رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. أحمد القديدي

د. أحمد القديدي

مساحة إعلانية

مقالات

422

د. أحمد القديدي

استراتيجية غربية جديدة للتعامل مع الإسلاميين

09 نوفمبر 2011 , 12:00ص

أعادت الحركات العربية الشعبية (تونس مصر ليبيا اليمن سوريا) لواجهة الأحداث الدولية ملف التعاطي الغربي الرسمي والشعبي مع الإسلاميين. وجاء هذا التحول نتيجة الاعتراف بالواقع أولا وكضرورة استراتيجية لحماية مصالح الغرب ثانيا.

ولابد من التذكير بأن هذا المنعرج له أصوله التدريجية وقد تابعنا كخبراء ملاحظين تحول النخب الغربية الحاكمة والمفكرة من موقف العداء البدائي للإسلاميين إلى سن سياسات مبتكرة للتعامل الذكي معهم بعد سقوط أنظمة عربية قامت على الاستبداد والغش والخديعة وأصبحت العولمة تدريجيا تعني النسيج العالمي المتكامل للتعامل المشترك مع الملفات والقضايا الحساسة.

فالعولمة في جوهرها ليست وقفا على التجارة الحرة وإلغاء الحدود وتعدي الحواجز، بل تحولت إلى شراكة دولية ضرورية لمواجهة التحديات السياسية القائمة أمام العالم بأسره. وقد رأينا في الثمانينيات بداية تشكيل وعي عالمي بقضايا البيئة وحماية الغابات والبحار والهواء من التلوث وسوء الاستغلال، ورأينا في التسعينات مخططات دولية ترعاها منظمة الأمم المتحدة لمقاومة وباء الإيدز، وفي مطلع الألفية الثالثة رأينا مخططات دولية لمقاومة الإرهاب وكشف شبكاته وتجفيف مصادر تمويله ومعالجة الهجرة السرية. وهذه التـشابكات في المصالح جعلت كل الدول مضطرة إلى الاشتراك في التفكير والتدبير إزاء أي قضية ذات طابع دولي من أجل الإعداد لفهمها والتعاطي المشترك معها، لأنه بكل بساطة لا حدود للأزمات البشرية ولا جنسيات محددة للملفات الكبرى ولا سيادة دولة تقف عائقا أمام التضامن الدولي.

هذا هو التحول الأكبر والأخطر في القانون الدولي الجديد القائم بالفعل على الشراكة التي أحببنا أم كرهنا هي التي ستحدد المستقبل إلى الثلاثين عاما القادمة.

ومنذ شهور بدأنا نسمع أصداء واضحة جلية لما يسمى التعامل مع الإسلاميين المعتدلين في العالم الإسلامي بما فيه العالم العربي، وتحول الملف إلى تناصح عالمي فهذه وزارة الخارجية الأمريكية توجه مساعديها إلى الدخول في اتصالات مع حركات ذات توجه ديني وأخلاقي في آسيا الوسطى ومصر وفلسطين والخليج والمغرب العربي لمحاولة التعرف إلى برامجها واستعدادها للمشاركة بقسطها في التحولات الكبرى التي تهب رياحها على المنطقة التي يسميها الأمريكان الشرق الأوسط الكبير.

والدبلوماسية الأمريكية بالطبع تضع المصالح الأمريكية فوق كل القيم والمبادئ، لكنها تنطلق من تحليل للواقع وقراءة للأحداث وتستخلص دروس التاريخ الحديث الذي يصنع أمام أعيننا. فلا بد أن تكون الدبلوماسية الجديدة في واشنطن وعواصم أوروبا فرقت بين حركات الإرهاب الأعمى الناتج عن اليأس الذي ضربها يوم الحادي عشر من سبتمبر وبين تيارات أخلاقية وديمقراطية ومدنية نشأت تحت شعار الإسلام في كل مناطق العالم الإسلامي للتعبير عن حقوق إنسانية ومطالب سياسية ومستحقات اجتماعية وهويات ثقافية بل وحتى طموحات نقابية لم يكن بإمكانها في مناخ الانغلاق والاستبداد وقوانين الطوارئ أن تعبر عنها بشكل سياسي مشروع وعلني ولم يتوافر لها في أوطانها صياغتها في برنامج سياسي وحضاري شرعي ومدني.

واليوم نلاحظ أن واشنطن والاتحاد الأوروبي يتفقان على التخلي عن سياسة الدعم الجائر للمعادين للدين الذين يدينون بالولاء لقيم الغرب نحو توسيع الحوار إلى ما سماه السيد (جون أسلبورن) وزير خارجية اللكسمبورغ "الحركات ذات التوجه الإسلامي والأكثر تمثيلية للمجتمعات المدنية" وهذا الوزير ترأست بلاده الاتحاد الأوروبي ونسقت مع الحليف الأمريكي شؤون السياسة الخارجية الأطلسية وتعاملها المشترك مع شؤون الشرق الأوسط.

وتنطلق هذه الرؤية الجديدة للغرب من القناعة المنطقية بأنه من الضروري تغيير السياسات نحو التعامل مع الواقع السياسي والثقافي والحضاري للشعوب العربية والشرقية عموما كما هو لا كما يتمنى غلاة العلمانية المتطرفون أن يكون، ونظل نراوح جميعا مكاننا بدون أي إصلاح حقيقي خشية أن تقع المجتمعات العربية في أنظمة رجعية استبدادية لأنها ذات منطلقات دينية! وهي الفرضية التي تعطل كل سعي جاد لتغيير واقع الأمة كما جاء في تقرير التنمية الإنسانية للعالم العربي الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للتنمية.

لقد آن الأوان لإحلال السلام المدني محل علاقات العنف والتجريم والتكفير التي سادت أغلب بلداننا على مدى الخمسين عاما الماضية حيث صودرت الحريات المدنية ومنعت الحوارات السلمية حتى انقطعت شعرة معاوية بين هؤلاء وأولئك وتحملت المجتمعات المدنية هذا الكسر في لحمها ودمها في حالات من التأزم والفوضى بلغت في الجزائر حد الحرب الأهلية وفي العراق حد الاحتلال الأجنبي وفي المجتمعات الأخرى حدودا متفاوتة الخطورة والتأثير.

وأمام هذه التحولات العالمية لماذا لا نتحلى نحن العرب حكومات ومجتمعات مدنية بفضيلة العقل والحكمة لنغير ما بأنفسنا لعل الله يغير ما بنا! أليست إعادة التقييم هذه فرصة تاريخية لعزل الإرهابيين باسم الدين أو باسم العلمانية المنسلخة عن الهوية والمعادية لضمير الأمة الذين أساؤوا لا للعرب فحسب، بل للأمة الإسلامية وحضارتها ومصالحها ومصيرها.

مساحة إعلانية