رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

هزل في موضع الجد

لا نستطيع أن نتجاهل حقيقة أن مصر دخلت مرحلة الفقر المائي. وهو ما أدى إلى تناقص نصيب الفرد من المياه بحيث وصل إلى ٧٠٠ متر مكعب سنويا، في حين أن المعدلات العالمية تصل بذلك النصيب إلى ألف متر مكعب. هذا الكلام ليس لي، لكنه جاء على لسان وزير الإسكان الدكتور مصطفى مدبولي، في حديث له أمام مؤتمر لمناقشة توطين صناعة تحلية المياه في الوطن العربي، الذي عقد بالقاهرة في منتصف شهر مارس الحالي. إذ قال أمام السامعين إن التزايد المطرد في عدد السكان بمصر مع ثبات مواردنا التقليدية من مياه الشرب، لم يترك أمامنا خيارا آخر. إذ لا مفر من المضي قدما وبسرعة شديدة في مجال تحلية مياه البحر، وهو ما ينبغي أن يعد خيارا استراتيجيا وثيق الصلة بالأمن القومي في المرحلة الراهنة.هذه الرسالة تدق الأجراس عالية منبهة إلى خطر موشك يهدد الحياة في مصر، التي يندر فيها المطر، وتظل مياه النيل مصدر الحياة والنماء فيها منذ عصور الفراعنة وحتى الوقت الراهن، لذلك لم يبالغ المؤرخ الرحالة اليوناني هيرودوت حيث قال إن مصر هبة النيل، بما يعني أن له فضله في وجودها.حين قرأت تفاصيل المؤتمر التي نشرتها صحيفة «المصرى اليوم» في ١٧/٣، تذكرت أنني قرأت هذا الكلام قبل عدة أشهر. وحين راجعت أوراقي عثرت على قصاصة لتقرير إخباري نشرته صحيفة «الوطن» في الخامس من شهر ديسمبر الماضي، أى قبل أكثر من أربعة أشهر، وكان عنوانه الرئيسي الذي ظهر باللون الأحمر هو: وزير الري: انتهى عصر رفاهية استخدام المياه. وفي نص التقرير المنشور أن الدكتور محمد عبدالعاطي وزير الري، والموارد المائية قال أمام المؤتمر الدولي للتطور العلمي والتكنولوجي في إدارة الموارد المائية إن عصر الرفاهية في الاستخدام المفرط للموارد المائية قد انتهى. وأن الزيادة المستمرة في السكان تفرض إعادة النظر في كيفية ترشيد استهلاك المياه إلى جانب التوجه إلى تحلية مياه البحر.الملاحظة الأساسية على تصريحات الوزيرين أنها جاءت أمام مؤتمرين علميين للخبراء تطرقا إلى موضوع أزمة المياه وتقنيات تحليتها. ثم أنهما وجها نفس التحذير. مع فارق زمني بينهما يصل إلى نحو أربعة أشهر. في حين أن أمرا بهذه الخطورة ينبغي أن يوجه إلى الرأي العام وليس إلى الخبراء دون غيرهم، ثم أن إطلاق الكلام كان ينبغي أن يكون مقدمة لشن حملة قومية تنبه وتحذر وترشد الناس إلى كيفية المشاركة في إنقاذ البلد من مجاعة مائية تهدد البشر والزرع والضرع.حين لم يحدث شىء من ذلك، في الوقت الذي امتلأت فيه شوارع العاصمة بالإعلانات والملصقات التي تروج للمسلسلات الجديدة ونجوم البرامج التليفزيونية. فإن ذلك لا يدع مجالا للشك في أن الأمر ليس مأخوذا على محمل الجد، وأن ما قيل في حقيقته هو مجرد كلام مناسبات ليس أكثر. وربما أعطى ذلك انطباعا بأن الوزيرين بالغا في الأمر، حيث لا توجد مشكلة ولا يحزنون. وأسوأ من ذلك بطبيعة الحال أن تكون هناك مشكلة حقيقية ولكن عقلية التركيز على الإنجازات وإشاعة الفرحة والتفاؤل بين الناس تجاهلتها وهونت من شأنها، أملا في أن يأتينا حل من السماء من حيث لا نحتسب.ثمة ملاحظة أخرى مهمة تتمثل في أن كلام الوزيرين أشار إلى أن الأزمة ناتجة عن الزيادة في عدد السكان، ولم يتطرقا إلى موضوع سد النهضة الإثيوبي الذي من شأنه التأثير على حصة مصر من المياه، وهو ما يثير عدة أسئلة حول دوافع السكوت على ذلك الجانب، وغموض الموقف المصري إزاء الفاجعة المنتظرة بعد تمام بناء السد.صحيح أن الغموض يكتنف العديد من قضايا المصير السياسية، لكن حين يتعلق الأمر بالقضايا المعيشية فإن الغموض فيها يصبح استهانة بالمآلات، لا يوصف بأقل من أنه لعب بالنار.

824

| 23 مارس 2017

كارثة عندهم وفرصة عندنا

إذا كنت من المتدينين المواظبين على الصلاة، فنحن أحوج ما نكون إلى دعائك في الوقت الراهن لأن مستقبل البلد في خطر. قد لا أستغرب أن يردد كثيرون هذه الدعوة في بلادنا التي حالها كما تعلم، لكننا لابد أن نستغرب أن يطلقها صحفي محترم، أصبح أحد أشهر نجوم التليفزيون الأمريكي وأكثرهم صدقية. ثم إن الأمر لا يخلو من مفارقة، لأننا اعتدنا أن نلجأ إلى أمريكا لكي تشملنا بالرعاية والرضا وتحل مشاكلنا، ولم يخطر على بالنا أن تدور دورة الزمن بحيث ترتفع الأصوات هناك داعية للجوء إلى الله لكي يحل مشكلة الأمريكيين ويجبر بخاطرهم.صحيح أن صاحب العبارة التي تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي هو الإعلامي المخضرم دان راثر، إلا أنني قرأت الدعوة التي أطلقها في كتابات أخرى لمثقفين أمريكيين قال بعضهم إنه بعدما ابتليت الولايات المتحدة بإعصار ترامب الذي يهدد بتدمير الكثير من القيم التي تعتز بها الولايات المتحدة، فقد حان الوقت لكي يقضى الأمريكيون وقتا أطول لتكثيف الدعاء إلى الله كي يرفع الغمة عن بلادهم.في نظر النخبة الأمريكية فترامب «كارثة». لكنه يعد فرصة يراهن عليها كثيرون في دوائر القرار بالعالم العربي. وذلك وجه آخر للمفارقة. وأحسب أن الشق الأول من هذا المنطوق لم يعد بحاجة إلى إثبات، إذ تتكفل به أغلب التقارير اليومية القادمة من واشنطن التي لم تعد ترى في الرجل فضيلة تستحق الذكر، حتى تكاد تجمع على أنه لن يكمل سنواته الأربع، خصوصا إذا وصلت التحقيقات الجارية بخصوص علاقته بالروس إلى نتيجة ليست في صالحه، بل لم يستبعد صحفي مخضرم ومحترم هو توماس ريكس (له خبرته في الواشنطن بوست) أن يؤدي استمراره في السلطة إلى تعميق الانقسام الأمريكي بما يفضي إلى وقوع حرب أهلية في الولايات المتحدة.إذا كان الأمريكيون سيدبرون أمرهم لأن المجتمع بمؤسساته أقوى من السلطة، إلا أن ما يقلقنا أن يكون لذلك الرئيس الأمريكي دوره في تدبير أمورنا نحن في العالم العربي. ولست واثقا من دقة التسريبات التي تحدثت عن أن استئناف ضخ النفط السعودي لمصر أخيرا كان من ثمار اجتماع الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد في المملكة مع الرئيس ترامب. (أشارت التسريبات إلى أن إسرائيل القريبة من قلبه وعقله كان لها دورها في ذلك). مع ذلك فإن شعورنا بالقلق لابد أن يتضاعف حين نطالع الأخبار والتسريبات الأخرى التي تتحدث عن حلف «سُنِّى» تشارك فيه إسرائيل وترعاه الولايات المتحدة لمواجهة إيران. وتلك التي تتحدث عن مشروع أمريكي للتوصل إلى حل شامل للقضية الفلسطينية لا نتوقع له إلا أن يكون «نكبة» أخرى. كما أننا لم نفهم ــ ولا نتوقع خيرا بطبيعة الحال ــ مما تردد عن علاقة جديدة لمصر مع حلف الأطلنطي وإقامة بعثة دبلوماسية مصرية لدى الحلف في بروكسل. على الأقل فذلك ما نما إلى علمنا وفاجأنا، والله وحده أعلم بما يجرى بعيدا عن أعيننا في الاتصالات والاجتماعات السرية.إنهم في الولايات المتحدة يتطلعون إلى إزالة الكابوس وكيفية احتواء الكارثة التي حلت بهم. في حين أن الرجل القادم من خارج السياسة والمرحب به في العالم العربي، يقوم بدور رئيسي في رسم خرائطه وترتيب أوضاعه. وذلك تحليل إذا صح فهو علامة على بؤس العالم العربي والمدى الذي وصل إليه هوانه. وفى أجواء الغيبوبة التي نعيشها، فإن أخشى ما أخشاه أن ينصرف البعض عن التفكير في مصير المنطقة الذي يتشكل الآن في واشنطن، لينشغلوا بالجدل حول ما إذا كانت صلاة الأمريكيين في هذه الحالة ستقبل أم لا؟!

509

| 22 مارس 2017

في فلسطين فقط

فقط في فلسطين يقف الأب فخورا ومنتصب القامة أمام جثمان ابنه الشهيد، يصوب بصره نحوه ويؤدى له التحية العسكرية في آخر لقاء لهما في الدنيا. في الخلفية يحتشد الآلاف الذين وقفوا في خشوع، منهم من شرع في قراءة فاتحة الكتاب وقد انهمرت الدموع من عينيه، ومنهم من انفجر غضبا وسخطا ومضى يكبر ويهتف داعيا للانتقام تارة. ومحييا مسيرته الجهادية وداعيا إلى وقف التنسيق الأمني مع العدو تارة أخرى.عن اللحظات التي سبقت الجنازة، كتبت رئيس تحرير موقع «الحدث» الفلسطيني قائلة: في غرفة المستشفى الحكومي كان باسل مرتاحا. التف الجميع حول جسدك يا باسل. كأنهم يحيطون بجسد الملك يريدون حمله على العرش. الفخر في أعين الممرضين. هذا يلفك بالعلم. وذاك يلفك بالكوفية. ثالث يضع وسادة تحت رأسك. رابع يتأكد من أن جسدك في مكانه الصحيح. أحدهم يقبل وجهك، وكأن لسان حال كل واحد منهم يريد أن يقول لك إنه فعل شيئا لأجلك، لأنك فعلت الكثير لأجلنا.البطل المسجى كان باسل الأعرج الصيدلي ابن الثلاثين عاما الذي هجر الصيدلة وقرر أن يتفرغ لتحرير فلسطين، حتى صار يوصف بأنه المثقف المشتبك والفدائي الكامل. تكفل التنسيق الأمني باعتقاله مع بعض رفاقه بتهمة حيازة سلاح لاستخدامه ضد أهداف إسرائيلية. في سجن السلطة أهينوا وعذبوا فأضربوا عن الطعام حتى تم إطلاق سراحهم، لكن الإسرائيليين تعقبوهم واعتقلوا رفاقه، فيما اختفى هو عن الأنظار منذ خريف العام الماضي (٢٠١٦). قبل أسبوعين، فجر يوم ٦ مارس الحالي اقتحم الإسرائيليون بيتا اختفى فيه، فتصدى لهم بسلاحه، لكنهم قتلوه بعشر رصاصات ثم اختطفوا جثته. وبعد تسويف ومساومة سلموها لأهله عند آخر حواجز بيت لحم يوم الجمعة الماضي (١٧/٣). في جنازته المهيبة التي سبقت دفن جثمانه في بلدته «الولجة» ببيت لحم، فلسطين كلها كانت هناك. وحين أدى الأب التحية العسكرية أمام جثمانه فقد كان ذلك إعلانا عن ثباته إلى جواره في جيش تحرير فلسطين الذي لم يلق سلاحه بعد. في فلسطين فقط تتزوج مناضلة محكوم عليها بالسجن المؤبد ١٦ مرة من ابن عمها المحكوم عليه بالمؤبد. وبعد سبع سنوات يطلق سراحهما ويلتقيان في عمان، لكن وزارة العدل الأمريكية طالبت أخيرا بتسليمها حين قالت إنها غير نادمة لمشاركتها في التخطيط والتنفيذ لعملية تمت في القدس منذ ١٦ عاما وقتل فيها أمريكيان. هذا تلخيص متقضب لقصة الفتاة أحلام التميمي التي غادرت الأردن إلى الضفة الغربية لتكون قريبة من ابن عمها وفتى أحلامها نزار التميمي المحكوم عليه بالمؤبد في سجن عسقلان. كان نزار ضمن عناصر فتح لكن أحلام التحقت بحماس، واعتقلت بتهمة المساعدة في توصيل أحد مناضلي الحركة لينفذ عملية تفجير بأحد مطاعم القدس في عام ٢٠٠١ أدت إلى مقتل ١٥ إسرائيليا بينهم اثنان يحملان الجنسية الأمريكية. بسبب هذه العملية أدينت أحلام وحكم عليها بالمؤبدات الـ ١٦. لكنها أمضت في السجن ٨ سنوات وأطلق سراحها في عملية لتبادل الأسرى. وبعدما استقرت في الأردن أدرجت وزارة العدل الأمريكية اسمها ضمن المطلوبين في قضايا الإرهاب، ولكن الأردن رفضت تسليمها لعدم وجود اتفاقية للتسليم مع الولايات المتحدة، وفى الأسبوع الماضي وصل إلى إسرائيل ممثلو وزارة العدل الأمريكية لإبلاغ ضحايا عملية القدس (في ٢٠٠١) بقرار محاكمة أحلام التميمي بسبب مشاركتها في قتل الأمريكيين.في إسرائيل فقط يقبع في السجون ٣٥٠ طفلا فلسطينيا تحت ١٥ عاما، في حين يقدم للمحاكم سنويا ما بين ٥٠٠ و٧٠٠ طفل. أحدهم الطفل شادي فراح، الذي اعتقل في ٣٠ ديسمبر عام ٢٠١٥ وكان عمره آنذاك ١٢ عاما. اعتقله الإسرائيليون حين كان منتظرا في محطة الحافلات بمدينة القدس. حيث اتهم زورا بأنه كان يحمل سكينا وحكم عليه بالسجن ثلاثة أعوام، في يوم المرأة العالمي نشرت أمه فيرهان دراغمة رسالة روت فيها قصة ابنها الذي أصبح أصغر أسير في سجون الاحتلال. كان عنوانها: من يعيد شادي طفلا؟ (نشرتها جريدة الشرق الأوسط في ٨/٣) في الرسالة تساءلت: كيف لعيني أن تغفوا وهما لا تريان إلا طفلي الصغير وحيدا في زنزانة باردة مظلمة؟ وهو لم يكن يستطيع النوم إلا في حضني وهو يضع أصبعه في فمه؟ وفى ختامها دعت جميع الرجال والنساء إلى الانضمام إليها لاستعادة شادي وأمثاله من ضحايا سياسة الاحتلال الإسرائيلي المسكون بالغطرسة والظلم والقهر.

802

| 20 مارس 2017

ليتهم كانوا ريما خلف

أخيراً، وجدنا شخصية عربية مهمة تستقيل من منصبها الأممي لرفضها المشاركة في التدليس وتزوير الحقائق في تقرير لإحدى لجان الأمم المتحدة. أتحدث عن الموقف الشجاع الذي اتخذته الدكتورة ريما خلف مديرة «الإسكوا» حين قررت الاستقالة من منصبها الرفيع، وأعلنت في مؤتمر صحفي أن الأمين العام للأمم المتحدة ضغط عليها لسحب تقرير تم إعداده لأنه فضح ممارسات إسرائيل ووصفها بأنها دولة عنصرية تسيطر على الفلسطينيين. «الإسكوا» هي اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (تضم ١٨ دولة)، وإلى حين استقالتها يوم الجمعة الماضي (١٧/٣) كانت الدكتورة ريما ترأس مكتبها في بيروت، بعدما تقلدت مناصب وزارية عدة في الأردن، كان آخرها منصب وزيرة التخطيط ونائبة رئيس الوزراء ثم شغلت بعد ذلك مناصب عدة في الأمم المتحدة. وفي شهر فبراير الماضي أطلقت من تونس تقرير الإسكوا عن «التكامل العربي والنهضة الإنسانية»، وفيه ذكرت أن «أشكال الاستباحة الخارجية للحقوق والكرامة العربية تتعدد. ويبقى أسوأها الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والجولان السوري وأراضٍ لبنانية. (وهو) احتلال يستمر دون رادع في خرق سافر للقرارات والمواثيق الدولية». وخلص التقرير إلى أن «إسرائيل أسست نظام «آبارتايد» (فصل عنصرى)، يهيمن على الشعب الفلسطيني بأكمله». وكانت تلك المرة الأولى التي توجه فيها هيئة تابعة للأمم المتحدة هذا الاتهام الصريح لإسرائيل. هذا الموقف أغضب الإسرائيليين والأمريكيين، فقال السفير الإسرائيلي في الأمم المتحدة داني داتون في بيان أصدره إن «محاولة دمغ إسرائيل زورا بالفصل العنصري هي كذب صارخ ومدان، وأعتبر أن التقرير لا يشكل مفاجأة لأنه جاء من هيئة على رأسها «من دعا إلى مقاطعة إسرائيل، وقارن نظامنا الديمقراطي بأسوأ الأنظمة في القرن العشرين». ودعا إلى النأي بالنفس عن التقرير «المنحاز والمخادع». كما شبه ناطق باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية التقرير بمنشور دعائي نازي معادٍ بشدة للسامية. في الوقت ذاته نددت السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة نيكي هايلي بالتقرير، وأعربت عن غضب بلادها إزاءه، مشيرة إلى أنه يعبر عن دعاية مناهضة لإسرائيل، وأنه «لا يشكل مفاجأة لأنه يأتي من هيئة تكاد تقتصر على أعضاء ممن لا يعترفون بإسرائيل» ولأن من أعده هو «ريتشارد فولك (رئيس بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في غزة)، الذي طالما أعلن مواقف منحازة ومعادية للغاية لإسرائيل. ودعت هايلي الأمانة العامة للأمم المتحدة إلى «سحب التقرير برمته»، مشيدة بموقف الأمين العام للأمم المتحدة الذي تبرأ منه، وأكدت أن الولايات المتحدة «تقف إلى جانب حليفتنا إسرائيل، وستواصل الاعتراض على الأعمال المنحازة ضدها في الأمم المتحدة وحول العالم».. كما قال الناطق باسم الأمم المتحدة في نيويورك إن التقرير نشر دون أي تشاور مسبق مع الأمانة العامة للأمم المتحدة. على صعيد آخر، قالت وزارة الخارجية الفلسطينية إن تقرير «الإسكوا» يدق ناقوس خطر حقيقي و«يجب أن يقود إلى صحوة في المجتمع الإسرائيلي للضغط على حكومته لوقف احتلالها واستيطانها وممارساتها العنصرية قبل أن يغرق المجتمع نفسه في نظام الفصل العنصري».. وانتقدت «اتخاذ بعض الأطراف مواقف سلبية من التقرير ونعته بصفات عديدة والتهديد بسحبه أو إخفائه ومهاجمته لن يخفي حقيقة ما جاء فيه، وحقيقة ما تقوم به إسرائيل من جرائم ترتقي لمستوى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. الزوبعة التي أثارها التقرير أدت إلى سحبه من موقع الأمم المتحدة ووقف إصداره، إذ كانت كل الجريمة فيه أنه التزم بالموضوعة وعبر عن الحقيقة دون غش أو تدليس. وهو ما أغضب الدكتورة ريما خلف، فقررت الاستقالة من منصبها. وضربت بذلك نموذجا مشرفا للمنطقة العربية الملتزمة بضمير الأمة، وليست المسؤولة الأممية المتعلقة بأهداب الوظيفة.. ليتهم جميعا كانوا ريما خلف!

515

| 19 مارس 2017

ظلمات بلا حدود

إذا ما ظلم المرء وأمضى بسبب ذلك في السجن سنوات تطول أو تقصر، ثم شاءت المقادير أن يطلق سراحه قبل انتهاء محكوميته، فهل يشكر من سَجَنَهُ أو يعاتبه؟ وإذا علمنا أنه عانى في السجن ما عاناه من عنت وقهر، فمن في هذه الحالة يعفو عمن؟تساؤلي من وحي الأصداء التي أحدثها العفو في نهاية الأسبوع الماضي عن أكثر من مائتين من المصريين الذين سجنوا ظلما خلال السنوات الثلاث السابقة، لكني قبل أن أفضي بما لدي أستأذن في رواية قصة سمعتها من الشيخ محمد الغزالي الذي حلت ذكرى وفاته في ٩ مارس الحالي. ذلك أن الشيخ رحمه الله كان مديرا للدعوة الإسلامية بوزارة الأوقاف في عهد الرئيس أنور السادات. وانتقد في مؤتمر عام تعديلات قانون الأحوال الشخصية الذي قيل إن قرينة الرئيس كان لها دور فيها. ونقل إلى السادات أنه هاجم السيدة قرينته. (ولم يكن ذلك صحيحا). وبسبب هذه الوشاية أطيح بالشيخ الغزالي فألغيت وظيفته ونقل «مستشارا» في مسجد آخر بالجيزة لم يكن له مكان فيه، فما كان منه إلا أن قبل عرضا للعمل أستاذا للشريعة بإحدى الجامعات السعودية. وغاب هناك نحو أربع سنوات ثم عاد إلى مصر. ولسبب أو آخر أصدر السادات قرارا بتعيينه وكيلا لوزارة الأوقاف لشؤون الدعوة. أبلغ الشيخ بالقرار ودعي إلى لقاء الوزير لاستلام منصبه. وفي اللقاء اقترح عليه الأخير أن يبعث ببرقية شكر إلى الرئيس يحييه فيها ويؤيده. فرفض الشيخ كتابة البرقية، وقال للوزير إن الرئيس هو من أساء إليه ولكن الله هو من أنصفه ورد إليه اعتباره. وحين ضغط عليه الوزير فإن الشيخ خرج من مكتبه غاضبا. وما أن وصل إلى بيته حتى بعث إليه باستقالته من وكالة الوزارة وقعد في بيته مستريح الضمير.ما قاله الشيخ الغزالي هو رأيي في مسألة الشكر على العفو الرئاسي الذي أراه إيجابيا بطبيعة الحال. لكنه إذا كان قد فرَّج كرب ٢٠٣ أشخاص، إلا أنه لم يعوضهم عن الفترة التي عاشوها ظلما في غياهب السجون بعيدا عن ذويهم. وأزعم أن ذلك التعويض (الذي لا أتوقعه) وحده الذي يستحق الشكر. وفي كل الأحوال فإن ترحيبنا بالخطوة التي تمت لا ينبغي أن ينسينا أن الذين تم العفو عنهم يمثلون قطرة في بحر المظلومين التي يعاني منها آلاف آخرون يقبعون في السجون منذ سنوات، وينتظرون الفرج من عند الله.بقيت عندي عدة ملاحظات على ما جرى أختصرها فيما يلي:< معلوماتي أن الذين شملهم العفو ليسوا مرشحي اللجنة الخماسية التي شكلت لهذا الغرض بعد مؤتمر الشباب الذي عقد في العام الماضي. ذلك أن اللجنة ظلت أكثر من ثلاثة أشهر تدرس الحالات التي تستحق العفو، وأعدت في النهاية قائمة ضمت أكثر من ٥٠٠ اسم أرسلتها إلى الرئاسة، لكن القرار الذي صدر لم يشمل سوى ٥٪ من الأسماء التي رشحتها، والباقون (الـ٩٥٪) أدرجتهم جهات أخرى في الدولة.< تشير القرائن المختلفة إلى أن العملية تتسم بصعوبة بالغة وتكتنفها حسابات معقدة تجريها جهات عدة. ورغم أنه يفترض أن كل المعلومات متوافرة ولا يستغرق تحصيلها أكثر من دقائق، إلا أنها في حالة الدفعة الثانية استغرقت خمسة أشهر، ولم تكن مصادفة أن يصدر القرار متزامنا مع قرار إطلاق سراح الرئيس مبارك بعد تبرئته، حتى بدا وكأن التوقيت كان محسوبا لأسباب سياسية.< أثار تحليل القسم القضائي بـ«الشروق» لقائمة المشمولين بالعفو الانتباه إلى أن من بين الـ٢٠٣ أشخاص ٢٠٠ صنفوا باعتبارهم متعاطفين (مع الإخوان) وكان ذلك مبررا لسجنهم ومحاكمة بعضهم. وهو ما يعني أنهم كانوا مجرد متظاهرين سلميين لم يرتكبوا مخالفة للقانون. وبدا مدهشا أن من بين هؤلاء ٣٦ شخصا حكم عليهم بالسجن ١٥ سنة و٢٣ حكم عليهم بالسجن المؤبد. إن ظلمات السجون لا حدود لها.

912

| 18 مارس 2017

إذ تصبح المهنة في خطر

يلفت الانتباه في انتخابات نقابة الصحفيين المصرية التي تجري غدا أن مرشح السلطة لمنصب النقيب ما برح يلح في دعايته على أن المهنة في خطر. حدث ذلك في الوقت الذي تتحدث فيه وكالات الأنباء عن العصر الذهبي الذي تعيش فيه الصحافة الأمريكية. إذ زاد التوزيع والاشتراكات وارتفعت نسبة الإعلانات، الأمر الذي يستحق الرصد والمقارنة. وكانت وكالة «رويترز» قد بثت قبل أيام قليلة تقريرا عن انتعاش كبريات الصحف الأمريكية التي ظلت ردحا من الزمن تعاني من الكساد النسبي. وهو ما تمثل في تراجع توزيع طبعاتها الورقية بعدما أصبح التليفزيون منافسا شرسا لها. حتى أن صحيفة «واشنطن بوست» بجلالة قدرها كانت على وشك الإفلاس، لكن حساباتها تغيرت في ظل الانتعاش الأخير الذي أكدت فيه استقلالها ومارست في ظله درجة عالية من حرية التعبير. وهو ما أدى إلى زيادة عدد العاملين بمكتبها الرئيسي في واشنطن. وقد شمل الانتعاش صحفا أخرى مثل نيويورك تايمز ووول ستريت جورنال وفينانشيال تايمز. ومجلة فانيتى فير، وهي الصحف التي اشتبكت مع الرئيس دونالد ترامب وانضمت إلى معارضيه مما أثار غضبه ودفعه إلى مهاجمتها، فوصف نيويورك تايمز بأنها «فاشلة»، ووصف ناشر «فانيتى فير» بأنه «بليد»، واستثمرت المجلة هجوم ترامب عليها في دعايتها فذكرت في إعلاناتها أن: فانيتى فير المجلة التي لا يريدك ترامب أن تقرأها(!). الشاهد أنه حين استشاط غضب الرئيس ووصف الصحفيين بأنهم أعداء وكذابون وحثالة، فإن القراء ازداد إقبالهم على شراء الصحف ومتابعة ما تنشره.إذ أرجو ألا يساء الظن بي بحيث يفسر بعض الخبثاء كلامي بأنه تحريض على اشتباك صحفنا مع الرئيس لإنعاشها، فإنني أفرق بين حديث الزميل المرشح عن أن المهنة في خطر، وبين المشكلات المالية والتوزيعية التي تواجه الصحف سواء في مصر أو في الولايات المتحدة أو غيرها من الدول. ذلك أن وجود تلك المشكلات لا يعني بالضرورة أن المهنة في خطر. وغاية ما يعنيه أن الصحافة الورقية تواجه أزمات عدة بسبب ثورة الاتصال وتعدد أساليبها أو بسبب موجات الركود الاقتصادي التي تطرأ بين الحين والآخر. وعلى أسوأ الفروض فإن توقف الصحف الورقية عن الصدور لا يعني أن المهنة في خطر، لأن فضاءات ممارسة المهنة عديدة، في الصحافة الإلكترونية والمرئية والمسموعة.المشتغلون بالمهنة يعرفون جيدا أنها لا تنتعش إلا في أجواء الحرية، وتصبح في خطر في حالة واحدة هي حين تصادر حرية التعبير وتصبح الديمقراطية ــ ومن ثم الوطن ــ في خطر. ولا أظن أن ذلك المعنى خطر على بال زميلنا مرشح السلطة. لذلك أرجح أنه قصد بعبارته شيئا آخر مختلفا تماما. ولا أستبعد أن يكون قد أراد أن يوجه رسالة ضمنية يستهدف بها النيل من النقيب الحالي الذي ينافسه والمجلس الذىييعاونه. وهو احتمال تؤيده التعليقات التي ترددت على ألسنة عناصر موالاة السلطة منذ اعتراض النقيب على اقتحام الأمن للنقابة وإلقاء القبض على اثنين من الزملاء اللذين اعتصما بها. وهي الموقعة التي تحولت إلى قضية حكم فيها بالسجن عامين للنقيب والزميلين وتغريم كل منهم عشرة آلاف جنيه. منذ ذلك الحين تحركت عناصر الموالاة (الصحفيون يسمونهم أمنجية) ودعت إلى الانقلاب على النقيب ومجلس النقابة.هذه الخلفية تسوغ لنا أن نقول بأن مرشح السلطة أراد أن يوحي بأن الخطر يتمثل في استمرار النقيب الحالي وأعضاء مجلس النقابة الذين قيل إنهم خليط من الناصريين واليساريين. وإذا صح ذلك التحليل فإن معركة صاحبنا في حقيقتها هي ضد أشخاص غير مرضي عنهم وتعتبرهم الأجهزة الأمنية خطرا ينبغي التخلص منه. ولأنني لست ناشطا نقابيا وأقف خارج التكتلات المتصارعة، فإنني لا أخفي انبهارا بسقف الحرية الذي تتمتع به الصحف الأمريكية، وأتمنى أن تحافظ نقابتنا على استقلالها، بقدر احتفاظها بعلاقة إيجابية مع السلطة، شريطة أن تكون علاقة حوار واحترام متبادل وليس علاقة إلحاق أو تبعية. لذلك أزعم بأن المعركة التي يفترض أن تحسم غدا ليست بين شخصين ولكنها بين نهجين في التعامل مع السلطة، والخطر الحقيقي في هذه الحالة يتمثل في ترجيح كفة الإلحاق على الاستقلال.

403

| 16 مارس 2017

تأميم بعد التكميم

إذا كانت فوضى الفتاوى الدينية مشكلة فإن الحلول الخبيثة أو الساذجة التي تطرح لحلها مشكلة أكبر. أقول ذلك بمناسبة الجدل الذي أثير حول الموضوع في مؤتمر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، واللغط الذي أحدثه نشر خبر عن الشروع في إعداد قوانين جديدة لتنظيم العمل في دار الإفتاء المصرية، ذلك أنني لم أصادف أي حوار جاد حول العوامل التي أدت إلى فوضى الإفتاء. ولاحظت أن الشغل الشاغل للمتحاورين هو كيفية تأميم الفتوى وإحكام سيطرة الدولة عليها. لم أجد إشارة إلى دور ثورة الاتصالات التي أتاحت لكل من هب ودب أن تكون له قناته الخاصة وهو قاعد في بيته، يرسل من خلالها إلى الكافة ما شاء من آراء وتحليلات وفتاوى. لا أذكر أن أحدا أجاب عن السؤال: لماذا ينصرف الناس عن العلماء الذين على رأس المؤسسات الدينية الرسمية في حين يقبلون على من عداهم، ولماذا فقدوا ثقتهم في الأولين وساروا وراء الأخيرين؟ وما علاقة متغيرات البيئة السياسية بكل ذلك؟إن أي متابع للموضوع لا تفوته ملاحظة أن السلطة في مصر لم تسترح يوما ما إلى استقلال الأزهر والمؤسسات الدينية الموازية له. لذلك فإن الشغل الشاغل لأجهزة السلطة ظل متمثلا في كيفية اتخاذ الإجراءات وابتكار الأساليب التي تكفل إخضاع هذه الجبهة كلها لنفوذ السلطة. وأصبحت حدود ذلك الإخضاع تتفاوت بحسب تفاوت معدل الحالة الديمقراطية في البلد. ومنذ برز التطرف وجماعاته في سبعينيات القرن الماضي كثفت السلطة من جهود الإخضاع، حتى بلغت ذروتها في السنوات الأخيرة، التي تطور فيها التطرف وخرجت من عباءته جماعات الإرهاب. وهي الأجواء التي أفرزت وميزت بين نوعين من العلماء، الأولون يخافون من الله، وهؤلاء ظلوا منبوذين طول الوقت، والآخرون يخافون من الحكومة، وهؤلاء جرى الاحتفاء بهم واحتلوا مواقع الصدارة في أغلب المؤسسات الدينية الرسمية فضلا عن منابر الخطاب الديني الموجه.أحدث ما تفتقت عنه قريحة دعاة الإلحاق ذلك الاقتراح الذي تم تداوله في مجلس النواب ودعا إلى إصدار ثلاثة قوانين، الأول يختص بتنظيم العمل داخل دار الإفتاء، ليضمن سيطرة السلطة على آلية العملية. والثاني يدعو إلى تنظيم الفتوى بحيث تصبح مقصورة على أعضاء هيئة كبار العلماء أو دار الإفتاء. والثالث يقضي بتحجيم ظهور الفقهاء على القنوات الفضائية، بحيث لا يسمح بذلك إلا للذين يحصلون على ترخيص من وزارة الأوقاف. وحسبما نشر فإنه في حالة المخالفة يتم تغريم القناة بمبالغ تتراوح بين ٥٠ و١٠٠ ألف جنيه. ويتصور أصحاب المشروع أن تؤدي تلك القوانين إلى الحد من فوضى الإفتاء، بحيث تصبح تحت السيطرة تماما. وهو ما يكمل مساعي وزير الأوقاف الحالي الذي خاض معركة لتعميم الخطبة المكتوبة سلفا بحيث لا يتفوه خطيب المسجد إلا بما تقرره الوزارة وترضى عنه الأجهزة الأمنية.لقد شاءت المقادير أن تنشر الصحف المصرية قبل إثارة موضوع القوانين الثلاثة خبرا له دلالته في السياق الذي نحن بصدده نصه كما يلى: توجه الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية بالتهنئة إلى الرئيس عبدالفتاح السيسى بمناسبة انطلاق الحوار المجتمعي في صباح السبت ٢٥/٢ بحضور عدد من الوزراء ومحافظ مطروح، تمهيدا للبدء في إنشاء أول محطة سلمية للطاقة النووية بمحطة الضبعة في محافظة مطروح. وأكد المفتي أن الشعب المصري عازم على تحقيق البناء والتنمية تحت قيادته. كما شدد على أن الجماعات الإرهابية الظلامية لن تستطيع النيل من قوة وعزيمة الشعب المصري، وإصراره على بناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة، والعبور بالوطن إلى بر الأمان.حين قرأت «الفتوى» قلت إن المفتي سائر على درب وزير الأوقاف، ثم إنه لم يرد فقط أن يستبق جهود تنظيم وترشيد عملية الإفتاء، ولكنه أراد أيضا أن يثبت تجاوبه وتفاعله مع الدعوة المطروحة لتجديد الخطاب الدينى.

610

| 15 مارس 2017

هوامش على دفتر الإرهاب

المعركة ضد الإرهاب نسجت من حولها أساطير عدة بحاجة إلى مراجعة وتحرير.(١)في برلين قال يحيى راشد وزير السياحة المصري إن الاستقرار الأمني والسياسي وراء التحسن الملحوظ في حجم السياحة الوافدة إلى البلاد. في نفس الأسبوع ردد في فيينا علاء عابد رئيس لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب عبارة المسئول المصري التي قال فيها إن مصر وحدها تحارب الإرهاب نيابة عن العالم، ودعا إلى إنشاء تكتل دولي لمحاربة الإرهاب ــ الأول كان يخاطب غرفة برلين للسياحة، والثاني كان يخاطب اجتماعا للأمم المتحدة عقد في العاصمة النمساوية لمناقشة موضوع الإرهاب والجريمة ــ والرسالتان تعبران عن ازدواجية الخطاب المصري إزاء الموضوع. أحدهما يريد أن يجذب السياح والمستثمرين فيتحدث عن الاستقرار والأمان، أما الثاني فهو يبالغ في موضوع الإرهاب فيستنفر ويحذر. مرة بدعوى أنه يهدد العالم ومرة ثانية بدعوى أنه يهدد الدولة ويدعو إلى إسقاطها. وذلك ليس موقفا جديدا، لأنه منذ ثلاث سنوات، صار الإرهاب أهم عناوين الحالة المصرية والصيغة الأكثر جاذبية لوصم الصراع السياسي وشيطنته. إلا أنه بمضي الوقت أدرك المسؤولون أن من شأن استمرار ذلك النهج أن يوصد الأبواب في وجوه السياح والمستثمرين. ووجدوا أن ذلك إذا أدى إلى كسب جولة الصراع السياسي، فإنه يفاقم من أزمة الوضع الاقتصادي. بمعنى أنه يخدم النظام ويضر بالوطن.انتبه إلى ذلك الرئيس عبدالفتاح السيسي، فحاول أن يصوب الصورة في حوار تليفزيوني أجرى معه في برشلونة حين زارها في شهر نوفمبر الماضي (٢٠١٦). إذ حين سئل عن الإرهاب فذكر أنه محصور في شريط ضيق بشمال سيناء، في منطقة لا تتجاوز ٢٪ من جملة مساحتها. ولم يكن ذلك تهوينا من شأن الإرهاب، وإنما كان توصيفا دقيقا لساحة مواجهته التي لا تتجاوز في طولها ٤٥ كيلومترا. ذلك أن ما يحدث خارج سيناء (في الدلتا مثلا) فهو في حقيقته حوادث استثنائية لا تشكل ظاهرة كتلك الموجودة في شريط رفح والشيخ زويد والعريش، علما بأن الوجه القبلي الذى يشمل محافظات الصعيد كلها، لم يعرف تلك الحوادث.(٢)هذه الخلفية تسوغ لنا أن نستخلص أمرين، الأول أن الإرهاب ظاهرة مقصورة على شمال سيناء، يعانى منها كل سكان المنطقة البالغ عددهم نصف مليون نسمة. صحيح أن العمليات الإرهابية تستهدف أجهزة السلطة ومؤسساتها، إلا أن المجتمع السيناوي تأثر بها إلى حد كبير، الأمر الذي غير من نمط حياة السكان وعلاقاتهم الاجتماعية كما هدد شعورهم بالأمن، أما في خارج ذلك الشريط الساحلي، في بقية أرجاء مصر، فإن الظاهرة لا وجود لها. والعمليات التي تتم بصورة استثنائية في بعض المدن هي مجرد حوادث إرهابية، لم تؤثر على حركة المجتمع ونمط حياة أفراده، الدليل على ذلك أن أي مواطن ساكن في القاهرة مثلا أو قادم إليها من أي مكان لا يلمس أثرا للإرهاب ولا يسمع عنه إلا من خلال وسائل الإعلام. بل أزعم في هذا الصدد أن قلق المجتمع من سطوة العصابات الإجرامية صار أكبر من قلقه إزاء العمليات الإرهابية.الأمر الثاني أن تعميم حكاية الإرهاب على مصر كلها والإيحاء بأنه يستهدف إسقاط الدولة والإدعاء بأن الصراع ضده هو معركة وجود، ذلك كله من قبيل المبالغات التي تنتمي إلى أساليب التعبئة الإعلامية بأكثر من تعبيرها عن حقائق الواقع. النموذج الدال على ذلك، الذي ذكرته من قبل، يتمثل في قصة تفجير مديرية أمن الدقهلية يوم ٢٤ ديسمبر عام ٢٠١٣، في ذروة الصراع بين السلطة والإخوان، ذلك أن الحادث الذي صدم الرأي العام والسلطة نسب إلى الإخوان على الفور، واستخدم إعلاميا في التعبئة الإعلامية ضدهم على نطاق واسع. وترتب على ذلك أن اجتمع مجلس الوزراء في اليوم التالي مباشرة (٢٥ ديسمبر) وقرر اتهام الجماعة بأنها حركة إرهابية، استنادا إلى التسليم بأنها قامت بذلك العمل الإرهابي الكبير، وما حدث بعد ذلك كان مفاجئا، ذلك أن جماعة أنصار بيت المقدس السيناوية بثت في شهر إبريل عام ٢٠١٤ شريط «فيديو» أعلنت فيه مسؤوليتها عن التفجير وعرضت بالصور مراحل تنفيذ العملية. رغم ذلك فإن متطلبات التعبئة الإعلامية فرضت إلصاق صفة «الإرهابية» بالجماعة، وهو ما استمر في وسائل الإعلام منذ ذلك الحين وإلى الآن. لا ينفى ذلك أن الجماعة وقعت في أخطاء وأخفقت في بعض الحسابات السياسية، لكن ذلك كله شيء وقيادة العمليات الإرهابية شيء آخر. وهو ما تشهد به التجربة التي أثبتت أن مجال الإرهاب الحقيقي كان ولايزال محصورا في شمال سيناء، حيث الحضور القوى والمستعصي لعناصر العنف باختلاف مسمياتها.(٣)أرجو أن يكون واضحا أن مدار البحث وموضوعه ليس التحقيق في مبدأ وجود الإرهاب في مصر، لكن تحرى حجمه ودرجته. وهذه مسألة ينبغي عدم التهوين من شأنها، لأنه باسم مكافحة الإرهاب حشر في السجون نحو ٦٠ ألف مواطن (حسب تقرير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان)، ولاستيعابهم تم بناء ١٩ سجنا جديدا خلال السنوات الثلاث الماضية. ومن هؤلاء قدمت أعداد كبيرة إلى المحاكم الجنائية والعسكرية، التي قررت إعدام المئات منهم. كما صدرت القوانين الاستثنائية التي قيدت الحريات العامة، وجرى العصف بمنظمات المجتمع المدني خصوصا الحقوقية منها، وتعرض مئات للاختفاء القسري كما منع مئات آخرون من السفر إلى الخارج. إلى غير ذلك من الإجراءات التي ذكرتني بعنوان جامع لأحد الكتاب قال فيه: قل (إرهاب) ثم علق المشانق. وهو ما اختزل به المشهد الذي بمقتضاه يتم إشهار عنوان «الإرهاب» في الفضاء العام. ليسوغ اتخاذ كل ما يخطر على البال من إجراءات استثنائية، بما في ذلك تعليق المشانق للأبرياء. وليس ذلك مجرد افتراض، لأنه ما عبر عنه أحد أركان ما سمى بائتلاف ٣٠ يونيو. حين قال في أحد اللقاءات إن الخلاف السياسي لا حل له سوى «اجتثاث الخصوم» أسوة بما فعله الأمريكيون مع عناصر حزب البعث بعد احتلال العراق (عام ٢٠٠٣).بدا التهويل من خطر الإرهاب مقدمة ضرورية لاتخاذ مختلف الخطوات والإجراءات السابق ذكرها. كما أنه ساعد على الترويج لأسطورة أن مصر تحارب الإرهاب نيابة عن العالم. وتقوم بذلك وحدها. وهى العبارة التي أشرت إلى أن أكثر من مسؤول مصري رددها في سياق مخاطبة الداخل والخارج.حين حاولت التحقق من صحة المعلومة أو الأسطورة، تبين ما يلي:< ليس صحيحا أن مصر تحارب الإرهاب نيابة عن العالم. أولا لأن حجم الإرهاب في مصر متواضع كثيرا إذا قورن بغيرها من الدول العربية المحيطة، مثل ليبيا وسوريا والعراق واليمن. وحين نلاحظ أن تلك الدول أصبحت معرضة للتفتت، أو أنها تفتتت بالفعل، فضلا عن أنها أصبحت غارقة في دماء مواطنيها. فإن ذلك يدلنا على أن مصر المتماسكة تواجه مشكلة محلية على مساحة محدودة من أرضها، ولم تنجح الجهود المبذولة في القضاء عليها.< في الدراسات التي أجرتها مراكز الأبحاث الغربية عن خطر الإرهاب في العالم، لم يذكر الباحثون أن الإرهاب في مصر له وضع خاص. فقد ذكرت مجلة «فوربس» الأمريكية أن مصر واحدة من أكثر عشرة أقطار عانت من الإرهاب في عام ٢٠١٥ وهذه الأقطار هي: العراق ــ أفغانستان ــ نيجيريا ــ باكستان ــ سوريا ــ اليمن ــ الهند ــ الصومال ــ مصر ــ ليبيا. أما مؤسسة «إيه أو إن» البريطانية فقد قسمت الدول ستة أقسام واعتبرت مصر ضمن ٢٤ دولة ارتفع فيها مستوى الإرهاب. أما الدول التي صار فيها الإرهاب خطرا فقد وصل عددها إلى ١٥ بينها ٥ دول عربية هي سوريا والعراق واليمن وليبيا والسودان.< ليس صحيحا أن مصر تحارب الإرهاب وحدها. ذلك أن دول الخليج تقف علنا إلى جانبها سياسيا واقتصاديا وأمنيا، حتى أصبحت تمنع دخول غير المرضي عنهم مصريا إلى أراضيها. كما أنها قامت بترحيل أو تسليم معارضي النظام المصري من العاملين لديها. والكلام متواتر عن مشاركة إسرائيل في ملاحقة الإرهابيين في سيناء. وهو ما صرح به وزير الدفاع الإسرائيلي لإذاعة الجيش في ٢٥ فبراير الماضي، وأيده في ذلك كل من عاموس هارئيل المعلق العسكري لصحيفة هاآرتس ومحرر الشؤون العربية لصحيفة فيكور راشوت.(٤)مما سبق نخلص إلى ما يلي:< إن فكرة استخدام الأساطير لتشويه ثورة يناير ٢٠١١ وتبرئة الذين أهانوا الشعب والوطن وظفت مرة أخرى لتصفية الثورة وإجهاض أحلامها في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية. وهو ما تم من خلال نسج مجموعة من الأساطير حول الإرهاب الذي صار السلاح الأمضى الذي استخدم لأجل ذلك.< إن الإرهاب في مصر نطاقه محصور في الشريط الضيق المتمثل في شمال سيناء. وأكرر هنا أنه بمثابة حالة في تلك المنطقة، في حين أنه مجرد حوادث تقع خارج حدودها لأسباب متباينة.< إن الوطن ليس مهددا بالانهيار ولا الدولة مهددة بالسقوط كما يشاع. والترويج لمثل تلك المقولات للتخويف من خطر الإرهاب، كان سبيلا لضرب الديمقراطية وتبرير استخدام العنف والقمع لحسم الخلاف السياسي. وهو ما أدى إلى إماتة السياسة وإنعاش دور الأمن وأساليبه.< إن المبالغة في خطر الإرهاب لم تصرف الانتباه عن تحديات التنمية الحقيقية في الداخل فحسب، ولكنها أيضا أسفرت عن تراجع الاهتمام بالتهديدات الخارجية. وهو ما أدى ليس فقط إلى تراجع أولوية القضية الفلسطينية في الأجندة المصرية، وإنما أدى أيضا إلى تنشيط التعاون الاستخباري مع الدولة العبرية. الأمر الذي أوصلنا إلى مفارقة أصبح في ظلها التطبيع مع إسرائيل مقدما على المصالحة السياسية الداخلية. وصارت إسرائيل التي قامت على الإرهاب حليفا في حين أصبح الأشقاء المعارضون أعداء من أهل الشر.أما أخطر النتائج التي ترتبت على التهويل من حجم الإرهاب وخطره، أن ذلك أدى إلى تشويه الإدراك العام وتعميق انقسام الصف الوطني، الأمر الذي أحدث جراحا في جسم الوطن سنحتاج إلى سنوات وعقود لعلاجها.

462

| 14 مارس 2017

أسئلة سيناء الحائرة

رغم أن أخبار سيناء تنشر في الصحف المصرية بصفة شبه يومية، فإنني أراهن أن يكون أحد فهم منها شيئا، باستثناء أن هناك معركة مفتوحة منذ ثلاث سنوات، وضحاياها يسقطون كل يوم دون أن تلوح لها في الأفق نهاية. خذ مثلا العنوان الرئيسي لصحيفة «الشروق» يوم السبت ١١/٣. الذي كان نصه كما يلي: إرسال أجهزة تشويش إلى سيناء بعد استشهاد ضابطي شرطة. وفي التقرير المنشور تحت العنوان ــ المنسوب إلى مركز الإعلام الأمني ــ أنه أثناء مرور مجموعة من رجال الأمن بأحد شوارع مدينة العريش، لاحظت أن بعض العناصر الإرهابية تحاول زرع عبوة ناسفة على جانب الطريق فتم التعامل معهم وتبادل إطلاق النيران. فلقي أحدهم حتفه، وعثر إلى جانب جثمانه على عبوة ناسفة بينما لاذ الآخرون بالفرار وأثناء التعامل مع العبوة الناسفة انفجرت، مما أسفر عن استشهاد ضابطين، أحدهما برتبة مقدم والثاني برتبة نقيب، كما تمت إصابة 4 آخرين. وفي النص المنشور أن «الشهيدين والمصابين واجهوا ببسالة متناهية وخاضوا معركة شرسة مع الإرهابيين والانتحاري الذي حاول الاقتراب من أحد المواقع الأمنية وتم إطلاق النار عليه».رغم التفاوت النسبي بين الروايتين فإن القاسم المشترك بينهما أن محاولة إجهاض العملية الإرهابية أسفرت عن قتل أحدهم، واستشهاد ضابطي شرطة أحدهما برتبة رفيعة، أثناء التأمل مع العبوة الناسفة. أما بقية الإرهابيين فإنهم هربوا وابتلعتهم الصحراء.في بقية الخبر تفصيلات أخرى عن انتقال قيادات وزارة الداخلية إلى العريش لإعادة تنفيذ الحملات التي تستهدف أوكار الإرهابيين في رفح والشيخ زويد والعريش. مما ذكر أيضا أن وزير الداخلية عقد اجتماعا مع مساعديه، وشدد على ضرورة تدعيم قوات الشرطة بخبراء مفرقعات وأجهزة تشويش لإبطال مفعول العبوات الناسفة، أثناء تحرك قوات الشرطة. كما تم إعلان حالة التأهب بأقصى درجاتها على كمائن الأمن في شمال سيناء... إلخ.من التفاصيل نفهم أن الاحتياطات والتجهيزات التي كان ينبغي اتخاذها قبل الحادث، بما فيها الطوارئ القصوى. تقررت بعدما وقعت الواقعة وتم استشهاد الضابطين: علما بأنني حين رجعت إلى من أعرف في العريش قال مصدران من أهل الدراية إن «الإرهابيين» كانوا شخصين، أحدهما قتل والثاني هرب.خذ أيضا الأخبار التي باتت تحتل موقعها على الصفحات الأولى في الصحف اليومية، وتنبئنا يوما بعد يوم بأن حملات مكافحة الإرهابيين قتلت ٧ أشخاص تارة و١١ شخصا في تارة أخرى، وأكثر من ذلك أو أقل في مرات سابقة، وأيا كان قدر الثقة في بيانات المتحدث العسكري، وحتى إذا قلنا أن كل هؤلاء يستحقون القتل فعلا، إلا أن إصدار تلك البيانات طوال ثلاث سنوات يعطي انطباعا مغلوطا مؤداه أن الهدف هو قتل الإرهابيين، في حين يفترض أن تلك وسيلة للقضاء على الإرهاب. وأن استمرار القتل عدة سنوات دون تحقيق هدفه يعني أن الوسيلة باتت هدفا، ويعني أيضا أن ثمة وضعا ينبغي أن يصحح بحيث تؤدي الوسيلة دورها في تحقيق الهدف المنشود.خذ كذلك ما حدث عندما تم تهجير ٢٥٨ أسرة للأقباط من العريش إلى مناطق أخرى تأمينا لهم، وهي العملية التي كان لها صداها القوي في دوائر السلطة والمجتمع. الأمر الذي وفر للمهاجرين البالغ عددهم نحو ألف شخص ما يستحقونه من الرعاية والاهتمام في مساكنهم ووظائفهم، وكان لكنيسة الإسماعيلية دورها في إدارة الأزمة، إلا أن ذلك أثار سؤالا كبيرا حول إهمال السلطة لنحو ٢١ ألف نازح آخرين اضطروا إلى الهجرة من رفح والشيخ زويد بسبب اضطراب الأحوال الأمنية، دون أن تقدم لهم أجهزة السلطة مساعدات تذكر، رغم أن المحافظة قامت بحصر أعدادهم في شهر أغسطس من العام الماضي.ما سبق مجرد نماذج للأوضاع المحيرة وغير المفهومة المخيمة على سيناء، التي تثير سيلا من الأسئلة المعلقة في فضاء المحافظة بلا إجابة.

647

| 13 مارس 2017

العالم العربي مفعولًا به

أصبح العالم العربي يعج بالتحالفات العلنية والسرية.. إذ بعدما فجرت صحيفة هاآرتس خبر اجتماع العقبة السري الذي عقد في فبراير ٢٠١٦، وشارك فيه الرئيس السيسي مع ملك الأردن ونتنياهو. فإنها نشرت يوم ٥ مارس الحالي وثيقة لمشروع وصف بأنه مبادرة سلام إقليمية تتبناها مصر والأردن وإسرائيل وهي التي كان يفترض أن تصدر من القاهرة أو شرم الشيخ عقب اجتماع لقيادات الدول الثلاث.. وفي حين فهم أن المبادرة أريد لها أن تفتح الباب لتطبيع العلاقات مع إسرائيل قبل التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية. فإننا فوجئنا أخيرا بأخبار من واشنطن تحدثت عن مشروع لتحالف إقليمي ترعاه الولايات المتحدة يضم الدول ا «المعتدلة» لمواجهة إيران.. وقيل إن التحالف بمثابة «ناتو» عربي في مواجهة إيران والدول الموالية لها، وقد اعتبره البعض شبيها بحلف «وارسو» في المرحلة السوفييتية. وبعد الذي تابعناه من تل أبيب وواشنطن تلقينا من طهران أخبار الدعوة إلى إقامة محور للممانعة ذكرت فيه مصر، ويفترض أن تشترك فيه إيران مع سوريا والعراق وترعاه روسيا، باعتبار أن الحلف الإقليمي السابق سيكون تحت الرعاية الأمريكية. حتى إشعار آخر، فتلك هي الأحلاف التي تناقلت وسائل الإعلام أخبارها خلال الأسابيع الأخيرة. ورغم أن العالم العربي موضوعها، إلا أن أخبارها كلها خرجت من خارج العالم العربي. ولسنا نعرف ما إذا كانت هناك أخبار مماثلة أخرى تحت السطح أم لا، وهو ما لا نستبعده، خصوصا أننا قرأنا عن مشروع مسكوت عليه للرباعية العربية . لوح بإمكانية إقدام بعض الدول العربية على الانفراد بالتعامل مع إسرائيل من خارج الجامعة العربية. الملاحظة الأهم في هذا الصدد أن المشروعات السابق ذكرها تبدو وكأنها تخدم المصالح الإسرائيلية بصورة حصرية.. سواء لأنها تؤدي إلى ترحيل القضية الفلسطينية والقفز فوقها، أو لأنها تصفي حسابات إسرائيل مع إيران التي تعتبرها خطرا يهددها، بسبب مشروعها النووي أو جراء مساندتها لحزب الله في لبنان، وفي الوقت ذاته فإنها تؤجج الصراع المذهبي بين السنة والشيعة، بما يصرف الانتباه عن الأخطار التي تمثلها إسرائيل فلسطينيا وعربيا، علما بأن ذلك الصراع لا يؤجج حريق الفتنة المذهبية في العالم العربي فحسب، ولكنه أيضا يؤدي إلى تفتيت العالم العربي وشرذمته. إذا أردنا أن نتصارح أكثر فسنجد أن العالم العربي في ظل تلك المشروعات سيكون مسخرا لخدمة الإستراتيجية الإسرائيلية التي تحظى بحفاوة ورعاية الإدارة الأمريكية. أي أنه لن يكون فاعلا بأي حال، ولكنه سيظل مفعولا به حتى وإن أفاد ذلك بعض الدول العربية بصورة نسبية مما يؤسف له أن العالم العربي الذي يراد له أن يظل مفعولا به في خدمة الإستراتيجية الإسرائيلية والأمريكية، صار فاعلا فقط في شؤونه الداخلية، سواء في محيط دوله أو شعوبه، فثمة تحالفات وتجاذبات عربية عربية في أحداث اليمن وفي ليبيا وسوريا والعراق ولبنان وفلسطين.. وأي متابع لما يجري في تلك الدول لا تفوته ملاحظة أن بعض الدول العربية تساند بعض الأطراف في تلك الأقطار، بينما تساند الأطراف المتصارعة معها دول أخرى «شقيقة». لدي ملاحظتان أخيرتان في الموضوع، الأولى أن الجامعة العربية خارج كل ما يجري، وهو أمر مفهوم، لأن العالم العربي إذا صار مفعولاً به فلا نتوقع للجامعة العربية أن تشذ وتصبح فاعلة. الثانية أنه بسبب موت السياسة فإن ملف التحالفات التي تشارك فيها مصر، غائب تماما عن الرأي العام المصري وعن مجلس نوابه، حتى الإعلام لم يكترث به. أستثني من ذلك مقالة أستاذة العلوم السياسية الدكتورة نيفين مسعد التي نشرتها لها «الأهرام» حول الموضوع أمس (١١/٣) تحت عنوان: مصر وسياسة الأحلاف العسكرية.

583

| 12 مارس 2017

عودة لمشكلة الإخراج

الغلط يورطنا في مزيد من الغلط. فقد اختير ضابط الشرطة السابق الذي وصف بأنه خبير في التعذيب رئيسا للجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب. وهو أمر افتقد إلى الملاءمة وحسن الإخراج. وبدلا من أن نستر المسألة ونداري على الخبر، فإن الرجل بصفته تلك ألقى كلمة مصر في اجتماع لمكافحة الإرهاب والجريمة عقدته الأمم المتحدة في فيينا. وكان ظهوره في محفل دولي هو الغلط المضاعف. إذ لم تكن هناك مشكلة في الخطبة العصماء التي ألقاها (التي تمنيت أن يراجعها أحد الدبلوماسيين لكي تكون أكثر رصانة واحتشاما) لأن وجوده هو ما كان ملفتا للأنظار ومثيرا للدهشة. ذلك أن الذين أوفدوه تصوروا أن المشاركين في المؤتمر لا يعرفون شيئا عن الذي يجري في مصر، ونسوا أن دولهم لها سفارات في القاهرة تتابع كل صغيرة وكبيرة بأعين مفتوحة وآذان شديدة الحساسية وسريعة الالتقاط لما يثار فيها من لغط. بالتالي فإن سجل الرجل على الفيسبوك والوقائع التي حفل بها خاصة ممارساته في قسم شرطة الهرم سواء تعلقت بالتعذيب أو بأشياء أخرى أو ممارساته حين كان مرشحا عن الحزب الوطني. ذلك كله في متناول الجميع. لذلك لم أستغرب ما قاله أحد الدبلوماسيين الغربيين عن أن أكثر ما أثار الانتباه في اجتماع فيينا وجود الرجل وليس كلامه. وكانت رمزية ذلك الوجود هي موضوع الهمس واللغط بين المشاركين.ويبدو أنه تقليد في خطاب السلطة المصرية، تفترض بمقتضاه أن المتلقي الأجنبي لا يعرف شيئا عن مصر، ناسية أن السفارات في عاصمة مهمة كالقاهرة ترصد وتتابع بدقة ما يجري فيها وتنقل كل ذلك إلى دولها، بل إنها كثيرا ما لا تخفي شيئا عن الصحفيين من مواطنيها الذين يجيئون لمتابعة ما يجري في «أم الدنيا». وأزعم أنني لست وحدي الذي يستقبل بعض أولئك الصحفيين ويكتشف أثناء اللقاء أن لديهم كمًا كبيرًا من المعلومات التي استقوها من سفاراتهم بمجرد وصولهم. وليست تلك ملاحظتي الوحيدة، لأن لديَّ ملاحظة أخرى على الطريقة التي يخاطب بها بعض المسؤولين الرأي العام في الخارج. ذلك أنني وجدت أن بعض التصريحات التي تنقل إلى الخارج يراد بها في حقيقة الأمر مخاطبة الداخل. ومن أولئك المسؤولين من يبالغ في الحديث عن التطلعات والإنجازات الحاصلة في مصر. لا لكي يقنع الرأي العام هناك ولكن لكي تحتل تلك المبالغات مكانها في عناوين الصحف المحلية، لطمأنة أولي الأمر في القاهرة إلى أنهم عند حسن الظن ولم يقصروا في القيام بالواجب في الدفاع عن النظام وقياداته.خذ مثلًا رد وزارة الخارجية في مصر على تقرير الخارجية الأمريكية الأخير الذي أخذ على النظام المصري إفراطه في استخدام القوة وقصور الإجراءات القانونية مع استمرار قمع الحريات العامة. في ذلك الرد انتقد المتحدث باسم الخارجية المصرية التقرير الأمريكي وذكر أن أوضاع حقوق الإنسان في مصر ترتبط بالتزامات دستورية واضحة، وتتم مراقبتها من جانب المؤسسات الوطنية المستقلة مثل المجلس القومي لحقوق الإنسان فضلا عن مجلس النواب الذي يراقب أداء السلطة التنفيذية في مختلف المجالات. إلى غير ذلك من الكلام الذي يصلح لعناوين الصحف المحلية، لكنه لا ينطلي على أحد من المشتغلين بحقوق الإنسان في داخل مصر وخارجها، ليس فقط لأن تقارير المنظمات الحقوقية المستقلة في مصر ترسم صورة مناقضة تمامًا لما ادعاه المتحدث باسم الخارجية، ولكن أيضا لأن كل من يهمه الأمر يعرف جيدا أن أهم المنظمات الحقوقية المستقلة المصرية محالة للتحقيق ومسؤولوها ممنوعون من السفر وأموالهم مصادرة ومقارهم تعرضت للمداهمة والإغلاق.لقد نشرت صحف الأسبوع الماضي التصريحات الرسمية الأمريكية التي تحدثت عن أن مصر تعاقدت مع شركتين للعلاقات العامة في واشنطن لتحسين صورتها مقابل مليون و٨٠٠ ألف دولار. وذلك عمل مشروع هناك، لكن الذين أقدموا على تلك الخطوة لم ينتبهوا إلى أن جدية الإصلاح الداخلي هي أفضل ما يحسن الصورة في الخارج.

463

| 11 مارس 2017

شهيد يرثي الأحياء

نسينا نموذج المثقف المناضل الذي يحمل السلاح ويقاتل دفاعا عن كرامة وطنه وشعبه، في حين امتلأ فضاؤنا بنموذج المثقف المراوغ. الذي يتوارى وراء حجج الانبطاح ويتفنن في الدفاع عن الباطل. هذا الأسبوع ذكرنا باسل الأعرج بذلك النموذج المنقرض والمنسي. إذ فتح أعيننا على تلك الكائنات الفريدة وغير المرئية، التي لا تذكر أسماؤها فى الصحف إلا حين يقتلون في صراعهم مع العدو. يصيرون نجوما وأبطالا حين يرتقون في سلم الشهادة فيغسلون بدمائهم أرواحنا ويعيدون إلينا الثقة والأمل.باسل الأعرج (٣١ سنة) صيدلي ترك علومها ومهنته، وقرر أن يتخصص في فلسطين، تاريخها وأهلها وحلمها. لم يكتف بالقراءة والكتابة والتظاهر، وإنما أدرك أن السلاح وحده الذي سوف يحرر فلسطين، واعتبر أن كل ما عدا ذلك باطل. لم يعظ ولم يخطب وإنما حمل السلاح بنفسه وبث دعوته في محيطه، وانطلق مع مجموعته غير مبالين لا بشراسة العدو واستعلائه، ولا بعفن التنسيق الأمني وارتمائه.حين رثاه رفيقه الباحث الفلسطيني أحمد الدبش، وعبر عن مشاعره بنص للمناضل الفلسطيني غسان كنفاني قال فيه: إنني أشعر أكثر من أي وقت مضى أن كل قيمة كلماتي كانت في أنها تعويض صفيق وتافه لغياب السلاح. وأنها تنحدر الآن أمام شروق الرجال الحقيقيين الذين يموتون كل يوم في سبيل شىء احترموه، وذلك كله يشعرني بغربة تشبه الموت، وبسعادة المحتضر بعد طول إيمان وعذاب، ولكن أيضا بدلا من طراز صاعق.أضاف: قرأ باسل تجارب المقاومة في زمن الاحتلال البريطاني. وأدرك أن حرب العصابات هي الطريقة المثلى لاستنزاف العدو. وكان يردد أن «المقاومة قاطع طريق بمشروع سياسى». كان شعاره في الحياة والممات «ألا وإن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين، بين السلطة والزلة، وهيهات منا الزلة».كان باسل أحد أبرز المنظمين للمظاهرات الشعبية الداعية إلى مقاطعة العدو الصهيوني والمنددة بالاستيطان. وقد تعرض للضرب والإصابة بجراح عدة من قبل جهاز أمن السلطة. واعتقل بعد ذلك مع خمسة آخرين بتهمة التخطيط لمهاجمة العدو الصهيوني، واضطرت السلطة للإفراج عنه بعد إضرابه ورفاقه عن الطعام. وبعد خروجه اختفى عن الأنظار، وتحول إلى مطارَد يلاحقه الجيش الإسرائيلي في شوارع وحواري رام الله.هذا الأسبوع، في فجر يوم ٦ مارس، اقتحمت الآليات الصهيونية مدينة البيرة وحاصرت بيته لكنه لم يستسلم وسارع إلى الاشتباك معها إلى أن قتل ورشاشه بيده. في رثائه الذي اقتبست عنوانه قال رفيق آخر له هو محمد جميل: إن باسل مضى إلى النهاية. إلى حدود الإثبات بالدم لصحة سرديته النقدية لظاهرة نشطاء النخبة، الذين يجولون بحواسيبهم التي تحمل شعار «التفاحة» على المؤتمرات والورش الممولة، منذ أن كان يجوب شوارع وحقول الضفة الغربية ليجمع حوله الطلاب والمزارعين محاضرا فيهم عن سبيل التحرير وتحقيق العدالة الاجتماعية وعن بطولات الفدائيين العرب الأوائل في مواجهة الاستعمار الإنجليزي والفرنسي. كفيلسوف منفصل عن زمانه خرج لتوه من كتاب يروي قصة متمرد على ملك جائر في القرون الوسطى، أو وهو يظهر على شاشة التلفاز ليرد على مذيع سلطوي يحذره من كون ما ينادي به يمثل خرقا للاتفاقات الدولية، بأنه يريد فعلا خرقها واستعادة فلسطين من بحرها إلى نهرها، وفوقها الجولان، لأنه فلاح و«الفلاحون طماعون بطبعهم»! وختم رثاءه قائلا: باسل رأى مصيره منذ البداية وأشرف على تجهيز فصله الختامى بنفسه، وإلا فمن أين أتى كل هذا الموت المتقن، والذي لشدة إتقانه استحال إلى حياة يبثها فيمن حوله؟ كيف يكون الفلسطينيون موتى مهزومين يتسرب الأمل من بين أصابعهم، ولا يزال فيهم من هو مثل باسل الأعرج؟!

442

| 09 مارس 2017

alsharq
من يُعلن حالة الطوارئ المجتمعية؟

في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم،...

6294

| 24 أكتوبر 2025

alsharq
الكرسي الفارغ

ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...

5079

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
النعش قبل الخبز

لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...

3768

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
نموذج قطر في مكافحة المنشطات

يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...

2856

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
غياب الروح القتالية

تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...

2511

| 23 أكتوبر 2025

alsharq
النظام المروري.. قوانين متقدمة وتحديات قائمة

القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى،...

1557

| 23 أكتوبر 2025

alsharq
أين ربات البيوت القطريات من القانون؟

واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...

1554

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
الدوحة عاصمة لا غنى عنها عند قادة العالم وصُناع القرار

جاء لقاء حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن...

1383

| 26 أكتوبر 2025

alsharq
وجبات الدايت تحت المجهر

لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت...

1077

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
مستقبل الاتصال ينطلق من قطر

فيما يبحث قطاع التكنولوجيا العالمي عن أسواق جديدة...

990

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
وجهان للحيرة والتردد

1. الوجه الإيجابي • يعكس النضج وعمق التفكير...

984

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
كريمٌ يُميت السر.. فيُحيي المروءة

في زمنٍ تاهت فيه الحدود بين ما يُقال...

960

| 24 أكتوبر 2025

أخبار محلية