رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

اغضبوا يرحمكم الله

بعدما بث شريط الموت الذي أطلعنا أمس الأول (٤/٤) على ضحايا غارات الغاز السام التي استهدفت بلدة خان شيخون في ريف إدلب، أزعم أن أي عربي شاهده وعرف النوم في تلك الليلة لابد أن يكون قد أصيب بفساد الضمير وتشوهه. أدري أن سوريا أصبحت بلاد الموت واستعراض فنون الإبادة، التي يستعرض حلقاتها كل يوم قتلة هواة ينتمون إلى داعش وأخواتها، وقتلة محترفون ويمارسها النظام البعثي منذ تمكن من السلطة. إلا أنه لم يتح لنا أن نرى الضحايا وهم يتعذبون فتتلوى أجسادهم العارية ونسمع حشرجاتهم وهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة. وهو ما فعله الشريط الفاجع الذي رأيته مع غيري مساء يوم الثلاثاء، وظلت مشاهده المروعة تلاحقني وأصوات الحشرجات الواهنة تدوي في أذني طوال الليل.بحسن نية تصورت أن شيئا ما لابد أن يحدث في العالم العربي في اليوم التالي. مسؤولون يرفعون أصواتهم غضبا أو اجتماع طارئ لأي لجنة أو منظمة تنسب نفسها إلى الأمة العربية، أو مظاهرات غاضبة تخرج إلى الشوارع، تطالب بوقف المذبحة. لكن شيئا من ذلك لم يحدث، باستثناء التصريحات والبيانات الاستنكارية التى مللنا إطلاقها، وعلمتنا التجارب الطويلة والمريرة أنها من قبيل الكلام الأجوف الذي يخاصم الفعل، حتى بدا وكأن العرب أصيبوا بالعقم والخرس.في سبعينيات القرن الماضى نشرت صورة لطفلة فيتنامية هي كيم فان وهي تركض في الشارع عارية ومذعورة، بعدما ألقيت قنابل النابالم على قريتها «تراج بامج»، وإذ صدم العالم برؤية الصورة فإنها حركت المياه الراكدة آنذاك، وأحرجت الحكومة الأمريكية التي كانت تقود الحرب. وكان نشرها أحد العوامل التي أسهمت في وقف الحرب. دخلت الصورة التاريخ، ولاتزال واحدة من أهم عشر صور في العالم، فإن المصور الذي التقطها (نيك أوت) صار نجما وانهالت عليه الجوائز وجرى تكريمه في العديد من عواصم الغرب.منذ دخل العالم العربي عصر الانبطاح، لم يعد يكترث أحد بالقتل الوحشي الدائر فيه. جرائم إسرائيل جرى التستر عليها، حتى تلك التي انفضح أمرها وذاع سرها على الملأ ــ وليست منسية صورة الطفل محمد الدرة الذي قتل وهو في حضن أبيه، ولا قصة إحراق المستوطنين للطفل الرضيع على دوابشة وعائلته الذى صار خبرا عاديا. غاية ما هنالك أن العالم أصيب بالدهشة حين جرفت الأمواج جثة الطفل السورى إيلان كردي على الشاطئ التركي. وحين شاهد الجميع صورة الطفل عمران دقنيش الذي أخرجوه من تحت ركام بيته المدمر في حلب، فإن خبر بكاء المذيعة الأمريكية وهي تبث الخبر طغى على صورته وهو جالس ذاهلا وزائغ العينين.هان العرب على العرب فاستهان بهم العالم. وخرج الإرهاب من عباءة الظلم فانشغلنا بإرهاب الجماعات وغضضنا الطرف عن إرهاب الظالمين. وضاقت السبل بالسوريين فخرجت جموعهم إلى الشوارع منادية «ما إلنا غيرك يا ألله». وتمكن اليأس والإحباط من صبي سوري فأطلق قبل أن يموت عبارته المدوية: سأخبر الله بكل شىء. إذ فقد الأمل في عدالة الأرض فلجأ إلى عدالة السماء. واشتهرت عبارته حتى كتب عنها شاعر لا أعرفه هو حسين حماد قصيدة قال فيها: سأخبر الإله أننى ــ رأيت جُبنكم ــ يعبئ السلام بالرصاص ــ وكان جُل تبغه ــ من لحمنا ــ ويشعل السيجار ــ من أكبادنا ــ ويتكئ في نشوة ــ على وريد قلبنا ــ سأخبر الإله يا أشجار قريتى ــ في ليلهم ــ شاهدتهم ــ يوزعون ضحكتي ــ ويشربون بسمتي ــ في حفلهم ــ ويسمرون فوق جثتي ــ سأخبر الإله ــ يا أوجاع قريتي.لن يتغير شىء من حولنا إذا ما عصف بنا الحزن، لكننا سنفقد إنسانيتنا إذا لم نغضب.

797

| 06 أبريل 2017

كان عندنا برلمان

حين كان في مصر مجلس حقيقي للنواب، فإنه عقد جلسة يوم ١٠ أغسطس عام ١٩٢٦ لمناقشة ميزانية الدولة لعام ١٩٢٥. ولاحظ النائب الوفدى فخري عبد النور أن الحكومة رفعت راتب رئيس محكمة الاسئتناف مائتي جنيه سنويا بصفة شخصية، فوصل الراتب إلى ٢٤٠٠ في السنة، وفعلت ذلك بالنسبة لأحد المستشارين، حينئذ تحفظ النائب عبدالنور معتبرا أن ذلك يعد افتئاتا على استقلال القضاء. وطلب حذف الزيادة صونا لذلك الاستقلال، دافعت الحكومة على الزيادة باعتبار أن المرتبات كانت قد خفضت رسميا وأن البعض نقل من وظيفة ذات راتب أعلى فاحتفظ براتبه السابق.ومع ذلك لم يقتنع الأستاذ فخري ونقل المسألة إلى المناقشة العامة باعتبار أنها تتعلق باستقلال القضاء، وأنه لا يجوز منح أية زيادة شخصية للقاضى.كان سعد زغلول هو رئيس مجلس النواب «المجلس الحقيقى كان له رئيس حقيقى»، فعلق على الموضوع قائلا: رغم أن المبالغ المراد حذفها ليست مهمة في ذاتها، إلا أنها تكتسب أهمية قصوى لأنها تتعلق باستقلال القضاء، وذلك الاستقلال لن يتحقق إلا إذا لم تتدخل فيه السلطة التنفيذية. أو كان تدخلا قليلا جدا. ثم أضاف أن نظام القضاء فى مصر يساعد السلطة التنفيذية على أن تدخل بطرق شتى مشروعة، وذلك أمر يؤسف له، ولكنها تتدخل أيضا بصفة غير مشروعة، بل بصفة تكاد تكون بمثابة رشوة للقضاة. وهذا ما لا يجوز أبدا، ويجب على حضراتكم بصفتكم أن تضربوا على كل يد تمتد إلى هذا الاستقلال «تصفيق حاد». ثم قال: لا يجوز مطلقا أن يمتاز قاض عن زميل له بجانبه إلا إذا كان ذلك يحكم الزمن والقدم.وبعد أن استمع إلى مداخلات النواب ختم المناقشة قائلا: سمعت من كثيرين دفاعا عن القضاء، كما سمعت بغاية السرور دفاعا عنه من معالى وزير الحقانية «العدل» .. وإنى أتشرف أيضا بالدفاع عن القضاء، وأرانى حائرا لهذا الشرف بمنع تدخل الحكومة في استقلال القضاء بهذه الطريقة المعيبة، وبعد كلمته قرر المجلس حذف العلاوات الشخصية المذكورة.القصة السابقة أوردها المستشار طارق البشرى فى كتابه عن «القضاء المصرى»، ثم روى قصة شخصية عن أبيه المستشار عبد الفتاح البشرى الذى كان رئيسا لإحدى دوائر الجنايات بمحكمة الاستئناف بالقاهرة، وقد عايشها وهو لم يبلغ الخامسة عشرة من عمره، إذ حدث أن تم اغتيال المستشار أحمد الخازندار، وكان على دائرة المستشار الأب أن تنظر القضية وذكر المستشار طارق أنه سمع أباه وهو يتداول هاتفيا مع زملائه المستشارين للاتفاق على رفض عرض الحكومة. ومما قاله الأب لزملائه، كيف نقرر لهم سيارة دون أن تعمم على كل مستشارى المحكمة، وهل أنهم هم أولى من أمن غيرهم؟ وكيف يسوغ أن يرى المتقاضون قاضيهم وهو ينزل من السيارة المحروسة أمام المحكمة؟ وإن ظنوا بحق أنه خائف فكيف يطمئنون إلى قاضيهم وإلى حيرتهم وهم يرونه خائفا؟ ثم قال: إن شرعية القاضى عند الخصوم الماثلين أمامه راجعة إلى أنهم يطمئنون إلى حيدته، وإنه سيان عنده حسبما يظهر له أنه الحق الحكم ضد هذا أو ضد ذاك، فهل يطمئنون وهم يرونه خائفا ومحروسا.لم يكن لدينا برلمان حقيقي فقط، ولكن قضاة حقيقيون.

539

| 05 أبريل 2017

تفكير آخر في فتنة القضاء المصري

أيكون اللعب الحاصل في ملف القضاة هذه الأيام حلقة في مسلسل ترتيب الأوراق قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة (عام ٢٠١٨)؟(١)أتحدث عن مفاجآت الساحة القضائية التي باغتت المصريين في الأسابيع الأخيرة، حين فوجئنا ذات يوم بوكيل اللجنة التشريعية بالبرلمان يقدم مشروعا جديدا للسلطة القضائية يقلب نظام تعيين رؤساء الهيئات القضائية. بحيث يلحقها عمليا برئاسة الجمهورية. ذلك أن المتعارف عليه والمعمول به منذ أن صدر قانون استقلال القضاء في عام ١٩٤٣، أن تلك الهيئات هي التي تختار رؤساءها، لكن الاقتراح المقدم دعا إلى تعديل العملية بحيث يتولى رئيس الجمهورية القرار، إذ يختار واحدا من ثلاثة ترشحهم الهيئة القضائية، ثم فوجئنا بأن الاقتراح عرض على اللجنة التشريعية، التي وافقت عليه قبل الاسترشاد برأي القضاة، وخلال أربع وعشرين ساعة عرض الأمر فجأة على مجلس النواب دون أن يكون مدرجا على جدول الأعمال، ولأن رئيس المجلس متخصص في تمرير رغبات السلطة التنفيذية، منذ قام بتمرير ٣٤٠ قانونا أصدرها رئيس الجمهورية خلال ١٥ يوما بمتوسط ٢٠ قانونا في اليوم الواحد، فلم يكن مستغربا أن تتم إجازة المشروع في نفس الجلسة. وهو ما أثار ثورة القضاة الذين رفضوا المشروع وتكتلوا لمعارضته. وحدثت بعد ذلك مفاجأة أخرى بدت تصعيدا للمواجهة بين المجلس والقضاة، إذ نشر يوم الجمعة ٣١/٣ أن ثمة مشروعا يجري إعداده للعرض على البرلمان يدعو إلى خفض سن إحالة القضاة إلى المعاش بحيث ينزل من ٧٠ عاما إلى ستين عاما على مرحلتين، وذكرت جريدة «الشروق» أن فكرة خفض سن المعاش جاءت بعد رفض القضاة للقانون سيئ السمعة الذي أصدره البرلمان، الأمر الذي يعني أنها بمثابة عقاب للقضاة ولي لأذرعهم.في أجواء التوجس واهتزاز الثقة، تلقى الجميع رسالة أخرى في الوقت نفسه. إذ في حين نشرت «الشروق» خبر الاتجاه إلى تخفيض سن الإحالة إلى المعاش، الذي يؤثر على دخول أكثر من ألفي قاض، فإنها أبرزت على صفحة داخلية الرسالة الأخرى. فذكرت أنه تقرر إحالة اثنين من كبار القضاة إلى لجنة التأديب والصلاحية يوم ٢٤ أبريل الحالي بما يعرضهم لعقوبات متعددة تتراوح بين اللوم أو النقل لوظيفة غير قضائية أو العزل والإحالة إلى المعاش. القاضيان هما المستشار عاصم عبد الجبار نائب رئيس محكمة النقض والمستشار هشام رءوف الرئيس بمحكمة استئناف القاهرة. و«التهمة» الموجهة إليهما هي اشتراكهما مع الحقوقي نجاد البرعي في إعداد مشروع قانون لمكافحة التعذيب(!) ــ خلاصة رسالة الإحالة كانت كالتالي: من اعترض على التعذيب وسعى إلى وقفه سيعاقب مهما علا مقامه، أما معارضو قانون السلطة القضائية فلن يكونوا بمنأى من العقاب.(٢)المفاجأة أثارت أسئلة عدة، أحدها يتعلق بالجهة التي حركت العملية، خصوصا أن الجميع يعرف أن البرلمان شكلته جهات من خارجه. الثاني ينصب على الهدف من العملية، الثالث يخص أسباب تجاهل البرلمان للهيئات القضائية، وإخفاء أمر المشروع عن أعضاء البرلمان ثم مفاجآتهم بعرضه عليهم والتصويت الفوري عليه، تم تفسير الاستعجال غير المبرر في تمريره.المتابعون للموضوع استحضروا قصة القانون، الذي خول للرئيس عزل رؤساء الهيئات «المستقلة»، وسمي آنذاك قانون جنينة، باعتبار أنه استهدف إقصاء المستشار هشام جنينة الذي رأس جهاز المحاسبات ولم يكن مرضيا عنه آنذاك (عام ٢٠١٦). وخلصوا إلى أن السلطة التنفيذية أزعجتها الأحكام التي صدرت مؤخرا لذلك فإنها أرادت أن تقطع الطريق على اثنين من القضاة المشكوك في انصياعهما للهوى السياسي، بعدما حل عليهما الدور في رئاسة بعض الهيئات القضائية. وهما المستشار يحيى دكروري وهو مرشح لرئاسة مجلس الدولة. والثاني المستشار أنس عمارة المرشح لرئاسة محكمة النقض. وهو من دعاة استقلال القضاء، وقد حسب عليه أنه تلميذ للمستشار حسام الغرياني رئيس النقض الأسبق، وهو من غير المرضي عنهم بسبب انحيازه لاستقلال القضاء ورئاسته للجمعية التأسيسية التي وضعت الدستور أثناء حكم الإخوان. وسمعت شائعات في أوساط القضاة ذكرت أن رئاسة المستشار أنس لمحكمة النقض قد تسهم في إزالة العقبات التي وضعت أمام إنصاف ١٤ قاضيا من دعاة الاستقلال سبق فصلهم من وظائفهم.أضيف من عندي سببا آخر قد يدفع الأجهزة إلى إقصاء المستشار المرشح لرئاسة النقض هو الخشية من أن تقوم المحكمة بإبطال أغلب أحكام القضايا السياسية التي صدرت خلال السنوات الثلاث السابقة وهي التي تمت الإدانة فيها بناء على تحريات الشرطة، باعتبار أن للنقض حكما صريحا لا يعترف بالتحريات كدليل للإدانة ما لم تؤيدها شهادات أو أدلة أخرى. وهناك سبب آخر لإبطال الأحكام التي صدرت في قضايا نظرت في مقر أكاديمية الشرطة باعتباره مكانا غير محايد، وكان رئيس النقض الحالي قد وجه خطابا بهذا المعنى إلى وزير العدل.سواء لبعض هذه الأسباب أو كلها، فإن الجهات التي حركت المشروع أرادت أن تحسم المسألة بحيث يختار رئيس الجمهورية رؤساء الهيئات القضائية قبل ٣٠/٦ القادم، وهو الموعد الذي تنتهي فيه المدة القانونية للرؤساء الحاليين، كما تنتهي فيه دورة مجلس النواب لتبدأ عطلته في ١/٧.(٣)تغول السلطة التنفيذية على القضاء المستقل سبقه تغول آخر على مجالس الإعلام الذي يفترض أن يكون مستقلا. وكنت قد فصلت في هذه النقطة في مقالة سابقة نشرت في العاشر من يناير الماضي (٢٠١٧)، وكان عنوانها «مصر من الضيعة إلى الشخصنة». وخلاصة ما ذكرته أن عبثا تم في إعداد قانون الإعلام الموحد، حوله إلى قانونين، لتنظيم عمل الكيانات الصحفية الثلاث التي نص عليها دستور ٢٠١٤، وهذه الكيانات اعتبرت مجالس وطنية «مستقلة»، لكن رؤساءها يختارهم رئيس الجمهورية من بين من ترشحهم قواعدهم، كما يختار الرئيس ثلاثة أعضاء في مجلس إدارة كل كيان. وذلك يعني أن إدارة الشأن الإعلامي والصحفي لم تعد متروكة لقواعد العاملين في المجالات الإعلامية، من صحافة وتلفزيون وإذاعة.بشكل مواز لإلحاق الكيانات الصحفية بالرئاسة من الناحية القانونية، فإننا نلحظ تدخلا مباشرا من جانبها في ممارسات المجال الإعلامي، وكانت الصحافة القومية تعبر عن الشكل التقليدي لذلك التدخل. وهو ما تطور خلال السنوات الأخيرة بحيث تمثل في المشاركة في القنوات الخاصة، وانتهى بإطلاق قنوات تلفزيونية تابعة للسلطة بصورة مباشرة.غني عن البيان أن تدخلات السلطة وهيمنتها ليست مقصورة على القضاء والإعلام، لأننا نلحظ ذلك في أهم الأنشطة المجتمعية من قانون الجمعيات الأهلية إلى قانون الجامعات، مرورا بالمجالس الشعبية والإدارة المحلية. وإذا أضفنا إلى ذلك أن البرلمان أصبح ذراعا للحكومة وليس رقيبا عليها كما ينص الدستور، ووضعنا في الحسبان القانون الذي أعطى للرئيس حق عزل رؤساء المجالس المستقلة، فذلك يعني أنه لم تعد في مصر مؤسسة تتمتع باستقلال حقيقي، كما يعني أن المجتمع فقد مقومات عافيته ودخل في عصر تأميم المجال العام.من النتائج الخطيرة التي ترتبت على ذلك الوضع أن رئيس الدولة أصبح محملا بكم هائل من المسؤوليات التنفيذية، التي تفوق جميع البشر. لذلك فمن الطبيعي أن تصبح الأجهزة الأمنية طرفا يعول عليه في إصدار القرارات المتعلقة باختيار القيادات.(٤)في العصر الحديث فإن السلطة إذا أرادت أن تحكم قبضتها على المجتمع فإنها تحقق مرادها من خلال أربعة عناصر هي الجيش والشرطة والقضاء والإعلام. الجيش والشرطة يمثلان القوة المادية، والقضاء يوفر الغطاء القانونى. أما الإعلام فقد ظل سلاح التعبئة والتبرير والتسويق. وإذا كان الجيش والشرطة يمثلان القوة المادية فإن القضاء والإعلام ظلا يمثلان القوة الأخلاقية والمعنوية. واحتل القضاء موقعا خاصا باعتباره حارسا لقيم العدل والحرية. وبسبب ذلك الموقع الفريد، فإن الموقف من القضاء ظل دائما معيارا لمدى رسوخ قوائم العدل والحرية في المجتمع. ونحن نشهد في الوقت الراهن مثلا كيف يقود القضاء حملة التصدي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في قراراته التي تنتقص من قيم الحرية في المجتمع.هذه النقطة الأخيرة وثقها وفصل فيها المستشار طارق البشري في كتابه «القضاء المصري بين الاستقلال والاحتواء» الذي أعادت طبعه أخيرا «دار البشير». إذ بين كيف أن ثورة يوليو ١٩٥٢ أحاطت بالقضاء وأبعدته عن التأثير فيما ترى الدولة أنه يمس سياستها. إذ لجأت إلى منع التقاضي في المسائل التي اعتبرتها ذات أهمية سياسية، كما أنشأت محاكم خاصة لنظر القضايا ذات الحساسية السياسية بالنسبة للنظام الجديد (محاكم الثورة مثلا). وفيما عدا بعض الاستثناءات فقد ترك القضاء ورجاله على حالهم، رغم الصدام الذي حدث مع نظام عبد الناصر في عام ١٩٦٩، وأفضى إلى ما سمي بمذبحة القضاة. لكن الأمر اختلف في المرحلة الساداتية التي بدأت في عام ١٩٧٠ وما تلاها. إذ بدأت السلطة في العبث بالقضاء بعدما ضاقت به (في الفترة بين عام ١٩٨٤ إلى عام ٢٠٠٠ حكمت المحكمة الدستورية ببطلان مجالس الشعب الأربعة التي شكلت خلالها). ولجأت في عبثها إلى الإبقاء على هياكل القضاء مع تفريغه من مضمونه (أشرف القضاء على الانتخابات التي تم تزويرها). وهو ما حدث مع الأحزاب التي سمح لها بالتعددية، إلا أن دورها بات منعدما.في الوقت الراهن الذي تمت فيه عسكرة السلطة وأصبحت القوات المسلحة لأول مرة في التاريخ المصري تتصدر المشهد السياسي فإن خطوات التمكين ذهبت إلى أبعد. إذ بعد تذويب الفوارق بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، حل الدور على السلطة القضائية، لكي تمضي على درب الإلحاق، وبعدما قطعت أشواطا عدة في ذلك الاتجاه، اقتضى الأمر استكمال عملية الإلحاق من خلال تعيين رؤساء الهيئات القضائية بقرار من رئيس السلطة التنفيذية.هذه الخلفية تسوغ لي أن أزعم بأن مشروع قانون السلطة القضائية الجديد ليس منفصلا عن الخطوات التي سبقته وجرى فيها إلحاق أهم مؤسسات المجال العام بالسلطة، وحين تتسارع تلك الخطى خلال العام الحالي الذي يسبق الانتخابات الرئاسية التي تحل في العام المقبل، فإننا ينبغي أن نقرأ المشهد بعين أخرى. إذ حين يفضي كل ذلك إلى التمكين للسلطة وتأميم المجال العام فلا تفسير له إلا بحسبانه نوعا من ترتيب الأوراق وتأمين الفضاء الداخلي قبل الانتخابات الرئاسية القادمة. وإذا صح ذلك فإنه يثير سؤالا كبيرا حول كيفية التعامل مع ملف الانقسام السياسي والحرب الأهلية الباردة الجارية منذ ثلاث سنوات في بر مصر.

793

| 04 أبريل 2017

بشرى

في تغطيتها لزيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي لواشنطن، حيث يفترض أن يستقبله اليوم الرئيس ترامب، أبرزت صحيفة «الشروق» في العناوين الرئيسية للصفحة الأولى خبرين هما: أن المساعدات مستمرة، وأن حقوق الإنسان ليست أولوية أمريكية، والأول يشعرنا بالخجل والثانى يشعرنا بالعار. وإذ لا أشك في حسن نية من صاغ العنوان، إلا أنني ما تمنيت أن تكون اليد السفلي مصرية واليد العليا أمريكية، في هذه الزيارة أو في غيرها، الأمر الذي يعيد تعريف «التحالف الاستراتيجي» على كراهتنا له، أما الثاني فلم يخطر على بالي أن تكون حقوق الإنسان الأمريكي مطروحة للبحث أو المساومة، لأن لا السيد ترامب ولا أي مسئول في إدارته يستطيع أن يمس شعرة من حقوق الإنسان هناك، بل إن الرئيس الأمريكي بات من يدوس الجميع على كرامته هذه الأيام. لذلك لست أشك في أن التسامح الأمريكي مقصود به الانتهاكات التي تتعرض لها كرامة الإنسان المصري. وتلك بشرى تشيع الفرح والسرور في أروقة وزارة الداخلية والسجون التابعة لها، فضلا عن أقسام الشرطة وغير ذلك من بؤر التعذيب ومظانه، المعلومة منها والمجهولة، إلا أنها لا تشرف مصر وتمثل إهانة وصدمة بالغة لباقي المصريين.صحيح أن الحديث عن تراجع أولوية حقوق الإنسان في ترتيب علاقات واشنطن والقاهرة أوردته صحيفة «نيويورك تايمز»، إلا أن إبرازه باللون الأحمر ضمن عناوين الصفحة الأولى أعطى انطباعا مغايرا لأول وهلة، خصوصا أن التقرير المنشور أورد تصريحات المتحدث باسم الرئاسة التي تحدث فيها عن برنامج الرئيس المصري ولقاءاته مع المسئولين الأمريكيين والآمال المعلقة على ما وصف بأنه إعادة «تشغيل» العلاقات بين البلدين.صحيح أيضا أن عدم اكتراث الرئيس الأمريكي الجديد بموضوع حقوق الإنسان أو بالديمقراطية ليس خبرا جديدا، لأن ذلك موقف مبكر للرجل عبر عنه في حملته الانتخابية. إلا أن كلامه كان عاما لم يقصد به دولة بذاتها. لكنه حين ورد في بداية زيارة الرئيس السيسي للولايات المتحدة فإنه ثبت الفكرة بالنسبة لمصر صاحبة السجل المشهود في الانتهاكات.من ناحية أخرى، فحين ذكرت «نيويورك تايمز» أن موضوع انتهاكات حقوق الإنسان كان إحدى نقاط الخلاف بين إدارة الرئيس باراك أوباما ومصر فهي لم تضف جديدا إلى مواقفها. لكن المعلومة قد تكون جديدة بالنسبة لأغلب المصريين. ذلك أن الخطاب السياسي والإعلامي المصري لم يتطرق إلى هذه النقطة، وإنما دأب على الحديث عن دعم إدارة أوباما للإخوان، حتى إن إحدى الصحف وصفت آن باترسون السفيرة الأمريكية لدى القاهرة في عهده بأنها كانت «عميلة الإخوان». كما أن الأبواق الإعلامية ظلت طول الوقت تتحدث عن اختراق الإخوان للبيت الأبيض، وتخللت تلك الحملة إشارة إلى علاقة ابن عم أوباما بالتنظيم الدولي.. إلخ.التحليل الذي ذكرته نيويورك تايمز كشف النقاب عن أن التنازع الحقيقي بين واشنطن والقاهرة لم يكن الإخوان موضوعه، وإنما كان محوره موقف الأخيرة من مسألة حقوق الإنسان، التي ظل الدفاع عنها إحدى ركائز التقرير السنوي للخارجية الأمريكية، وإن استثنيت من ذلك ممارسات الإسرائيليين مع الفلسطينيين. لذلك اعتبرت الصحيفة الأمريكية أن ترامب حين أعلن بأنه ليس معنيا بانتهاكات حقوق الإنسان، فإنه أحدث تحولا في السياسة الخارجية الأمريكية التقليدية.في نفسى شىء من هرولة الزعماء العرب نحو البيت الأبيض خصوصا في ظل انحياز رئيسه الفج لإسرائيل، مع ذلك فإننى أتمنى للرئيس المصري النجاح في رحلته، شريطة ألا يعد تراجع أولوية حقوق الإنسان من إنجازات الزيارة.

524

| 03 أبريل 2017

أشقاؤنا المنسيون

ابتداء من أمس (السبت أول إبريل) محظور على الملتحين والمحجبات والمنتقبات من مسلمى الصين ركوب المواصلات العامة، ويتعين إبلاغ الشرطة بأسمائهم. كما يحظر عليهم الزواج بإجراءات دينية، أو إطلاق أسماء على أولادهم من شأنها «إذكاء الحماس الدينى». وسوف يتعرضون للعقاب إذا ما رفضوا متابعة التليفزيون الحكومى أو الاستماع إلى الإذاعة. القيود والإجراءات المذكورة أعلاه نص عليها قانون جديد أصدره برلمان إقليم سينكيانج الخاضع للحكم الذاتى الذي هو معقل المسلمين المنتمين لقومية «الويجور»، (في الصين أكثر من ٥٠ قومية). وهي المقاطعة التي تعرف تاريخيا باسم تركستان الشرقية وقد ضمتها الصين رسميا في عام ١٩٤٩، بعد مناوشات واحتكاكات استمرت طوال القرن الثامن عشر. القانون الذي بدأ سريانه في أول الشهر الحالي يعد أحدث حلقات مسلسل القمع الذي يتعرض له مسلمو الصين الذين لا يزالون يرفضون المظالم التي يتعرضون لها من جانب حكومة بكين، فهي لاتزال تعاملهم كمواطنين من الدرجة الثانية. إذ لا تسعى إلى قمعهم سياسيا ووظيفيا فقط، وإنما تمنعهم من الصيام في شهر رمضان وتضع العراقيل أمام ذهابهم لأداء فريضة الحج. وفي الأسبوع الماضي أصدرت الحكومة تعميما طالبت فيه كل من حمل جواز سفر أن يسلمه إلى الشرطة، على أن يسترده إذا ما قدم طلبا للسفر إلى خارج البلاد. قمع مسلمي الويغور مستمر منذ استولت الصين رسميا على المقاطعة الغنية بالمعادن التي يتراوح عدد سكانها المسلمين بين ١٥ و٢٠ مليون شخص وتبلغ مساحتها مليونا ونحو ٦٦٠ ألف كيلومتر مربع (ثلاثة أضعاف فرنسا). لذلك فإنهم لم يتوقفوا عن الثورة والتمرد والانتفاض طول الوقت مطالبين باستعادة حريتهم وهويتهم. وظل تمردهم يواجه بإجراءات عديدة استهدفت سحق إرادتهم وطمس هوياتهم واقتلاعهم من بلادهم بتهجيرهم وإحلال آخرين من قومية «الهان» الصينية مكانهم، لتغيير التركيبة السكانية لمقاطعتهم. حين بدأ الاتحاد السوفيتي في التفكك، واستعادت جمهوريات آسيا الوسطى استقلالها النسبي في تسعينيات القرن الماضي، جدد ذلك أمل الويغوريين في أن يحذوا حذوهم، على الأقل في استعادة الهوية والشوق إلى الحرية والمساواة. وهو ما قوبل بإجراءات قمع وسحق شديدة من جانب السلطات الصينية، التي باتت تعتبر سينكيانج كنزا لا تستطيع التفريط فيه. خصوصا بعدما تحولت قاعدة للعديد من الصناعات التصديرية المهمة ومنطلقا لكل ما تصدره الصين إلى أوروبا عبر البر. طوال الوقت كانت السلطات الصينية كانت تعتبر النشطاء الصينيين متمردين وانفصاليين وتقمعهم جراء ذلك. وحين ظهرت لافتة الإرهاب في الأفق، تلقفتها حكومة بكين وأصبحت تعتبر الجميع إرهابيين، الأمر الذي يسوغ سحقهم واستباحتهم ويسكت الأصوات الناقدة لإجراءاتها. كما حدث في عالمنا العربي، حين اعتبر كل من عارض المظالم إرهابيا، فإن حكومة بكين شددت من إجراءات القمع والتنكيل بالمسلمين كافة، بدعوى مقاومة الإرهاب واستئصال شأفته. وهي الأجواء التي أحدثت صدى معاكسا في محيط النشطاء الويغوريين، ذلك أن عنف السلطة دفع بعضهم إلى اللجوء إلى العنف في الرد والدفاع عن أنفسهم، ومِن هؤلاء مَن وجد في تنظيم الدولة الإسلامية عنصر جذب يوفر لهم بصيصا من الأمل للخلاص مما يعانون منه. يثير الانتباه والدهشة في هذا الصدد أن العالم العربى والإسلامى يقف متفرجا إزاء ما يجري للمسلمين هناك، رغم أن العالم العربي وحده أصبح ضمن أهم الشركاء التجاريين للصين (في عام ٢٠١٦ وصل حجم تجارة العرب مع الصين ٢٥١ مليار دولار). ولست أشك في أن كلمة عتاب لحكومة الصين على اضطهادها لمسلميها يمكن أن يكون لها صداها في بكين، كما أنها سوف ترفع معنويات مسلمى الويغور الذين يشعرون باليتم جراء تجاهل العالم العربي والإسلامي لهم. لست أنسى أنني حين زرت سينكيانج قبل ربع قرن قادما من باكستان، سألتهم عن فرق التوقيت لكى أضبط ساعتي، فإذا بواحد منهم استنكر سؤالي ورد على قائلا: نحن هنا نضبط ساعتنا على أشقائنا بباكستان، ولن تجد أحدا يرشدك إلى ما تريد. إنهم يعتبرون أنفسهم جزءا من العالم الإسلامى الذي نسيهم وأصبح يعتبرهم متطرفين وإرهابيين.

766

| 02 أبريل 2017

بيان طمس الحقيقة

أكثر ما يلفت الانتباه في إعلان قمة عمان أن اللغة فيه انفصلت عن الحقيقة، حتى أزعم أن نتائج اللقاءات الثنائية الجانبية ربما كانت أفضل بكثير من اللقاء الذي عقده القادة العرب مجتمعين. أقله لأن اللقاءات الثنائية - بين الرئيس السيسي والملك سلمان مثلا - مدت جسورا وأحدثت تفاهمات ما كان لها أن تتم إلا إذا فتح كل طرف قلبه للآخر بدرجة أو أخرى. أما البيان الذي صدر موجها إلى الأمة فلم يتوافر له شيء من هذا أو ذاك. إذ إلى جانب أنه خطاب من طرف واحد فقد روعي فيه أن يرطب الجوانح ويجبر الخواطر ويطمئن الجميع إلى أن القادة لا يزالون عند حسن الظن بهم، ولم يقصروا في القيام بما يجب. والبيان المعلن شاهد على أنهم وفوا وكفوا، ولن يسألهم أحد في شيء مما قالوه.خذ مثلا ما قيل في الشأن الفلسطيني الذي كان محوره الدعوة إلى إطلاق مفاوضات السلام مع الإسرائيليين للتوصل إلى حل على أساس المبادرة العربية التي تبنتها قمة بيروت عام ٢٠٠٢، وذلك إلى جانب إدانة الخطوات الإسرائيلية الأحادية التي تستهدف تغيير الحقائق على الأرض من خلال التوسعات الاستيطانية، وذلك كلام طيب، ليس فيه حرف واحد جديد، لكن الجديد أنه يتناقض مع الحاصل على الأرض. فرئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يرفض التفاوض مع الفلسطينيين يريد أن يبدأ بما أسماه «التسوية الإقليمية» التي دعا إليها، وأيدها الرئيس الأمريكي الجديد. ثم إنه وكل الائتلاف الحاكم في إسرائيل يرفض المبادرة العربية التي أعلنت القمة التمسك بها ويشترط تعديلها، إذ يعتبر الجميع أن العودة إلى خطوط الرابع من يونيو ١٩٦٧ لم تعد واردة، بل صارت تاريخا لا مجال للحديث فيه، فضلا عن أنهم أضافوا شرط الاعتراف بيهودية الدولة. والمتواتر الآن في الصحافة الإسرائيلية أن الاتصالات الجارية لم تبدأ إلا بعد الاتفاق على تعديل المبادرة بحيث تلبي ما يريده الإسرائيليون ولكن بصياغات جديدة تحقق المراد دون أن تصدم المواطن العربي. وكان الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد أحمد أبوالغيط قد تحدث صراحة عن ذلك بل قال إن هناك مشروعا فلسطينيا جديدا للحل في حواره الذي نشرته جريدة «الشرق الأوسط» يوم ٢٣ مارس الماضي. وما عاد سرا أن اجتماع العقبة السري الذي عقد قبل عام ناقش تلك الأفكار التي لا علاقة لها بالبيان الرسمي الذي أعلن. ومعروف أن الرئيس السيسي حضره وشارك فيه نتنياهو والملك عبدالله وجون كيري وزير الخارجية الأمريكي في حينه.من ناحية أخرى فإن حل الدولتين الذي يتحدث عنه الجميع جرى نسفه بالخطوات التي كان آخرها قرار الحكومة الإسرائيلية الذي أجاز المشروع الاستيطاني الذي يربط القدس بمستوطنة «معاليه أدوميم» الواقعة شمال شرق المدينة المقدسة. ولا ينسى في هذا الصدد أن مصر كانت من قدم قرار إدانة المستوطنات إلى مجلس الأمن باسم المجموعة العربية، ثم سحبته بعد ذلك. وإن اضطرت إلى التصويت لصالحه حين أصرت دول أخرى على تقديمه.فضلا عما سبق فإن أكثر ما يبعث على الحيرة والقلق أن يعول العرب على دور للإدارة الأمريكية الجديدة في الموضوع، في حين أن الجميع يعلمون أن ثمة تطابقا في المواقف والمعتقدات بين الرئيس ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

726

| 01 أبريل 2017

سوء تفاهم

أخشى أن يأتي علينا زمان تشيع فيه فيأوساط الإعلاميين الأجانب مقولة: أنهم يتعاملون معنا وكأننا مصريون. وهي مقولة ليست غريبة على أسماعنا منذ جاءت على لسان أم الباحث الإيطالى جوليو ريجينى الذي تحدثت التقارير عن أنه تعرض لتعذيب أفضى إلى مصرعه. وقد قالتها في سياق اتهامها للأمن المصري بالضلوع فيما تعرض له.أيا كان رأينا في اللغط الذي أثير حول ما جرى لصاحبنا الإيطالي، فالشاهد أن ثمة مقدمات توحي بأن بيننا من يتعامل مع الإعلام الأجنبي بذات الأسلوب الذي تتعامل به السلطة مع الإعلام المصري، ولعلي لست بحاجة إلى التفصيل في النقطة الأخيرة، والتدليل على دور التوجهات في صناعة الإعلام المرئي والمقروء. إذ ليس سرا أن النظام القائم في مصر شديد الحساسية إزاء ما ينشر من نقد أو يبث عبر وسائل الإعلام وهي حساسية تزايدت مع تراجع منسوب الديمقراطية في المجتمع. ومما يؤسف له أن ذلك التراجع لم يعد مقصورا على السلطة السياسية وحدها، وإنما أصبح مشهودا في محيط السلطة التشريعية أيضا. والمثل الصارخ على ذلك وقع هذا الأسبوع، حين جرؤ أحد أعضاء مجلس النواب على انتقاد رئيس البرلمان في أنه خالف لائحة المجلس، فما كان من الرجل إلا أنه انتفض غاضبا وقرر إحالته إلى لجنة القيم لمعاقبته على «تطاوله» بما يمكن أن يؤدي إلى إسقاط عضويته!ضيق الصدر الذي يستفحل في الداخل لم يسلم منه الإعلام في الخارج. واتهام الرأي الآخر بأنه خصم تارة ومتآمر تارة أخرى أصبح قاعدة في التعامل مع ما تنشره الصحف الأجنبية أو تبثه الفضائيات الأخرى التي لا صلة لها بالصراع السياسي الدائر في مصر. إذ يغيب عن البال أن تلك المنابر تمارس حريتها في التعبير في مجتمعات ديمقراطية، وأن ما تمارسه من انتقادات ليس مقصورا على مصر وحدها، وإنما له نظيره فيما يتعلق بالأقطار التي تنطلق منها وما كان لها أن تتطرق إلى الحاصل في مصر لولا أنها بلد له أهميته في المنطقة بحيث لا يمكن تجاهله. وبالمناسبة فإن بعض الصحف الأمريكية التي تصنف باعتبارها من خصوم النظام القائم في مصر، نيويورك تايمز وواشنطن بوست مثلا توجه انتقادات للرئيس الأمريكي الحالي وإدارته أقسى بكثير مما تتحدث به عن مصر.لقد خصص رئيس تحرير «الأهرام» المقال الرئيسى لعدد الجمعة الماضية (٢٤/٣) للهجوم على قناة «دويتش فيلا» الألمانية لمجرد أن الإعلامي المصري المعروف يسرى فودة قدم حلقة عن أوضاع مصر الراهنة في برنامجه الأسبوعي الذي يقدمه على شاشتها. ولأنه كان ناقدا وخرج عن الوضع المألوف في البث التليلفزيونى المصري، فقد اعتبرت القناة ضمن «مراكز التحريض»، ووصف البرنامج بأنه «ينضح بالعداء الصارخ لمصر»، ونحن نفهم أن ذلك ليس رأي الكاتب، لكنه تعبير عن الحساسية المفرطة من جانب الأجهزة المعنية إزاء أي نقد في الداخل أو الخارج.في عدد الثلاثاء ٢٨/٣ نشرت «الأهرام» أيضا تقريرا مما تعده الأجهزة المعنية لما ينشر عن مصر في الخارج. كان عنوانه «فصام إعلامي بريطاني تجاه مصر». والتقرير لم يكن تحليلا يفيد القارئ بقدر ما كان محاكمة اتهمت عموم الإعلاميين البريطانيين بأنهم لا يذكرون مصر بخير، ومما أخذه التقرير على وكالة «رويترز» أنها تصر على أن أي حادث يقع في العريش أو رفح إنما وقع في سيناء، دون الإشارة إلى أنه في شمال سيناء فقط. وهو ما اعتبر من القرائن الدالة على سوء نية الإعلام البريطاني.لا تخلو الملاحظة من مفارقة. ذلك أن التقرير طالب الوكالة البريطانية بالتدقيق وحصر الإرهاب الحاصل في مدينتى رفح والعريش فقط، وعدم تعميمه على كل سيناء، لأسباب متعلقة بجذب السياح البريطانيين. والمفارقة في الموضوع تتمثل في أنه في حين أن الأسباب السياحية استدعت ذلك، فإن الأسباب السياسية الداخلية فرضت على الإعلام المصري التهويل من حجم الإرهاب بحيث لا يعمم على سيناء وحدها فقط، وإنما يعمم على مصر كلها. وذلك مما يقتضيه الخطاب التعبوي الساعي إلى التخويف من الإرهاب واعتباره خطرا يستهدف إسقاط الدولة وتهديد وجودها ــ إن المشكلة ستظل قائمة ما لم تصحح النظرة بحيث يعامل الإعلام في الخارج بأسلوب مغاير عن الذي يعامل به الإعلام المصري.

677

| 30 مارس 2017

طموحاتنا التي تراجعت

صار معلوما الآن أن الشاب أحمد الخطيب الذي أصيب منذ سبعة أشهر بمرض «اللشمانيا» الخطير، كان ضمن ٥٢٩ شخصا رشحوا للعفو الرئاسي، ولكن اسمه استبعد من قائمة المفرج عنهم. الذي أكد المعلومة هو الدكتور أسامة الغزالي حرب الذي رأس اللجنة الخماسية التي كلفتها الرئاسة ببحث ملف المظلومين في السجون، بعد إثارته في مؤتمر الشباب بحضور الرئيس السيسي. وأغلب الظن أن الدكتور أسامة أراد أن يرضي ضميره بعدما أثيرت أسئلة عديدة حول دور ومسؤولية لجنته إزاء تجاهل مثل تلك الحالة. لذلك فإنه اختار أن يخرج عن صمته ويعلن على شاشة فضائية «دريم» أن الحالة تم بحثها وأن اسم أحمد الخطيب كان مدرجا تحت رقم ٢٩٢ في القائمة بعدما أيقنت اللجنة أنه جدير بأن يشمله العفو، و في سعيه إلى إبراء ذمته، فإنه أعلن أن قائمة العفو الثانية التي أرسلت ضمت ٥٢٩ اسما، ولكن القرار الذي صدر تضمن ٢٠٣ أسماء فقط. وما لم يقله الدكتور أسامة أن ٥٪ ممن رشحتهم لجنته أدرجت أسماؤهم في القائمة، أما نسبة الـ٩٥٪ الباقية فقد رشحتها جهات أخرى في الدولة. وهى المعلومات التي كنت قد أشرت إليها في تعليقي على الموضوع الذي نشر في ١٨ مارس الحالي.إذا كانت حالة أحمد الخطيب قد استبعدت رغم خطورتها البالغة على حياته، ورغم المخاوف التي يثيرها احتمال نشر الوباء وتوطينه في السجون، فذلك يثير أكثر من سؤال حول المعايير التي يعول عليها في العفو. لقد تضامنت نقابة الأطباء مع أحمد الخطيب ودعت إلى إطلاق سراح المسجونين المصابين بأمراض خطرة، سواء لتوفير العلاج المناسب لهم، أو للسماح لهم بأن يموتوا بين أهلهم وذويهم. كما تضامن معها وتبنى نفس المطالب المجلس القومي لحقوق الإنسان وعدد كبير من الحقوقيين والمثقفين والنشطاء في مجالات عدة. أما حملة التعاطف المتداولة في مواقع التواصل الاجتماعي، فلا تفسير لها إلا أن ضمير المجتمع يجرحه ويستفزه أن يبقى في السجون أمثال هؤلاء، خصوصا أن ابتلاءهم مضاعف. فمظلوميتهم دمرت مستقبلهم، وأمراضهم هددت حياتهم. أضف إلى ذلك أن الإهمال الطبي لنزلاء السجون يعد من قبيل القتل البطىء والمتعمد. ومما يؤسف له أن التقارير الحقوقية المصرية أشارت إلى تزايد حالات الوفاة في السجون بسبب الإهمال الطبي. إذ وثقت ٣٥٨ حالة في عام ٢٠١٥. وهذا الرقم وصل إلى ٤٤٨ حالة في العام الذي يليه (٢٠١٦).يتضاعف القلق حين نكتشف أن اللجنة الخماسية التي شكلتها الرئاسة رشحت ٥٢٦ مظلوما لكي يشملهم العفو في الدفعة الثانية، ولكن القرار الرئاسي تضمن ما لا يزيد على ٥٠ شخصا منهم. ولئن كان جيدا أن يطلق سراح مظلومين آخرين من أي جهة كانوا، إلا أن ذلك يعني أمرين، أولهما أن ثمة أعدادا هائلة من الأبرياء لايزالون قابعين في السجون وينتظرون الفرج. الأمر الثاني أن معيار الإفراج سياسي وليس إنسانيا، بديل أن مائتي شخص من القائمة التي تضمنت ٢٠٣ أسماء، صنفوا باعتبارهم «متعاطفين» فقط (مع الإخوان) كما جاء في البيان الذي نشر على سبيل الخطأ في وسائل الإعلام.إن الإبقاء على المرضى وغيرهم ممن أضعفتهم الشيخوخة فضلا عن طوابير المظلومين والأبرياء لا تفسير له إلا أنه من قبيل التنكيل والانتقام. وذلك جزء من عملية التعذيب التي يتعرض لها الجميع في السجون وأقسام الشرطة. لذلك فإنني أستغرب الغضب المصري إزاء التقارير الدولية التي انتقدت انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، وأحدثها تقرير الخارجية الأمريكية. كأنما المطلوب منها أن تغض الطرف عن تلك الانتهاكات أو تباركها.إن سقف طموحاتنا يتراجع حينا بعد حين. فقد ارتفعت أصواتنا في ثورة يناير ٢٠١١ داعية إلى إطلاق الحريات. ثم أصبحنا نطالب بتحقيقات نزيهة ومحاكمات عادلة للنشطاء. واكتشفنا أن جهدا يجب أن يبذل لمحاكمتهم أمام محاكم مدنية وليست عسكرية. ثم صارت غاية منانا أن يتوقف تعذيب المحتجزين. وتراجعنا خطوات أخرى إلى الوراء حين تمنينا تارة أن يوضع النشطاء في سجون طبيعية وليس السجون مشددة الحراسة التي ترتفع فيها معدلات التنكيل. و في تارة أخرى أصبحنا نطالب بإيداعهم زنازين عنابر عادية وليس في زنازين التأديب. وها نحن الآن نطالب بإنقاذ المسجونين أصحاب الأمراض الخطرة وإطلاق سراح العجزة لكي يموتوا بين أهلهم. وتلك رحلة محزنة وصادمة لا يصدق أحد أننا قطعناها في ثلاث سنين فقط.

618

| 29 مارس 2017

من «اللاءات» إلى «النَّعَمات»

أخشى ما أخشاه أن تشكل قمة عمان العربية التي تعقد غدا منعطفا خطرا يجهز على ما تبقى من عصر «اللاءات» في مواجهة إسرائيل ويدخلنا في زمن «النَّعَمات»!(١)صحيح أن جدول الأعمال يتضمن ١٦ بندا كما صرح الأمين العام للجامعة العربية في أكثر من حديث صحفي، إلا أن كل الدلائل تشير إلى أن فلسطين هي البند الأساسي المعروض على القمة، وأن الـ١٥ بندا الأخرى مجرد «حواشي» عليه. فلا هي قمة توافق، ولا علاقة لها بالأمن القومي العربي، وربما تضمن بيانها فقرة إنشائية عن الإرهاب لا تضيف شيئا إلى ما هو حاصل. وأغلب الظن أنه سيتضمن فقرة تقليدية تحذر إيران وتندد بها. أما الحاصل في سوريا واليمن وليبيا فشأنه متروك للأمم المتحدة ومبعوثيها. وربما كان له نصيب من الإنشاء لملء الخانة وستر العورة.إذا صح ذلك التحليل فإنه يعزز الانطباع بأن قضية فلسطين هي موضوع المؤتمر ومحوره. ولأنها كذلك، فقد توجست شرا من العنوان الذي نشرته صحيفة «الشرق الأوسط» (فى ٢٢/٣) ونقلت عن السيد أبوالغيط وصفه قمة عمان بأنها قمة «تصحيح المسار»، وهو ما يعنى ضمنا أن الأمة انتهجت طريقا خطأ، وصارت بصدد تصويبه. وأقلقني أن العنوان الأبرز الذي تخيرته الجريدة للحوار المطول الذي أجرى معه كان عن «مشروع فلسطيني جديد للحل». وإذ كان ذلك عنوان الصفحة الأولى، فإن الصفحة الثالثة حملت عنوانا مماثلا تحدث فيه صاحبنا عن «رغبة فلسطينية في إعادة صياغة أفكار الحل». وفى شرحه للفكرة نقلت الصحيفة عن السيد أبوالغيط قوله: إن السلطة الفلسطينية ستطرح على قمة عمان مشروعا جديدا للحل يتضمن إعادة صياغة بعض الأفكار للتسوية، على أن ينقل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الرؤية إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال اجتماعهما في واشنطن بعد أيام من ختام القمة.(٢)لأن حسم القضية لا يحتاج لأكثر من كلمتين هما «إنهاء الاحتلال»، فإن الكلام عن «مشروع جديد للحل» و«إعادة صياغة بعض الأفكار للتسوية» يبعث على الارتياب والقلق، فضلا عن أنه يطلق في أجواء غير مواتية. فالعرب في أضعف حالاتهم، وإسرائيل تمارس العربدة والاستعلاء وتحديها للجميع بما فيهم مجلس الأمن ذاته. والإدارة الأمريكية الجديدة تقف على يمين نتنياهو، من الرئيس ترامب إلى سفيره الجديد لدى تل أبيب. مرورا بزوج ابنته الصهيوني المتعصب المرشح لإدارة الملف الفلسطيني. وإذا أضفنا إلى ذلك التسريبات الإسرائيلية التي تتحدث عن خطط نتنياهو وأفكاره أو تلك التي تكشف أسرار وخلفيات علاقة إسرائيل مع بعض العواصم العربية. فإن القلق يصبح خوفا من احتمالات «نكبة ثانية» تلوح إرهاصاتها في الأفق. ولست مبالغا في ذلك لأن الشكوك حول ما هو قادم راجت وتواترت في الدوائر الدبلوماسية، وهو ما دفع زميلنا الأستاذ طلال سلمان رئيس تحرير صحيفة «السفير» البيروتية إلى الحديث في مقاله الأخير بـ«الشروق» (عدد ٢٢/٣) عن «قمة التنازلات الجديدة في عمان»، وإشارته الصريحة إلى الاختلاف الجذري الذي طرأ على وظيفة القمة العربية، التي بدأت سعيا إلى توحيد الصف العربي، ثم صارت مهمتها الوحيدة هي تنظيم ورعاية التنازلات العربية.من المفارقات أنه بعد قرن من إطلاق وعد بلفور (نوفمبر ١٩١٧) عقدت في المرحلة الناصرية قمة الخرطوم (سبتمبر ١٩٦٧) وأعلنت اللاءات الثلاث (لا صلح ــ لا اعتراف ــ لا تفاوض). وهى لاءات صمدت لبعض الوقت ثم بدأت تتراجع بعد زيارة السادات لإسرائيل وتوقيعه معاهدة السلام معها عام ١٩٧٩، وبعد تورط الفلسطينيين في اتفاقية أوسلو عام ١٩٩٣، إلى أن انكسرت اللاءات في قمة بيروت (٢٠٠٢) . وكان أخطر ما فيه أنه عرض التطبيع العربي الكامل مع إسرائيل مقابل انسحابها الكامل من الأراضي العربية المحتلة. وتلك كانت المرة الأولى التي تعرض فيها الدول العربية إمكانية تحول إسرائيل إلى «دولة شقيقة»، مع تجاهل الحديث عن عودة اللاجئين إلى بلدانهم التي طردوا منها. ثم شاءت المقادير أن تعقد قمة عمان هذا العام (٢٠١٧) بعد خمسين سنة من قمة الخرطوم (عام ١٩٦٧)، ليعرض عليها سيناريو جديد يشاع أنه يلغى «اللاءات»، ويرشح بدلا منها قائمة من «النَّعَمات» التي تهدد مصير القضية.(٣)ليس ذلك استنتاجا. لأن القرائن المتوافرة تدل عليه. وقد كان عقد قمة العقبة السرية التي عقدت قبل عام وعلمنا بها من إسرائيل كاشفا في هذا الصدد. ذلك أن محرر «هاآرتس» بارك رفيد الذي أذاع السر ذكر في تقرير له نشر في ١٩ فبراير الماضي أن الإدارة الأمريكية سعت إلى ترتيب ذلك اللقاء لتحريك الجمود الذي ران على المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية. خصوصا أن نتنياهو كان قد تعهد للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما أواخر عام ٢٠١٥ باستعداده للتوصل إلى حل للصراع في إطار «تسوية إقليمية». وكانت خطة نتنياهو مبنية على الاستفادة من الاختراقات التي قامت بها إسرائيل لبعض الأقطار العربية إضافة إلى الوهن والتشتت المخيمين على العالم العربي. وأراد أن يوظف ذلك العامل لكي يصبح عنصرا مساعدا في الضغط على الفلسطينيين وإرغامهم على التحلي بـ«المرونة» التي تنشدها إسرائيل في التوصل إلى اتفاق لحل القضية.مما ذكره المحرر الإسرائيلي نقلا عن مساعدي وزير الخارجية السابق جون كيري أن الرجل ظل طوال عام ٢٠١٥ يحاول أن يجمع بين نتنياهو وأبومازن لاستئناف المفاوضات المجمدة، لكن الأول أحبط جهوده، وتمسك بالمراهنة على الحل الإقليمي. إزاء ذلك استجاب الأمريكيون لرغبة نتنياهو، وأجروا اتصالات مع «أصدقائهم» في المنطقة لترتيب لقاء العقبة لبحث الموضوع. في اللقاء الذي تم في شهر مارس من العام الماضي وشارك فيه الرئيس السيسي ونتنياهو والملك عبدالله، طرح فيه جون كيري مبادرته للحل. وفهم أن أفكار تلك المبادرة نالت موافقة العواصم العربية المعنية، وأن تحريكها متوقف على قبول إسرائيل بها.وإذ يفترض أن مبادرة كيري تستند إلى فكرة «حل الدولتين» على أساس حدود عام ١٩٦٧، فإنها من الناحية العملية تضمنت بنودا حولت فكرة الدولة الفلسطينية إلى صيغة مشوهة لنموذج الحكم الذاتي. وطبقا للنص الذي تم تسريبه، وأورده الدكتور صالح النعامي خبير الشؤون الإسرائيلية فإن المبادرة انطلقت من قبول العالم العربي بتسوية الصراع بما يلبى «الاحتياجات الأمنية لإسرائيل ويضمن تمكينها من الدفاع عن نفسها». وعند ترجمة هذا البند استنادا إلى المعايير الإسرائيلية ــ فإنه يعني استعدادا فلسطينيا للتنازل عن مساحات من الأرض في الضفة الغربية، ترى إسرائيل أن الاحتفاظ بها يعد من الاحتياجات الأمنية لها. ومعلوم أن جميع الأحزاب المشتركة في الائتلاف الحاكم وكذلك المعارضة تعارض الانسحاب من منطقة «غور الأردن»، التي تشكل نحو ٢٨٪ من الضفة الغربية، بحجة أن الاحتفاظ بهذه المنطقة يقلص قدرة أي طرف على مباغتة إسرائيل بشن هجوم من الشرق.من ناحية أخرى فإن نص المبادرة على ترتيبات أمنية تحسن من قدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها يعنى قبول الدول العربية بأن تكون الدولة الفلسطينية بلا سيادة على حدودها. إذ إن المنطق الصهيوني يرى أن ضمان حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها يتطلب بسط السيطرة على الحدود مع الأردن. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن المبادرة تقر باحتفاظ إسرائيل بالتجمعات الاستيطانية الكبرى التي تتمدد على ١٢٪ من مساحة الضفة الغربية، فإن ذلك يعنى عمليا تنازلا فلسطينيا مسبقا عن ٤٠٪ من الضفة.أضاف الدكتور النعامي أن المبادرة تحدثت عن ضم إسرائيل للتجمعات الاستيطانية ضمن صيغة تبادل الأراضي مع الفلسطينيين. لكن الأراضي التي تبدي إسرائيل استعدادا للتنازل عنها تتمثل في منطقة «المثلث» التي تضم ثقلا سكانيا معتبرا للفلسطينيين، الأمر الذي يعد ترحيلا مقنعا ومقننا لهم وتخفيفا من الوجود الفلسطينى في إسرائيل.لا يقف الأمر عند ذلك الحد، لأن كيري أبلغ نتنياهو موافقة العرب على «الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية وضمان الحفاظ على طابعها الأساسي» الأمر الذي يعنى إضفاء شرعية على كل ما يتطلبه الحفاظ على ذلك الطابع، ويقطع كل صلة متبقية للفلسطينيين ببلادهم! ليس ذلك أعجب ما في الأمر، لأن الأعجب أن نتنياهو هو من رفض المبادرة التي عرضها جون كيري بعد حصوله على موافقة العرب عليها! وهو ما عرض رئيس الوزراء الإسرائيلي لانتقاد واسع النطاق من قبل المعارضة، التي اعتبرت أنه ضيع فرصة تاريخية لبلاده كان يتعين اقتناصها!(٤)إذا لاحظت أن ذلك كله حدث أثناء حكم الرئيس باراك أوباما، الذي قيل الكثير عن توتر علاقته بنتنياهو، فلك أن تتصور سقف طموحات الأخير في ظل الإدارة الأمريكية الجديدة. ليس لدي معلومات بهذا الخصوص. لكن المؤكد حتى الآن أمران، أولهما أن نتنياهو رفض العرض السخي والمذهل الذي قدمه جون كيري. الأمر الثاني أن الأمين العام للجامعة العربية ذكر أن القمة سيعرض عليها مشروع فلسطيني جديد للحل، وأن هناك رغبة فلسطينية في «إعادة صياغة أفكار الحل». وهو ما يدعونا إلى التشاؤم، الذي يعززه التحيز الصارخ والمعلن لإسرائيل من جانب الرئيس الأمريكي الجديد الذي يعتبر أن الانتصار لها قضية شخصية وعائلية أيضا. أضف إلى ذلك أن إحباطاته المتوالية في الداخل تحثه على أن يحاول تحقيق أي إنجاز في الخارج. وفى هذه الحالة ستكون القضية الفلسطينية أولى ضحاياه.حتى أكون أكثر دقة فإنني أعترف بأن العالم العربي في علاقته بإسرائيل تجاوز بالفعل عصر اللاءات، لكنه انتقل في العلن حينا وفى السر أحيانا إلى مرحلة «النَّعَمات» التي يجتمع في ظلها الخصام مع الغرام. (صحيفة «معاريف» نشرت في ٣١/٥/٢٠١٦ أن بين الزعماء العرب الذين لا يزالون يتحدثون عن أولوية القضية الفلسطينية من يجري اتصالا هاتفيا مع نتنياهو مرتين أسبوعيا). وهذا «التقدم» يمهد للانتقال إلى طور «النَّعَمات» الذي باتت الظروف مهيأة له، قُطْريا وإقليميا ودوليا. أما شعبيا فذلك هو المجهول الذي نراهن عليه ولا نستطيع التنبؤ به.أدعو الله أن يخيب ذلك الظن، بحيث تصبح مسألة «النعمات» فرية أقرب إلى كذبة أبريل!

611

| 28 مارس 2017

رسالتان من واشنطن

ما تنقله وكالات الأنباء من واشنطن في الآونة الأخيرة، بالنسبة لنا، ليست أخبارا مثيرة فحسب ولكنها رسائل مهمة جديرة بأن تقرأ جيدا. أتحدث عن احتشاد القوى الحية في المجتمع لتحدي الرئيس الجديد دونالد ترامب، بعدما تبين أن سياسته تهدد قيم المجتمع الأمريكي وتقاليده السياسية الراسخة. وكانت الهزيمة المدوية التي مني بها ترامب هذا الأسبوع أحدث جولات الصراع بين المجتمع والرئيس. ذلك أنه منذ حملته الانتخابية دأب على التنديد بمشروع الرعاية الصحية الذي تبناه الرئيس السابق باراك أوباما (أوباما كير)، ووعد بهدمه وتقديم مشروع بديل له. وحين فعلها، اكتشف أنه لن ينال الأغلبية التي تسمح بتمريره. فما كان من رئيس مجلس النواب، بول ريان، إلا أن سحب المشروع تجنبا للفضيحة وسترا لموقف الرئيس. إذ تبين أن رافضي المشروع لم يكونوا خصومه الديمقراطيين فحسب ولكن بعضا من أنصاره الجمهوريين انضموا إليهم في المعارضة الشرسة له. وعلق على ذلك المحلل السياسي الجمهورى البارز شارلي سايكس بقوله إن ذلك أكثر يوم جرى فيه تحدي رئاسة ترامب، معتبرا أن ذلك "لم يكن فشلا فحسب، ولكنه فشل مدوٍّ".ليس ذلك الموقف الوحيد للكونجرس الذي يعارض فيه الرئيس ويتحداه، ذلك أن أعضاء من الديمقراطيين وبعض الجمهوريين لم يكفوا عن انتقاد سياسته، حتى أن أحدهم طالب بالكشف على سلامة قواه العقلية للتثبت من قدرته على الاستمرار في الحكم. ولا يزال التحقيق في علاقته بروسيا موضوع جدل داخل الكونجرس، بسبب تمسك الديمقراطيين بالدعوة إلى إجراء تحقيق خاص في الموضوع.إلى جانب الدور الذي يقوم به الكونجرس. فإن أحدا لا ينسى أن القضاء كان سباقا في كبح جماح الرئيس ورفض أوامره التي دعت إلى منع دخول رعايا ٧ دول ذات أغلبية إسلامية إلى الولايات المتحدة، إذ تولت المحاكم الفيدرالية نقض قراراته وتعليقها، الأمر الذي أثار غضب ترامب ودفعه إلى مهاجمة القضاء واتهامه بأنه أصبح يهدد أمريكا.في هذا الصدد فلا أحد يستطيع أن ينسى الدور الذي يقوم به الإعلام في انتقاد الرئيس وفضح سياساته منذ حملته الانتخابية. ولا تزال كبريات الصحف الأمريكية وأشهر البرامج التلفزيونية تقوم بذلك الدور، سواء من خلال رصد الأكاذيب التي يروج لها أو إفساح المجال لآراء الأكاديميين وعناصر النخبة الذين تصدوا له بكل شجاعة وإصرار، وهو ما أغضب الرجل حتى فقد أعصابه واعتبر الإعلام «عدوا» له، خاصمه وقاطع بعض منابره.خلاصة الكلام أن المجتمع الأمريكي ممثلا في مؤسساته المستقلة هو الذي يتحدى الرئيس الآن ويحاصره. الكونجرس من ناحية والقضاء من ناحية ثانية والإعلام من ناحية ثالثة. وهو ما ينبهنا إلى أمرين ويبعث إلينا برسالتين مهمتين، الأولى أن تلك المؤسسات ما كان لها أن تقوم بذلك الدور الجليل إلا لأنها تشكلت ومارست في أجواء من الحرية والديمقراطية التي وفرت لها الاستقلال وسلحتها بالجرأة والنزاهة السياسية. الأمر الثاني أن قوة مؤسسات المجتمع المدنى هي الحصن الحقيقي الذي يحميه من تغول السلطة ونزق القائمين عليها. وليس صحيحا أن المجتمع تحميه عضلات السلطة أو سلاحها، فتلك لها أهميتها في لحظات معينة وحدود مقدرة، أما القوة الحقيقية والباقية فتتمثل في مؤسسات المجتمع التي تخرج من رحمه ويكون ولاؤها الأول له، بحيث تظل معنية بدعمه وليس التعلق بأهداب السلطة.

457

| 27 مارس 2017

كل الفيلم أم بعضه؟

بعدما تمت تبرئة مبارك وعاد إلى بيته معززا مكرما في حين لايزال الذين ثاروا ضده في السجون، لا مفر من الاعتراف بأن «الفيلم» حقق نجاحا مشهودا، وأن الأطراف التي أشرفت على إنتاجه وإخراجه بلغت مرادها، حتى إشعار آخر على الأقل. وترتب على ذلك أن ارتفع في الفضاء المصري شعار «آسفين يا ريس»، بحيث كاد ينسى كثيرون أن نحو ألف من أجمل شباب مصر قتلوا وما لا يقل عن أربعة آلاف اصيبوا أو تمت إعاقتهم وتشويههم، قبل أن يتم خلع الرجل الذي جثم مع أعوانه على صدر مصر نحو ثلاثين عاما. كان عنوان البراءة للجميع هو ما أعلن في أعقاب تبرئة الرجل، التي سبقتها خطوات محكمة ومدروسة مهدت لذلك من خلال تبرئة أعوانه واحدا تلو الآخر، ومن ثم غسل أيديهم من دماء الشهداء ومن الفساد الذي استشرى والتدليس والتزوير الذي كان إحدى سمات عصره. وبعد إسدال الستار على المشهد الأخير من الفيلم طرح السؤال: لماذا لا نسمع شهادة الرجل على عصره؟ وهو ما فتح الباب لاستدعاء سؤال آخر يقول: ولماذا لا يتكلم الآخرون من أعوانه، وفي المقدمة منهم وزير الداخلية حبيب العادلى لكي نستكمل توثيق تاريخ تلك المرحلة؟ وإذ لا أستبعد حسن نية بعض الذين طرحوا هذه القضية، فإنني أستبعد أن تؤدي مثل تلك الشهادات إلى التعرف على حقائق المرحلة التي سبقت الثورة التي كان مبارك وأعوانه قائمين على الأمر في مصر خلالها. وأقطع بأن كلامهم عن أحداث الثورة التي استغرقت ١٨ يوما لن يخدم الحقيقة بأي حال. كما أنني لا أشك في أنه سيسعى إلى طمسها وتشويهها. ذلك أن شهاداتهم ستظل من قبيل الدفاع عن النفس، الذي لا يمكن أن يصنف باعتباره تاريخا، ولكنه سيظل مستهدفا تبييض تاريخ الرئيس الأسبق ورجاله وعصره. وهو أمر مبرر ومفهوم. لابد أن يكون المحامون قد لجأوا إليه في سياق إقامة مهرجان تبرئة الجميع. ليس لدي كلام عن سنوات حكم مبارك. لأن الإجماع الشعبي الذي بلغ ذروته في ٢٥ يناير كان بمثابة محاكمة حقيقية له، أدانته وأسقطته بجدارة استحقها. وأزعم أن فيلم وقائع الثورة الذي أتحدث عنه جرى إنتاجه وإخراجه بعد ذلك هو ما يستحق الحديث. ذلك أن الفيلم كتبت له روايتان إحداهما أعدها القضاء النزيه والثانية كتبتها الدولة العميقة. الرواية الأولى كتبت في مرحلة براءة الثورة وصفاء الإجماع الوطني، وتمثلت في لجنتي تقصي الحقائق التي رأسها اثنان من أرفع القضاة وأكثرهم نزاهة هما المستشار عادل قورة الرئيس الأسبق لمحكمة النقض الذي رأس لجنة تقصي حقائق أحداث الثورة. واللجنة الثانية رأسها المستشار عزت شرباص رئيس محكمة النقض الأسبق، وهذه تقصت حقائق مرحلة المجلس العسكري. وبطبيعة الحال فقد شارك مع كل منهما عدد معتبر من الإخصائيين والخبراء الذين تولوا بأنفسهم تحري الحقيقة في هاتين المرحلتين. أما الرواية الثانية فقد كتبتها عناصر الدولة العميقة واعتمدت على تحريات وتقارير الأجهزة الأمنية التي استعادت موقعها ودورها، واستهدفت إزالة آثار «عدوان» ٢٥ يناير. ولأسباب مفهومة تم إعدام الرواية الأولى ولم يعد لها ذكر. في حين أصبحت الرواية الثانية بمثابة التاريخ الرسمي للثورة الذي أعاد مبارك إلى بيته مرة أخرى بعدما غاب عنه في إجازة استغرقت ٦ سنوات، واقتضاها حسن إخراج المشهد. ليس ما حدث استثناء في الثورات التي عرفتها البشرية. ذلك أن ما كتب في ظلها كان مجرد شهادات أغلبها كان تزويرا وتدليسا، ولم يكتب تاريخها إلا بعد زوالها. وهو ما يستدعي السؤال التالي: هل عودة مبارك إلى بيته هو كل الفيلم أم جزؤه الأول؟

660

| 26 مارس 2017

رسالة تسمم التلاميذ

ما عدنا قادرين على التحقق من حجم كارثة تسمم تلاميذ المدارس. فجريدة الأهرام تتحدث عن عشرات الضحايا، والشروق أشارت إلى المئات. أما المصري اليوم فقد أشارت في عدد الخميس الماضي (٢٣/٣) إلى ٢٢٦٠ إصابة في محافظة سوهاج وحدها، وأقل من ذلك في المنوفية، وبعدهما جاءت أسوان وبني سويف والسويس والقاهرة. إلا أن القدر المتفق عليه يتمثل في أن التسمم صار ظاهرة تفشت بأعداد متباينة في العديد من المحافظات المصرية. وحين يحدث ذلك فإنه يثير سيلا من الأسئلة ليس فقط بخصوص فساد الموردين، وإنما أيضا عن دور مسؤولي المدارس والمناطق التعليمية، ودور أجهزة الرقابة سواء التي تستهدف حماية المستهلك، أم الرقابة الشعبية المتمثلة في مجالس المحافظات والمدن والقرى. ذلك أن استشراء حالة التسمم يعني أمرين: الأول أننا لسنا بصدد حوادث استثنائية، والثاني أن احتمالات التواطؤ تظل واردة في أجواء الفساد الراهنة.شاءت المقادير أن يتواتر نشر أخبار تسمم تلاميذ المدارس مع فتح ملف اللحوم البرازيلية الفاسدة، التي دأب المستوردون على استيرادها نظرا لرخص أسعارها، ثم تسويقها في أوساط الفقراء الذين يسكنون الأحياء الشعبية، وهم العاجزون عن شراء اللحم نظرا لارتفاع أسعاره حتى أصبحوا يقبلون على شراء أرجل الدجاج وعظامها. وكانت جريدة الشروق قد أبرزت القضية على صفحتها الأولى يوم الخميس الماضي ٢٣/٣ في تقرير أبرزت عناوينه تصريحات لمسؤول في وزارة الزراعة تحدث عن «لحوم برازيلية فاسدة تغرق الأسواق الشعبية». وتعليق التعامل مع ٢١ مجزرا برازيليا لحين ورود تقرير اللجنة المصرية. ومن المعلومات المنشورة أن كميات كبيرة من اللحوم البرازيلية الفاسدة دخلت إلى مصر خلال الفترة الماضية، وتم توزيعها على الأسواق المحلية والشوادر الشعبية. وهو ما ينذر بكارثة تهدد حياة الناس، بسبب الإقبال المنتظر عليها خصوصا بعد انتهاء صيام الأقباط وبدء دخول شهر رمضان. وما ذكره التقرير المنشور أن مصر تستورد من البرازيل ٢٥٪ من اللحوم التي تستجلب من الخارج، وهي كمية كبيرة جدا بالمعايير النسبية.إذا وضعنا مظاهر الفساد سابقة الذكر إلى جانب تعدد مظاهر التوتر والغضب التي بدأ ظهورها على السطح في مختلف أنحاء مصر، فإننا نصبح بإزاء رسالة يجب أن تقرأ جيدا. أتحدث عن مظاهرات الخبز التي تفجرت حين لم يستطع حملة بطاقات التموين الحصول على حصصهم اليومية. في ذهني أيضا المظاهرات التي خرجت احتجاجا على نقص أنابيب البوتاجاز، أو غضبا وسخطا على الشرطة بعدما تكررت حوادث موت المحبوسين جراء التعذيب في الأقسام. وما جرى في سوهاج خلال الأسبوع الماضي أحدث نموذج لذلك، حين اشتبك أهالي إحدى قرى أخميم مع الشرطة احتجاجا على إقامة محطة للصرف الصحي من شأنها أن تدمر مزارع الدواجن التي يرتزق منها الأهالي.وقوع هذه الحوادث التي هي قليل من كثير، يعبر عن تحولات اجتماعية تحتاج إلى تحليل ودراسة، ولا يكفي فيها أن يترك الأمر إلى مديريات الأمن للتعامل معها في حين يقف الجميع متفرجين عليها. ومن الخفة والعجز أن تنسب إلى أهل الشر أو اللهو الخفي، ذلك أن ثمة واقعا يتسم بالتفكك والقلق ينبغي أن يدرس، لينبه أولي الأمر إلى جذور التشوهات التي طرأت على واقع الناس، وهل هي راجعة إلى وطأة الأزمة الاقتصادية، أم إلى ضيق مجالات التعبير المشروع الذي يدفع الناس إلى اللجوء إلى ما ليس مشروعا، أم أنه صدى لضيق صدر السلطة ولجوئها إلى قمع المخالفين، أم أنه راجع إلى تدهور قيمة القانون وتراجع هيبة القضاء؟ وإلى أي مدى أثر موت السياسة وطغيان الانشغال بالأمن على كل ما عداه. لست في وارد الإجابة عن تلك التساؤلات، لكني أتمنى أن يتذكرها أهل الاختصاص قبل فوات الأوان.

603

| 25 مارس 2017

alsharq
الكرسي الفارغ

ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...

3138

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
النعش قبل الخبز

لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...

3099

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
معرفة عرجاء

المعرفة التي لا تدعم بالتدريب العملي تصبح عرجاء....

2856

| 16 أكتوبر 2025

alsharq
العنابي يصنع التاريخ

في ليلةٍ انحنت فيها الأضواء احترامًا لعزيمة الرجال،...

2637

| 16 أكتوبر 2025

alsharq
نموذج قطر في مكافحة المنشطات

يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...

2574

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
ملف إنساني على مكتب وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة

في زحمة الحياة وتضخم الأسعار وضيق الموارد، تبقى...

1407

| 16 أكتوبر 2025

alsharq
أين ربات البيوت القطريات من القانون؟

واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...

1161

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
وجبات الدايت تحت المجهر

لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت...

975

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
وجهان للحيرة والتردد

1. الوجه الإيجابي • يعكس النضج وعمق التفكير...

948

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
القيمة المضافة المحلية (ICV)

القيمة المضافة المحلية (ICV) أداة إستراتيجية لتطوير وتمكين...

822

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
دور معلم الفنون في مدارس قطر

في قلب كل معلم مبدع، شعلة لا تهدأ،...

795

| 17 أكتوبر 2025

alsharq
العنابي يحلّق من جديد

في ليلة كروية خالدة، صنع المنتخب القطري "العنابي"...

759

| 17 أكتوبر 2025

أخبار محلية