رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مواهب الزعيم

هذه قصة لها مغزاها العميق وقعت عليها قبل عدة أشهر، واحتفظت بها كي أستفيد منها فيما أكتب. ورغم أنني ظللت أستحضرها في مناسبات كثيرة خلال تلك الفترة، إلا أنني كنت أتردد في نشرها خشية التأويل وسوء الفهم. وقد وجدت في مناسبة العيد فرصة لنشرها باعتبارها مادة من خارج الأحداث التي تضغط على أعصابنا طول الوقت. ومن باب الاحتياط ولقطع الطريق على الخبثاء والمتأولين أنبه إلى أن أي تشابه بين شخوصها وبين أي من النماذج المحيطة بنا يظل محض مصادفة ليس أكثر. تتحدث الرواية عن ملاك كان مسؤولا عن قبض الأرواح ثم إعادة منحها للمواليد الجدد. وقد تعرض ذلك الملاك لمأزق حيَّره ذات مرة. إذ فرغت القائمة من أسماء الذين عليه أن يحصد أرواحهم، في حين كان لديه العديد من المواليد في حاجة إلى روح. حينئذ لجأ إلى أحد المحتضرين ممن كانت أرواحهم ستقبض بعد وقت قصير، فاتجه إليه يستعطفه لكي يعجل بقبض روحه قبل أن يحين أجله المحدد. بعد أخذ ورد وافق المحتضر على ذلك، لكنه اشترط أن يطلع على مصير الشخص الذي ستئول إليه روحه. فعرض عليه الملاك ما توافر لديه من بيانات المواليد الجدد، إلا أن المحتضر لم يعجب بمصير أي منهم. أخيرا أغراه الملاك بمولود قال إنه سيصير زعيما في بلده، وهو ما أثار اهتمام صاحبنا وإعجابه، بعدما وجد أن روحه ستحل في زعيم قادم، فقال للملاك: الفكرة ممتازة. إذ لا أشك في أن وجهه ستحيط به هالة من نور، والزعامة منقوشة على وجهه وستظهر ملامح عبقريته وهو طفل. لكن الملاك حين راجع البيانات الموجودة لديه هز رأسه أسفا وقال ليس الأمر كذلك، إذ لن تظهر عليه تلك العلامات، لأنه ستعتريه بضع أمارات من البلاهة. فقال الرجل المحتضر: إذا فالنباهة ستبدو عليه في مراحل الدراسة فيما بعد. ــ بالعكس تماما، لأنه سوف يتعثر في دراسته، وقد يرسب في بعض صفوفها، لذلك فإن زملاءه سوف يصفونه بالغباء. < لابد أنه سيكون بهي الطلعة مهيب الجانب وممشوق القوام. ــ سيكون هزيلا وعليلا ومثيرا للعطف والتهكم من قبل زملائه. < إذا ستبدو عليه علامات الزعامة حين بلوغه ودخوله المرحلة الجامعية، فيغدو قائدا طلابيا شجاعا وملهما يلهب الرفاق حماسة. ــ أبدا، فكثيرا ما سيحتقره زملاؤه لفرط جبنه ووضاعته. < سيكون ذرب اللسان قوي البيان محسودا بين أقرانه. ــ انس مسألة البيان. لأنه ما إن يتفوه بشيء حتى يثير التندر والسخرية. < لابد أن عبقريته ستنبثق في الحياة العامة بعد الدراسة، فتتفتق شهامته ونبله وشجاعته وكل الصفات العظيمة التي تليق بزعيم. ــ لا شيء مما تذكره إطلاقا، والكثير من عكس ذلك هو الصحيح. عند ذلك الحد فاض الكيل بالمحتضر، واستشاط غضبا وحيرة فقال ضجرا: إذا بـالله عليك، كيف سيصير ذلك الفاشل الكريه زعيما يقود قومه ويتحكم في مقاديرهم؟. تركه الملاك حتى سكن، ثم قال له بهدوء وبرود. لا عليك. بعد أن يصير زعيما، ستنهال عليه المدائح وسيكون كل ما ذكرته من الصفات الفريدة صحيحا، بل أكثر.

2135

| 25 يونيو 2017

الربيع المفترى عليه

حين مالت في الأسبوع الماضي بناية الإسكندرية ذات الأربعة عشر طابقا، ووسط الفزع الذي أصاب كثيرين جراء ذلك، كتب أحدهم «تغريدة» قال فيها: رخصة البناية صدرت في عام ٢٠٠٢ بطابقين فقط فوق الأرضى، منهم لله الذين خرجوا فى يناير، خربوا البلد!أغلب الظن أن التعليق لأحد الظرفاء، إذ أراد أن يوجه إشارة ذكية إلى الأجواء الراهنة التى أصبح اللوم فيها عن أى خطأ أو كارثة يوجه إلى ثورة يناير، التي تمت استباحتها وصار هجاؤها مجانيا وبمقدور أي أحد. فبناية الإسكندرية صدر ترخيصها في عام ٢٠٠٢، وعلمنا مما نشرته الصحف أن مديرية الإسكان طلبت إزالتها في عام ٢٠٠٤، بما يعني أن المخالفة فيها مبكرة، ثم وقعت الواقعة في عام ٢٠١٧ بعدما ارتفعت إلى ١٤ طابقا ثم مالت وهددت البنايات المجاورة. وصاحبنا الذي كتب التعليق وجه الاتهام إلى ثوار ٢٥ يناير الذين خرجوا عام ٢٠١١، ونسب إليهم ما حل بالبلد من فوضى وخراب، رغم أن البناية أقيمت قبل الثورة بتسع سنوات وطلبت البلدية إزالتها قبل سبع سنوات من الثورة.سواء أراد الكاتب أن يفضح أو يسفه الذين يسارعون إلى سب ثورة يناير بمناسبة وبغير مناسبة، فالشاهد أن ملاحظته وإن بدت مزحة، تعبر عن ظاهرة سلبية حاصلة في مصر. بل لها وجودها في العالم العربي، الذي باتت الفوضى التي حلت به والصراعات والفتن التي شاعت في أرجائه تلصق بالربيع العربي المفترى عليه، بل إن بعض المسؤولين والمعلقين أصبحوا يشيرون إليه بمصطلح «الخراب» العربي، ولأن الموجة شديدة والحملة واسعة فإنها نجحت نسبيا في تشويه حلم الأمة في التغيير، بحيث ذاعت الفكرة السلبية وجرى تشويه الوعي، إلى أن استقرت صفة «الخراب» وأصبحت لصيقة بالربيع العربي، حتى بت أخشى أن يصبح الانتماء إليه سبة أو تهمة. إذا استمر الحال كما هو عليه. وثمة مؤشرات دالة على ذلك، منها مثلا ما ذكرته بعض المواقع المستقلة في مصر عن إلقاء القبض على بعض الشباب خلال الأسابيع الأخيرة. واتهام نفر منهم بأنهم يحاولون «إحياء الروح الثورية» في المجتمع.لدي ملاحظتان على هذا الطرح أوجزهما فيما يلى:

891

| 05 يونيو 2017

مراجعات البيت الأبيض

أخطأنا في استقبال قرار الرئيس دونالد ترامب تأجيل نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس. إذ ليس صحيحا أن ذلك دليل على نجاح الدبلوماسية العربية ولا هو دليل على جدية الرئيس الأمريكي في سعيه نحو السلام، فلا الدبلوماسية العربية تتمتع بقوة ضغط تمكنها من التأثير على القرار الأمريكي، ولا الرئيس ترامب راغب في تحقيق السلام الذي يتمناه العرب، خصوصا أن الرجل حرص أثناء زيارته الأخيرة للمنطقة على أن يبدو مؤيدا لكل ما يتطلع إليه الإسرائيليون. الخطأ الذي أدعيه نابع من أننا لم نستوعب بعد حقيقة الصراع الحاصل في الإدارة الأمريكية بين طرفين أحدهما يعبر عن المؤسسة المستقرة الممثل في جهاز الدولة بتقاليده الراسخة، وبين الأيديولوجيين الشعوبيين الذين جاء بهم الرئيس الأمريكي إلى البيت الأبيض (بعضهم من العسكريين السابقين الذين لا تتوافر لهم الخبرة السياسية). بطبيعة الحال فإنهما لا يختلفان حول التزامهما بالمصالح العليا للولايات المتحدة، لكنهما يختلفان حول قراءة تلك المصالح وكيفية تحقيقها، فالانحياز لإسرائيل مثلا يعد جزءا من ثوابت السياسة الأمريكية، لكن رجال المؤسسة رأوا أن نقل السفارة الأمريكية في الوقت الراهن لا يخدم الاستقرار في المنطقة وينذر بتفجير الوضع الفلسطيني بما قد يضيف إلى أجوائها المضطربة مصدرا آخر للتوتر والتصعيد، فضلا عن أنه يزيد من موجة العداء للولايات المتحدة التي تقدم لإسرائيل الدعم بصورة أخرى. أما ترامب الذي كرر التزامه بنقل السفارة أثناء حملته الانتخابية، وأيده في ذلك أركان حملته، فقد كان مدفوعا بعواطفه الخاصة تجاه إسرائيل، ومتأثرا بموقف الغلاة المحيطين به، إلى جانب أن عينه كانت على أصوات اليهود الأمريكيين. نبهني إلى ذلك أحد الخبراء الأمريكيين، كنت قد التقيته في مؤتمر شهدته أخيرا. وفهمت منه أن الخارجية الأمريكية تستشيره ضمن آخرين من ذوي الصلة في بعض الأمور المتعلقة بالمنطقة. وأثار انتباهي في حديثه قوله إن بعض رجال المؤسسة لم يحتملوا وصول الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض فنأوا بأنفسهم عنه، ومنهم من استقال من وظيفته. إلا أن آخرين قرروا أن يصمدوا وأن يحاولوا كبح جماح الرئيس وفريقه من خلال محاولة تطويقه وترشيد قراراته. وكانت المؤسسة الأمنية في المقدمة من هؤلاء، بما يعنى أن «الدولة العميقة» وقفت في ذلك الجانب. واصطف إلى جانبها القضاء والإعلام. وقد تكفل القضاء بتحدي الرئيس ووقف بعض قراراته علنا مثلما حدث في قرار منع دخول رعايا الدول الإسلامية الست للولايات المتحدة. أما الإعلام، في أغلب منابره، فقد تكفل بتعرية سياساته وفضحها، وساعدته على ذلك التقارير والمعلومات التي سربتها الدولة العميقة. استوقفني فيما ذكره محدثي قوله إن الدولة العميقة عارضت فكرة اعتبار الإخوان جماعة إرهابية. وهي الفكرة التي دعت إليها مصر وبعض الدول الخليجية، وتحمس لها وتبناها بعض الجمهوريين في الكونجرس، والحجة التي أثيرت في هذا الصدد اعتمدت على أمرين. الأول أن شروط التصنيف الأمريكية للإرهاب لا تنطبق على الإخوان. والثاني أن هذه الخطوة لا تخدم الاستقرار في الشرق الأوسط، خصوصا أن جماعات الإسلام السياسي أصبحت جزءا من السلطة والعملية السياسية في بعض دوله (تونس والمغرب والجزائر والأردن ولبنان). أضاف صاحبنا أن أحد القادة العرب البارزين أثار الموضوع في لقائه مع الرئيس ترامب في واشنطن، لكن الرئيس الأمريكي لم يبلغه باستبعاد الفكرة في الوقت الراهن، لكنه أبلغه بأن الموضوع لا يزال تحت الدراسة من جانب الجهات المعنية. إن الرئيس عندهم هو صاحب المنصب الأهم في الدولة، لكنه ليس الشخص الأهم. لذلك فهو قابل للمراجعة والاحتواء. ولئن كان صاحب الصوت الأعلى، لكنه ليس صاحب الصوت الوحيد ولا هو فوق المساءلة ــ عجبي!

609

| 04 يونيو 2017

في الخوف من القانون

حين يصبح القانون مصدرا للخوف والقلق فإنه يفقد شرعيته ويجهض المراد منه. ذلك أننا نفهم أن القانون وسيلة غايتها تحقيق العدل، لكنه حين يكون غطاء لتكريس الظلم والعسف فإنه يصبح عبئا على المجتمع مشوبا بالفساد والبطلان. أتحدث عن قانون الجمعيات الأهلية الذي صدم الجميع حين أقر مجلس النواب مشروعه. ثم استراحوا حين تأجل إصداره شهرا بعد شهر، ثم فوجئنا بأن التأجيل كان بمثابة انحناءة مؤقتة أمام عاصفة الاحتجاج والغضب، وما إن هدأت العاصفة حتى صدر القانون وأصبح جزءا من المنظومة التشريعية المعمول بها.رغم أن العملية ما بين الإقرار والإصدار استغرقت ستة أشهر، إلا أننا لم ننس تفصيلاته التي نسجت محاولة تأميم العمل الأهلي وإلحاقه بالسلطة، وإخضاعه لإشراف وتوجيه الأجهزة الأمنية في نهاية المطاف. صحيح أن ذلك التوجه أصبح معلوما للكافة، لأن حملة الإخضاع والإلحاق تتم بخطى حثيثة طول الوقت. كما أن إجراءات تشديد القبضة وبسط هيمنة السلطة على مختلف أنشطة المجتمع ومؤسسات السلطة أصبحت تتم علانية تحت مسميات مختلفة. إلا أننا ظننا أن الجمعيات الأهلية التي كانت المتنفس الوحيد الذي يدافع المجتمع من خلاله عن حقوق الناس السياسية والاجتماعية سينجو من الاجتياح. على الأقل من باب تخفيف الضغط والإيهام بالتسامح وسعة الصدر، لكن الإصرار على إحكام إغلاق المجال العام كان أقوى من حسابات العقل والروية. كأنما أريد تجريد المجتمع من كل دفاعاته، لتنفرد السلطة وحدها بإدارة كل الشأن العام، إذ لم تعد مكتفية بإدارة الشأن السياسي والاقتصادي والأمني، لكنها أيضا أرادت أن تدير الشأن الأهلي وتتحكم في مساره.ومن المفارقات ذات الدلالة أن الخطاب الرسمي في مصر ما برح يندد بقرائن انهيار الدولة وانفراط عقدها، حتى جرى الحديث عن «شبه الدولة»، واتهمت بعض الأطراف والجماعات بأنها تستهدف إسقاط الدولة، في حين أن الجهد المبذول الآن لا يخدم سوى تقوية السلطة وإضعاف الدولة. ذلك أن قوة الدولة لها مقومات متعددة سياسية واقتصادية وعسكرية، في حين تحتل قوة مؤسسات المجتمع موقع الصدارة منها. وحين يتم العصف بتلك المؤسسات الرسمية منها أو الأهلية بتجريدها من استقلالها أو بإخضاعها لسلطان الأجهزة الأمنية، فإن ذلك يعني إضعاف المجتمع الذي يفضي على الفور إلى إضعاف الدولة وإدخالها عمليا وتلقائيا في طور شبه الدولة.لا يحتاج المرء إلى تعمق في الفقه الدستوري لكي يدرك أن الدولة الحديثة هي دولة مؤسسات بالدرجة الأولى، وإلغاء المؤسسات بمثابة إلغاء لمكونات الدولة الحديثة، وتمهيد للعودة إلى مرحلة ما قبل الدولة. حيث تختزل «الدولة» في شخص الزعيم أو في مؤسسة واحدة.لقد تطور فقه الاستبداد بحيث ما عاد ينكر الديمقراطية أو يرفضها، وإنما صار يرفع لواءها ويهتف عاليا لها، وفي الوقت ذاته يعمد إلى تزويرها. فما عاد يرفض المؤسسات ولا القانون، لكنه أصبح يشكل المؤسسات بما يناسب الهوى والمراد، كما أصبح يصمم الدستور ليغدو على القد والقياس ثم يطلق الأعوان ليصوغوا القوانين التي تثبت قواعد الطغيان وتزينه. وبذلك يصبح كل شىء في البلد يدار حسب الدستور والقانون. وتشهر الحجة في وجوه الجميع، دون أن يسمح لأحد بأن يتساءل عن «الماكينة» التي أدارت المشهد وأخرجته في ثوبه الديمقراطي المزيف.أحيانا أقول إن اللاقانون أفضل من القانون المزور والمغشوش، أقله لأن الوضع الأول أكثر صراحة ووضوحا في إهانته للمجتمع، بحيث يمكن الغيورين من التعامل المباشر معه بلا عناء. أما القانون المغشوش فإنه قد يخدع البعض ويتطلب جهدا لإقناع الرأي العام بالعوار الكامن فيه، وقد يتهم الغيورون في هذه الحالة بإهانة السلطة. وقانون الجمعيات الأهلية من ذلك الصنف الأخير.

2369

| 03 يونيو 2017

عن البيئة المنتجة للإرهاب

هل أصبح التعصب مشكلة مصرية؟ ــ هذا السؤال نبهتني إليه بعض الكتابات والتعليقات التي حفلت بها الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الثلاثة الماضية، في أعقاب قتل الإرهابيين لنحو ثلاثين قبطيا في صحراء محافظة المنيا. ورغم أنني وعدت أمس بمحاولة الإجابة عن سؤال آخر هو: هل قصرنا في علاج مشكلة الإرهاب أم أننا أخطأنا في تشخيص المشكلة؟ إلا أنني فضلت أن أبدأ بالسؤال الأول، لاقتناعي بأن طرحه يمثل مدخلا للإجابة عن السؤال الثاني، الأهم والأكبر. وجدت في الكتابات التي حاولت أن تثبت انتشار التعصب بين المصريين استشهادا بمعاناة بعض الأقباط في مواقع العمل أو الدراسة أو في المجال العام، وإحالات إلى آراء تضمنتها بعض كتب التراث حطَّت من قدر الأقباط وشكلت إساءة لحقوقهم وكراماتهم، وهي المادة التي أصبحت تشكل مرجعية لعمليات استهدافهم في الوقت الراهن. ولست أشكك في صدقية أو مرجعية تلك الشهادات، لكنها تثير عندي سؤالا كبيرا هو: لماذا في هذه المرحلة بالذات تبرز الممارسات السيئة بين بعض الأفراد، ولماذا تستحضر من كتب التراث الموجودة منذ مئات السنين تلك الفتاوى والآراء التي تشكل إهانة لهم ونيلا من حقوقهم وكراماتهم؟ لماذا يسقط من الذاكرة فيض علاقات المودة والتراحم التي عاش المصريون بمسلميهم وأقباطهم في ظلها طويلا، ولماذا ينحَّى جانبا التراث الوفير والتعاليم الأصيلة والاجتهادات المضيئة التي تحدثت عن حق الكرامة لكل البشر وحق المودة والمحبة للمسيحيين خاصة، بحيث تسلط الأضواء فقط على كل ما هو سلبي ومسيء؟إن تراث المسلمين وغير المسلمين حافل بما هو منير ومشين، لكنه يتعرض للانتقاء والتأويل في ظروف تاريخية معينة، بحيث تدفن أو يستخرج منها ما هو منير تارة في حين يستدعى منها ما هو مشين تارة أخرى. وتكون المشكلة دائما أن أصابع الاتهام تشير إلى الضحايا وإلى المرجع الفكرى الذى جرى الاستناد إليه وتأويله، وليس إلى الظرف التاريخى الذى استدعى هذه المرجعية أو تلك. وأستأذن هنا فى تكرار ما سبق أن أشرت إليه من أن ثمة ظروفا اجتماعية وسياسية تستخرج من الناس أفضل ما فيهم، لكنها حين تتغير فى طور آخر فإنها تستخلص من الناس أنفسهم أسوأ ما فيهم. ولا مجال لاستعادة شواهد التاريخ الدالة على ذلك، لكنى أذكر فقط بحالة الإجماع والتلاحم الوطنى المبهر التى شهدناها فى مصر أثناء ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، وأدعو إلى مقارنتها بحالة الانفراط والنفور والاحتقان المحزن التى خيمت على البلد منذ ٣٠ يونيو ٢٠١٣.فى الإجابة عن السؤال الأساسى الذى يتحرى مصدر الخلل فى التعامل مع الإرهاب لا أجادل فى أن الدور الأمنى لا مفر منه شريطة أن يظل فى حدود القانون والقضاء العادل، ثم إنه لا غضاضة فى أية إجراءات أخرى تحاصر الإرهاب وتلاحق مظانه إذا ما تمت تحت رقابة القضاء لكننا نغفل كثيرا دور البيئة السياسية والاجتماعية؛ التي تشكل عماد الظروف التي أشرت إليها في الحث على الاعتدال أو تشجيع التطرف والإرهاب. أفتح هنا قوسا لأذكر بأنه ليس لديَّ دفاع عن جرم ارتكبه أي طرف. كما أنني أدعو إلى محاسبة كل من خالف القانون أمام القضاء العادل مع الحفاظ على كرامة وإنسانية الجميع ــ أقفل القوس من فضلك.إن القيود التي تفرض على الحريات العامة، والانتهاكات التي تتم لحقوق الإنسان، لا تلغي قيمة التسامح فقط، وإنما تلقن المجتمع أيضا دروسا في البطش والعنف. ناهيك عن أنها تفرغ مفهوم «المواطنة» من مضمونه، حيث لا قيمة للمواطن إذا ما صودرت حريته وانتهكت كرامته سواء في قسم الشرطة أو في أي مستشفى عمومي، ثم إن غياب العدل الاجتماعي وقسوة الغلاء المتزايد وانسداد أفق المستقبل أمام شرائح واسعة من الفقراء أو الذين تم إفقارهم، هذه كلها بيئة مواتية لنمو أشكال التطرف والعنف تمهد الطريق أمام الإرهاب. وتلك عوامل مسكوت عليها في مناقشات قضية الإرهاب الجارية.إن بعض زملائنا تحدثوا عن البيئة الحاضنة للإرهاب، لكنهم سكتوا على البيئة المنتجة للإرهاب، على الرغم من أن الأخيرة أهم وأخطر بكثير من الأولى. لكن مشكلة أغلب المعلقين والسياسيين أنهم يمارسون الجرأة المجانية في التنديد بالبيئة الحاضنة، ولهم في ذلك بعض الحق، لكنهم ولأسباب تتعلق بالكلفة الباهظة يغضون الطرف عن البيئة المنتجة للإرهاب التي هي الأحوج إلى كلمة الحق.

703

| 29 مايو 2017

في ضرورة المراجعة

بعد الفاجعة التي شهدتها محافظة المنيا، ما عاد هناك بديل عن إعادة التفكير والمراجعة. لا أجادل في أن الصدمة مبررة والغضب حق والاستنكار فرض عين والمواساة واجبة، لكن ذلك كله لا يكفي، بل أزعم أنه فقد معناه وأثبتت التجربة أنه لم يكن مجدياً ولا شافياً. من ثَمَّ تعين علينا أن نتدبر ما جرى من خلال محاولة الإجابة عن السؤال التالي: هل نحن بصدد مشكلة تقصير في العلاج، أم قصور في التشخيص؟ أدري أن ثمة سؤالاً ينبغي أن يطرح بخصوص مدى كفاءة الاحتياطات الأمنية التي مكنت الجناة من تحقيق مرادهم. ويقترن التساؤل بالدهشة حين نلاحظ أن بعض السفارات الأجنبية (الأمريكية مثلاً)، كانت قبل أيام معدودة قد حذرت رعاياها من احتمال وقوع حوادث إرهابية. وهو ما لم تكترث به الجهات المعنية، الأمر الذي أدى إلى خروج حافلات الأقباط التي أقلت نحو مائة شخص في رحلتهم التقليدية صبيحة الجمعة بغير حراسة إلى دير الأنبا صموئيل المقام في جوف الصحراء على بعد ٢٥٠ كيلو متراً، فتصيدهم المتربصون وجرى ما جرى. وسواء قصرت مطرانية الأقباط في إبلاغ الأجهزة الأمنية بالرحلة، أو أن تلك الأجهزة لم تأخذ على محمل الجد رسالة استهداف الأقباط في مصر التي أعلنتها داعش. بالتالي لم تر ضرورة لحماية الرحلات التي يقومون بها للأديرة، فالشاهد أن ثمة ثغرة أمنية استعملها الجناة لارتكاب جريمتهم. ثمة أكثر من سؤال آخر يتعلق بمدى كفاية المعلومات عن أنشطة الإرهابيين ومخططاتهم. ذلك أن النقص الملحوظ في ذلك الجانب، الذي تكرر أكثر من مرة، مكن الإرهابيين من مفاجأة السلطة والمجتمع بعملياتهم الصادمة التي خرجت من سيناء إلى بعض أنحاء الوطن. خلال السنوات الثلاث الماضية ظل التعامل مع العمليات الإرهابية يتم من خلال التعبئة الإعلامية والسياسية والإجراءات القانونية والقضائية. فاعتبر الخلاف السياسي إرهاباً، وتم دمج المعارضين ضمن الإرهابيين وأدرج التظاهر السلمي ضمن القائمة، وترتب على ذلك أن السجون امتلأت بالنزلاء وتم التوسع في الحبس الاحتياطي وفي الأحكام أمام القضاء المدني والعسكري. وأعلنت الطوارئ وعدلت القوانين حتى أصبحت أكثر تشدداً، حتى الجمعيات الأهلية تعرضت للمصادرة والتنكيل، كما أطلقت أيدي الأجهزة الأمنية التي مارست ما لا حصر له من انتهاكات سجلتها التقارير الحقوقية. وفي الوقت ذاته، رفع شعار تجديد الخطاب الديني، الذي استخدمه البعض للهجوم على التراث وتحول إلى ميدان للتنافس على الانتقاد والتجريح من جانب البعض، وتخلله التزلف وممالأة السلطة من جانب البعض الآخر. في الوقت ذاته لم تتوقف المؤتمرات المحلية والدولية التي واصلت هجاء الإرهاب والتنديد به. وقرأنا أخيرا عن تشكيل مجلس أعلى لمكافحة الإرهاب في مصر، وعن مركز عالمي أقيم في الرياض للمهمة ذاتها، وسبق هاتين الخطوتين تأسيس مرصد للفتاوى الشاذة والآراء المتطرفة تابع لدار الإفتاء المصرية، ومرصد مماثل تابع لمشيخة الأزهر... إلخ. الخلاصة، أننا فعلنا كل ذلك لكننا لم نحقق الهدف المنشود، إذ استمر الإرهاب ومدد نشاطه بحيث خرج من سيناء، ولمسنا له حضوراً قوياً في المنيا خلال الأيام الأخيرة. وهو ما يسوغ لنا أن نقول بأننا تحركنا كثيرا لكننا لم نتقدم خطوة إلى الأمام. الأمر الذي يعيد علينا السؤال الذي طرحته قبل قليل، بخصوص تحري موضع الخلل، وهل هو في العلاجات التي استخدمت أم في تشخيص المرض... غدا نحاول الإجابة عن السؤال.

540

| 28 مايو 2017

دعوة للتطبيع مع العرب

الأسوأ من انفجار الموقف بين بعض الأشقاء في منطقة الخليج، ذلك الدور السلبي الذي قامت به وسائل الإعلام، وكان له إسهامه في تأجيج المشاعر وإثارة الفتنة. أما الأشد سوءا فإنه لم يعد في العالم العربي «كبير» يبادر إلى إطفاء الحريق وكبح جماح الانفعالات التي أفسدت أجواء الخليج وتناثر رذاذها في الفضاء العربي.أعترف ابتداء بأنني لم أفهم لا سر الانفجار المفاجئ ولا أسباب التدهور السريع في علاقات الأشقاء. ولم أقتنع بأن الوقائع ــ أو المزاعم ــ التي ذكرت كافية وحدها لإيصال الأمور فيما وصلت إليه، بحيث ظل العالم العربي خلال الأيام القليلة الماضية مسرحا لتجاذبات وتراشقات قدمت نموذجا محزنا لما يمكن أن نسميه «صراع الفضائيات»، ورغم أنني شاهد لم يفهم شيئا من خلفيات الحاصل هذه الأيام في منطقة الخليج، فإنني لا أستطيع أن أكتم عدة ملاحظات أوجزها فيما يلي:* إن اختلاف السياسات والمواقف والأمزجة أمور طبيعية لا غضاضة فيها. وليس بوسع أي طرف في المنطقة أن يطالب الآخرين بالتطابق معه في كل شيء، لكنني أفهم أن ثمة حدودا للاختلاف، وأن هناك «مصالح عليا» يتعين التوافق عليها، علما بأن التراشق العلني عبر وسائل الإعلام يحرج الجميع ويهتك الأواصر التي يعد الحفاظ عليها ضروريا لحماية تلك المصالح، خصوصا أن ثمة قنوات دبلوماسية يعد احتواء الخلافات من وظائفها الأساسية.* ما أفهمه أنه حين تظهر في بعض النشرات الإعلامية تصريحات سيئة منسوبة إلى القيادة القطرية، ثم يتم نفيها وتعلن الدوحة أن موقع وكالة الأنباء الرسمية تعرض للقرصنة والاختراق الإلكتروني، فالوضع الطبيعي أن يتم التحقيق في واقعة الاختراق على الفور للتثبت من حقيقة الأمر. وفي ضوء ذلك التحقيق يتم التعامل مع النتيجة بما تستحق. أما أن يتم تجاهل النفي وتصر بعض وسائل الإعلام على أنه لم يحدث رغم نفي «الواقعة» فذلك يعد استباقا محيرا يثير التساؤل ويبعث على الدهشة.* تتضاعف الحيرة حين نلاحظ أن القصف الإعلامي بدأ فور إذاعة التصريحات المسيئة، ولم يكن القصف في شكل تسجيل للمواقف ورد للإساءات المفترضة، ولكنه تم من خلال لقاءات استضافت آخرين وبرامج جرى بثها، الأمر الذي لا يفسر إلا بأحد أمرين: إما كفاءة خرافية في التحرك والإعداد، أو ترتيب مسبق يسير إلى علاقة بين الطرف الذي قام بالاختراق وبين المنابر الإعلامية التي سارعت إلى استثماره.* في هذه الأجواء الساخنة، سارعت بعض أطراف الاشتباك الخليجي إلى حجب بعض المواقع الإخبارية، وفوجئنا في مصر بحجب موقع بدعوى دعم الإرهاب والتطرف ونشر الأكاذيب. ولم يكن دخول مصر على الخط مقصورا على ذلك المجال وحده، لأن بعض القنوات التلفزيونية المصرية انخرطت في الاشتباك الخليجي، وشاركت في القصف، على نحو يثير الانتباه والدهشة.* ما جرى جاء دالا على أن ثمة تراكمات ورواسب غير مرئية تحتاج إلى تصفية واحتواء رشيد، وللأسف فإن الساحة العربية تفتقد إلى من يقوم بذلك الدور. وفي ظل انهيار النظام العربي فإن الجامعة العربية تحولت إلى كيان عاجز لا دور له، ولم يعد يذكر لأمينها العام أي إسهام في تسكين أو ترشيد الصراعات العربية.ما جرى في الخليج هزيمة لنا جميعا، نحن الذين ظللنا نحلم بوحدة الأمة، واحتفينا بتشكيل مجلس التعاون الخليجي، ورحبنا بالجسر الذي أقيم بين السعودية والبحرين، وعلقنا آمالا كبيرة على مشروع الجسر بين قطر ودولة الإمارات ونظيره الذي كان يفترض إقامته بين قطر والبحرين. ومن المخزي أن تتراجع فكرة الجسور بين دول الخليج، وأن تتكاثر الجدران ومعها الغيوم بين الأشقاء العرب. ومن المفجع والمخزي أن تتقطع تلك الأواصر بمضي الوقت، في الوقت الذي نرى فيه جسورا تعد وأخرى أقيمت بالفعل بين بعض الدول الخليجية وإسرائيل. إن ما يجري بين الأشقاء في الخليج جزء من المحنة الكبرى التي يعيشها العالم العربي، وليس أدل على عمق تلك المحنة من أننا صرنا نحتاج إلى «مرافعة» لكي ندافع عن «التطبيع» مع الدول العربية والإسلامية.

488

| 27 مايو 2017

كحَّلها فأعماها!

حين قرأت أن الأجهزة الأمنية تفتش عن السيد حبيب العادلي في غرف العناية المركزة بالمستشفيات، خطر لي على الفور التعبير الشائع الذي يتحدث عمن حاول أن يكحلها فأعماها. ذلك أن فكرة هروب وزير الداخلية المصري الأسبق بعد الحكم بسجنه سبع سنوات في قضية الفساد المالي لم تكن مقنعة للرأى العام. إذ لم يخطر على بال أحد أن يتعذر ذلك على أجهزة الداخلية بما يتوافر لها من إمكانات هائلة في المراقبة والتنصت والملاحقة. ولم يكن لذلك من تفسير سوى أن «رجاله» في الداخلية هم الذين روجوا لقصة هروبه لتبرير عدم تنفيذ الحكم عليه، انتظارا لقرار محكمة النقض في الاستئناف الذي قدمه محاميه. أيد هذا الشك أن العملية لها سوابق، ورعاية الأجهزة الأمنية لأركان النظام السابق الذين صدرت ضدهم أحكام نهائية بالسجن باتت أمرا معلوما ومسكوتا عليه.إزاء عدم تصديق الرأي العام قصة هروب العادلي، حين نشر خبرها لأول مرة في الأسبوع الماضي، فإن أجهزة الداخلية حاولت أن تصحح الصورة وتبعد عن نفسها شبهة التقصير أو التواطؤ التي لاحقتها. وحين حاولت أن «تكحلها» فإنها سربت معلومات نشرتها جريدة «الشروق» يوم السبت ٢٠/٥ جاء فيها ما يلى: "قالت مصادر أمنية مطلعة إن إدارة تنفيذ الأحكام في وزارة الداخلية نفذت خلال الساعات الماضية عدة مأموريات للقبض على الوزير الهارب، شملت فحص عدد من غرف العناية المركزة في المستشفيات الاستثمارية والخاصة، لاحتمال وجوده بها. فضلا عن مأموريات أخرى (قامت بالبحث عنه) حول منزله في ضاحية ٦ أكتوبر، والأماكن التي يتردد عليها، وفحص شبكات المحمول لتعقبه عن طريق الهاتف".الغريب في الأمر أن الفقرة التالية من الخبر المنشور ذكرت ما نصه: "أضافت المصادر أنه في المقابل يمارس وزير الداخلية الأسبق حياته الطبيعية مع أسرته وأصدقائه، كما يتردد على أحد المستشفيات الاستثمارية بدعوى العلاج.. وأكدت أنه واصل لقاء محاميه أكثر من مرة في الأسبوع الماضي للتوصل إلى أقرب طريقة للتعجيل بعقد جلسة نقض الحكم، لتحديد موقفه النهائي. لافتة إلى أن الحراسة المكلفة بمراقبة منزله من قبل وزارة الداخلية لا تزال موجودة في «فيللته»".فى الجزء الأخير من الخبر أن العادلي سيظهر خلال جلسة النقض على الحكم. وهو يعمل حاليا على جمع أكبر عدد من المستندات التي تدعم موقفه بخصوص بنود الصرف أثناء توليه منصبه، لذلك فإنه يتواصل ومحاميه مع ضباط في الوزارة لاستعادة نسخ إلكترونية من الأوراق التي تم تدميرها خلال حريق مبنى إدارة الحسابات بالوزارة.هذه «الإيضاحات» أكدت أن الرجل ليس هاربا، كما أنه ليس مريضا، وأن حكاية البحث عنه في غرف العناية المركزة كانت أكذوبة، كما أن تتبع اتصالاته الهاتفية وفحص شبكات المحمول للتعرف على مكانه ليس سوى شائعة لا أساس لها، وكان ذلك «الإيضاح» كافيا لإثبات أن الرجل في «الحفظ والصون» تحت رعاية الشرطة التي تخفيه حتى يظهر في جلسة النقض.ما يهمنى في الفيلم ليس وقائعه، وإنما تدني مستوى قصته الذي أستغربه بشدة، خصوصا أننا نعلم أن للداخلية خبرة طويلة في الموضوع ترشحها لأداء أفضل بكثير مما تابعناه، ولو أن القصة أساءت إلى الداخلية وحدها لهان الأمر ولضممناها إلى جملة ما يصدر عنها من روايات مفتعلة وقصص مرتبكة وملفقة، إنما الأخطر من ذلك أنها تهدم فكرة دولة القانون وتعيد إلى الأذهان فكرة «شبه الدولة» التي أشير إليها في مناسبات عدة، قيل لنا فيها إننا تجاوزناها واستعدنا للدولة هيبتها وللقانون احترامه. إذ اكتشفنا في ثنايا القصة أن ذلك كله كان كلام «جرايد»، يطلق في المناسبات لدغدغة المشاعر ثم ينسى بعد ذلك لتعود «ريمة إلى عادتها القديمة». بحيث نظل في القاع الذي وصلنا إليه ولم نغادره.

544

| 22 مايو 2017

درس للرئيس ترامب

الخبر أن أحد رؤساء أجهزة السلطة قرر أن يلقن رئيس الجمهورية درساً، وينبهه إلى أنه يخدم القانون والمجتمع ولا يخدم الرئيس. وقبل أن يلتبس الأمر على أحد وتذهب به الظنون بعيداً، فإنني أطمئن الجميع إلى أن «المعجزة» حدثت في الولايات المتحدة وأن طرفيها هما جيمس كومي رئيس المباحث الفيدرالية، الذي هو بطل القصة، أما الثاني فهو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. والقصة روتها صحيفة «نيويورك تايمز» التي نشرت يوم ١٦ مايو الحالي تقريرا أشار إلى الدرس الذي لقنه كومي للرئيس ترامب قبل أن يعزله الأخير من منصبه، ليصبح قرار الرئيس نقطة سوداء في سجل المآخذ التي يحاسب عليها الآن. خلاصة القصة كالتالي: بحكم موقعه فإن السيد كومي كان يعرف الكثير عن ترامب، وأراد أن يعرفه حدود وتقاليد التعامل معه خصوصا أنه قادم من خارج السياسة والإدارة. لذلك حرص على أن ينبهه إلى أن ثمة مسافة يتعين الحفاظ عليها بين البيت الأبيض والمباحث الفيدرالية، وبالتالي فليس للرئيس أن يتدخل في عمل المباحث الذي هو مستقل تماما. وليس لفريقه أن يتدخل في التحقيقات التي يجريها أو أن يتابع تفصيلاتها ــ وإذا كان ذلك ضرورياً فليس للرئاسة أن تخاطب المباحث الفيدرالية مباشرة، وإنما يتعين عليها أن تقدم طلباً رسمياً بما تريد إلى وزارة العدل، وهي التي توجهه إلى رئيس المباحث الفيدرالية، وعلى الأخير أو نائبه أن يفحصها جيدا قبل أن يرد على طلب البيت الأبيض بما يراه مناسبا. ذكرت الصحيفة في تقريرها أن ترامب أراد أن يقيم علاقة شخصية مع كومي، وطلب منه أن ينضم إلى فريقه الذي يدين له بالولاء، لكن الرجل حرص طول الوقت على أن تظل العلاقة في إطارها الرسمي وليس الشخصي، لتظل المسافة قائمة بين البيت الأبيض والمباحث الفيدرالية، بحيث يتحرك كل طرف في مجاله دون اتصال أو مساس بالآخر. في هذا السياق روت الصحيفة قصة اللقاء بين الرجلين بعد تنصيب ترامب رسمياً رئيساً للولايات المتحدة. ذلك أن الرئيس أقام حفلاً لممثلي الأجهزة الأمنية الذين أشرفوا على ترتيب أمر حفل التنصيب. وكان جيمس كومي بينهم. وجد الرجل نفسه مضطراً لحضور الحفل، إلا أنه وقف بعيداً كي يحتفظ بالمسافة بينه وبين الرئيس، بل وحاول أن يختبئ وراء إحدى الستائر في القاعة. ولأن قامته طويلة بأكثر مما ينبغي (طوله متران و٣ سنتيمترات) فقد لمحه ترامب ودعاه كي يصافحه فلم يجد مفراً من التوجه إليه. ولأن اللقاء كان مثيراً للانتباه. فإن الصحيفة أرفقت تسجيلاً مصوراً له، ظهر فيه كومي وهو يمد يده الطويلة لكي يصافح الرئيس، ولكن الأخير جذبه نحوه لكي يحتضنه، فاضطر لأن يقبله على وجنته ثم يعود إلى مكانه مسرعاً. ولم يفوِّت الرجل المشهد، لأنه ما إن غادر الحفل وركب سيارته حتى دوَّن تفاصيل ما جرى فيه وانطباعاته عنه. ثم سلم ما دونه إلى أحد مساعديه لتحتفظ المباحث الفيدرالية بسجل لما جرى. خصوصا أنه اعتاد أن يسجل على الورق تفصيليا كل اتصالات الرئيس ترامب معه. وهذه الأوراق التي احتفظت بها المباحث الفيدرالية، محل تحقيق الآن ضمن الجهد الذي يبذل لتقييم أداء الرئيس الأمريكي. (في أحد تلك الاتصالات طلب ترامب من جيمس كومي وقف التحقيقات التي تجريها المباحث الفيدرالية مع مايكل فلين مستشاره للأمن القومي (الذي أقيل لاحقا)، وهو ما لم يستجب له الرجل بطبيعة الحال). الحديث الذي نحن بصدده ليس نموذجاً للفصل بين السلطات الذي بات أمراً مفروغاً منه، ولكنه نموذج لاحترام القانون والفصل بين الاختصاصات داخل السلطة الواحدة. وهو ما يبتعد بمسافة ضوئية عن الواقع العربي الذي نعيشه بحيث صار الفصل بين السلطات فيه حلماً بعيد المنال وتم اختزال الدولة في شخص الزعيم، بحيث ما عادت لدينا مؤسسات مستقلة، بل ولا أوطان مستقلة في حالات عديدة.

838

| 21 مايو 2017

في موسم بيع الأوهام

في اليوم الذي أعلن فيه رئيس البنك المركزي المصري أن العام المقبل (٢٠١٨) هو عام «الطفرة»، كانت إحدى سيدات محافظة الشرقية تجلس أمام مبنى المحافظة ووراءها لافتة أعلنت فيها أنها تريد بيع طفلها لكي يعيش إخوته الآخرون. والمسافة بين الإعلانين ترمز للمسافة بين تصريحات المسؤولين وكلام «الجرايد»، وبين الواقع الراهن. ذلك أننا نلاحظ في الوقت الراهن إسرافا من جانب المسؤولين في الحديث عن الإنجازات ودغدغة المشاعر، الذي بات يملأ صفحات الصحف القومية على الأقل. في الوقت الذي تتعدد فيه وتتعقد حينا بعد حين مظاهر معاناة الناس. وأيا ما كانت جدية الأم في محاولة بيعها لطفلها، فأظن أن أحدا يمكن أن يجادل في أن مصر أصبحت أحد أهم البلدان التي تروج فيها تجارة الأعضاء البشرية. فضلا عن أنها صارت مصدرا للهجرات البشرية عبر البحر إلى أوروبا. كما لا أظن أن أحدا يمكن أن ينكر أن تعويم الجنيه المصري وفقدانه نصف قيمته، صار نقطة تحول موجعة لملايين المصريين الذين تم إفقارهم تلقائيا بسببه. خصوصا أن التعويم اقترن بموجة موجعة أيضا لزيادة الأسعار، كرست الإفقار ووسعت من دائرته. وليت الذين ينشغلون بمتابعة النشطاء وتسجيل ما يبدونه من آراء عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو التنصت على مكالماتهم الهاتفية يصرفون بعضا من وقتهم للاستماع لصوت المجتمع ورصد صور معاناة الناس في الأسواق التي باتت تبيع فضلات الطعام، بعدما عز الطعام ذاته، أو جمع قصص تفننهم في الاحتيال للاستمرار في الحياة ببعض الكرامة، وأحيانا بلا كرامة. هذا الإجمال له تفصيلات صادمة، لا يتسع المجال لذكرها، وأكثرها مما يشيب له شعر الرأس، وإذا تعرضنا لها فقد يعد ذلك إزعاجا للسلطة وتكديرا لمزاجها، وربما اعتبر من قبيل نشر الغسيل القذر. وعواقب الأمرين لا تحمد وقد لا تحتمل.لست ضد الحديث عن الإنجازات بطبيعة الحال، وما آخذه على تصريحات المسؤولين هو «الإسراف» في ذلك، وأشدد على أن الإنجاز الحقيقي هو الذي يستشعره الناس وليس الذي يقرأون عنه في الصحف. وفي عدة مرات سابقة ذكرت أن تحقيق الإنجاز قد يستغرق وقتا، لكن الثقة في بلوغ المراد تشجع الناس على الصبر والاحتمال. وتهتز تلك الثقة إذا حددت للإنجاز مواعيد ثم جرى الإخلال بها، كما تهتز إذا استحكمت معاناة عموم الناس. ثم جرى الإغداق على بعضهم دون غيرهم. أو حين يتم تقليص الإنفاق على بعض الضروريات (التعليم والإسكان والصحة مثلا) ثم فتح الخزائن بغير حساب لحساب مشروعات لا أولوية لها، أو مشروعات أخرى كمالية أو ترفيهية لا ضرورة لها. ناهيك عن البذخ في الإنفاق على فنادق وبنايات تخص بعض الأطراف المتميزة في مواقع السلطة.يفاقم المشكلة ويثبط الهمم، أن يشعر المجتمع بأنه معزول عما يجري وليس شريكا فيه. كما أن بين المتحدثين من يستهين بالناس، فيطلق التصريحات والوعود مطمئنا إلى أنهم من السذاجة بحيث يصدقون كل ما يقال، أو أنهم من الوهن والاستسلام بحيث لا يجرؤون على المساءلة والحساب. وحين يتمادى المسؤولون في ذلك مطمئنين إلى أن الناس يصدقون أو يبتلعون ما يقال لهم، فإنهم ينسون أن الدنيا تغيرت، وأن الحقائق يتعذر إخفاؤها. كما أن ما لا يقال في الصحف يملأ مواقع التواصل الاجتماعي. ناهيك عن أن سكوت الناس لا يعني أنهم يبتلعون ما يقال لهم ويهضمونه. غير مدركين أن هناك من يختزن المشاعر ويراكمها. بالتالي فالسكوت ليس علامة استسلام وقبول، ولكنه من قبيل الصبر على المكاره، الذي له حدوده وأجله.مهما علا الضجيج الإعلامي، ومهما كانت الوعود مبشرة وجذابة، فإن الإنجاز إذا لم يطرق أبواب بيوت الناس، وإذا لم يؤد إلى طمأنتهم وإعادة الثقة إلى نفوسهم، فإنه سيظل من قبيل الطبل الأجوف لا يسمعه إلا الذين يقرعون الدفوف ويتصدرون «الزفة».

620

| 20 مايو 2017

فيلم هروب العادلي

أرشح فيلم هروب وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى للفوز بالجائزة الأولى في مهرجان أفلام الموسم الهابطة. ففكرته مستهلكة والسيناريو ردىء والإخراج أردأ. وليس ذلك أسوأ ما فيه، لأن الأسوأ هو افتراض منتجيه أن الجمهور من البلاهة والغباء بحيث يمكن أن يتقبله ويرى فيه صدقا من أي نوع. صحيح أنه ليس أول أفلام الداخلية التي نشطت في إنتاجها بعد ثورة ٢٠١١، ولن يكون آخرها. إلا أنني أزعم أنه من أكثرها إثارة. لأن «البطل» في القصة هو وزير داخلية مبارك الذي ظل فى منصبه ١٤ عاما، كان خلالها هراوته الغليظة وجلاده الأكبر. وقد نسبت إليه قائمة طويلة من الجرائم التي نجحت جهود الدولة العميقة في تبرئته منها، وإن قضى بسببها أربع سنوات في السجن قبل أن يطلق سراحه. إلا أنه أدين ومعه آخرون في قضية الاستيلاء على أموال الوزارة. وبسببها حكم عليه بالسجن المشدد ٧ سنوات وطولب برد نحو ١٩٦ مليون جنيه كما تم تغريمه مبلغا مماثلا.السجن طوال تلك السنوات الأربع التي قضاها الرجل وراء أسواره كان ذلك المنتجع الذي تمت فيه «استضافة» أركان النظام السابق الذي أسقطته الثورة. ورغم أن الجميع ظلوا مدللين ومنعمين طول الوقت، إلا أن اللواء العادلي كان له وضع شديد الخصوصية. إذ لم يكن ضيفا كغيره، وإنما كان «صاحب بيت». يتحرك وسط رجاله ويحظى بحفاوة من تربوا وترقوا على يديه، ذلك أن رجاله قاموا نحوه بـ«الواجب» وزيادة. إلا أن جريمة نهب أموال الداخلية التي هي بغير حساب كانت من الجسامة والتعقيد بحيث تعذر عليهم إخراجه منها، حتى إشعار آخر على الأقل. ولما صدر الحكم الأخير بسجنه سبع سنوات في منتصف إبريل الماضى، فإن صاحبنا ظل في بيته ووسط أسرته لم يغادره، وكانت الحجة التي قيلت في ذلك أن ثمة استشكالا لوقف تنفيذ الحكم سينظر بعد شهر (أمس الأول الثلاثاء ١٦ مايو). وتلك ثغرة في السيناريو جرى فيها الاستعباط، لأن معدِّيه افترضوا أن أحدا لا يعرف أن الاستشكال في الجنايات لا يوقف التنفيذ. وبعدما مرت الأيام واقترب موعد الجلسة، نشرت بعض الصحف أن اللواء العادلى اختفى، وقيل إنه هرب. غير أن محاميه نفى ذلك وقال إنه مقيم في بيته لكنه مريض ولن يستطيع حضور جلسة الاستشكال لأن حالته الصحية لا تسمح بالخروج، وقد يتعرض للموت في هذه الحالة. ومن باب الإثارة ترددت شائعات بأنه أصيب بالشلل وقالت شائعات أخرى إنه فقد بصره. في حين قالت مصادر أخرى إنه سيظهر في الجلسة. وقبل ٢٤ ساعة من انعقادها تسلمت النيابة العامة خطابا رسميا من وزارة الداخلية يفيد أن قوة ذهبت إلى بيته لضبطه وإحضاره لتنفيذ الحكم (الصادر قبل شهر) لكنها لم تجده. وهو ما يؤكد هروبه، ولايزال البحث جاريا عنه. وذلك مشهد في الفيلم فضح الداخلية وأساء إليها، لأنه يعني أنها بكل إمكانياتها في الرصد والتنصت والمتابعة، غرقت في النوم طول الشهر، وحين فتحت أعينها في ليلة نظر الاستشكال اكتشفت أن الرجل المهم تبخر ولم يعد له وجود في بيته. ولأن ذلك يتجاوز حدود المعقول فإنه أثار الشكوك في أنها هي من أخفاه وأنه تحت رعاية رجاله «الأوفياء»!الفيلم بهذه التفاصيل شاهدناه من قبل مرتين على الأقل. إحداهما في حالة الدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء الأسبق الذي صدر ضده حكم بالسجن ٥ سنوات في جناية للكسب غير المشروع في شهر أغسطس عام ٢٠١٥. ثم اختفى عن الأنظار (في الإعلام فقط) نحو ثمانية أشهر. تم خلالها ترتيب الأمر وتبرئته أمام محكمة النقض في شهر مايو عام ٢٠١٦. الثانية حالة الدكتور محمد إبراهيم سليمان وزير الإسكان الأسبق الذي صدر الحكم بسجنه ٣ سنوات عام ٢٠١٥ في جناية تربح، لكن الحكم لم ينفذ وظل الرجل طليقا ومختفيا عن الأنظار بدوره حتى تمت تبرئته أمام محكمة النقض بعد ذلك بسنة (أكتوبر ٢٠١٦)، ومن السابقتين نستطيع أن نقول بأن واضعي قصة فيلم هروب العادلي لم يضيفوا شيئا إلى السيناريو القديم، ولن نكون بحاجة لأن نجهد أنفسنا كي نعرف نهاية الفيلم حين تنظر القضية أمام محكمة النقض. ذلك أن الذين تلاعبوا في الأدلة ونجحوا في الحصول على البراءة في الحالتين السابقتين أولى بهم أن يكرروا المحاولة مع رجل بأهمية ورمزية العادلي.لا تفوتنا في هذا الصدد ملاحظة أن أركان النظام السابق الذين تم تدليلهم، وعلى رأسهم مبارك، تمت تبرئتهم من كل جرائم الفساد السياسي وقتل ثواريناير، لكن القضاء أثبت ضلوعهم في نهب المال العام (مبارك وولداه أدينوا عام ٢٠١٦ في جريمة الاستيلاء على نحو ١٢٥ مليون جنيه من مخصصات القصور الرئاسية، وحكم عليهم بالسجن المشدد ثلاث سنوات).حين يقارن المرء بين معاملة أركان النظام السابق وبين مصير الألوف الذين امتلأت بهم السجون خلال السنوات الثلاث الأخيرة من مرحلة ما بعد الثورة (قيل إن عددهم ٦٠ ألفا) فإن لسانه ينعقد من الدهشة وتتعثر الكلمات في حلقه، بحيث لا يستطيع أن يعبر عن صدمته، حتى أنه بالكاد يقول: ليس لها من دون الله كاشفة.

707

| 18 مايو 2017

الدفاع عن المشترك واجب الوقت

أريد أن أسجل شهادة تقدير وإجلال لقضاة مجلس الدولة، على نزاهتهم وتمسكهم باستقلالهم واستقرار أعرافهم. التقدير واجب أيضا لزميلنا الأستاذ حمدى رزق الكاتب بجريدة «المصري اليوم»، الذي كان ــ فيما أعلم ــ الوحيد في الإعلام المكتوب الذي جرؤ على إعلان التضامن معهم، إذ دعا الرئيس السيسي فيما كتبه يوم الإثنين ١٥/٥ إلى اعتماد مرشح الجمعية العمومية لقضاة مجلس الدولة لرئاسة المجلس إكراما للقضاء واحتراما لاستقلاله. صحيح أن ذلك التضامن عبر عنه نشطاء شرفاء آخرون في تغريداتهم التي تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي، لكن صوت هؤلاء لم يصل إلي الإعلام المقروء والمرئي، ناهيك عن أن جريدة «الأهرام» «العريقة» تجاهلت الخبر من أساسه. فلم تشر إلى أن مستشاري مجلس الدولة رشحوا المستشار يحيى دكروري رئيسا، ورفضوا ترشيح ثلاثة من أقدمهم ليختار الرئيس واحدا منهم، طبقا لما جاء في القانون الجديد الذى أقره مجلس النواب. وفي حين ضنَّ الأهرام على قارئه أن يحاط علما بذلك الخبر المهم والمثير، فإنها أبرزت على الصفحة الأولى أخبار تمويل مشروعات الصرف الصحي وتعادل فريق النادي الأهلي مع زاناكو وغضب المدرب إيناسيو من لاعبيه!وإذ أضم صوتي إلى دعوة الرئيس للتجاوب مع قرار الجمعية العمومية لقضاة مجلس الدولة، فإنتي أتضامن أيضا مع ما ذكره الأستاذ حمدي رزق من أن ذلك التجاوب المنشود ــ إذا تم ــ فإنه سيعد علامة قوة وثقة وليس علامة ضعف، وإن المنتصر في هذه الحالة هو الحكمة والحق والعدل، وليس القضاة وحدهم. فضلا عن أنه سيزيل الشبهات التي أثيرت حول خلفيات تعديل قانون السلطة القضائية، وأشارت إلى أن الهدف منه هو استبعاد تولي المستشار دكروري لرئاسة مجلس الدولة، رغم أن ذلك حق له باعتباره الأقدم بين أقرانه. وذلك عقابا له على إصداره حكما لصالح مصرية الجزيرتين.نعلم أن موقف قضاة مجلس الدولة لم يكن له دوافع سياسية كما أنه ليس تعبيرا عن معارضة السلطة، ولكنه كان تمسكا باحترام الدستور وتشبثا باستقلال القضاء. إذ لم يختلف أحد على أن التعديل الذي أدخل على اختيار رؤساء الهيئات القضائية كان بمثابة عدوان على ذلك الاستقلال، رفضته كل تلك الهيئات، بل أزعم أنه ينتسب إلى فكرة «شبه الدولة» التي جرى انتقادها في الخطاب الرسمي، باعتبار أن من شأنه إضعاف مؤسساتها وتفريغ استقلالها من مضمونه.لا أعرف صدى قرار قضاة مجلس الدولة في أوساط الهيئات القضائية الأخرى. وإن تمنيت أن تتبنى تلك الهيئات الموقف ذاته، ليكون ذلك مدعاة لإعادة النظر في القانون، بما يعزز استقلال القضاء ويحفظ له تقاليده وهيبته، وبما يفتح الباب لتدارك الخطأ الذي وقع فيه البرلمان.أنتهز الفرصة لأسجل أن الدفاع عن استقلال القضاء في جوهره هو دفاع عن قوة الدولة ومؤسسات المجتمع، وأذكر بأن القضاة والمدعين العامين في الولايات المتحدة هم من أوقفوا الرئيس ترامب عند حده، حين قرر حرمان رعايا سبع دول إسلامية من دخول الولايات المتحدة. كما أذكر بأن موضوع استقلال القضاء يتصدر قائمة الملفات والعناوين التي ينبغي أن تسمو فوق أي خلاف بحيث تظل ضمن دائرة الإجماع الوطني الذي انفرط عقده خلال السنوات الأخيرة جراء الخلافات التي شاعت في الفضاء السياسي المصري. وهو ما سوغ قبول البعض مثلا بالعديد من صور انتهاكات حقوق الإنسان، التي استشرت حتى أصبحت وباء يعاني منه الجميع.لقد خسر المصريون كثيرا حين شغلوا بالصراع حول ما هم مختلفون عليه. وكان الوطن أول الخاسرين. وأحسب أننا صرنا الآن أحوج ما نكون لكي نفتح أعيننا للالتفاف حول المشترك الذي نحن متفقون عليه. وعناوين ذلك المشترك كثيرة لو تعلمون.

523

| 17 مايو 2017

alsharq
من فاز؟ ومن انتصر؟

انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت...

7071

| 14 أكتوبر 2025

alsharq
الكرسي الفارغ

ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...

2991

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
معرفة عرجاء

المعرفة التي لا تدعم بالتدريب العملي تصبح عرجاء....

2856

| 16 أكتوبر 2025

alsharq
النعش قبل الخبز

لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...

2787

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
نموذج قطر في مكافحة المنشطات

يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...

2562

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
العنابي يصنع التاريخ

في ليلةٍ انحنت فيها الأضواء احترامًا لعزيمة الرجال،...

2313

| 16 أكتوبر 2025

alsharq
قادة العالم يثمّنون جهود «أمير السلام»

قمة شرم الشيختطوي صفحة حرب الإبادة في غزة.....

1623

| 14 أكتوبر 2025

alsharq
ملف إنساني على مكتب وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة

في زحمة الحياة وتضخم الأسعار وضيق الموارد، تبقى...

1401

| 16 أكتوبر 2025

alsharq
مواجهة العزيمة واستعادة الكبرياء

الوقت الآن ليس للكلام ولا للأعذار، بل للفعل...

1251

| 14 أكتوبر 2025

alsharq
العطر الإلكتروني في المساجد.. بين حسن النية وخطر الصحة

لا يخفى على أحد الجهود الكبيرة التي تبذلها...

1128

| 14 أكتوبر 2025

alsharq
وجبات الدايت تحت المجهر

لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت...

966

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
أين ربات البيوت القطريات من القانون؟

واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...

960

| 21 أكتوبر 2025

أخبار محلية