رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حين صدر لي منذ 25 عاما كتاب «مواطنون لا ذميون» فوجئت بالحفاوة التي استقبل بها بين أقباط مصر. وكانت فكرة الكتاب قد نشأت عندي بعد أحداث «الزاوية الحمراء» المؤسفة التي كانت من مقدمات الاشتباك بين المسلمين والأقباط. شجعني على ذلك أن بعض محتوياته نشرت كمقالات متفرقة في مجلة «العربي» الكويتية التي التحقت بها بعدما منعت من الكتابة في أواخر عهد الرئيس السادات، وأبلغني زميلي الأستاذ شفيق مرقس رحمه الله، أن بعضا من تلك المقالات كانت تعلق في كنائس القاهرة لكي يطالعها من لم يتابعها من الأقباط. موضوع الكتاب الأساسي كان يدافع عن فكرة مواطنة غير المسلمين ويعتبرها جزءا من التفكير الإسلامي الأصولي، في حين أن مسألة الذمة كانت نظاما معمولا به قبل الإسلام ولا أصل له في التعاليم القرآنية. أما المواطنة التي تحفظ للإنسان كرامته في المجتمع الذي ينتمي إليه، فتستند إلى النص القرآني الذي يقر الكرامة لكل إنسان. بصرف النظر عن دينه أو جنسه. عارضت في الكتاب أيضا استخدام مصطلح «التسامح» كعنوان للعلاقة مع غير المسلمين، معتبرا أن ممارستهم لمواطنتهم بمثابة حق لهم، وليست تبرعا أو منحة من المسلمين، لهم أن يتطوعوا بها أو يحجبوها عنهم، الأمر الذي ينتقص من كرامتهم ويجعلهم رهينة لأهواء وحسابات الأغلبية. مثل هذه الأفكار كانت محل حفاوة آنذاك، الأمر الذي جعلني أتصور أنني أضفت شيئا إلى إسهامات غيري من الباحثين المهجوسين بعافية الأمة وتلاحم عناصر الجماعة الوطنية فيها. حين أستعيد هذه الخلفية الآن، أكتشف كم كنت بريئا وحسن الظن آنذاك، وكيف أن الكتابات التي سعت إلى مد الجسور وتحقيق الوفاق بين المسلمين والأقباط ذهبت أدراج الرياح وأن الغرس الذي زرعناه وقتذاك لم يطرح الثمار التي تمنيناها. ولا أقول ذلك تأثرا بحدث التفجير الذي استهدف رواد كنيسة القديسين في الإسكندرية، ولكنى لاحظت مناخ ولغة المرارات في مشاعر وخطاب كثيرين من الدوائر المحيطة، الأمر الذي يجعلني أجزم بأن العالم الذي علقنا عليه الآمال قبل ربع قرن اختلف تماما، حتى صرنا الآن بإزاء مشهد آخر لم تخطر لنا قسماته على بال، أقل ما يمكن أن يقال في حقه أن شرخا حدث في العلاقات بين المسلمين والأقباط تحول بمضي الوقت إلى فجوة تزداد عمقا واتساعا حينا بعد حين. وللأسف فإن جهود ترميم الشرخ أو ردم الفجوة حققت فشلا ذريعا، بحيث إن فكرة العيش المشترك تراجعت، وكدنا نصل إلى حالة «المساكنة»، التي يمكن أن تتطور إلى أسوأ إذا لم تتداركها العناية الإلهية، وإذا لم ينتبه الجميع إلى خطورة الآثار الناجمة عن تراكم المرارات وتكريس المفاصلة. السؤال الذي يستحق أن نفكر فيه جيدا هو: لماذا فشلت جهود تأسيس العيش المشترك؟ إذا استبعدنا العامل الخارجي أيا كان دوره، فعندي عدة ردود على السؤال. أحدها أننا لم ننجح في التوصل إلى تشخيص صحيح للمشكلة، واختزلناها في بضع طلبات تتعلق ببناء الكنائس وشغل الوظائف وحصص التمثيل في المجالس المنتخبة والمناصب العليا. كأن المرارات سوف تختفي والنفوس سوف تصفو إذا تمت الاستجابة لتلك الطلبات. هناك إجابة أخرى تقول إن سقف الطلبات يرتفع حينا بعد حين، وإن مطلب المساواة في الحقوق والواجبات لم يعد كافيا ولا مطلب التعايش بات مثيرا للحماس. وإنما استشعر أحد الطرفين أنه في مركز قوة يشجعه على أن يطلب من الطرف الآخر أن يتنازل عن بعض تكاليفه وتعاليمه. شجعته على ذلك حالة الضعف والوهن التي أصابت الدولة. ثمة إجابة ثالثة تقول إن جسور الحوار الحقيقي لم تعد قائمة، وإن المؤسسات التي يمكن أن تنهض بهذه المهمة جرى تغييبها أو اختطافها، فصغر شأنها واختزلت في أشخاص آثروا استخدام الضغوط وممارسة لي الأذرع بديلا عن الحوار. في إجابة رابعة إن هزال مظلة الدولة وهشاشتها دفعا البعض إلى الاحتماء بمظلة الطائفة وتعاملت المظلة الأخيرة مع الأولى باعتبارها ندا يقارعها وليس جزءا من مكونات الدولة. الإجابة الخامسة تقول إن مناخ التعصب والحساسية أصاب الجميع، فظهرت أعراضه على الرأس والجسم عند طرف، في حين ظل الرأس محتفظا بتوازنه عند الطرف الآخر، وظهرت أعراض التعصب على الجسم لدى ذلك الطرف الآخر. وأحدث ذلك خللا في قنوات الاتصال أصبح خارجا عن السيطرة. الإجابة السادسة تقول إن جوهر المفاصلة الحقيقية ليس بين المسلمين والأقباط ولكنه بين السلطة والمجتمع، وإن الطرفين الأخيرين إذا تصالحا فإن ذلك يمهد الطريق للمصالحة المنشودة بين المسلمين والأقباط ــ هل لك رأي آخر؟.
716
| 03 يناير 2011
في الصحف القومية المصرية جهد ملحوظ لغسل مجلس الشعب وتبييضه، لا يختلف كثيرا عن عمليات غسل الأموال وتبييضها. عن طريق محاولة إيداعها في البنوك لإكسابها الشرعية وتنظيفها من مصادرها غير المشروعة التي تتراوح بين السرقة والاحتيال والاتجار في المخدرات. ذلك أنه بعد تزوير الانتخابات واللعب في الدوائر. مما شوه كثيرا صورة مجلس الشعب الذي تم اختطافه لصالح الحزب الوطني الحاكم. فإن المهمة التالية كانت البحث في كيفية تحسين صورته لكي يبلعه الناس، ويقتنعوا بأنه مجلس حقيقي ومحترم شأنه شأن المجالس النيابية المتعارف عليها. لا أستبعد أن يكون الذين أداروا العملية قد عقدوا اجتماعا بعدما تحقق مرادهم وأعلنت النتائج على النحو المرسوم. إذ اطمأنوا إلى تمام انفراد الحزب الوطني بالمجلس، وإقصاء كل الذين رفعوا أصواتهم وشاغبوا في المجلس السابق، واستبدالهم بنماذج مدجنة تجيد تنفيذ التعليمات. وحينئذ طرح عليهم السؤال التالي: بعد تجريد المجلس من الصوت العالي، وتطهيره من المعارضة، وبعدما استراح الحزب والحكومة من الصداع والإحراجات التي سببته لها، كيف يمكن إنقاذ سمعة المجلس من ناحية، وكيف يمكن تسخين جلساته لكي يصدق الناس أنه يختلف عما توقعوه أو تصوروه؟ حينئذ انبرى كبيرهم قائلا، لا تقلقوا على سمعة المجلس، فأمامنا خمس سنوات نستطيع أن نعالج فيها التشوهات التي لحقت به. ولا تنسوا أنه «سيد قراره» وأن الطعون التي تقدم فيه يمكن احتواؤها. ورئاسة المجلس لديها خبرة كافية في لفلفة هذه الأمور وتقفيل ملفاتها. ثم إن لدينا تفاهما مع بعض القضاة لاتخاذ اللازم في وقت الحاجة. ولأن الشق القانوني مقدور عليه، فإن الأداء خلال السنوات الخمس القادمة هو المعول عليه. وإذا كانت العناصر المعارضة قد غابت عن المجلس، فلماذا لا يقوم الحزب الوطني بهذا الدور. صحيح إنه حزب الحكومة كما أنها حكومة الحزب، ولكن ذلك لا يمنع من أن يتولى بعض الأعضاء المضمونين مهمة المعارضة، لإضفاء الحيوية المطلوبة على الجلسات. وتلك هي الوسيلة الأنجح في تحسين الصورة. ولا غضاضة في ذلك لأن الجميع عند التصويت سيكونون ملتزمين بتعليمات الحزب. رغم أن هذا الذي قلته من وحى الخيال، إلا أنني دهشت حين قرأت الصحف القومية التي صدرت بعد بدء الدورة البرلمانية، وكدت اقتنع بأن ذلك ما حدث فعلا. فقد عقد مجلس الشعب أولى جلساته يوم الثلاثاء الماضي 28 ديسمبر. وكانت الجلسة عادية للغاية، أبرز ما فيها أن أحد الأعضاء، السيد زكريا عزمي وجه انتقادا لسياسة وزير الصحة فى بعض الأمور. ولكن جريدة الأهرام خرجت بعنوان رئيسي «مانشيت» في اليوم التالي مباشرة يقول: أول مواجهة ساخنة بين نواب الشعب والحكومة. وفي الخبر المنشور تحت العنوان أن نواب الشعب (لاحظ التعميم الذي لم يذكر أنهم نواب الحزب) وجهوا في أول مواجهة بين المجلس الجديد والحكومة «انتقادات عنيفة» لوزير الصحة... الخ. جريدة «روزاليوسف» رفعت سقف التسخين عاليا فذكرت على صفحتها الأولى أنه: من أول جلسة «معارضة الوطني» تلهب مجلس الشعب. وأشارت في الخبر إلى أن «معارضة الحزب الوطني» ألهبت جلسات مجلس الشعب خلال مناقشة 44 طلب إحاطة و9 أسئلة حول مشكلات العلاج على نفقة الدولة والخدمات الصحية، منها 42 طلب إحاطة قدمها نواب الوطني. إذا دققت في الكلام ستكتشف أن الجريدة ابتدعت مصطلح «معارضة الوطني»، بما يوحى بأن الحزب الوطني «حماه الله» أصبح يقوم بالدورين معا، فهو يحكم ويعارض في نفس الوقت. ثم إنها نفخت في الجلسة وزايدت على وصف ما جرى بأنه «انتقادات عنيفة»، كما ذكرت الأهرام، قائلة إن الجلسة كانت «ملتهبة»، لمجرد أن أحد الأعضاء انتقد وزير الصحة. (ماذا يمكن أن يحدث لو أنه انتقد رئيس الحكومة أو رئيس الجمهورية). إذا لاحظت أيضا الإشارة إلى أن نواب الوطني قدموا 42 من 44 طلب إحاطة إلى رئيس المجلس، فربما أقنعك ذلك بأن الحزب الوطني «اكتسح» المعارضة، تماما كما اكتسح الانتخابات. أما ما كان طريفا حقا فهو العنوان الذي احتل قلب الصفحة الأولى لجريدة «المصري اليوم» في أعقاب الجلسة الثانية، وذكرت فيه إن زكريا عزمي يتزعم المعارضة في البرلمان. وهو عنوان واسع حبتين، لأنه السيد عزمي رغم أنه نائب محترم، إلا أنه في النهاية رئيس ديوان رئيس الجمهورية. وإذا صح العنوان المذكور فإنه يعنى أن رئيس الجمهورية هو رئيس الحزب الحاكم الذي يعين رئيس الحكومة، أما زعيم المعارضة فهو رئيس ديوان رئيس الجمهورية! لقد تواضعت أهدافنا، بحيث لم تعد تعترض على تبييض وغسل مجلس الشعب وتجميل وجهه، وإنما صرنا نسأل ألا يوجد خبراء يستطيعون أداء المهمة بأسلوب أكثر ذكاء وحيل أفضل إتقانا؟.
650
| 02 يناير 2011
مساحة إعلانية
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم،...
6294
| 24 أكتوبر 2025
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...
5079
| 20 أكتوبر 2025
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...
3777
| 21 أكتوبر 2025
يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...
2856
| 21 أكتوبر 2025
تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...
2511
| 23 أكتوبر 2025
القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى،...
1572
| 23 أكتوبر 2025
واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...
1557
| 21 أكتوبر 2025
جاء لقاء حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن...
1407
| 26 أكتوبر 2025
لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت...
1077
| 20 أكتوبر 2025
فيما يبحث قطاع التكنولوجيا العالمي عن أسواق جديدة...
990
| 21 أكتوبر 2025
1. الوجه الإيجابي • يعكس النضج وعمق التفكير...
984
| 21 أكتوبر 2025
في زمنٍ تاهت فيه الحدود بين ما يُقال...
960
| 24 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية