة عيشه. و قال لي لاروش في الصيف حين التقينا : " لعلني أنا يا أحمد كنت البوعزيزي للغرب أشعلت شرارة إنطلاق ثوراته " فالذي نقرأه من خلال المظاهرات الشعبية في عواصم أمريكا و أوروبا هو أن النخبة المفكرة في الغرب شرعت في إحياء أصول الليبرالية الأخلاقية أي الخاضعة الى قوانين العدالة الاجتماعية و العدالة الدولية و ذلك بالرجوع إلى قراءة أشهر كتاب لأشهر عالم اقتصاد يعتبر أبا للرأسمالية وهو البريطاني (جون ماينار كاينس) و الذي عنوانه (النظرية العامة للعمل و الفائدة و النقد) وهو الذي أثبت بأن كل أزمة نقدية تضرب أسواق المال لا يمكن حلها سوى باعتماد منهج سياسي و حضاري بعيد المدى يؤمن الثروات لأنه يعدل في توزيعها. هذه النظرية التي خانها غلاة الليبرالية المتطرفة في العصر الحديث أي كل من قادة الغرب منذ أن دشنوا في الثمانينات عهدا اقتصاديا و سياسيا غربيا ألغى كل ما يتعلق بالرقابة و المحاسبة والمتابعة بتعلة أن اللليبرالية تعدل و تنظم نفسها بصورة ألية. وهو نفس النهج الذي سار عليه المحافظون الجدد في ادارة الرئيس دبليو بوش منذ عام 2000 ورأينا تداعياته على السلام المهدد في العالم و على عودة أشباح الحروب و الأزمات الاقليمية الكبرى، لأن الرأسمالية المجنونة بكل بساطة ( و العبارة هنا لأستاذنا جوزيف ستغليتز الحاصل على نوبل للاقتصاد وهو أمريكي و أيضا للسيدة مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية في ادارة كلنتن وهي أمريكية) اذن الرأسمالية المجنونة تتحول الى ألة عسكرية تصنع الحرب وتغذي الفوضى للحفاظ على الصناعة الأمريكية و على التفوق الأمريكي بالقوة لا بالحكمة. و من هنا نفهم لماذا يخطط الغرب بواسطة ذراعه العسكرية أي حلف الناتو للانفراد إذا تمكن من ذلك بتوجيه الحراك العربي الراهن نحو خدمة مصالح الغرب و توسيع نفوذه وتحجيم القوى الجديدة الصاعدة مثل الصين و الهند و البرازيل و العالم العربي الناهض ومنع تركيا الجديدة من زعامة العالم الإسلامي. و يجمع أغلب المراقبين و الخبراء في الغرب اليوم على أن الحراك العربي الطارئ سيغير من قواعد اللعبة الأستراتيجية في العلاقات الدولية بين الأمم بدءا من تقلص النفوذ الأمريكي بسبب مديونية الدولة الفيدرالية الأمريكية و خوضها لحروب إقليمية عديدة. و نحن على أعتاب إنتخابات أمريكية وأوروبية قادمة سوف يفوز فيها بفضل حراك الشارع الغربي الزعماء الذين يدركون قبل غيرهم بأن الولايات المتحدة تسعى نحو الكارثة بمنطق الليبرالية الظالمة في كنف الحروب التي تشن من أجل الهيمنة على النفط ( كما قال السيد ألن غريسبان الرئيس السابق للخزينة الفدرالية الأمريكية من 1987 الى 2006). و سينتصر فيها أولئك الذين ينادون أيضا باعادة التأسيس لا فقط لمنظومة (بريتن وودس) و لكن لعلاقات دولية وأمريكية أكثر عدلا تتشكل على اقتصاد وطني سخي و غير أناني لا يهمل الأمم المتخلفة التي يموت منها يوميا الملايين جوعا وعطشا و مرضا و تهجيرا قسريا و ارهابا رسميا. و تبدو الخيارات التي انتهجتها واشنطن منذ رئاسة الرئيس بوش الابن و حتى باراك أوباما و كذلك سياسات ساركوزي و ميركل وبلير و وريثه كاميرون في أوروبا هي المشار إليها بالبنان كصانعة أصلية لأزمة الغرب والعالم وهذا الاتهام وجهته الجماهير الغاضبة في أثينا و برشلونة وفرنكفورت و سياتل وغيرها لهؤلاء واضعة إياهم على رأس قائمة المتهمين بإثارة الكارثة.

374

| 02 نوفمبر 2011

الغرب يريد إسقاط وول ستريت(2-1)

يرفع مئات الآلاف من المتظاهرين في نيويورك وباريس ولندن ومدريد هذه الأيام شعارات الربيع العربي لكن باختلاف المطالب حيث تقول شعاراتهم: "الشعب يريد إسقاط نظام بريتن وودس" أو تقول: "هيا بنا نحتل وول ستريت" وهو انتقال حمى التغيير العربية من عالمنا إلى عالمهم لدرجة أني رأيت بأم عيني رايات تونس ومصر وليبيا الحرة مرفوعة في لشبونة لأن المواطن الغربي المعاصر اكتشف بيت الداء في أزمة الغرب وهي أن منظومة النقد العالمية التي نشأت بعد الحرب الكونية الثانية والمسماة (بريتن وودس) هي التي أسست لتفقير الشعوب وإثراء المصارف وهي التي تشكلت على منطق نهب أمم العالم الثالث وبالتالي خلق التوترات وصناعة المجاعات وتفريخ الإرهاب وكذلك فعل الاستبداد في بعض الدول العربية. نفس الأسباب تؤدي إلى نفس النتائج! ووصلت الأزمة إلى الغرب فاستفحلت مديونية الدول وانهار اقتصادها واتسعت رقعة البطالة وعوض معالجة الأصل أي إعادة النظر جذريا في منظومة بريتن وودس تنادت دول الغرب إلى إنقاذ المصارف أي رأس المال وضخ مليارات اليورو في موازين الدول المفلسة مثل اليونان والبرتغال وأيرلندة. ونما الوعي الشعبي الغربي بأصل المعضلة وأدرك أن تردي أوضاع معيشته إنما هو حضاري وليس فقط نقديا أو اقتصاديا أو سياسيا. وأصبحنا نرى الشوارع الغربية تمتلئ بالمنادين بإعادة التأسيس أي هدم منظومة الفساد الغربية المفروضة على العالم والتأسيس لمنظومة أكثر عدلا وأوفر حظا لبناء علاقات دولية أسلم. وشعار إعادة التأسيس نطق بها بيان مؤتمر العشرين المنعقد في باريس يوم السبت 15 أكتوبر الماضي رغم تباين وجهات النظر بين وزير المالية الأمريكي (تيموتيه غايتنر) ونظرائه الأوروبيين. ولكن الجميع اتفقوا فيما يبدو على دعوة زعماء العالم الغربي والأمم الصاعدة لقمة عاجلة يريدها الأوروبيون المتضررون أكثر من أزمة اليورو أن تتجاوز مجرد معالجة الأزمة النقدية والاقتصادية الراهنة لتتغلغل في قلب الأزمة الحقيقية التي هي أزمة حضارة الغرب. فعبارة (إعادة التأسيس) تعني بوضوح الشروع في عملية الهدم من الأسس ليتم إعادة البناء، حيث لم يعد الترميم حلا يتلاءم مع حال البيت الذي تداعى للسقوط ولا مع المصيبة الكبرى التي غيرت الموازين القديمة ودمرت التوازنات العقيمة. وهنا لا بد أن نرفع تحية للشارع الغربي (الأمريكي والأوروبي) لأنه بدأ يعي فداحة المعضلة في الغرب والمتمثلة في انهيار القيم الليبرالية المتوحشة بلا ضوابط والتي أدت في نهاية الأمر بالغرب إلى يقظة عنيفة وهبة مفاجأة لتدارك المركب قبل أن يغرق. ثم إنك تقرأ اليوم أغلب الأدبيات الاقتصادية والسياسية لنخبة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي فتقتنع بأن الغرب الذي عاش منذ خمس وستين عاما مزهوا بانتصاراته بدأ يدرك كارثة السقوط المدوي على أنقاض منظومة (بريتن وودس) الجائرة، والتي في الواقع تشكل العمود الفقري لحضارة السوق الغربية الحرة المتحكمة في مصير الدنيا. فالكاتب المعروف رئيس تحرير المجلة الأسبوعية (لوبوان) السيد كلود امبار يكتب في افتتاحية مجلته قائلا " إن الغرب أصبح مثل الطائرة التائهة في المطبات الهوائية ليس فقط بلا كابتن طيار ولكن أيضا بلا كابينة قيادة" ويضيف الكاتب (وهو ليبرالي يميني وليس شيوعيا!) قائلا: "لقد تأسس الغرب منذ طلائعه على عمليات إبادة السكان الأصليين لأمريكا ثم على تجارة العبيد الأفارقة ثم على استعمار (بل استخراب) الأمم الأخرى وسلب مواردها ونهب خيراتها واحتقار ثقافاتها بدعوى أنه الأفضل والأقوى... وهذا هو الغرب ينهار على أصداء صعود أمم عريقة لم يقرأ لها حسابا لتحل محله في زعامة العولمة، فليس متاحا من اليوم لأية حضارة أن تدعي تطويع الأمم الأخرى مثل عجينة رخوة تصنع منها ما تشاء". أما رئيس تحرير المجلة الفرنسية المزاحمة لها (لكبريس) السيد كريستوف باربييه فيكتب: "إن البربرية والهمجية غيرتا اليوم مواقعهما وأصبحتا تلبسان الياقة البيضاء، فالبربرية هي نحن. أما السيدة هلجا زياب لاروش رئيسة المعهد العالمي (شيلر) وهي التي بح صوتها من عشرين عاما (وأنا العربي الوحيد معها كمحاضر بالمعهد) بالدعوة إلى تغيير (بريتن وودس) فقالت في أسبوعية (واشنطن اينسايدر): " إننا نسرع الخطى نحو نهاية الغرب وليس نهاية التاريخ لأننا حولنا اقتصادنا واقتصاد العالم إلى كازينو للعب الميسر بأموال الشعوب وإتلاف مدخرات الفقراء.

612

| 26 أكتوبر 2011

دخلوا إلى قصرهم فخرجوا من عصرهم

تذكرني أحداث العالم العربي بقصيدة للشاعر الحبيب الزناد قالها في هجاء لطيف للزعيم بورقيبة وهي تبدأ بهذه العبارة: " دخل إلى قصره فخرج من عصره" وذلك في أواخر الستينيات حين التف الرئيس بورقيبة على أكبر وزرائه والرجل الثاني في النظام آنذاك وزير الاقتصاد والمالية والتربية والتعليم ومنظم الحزب الدستوري الاشتراكي والنقابي القديم أحمد بن صالح التفاف الذئب على الشاة وأودعه السجن وحاكمه بتهمة الخيانة العظمى، وفعل نفس الفعل مع رئيس حكومته محمد مزالي بعد ذلك. ودخلت تونس في دوامة التصفيات القضائية التي أطاحت بهيبة الدولة ومصداقية النظام، ودخل بورقيبة بسببها أيضا دوامة المرض البدني والنفسي، وبدأ العد العكسي لزعيم كبير أخذ المعول بيده ليحطم وحده ما بناه على مدى ربع قرن. وكان في مطلع السبعينيات شاعر تونسي موهوب هو الحبيب الزناد يكتب قصائده المعبرة والملتزمة ومنها هذه القصيدة التي اعتبرناها أقصر قصيدة في اللغة العربية وهي تصف الزعيم بورقيبة وتقول بكل إيجاز وعمق وقوة تعبير:" دخل إلى قصره وخرج من عصره". وبالفعل فالرئيس الذي حرر تونس من الاستعمار وأسس دولتها الحديثة وحقق لها من المكاسب ما تعتز به خرج من عصره أي انقطع عن الواقع وأصبح رهينة لبطانات طامعة في السلطة أو المصالح الدنيوية العاجلة وبدأ رحلة السقوط مع التقدم في العمر وتراكم العلل وسرعة التحولات الاجتماعية في وطنه وتغير المحيط العالمي بترابط المصالح الدولية. وهذه القصيدة تجسدت بعد ذلك في أكثر من نظام مع الأسف وبخاصة في الجمهوريات العربية منذ مطلع الربيع العربي وقبلها في دول المعسكر الشيوعي المنهار من خلال التحولات التاريخية التي هزت شعوب رومانيا وبولونيا والمجر وبلغاريا وتشيكيا وسلوفاكيا والبلدان التي كانت منضوية تحت الوحدة اليوغسلافية المصطنعة، عندما انهار جدار برلين وأذن بالهزات العنيفة التي عصفت بدكتاتور رومانيا/ شاوشسكو وزوجته هيلينة. وهذا الطاغية الروماني شكل أبرز مثال حي للخروج من العصر والانفصال عن الواقع حين رجع برجليه من زيارة رسمية كان يؤديها إلى الصين فنزل في بوخارست ودخل قصره ومن شرفة ذلك القصر ألقى خطبته الأخيرة العصماء في آلاف الرومانيين محاولا قلب موازين التاريخ وتغيير مجرى الحضارة في حركة بائسة ويائسة، تدل على مدى استفحال الغيبوبة السياسية لدى هذا الرجل. وانتهت تلك المأساة بمهزلة المحاكمة السريعة الجائرة للرئيس /شاوشسكو وزوجته والتي أدت إلى إعدامه وإعدامها ذات ليلة صقيعية من ليالي ديسمبر 1989. وهنا لابد من أن نسجل ما وقع في تونس ومصر وبدرجة أعنف في ليبيا واليمن وسوريا من دخول الرؤساء للقصر وخروجهم من العصر. فكيف غابت عن عقول هؤلاء وهم ماسكون بكل خيوط السلطة بأن العالم تغير وبأن العيال كبرت وبأن فيسبوك نفخ في صور الأمم وأن الدعم الخارجي للاستبداد جف منذ انفجر الاتحاد السوفيتي وانتهت الحرب الباردة وأعيد رسم خريطة الدنيا وانتصر العالم الحر من دون حرب واشتاقت الشعوب إلى الحرية. وقد بدأ الخروج من العصر بالسقوط المدوي لصدام حسين مهما يكن تقييمنا لحكمه،و للكارثة التي حلت بالعراق معه ومن بعد إسقاطه، فإن الموضوعية في قراءة التاريخ الحديث تقتضي منا أن نسجل غياب معطيات الواقع عن ذهنه وأذهان مساعديه. وهو لم يستخلص الدرس القاسي من مأساة احتلال الكويت والحرب الطويلة الدموية مع إيران، ولم يفهم بأن الزمن دار دورته وللزمن نواميس، فامتثل في آخر أيام حكمه للإملاءات ودمر صواريخه بنفسه ولم يتوقع ما كان يتوقعه الجميع، ولم يستمع لنصائح الناصحين ولا لإنذار المنذرين وبالفعل شكل أدق ترجمة لقصيدة الشاعر فدخل إلى قصره وخرج من عصره. وبشكل مختلف كان الأمر بالنسبة للجنرال / بينوشي دكتاتور التشيلي الذي قتل الرئيس المنتخب /جوزيف ألندي وحصن نفسه بالدستور وهرب ملايين الدولارات لبنوك أمريكا وأخيرا جرجر للمحاكم الدولية لتقتص للآلاف من الضحايا ومات ميتة المقت. وقبله كان مصير ميلوسفتش الذي استحل لحم المسلمين من أبناء وطنه فانتهى أمره إلى سوء المصير لأنه لم يحسب حساب التاريخ وهزاته المدمرة. وقائمة الداخلين للقصر والخارجين من العصر طويلة خلال النصف قرن الماضي، وأسباب السقوط متشابهة في جملتها تتلخص في صم الآذان وتغميض العيون عن التغيرات الجذرية التي تطرأ على الشعوب ومحيطها العالمي فتكون القطيعة الكارثية عن الواقع ويمضي صاحب الشأن سعيدا فرحا مرحا على إيقاع مدائح المنافقين والمخادعين من بطانات السوء التي لا تقول له إلا ما يود سماعه وما يريحه من تعب التفكير ووجع الرأس ومواجهة الحقيقة، عادة على إيقاع بالروح والدم نفديك، وجاء يوم على بورقيبة وعلى السادات وعلى ولد الطايع وصدام وابن علي ومبارك والقذافي ولم يجدوا واحدا يفديهم حتى بقطرة ماء! نواميس التاريخ تعلمنا بأن نفس الأسباب تؤدي إلى نفس النتائج مهما تأخر الموعد. والمجد لكل من خدم الشعوب ولم يستخدمها وكان لأمته الحامي والمؤتمن. طوبى للعادلين الذين أدركوا حكمة العلامة ابن خلدون بأن العدل أساس العمران وأن الظلم مؤذن بانهيار البنيان وأن القهر عدو الإنسان.

508

| 19 أكتوبر 2011

مشاهد ما بعد الثورة

تساءل بعض الظرفاء في بلادنا قائلا: ما دام لدينا ما شاء الله 111 حزبا معترفا بها جميعا وعلى رأسها 111 زعيما ومادام لدينا أعضاء فيها ما بين قاعديين وقياديين بمعدل 1000 عن كل حزب يعطينا الحساب 111000 مناضل فكيف نفسر والحالة هذه صمود الدكتاتورية وبقاؤها لمدة 23 سنة؟ لعل في الأمر سرا يجب على علماء السياسة والاجتماع فك ألغازه حتى يطمئن قلب المواطن العادي ويعرف على الأقل كيف ينتخب يوم 23 أكتوبر ولمن يعطي صوته. أما المراقب الأمين لمشهدنا السياسي في تونس فإنه يحاول استنطاق الواقع وتحليل الخطاب السائد هنا وهناك في حوارات الفضائيات وعلى أعمدة الصحف وفي منابر المواقع الاجتماعية ليدرك بأن العديد من الزعامات فوجئت بالثورة واستعملت وسائل مختلفة لكي تواكب الظرف الطارئ. وسمعت ذات يوم في إذاعة جهوية تونسية أحد زعماء حزب انقلب على مؤسس نفس الحزب واحتل موقع الأمين العام وجمع حوله بعض أنصاره وكان المذيع يستجوبه عن فترة 1987 وأين كان وقتها فكان الجواب طريفا وظريفا وهو كالتالي: "كنت عامها أشتغل في سفارة تونس بالعاصمة الفلانية (لا فائدة من ذكرها) وفتحت الإذاعة فسمعت خبر انقلاب زين العابدين بن علي على الزعيم بورقيبة يوم 7 نوفمبر فقلت إنها الكارثة لأني أعرف بأن بن علي سوف يتحول إلى دكتاتور!" وهنا جاء سؤال ذكي وشقي من المذيع لم يتوقعه السيد الأمين العام: "لمن قلت يا سيدي إنها الكارثة؟ لأي وسيلة إعلام؟ وأين نشر هذا التصريح المبكر والخطير؟" فتلعثم السيد الأمين العام ولكنه أجاب بعفوية وتلقائية وربما بصدق: "لا لا لم ينشر هذا الرأي أبداً لأني صرحت به في مجالس العائلة الخاصة!" وبالطبع نستخلص من عفوية هذا الزعيم الجديد بأن كثيرين مثله من النخبة تأكدوا هم أيضا من أن وصول بن علي للحكم كان كارثة وينذر بالويل والثبور وعظائم الأمور لكنهم تصرفوا مثل صاحبنا (حسب قوله وليس لدينا شاهد من أهله...) فأعلنوا في قرارة أنفسهم أو في سهرة عائلية ضمت زوجاتهم وأبناءهم بأنهم ضد الدكتاتورية ثم أصابتهم لعنة الصمت المطبق وتحلوا بفضيلة الرضاء بالقضاء والقدر على مدى 23 سنة إلى أن استشهد المرحوم محمد البوعزيزي وثار شباب تونس فاكتشفوا فجأة بأنهم زعماء وتذكروا مجلسا عائليا حميميا خريفيا همسوا خلاله همسا بمواقفهم تلك. وفي فضاء آخر صادف أن شاهدت على شاشة تلفزيوننا التونسي حوارا أجرته آنسة موهوبة ورقيقة لأحد الصحفيين الشعراء الهزليين الكاتبين باللغة الفرنسية وهو بلا شك أحد ضحايا تكميم الأفواه لكنه كان يستعمل أسلوب عنف لفظي لم يبلغه قلم سواه لا في تونس ولا في أية بلاد عربية وأصابتني الدهشة حين طلبت منه الإعلامية المهذبة أن يعرف نفسه للسادة المشاهدين فقال حرفيا: " أنا يا سيدتي كلب مكلوب" (هكذا حرفيا!) ولا أعترف لا بالنظام المخلوع ولا بالنظام الحالي ولا بالنظام القادم ولا بأي نظام. كما لا أعترف بالمعارضة يمينا يسارا ومهنتي ككلب مكلوب هي أن أعض الجميع!" وعرفنا أيضا من الرجل أنه ينتظر جائزة نوبل للآداب! هذا نموذج آخر من نماذج ما بعد الثورة. ولا أخفيكم أيضا مدى عجبي من عمليات مسخ شامل أصابت بعض صانعي ومهندسي الاستبداد المعروفين فتحولوا بقدرة قادر إلى ضحايا "النظام السابق" ورسموا لأنفسهم لوحات وردية وهمية تقدمهم لشباب تونس على أنهم كانوا ناصحين للرئيس السابق بل وادعى بعضهم أنهم نبهوه إلى مواقع الفساد لدى زوجته وأصهاره ولكنه عوض أن يقاوم الفساد قاومهم هم وأبعد بعضهم (لاحظوا أن الإبعاد لديهم هو تغيير الوزارة أو تعيينهم فيما كان يسمى بمجلس المستشارين بنفس راتب الوزير تقريبا). وأنا أقدر حق أقدارهم أولئك الوطنيين الذين كانوا بالفعل مضطهدين ومشتتين في أصقاع الأرض أو في السجون وأسهموا في إنضاج الثورة بكفاحهم تراهم اليوم متعففين صامتين يمنعهم الحياء من تزعم الثورات أو حتى المطالبة باستعادة حقوق مشروعة تاركين مهمة إنصافهم للتاريخ. بالطبع أيها القراء الكرام فإن بعد كل حراك شعبي مرحلة من فقدان البوصلة أو غياب الرؤية سوف تترك المجال لإصلاح عميق وميلاد مؤسسات الدولة الحديثة العادلة، لكني مؤمن أشد الإيمان بما كنت قلته عديد المرات في مناسبات مختلفة وهو أن مخاطر الحرية أقل بكثير من مخاطر الاستبداد.  

359

| 12 أكتوبر 2011

همسة في أذن "الغارديان": قطر عنصر أمن واستقرار

نشرت الصحيفة البريطانية العريقة في عدد الأربعاء 5 أكتوبر يوم أمس مقالا تعجبنا من محتواه على صحيفة معروفة بالتحري و الاعتدال و النزاهة مفاده أن لدولة قطر دورا وصفته بالمثير للجدل في ملف الشقيقة ليبيا و أوحت بأن هذه الأجندة تتلاءم مع مواقف وخيارات كل من الولايات المتحدة و فرنسا و بريطانيا مشيرة إلى "دعم" يلقاه بعض الإسلاميين الليبيين من دولة قطر و ذكرت اسما غلطا "عبدالعزيز بلحاج" وهي تقصد عبدالحكيم بلحاج كما ذكرت اسم الدكتور علي الصلابي. و أنا من منطلق معايشتي الطويلة للدبلوماسية القطرية و أتكلم باسمي الشخصي لا أدرك كيف توصلت الصحيفة إلى هذا الاستنتاج؟ فالدور الذي لعبته قطر على ساحة الوفاق العربي منذ عقد و نصف لم يعد محل شك أو مزايدة وهو دور انطلق من عقيدة سياسية و أخلاقية تؤمن بأن المعضلات العربية الداخلية تحتاج إلى من يتوسط بين الفرقاء لحلها و من يتجرأ بشجاعة على مواجهتها. و النجاح القطري في القضية اللبنانية أكبر دليل على حكمة هذا التوجه السليم. ثم جاء دور الوفاق الفلسطيني فاجتمعت كل أطرافه في الدوحة و بدأ العد التنازلي للأزمة الداخلية الفلسطينية كما جاء الدور على السودان فتوقفت الدبلوماسية القطرية إلى تجاوز الخلافات في ملف دارفور كما تجاوزته في ملف الشمال و الجنوب. و حظي الملف اليمني أيضا باهتمام الإخوة القطريين. ثم جاءت الأزمة الليبية مباشرة بعد الثورتين التونسية والمصرية لتطرح إشكالية الديمقراطية و الحريات و حقوق الإنسان في العالم العربي بقطع النظر عن الحساسيات و الانتماءات لمختلف الفصائل فرأت الدبلوماسية القطرية أن من رسالتها الأخوية النبيلة و المنصوص عليها في مواثيق منظمة الأمم المتحدة و جامعة الدول العربية و منظمة المؤتمر الإسلامي أن تتقدم المجتمع العربي و الدولي للقيام بواجبات إنسانية لمساعدة ضحايا الأزمة الليبية وتضميد جراحاتهم و السعي الجاد و الحازم لتقصير مدة معاناتهم على الصعيد الإقليمي و الدولي. و كان الدور القطري محل ترحاب و دعم و إشادة من عديد المنظمات الدولية و من جامعة الدول العربية و من مجلس التعاون و بالطبع من كل فصائل ليبيا الجديدة الحرة. فأي أجندة أسمى من هذه المبادئ و القيم الإنسانية والتضامنية التي كانت قطر رائدة في تجسيدها بعيدا عن كل الحسابات الضيقة والصفقات المشبوهة؟ إن قطر تعمل و تناضل لتكون عنصر أمن و استقرار وسلام ويتحول الشرق الأوسط إلى مرحلة البناء والتقدم في كنف الحداثة والعدالة.

534

| 06 أكتوبر 2011

بين قطر وتونس علاقات أكبر وأعمق

عبارة علاقات أكبر وأعمق هي حرفيا التي نطق بها معالي الشيخ حمد بن جاسم بن جبر رئيس مجلس الوزراء وزير خارجية قطر أثناء زيارته القيمة التي قام به لما سماه هو نفسه وطنه الثاني تونس خلال الأسبوع الماضي. وأكد معاليه أن الزيارة تمت بتوجيه سام من لدن حضرة صاحب السمو أمير البلاد ومن ولي عهده الأمين حفظهما الله. ولعله من نافلة القول التذكير بما تم إنجازه خلال هذه الزيارة الأخوية المباركة من دعم أواصر القربى والتعاون والمحبة بين الشعبين الشقيقين حيث ستتحرك الحكومة التونسية بصفة أيسر وأسرع على طريق الإصلاح والتشغيل بفضل نصف المليار دولار سندات قرض بضمان قطري كريم وبفضل المشاريع الكبرى التي ستنطلق بتمويل شركة الديار القطرية وأبرزها مشروع المهدية (بن غياضة) ومشروع توزر السياحي الضخم ومشروع وسط مدينة سوسة الذي سيبعث الحيوية والحركية في قلب هذه المدينة المتوسطية الرائعة. كما أنه من المؤمل انطلاق مشروع مصفاة الصخيرة على أيدي شركة قطر للبترول الدولية بعد أن تم تعليقه لأسباب لم تعد اليوم بعد الثورة قائمة بل حلت الشفافية محل التعتيم. واستمع الرأي العام التونسي باعتزاز تلك المعاني النبيلة التي عبر عنها معالي الشيخ نحو تونس وافتخر أعضاء الحكومة التونسية بالثقة التي تحظى بها بلادنا لدى الدولة القطرية. وهو ما أكده الوزير الأول التونسي السيد الباجي قايد السبسي الذي ذكر أن دولة قطر كانت السباقة والرائدة في تعزيز الثورة التونسية ومباركة إرادة الشعب التونسي. وهاهي اليوم تقف إلى جانب تونس في مواجهة صعوبات تنموية ظرفية ستزول بإرادة الشعب وتضامن الإخوة معنا من أجل تجاوز العسر الراهن. واليوم يحق لنا التفاؤل وأكثر منه أي التحلي بروح المبادرة والتشمير عن سواعد الجد لتحقيق ما اتفق عليه الجانبان القطري والتونسي من معاهدات واتفاقيات تشمل كافة قطاعات الاقتصاد والمشاريع الكبرى وتعاون المؤسسات المصرفية والتأمينية والجمركية والخدماتية بين البلدين وتشمل أيضا مختلف مجالات السياسة والقضاء والإعلام والتعليم والمنظمات الاجتماعية وكذلك التعاون في الميدان العسكري والأمني. هذه المجالات التي تم إقرارها بين الجانبين على مدى اجتماعات اللجنة العليا المشتركة بين الحكومتين. ولا شك في أن هذا التعاون الثنائي مرشح لما سماه معالي الشيخ الانتقال إلى مرحلة أكبر وأعمق. فتونس تحظى لدى قيادة قطر بثقة غالية وهي رصيد ثمين يجب الحفاظ عليه ودعمه خاصة في عهد ما بعد الثورة التونسية وما بعد انتخابات 23 أكتوبر القادم. فالجالية التونسية العاملة في دولة قطر منذ عقود أكدت لإخوتنا القطريين أن التونسي يتحلى بالكفاءة والأمانة ويبذل قصارى جهده لأداء رسالته وتبييض وجه تونس بسلوك أخلاقي ومهني يشرفه ويرفع من مكانة بلاده في وطنه الثاني الذي أواه ومنحه كل حقوقه ووفر له ولأسرته وعياله حياة كريمة ودراسة راقية وتأمينات ضد المرض وضد غوائل الدهر. ولعل كل هذه الجسور الراسخة المؤسسة بين البلدين هي التي ستضاعف من أعداد المواطنين التوانسة العاملين في دولة قطر حيث التزمت الدولة التونسية بإعدادهم الإعداد الجيد قبل حلولهم بالدوحة من حيث التعرف المسبق على عادات الشعب القطري الشقيق وتقاليده وقوانينه وتشريعاته إلى جانب تقوية معرفتهم باللغة الإنجليزية ومهارات المهن التي سيمارسونها حتى تكون المدة التي يقضونها في قطر مرحلة متميزة من العطاء والتعاون وربط أواصر المودة. إن عهد إغلاق السفارة التونسية وقطع العلاقات بين البلدين لأسباب مزاجية قد مضى وانقضى مع النظام التونسي السابق وجاء عهد المسؤولية والارتفاع بالعلاقات القطرية التونسية إلى الدرجة العليا التي تستحقها لأن قطر بفضل دبلوماسيتها الجريئة ومواقفها الرائدة أصبحت بشهادة الجميع منارة عربية وإسلامية تهتدي بها الشعوب العربية والمسلمة لتدشين عصر الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان. وقد أثبت التعاون القطري التونسي في مساندة إرادة الشعب الليبي أن تنسيق الجهود بين الحكومتين وبين منظمات البلدين يؤتي أكله الكريم لفائدة كرامة المواطن الليبي وسيادته على مصيره. فاليوم يعتز التونسي العامل في قطر بأن سفارة بلاده مفتوحة بالدوحة وأن علم تونس يخفق فوقها وعلى رأسها أحد الدبلوماسيين المتميزين المتحمسين لإنجاز مختلف ميادين التعاون والتكامل والتضامن بين الشعبين.

510

| 02 أكتوبر 2011

العودة القوية للباب العالي

استحوذت رحلة رجب طيب أردوغان إلى مصر وتونس وليبيا ولقاؤه مع أبو مازن في القاهرة على أضواء التحليل والتعليق بعد أن زار الرجل بشجاعة أرض الصومال وتعاطف مع شعبها الجائع والمريض واحتضن أطفالها المحرومين حتى من الماء والدواء وكسرة العيش. رجب طيب أردوغان هو النجم الصاعد وهو الأمل الواعد بالنسبة لأكثر من سبعين في المائة من الشباب العربي حسب تقديرات استطلاعات رأي جدية هذه الأيام وليس هناك سر محير في الأمر لأن شباب العرب كشباب أمم الدنيا يحتاج إلى منارات تهديه في غياهب الدجى الراهن ويبحث بالفطرة عن زعماء أمناء يعبرون عن طموحاته المشروعة ويحققون أحلامه المجهضة ويرسمون له خرائط الطريق. كان ذلك حال الشباب الإفريقي حين وجد في المناضل الكبير نيلسن مانديلا ضالته لأنه حرر بلاده بل وقارته من الميز العنصري، كما كان ذلك حال الشباب الهندي في الأربعينيات حين جسد المهاتما غاندي عبقرية الأمة الهندية وأيضا شباب باكستان حين تولى محمد علي جناح قيادة إنشاء الدولة الباكستانية المسلمة. أما في العالم العربي فالتاريخ الحديث يؤكد لنا بأن الزعامات المتألقة التي حررت شعوبها انتهت في معظمها إلى دكتاتوريات عاتية بسبب التشبث العربي بالكرسي إلى مالا نهاية والتخطيط عادة للتوريث. فخاب أمل الشباب العربي في "الجملكيات" العربية التي تحولت إلى " مخابريات " عربية. وهنا جاء رجل عصامي تركي تخرج من تحت عباءة أستاذه طيب الذكر نجم الدين أربكان وأدرك حين ترأس بلدية اسطمبول بأن طاقة الحضارة الإسلامية يمكن أن تعبئ شعبا وتجند شبابا دون الوقوع في فخ التطرف والمغالاة ولا ننسى بأن أربكان هو الذي كان يقول: " إن الإسلام حضارة وليس مجرد دين وقيمه الخالدة هي التي تشكل دينامو السياسات حتى العلمانية منها" وهو القائل كذلك: " أفضل أن تكون تركيا هي الأولى في دار الإسلام على أن تكون الأخيرة في الاتحاد الأوروبي". وقد سعى رجب طيب أردوغان إلى تجسيد حي وعملي وموضوعي لهذه الشعارات. فالحكومة التركية المنبثقة عن قيم الإسلام الحنيف برئاسته أيقنت بأن دول الاتحاد الأوروبي لن تقبل بعضوية تركيا في اتحادها لأسباب عنصرية ودينية دفينة لا تفصح عنها لكنها تطبقها رضوخا لرداءة اليمين المعادي للمسلمين. وبدأ أردوغان مسيرة استقلال القرار التركي عن الإملاءات (أو لنقل الشروط) الأمريكية وعامل إسرائيل الغاشمة بما يتناسب مع بطشها الأرعن، وتقرب من محيط تركيا الجغرافي والحضاري بدبلوماسية أحمد داود أوغلو لينشأ فضاء التعاون الاقتصادي مع كل من إيران وسوريا وأقام علاقات قوية مع جناحي فلسطين: فتح وحماس. وها هو اليوم يدشن عصرا ذهبيا من التحالف الإستراتيجي مع عرب ما بعد الثورات ويؤسس للباب العالي الجديد من دون هيمنة السلطان العثماني ولا ادعاء التفرد بالقرار المركزي. ثم إن أردوغان داخليا وفي عقر دار تركيا يتربع على عرش مؤقت ومريح فقد أوصل بلاده إلى رتبة القوة الاقتصادية الخامسة عشرة في العالم والخامسة أوروبيا وحقق نسبة نمو سنوية لم يعرفها العالم إلا في الصين وأرسى قواعد ديمقراطية حقيقية تبدأ من انتخاب لجنة الحي إلى البلدية إلى مجلس النواب إلى رئيس الجمهورية. وتجرأ من جهة ثانية على أركان الجمهورية التركية ودستورها فحد لأول مرة في تاريخ تركيا من تدخل قيادة أركان العسكر في شؤون الدولة وطالب بمراجعة الدستور الحامي للعلمانية. مما أعطى الحكومة حرية الالتفات إلى السياسة الخارجية لكي تعدل مسارها وتصحح خياراتها وبالتالي تقود إقليم الشرق الأوسط إلى فضاء سلام أعدل وأبقى وأرسخ. وهكذا فإن الباب العالي الجديد يعرض على العرب نموذجا حضاريا وليس سياسيا فحسب لأنه ينبه النخب العربية إلى أن علمانية الدولة لا يعني "كفرها" وأن قيم الإسلام لا تتناقض مع قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وأن الحكومات إذا ما كانت منبثقة من إرادة شعوبها تصبح أقوى وأن أخطر عدو لاستقرار الدول وأمنها يكمن في التشبث الأبدي بالحكم. فليعتبر أولو الأبصار.

481

| 28 سبتمبر 2011

أبعاد السياسة الخارجية في الثورات العربية

يتذكر القراء العرب الألقاب و النعوت التي أطلقها الإعلام على الانتفاضات الكبرى التي هزت عددا من المجتمعات العربية منذ شهور فوصفت التونسية بثورة الياسمين حينا والمصرية بثورة الكرامة حينا آخر و اليمنية بثورة الحرية و الليبية بثورة عمر المختار والسورية بثورة الأحرار إلى آخر قائمة الاجتهادات. و توحي كل هذه التسميات بأن الشعوب قامت ثائرة ضد منظومة حكم داخلي لم تتغير و لم تقرأ حسابا لطموحات الأمة ولم تسمع لأصوات الشباب و لم تتأقلم مع متغيرات العصر من تكنولوجيا الاتصالات التفاعلية حتى أن بعض المراقبين الدوليين أطلقوا على الثورات العربية اسم ثورات الفيسبوك وبعضهم الآخر ابتهج بما سماه الربيع العربي. و بالطبع فإن هذه النعوت صحيحة لكنها صحيحة نسبيا و جزئيا. فقد وقع إهمال البعد الدولي في الثورات أي بعد السياسات الخارجية العربية التي استهدفها الشباب العربي الغاضب. فلم تكن الثورات تنطلق حصريا من البطالة و التهميش و الفساد و الاستبداد فحسب بل انطلقت أيضا من رصيد الغضب الكامن في ضمائر الناس من سياسات الخنوع لإملاءات القوى الخارجية التي مع الأسف تساند ظلم المحتل الإسرائيلي لشعب عربي شهيد و مقاوم هو الشعب الفلسطيني البطل. فالحكومات العربية التي لها تماس مع فلسطين لم تناصر هذا الشعب الشقيق بما تفرضه أخلاقنا أولا و بما تقتضيه حتى مواثيق الدفاع العربي المشترك التي وقعها العرب. فالشعور السائد لدى جماهير العرب هو أن مصر واصلت سياسة كامب ديفيد و أوصدت معبر رفح و استقبل رئيسها مبارك كل القادة الإسرائليين دون أي ثمرة تقطف لصالح القضية العادلة بل بلغ التردي في مصر درجة كون وزيرة الخارجية الصهيونية (تسيبتي ليفني) أعلنت من القاهرة حربها على قطاع غزة. و لم يكن عمرو موسى أفضل حالا لأننا رأيناه يضحك مع بعض وزراء الخارجية العرب ملأ الأشداق بينما غزة ما تزال تحت النار و الرصاص المسكوب. أما تونس في عهد رئيسها السابق بن علي فتوجت دبلوماسيتها بفتح مكتب في تل أبيب و عينت على رأسه دبلوماسيا برتبة سفير. و في سوريا بلد الممانعة يعرف كل الناس أنه لم تطلق رصاصة واحدة ضد المحتلين الصهاينة للجولان على مدى نصف قرن. و جاءت أحداث الجمعة 9 سبتمبر أيلول في القاهرة حول سفارة إسرائيل لتعيد هذا البعد الحساس و الهام إلى دائرة الضوء ليدرك العالم بأن للثورة العربية أبعادا دولية ربما أوجزناها في إرادة تغيير العلاقات الدولية العربية من مرحلة الخنوع المخجل لصلف إسرائيل و حاميها الكفيل الأمريكي المؤيد للظلم الصهيوني بلا ضوابط إلى مرحلة التعبير الحقيقي و الكامل لإرادة الناس أي ابتكار سياسة خارجية جريئة كالتي انتهجتها الدبلوماسية التركية حتى و تركيا تحترم مستحقات عضويتها لحلف الناتو. و هنا لا بد من التذكير بحادثتين هزتا الضمير العربي و المسلم خلال السنة الأخيرة : الأولى هي العدوان السافر على أسطول الحرية و استشهاد تسعة مواطنين أتراك جندلهم رصاص الجيش الإسرائيلي على ظهر الباخرة المسالمة المتجهة نحو كسر الحصار الجائر على قطاع غزة و التي تلاها موقف رجب طيب أردوغان المشرف و الذي أعاد بعض النخوة للأمة. و نذكر كيف تعاملت حكومة تركيا مع الصلف الإسرائيلي دون ضغوط من الشارع التركي حيث عبر رئيس الحكومة أردوغان عن غضبة مشروعة برد الإهانة الدبلوماسية و مغادرة حوار جمعه مع شيمون بيريز ثم إعلان التحرك للأسطول التركي في البحر الأبيض لحماية سفن السلام. و الحادثة الثانية هي قتل خمسة جنود مصريين على الحدود برصاص الصهاينة و بدم بارد رغم وجود معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل. وفي هاتين الحادثتين تأكد للرأي العام العربي و المسلم بأن ناتنياهو يرأس حكومة قمع و غطرسة و قوة واصلت ما بدأه شارون مع العدوان على غزة الشهيدة منذ أعوام خمس. و الأهم أن الشباب العربي الذي أنجز إرادة الشعب المصري بالقضاء على نظام حسني مبارك أدرك بأن الوقت حان للاعتبار بما حدث على الحدود و أصبح يطالب بإعادة النظر في المعاهدة المصرية الإسرائيلية و في اتفاق تصدير الغاز المصري للعدو. وهنا يأتي البعد الدولي للثورة المصرية الذي لم يتوقعة المجلس العسكري الأعلى و الذي يرأسه المشير طنطاوي (20 عاما وزيرا للدفاع مع مبارك). على خلفية هذه الأحداث و استباقا للمستقبل قرأنا التهديد الواضح الصادر عن الجنرال إيال أيزنبرغ قائد الجبهة الداخلية في الجيش الإسرائيلي للشعوب العربية حين قال يوم الجمعة 9 سبتمبر بأنه يتوقع حروبا بين إسرائيل و الدول العربية التي حققت ثوراتها مؤكدا أن هذه الثورات تهدد أمن إسرائيل. الحقيقة و الخلاصة أننا أمام تغييرات جوهرية في منظومة العلاقات الدولية برمتها بدءا من مساندة عربية قوية و فعلية لحقوق الشعب الفلسطيني على ضوء انحسار بطش إسرائيل و تحمل الشعوب العربية لأمانة مصيرها.  

971

| 14 سبتمبر 2011

alsharq
من يُعلن حالة الطوارئ المجتمعية؟

في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم،...

6327

| 24 أكتوبر 2025

alsharq
الكرسي الفارغ

ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...

5082

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
النعش قبل الخبز

لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...

3822

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
نموذج قطر في مكافحة المنشطات

يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...

2859

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
غياب الروح القتالية

تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...

2571

| 23 أكتوبر 2025

alsharq
النظام المروري.. قوانين متقدمة وتحديات قائمة

القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى،...

1770

| 23 أكتوبر 2025

alsharq
الدوحة عاصمة لا غنى عنها عند قادة العالم وصُناع القرار

جاء لقاء حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن...

1617

| 26 أكتوبر 2025

alsharq
أين ربات البيوت القطريات من القانون؟

واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...

1563

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
وجبات الدايت تحت المجهر

لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت...

1086

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
مستقبل الاتصال ينطلق من قطر

فيما يبحث قطاع التكنولوجيا العالمي عن أسواق جديدة...

996

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
وجهان للحيرة والتردد

1. الوجه الإيجابي • يعكس النضج وعمق التفكير...

987

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
كريمٌ يُميت السر.. فيُحيي المروءة

في زمنٍ تاهت فيه الحدود بين ما يُقال...

978

| 24 أكتوبر 2025

أخبار محلية