رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

دمشق.. عودة الحياة للذاكرة الثقافية

كأنَّ دمشق تُعيد ضبط نبضها على إيقاع الروح، وكأنّها بعدما أنهكتها المحن، تتنفس بيتًا من الشعر فيرتدّ لها صوت الحياة. فقد فقدت دمشق في العقود الأخيرة، شيئًا فشيئًا وهجها التنويري الذي طالما تفرّدت به في التاريخ العربي، حين كانت منارة للفكر والأدب، ومجالًا رحبًا للجدل الفلسفي والشعر الحرّ والمسرح النابض بالحياة. لكن ذلك الألق انطفأ تدريجيًا حين حوّل النظام البائد الثقافة إلى أداة دعائية، لا تبحث عن الحقيقة بل تصنع صنمًا للسلطة. لم يعد الكتاب فعل حرية، بل وثيقة ولاء؛ ولم يعد المسرح سؤالًا مفتوحًا، بل مشهدًا مصمَّمًا لخدمة خطاب طائفي موجه. حتى وصلت الحالة الثقافية إلى شبه موت سريري، حيث زُرعت ثقافة منحرفة تُزيِّن وجه الطغيان وتُشوّه كل ما هو تنويري. أُقصي المفكرون، وحوصرت التجارب الجريئة، وسُمِح فقط لمن يُجيدون فن التهليل بالبقاء. هكذا تحوّلت دمشق – التي أنجبت عباقرة الشعر – إلى مدينة بلا أسئلة، تلهث خلف فعاليات شكلية، بينما الجوهر الثقافي الحقيقي كان يُسحق تحت وطأة الأمن والمخابرات والطائفية المبطّنة. وعلى منابر الثقافة، عادت القصائد تطرق أبواب الذاكرة، وتعلن على الملأ أن سوريا التي أنجبت أبا تمام والمعري ونزار قباني، لا تموت. ففي واحدة من أجمل أمسيات العام، نظّمت وزارة الثقافة السورية أمسية شعرية استثنائية للشاعرين أنس الدغيم وحذيفة العرجي، فغصّت القاعة بالحضور، وجاء الناس من أطياف متعددة، يسبقهم شوقهم إلى القصيدة، وتعطّشهم لحضور أدبي يروي أرواحًا أنهكتها الأخبار، وأضناها الصمت. لم تكن مجرّد فعالية، بل كانت احتفالًا بعودة الكلمة إلى مكانها الطبيعي، فوق المنصات، في العلن، وبحضور كثيف يفيض شوقًا للغة، للوجدان، وللوطن. سمعت إحدى الحاضرات تقول: هذه القصائد كنا في السابق نهمسها همساً حتى لا يسمعنا أحد، لأن تناقلها يعتبر جريمة ضد النظام، وها نحن اليوم نصدح بها ونصفق لها. لقد دار الزمن دورته إلى الجانب المشرق من الحياة.. لم تكن الأمسية مجرد عرض فني بل كانت فعلاً ثقافيًا واعيًا، حرّك سكون الساحة وأعاد وهج الشعر إلى الصدارة. هذه المبادرة التي استقبلها جمهور نوعي وكثيف، لم تأتِ من فراغ، بل كانت حصيلة إدراك عميق لقيمة الإبداع في زمن يبحث عن صوتٍ يليق بالوجدان العربي. لقد جسّد وزير الثقافة السوري الأستاذ محمد ياسين صالح، من خلال هذه المبادرة، رؤية جديدة تنأى بالوزارة عن الدور البروتوكولي الجامد، نحو موقعها الطبيعي كمحرك للوعي وحاضن للمواهب. فدعمه للأمسية لم يقتصر على الإشراف والتنظيم، بل تجلّى في حشد الطاقات لإنجاحها، وتوفير المساحة اللازمة لعودة الكلمة إلى منصاتها، في زمن كثرت فيه الضوضاء وقلّ فيه النُطق بالشعر الرفيع. حضور الشاعرين الدغيم والعرجي — بما يحملانه من تجربة وجدانية راسخة وتجربة نضال قاسية — أكد أن الكلمة ما زالت قادرة على أن تجمع الناس وتوقظ ما تراكم من غبار على الروح. لقد أعادت وزارة الثقافة بهذه الخطوة الثقة إلى الأوساط الأدبية، وأسهمت في كسر سنوات من التراجع والجمود الثقافي الذي فرضته ظروف التشريد التي مرت بها البلاد. فإحياء الأمسيات، ودعم الشعراء، وبعث اللقاءات الإبداعية، ليست مجرد فعاليات موسمية، بل هي بداية استعادة دور الثقافة كقوة ناعمة تنهض بالمجتمع وتمنحه مناعته الفكرية والوجدانية. وما هذه الأمسية وما سبقها وما تلاها من فعاليات مكثفة ومتنوعة ونوعيّة إلا قصيدة أولى في ديوان العودة السورية إلى الحضور الثقافي العربي.

285

| 06 يوليو 2025

سكين النحت: كتابة تتغلغل في أعماق المعنى

في مجموعتها القصصية (سكين النحت)، تقدم الكاتبة المبدعة (أفراح الهندال) تجربة سردية ناضجة تنأى بنفسها عن المباشرة، وتغزل من اللغة عالماً مبهماً يراوغ القارئ ولا يكشف دلالاته إلا لمن يمعن النظر في النسيج السردي. تتقن أفراح استخدام اللغة كأداة للنحت، لا للكتابة فحسب؛ فهي تحفر في الذاكرة والوجدان، وتترك للقارئ مهمة إعادة تشكيل النص بحسب تأويله، وكأنها تدعوه إلى شراكة فكرية لا تقبل الاسترخاء. السكين.. والأدوات.. واللوحة، والفنان المتواري خلف العمل.. ثم نقل هذا المشهد من العمل المرئي إلى العمل المقروء.. بلغة ليست مجرد وسيلة، بل هي بطلة النصوص ووقودها. فهي لغة شاعرية مكثفة، ذات نفس وجودي وعمق فلسفي، تتوسل الإيحاء لا التصريح، وتعتمد على الرمزية كجسر بين الواقع والحلم، بين المشهد الخارجي والانفعالات الداخلية. هذه الرمزية ليست ترفاً جمالياً، بل ضرورة بنيوية تسهم في بناء النص وتمنحه هالته الغامضة، ما يجعل القارئ يعيد القراءة مرات، بحثاً عن المفاتيح المخبأة في ظلال الجمل. ما يميز الكاتبة أفراح الهندال في هذه المجموعة هو قدرتها على خلق نصوص قصيرة تُقرأ كأنها شظايا من حلم بعيد أو نُسخ خافتة من حياة أخرى. لا تسلم نصوصها معناها دفعة واحدة، بل تطلب من القارئ أن يكون مستعداً للتأويل، للتورط، ولإعادة اكتشاف نفسه من خلال السرد. سكين النحت ليست مجموعة عابرة، بل شهادة على نضج فني وإنساني عميق، وإضافة فارقة في مشهد القصة العربية المعاصرة. ‎صدرت المجموعة القصصية «سكين النحت» عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت عام 2023، في 143 صفحة، وتضمنت تسعا وثلاثين قصة، جاءت غالبا في شكل قصص قصيرة جدا. تنوعت موضوعاتها ومعالجاتها،وأهجس أنها كُتبت على مهل، وبرمزية مقصودة لا تريد أن، تسلم أسرارها للقارئ بسهولة، وما بين صمتها المتأمل وهدوئها الذي يشبه غموض نصوصها، تتجلى شخصية أفراح الهندال ككاتبة تفضل أن تترك لأدبها أن يتحدث عنها. فهي لا ترفع صوتها، بل تترك أثراً عميقاً في الساحة الثقافية عبر كتاباتها، واشتغالها في الصحافة الثقافية، من خلال عملها الثقافي في الصحف الكويتية سابقا. واليوم، تواصل هذا الدور بصبر ومثابرة من خلال حضورها المميز في إدارة مجلة البيان التابعة لرابطة الأدباء الكويتيين، لتسهم في ترسيخ المشهد الثقافي وتوثيق الإبداع الكويتي بصوت هادئ، لكنه لا يُنسى.

522

| 07 يونيو 2025

الدوحة الثقافية... عودة الروح ونبض الكلمة

حين تعود مجلة الدوحة الثقافية إلى النور، لا تعود وحدها، بل تعود معها ذاكرة العرب الحيّة، وتجارب أجيال من الكُتّاب والمفكرين الذين مرّوا بين صفحاتها كمن يمرّ في مدارج التاريخ. فمنذ أن صدر أول أعدادها ختام ستينيات القرن الماضي، حملت المجلة على عاتقها رسالةً نبيلة: أن تكون مرآة لوجدان الأمة، ومنصة لحوار العقل، وبوابةً مشرعةً للفكر العربي في أبهى تجلياته. لم تكن مجرد مطبوعة، بل قوة ناعمة تسري في شرايين الثقافة العربية، تؤثر وتبني، وتثير الأسئلة لا لتُربك، بل لتُنير. واليوم، تعود الدوحة بقيادة الشاعر المبدع صاحب العقلية الابتكارية مبارك آل خليفة وفريق من الشباب المميز، بروحٍ متوثبة ونفسٍ معاصر، وقد لبست ثوباً معرفياً بهيّاً يجمع بين عمق المضمون وجمال التقديم، فصدر عددها الجديد مشرقاً كفجرٍ طال انتظاره، تفيض صفحاته بمقالات أدبية وفكرية رفيعة، وملفات ثقافية تعبق بالمعرفة، ولقاءات مع رموز صنعت الوعي العربي. وما يُحسب للمجلة اليوم، أنها تواكب زمنها بذكاءٍ بصري وفني، إذ أطلقت نسختها الرقمية لتصل إلى قارئها أينما كان، وتُعيد تشكيل علاقة الأجيال الشابة بالكلمة المطبوعة في زمن الشاشات. وقد جاء توقيت عودة المجلة متزامناً مع معرض الدوحة الدولي للكتاب، هذا الحدث الثقافي الفريد الذي بات علامة فارقة في خارطة المعارض العربية والدولية. وكأن الزمن اختار أن يحتفل بالكلمة من جهتين: من صفحات المجلة العائدة بكل بهائها، ومن أروقة المعرض الذي تزدحم به دور النشر والأفكار والرؤى. فكان التزامن رمزاً عميقاً لنهضة ثقافية تتجدد في قطر، حيث يتلاقى القارئ مع الكتاب، والمجلة مع الحركة الفكرية الحيّة، في مشهدٍ يُبرهن على أن الثقافة القطرية ليست فقط حاضرة… بل متفوقة ومؤثرة على مستوى العالم.. وهذا ما رسخته جهود سعادة وزير الثقافة الشيخ عبدالرحمن بن حمد آل ثاني، صاحب الروح المتطلعة إلى الفكر الحي والأصيل. لقد كانت الدوحة دوماً منبراً للعمالقة: عبرها كتب الطيب صالح، ومرّ بها إدوارد سعيد، وظهرت على صفحاتها دراسات لجبرا إبراهيم جبرا، ونقاشات لمحمد عابد الجابري، وغيرهم من صُنّاع الفكر العربي. كانت المدرسة التي تعلم فيها القارئ أن الثقافة ليست ترفاً، بل مسؤولية ورؤية وامتدادٌ حضاري. واليوم، بفضل دعم وزارة الثقافة القطرية، ووعيها العميق بأهمية الإرث الثقافي، تعود المجلة لا كأثر من الماضي، بل كـنبض حيّ من الحاضر نحو المستقبل، تعيد تشكيل الخريطة الفكرية، وتمنح القلم العربي مساحة يستحقها، وإرثاً يليق به أن يُحمل بفخر على أكتاف الغد.

399

| 30 مايو 2025

«الحكمة والمثل العليا» في الشعر القطري

يُعد الشعر القطري أحد أبرز المرايا التي تعكس ملامح الهوية القطرية بأبعادها الأخلاقية والاجتماعية والتاريخية. الشعر في قطر بشكل خاص - وفي سائر بلدان الجزيرة العربية بشكل عام - وسيلة للتعبير عن القيم النبيلة والمثل العليا التي يتحلى بها المجتمع، مثل الكرم، الشجاعة، الوفاء، النخوة، والاعتزاز بالوطن. ولئن كانت هذه القيم تمثل جوهر الروح العربية، فإن حضورها في الشعر القطري يعكس تفاعل الإنسان القطري مع بيئته وتاريخه وأحداث مجتمعه. وكان لي شرف حضور حفل تدشين كتاب (الحكمة) وهو منتخبات من عيون الشعر القطري، بحضور سعادة وزير الثقافة الشيخ عبدالرحمن بن حمد آل ثاني، والذي تحدث فيه مدير مركز قطر للشعر وقدمه خلال ذلك الشاعر عبدالحميد اليوسف، ليتحدث عن جهود المركز في الحفاظ على الهوية الثقافية القطرية، وأن الشعر قد لعب دورًا أساسيًا في تدوين التاريخ القطري، سواء على مستوى الأحداث السياسية الكبرى كقيام الدولة الحديثة، أو على صعيد التحولات الاقتصادية والاجتماعية، لا سيما مع النهضة الحديثة. فالشعراء القطريون وثّقوا الأحداث بلغة وجدانية حيّة، تُغني المادة التاريخية وتمنحها بعدًا إنسانيًا ربما يفتقر إليه السرد. إذ نرى في قصائدهم المصاعب والحروب والتحديات العظيمة التي مرت بها الدولة لتثبت أركانها وتفرض هيبتها في المنطقة، كما نقرأ وصفًا لحياة البداوة ومكابدات البحر، ومعاناة الأجداد، وحنينًا للماضي المفعم بالقيم، مما يحوّل الشعر إلى سجل لذاكرة الوطن. كما أن الشعر القطري يُدوّن الحالة الاجتماعية والعاطفية للمجتمع. فالمشاعر الشخصية، والحب، والفقد، والفخر بالانتماء، جميعها تتجلّى في القصائد كتعابير عن الحس الجمعي، لا الفردي فقط. ومن خلال هذا التوثيق، نستطيع أن نقرأ تحولات المجتمع القطري في علاقاته وأعرافه وقضاياه، لنفهم كيف تشكّل وجدان هذا الشعب وتقاليده. ويبرز دور مركز قطر للشعر “ديوان العرب” كمؤسسة فاعلة في حفظ هذا الإرث الثقافي، ودعمه، وتطويره. حيث أسهم المركز في توثيق الشعر الشعبي والفصيح، وتنظيم المهرجانات والأمسيات الشعرية، وإصدار الدواوين، وتشجيع المواهب الشابة. كما دعم التوجه نحو تعزيز القيم الأخلاقية والمثل العليا من خلال الشعر، في مسعى لجعل الكلمة وسيلة لبناء الوعي والانتماء، وليس مجرد أداة للزينة اللفظية.. وذلك بتشجيع ومساندة من سعادة وزير الثقافة. وفي ظل ما يشهده العالم من تغيّرات ثقافية، يبقى الشعر القطري صامدًا بقيمه، متجددًا في لغته، أصيلًا في روحه، بفضل المؤسسات الراعية له، وبفضل شعرائه الذين يحفظون للهوية القطرية نبضها الأخلاقي والتاريخي. وفي إطار هذا التوجه الوطني نحو صون الهوية وتعزيز الوعي الثقافي، تضطلع وزارة الثقافة بدور جوهري في تشجيع العمل التدويني ونشر الثقافة، من خلال مبادراتها المتنوعة التي تستهدف دعم الإبداع الأدبي والفني، وتوفير المنصات الملائمة لنشر النتاجات الفكرية والشعرية. وتأتي هذه الجهود في ظل قيادة سعادة وزير الثقافة، الذي يولي أهمية كبرى لتوثيق التراث الثقافي القطري، وتفعيل دور المؤسسات الثقافية في بناء مجتمع معرفي متكامل، حيث يُعد الشعر إحدى ركائزه الأساسية. وقد تجلى هذا الاهتمام في دعم المراكز المتخصصة، كالمنتديات الأدبية، وبرامج النشر والتوثيق، ومعارض الكتب والجلسات النقاشية والمكتبات والمؤتمرات التي تتيح للشعراء والمبدعين توثيق تجاربهم والإسهام في رسم ملامح الذاكرة الوطنية.

351

| 14 مايو 2025

«مثايل» الأخلاق.. في قصائد العشاق!

عندما أسرف (طرفة بن العبد) في شرب الخمر، ولم يعد يرتدع بسبب غياب عقله عن تصرفات لا تليق بمجتمعه.. قررت القبيلة طرده، لأنه تجاوز العُرف وخرج عن حدود الحشمة والحياء.. وقد صوّر ذلك في قوله: ومازال تَشْرَابيِ الخُمورَ، ولذَّّتي وبَيْعي وإنفاقي طَريفي ومُتْلَدي إلى أن تَحامتني العشيرةُ كلُّها وأُُفْرِدْتُ إِفرادَ البَعيرِ المُعَبّدِ ويظن بعض المبدعين أن إبداعهم يسمح لهم بالخروج عن المألوف وكسر القيود الأخلاقية. بينما من مهمات الثّقافة أن توازن بين الإنسان والطّبيعة، وتؤالف بينه وبين المجتمع، وبينه وبين القيم الرّوحية والإنسانية، ومن مهماتها أيضاً أن تكشف غايات الأخلاق وتتبناها، ثم تتبنى القيم التي تنتشل الفرد من الاستسلام لرغباته التي تتعارض مع مصالح المجتمع ومتطلبات المثل العليا.. وعندما يحدد المجتمع نظامه الأخلاقي.. يكون قد كشف عن غاياته الكبرى، وعلى المثقف حينها أن يحدد الوسائل التي تؤدي إلى تلك الغايات. وقد حضرت حتى الآن ثلاث حلقات من مسابقة (مثايل) التي تقيمها وزارة الثقافة في قطر.. ولفت نظري أنها تختلف عن موجة المسابقات المقامة للشعر (الشعبي أو الفصيح) وسر اختلافها هو مضمونها وغاياتها التي تركز على فكرة (محتوى القصيدة الأخلاقي) فيتم تحديد موضوع القصيدة من قبل إدارة المسابقة.. والموضوع لا يخرج عن القيم العليا مثل: الصدق، التغافل، الإحسان.. وما شابهها من معان سامية راقية. وتلعب الثقافة دوراً محوريا في توجيه المجتمع لتكون في دور القائد، متى ما كانت منتمية إلى أخلاقيات العمل الإنساني، ومتطلبات الجهد الثقافي الرصين، لتصبح هي الحاكم المتصرّف.. أما حين يتم تمييعها.. سيبدأ المجتمع الانشغال بالهوامش والقشور.. فيتصدّر أهل التّفاهة لأنهم يجيدون لعبة الإغواء والتشويق والإبهار ولا يتورعون عن الكذب والتزييف.. فيسيطرون على الإعلام. ولم يكن للعرب أن ينهجوا منهج الشعر إلا لغرض تمجيد مآثرهم النبيلة وهزّ أبنائهم إليها.. فحين أوجدوا الأوزان والقوافي لم يكن لهم هدف سوى التغني بمكارم أخلاقهم. لذلك نجد الشّعر قد احتفى - منذ إشعاعاته الأولى - بالمثل العليا، وسعى إلى تجسيد القيم الأخلاقية الّتي تظهر في سلوك النّاس ومواقفهم كنوع من الترويج لهذه القيم وغرسها في قلوب الأجيال. وتتجلى الأخلاق في الفعل الإنساني اليومي من خلال ردود فعله وأقواله وأفكاره وعلاقاته.. ليأتي الشعر من شأن الأسمى منها فيقوم الشاعر ليمدح الملك بأجلّ ما فيه من خصال، ويرثي الفقيد بأطيب ما تركه من مآثر.. ويصف الحبيبة بأجمل وأنبل صفاتها.. لتكون هذه الساحة هي ملعبه المفضّل.. ومجاله الرحب لينشد مدحا وفخرا ورثاء معبّراً عن النفّوس النفيسة بتجلياتها الأعلى، محاولاً اللحاق بانطلاق الرّوح المتطلعة إلى الكمال، الجانحة إلى الخير، بلغته الجماليّة الصحيحة. وهكذا لا يكون الإنسان إنسانا حقيقيا إلا بالأخلاق، وكلما سمت أخلاقه سمت نفسه.. وارتفعت في مراقي السمو مبتعدة عن وحل الطين حيث تكوينه السفلي ليصل الى معارج الروح حيث النفخة الإلهية الطاهرة. وقد جاءت الرسالة الحنفية لتنتشل الإنسان من وعورة الطريق الذي يسير فيه وتجنّبه المهالك والأشواك والهاوية ثم تسحبه إلى الطريق القويم.. وتجعل من وسائله التعبيرية حالة غناء بالأخلاق حباً لها واحتراماً وانحيازاً لها.. لأنها من مهمات الدين الانشغال بالقضية الأخلاقية ودفع الشعر ليكون شعورا يوافق الفطرة بما فيها من مكارم وسمو. وقد تصور البعض أن قضية الالتزام الأخلاقي في الشّعر العربيّ قضية ثانوية على اعتبار أن المهم هو الإبداع بصرف النظر عن محتواه، حتى تحولت أشعار (هؤلاء البعض) إلى ما يشبه العلب الجميلة المزركشة التي تحتوي أنواع السموم وأفتك الأمراض.. وتحولت كتاباتهم إلى شهوانية معلبة بزخارف اللغة أو أفكار منحرفة مخبوءة بين أسطر الرمز، مستدلين على ذلك ببعض معلقة امرئ القيس دون البعض الآخر، متغافلين عن مئات القصائد وربما الآلاف التي تغنت بمكارم الأخلاق، ومتناسين أيضا أن حياة العرب في الجاهلية شابتها قضايا النهب والقتل والزنا والشراب، والسلب والثأر؛ نظراً لغياب القانون؛ حتى أن معيار الحكم النّقدي لم يكن يأخذ بنظر الاعتبار الجانب الأخلاقي، وإنّما كان ينظر إليه نظرة فنيّة خالصة. ومنذ أن أشرقت شمس الإسلام وجّه أنظار المعلمين والدّارسين والباحثين، إلى ما يجب أن يحتويه الإبداع ويحثّ عليه من تعاليم تنبع من منبع منهج النبوة.. ويضيء من مشكاتها. فشكرا لوزارة الثقافة التي ألهمتنا هذه المعاني.. وشكرا لفريق عمل (مثايل) الذي أخلص وأبدع في الأداء.

1389

| 23 مايو 2024

أنشودة الشجن

شجنٌ من الوله العنيف تفجّرا فاهتز غصنُ القلب.. هاجَ وعبّرا حزنُ الطفولة كيف يسكبُ دمعه جُرح الأحبةِ هل يباعُ ويُشترى؟ حزنٌ تغلغلَ في العروقِ كأنّه شيخ تأوّل في الأصولِ وكفّرا كطوافِ طيفِ الحبّ حينَ سريته وحياً تشبّع بالغموض وفسّرا حجُّ الوضيحيّ وقبلةُ تائه طارت طيورُ الشوقِ يا أمّ القرى طارت وما حطّت على أعشاشها دارَ الزمانُ على الجسورِ، وما درى أسبِغ وضوءَك فالوجوهُ تلوّنت ما كان ديناً لا يكونُ لقيصرا وأسرج خيولَك فالطريق مريبةٌ والفجرُ يفضحُ من أناخَ ومن سرى جاءُ الغريبُ إلى الغريب يغيثهُ حين السِّمامُ على القطيعِ تحدّرا خذ للمكيدةِ في الرّحالِ ظنونَها كم علقمي في الزمانِ تكررا صوتُ القريبِ وطعنةٌ نفاذةٌ تبتُ يداهُ وذنبُهُ لن يغفرا لا تبك عينُك.. قل لها: ذهبَ الفتى لينالَ مجداً أو يموتَ فيُعذرا!

846

| 28 أبريل 2024

إلى أبناء الوطن

دعاني أحد الأصدقاء لحضور عرض فيلم (إلى أبناء الوطن) الذي أنتجته مؤسسة الدوحة للأفلام، فكان من حسن حظي أنني حضرت العرض في يومه الأخير في مكان جميل، حالم، وأنيق. هو متحف الفن الإسلامي. الغافي على متحف كورنيش الدوحة الساحر. وكنت قرأت ما كتبته سعادة الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني عن جهود فريق عمل الفيلم البديع في فكرته المذهل في تنفيذه، تحقيقا لسعي المؤسسة أن تجعل من العمل الوثائقي السينمائي مكونا ضروريا من مكونات عاداتنا الفنية والثقافية باعتبار الأفلام الوثائقية من أجمل الفنون البصرية، كفنٍّ قادر أن يسلط الضوء على شخص أو حدث ما أو فكرة ما لتصبح أكثر وضوحاً للناس بطريقة بصرية - سمعية ممتعة. وصاحب السمو الأمير الوالد بصفته أحد قادة الدولة التاريخيين، وباني نهضة قطر الحديثة، كان هو مادة الفيلم المحورية حيث تبوأت الدولة في عهده مقامًا عاليًا عربيًا ودوليًا، فأطلق فيها نهضة اقتصادية واجتماعية وثقافية واسعة، بدءاً من تضاعف الناتج الإجمالي المحلي أكثر من 24 مرة، وارتفاع الناتج المحلي للفرد بنحو ست مرات، مع قفز القيمة المضافة الإجمالية في قطاع الهيدروكربون من 11 مليارًا إلى 403 مليارات ريال قطري. وقد تناول الفيلم التحول الكبير الذي أحدثه صاحب السمو الأمير الوالد على كافة المستويات اولها انتشال قطر من حفرة الافلاس التي كادت تسقط بها مطلع التسعينات ثم النهضة الشاملة التي حققها في كل المجالات وانطلقت فيها نهضة عامة شملت التعليم والصحة والرياضة والثقافة والإعلام والبنى التحتية وانطلاق المرأة في ممارسة حقها في العمل والتعليم والرياضة والحياة. ومنذ تولى سموه مقاليد الحكم في 27 يونيو 1995 شرع في وضع الخطط والبرامج التنموية والإصلاحية، في خطة بناء شاملة وعميقة، اتخذت أبعادًا ومسارات متنوعة، فشهدت البلاد نقلة نوعية في التنمية، فعرفت في عهده قفزة كبيرة في قطاع الاقتصاد والطاقة، وحقق حقل الشمال للغاز طفرة في الإنتاج، وبدأ منه تصدير الغاز المسال سنة 1996، فارتفع دخل البلاد بشكل سريع. حتى جاءت سنة 2006 لتصبح دولة قطر أكبر مصدر للغاز المسال في العالم، ثم عام 2010 حين بلغت طاقتها الإنتاجية 77 مليون طن سنويًا. شاهدت في الفيلم الابداع في الاخراج والحديث والتنقل والتسلسل والتصوير المتقن ولعبة الإضاءة الذكية في تصوير سينمائي عزز وضوح الهدف والحدث في المشهد فكانت حركة الشمس وتأثيرها على المكان. مع استخدام النافذة كمصدر إضاءة مليء بالإيحاءات الجمالية ليختم الفيلم بابيات المؤسس: يلومونني العذال في مطلب العلا... يقولون يسلـك بـك دروب صعايـب. ‏ترى فيه تلف المال والجند والسلع... وجرايم سلاطيـن تـدور السبايـب. فلولا ركوب الصعب في كل شده وصبر على شداتها والكرايب ما لذ في الدنيا لذيذ مطعم ولا لذ لي فيها لذيذ المشارب شكراً لسعادة الشيخة المياسة ولفريق العمل على هذا الإنتاج الفخم والرائع.

675

| 12 مارس 2024

«والله يسمع تحاوركما»

«يقال في الفلسفة إن الجدل أصل التطور، وها قد علمنا كيف أن خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها اتخذت من الجدل، وكانت خير مجادلة، سبيلا لتجسيد رؤيتها في سعيها إلى حل مشكلتها». كلمة افتتحت بها صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر، حفظها الله، مركز المجادلة الذي كان إحدى مبادراتها التنويرية الرائعة، بهدف تعزيز الهوية الإسلامية للنساء وتوعيتهن بأمور دينهن ودنياهن، شخصيا وأسريا واجتماعيا، من خلال ايجاد مساحة للتعبد والتعلم، وللتطوير والإرشاد واستنباط الحلول من داخل الإسلام. لقد فطن أعداء الفطرة الإنسانية السليمة لمكانة المرأة الأساسية ودورها في صنع الأمة وتأثيرها على المجتمع ولذلك أيقنوا أنهم متى أفسدوها ونجحوا في تخريب فكرها وعقيدتها وتضليلها تهون عليهم حصون الإسلام فيدخلوها مستسلمة بدون أدنى مقاومة. يقول أولئك: علينا أن نكسب المرأة، وفي اللحظة التي تمد إلينا يدها نكون قد ربحنا القضية. ولذلك نجحوا في توجيه الرأي العام العالمي حينما ملكوا المرأة عن طريق الإعلام المال. وجاءت كلمة صاحبة السمو حاوية للقضايا الفكرية الكبرى والتحديات الصعبة، حين استحضرت حادثة الجدل الراقي الذي جمع الصحابية خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها مع رسول الله عليه الصلاة والسلام، إذ تصف صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر ذلك المشهد العجيب بقولها: «لم تقف خولة بنت ثعلبة مكتوفة اليدين، بل سعت وبحثت عن حل للمشكلة من داخل منظومتها الدينية، قاصدة حفظ حدود الله في نفسها وأهلها بعقل وتبصر». ثم لفتت إلى نقطة رائعة تشير إلى روعة المعمار وفي الوقت ذاته يصرف النظر عن الانشغال به، فكأنها تظهر حسن الضد بالضد إذ قالت: «لا نجتمع هنا اليوم للاحتفال بالجماليات المعمارية للمبنى ومن ثم تحويله إلى مزار سياحي، وإنما لتسليط الضوء على مفهوم العدالة في العبادة من خلال إنشاء مركز ومسجد يتيح للمرأة تطوير ذاتها في الشؤون الدينية والدنيوية من منظور شرعي وفهم شامل للعبادة حتى لا تبقى مصليات النساء مهمشة ومنزوية في ركن قصي، بوضع لا يليق بقيمة المسجد الروحية والإيمانية بما يجعلها بيئة غير جاذبة للفتيات». إنها مبادرة عميقة تسعد القلب من صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر تعزز في النفوس الحق واتباعه والمجادلة به والاعتزاز بهذا الارث الحضاري العظيم الذي بثه الإسلام في النفوس في وقت استطاع فيه رواد الفكر التغريبي التخريبي الوصول للمرأة وسط جهلنا بقيمة حضارتنا وحقيقة أولوياتها فكان الانتكاس بسبب الاغترار بالباطل لكونه يظهر في قالب الحق. لقد كنت سعيداً بمتابعة الحدث عن بعد. وأسعدني حضور النخب الثقافية الكبيرة في الحفل وبشكل خاص شاعرة العرب الكبيرة د. سعاد محمد الصباح. اللهم بارك في الجهود.. واحفظ القيادة.

2682

| 02 فبراير 2024

دور المثقف في التحولات التاريخية

قبل أحداث غزة المؤلمة والمفصلية كان (تسطيح وعي الشعوب والتقييم المقلوب للأمور) هو العنوان الأبرز الذي يمكن اختياره للسنوات الخداعات الماضيات التي عشنا فيها مرحلة صعبة سيطر فيها على الفضاء اعلام سطحي متهالك قاده ثلة ممن صنعتهم آلة إعلامية خبيثة غرزت اللهاث المحموم وراء الماديات والمظاهر والإنفاق المجنون.. وسيطرت فيه عادات وطبائع وأقوال مغلوطة ازدادت حدتها تطرفا وبجاحة حتى اصبح صاحب الحق يخفض صوته خجلاً وخوفا والمنحرف يرفع عقيرته بالصياح. لكن الله لابد أن يحق الحق ويدمغ الباطل لأنه سبحانه أراد للإنسان أن يكون حرا، ولكي يكون حرا ينبغي أن يكون مفكرا، قادرا على فهم ما يدرر حوله. ولكي يكون كذلك ينبغي أن تكون هناك مؤثرات مباشرة وهذا هو الجانب الأسهل في التعامل، لكن الاخطر هي تلك المؤثرات غير المباشرة الخفية التي تستخدم اللعبة النفسية في التأثير، حيث مكمن الخطر.. بقدرتها على تغيير الشخصيات بتدرّج هادئ مثل قارب يقف فوق ماء يحركه بهدوء.. فتظنه ساكنا لكنه يمرّ مرّ السحاب فاذا به في الوجهة المقابلة. ولأن وسائل الإعلام أصبحت تسيطر على عملية الاتصال ويعتمد عليها الجمهور في الحصول على المعرفة فقد أصبحت هي من يشكل الثقافة العامة.. سواء عبر قنوات او منشورات واتساب او سنابات او تغريدات وغيرها مما ينشر من آلات التأثير… لتنبئ بتحوّل هيكلي عميق في موازين السلطة بين الطرفين. لقد شكّل بزوغ الإعلام الجديد شكلاً جديدا من الاتصال على النطاقات الاجتماعية، إذ أصبح إنتاج الخطابات المستهلكة عموميًّا لا مركزيًّا، مع تراجع الاعتماد على الإعلام التقليدي وتعاظم استخدام شبكات التواصل، وهو التغيّر الذي زعزع الأشكال التقليدية للسلطة في المجتمع. وبرغم هذا الانحدار لم يفقد المثقفون الأمل في الظهور على وسائل الإعلام وتفعيل دورهم داخلها وضدّها، من أجل رفع شعارات معادية لأحادية الخطاب الإعلامي المهيمن. ومن الأسماء التي تقف على مشرف من مشارف هذا الوعي وإدراك المسؤولية الأخلاقية الأستاذ سعود الفراج كحالة خاصة مميزة لإعلامي قطري يقدم مادة رصينة تعزز أهمية نشر الوعي المجتمعي بالمسؤولية الثقافية من خلال مادة ثرية تسعى إلى ظهور متزن يعمل على تثقيف الناس بقضاياهم المهمة ويهتم بالتأثير في مواقفهم وسلوكياتهم ومعتقداتهم بما يخدم الأصالة والالتزام. وكذلك التأثير على صانعي القرار بما ينفع الوطن والمواطن، معززا صحة الفهم وسلامة الإدراك، لكأنما يستشعر معنى قوله تعالى:{لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} باعتبار الوعي شيئا أعمق من الثقافة اذا علمنا أن الثقافة هي التعليم النظري بينما الوعي هو التطبيق العملي.. وقد تابعت نشاط الأستاذ سعود ووقفت على حرصه على نشر الفهم الصحيح لطبيعة التدافع بين الحق والباطل، وتعزيز المعرفة بحماية المكتسبات الاخلاقية، والإحساس بالوطنية وفق مفهومها الشرعي والأخلاقي، ونفي الادعاء الزائف. يسعى سعود من خلال نشاطه اليومي عبر حسابه في سناب شات الممتع الملئ بالوعي والنصائح والقصص المشوقة والمواقف الطريقة وعبر التاريخ القديمة والحديثة وخفة ظله المحبّبة إلى اكتشاف أنماط وشرائح المجتمع وكيف نتعامل معها التعامل الصحيح، بعيدا عن اللهاث الشائع بحثا عن "تريند" أصبح هو الهدف الأكبر الذي يتبارى غالبية المشاهير في اعتلائه، بعد أن أصبح أحد أهم معايير التقييم كمقياس لدرجة النجومية المزيفة، وإن كنا نعلم جيداً كيف تصنع المشاهير هذا التريند المفتعل. وقد سجلت مؤخراً مع (سعود الفراج) حلقة من ضمن حلقات بودكاست أبواب.. فخرجت معه بحوار ثري ومشوّق.. تحدث فيه عن قضايا مجتمعية وسلوك جمعي وفردي بستحق التشريح والتحليل المبني على التساؤل: متى حدث ذلك وكيف حدث ذلك..

1110

| 21 يناير 2024

هنا صوت لندن..

أخيرا أعود إلى لندن بعد غياب 25 عاما.. لم يتغير شيء.. لم يتغيّر سواي لم تكبر لندن كثيرا.. فهي منذ عرفناها وقبل أن نعرفها قد بلغت سن العجائز، هذا كامبرلاند الذي سكنته وأنا في عز الشباب.. في وقت كانت فيه لندن مثلي بهية ومشرقة مثل خدود ديانا وهي تعيش في وفاق تام مع تشارلز.. وتلك هي الهايد بارك كما تركتها متألقة.. أشجارها ما زالت تستمع باهتمام لآهات الجالسين في ظلالها.. هذه المدينة العجوز التي أسرت العالم مازالت بذات الطعم واللون والرائحة.. «أجمل مدينة عربية» كما قال نزار. لكني الآن أقل شغفاً وأكثر زهدا في الاكتشاف.. لا شيء سوى تتبع أحوال الأدباء العرب الذين سكنوا هذه المدينة هربا من أوطانهم، وجمعتني مع بعضهم حوارات أدبية، أطمع أن تعيد لي شيئا من شغف الحب الذي خبا في داخلي.. زرت سعاد الصباح في منزلها الريفي الجميل.. في (ريدنق) تأملت (لندن آي) التي تبدو في السماء مثل أرجوحة وسط غيمة ثم وقفت على الجسر الشهير في مدينة الضباب أتأمل نهر (التيمز) الذي كتب عنه أكبر الأدباء.. أدباء العرب الذين حملوا غربتهم واحزانهم ودخلوا الى سحر شكسبير. وأثرياء العرب الذين ركبوا يخوتهم وجاءوا إلى سحر مدينة الضباب.. ضباب المشاعر وًضباب المواقف. والسياسيين العرب الذين مازالت ملفاتهم ضمن تركة الملكة الراحلة إليزابيث. وظننت أن لندن ستسرق قلبي مثلما سرقت قلب سعاد الصباح ونزار قباني وغازي القصيبي.. أو أن تخبئني في أحضانها مثلما خبّأت أحمد مطر.. وأحاول أن أكون حذرا من طيف أي جميلة احترفت خطف الأحاسيس. هذه لندن ياصديق الشعر.. غواية الحب والحرب.. ومازالت عالقة يبطراف شوارعها ذكرى عجوز تجاوزت التسعين تربعت على عرش خمسين بلدا في العالم.. زمنا طويلا، أطول مما تتوقع الجميع.. استسلم لها يا غريب.. لندن ستسرقك حتماً.. مثلما سرقت قبلك قلوب غادة السمان، وسعدي يوسف وادوارد سعيد. أغمضت عيني بانتظار نشوة السرقة العاطفية لكنها بدلا من أن تسرق قلبي، سرقت جيبي! ما إن التقطت صورة في منتصف الجسر وعدّلت شنطتي (الكروس) على كتفي.. حتى وجدتها فارغة! لقد اختفت منها محفظتي بكل ما فيها من هويات وبطاقات ومصروف. تذكرت أنك أيتها المدينة الرمادية العريقة.. تسرقين التاريخ والقلوب والجيوب.. وتذكرت صوت صديقي القديم وهو يتصل يخبرني أنه سيزورني في الفندق مع محام متخصص وخبير سيشرح له طريقة خاصة في الحصول على ميزة إقامة رجال الأعمال.. لندن لم تخطف قلبي ولم تعطني هوية.. بل سرقت هويتي..! ما أصعب سرقة بطاقة رجل خاض معركة طويلة ومؤلمة مع الحب ومع الهوية.. ومع الوطن!

897

| 06 نوفمبر 2023

سيُهزَمُ الجَمْعُ

سَدِّدْ بِنَحْرِ عَدُوٍّ جاء مُخْتَتِلاً يَخْطُو إليكَ بنَفْسٍ طَبْعُها الحِيَلُ قاوم؛ كأن جناناً حان موعدها تَرنُو إليكَ، ويَخْزى الحاقِدُ الخَطِلُ اثبُتْ، فإنَّ شُعوباً أنْتَ مُلهِمُها تَتلوكَ رَمزاً عَظيماً أيُّها الجَبَلُ مهما رُمِيتَ بسهمٍ سوف تكسِرُه جرّد سيوفك واشمَخْ أيُّها البطلُ تَسْتَسهِلُ الموت في تَحريرِ مَسجِدِنا إِذْ هَكذا وَردَتْ يا سَعدَنا الإبلُ يا ناصرَ الحقِّ تأكيداً، فقِبلَتُنا قدْ جادَها الغَيثُ.. وحياً مِنْك يَنهطِلُ كنا اليباس وقد اهديتنا مطراً يا نضّر الله وجهاً جاء يبتهل أَمّا اليهود فمِنْ أسْلافهم مُسِخُوا فالزم هداية ما جاءت به الرسل جيل الشتات وقد جاءوا لنا زمرا سيُهزَمُ الجَمْعُ، والأيامُ ذي.. دُوَلُ وصفقة القرن قد ماتت بمولدها والفاتحون بإذن الله قد وصلوا

783

| 01 نوفمبر 2023

ابتسامة خنجر في الخاصرة!

أطباء قص المعدة.. لماذا لم يخترعوا لنا جهازاً لقص الذاكرة.. حتى نتخفّف من ترهلها بأناس مرّوا وأصبحت ذكراهم تسبّب ألماً مزمناً؟! أنا على أهبة سفر.. ومات في مثل هذا اليوم قبل خمس سنوات أحد أصدقائي لا ليست خمس سنوات، ربما أكثر، ربما أقل والحقيقة أنني لم أنس التاريخ فأنا أذكر.. لكنني لا أريد أن أتذكّر دفنته بيدي وأنا أبكي لا.. دفنته وأنا أضحك! لا..!! دفنته وأنا أضحك باكياً.. !! ليست دموع الحزن ولا دموع الفرح.. شيء مالح جدا.. أبكي وأضحك لا حزناً ولا فرحا.. بينما أستخرج الخنجر الذي غرسه في خاصرتي قبل أن يموت! لا لم يمت.. أنا دفنته حياً.. سمعت أنفاسه وهي تغوص في الغياب كيف لم أنتبه لتلك البشاعة في وجهه كيف لم أميّز نظرات الخبث في عينيه كيف خدعتني ابتسامته المخاتلة؟ كيف فاتتني غايات أسئلته الغريبة؟ هل كنت ساذجاً حد الطيبة؟ أم كنت طيباً حتى السذاجة أم هي حسن النوايا المغموسة بالبلاهة لا بأس، سأضيف اسماً جديداً إلى قائمة الأصدقاء الذين ماتوا وهم أحياء.. لكن: أين ذهب أولئك الذين حللنا في نسيانهم.. ولم يغادروا الذاكرة المرابون في محبتهم.. الذين عاشرونا كما يجب وتحسّسوا كل مشاعرنا الهشّة ومكامن ضعفنا.. ثم سددوا الطعنة في الوقت المناسب والمكان المناسب.. وتركونا أشلاء .. هل جمعت أشلاءك.. بعد أن تعرفت عليها قطعة قطعة؟ تحدّث مع نفسك حاول أن تقول كل شيء الهذيان الذي يجلب الطمأنينة عاتبها اضربها.. عنّفها.. برّر أخطاءها اخرج إلى الشمس تجرع أكبر قدر ممكن من الضوء حفنة خاطفة من الحياة عد إلى مكتبك خفيفا من الزمن، متخففا من الذكريات عد إلى ممارسة حياة متأنّية بعطاءاتها.. تقدم لك بقايا رغيف وتعدك بالإدام تعطيك الإدام وتعدك بالحلوى ثم تسحب منك الرغيف والإدام وتعطيك حلوى يشوبها شيء من الملوحة!!

2154

| 25 أكتوبر 2023

alsharq
بائع متجول

يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن...

3363

| 26 سبتمبر 2025

alsharq
كبار في قفص الاتهام.. كلمة قطر أربكت المعادلات

في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو...

2778

| 25 سبتمبر 2025

alsharq
غياب المعرفة المالية عن الطلاب جريمة اقتصادية بحق الأجيال

في عالم اليوم المتسارع، أصبحت المعرفة المالية ليست...

2391

| 22 سبتمبر 2025

alsharq
ماذا يعني سقوط الفاشر السودانية بيد قوات الدعم السريع؟

بعض الجراح تُنسي غيرها، ليس بالضرورة أن تكون...

1167

| 28 سبتمبر 2025

alsharq
قطر في الأمم المتحدة.. السيادة والإنسانية

يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودا ويخططون لاغتيال...

1044

| 24 سبتمبر 2025

alsharq
غزة.. حين ينهض العلم من بين الأنقاض

في قلب الدمار، حيث تختلط أصوات الأطفال بصفير...

927

| 23 سبتمبر 2025

alsharq
الأمير يكشف للعالم حقيقة الكيان الإسرائيلي

صاحب السمو أمام الأمم المتحدةخطـــــاب الثبـــــات علــى الحــــــق.....

882

| 24 سبتمبر 2025

alsharq
حضور فاعل للدبلوماسية القطرية

تعكس الأجندة الحافلة بالنشاط المكثف لوفد دولة قطر...

825

| 25 سبتمبر 2025

alsharq
1960.. أمّ الانقلابات في تركيا وإرث الوصاية العسكرية

بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى،...

759

| 22 سبتمبر 2025

alsharq
الفن ضد الدمار

تواجه المجتمعات الخارجة من النزاعات المسلحة تحديات متعددة،...

759

| 26 سبتمبر 2025

alsharq
خطاب صريح أقوى من السلاح

• كلنا، مواطنين ومقيمين، والعالم يدرك مكانة قطر...

702

| 25 سبتمبر 2025

alsharq
الزراعة الذكية في قطر تعزيز للإنتاج الغذائي

تتصدى دولة قطر للعديد من التحديات المتعلقة بعمليات...

639

| 24 سبتمبر 2025

أخبار محلية