رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
بقيت محفورة في ذهني لا تريد أن تغادرني، تلك اللحظة التي جمعتني ببائع الميداليات، يبيع ميداليات كل مفاتيح السعادة، منازل، فلل، سيارات ينادي على المارة اشتروا ميداليات، موجود الماركات كلها يا سادة. بالمناسبة أنا أكتب هذه اللحظات بعد مرور أكثر من سنتين عليها، ولكني أكتب الحروف وكأني أراها أمامي ماثلة لا أستطيع أن أنساها إلا بالبوح، فالبوح أحيانا راحة وإن كان منصوبا على جسر من العذاب. كنت واقفاً بسيارتي منتظرا زوجتي التي كانت تشتري بعض الأغراض، كنت أصف سيارتي بجوار مقهى أهل الخير، هذا اسم المقهى، وليست صفة من يجلس فيه. مضت الدقائق تلو الدقائق، وإذا بصبي صغير يشب ليطل من نافذة سيارتي، وكان وهو يشب يحمل أثقالاً كبيرة لا يستطيع حملها الكبار، قيود لم يرها الناس ولكني كنت أراها فآثارها واضحة في معصمه الصغير وملابسه الرثة كان قادما من مقهى أهل الخير وكأن أحدا لم يشتر منه، تبصر في من بعيد، وقال من الممكن أن يكون الفرج هنا عند هذا الواقف ينتظر، سبقه لي أيضا من يمسكون بعدد تنظيف السيارة، ويقفون على نواصي الشوارع، ويتطفلون على أصحاب السيارات وللأسف لا يمسح الغبار، ولا ينظف شيئا كنت أنهاهم بلطف، وهو يلاحظ هذا من بعيد، ولكنه جمع شجاعته، واقترب مني وسمحت له بالقدوم بأن أشرت إليه تعالى إلي، ووقف ليطل على الفرج الذي طال عليه خلال يوم صيف مرهق، قلت له ماذا عندك؟، فأخذ يشرح لي بضاعته بصوت مخنوق ولكني لم أع ما يقول كل ما كان يشغلني هي تلك الأساور التي أراها في يديه وقدميه، فهو كمن يبيع السعادة للناس، وهو ينتظر دوره، يبيع ميداليات لكل أنواع المفاتيح، وهو ينتظر مفتاح الرحمة، ما أقسى الحياة حين تعطينا الدروس في تناقضاتها، قلت له بصوت خفيض، هل أنت في مدرسة؟ بائع الميداليات: كنت ولكني خرجت؛ لأن أمي ليس معها مال للتعليم. فبادرته وأبوك بائع الميداليات: مات منذ كنت صغيرا، فقلت في نفسي هذا على أساس من يحدثني رجل كبير. لا أعلم لماذا شعرت أن الأب هنا هو نفس تلك الميداليات ولكنه سقط من مجموعته في غفلة من الزمن، بادرني بلهفة، هل ستشتري مني؟ قلت له مغيرا السؤال، هل هذه البضاعة لك؟ بائع الميداليات: لا هي للرجل الذي أعمل عنده، أي أنه ميدالية أخرى مع مجموعته، ولكنها مجسدة حقيقة، وتمشي بقدميها في دروب الألم قلت له ليس لك أمنيات، وقد كان سؤالا غبيا مني فما هي الأمنيات لمثل هذا ألم نقتلها في مهدها؟ بائع الميداليات: بادرني بأحلام الطفولة المختبئة عنده: أن أبيع بضاعتي كلها قلت له بكم هذه البضاعة كلها؟ بائع الميداليات: بصوت فرح كلها؟ قلت له نعم كلها بائع الميداليات: انتظر حتى أحسب لك، وبقي يجمع وأنا أنظر إلى أغلاله، كنت أحاول أن أفكها عنه أو أن أكسرها فقال مقاطع مخيلتي: 200 فقط فقلت له: هذه 200 وهذه أخرى اشترى بضاعة لك تجمعت نظرات عينيه بقوة، ونظر إلي بقوة لم أتحملها منه وكأنها سهام قوية، وكان يريد أن يعانقني من فرحته في لحظة تحطمت فيها الأغلال كلها، فعاد طفلا وعدت إنسانا في لحظة أراد أن يعطني البضاعة، فرفضت ومضى سعيدا بانتصاره في إحدى جولات الحياة الصعبة، ومضيت أنا بميدالية لا أضع فيها شيئاً سوى قلب عاد إلى إنسانيته في لحظة عابرة بين مصيرين.
633
| 18 نوفمبر 2023
googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); حين بدأت في كتابة هذا المقال كان ستار الحفل لجائزة كتارا للرواية العربية قد أسدل وعاد الفائزون بجوائزهم لبلدانهم التي لم تهتم بهم للأسف بل إن كثيرا منهم حتى غير معروف لقطاع كبير من المثقفين هناك ولكن بقيت في نفسي هوامش من التفكير في موقفي كمثقف عربي يعيش على أرض قطر ويرى هذا الاحتفاء برواد وكتّاب جاءوا من بلدان عربية مختلفة فقط لأنهم كتبوا الرواية ولم يصعدوا إلى القمر! نعم لي أن أتعجب في عصر لم تعد فيه للكلمة المكتوبة أي حفاوة! وأصبحت الحكومات العربية لا ترى سوى بعيني الباحث عن توفير لقمة الحياة لمواطنين واضعو هم وحكوماتهم الثقافة في أسفل القائمة هذا إذا كان هنالك في الأساس قائمة للفعل الثقافي. هذه الجائزة التي ما قامت سوى لإحياء مفهوم الرواية العربية في هذا الفضاء التعبيري للكلمة العربية في عصر تنكفئ فيه كل دولة على نفسها ولا تبحث سوى عن الطعام والشراب والدواء ولا تكتفي الجائزة بذلك فقط ولكنها تبعث تاريخ الرواية العربية ليكون على هامش الجائزة معرض كبير للكتّاب العرب وللرواد القدماء فزيارة واحدة للمعرض تعطيك نبذة عميقة عن تاريخ الرواية العربية كما أنها قامت بترجمة الأعمال الفائزة لأكثر من 4 لغات أجنبية ليقرأ العالم إبداعنا. أنا أعرف أنني أمشي على خيط رفيع حتى لا أقع في بئر "المدح" في زمن لا يفسر سوى النوايا التي يحملها المرء في قلبه ويغلق عليها والتي لا يطلع عليه سوى الله ولكن هذه رؤيتي وشهادتي أنني كمثقف عربي فخور بتلك المسابقة وبالأسماء الكبيرة التي تفوز بها وبالمبالغ الكبيرة المحترمة التي يعود بها الفائزون لبلدانهم لتكفيهم مؤنة الحياة لأننا نعرف كيف يعاني المثقف العربي والعوائق المادية الضخمة التي تقف أمام تحقيق إبداعه وممارسته.أنا أعرف أن الكثير سيفسر تلك الكلمات أنها مدح وتراجعت كثيرا قبل أن أكتب ولكن صديقي قال لي بالحرف الواحد لا تجعل رؤية الناس مقياسا للقلم وهذا هو ما فعلت.شكرا لجميع القائمين على هذه الجائزة الكبيرة التي تعيد مجدا مضى تحت سنابك الواقع المرير والتي تضيء شمعة في محيط عربي قارب على ظلمة قوية لن نعبر منها إلا بتلك الأشياء المبهجة التي تشرق علينا في لحظات اليأس.
276
| 14 أكتوبر 2016
googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); ليس ذنبه أنه ولد بإعاقة جعلت نظرتك إليه مختلفة، ليس ذنبه أنه وجدك تعامله بطريقة تنم عن أنه ليس كأقرانه، ليس ذنبه أنه خرج إلى الحياة بإعاقة كانت بإرادة من المولى سبحانه وتعالى التي أرادها لحكمة لا نعرفها، ولكن الذنب الحقيقي بل كل الذنب هو أن تعامله بطريقة أقل من معاملتك للأسوياء الطبيعيين، ان تنظر إليهم نظرة قاصرة محدودة، فهذا لا ينم إلا عن اعاقة حقيقية في فهم هؤلاء البشر العاديين جدا، هذه النظرة الأحادية وأحيانا الاقصائية وأحيانا أخرى الحزينة التي تنظر بها هي نظرة ضريرة قاصرة جعلت من صاحبها اعمى لا يرى وإنْ كان صاحب عينين قويتين ولكنه للاسف بات بلا بصيرة، ولتعلم انه عادي، فما عليك إلا بالنظر في كتب التاريخ لمن سبقونا لتعرف ان شواهد التاريخ تؤكد لنا دائما ان الاعاقة ليست تلك التي نعرفها، بل لو افترضناها فإنها لم تمنع صاحبها من الوصول إلى حلمه وطموحاته، بل انهم وصلوا إلى مراتب عالية وحققوا انجازات لم يصل إليها الاصحاء، ومن أحب فلينظر إلى كتب التراجم والسير الذاتية التي تفصح عن حجم ارادتهم ورغبتهم القوية وعزيمتهم في تحقيق ذواتهم امام العالم الذي شك في يوم من الايام في قدراتهم وفي وصولهم إلى ما يحلمون به. هذه الدافعية التي تستحق الوقوف امامها بالاحترام والاجلال، والتي تثبت ان المعاق انسان سوي شأنه شأن جميع اقرانه، ولو احببنا ان نضرب مثالا على هذا فأنا احب ان اقدم نموذجا لم تمنعه اعاقته ابدا من تحقيق النجاح تلو النجاح، إنه عميد الادب العربي الدكتور طه حسين الذي يروي لنا كيف كانت مرحلة اصابته بمرض الرمد والتي تسببت في عماه وعدم قدرته على رؤية الدنيا مجددا وتسربله في الظلام الدامس وأنه كيف كان يرى حنو ابويه عليه قسوة وكيف كان يرى عطف اخوته له شفقه دفعته إلى ان يعتمد على نفسه ليثبت أنه كسائر اخوانه، لهذا تنقل في اروقة العلماء وسافر إلى بلاد النور (فرنسا) في حين كان السفر رحلة إلى المجهول وإلى اين؟ إلى فرنسا مقتحما لأعرق جامعاتها ومن ثم عائدا إلى بلده بحقائق وعلوم ليقدمها للمبصرين من ابناء جيله وكيف أنه استطاع ان يصل في ذات يوم لم يتخيله احد إلى ان ينصّب عميدا للادب العربي ووزيرا للتربية والتعليم، رافعا شعار العلم والتنوير والبصيرة لكل المبصرين، هل عرفتم الآن من هو المعاق الحقيقي، هو الذي يرى الاعاقات بحجم الكون وتتملك نفسه قيود تحول بينه وبين تحقيق ما يريد، وقبل ان اترك الدكتور طه حسين لا بد ان اذكر قصة رواها احد الصحفيين الذين أرادوا ان يجروا حوارا معه والتي تفصح عن دواخل هؤلاء وكيفية التعامل معهم، فيقول: إنه حين جاءت الخادمة بالقهوة ووضعتها امام الاستاذ اردت ان احملها إلى يديه، فحين فعلت ذلك رفض ان يأخذها قائلا: ضعها مكانها وبالفعل استجبت، وقام بتناول قهوته كشخص عادي جدا، وكانت يده لا تخطئ موضع القهوة وكأنه يراها مثلي، لهذا فأنا ارى ان المعاق شخص طبيعي ومعاملته بنوع من الحرص والمتابعة الشديدة تزيد من وحدته ومن عدم قدرته على الاندماج في المجتمع، لهذا لا تشعروهم أبدا بإعاقتهم بل خذوا بأيديهم وعاملوهم بطريقة عادية، وسوف ترون نتائج هذه المعاملة سريعا وإلا فنحن حينها أصحاب الإعاقة الحقيقية.
2011
| 06 فبراير 2014
مساحة إعلانية
في قلب الإيمان، ينشأ صبر عميق يواجه به...
1818
| 21 نوفمبر 2025
عندما أقدم المشرع القطري على خطوة مفصلية بشأن...
1506
| 25 نوفمبر 2025
أصبحت قطر اليوم واحدة من أفضل الوجهات الخليجية...
1482
| 25 نوفمبر 2025
شهدت الجولات العشر الأولى من الدوري أداءً تحكيميًا...
1269
| 25 نوفمبر 2025
في مدينة نوتنغهام الإنجليزية، يقبع نصب تذكاري لرجل...
1092
| 23 نوفمبر 2025
في زمن تتسارع فيه المفاهيم وتتباين فيه مصادر...
837
| 25 نوفمبر 2025
حينما تنطلق من هذا الجسد لتحلّق في عالم...
795
| 21 نوفمبر 2025
الصداقة من خلال الرياضة.. الشعار العالمي للمجلس الدولي...
747
| 24 نوفمبر 2025
عَبِقٌ هُو الياسمين. لطالما داعب شذاه العذب روحها،...
546
| 21 نوفمبر 2025
حين ينضج الوعي؛ يخفت الجدل، لا لأنه يفقد...
510
| 23 نوفمبر 2025
* يقولون هناك مدير لا يحب تعيين المواطن...
507
| 24 نوفمبر 2025
منذ فجر الحضارات الفرعونية والرومانية وبلاد ما وراء...
468
| 24 نوفمبر 2025
مساحة إعلانية