رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

عبد العزيز عبدالهادي حسن الأحبابي

مساحة إعلانية

مقالات

396

عبد العزيز عبدالهادي حسن الأحبابي

حامل المسك ونافخ الكير.. رفقة تحدد المصير

25 أبريل 2025 , 12:13ص

في زمن تتسارع فيه العلاقات وتتشابك فيه المسارات، تظل الرفقة الطيبة زادًا لا غنى عنه، ومفتاحًا لصلاح الفرد والمجتمع. وقد أحسن من قال:» الصاحب ساحب، إما إلى الجنة وإما إلى النار».

إنها ليست مجرد صداقات عابرة أو مجالس وقتية، بل هي مسارات ترسم ملامح المصير. وفي الحديث النبوي الشريف، ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلاً خالدًا يختصر فيه أثر الرفقة:» مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير...»، حديث يجسد حقيقة اجتماعية ونفسية، بل وتربوية في آنٍ معًا.

فــ «حامل المسك» لا يأتيك منه إلا الخير، إما أن يهديك، أو تبتاع منه، أو تجد منه ريحًا طيبة. هكذا هو الصاحب الصالح، ينعكس أثره عليك، ولو لم يتحدث، يكفيك قربه، ويكفي قلبك سكينة رؤيته، ويكفي عقلك رشد مشاركته. أما «نافخ الكير»، فلا يسلم من شرره أحد. إما أن يحرق ثيابك، أو تجد منه ريًا خبيثة. صديق السوء كذلك، يفسد دينك، يلوك فطرتك، ويستنزف وقتك وروحك باسم الونس، وهو في الحقيقة وحشة متنكرة في هيئة بشر.

كم من شابٍ تغيرت وجهته بسبب صديق سوء؟ وكم من فتاة انزلقت خطواتها في درب التيه تحت تأثير «رفيقات السهر واللهو» ؟ في المقابل، كم من نفوس هداها الله على يد صديق صالح؟ بل كم من مشاريع خير بدأت بكلمة بين جليس طيب وآخر مثله؟ الرفقة الصالحة ليست ترفًا، بل ضرورة، وباب من أبواب الثبات، وسياج يحمي من التيه والانزلاق.

أصبح لزامًا على كل شاب وفتاة، بل على كل إنسان أن يراجع محيطه، ويراجع مرآته. فمن جالس أهل العلم والذكر والعقل والرشد، فاز بهم، وإن لم يكن منهم. ومن رافق أهل الهوة والفراغ والتفاهة، شابههم، وإن أنكر في البداية. يقولون:» أرني أصدقاءك، أخبرك من أنت»، فالصاحب ليس فقط انعكاسا لك، بل عامل تشكيل، يشحذك أو يضعفك، يرفعك أو يهوي بك.

في زمن الفوضى الرقمية، والمجالس الافتراضية، لم نعد نحتاج فقط إلى رفقة طيبة في الواقع، بل أيضًا على الشاشات. من تتابع؟ من تشاهد؟ من تنصت له؟ كلهم أصحاب، يحملون مسكًا أو ينفثون كيرًا.

وختاماً، تأمل جيدًا في هذا الحديث النبوي، فهو ليس حكاية وعظيه، بل هو قانون الحياة :» فاحرص على جليس يحمل المسك، فإن لم يهدك، عطرك.. وإن لم يعطر، زادك بهاءً بقربه.» فاختر رفيقك. لأن رفقة اليوم، قد تكون طريقك إلى مصيرك غداً.

مساحة إعلانية