رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

فلسفة التاريخ عند ابن خلدون

يعد عبدالرحمن بن خلدون (1332-1406م) من أعلام الفكر الإسلامي والعالمي، ومن أبرز من أعاد للتاريخ مكانته كعلم يدرس ويحلل، لا مجرد حكايات وأخبار تروى. ففي مقدمته الشهيرة وضع أسسًا منهجية صارمة لدراسة التاريخ، حتى عده كثير من الباحثين مؤسس علم الاجتماع التاريخي. التاريخ علم لا سرد لم ينظر ابن خلدون إلى التاريخ باعتباره سردًا متتابعًا للأحداث، بل رأى فيه مجالاً للفحص والتحليل. فالأخبار لا تقبل عنده لمجرد روايتها، وإنما يجب نقدها وتمحيصها بالاعتماد على قوانين العمران البشري، وعلى مدى توافقها مع طبيعة الاجتماعي الإنساني. وهنا تبرز عقلانيته وسبقه على كثير من مفكري الغرب. العمران ودورة الدول من أبرز إسهاماته حديثه عن العمران البشري، الذي اعتبره أساسًا لفهم قيام الدول وانهيارها. فالدول عنده تمر بمراحل أشبه بدورة حياة الإنسان: النشأة، القوة، ثم الضعف والاندثار. وتعود هذه الدورة إلى عوامل اجتماعية ونفسية، مثل العصبية، والترف، وضعف القيم. وهذا التحليل يكشف عمق نظرته الفلسفية في فهم التاريخ. المنهج النقدي أرسى ابن خلدون قاعدة مهمة في التعامل مع الأخبار التاريخية: «الخبر إذا كان مخالفًا للعقل والسنن الاجتماعية فمردود». وهذا المنهج جعله ناقداً للأوهام والأساطير التي اختلطت في كتب التاريخ، ومميزًا بين ما يبنى عليه فهم حضاري، وما لا يعدو أن يكون خرافة. ما يثير الإعجاب أن أفكار ابن خلدون ما زالت حاضرة اليوم، فحين ندرس أزمات العالم الإسلامي، أو نحلل أسباب سقوط حضارات سابقة، نجد أن رؤيته لدورة الدول والعمران الاجتماعي لا تزال قادرة على تفسير الكثير. ومن هنا تظل فلسفته في التاريخ نبراسًا لكل باحث في الحضارة والنهضة. خاتمة ابن خلدون لم يكن مؤرخاً تقليديًا، بل كان فيلسوفًا للتاريخ ومؤسسا لعلم الاجتماع، ومفكرًا سبق عصره. لذلك تبقى دراسته نافعة في قراءة الماضي وفهم الحاضر واستشراف المستقبل. «التاريخ في ظاهره لا يزيد على أخبار عن الأيام والدول، في باطنه نظر وتحقيق وتعليل للكائنات وأصولها عميق» ابن خلدون.

105

| 26 سبتمبر 2025

الخدمة الوطنية.. مصنع الرجال وقيم الانضباط

الخدمة الوطنية ليست مجرد فترة زمنية يقضيها الشاب بين التدريب والانضباط العسكري، بل هي مدرسة حياة ومصنع يصوغ الرجال بقيم الولاء والتضحية والانضباط. فالمجتمعات القوية لا تبنى بالراحة والدعة، بل على أكتاف رجال تمرسوا على الصبر والتحمل وخدمة وطنهم بإخلاص. لقد جاء الإسلام مؤكدًا على قيمة إعداد القوة لحماية الأوطان والمجتمعات، فقال الله تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ﴾ (الأنفال:60)، والقوة هنا ليست عسكرية فحسب، بل تشمل قوة الإرادة والخلق والانضباط وتحمل المسؤولية. والحقيقة ان اختيار الدولة للشاب للانضمام إلى الخدمة الوطنية شرف عظيم ووسام على صدره، يزين حياته ويمثل مفخرة له ولأسرته، لأنه يشارك في حماية وطنه وبنائه، ويسهم في صناعة مستقبله بيديه. والخدمة الوطنية تمنح الشباب دروسًا لا تشترى بالمال: • تعلمه كيف يحافظ على وقته ويستيقظ مع الفجر. • تكسبه مهارات الانضباط والالتزام واحترام الأوامر والنظام. • تعرفه على روح الفريق والعمل الجماعي بعيداً عن الفردية. • وتغرس فيه حب الوطن عملياً، لا بالشعارات، بل بالجهد والتضحية. ومن واقع التجربة، رأينا شبابًا دخلوا الخدمة الوطنية وهم مترددون أو متهاونون، وخرجوا منها رجالاً يعرفون قيمة الوقت والعمل والصبر والوفاء للوطن. هذه التحولات هي ما تحتاجه المجتمعات الحديثة لتبقى قوية أمام التحديات. وقد علمنا النبي ﷺ هذا المعنى حين قال:» المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف» ( رواه مسلم)، والقوة هنا شاملة للعقل والجسم والإرادة والالتزام. إننا حين نرى شبابنا في ميادين الخدمة الوطنية، نرى جيلاً يتحول من الاعتماد على الآخر إلى الاعتماد الى النفس، ومن التراخي إلى الانضباط. فليست الخدمة الوطنية مجرد واجب، بل هي فرصة لصناعة جيل من الرجال الأوفياء الذين يدركون معنى الوطن ومسؤولية حمايته وبنائه. وندعو الله أن يوفق أبناءنا في ميادين الخدمة الوطنية، وأن ييسر لهم طريق النجاح، ويحفظهم لوطنهم وأهلهم، ويجعلهم وسام فخر لعائلاتهم ووطنهم، وعونًا في رفعة بلدهم وفخراً لأمتهم.

123

| 29 أغسطس 2025

الإصلاح الحضاري عند الداعية الغزالي.. قراءة في منهجه وفكره

يعد الشيخ محمد الغزالي – رحمه الله – واحدًا من أبرز الدعاة والمفكرين في القرن العشرين، ممن جمعوا بين عمق الفهم الشرعي، وسعة الاطلاع على واقع الأمة، وجرأة النقد البناء. لم يكن الغزالي داعية تقليدياً يكتفي بالوعظ والإرشاد، بل كان مشروعه قائماً على ما يمكن تسميته بـ «الإصلاح الحضاري»، الذي يستهدف الإنسان المسلم في فكره وسلوكه، والمجتمع المسلم في قيمه ومؤسساته، مستلهمًا قول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ (الرعد:11). الرؤية الإصلاحية انطلق الغزالي من إيمان راسخ بأن الإسلام دين حضارة ورسالة نهضة، وأن تخلف المسلمين ليس قدرًا محتومًا، بل نتيجة انحراف عن المنهج الرباني، لذلك ركز في كتاباته على إعادة الأمة إلى روح الإسلام الأولى، حيث تتكامل العبادة مع العمل، والعقيدة مع السلوك، والروح مع العمران. وكان يردد حديث النبي ﷺ:» إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» ليؤكد أن النهضة تبدأ من الأخلاق والقيم قبل الشعارات والمظاهر. أدوات الإصلاح جمع الغزالي بين التربية الإيمانية التي تزكي النفوس، والوعي الفكري الذي يحصن العقول، والنقد الاجتماعي الذي يكشف الخلل، ففي كتابه «جدد حياتك» دعا إلى التحرر من الكسل والركون إلى الماضي، مستشهداً بسيرة النبي ﷺ في غزوة بدر حين جمع بين الإيمان العميق والتخطيط الدقيق. وفي مواجهة الغزو الثقافي الغربي، استدل بحديث:» لتتبعن سنن من كان قبلكم...» للتحذير من التقليد الأعمى، مع التأكيد على أن الأخذ من الحضارة الحديثة يجب أن يكون بميزان الشريعة. الوسطية والاعتدال امتاز الغزالي بالوسطية التي تجمع بين الأصالة والمعاصرة، فكان يدعو إلى الاستفادة من الحضارة الحديثة بما لا يتعارض مع الشريعة، ورفض التقليد الأعمى سواء للغرب أو للتراث غير المنقح. وكان يقول:» إننا لا نريد إسلامًا غربياً ولا شرقيًا، بل نريد الإسلام كما جاء به محمد ﷺ». وضرب المثل بالخلفاء الراشدين الذين استفادوا من خبرات الأمم مع الحفاظ على نقاء العقيدة. الإصلاح الفردي والمجتمعي آمن الغزالي أن الإصلاح الحضاري يبدأ من إصلاح الفرد، مستشهداً بحديث النبي ﷺ:» ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله...»، لكنه حذر من الاقتصار عليه دون إصلاح الأنظمة والمؤسسات، مؤكدًا أن العدالة وحسن الإدارة ومحاربة الفساد ركائز النهضة. وأشار إلى أن حضارة الأندلس بلغت ذروتها حين اجتمع صفاء العقيدة مع قوة الإدارة، وتراجعت حين فقد هذا التوازن. إرث فكري باقٍ ترك الشيخ الغزالي إرثًا فكريًا غنيًا في عشرات المؤلفات مثل «فقه السيرة» و»معالم الحق»، وما زالت تلهم الدعاة والمفكرين. إن قراءة فكره تكشف أن الإصلاح الحضاري ليس شعارات ترفع، بل رؤية متكاملة تبدأ من بناء الإنسان وتستمر في بناء الأمة، حتى تستعيد دورها الريادي. ومن هنا، فإن منهجه يمثل دعوة لكل من يحمل هم النهضة أن يسير على خطاه: فكرًا ناضجًا، وقلبًا حيًا، وهمة لا تلين. رحم الله الشيخ محمد الغزالي رحمة واسعة، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وأخلف للأمة فيه خيرًا وجعل فكره وعمله صدقة جارية في ميزان حسناته.

267

| 15 أغسطس 2025

دور الباحث في تحقيق الأمان الأسري والمجتمعي

الأسرة هي اللبنة الأولى في بناء المجتمع، واستقرارها يعني استقرار الوطن بأسره، ولهذا جاءت الشريعة الإسلامية مؤكدة على حفظها ورعايتها. قال الله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا ﴾ (النحل: 80)، فالمسكن ليس مجرد جدران، بل هو مصدر للسكينة والطمأنينة. ومن هنا يبرز دور الباحث الاجتماعي كحلقة وصل بين الأسرة والمجتمع، وكعين راصدة تحفظ التوازن الأسري وتسد الثغرات قبل أن تتسع. إن الباحث الاجتماعي ليس مجرد موظف يؤدي إجراءات روتينية، بل هو رسول رحمة يحمل هم الناس، يطرق الأبواب، ويستمع للهموم، ويسعى لإيجاد حلول واقعية تحفظ للناس كرامتهم، وتعيد إليهم الأمان النفسي والمجتمعي. وكم من أسرة كانت على حافة الانهيار بسبب ضيق مالي، أو ديون متراكمة، أو خلافات أسرية متصاعدة، فجاءت زيارة الباحث الاجتماعي وتدخله المهني لتعيد التوازن وتفتح باب الأمل من جديد. لقد أرسى النبي ﷺ هذا المعنى العظيم حين قال: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا» (متفق عليه)، والباحث الاجتماعي في مجتمعنا هو أحد أعمدة هذا البنيان، يجمع بين الرصد والتحليل والدعم الإنساني، فيمد جسور المساعدة بين القادر والمحتاج، وبين الدولة والمجتمع، ليضمن ألا يترك أحد خلف الركب. وفي خبراتنا الواقعية رأينا كيف تحولت أسر من حافة اليأس إلى بر الأمان، بفضل متابعة دقيقة من الباحث الاجتماعي، ودعم مناسب في الوقت المناسب. فكل تقرير يكتب، وكل زيارة ميدانية تجرى، ليست مجرد مهمة وظيفية، بل خطوة حقيقية نحو استقرار المجتمع وصناعة الأمان الأسري. إن خدمة الناس مسؤولية عظيمة وعبادة قبل أن تكون وظيفة، كما قال ﷺ: «أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس» (رواه الطبراني). فليست المهمة مجرد مساعدة عاجلة، بل رسالة إنسانية تزرع الأمل وتبني مجتمعاً أكثر تماسكاً ورحمة.

141

| 12 أغسطس 2025

الصحة النفسية في بيئة العمل.. راحة البال قبل الإنجاز

في بيئة العمل اليومية، لا تكمن الإنتاجية فقط في تحقيق الأهداف وإنجاز المهام، بل تتجلى أيضاً في مدى تمتع الموظف براحة نفسية تمكنه من العطاء بسكينة واتزان. فالصحة النفسية ليست ترفاً، بل ضرورة لصناعة بيئة مهنية مستدامة وآمنة. يقول الله تعالى: ﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ*وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَارْغَب﴾ (الشرح: 7-8)، في إشارة لطيفة إلى التوازن بين الانشغال والراحة، وبين العمل والانصراف إلى ما يريح النفس. وفي الحديث الشريف، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب» (متفق عليه)، والقلب هنا يشيير إلى مركز الشعور والوجدان، وهو ما يتأثر مباشرة بمحيط العمل وأجوائه. بيئات العمل السامة التي يسودها التوتر، والقلق، والنميمة، وضغط المهام دون تقدير، قد تنتج موظفاً حاضرًا بجسده، غائباً بروحه. وقد أظهرت دراسات معاصرة أن نسبة كبيرة من الإجازات المرضية سببها مشكلات نفسية مرتبطة ببيئة العمل. في المقابل، حين يشعر الموظف بالتقدير، والدعم النفسي، والانتماء، فإن انتاجيته ترتفع، ويزداد ولاؤه للمؤسسة. إن الحفاظ على الصحة النفسية في بيئة العمل يبدأ من المسؤولية المشتركة: • على الإدارة أن تهيئ أجواء رحبة للحوار والتقدير. • وعلى الموظف أن يسعى إلى التوازن، ويبتعد عن مصادر السلبية. • وعلى الزملاء أن يكونوا عوناً لا عبئاً، فالكلمة الطيبة تنعش القلب، والتقدير البسيط القائم على الاحترام المتبادل يرفع المعنويات. أحد الزملاء كان يقول: «إن الابتسامة في مكاتبنا تعادل أحياناً تقريرًا جيدًا أو إنجازًا كبيرًا». وهذه الشهادة تؤكد أن المناخ النفسي داخل المؤسسة لا يقل أهمية عن السياسات والخطط. وختاماً، لنرتقِ ببيئات أعمالنا من خلال الرعاية النفسية، فالإنتاجية لا تأتي بالقسوة، بل بالرحمة والتقدير. ولنردد معًا: راحة البال.. قبل إنجاز الأعمال.

549

| 04 يوليو 2025

الحج تزكية للنفوس في مدرسة التوحيد

في مدرسة الحج العظمى، حيث تتجرد الأرواح من زخارف الدنيا، تبنى القيم وتهذب النفوس، وتعاد صياغة الإنسان على فطرة التوحيد. ليس الحج طقوسًا جامدة، بل رحلة تغيير حقيقية، ومدرسة أخلاقية تربوية، يتخرج منها الحاج بروح جديدة ونفس نقية وعقل مستنير. الحج تجرد من المال والمكانة واللباس، قال الله تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ﴾ (البقرة:197)، فنهى الله عن كل ما يشوه صفاء النفس ويكسر هيبة العبادة، لأنه موسم تربية وتطهير. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» (رواه البخاري وسلم)، وهذا يعنى أن أعظم مكاسب الحج ليست فقط سقوط الفريضة، بل سقوط الذنوب وبناء قلب جديد، يعي حق الله وحق الناس. في عرفات، يقف الملايين سواسية لا يميزهم لون أو جنسية أو رتبة، تذوب الأنا، وتولد أمة التوحيد على صعيد واحد. هناك تزرع قيم المساواة والرحمة، والتجرد والإخلاص، والتسامح والتوبة. وفي رمي الجمرات يتعلم الحاج أن الحياة صراع دائم مع الشيطان، وأن على الإنسان أن يرجم الغواية كلما ظهرت، ويجدد ولاءه لطريق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وفي السعي بين الصفا والمروة تغرس معاني الصبر واليقين، استلهاماً من مشهد هاجر عليها السلام، وهي تسعى لأجل حياة ابنها. وليس عجيبًا أن الحج يأتي في أشهر حرم عظيمة، هي شهور السلام وتعظيم الحرمات. ففيها تعظم الدماء والأعراض، وتغلق أبواب الفتن، وتفتح نوافذ الطهر والسلام مع النفس والناس. إن الحج في جوهره عملية إصلاح شامل، تبدأ بالقلب وتمتد للسلوك. وحين يعود الحاج إلى وطنه، لا يعود مجرد مسافر، بل رسول قيم، وحامل نور، ومصدر قدوة، ومثال تغيير. اللهم كما بلغتنا هذه الأشهر الحرم، وفتحت لنا أبواب الخير فيها، فبلغنا حج بيتك الحرام، واكتب لنا فيها التزكية والقبول، واهدِ قلوبنا إلى ما تحب وترضى، وبارك لنا في ديننا ودنيانا، واجعلنا من الحجاج المبرورين، الذين تقبل أعمالهم وتغفر ذنوبهم، وترفع درجاتهم، يا أرحم الراحمين.

222

| 23 مايو 2025

معرض الكتاب يجمع الحضارات على أرض قطر

في زمن تتنازع فيه العقول الشاشات وتتزاحم فيه الأصوات في الفضاء الرقمي، تأتي الدوحة لتعيد توجيه البوصلة نحو الكلمة، وتعلن للعالم أن للكتاب مكانته، وللقلم رسالته. تحت شعار «من النشء إلى الكاتب.. قطر تقرأ»، تنطلق الدورة الرابعة والثلاثون من معرض الدوحة الدولي للكتاب، خلال الفترة من 8 إلى 17 مايو الجاري، بمشاركة غير مسبوقة بلغت 522 دار نشر من 43 دولة، في تظاهرة ثقافية تؤكد أن الأمة التي تقرأ لا تموت. ليس غريبًا أن تحتضن قطر هذا الحدث المتجدد، فهي أرض تحترم المعرفة، وتكرم الفكر، وتغرس في الأجيال حب العلم منذ النشأة، مصداقًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة». فلسطين ضيف شرف.. والثقافة مقاومة اختيار دولة فلسطين ضيف شرف هذا العام ليس اختيارًا ثقافيًا فحسب، بل هو موقف مبدئي ورسالة حضارية. فالشعب الذي يحرس هويته بالكتاب، ويواجه الاحتلال بالكلمة، يستحق أن يحتفى به على منابر العلم. وكما قيل: «كلما أحرقتهم النار، ولدوا من الحبر». من النشء إلى الكاتب.. مشروع نهضة الشعار الذي يحمله المعرض هذا العام ليس عابرًا، بل يمثل رؤية إستراتيجية لبناء الإنسان، من الطفولة إلى النضج، من حب القراءة إلى صناعة المعرفة. وقد أدركت قطر باكرًا أن بناء الحضارات يبدأ من بناء العقل، والعقل لا يبنى إلا بنور العلم. قال تعالى: ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ (الزمر:9). في أروقه المعرض، لا تعرض الكتب فحسب، بل تنسج القيم. فالتقاء دور النشر، والكتاب، والقراء، يعيد تشكيل الوعي، ويجعل من الثقافة جسرًا للسلام والحوار، في وقت يتزايد فيه الصخب والانقسام. ومن أبلغ ما قيل: «الكتب ليست أكوامًا من الورق، بل عوالم ناطقة». وها هي الدوحة، منارة الخليج الثقافية، تؤكد من جديد أن الكتاب ليس ماضياً يستعاد، بل مستقبلا يبنى. فمن بين رفوف المعرض، تتفتح العقول، وتنضج الأفكار، وتولد المشاريع. وفي عالم يموج بالتغيرات، يبقى المعرض وقفة تأمل، وصيحة وعي، وبوصلة أمة تؤمن أن العلم أول الطريق، وأشرف السبل. فالتحية لكل من كتب، ونشر، وقرأ، وساهم في هذا الحدث، الذي لا يليق به إلا أن يكون كما وصفه أحدهم: «موسم الحصاد العقلي، وسوق الذهب المعرفي».

477

| 09 مايو 2025

حامل المسك ونافخ الكير.. رفقة تحدد المصير

في زمن تتسارع فيه العلاقات وتتشابك فيه المسارات، تظل الرفقة الطيبة زادًا لا غنى عنه، ومفتاحًا لصلاح الفرد والمجتمع. وقد أحسن من قال:» الصاحب ساحب، إما إلى الجنة وإما إلى النار». إنها ليست مجرد صداقات عابرة أو مجالس وقتية، بل هي مسارات ترسم ملامح المصير. وفي الحديث النبوي الشريف، ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلاً خالدًا يختصر فيه أثر الرفقة:» مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير...»، حديث يجسد حقيقة اجتماعية ونفسية، بل وتربوية في آنٍ معًا. فــ «حامل المسك» لا يأتيك منه إلا الخير، إما أن يهديك، أو تبتاع منه، أو تجد منه ريحًا طيبة. هكذا هو الصاحب الصالح، ينعكس أثره عليك، ولو لم يتحدث، يكفيك قربه، ويكفي قلبك سكينة رؤيته، ويكفي عقلك رشد مشاركته. أما «نافخ الكير»، فلا يسلم من شرره أحد. إما أن يحرق ثيابك، أو تجد منه ريًا خبيثة. صديق السوء كذلك، يفسد دينك، يلوك فطرتك، ويستنزف وقتك وروحك باسم الونس، وهو في الحقيقة وحشة متنكرة في هيئة بشر. كم من شابٍ تغيرت وجهته بسبب صديق سوء؟ وكم من فتاة انزلقت خطواتها في درب التيه تحت تأثير «رفيقات السهر واللهو» ؟ في المقابل، كم من نفوس هداها الله على يد صديق صالح؟ بل كم من مشاريع خير بدأت بكلمة بين جليس طيب وآخر مثله؟ الرفقة الصالحة ليست ترفًا، بل ضرورة، وباب من أبواب الثبات، وسياج يحمي من التيه والانزلاق. أصبح لزامًا على كل شاب وفتاة، بل على كل إنسان أن يراجع محيطه، ويراجع مرآته. فمن جالس أهل العلم والذكر والعقل والرشد، فاز بهم، وإن لم يكن منهم. ومن رافق أهل الهوة والفراغ والتفاهة، شابههم، وإن أنكر في البداية. يقولون:» أرني أصدقاءك، أخبرك من أنت»، فالصاحب ليس فقط انعكاسا لك، بل عامل تشكيل، يشحذك أو يضعفك، يرفعك أو يهوي بك. في زمن الفوضى الرقمية، والمجالس الافتراضية، لم نعد نحتاج فقط إلى رفقة طيبة في الواقع، بل أيضًا على الشاشات. من تتابع؟ من تشاهد؟ من تنصت له؟ كلهم أصحاب، يحملون مسكًا أو ينفثون كيرًا. وختاماً، تأمل جيدًا في هذا الحديث النبوي، فهو ليس حكاية وعظيه، بل هو قانون الحياة :» فاحرص على جليس يحمل المسك، فإن لم يهدك، عطرك.. وإن لم يعطر، زادك بهاءً بقربه.» فاختر رفيقك. لأن رفقة اليوم، قد تكون طريقك إلى مصيرك غداً.

378

| 25 أبريل 2025

alsharq
بائع متجول

يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن...

6102

| 26 سبتمبر 2025

alsharq
في وداع لطيفة

هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات...

4479

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
الكلمات قد تخدع.. لكن الجسد يفضح

في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه،...

3336

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
الفن ضد الدمار

تواجه المجتمعات الخارجة من النزاعات المسلحة تحديات متعددة،...

1605

| 26 سبتمبر 2025

alsharq
ماذا يعني سقوط الفاشر السودانية بيد قوات الدعم السريع؟

بعض الجراح تُنسي غيرها، ليس بالضرورة أن تكون...

1329

| 28 سبتمبر 2025

alsharq
فلسطين والكيان والأمم المتحدة

أُنّشِئت الأمم المتحدة في العام ١٩٤٥م بعد الحرب...

1185

| 28 سبتمبر 2025

alsharq
حين يُستَبدل ميزان الحق بمقام الأشخاص

‏من أخطر ما يُبتلى به التفكير البشري أن...

1059

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
استيراد المعرفة المعلبة... ضبط البوصلة المحلية على عاتق من؟

في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ...

975

| 02 أكتوبر 2025

alsharq
إعطاء من لا يملك لمن لا يستحق

منذ أكثر من مائة عام ارتُكبت واحدة من...

873

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
النسيان نعمة أم نقمة؟

في لحظة صفاء مع النفس، يطلّ النسيان عليَّ...

828

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
تعلّم كيف تقول لا دون أن تفقد نفسك

كم مرة قلت «نعم» في العمل بينما في...

654

| 02 أكتوبر 2025

alsharq
خطاب عربي يكسر الصمت العالمي!

لم تكن كلمة سموّ الأمير تميم بن حمد...

624

| 26 سبتمبر 2025

أخبار محلية