رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
نتوارى عن أعين الناس لنخفي هواجسنا متلاعبين بالكلمات، دافنين رؤوسنا تحت غطاء العطاء والتضحية، ذواتنا منبوذة، مشاعرنا مكبوتة، مُكبلين بقناعات نسبية فرضتها ظروف وقتية، وأهداف فردية، كي لا نُتهم بالأنانية البغيضة المعنى بالوقع والمسمع. إلى ان وصل الأمر بالبعض بالأنانية الجهرية، ظناً منهم أنها الخلاص من الواقع المرير والملاذ الآمن للأرواح التائهة بين رغباتها الخاصة ورغبات الجموع المحيطة بها. دون إدراك لما تتضمنه تلك الصفة من خبائث تشوه الفطرة البشرية وتقلل الثقة بالذات لتهز التصالح النفسي وتعكر الرضا الداخلي في مفهوم حب الذات الذي يُعد من الصفات الأصيلة التي خُلق عليها البشر للمحافظة على ذاته من المخاطر، فهو فطرة إلهية تُمكن بني آدم من التكيف والتعايش مع الحياة وتحدياتها. كما انه تعبير عن حالة تقدير الذات التي تنمو وتتطور من خلال ممارسة الأعمال التي تدعم نمو الشخص الجسدي، والنفسي، والروحي. وفيه يتقبل الشخص نقاط ضعفه، ويتعامل مع نقاط قوته بشكل أفضل، كما أنه لا يحتاج إلى تفسير نواقصه بل يُركز على تحقيق أهدافه للوصول إلى النجاح. إلا ان هذا التعبير ارتبط ارتباطاً قوياً بالأنانية، بسبب التشابه المجازي بالمعنى رغم اختلاف التصرفات والأفكار ومدلولات الفحوى والنوايا، فبات حب الذات سلاحا ذا حدين حين يساء فهمه ويُفتقد طوق مرساة التحكم به وتقنينه كيلا يخرج عن إطار كونه انطباعا يتبناه الانسان عن ذاته برفع استحقاقه، وشعوره بأنه يستحق الأفضل كأن يضع نفسه بالمرتبة الأولى، فكل ما يُحيط به يخدم علاقة حبه لذاته بشكل أو بآخر، فهو يرغب في كل شيء جميل ويخاف على نفسه ومشاعره من كل سوء، دون ان يطغى على حقوق الاخرين أو يؤذيهم أو حتى يتمنى لهم الشر. في حين ان الانانية درجة أسوأ وأعلى حدة، لكونها الرغبة بامتلاك كل شيء مع عدم ترك شيء يصلح للآخرين وكره الخير لهم مقروناً بالنوايا السيئة، لكونه يرى ان جميع الناس اعداؤه وان نجاحهم سينتقص من نجاحه وقد يُفرط البعض بالبحث عن الطرق التي سيتمكن من خلالها إفشال نجاحات الآخرين ليثبت تميزه واستحقاقه النفعي. وقد تناول العلماء والباحثون الفروقات بينهما، واصفين الشخص الأناني بالذي لم يتمكن من حب ذاته ومعرفة عيوبه وقواه الخفية، فيرى العالم بعين قاصرة، مقتنعاً بفكرة الغاية تبرر الوسيلة، تسيطر عليه فكرة الاهتمام المفرط بالذات مع عدم مراعاة مشاعر الآخرين أو احتياجاتهم. في حين يُعرف المحب لذاته قيمة ما يمتلك من صفات، بدءاً من قناعته بشكله وتقبله لوضعه الاجتماعي والاقتصادي والتعليمي، يواجه عيوبه ويحاورها أمام مرآة عقله للرقي بها واستبدالها بما يحب لأجله هو لا لإرضاء من حوله، مُركزاً على ذاته، دون ان يستاء من نجاح الآخرين، بل يفرح لهم ويساعدهم. وبالرغم من هذا الفارق الكبير، إلا ان الغالبية ترى ان هناك شعرة رقيقة تفصلهما، جعلت من الصعب على بعض البشر التفريق بينهما، فاختلط الحابل بالنابل، وضاعت البوصلة في إطلاق الأحكام، حتى بات حب الذات عند البعض معيباً وبغيضاً، والبعض الآخر جعله شماعة ليعلق عليها نقاط ضعفه وقلة حيلته التي منعته من الوصول الى هذه الدرجة من السمو النفسي. غير مدرك أن تلك الأرواح تبغض الانانية ولا تستمع أو تكترث لأصوات من لا يملكون الوعي بهذه الفروقات الجوهرية أو يميزون بينها، وبأن بصيرتهم القوية التي مهدت لهم الطريق للوصول لهذه المرتبة النفسية، يستشفون من خلالها الأرواح المتثاقلة الضعيفة التي اكتفت بالبقاء والسكون في الظلام بالتقليل من درجة استحقاقها الحياتي في محيط تغلب عليه الأنانية. لذا تراهم دائماً يحثون الآخرين على حب الذات ورفع معدل الاستحقاق النفسي بالرضا والسعادة مع السعي والبحث عن الأفضل دائماً لترتقي الأرواح البشرية. بكلمات أخرى، حب الذات يعني أن تحظى باحترام كبير لرفاهيتك وسعادتك مع الاهتمام باحتياجاتك وعدم التضحية بها لإرضاء الآخرين وكذلك عدم الاستقرار بأقل مما تستحق. ولكن رغم كل هذه المفارقات، إلا انه ما زال هناك من يردد كلمات حب الذات دون ان يطبقها ويُفعّل أسسها الأولية بقناعة يكفلها الرضا والتي يحتاج فيها الى تهذيب وتدريب للروح بالاعتياد على التحدث مع الذات بحب وإيجابية دون إطلاق الأحكام وجلد الذات المستمر، فضلاً عن ضرورة اتقان فن الحياة لضمان السعادة والراحة للجميع دون الحاجة للتنازلات والتضحيات الضارة والمدمرة لأي طرف يتبنى فكرة «أنا ومن بعدي الطوفان».
3621
| 22 فبراير 2023
مجموعة ضخمة من الكُتل المتحركة، تنتشر على كوكب واحد، في محيط جغرافي واسع، تتحدث بلغات مختلفة وتعتنق العديد من المعتقدات والعقائد والقيم، يتفاوت مخزونها وتختلف قناعاتها، لتتشارك في بعض الصفات وتتباين بالبعض الآخر، ورغم ذلك تمكن غالبيتهم من التعايش مع بعضهم البعض في فرق وجماعات أو بشكل فردي. ولكن هناك من ينفر ويرفض متبجحاً هذا التعايش، فيختلق الأسباب ليقاتل ويعتدي ويبطش، وقد ينادي بالتعايش الذي يُلبي احتياجاته هو فقط، كما هو الحال بالعديد من الكتل التي ما زالت تتبنى النظرية النفعية أو الانتهازية، غير مكترثة بحق الآخرين في الوجود والعيش بكرامة، في حين جزء منهم تخلى عن إنسانيته تماماً محيطاً نفسه بأطر مُغلقة أحالته الى جنس لا يمت للبشرية بصلة بل منافياً لها. كأن تتجاهل كارثة حلت بأخوتنا وترفض تقديم المساعدات المصيرية لإنقاذ الأبرياء من الأطفال والنساء وكبار السن بالرغم من كونهم بمحيطك الجغرافي ويتحدثون نفس اللغة ويعتنقون ذات العقيدة، بل الادهى من ذلك ان تحرك هذه الازمات مشاعر الحقد والكراهية الدفينة الظاهرة في عبارات الشماتة، مُعلنة موت الإنسانية المشوهة التي نجد صعوبة في الغوص بأعماقها بعد كل الأحداث الدموية التي توالت على البشرية من كوارث ومجازر وحروب راح ضحيتها الملايين بُثت صورهم في جميع وسائل الاعلام وبرامج التواصل الاجتماعي حتى ألِف الإنسان منظر الجثث المتراكمة والجدران المطلية بالدماء، فلم يعد بكاء الأطفال يحرك عواطفه المتحجرة، ولا صراخ النساء الثكالى يعصر تبلد فؤاده. فغدونا نتفهم ذلك عندما تكون هناك صراعات وانتقامات دائرة بين الأطراف ولكن هل يُعقل ان نبلغ مبلغ الوحوش البشرية اثناء الازمات الكارثية ونتجرد من مشاعرنا الفطرية ونحن نشاهد أرواحاً بشرية تحت الركام تنادي وتستنجد من حرمانها للهواء والماء وهو ابسط احتياجاتها البشرية وحقوقها. اناس لم يجدوا للنومِ سبيلاً طوال أيام لضيق المساحة التي حُشرت بها أجسادهم، فانكتمت أصواتهم وسط صقيع البرد وتجمدت أطرافهم بعد ان توقف عنها تدفق الدماء المتخثرة بسبب تخشب ابدانهم بين لوحين من الاسمنت. وهن الجسد وزاغت الابصار في ظلام حالك يملأ رئتهم بالغبار الذي لا يملكون استنشاق سواه، ودعاء قلوبهم ينادي وسيلة للخروج أو يداً تمتد بوسط الأنقاض تبلل جفاف حلوقهم وتعيد بصيص الأمل الذي بدأ ضبابياً مع مرور الساعات الطويلة والدقائق الثقيلة التي انقطعت فيها كل مظاهر الحياة التي كانوا يألفونها عندما غاب عن موطنهم كل أماني الحياة إلا البقاء بحدوده. ولكن الكارثة أبت إلا ان تنثر الملح على جراحهم المتقيحة منذ عقود ليصرخ الجنين ببطن أمه مستغيثاً الخالق ظلم المخلوقات التي حرمت آلاف الأمهات أطفالهن ويتمت مئات الأطفال والرضع من امهاتهم، فتشتتت الأسر بعد أن فقدت عائلها وانكسرت القلوب لآلام محبيها، ليفيق من نجا يجمع على جبهته من تراب الأرض القبلات سجوداً ودعاءً عسى ان تتلطف الاقدار بحماية من تبقى من أسرته، حافراً بأطراف يديه الجحور المظلمة التي تحول بينه وبين أقاربه، ليتبين مقدار قلة حيلته أمام جبال الطوب المتكدسة التي تفضح عجزه ليخر منهاراً بين دموع القهر، فيهيم شارد الذهن تحاصره الذكريات واللحظات الجميلة التي تشاركها معهم، ماضياً بآهات ملأت الشوارع العارية من المنازل، وأقدام متثاقلة تحاول تخطي الحطام المتناثر كيلا تسحق ما تبقى من الجثث المتناثرة بمدينة أجدبت أرضها وأقفلتْ السماءُ وقبضَ الرعبُ على قلوب من تبقى من سُكانها. وسط موجة صقيع تجمدت فيها أبصارهم متسائلة: هل سيكون هناك صباح؟ بعد ليل يعج بأنين لم يبق معه سوى زمجرة الرياح العاصفة. وهل هناك تحرك لمشاعر الجمود التي خذلت الإنسانية وقيدتها بقوانين دولية ومنظمات عالمية؟ لم تنقذهم وهم على سطح الأرض لتخنق انفاسهم تحت انقاضها. أما آن للبشرية ان تنصر جنسها لتحتضن الأرض من ولدوا في أكنافها وتربوا في أوديتها؟ اما آن للظالم ان يحذر من شؤم ما اقترفت يداه بعد ان اغلق الحدود ورفض فتح المعابر للأيادي البيضاء. ألم تنتبه الأصنام لتحرك الطبيعة الجامدة؟ بعد ان ثارت الأرض واهتزت صفائحها لتقول لهم سأكفنكم بالذنوب قبل أن تميتوهم بالشتات، وسأغرقكم بالعار قبل أن تدفنوهم أحياء. فصبرهم هيج الأحزان وصمودهم أشعل نار الكرامة، وسط خذلان المجتمع الدولي وعجز منظماته، لتثير عواطف لم يطب لها التأوه ولكن لذّ لأولئك الاستماع.
1347
| 15 فبراير 2023
دارت بنا الأيام وانقضت السنون ونحن نتشبث بكل ما ساقته الرياح، فرحين بحظوظنا المتطايرة كورق الصفصاف، مبتهجين بروائحها العطرة، التي تداعب انفاسنا، وهي تبتعد مثيرة قلق رحيلها وكأنها لم تُنبأنا من البداية بأننا نحن العابرون. حقيقة مرة ولكنها واقع لا يمكن نكرانه، فدوام الحال من المحال. مقولة تؤكد اننا نعيش هذه الحياة لنخوض التجربة البشرية بكل معانيها وطقوسها الدنيوية في سبيل حياة سرمدية أخرى، ولكننا في خضم دوامة أفكارنا وأعاصير الاحداث المتراكمة، نتوه في الممرات المظلمة، متجاهلين دواخلنا ومكنوناتنا الآدمية، والاقسى هو تشبث البعض بأفكار الآخرين وكأنها طوق النجاة الذي سيوصلهم الى ضفاف الأمان ويحقق لهم الأبدية الزائفة. وهنا تكمن الإشكالية الأكبر في الفهم الخاطئ والتعصب والتطرف الذي يهيمن على العقل الإنساني لتُسحق البقية الباقية من المشاعر البشرية الفطرية فيحل محلها التوتر والإقصاء والصراع المشحون بغباء الندية. متى سنفيق من غيبوبتنا لنلاحظ ما يدور حولنا؟ متى سنتفكر في أرواحنا وسلامنا الداخلي؟ الذي يجب ان نحققه لننعم بهذه الحظوظ ونسعد بتحقيق الأهداف، فبنقاء ارواحنا نشكل نواة التعايش، المبني على احترام الاختلافات والميل للتسامح والتعاون مع التفاهم والحوار في جميع المجالات كالتعايش الديني والمذهبي والعرفي واللغوي، لتحقيق قيمة اجتماعية كبرى يحثنا عليها ديننا الإسلامي، كالتراحم وتقديم يد العون عند المقدرة، لنعزز من خلالها قيمنا الثقافية وتحضرنا المجتمعي، واضعين الإنسانية في قمة هرم الأولويات لبناء الأوطان والمحافظة على المجتمعات. فجميعنا بشر وان اختلفت الواننا أو عقائدنا ومواقعنا الجغرافية، تحتوينا ذات المشاعر التي تقسمنا الى أجزاء متفاوتة ومتغيرة حسب الظروف المحيطة والمجريات الحياتية والعمليات الذهنية التي تتشابك بالحالة النفسية والمزاج والشخصية، لتعصف بجزء منا وتلقيه على حافة الطريق ليتغذى عليه اليأس والقلق، في حين جزءاً آخر يتدارك أمره، حاملاً عبء معاناته مبتسماً مُكملاً مسيرته بتثاقل، بعكس نضيرة متبلد الشعور، الذي ليس بقلبة رأفة ولا تعنيه معاناة الاخرين ومشاعرهم، مجاهراً بالظلم متباهياً بالفساد. أما الجزء الأكبر (ولله الحمد) فهو المتعاطف، الودود، ذو القلب الحي الذي تفيض مقلتاه لمصاب أخيه ويسعى بكل ما أوتي من حيلة لمساعدته وصون كرامته. وبما ان المشاعر هي القوة المحركة وراء أي سلوك أو دافع، وتمثل ردود للتحركات الداخلية والخارجية، فإننا قد نشعر بالعجز أحياناً أمام ظروف الحياة، بسبب فقداننا للأدوات اللازمة التي تتطلبها تلك المتغيرات المفاجئة، لتدفعنا لا شعورياً نحو البحث عن الأدوات المناسبة والتي تنقصنا لمواجهة الاحداث المستجدة. وبالرغم من مرارة عجزنا الذي يزلزل القلوب إلا ان آلامه تدفعنا للأمام لنسد الثغرات ونكمل النواقص التي لم ننتبه لوجودها، كحالنا جميعاً اليوم نقف عاجزين أمام مشهد كارثي يعصف بمناطق تركية وسورية تتمتع بكثافة سكانية عالية لم تتوفر أو تكتمل بها البنية التحتية المقاومة لهذا النوع من الكوارث الطبيعية، بسبب قلة مواردها ولعدم حدوث هزات تحذيرية منذ عشرات السنين، مما تسبب بوقوع آلاف الضحايا والجرحى وتشرد عشرات الآلاف بعد تهدم المباني وخسارة عائلاتهم وأقاربهم ليفاقم بؤسهم الشتاء القارس. مُعلناً عن خطر قادم يدفعنا للتحرك كأفراد وجماعات ومنظمات دولية، لمواجهة تلك الظواهر الطبيعية وسد الاحتياجات الضرورية التي تحمي العنصر البشري وتحفظ له حياته وكرامته. آن الوقت لننبذ كل مشاكلنا ومشاحناتنا الفارغة، مترفعين عن سفاسف الأمور واضعين نصب اعيننا مصلحة جنسنا البشري، بعد ان اثبتت لنا الليالي الماضية زوال الحال برفة جناح بعوضة، "فما تُمسي عليه قد يفارقك صباحاً وما تُصبح عليه قد يودعك مساءً"، لنتعظ ونتلاحم كشعوب وقيادات، ونوجد حلولاً وأدوات جديدة تُمكننا من مواجهة المصاعب والأحداث التي تحيط بنا. لنتعايش على هذا الكوكب بقيمنا المشتركة المحورية التي تضيف سمواً للنفس البشرية، باحترامنا قيمة الضمير الاجتماعي وتعزيز الوجود الحقيقي لا الشكلي للتعايش ومنحه الحصانة المستمرة. إن هذا المبدأ لم يعد مجرد ترف فكري يقتصر على المثقفين، بل هو ضرورة لحماية مستقبل البشرية من أخطار التفرقة والحروب التي تزيد من معاناة الانسانية. مما يستدعي استنهاض قدرات المجتمعات الإنسانية وتوحيد جهودها، حتى لا يتكرر المشهد ونبدو عاجزين أمام مشاعرنا الحسية وتفاعلاتنا النفسية وبالأخص أمام هذه الكوارث الطبيعية التي بالإمكان ان تكون أقل ضرراً عند امتلاكنا الأدوات اللازمة للحيلولة دون تفاقمها والخروج منها بأقل الأضرار الممكنة عند اتخاذ التدابير اللازمة.
2397
| 08 فبراير 2023
منذُ الخليقة للمرأة مكانة رفيعة عند خالقها، فلقد خُلقنا نحن البشر من جوهر واحد " نفس إلهية واحدة"، متساوون بمراحل التَّكوين، مختلفون في الصفات والأدوار، مما يقتضي أن تكون العلاقة بين الرّجل والمرأة علاقة تكامل وظيفيّ لا صراعٍ صفريّ، فليس هناك على الإطلاق أفضليّة لأحدهما على الآخر، فمعيار الأفضليّة مفقود منطقياً في هذه المعادلة، إنّما هو تفاضلٌ في الصفات يقود إلى التكامل في الأعمال وأداء المهام. إلا ان المجتمعات وعلى مد العصور قد ذهبت إلى تكريس الظّلم، وتوسيع مساحة التّمييز بين الّرجل والمرأة بصور متعسّفة لا علاقة لها بالأديان السماوية، مما أثار ردّة فعل للمطالبة بفرض المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة، وكلاهما تعسّفٌ متطرّف. فنشأت الحركة النسوية في الغرب قبل أكثر من قرن للاعتراف بأن للمرأة حقوقاً وفرصاً مساوية للرجل وقد كانت في الأساس تهدف إلى منح المرأة الحقوق الأساسية من التعليم والعمل التي حُرمت منها في المجتمع الغربي قبل الثورة الصناعية ثم تطورت فكرتها إلى المطالبة بالمساواة بالرجل في جميع الحقوق السياسية والاقتصادية والجنسية والفكرية. وبسبب ما كانت تعيشه المجتمعات العربية من تخلف وتمييز إبان الاستعمار تسللت هذه الحركة وحققت مكاسبها في منح المرأة حقوقها وتغيير النظرة النمطية السائدة بتلك الفترة بأن دور المرأة الأساسي محصور بالمنزل ورعاية الأطفال فقط. بل توسع الادراك المجتمعي مع تقدم المجتمعات وتطورها لنجد أن المرأة لم تلتزم فقط بواجبها تجاه أسرتها وتربية الأبناء بل أصبح لها دور اجتماعي كبير في شتى المجالات، وبناءً على مؤهلاتها العلمية والثقافية والاجتماعية تنوعت أدوارها في المُجتمع على مُختلف الأصعدة. هذا وبوصولنا للقرن الأول من الألفية الثالثة لاحظنا ان التغيير الايجابي الذي تسعى له المجتمعات المتطورة مرهون بشكل كبير بواقع المرأة ومدى تمكنها من القيام بأدوارها في المجتمع، لكونها لعبت دوراً محورياً في نهضة المجتمعات القديمة والحديثة والذي أثبتت من خلاله قدرتها على التغيير الإيجابي في تلك المجتمعات، كما ان حضورها اللافت في مختلف جوانب الحياة وإصرارها على الوقوف بجانب الرجل دون ندية أو تحد ومساندتها له دليل على كونها عنصراً أساسياً في إحداث تغيير ملحوظ بالمجتمعات على مر العصور. إلى ان باتت حقوق المرأة موضوعاً أصيلاً متأصلاً في المجتمعات الواعية المتواكبة مع القرن الحادي والعشرين، لذا فإنه علينا ان نعترف بأنه لا يوجد في الإسلام نسوية، فشريعتنا منذ الأزل تنص على احترام حقوق المرأة الشرعية ورفع الظلم عنها وقد وردت نصوص كثيرة في هذا الحق الموروث، وذلك لا يتنافى مع مطالبة المرأة بحقها ورفع الظلم عنها -إذا حدث ـ فحمايتها من العنف حق مشروع لها في الدين ولا يلومها أحد على ذلك إذا كانت معها بينة. ولكن ليس علينا ان نفسر أي تصرف فردي أو جماعي مخالف لرغبة المرأة بأنه إهانة وعنف واستعباد للمرأة مما يقودنا للتحسس من الجنس الذكوري ومهاجمته بحثاً عن شماعة مجتمعية لنرمي عليها ضعف إرادتنا وقلة حيلتنا، فالظلم قد يقع على الجميع ويصدر من الجميع دون تمييز. عزيزتي الأنثى، لا تتقمصي دور الضحية بعد الآن فلم يعد يليق بك، فلا تغضبي وتقلقي وتنهاري. لأن كل ما ترغبين به وتطمحين له وكذلك كل ما تخشينه وتعجزين عن فعله هو بداخلك أنتِ فقط، انظري حولك وستجدين بأن هناك العديد من السيدات اللاتي حققن ما لم تستطيعي انتِ تحقيقه. فلقد تبوأت المرأة أعلى المراكز وتقلدت العديد من المناصب الإدارية والعلمية وقامت بجهد فاعل من خلال إسهامها في شتى المجالات المجتمعية وهو ما يُعبر عن مدى فرص التمكين التي تحرص الدول على توفيرها لأحد مُكونات المُجتمع، وهي المرأة القوية التي لا تعنيها النسوية بقدر ما تهتم بكونها أنثى جديرة بموقعها المجتمعي. ربما أُجبرنا سابقاً لأن نكون تابعين لأفكار غربية، ولكن بعد ان تفوقنا على الغرب مجتمعياً، ونضجنا فكرياً واكتشفنا بأنه ليس كل ما يُنادى به حقيقة تناسبنا، جدير بأن يجعلنا نتجرد من هذه الأفكار الدخيلة، لننتقي منها الجزء الذي يخدمنا بعد تصفيته من الشوائب، لنعيش حاضرنا الانثوي الجميل الزاهر بأفكارنا الخاصة والتي تتناسب وتتناغم مع قيمنا ومعتقداتنا الذاتية.
2727
| 01 فبراير 2023
كثيراً ما يتداول المفكرون والكتاب وكذلك الفلاسفة والعلماء كلمة الوعي في مجمل حديثهم وفي صياغة تفسيراتهم ونظرياتهم، فللحظة نعتقد انه من أكثر الأشياء وضوحًا، لكن وبمجرد الغوص في دهاليزه يغدو من أكثر المصطلحات غموضًا، وهذا سر اثارته للجدل والحيرة لكونه الوعاء الذي يجمع ببطنه مجموع عمليات الادراك التي تشمل كل العمليات الحسية والتحليلية والمشاعرية، مستخدما الحواس منفذاً لإدراك العالم وتصوره. ومن أجمل النظريات التي تفسر مراحل نموه "نظرية مراتب الوعي" التي يتمرحلُ فيها البشر سواء كانوا افراداً أو مجتمعات ويقطعونها مروراً طبيعياً منذ لحظة الولادة وحتى الوفاة. وتبدأ هذه المراتب الفطرية بمرحلة الطفولة والتي فيها يدرك الطفل حاجاته الخاصة الفسيولوجية الطبيعية الغريزية فقط كالطعام والنوم بالإضافة للمشاعر الأساسية كالاحتواء والحب والأمان، وهناك الكثير منا يعلق بدرجة أو بأخرى بهذه المرحلة وان كبر بالعمر، حيث يتسع إدراكه لأمور جديدة ولكن اهتماماته ووعيه تتركز في الماديات والحاجات الأساسية البدائية. ثم بعدها تأتي مرحلة الطفولة الثانية وهي مرحلة المرونة بدخوله للمدرسة والاختلاط بالآخرين ليدرك ان الكون لا يتمحور حوله هو فقط، فيتجاوز ذاته الغريزية وينتقل من دائرة احتياجاته الصغيرة البدائية الى دائرة احتياجات الاخرين، محاولا كسب رضاهم والتقرب إليهم وهي تبعية عاطفية غرائزية. ثم يكبر ليبلغ مرحلة المراهقة وهي مرحلة الاعتماد على الذات في الحاجات الطبيعية والاعتداد بالقرارات الشخصية والتي قد تصل للتطرف الذي يقوده للعدوانية والنفور فينضم الى اشباهه من جماعات التمرد كتابع دون إدراك أو وعي للصواب والخطأ. ثم تليها مرتبة النضوج الخطرة، التي تبدأ بدخول الجامعة. وهي مرحلة الانتماء لكيانات فكرية وتبعيات أقوى لفكرة أو مجال أو الانغماس في جماعة وفئة محددة، تقوم بتعزيز الثقة لترفعه الى درجات أعلى من الاعتداد والتباهي بما يؤمن به مما يوصله لحالة من التعصب لتبعيته الفكرية فيرى نفسه هو الاصوب والأحق، وهذه هي الطبيعة البشرية في الاغلب لا ترى الا خبراتها ومميزاتها وماهي عليه. أما مرحلة الأهداف فتأتي بعد التخرج وهي المرتبة الخامسة والقائمة على المصلحة الذاتية وأساسها المنفعة الشخصية لتحقيق الغايات والوصول للأهداف وان تطلب ذلك المجاملة أو الانصياع للآخرين، دون إدراك حقيقة ان هذا النوع من التيسير والقبول من اجل الوصول قد يقوده للدمار إن علق فيه. إما إذا بلغ مقصده وحقق امنياته وتشبع من الحياة المادية، فإنه يصل للاكتفاء الذي ينقله للمراتب العليا من حالات الوعي الذاتي والتعاطف الإنساني، فيبدأ بمساعدة الاخرين وتبني قضاياهم غير باحث عن الشهرة والمديح بل يقدم العون عن قناعة تامة وايمان راسخ بأهمية مساعدة الاخرين، فيتفرغ بهذه المرتبة السادسة للعمل الانساني. هذا وإن علق الانسان في إحدى هذه المراتب السابقة، قد يصل لحالة من التعصب الحاد لاحتياجاته وانتماءاته الفكرية لكونه بانتقاله بين تلك المراتب عزز قناعاته لكل ما يؤمن به وينتمي إليه، فعدم معرفته ورؤيته للمراتب التالية تجعله يتمسك بأفكاره التي تمثل ارتكاز النسبة الأكبر لديه. ولكونها مراتب نسبية وغير مطلقة فدائماً هناك تداخل بينها، فما انت عليه اليوم قد لا تكون عليه غداً، وما ترتفع درجة قناعاتك فيه بمرحلة ما قد تنخفض بمرحلة أخرى فالعملية متغيرة ومرنة. ولكن تبقى غالباً هناك منطقة تسيطر على إدراك ووعي الانسان فيعلق بها بدرجة أكبر أكثر من الأخرى. ولكن حين يفكر الانسان بمنظور شمولي يبدأ الوعي الفكري والذهني والعقلي بقيادة زمام الامور ليتسع ادراكه العقلي ونضجه الفكري وهي المرحلة السابعة بالعموم والأولى من مراتب الحكمة، حين يرى العالم كوحدة واحدة فيستقرئ القوانين ليربط الاحداث الصغيرة بقوانين كبرى واضعاً لها قواعدها العامة وهي من أصعب المراتب التي يبلغها الانسان بالتفكر والتدبر باحثا عن الاتقان لذاته، مؤمن بنظرية الفراشة التي تقول "إن رفة جناح فراشة في البرازيل يُمكنها ان تُثير الأعاصير فوقَ سماء الصين"، فأدق التفاصيل تُخرجه من العشوائية والفوضى الحياتية، جامعاً أصغر الحيثيات الصغيرة لبناء النتائج والاهداف الكبيرة. أما المرتبة الثامنة والأخيرة فهي مرحلة نادرة يصل اليها أهل التقوى والاستقامة بالارتباط بين الذات وخالقها ارتباطاً شبه دائم كالأنبياء ومن يلحق بهم، متجاوزين بالمرحلة الروحانية المنظور الشمولي ليبلغوا مرتبة الحكمة، وهي قمة ارتقاء الوعي الإنساني فكلما عظم الأثر ارتفعت قيمة الحياة. فأين انت من مراتب الوعي؟ وبأيهم ما زلت عالقاً؟
3105
| 25 يناير 2023
حروف مُتشابكة، يثمر تراصها عن كلمات مفعولها سحري لصياغة جمل مفهومة ومُعبرة، لها عمق الأثر والتأثير في مرسلها ومستقبلها على حد سواء. فهي وسيلة للتعبير عن المشاعر والأفكار بين البشر كمستقبلين ومصدرين للطاقة، لكونهم يتأثرون بطاقة الكلام التي توصلها المشاعر عبر مفردات الكتابة والحديث. ويؤكد علماء النفس تأثر الإنسان بالكلمات، فكلمة قد تنير طريقة وتبهجه، وكلمة أخرى قد تؤذيه وتجلب له الشقاء، وفسروا ذلك علميا بأن الكلمات الجميلة لها تأثير على بعض مراكز المخ التي تساعد على إفراز مادتي الأندروفين والنكيفالين اللتين تؤثران على مراكز الانفعال تحت المهاد والتي تؤثر بدورها على إفراز الغدد الصماء، لترفع مستوى السعادة لدى الفرد. كما أثبتت العلوم الحديثة أن الكلمات التي تحمل طاقة سلبية وتجرح الإنسان، كالكلمات المؤذية، تسبب جروحاً حقيقية في الدماغ، وتميت عدة خلايا أو تتلف عملها مسببة نوعاً من العطل في التفكير، وهو ما يفسر ما يعانيه الشخص المتضرر من آلام نفسية وشعور سلبي وإحباط قد يقوده جرح هذه المفردات السامة إلى الفشل في العمل أو التعليم أو الحياة بشكل عام. فالكلمة عبارة عن طاقة عظيمة تتشكل على أساسها الأنفس، ولعلها أفضل دواء للنفس والروح، لأن قوة الكلمة لا تعادلها قوة، فهي تمس الروح والعقل والقلب، فيكون تأثيرها أكبر في الأذهان والنفوس. الكلمات تمنح الإنسان أجمل ما عنده من أحاسيس ومشاعر من خلال الحروف، إن كانت طيبة تغلغلت كالسحر بالقلوب لتغسل أرواحنا وتطهرها من أي كبوة، وتنثر عطرها بنفوسنا لتزهر وتنتعش لأن للكلمة تأثيرًا كبيرًا على عقولنا كما تتحكم في مسار تفكيرنا وردود أفعالنا، حيث تترك الكلمات الطيبة طاقة إيجابية في الدماغ وأثرا كالذي يخلفه تناول السكر أو العسل، فيعتدل مزاجنا ويقبل على الحياة بسلوك إيجابي. وفي المقابل فإن الكلمة السلبية تدمر طاقة الإنسان الروحية لتصيبه بالاختناق والاكتئاب وتشعره بعجزه وفشله وتحبط كل مقومات القوة النفسية لديه. ولشدة تأثير الكلمة الطيبة والسلبية على الإنسان فقد ضرب الخالق العظيم بها المثل وأجرى عليها التشبيه في محكم كتابه بالشجرة الطيبة والشجرة الخبيثة. وأمرنا بالقول المعروف، الميسور، الحسن، الكريم، اللين، وأثابنا عليه. لأن فن الكلام وانتقاء العبارات هو من أهم المهارات الاجتماعية التي علينا جميعاً التحلي بها، ليس فقط من أجل أن نقول أو نستمع لهذه الكلمات من الآخرين بل من أجل أن ندرب عقولنا على تفعيل المفردات الإيجابية التي نقولها ونرددها بداخلنا لأنفُسنا. متى ستقتنع أن نفسك من الداخل تسمعك وتصدقك؟ متى ستستمع لصدى كلماتك؟ وستلاحظ الفرق الذي تُحدثه الكلمات، عندما تقول لها قولا طيبا وترفع من شأنها. حفزها وأكرمها وامتدحها بل وأحبها وأرسل لها العبارات الإيجابية لتصيغ لك بدورها الحياة التي تستحقها، مبتعداً عن كلمات التأنيب ومفردات التعذيب النفسي، متسلحاً بالأمل والنوايا الجميلة ليردد لسانك قناعاتك وينطق عذب الحديث. فأجمل الكلمات تلك التي ترسم ابتسامة على وجوه مستمعيها وتبشر بالأمان وتزرع الأمل وتوقظ الأحلام وتخلق الفرح والسعادة، اجعل الكلمة التي لا تلقي لها بالا إكسيراً يُخلد ذكراك بقلوب محيطك الخارجي ويحيي نفوسهم ليخرجهم من غياهب الألم المتراكم على كاهل أحدهم الذي لا تعلم عمق الجراح الغائرة التي تستكين فيه من منغصات الحياة التي خلفها الإخفاق المتكرر. فجميل القلب ومعسول اللسان حقا هو من كان وراءنا يدفعنا إلى الأمام لنمضي قدما، وكانت كلماته جنبنا حين سقطنا وسط الطريق تحثنا على النهوض من جديد وبلوغ غاياتنا بعبق كلماته التي رافقنا طوال الطريق، فهو الذي كان بانتظارنا في نهاية المضمار وكان أول المصفقين لنا، الجميل هو الذي يزيل الظلمة التي تجتاح أحدهم من جراء تكاليف الحياة فقط بكلمة طيبة الأثر يخلفها على قلب أحدهم ويمضي، الجميل هو الذي يعطي السكون التام حين يكون داخلك يعج بالزلازل والبراكين، وهو الذي يرمم الكسور الكامنة فيك ويجبر الكسور الناشئة عن كل خيبة تلقاها قلبك، هو الذي يعالج التصدع المخبوء فيك فلا يتركك إلى أن يعيد توازنك الداخلي فقط بكلمات خرجت من القلب لتشفيك وترفه معنوياتك وتعيد الثقة لقلبك. جميعنا نستحق هذا الرفيق ليُلملم شتاتنا، لأن جمال الكلمات وطاقاتها الإيجابية هي من أسمى ملامح إنسانيتنا ورقيها وتحضرها.
2859
| 18 يناير 2023
جميعنا نتباهى بعقولنا، ونظن بأننا على حق وأفكارنا قريبة من الصواب، هذا إذا لم نكن على يقين تام بأن أفكارنا لا تحيد عن الصراط ومشاعرنا على الدوام لا تقبل الفشل. ولكن هذا المنظور قد يجرنا لقاع مظلم وأفكار جامدة لا تقبل التغيير، بل قد نبلغ مرحلة معارضة غير المألوف ومحاربة كل جديد لحماية مخزون الذكاء الفكري والفطري الذي وهب لنا لحظة الولادة. وإثباتاً من البعض -على ارتفاع ذكائهم واعتدادهم بثقتهم الذاتية- للآخرين وضعوا سقفاً زجاجياً لعقولهم، معتقدين أن ذكاءهم ومواهبهم وقدراتهم الإبداعية جامدة، ولا يمكن تطويرها، فمالوا الى تجنب ارتكاب الأخطاء أو المخاطرة أو حتى بذل الجهد، وعادة ما يستسلم هؤلاء بسهولة عند مواجهة التحديات متجاهلين الملاحظات النقدية المفيدة، شاعرين بالخوف من نجاحات الآخرين وهكذا فقدوا روح المبادرة واستسلموا للواقع الذي تم بنيانه في عقولهم ليصبحوا ذوي عقول ثابتة متحجرة. بالتأكيد واجهنا هذه العقليات وعانى المجتمع منها، لأن غاية العقليات الثابتة أن تكون منتصرة دائما وتظهر بمظهر الواثق، لأن هذه الغاية ترضخها في أحيان كثيرة لمفهوم الغاية تبرر الوسيلة وما يترتب عليها ويصاحبها من أنانية ونرجسية بسبب الاستسلام الذي يجعلهم يفسرون العثرات التي تقابلهم على أنها فشل لا يمكن التغلب عليه، بسبب عدم امتلاكهم للمهارات اللازمة، فينسبون التقاعس لغيرهم أو للظروف حتى لا يرون أنفسهم فاشلين. لذا فهم يميلون للغيرة ولجرح الناجح لأنه يهدد مكانتهم. وقد يعود ذلك للاعتقاد السائد لدى العلماء منذ فترة طويلة من الزمن، بأن الدماغ يتوقف عن التطور بعد فترة الطفولة، بل إنهم اعتقدوا أن شبكة أدمغتنا تصبح ثابتة بعد بلوغنا سن الرشد. لكن، في العقد الماضي، أظهر الباحثون أن الدماغ لا يتوقف أبدًا عن التطوّر والتكيّف، كما وأن بإمكانه أن ينمو ويتغير مع التعلم والخبرة. وهذا ما نسميه بمرونة الدماغ، وتنبع أهمية هذا الأمر، من الأبحاث التي وجدت رباطًا وثيقًا بين العقلية والإنجازات، ووجدت أيضًا، أنه عندما يؤمن الناس بأن أدمغتهم قابلة للنموّ والتطوّر، يتصرفون بشكل مختلف، لأن هذه العقلية تجعلنا ننظر لسماتنا وقدراتنا الطبيعية ببساطة على أنها نقطة البداية وأنه من خلال التجربة والجهد والتعلم سنمضي تجاه ما نريد فعله أو ما نريد ان نكون، مسلحين بالثقة من القدرة على تحقيقه. فهذه العقلية النامية كالشجرة المزهرة تعني بالحرية والانطلاق لحاملها. إنها الإيمان بأن الناس يمكن أن ينمّوا ويطوروا ذكاءهم ومواهبهم وجهودهم الإبداعية. مركزين جهودهم على التعلم بدلاً من الأداء، لأنهم يفهمون جيدًا، أن بإمكانهم أن يتحسنوا ويتطوروا، من خلال التعلم والعمل الجاد والخبرة المكتسبة. هؤلاء يدركون أن عليهم مواجهة التحديات من أجل تحقيق النجاح، كما أن عليهم أن يتعاملوا مع النقد الموجه إليهم مدركين أن الفشل هو جزء من مسيرتهم للنجاح، كما ويرى ذوو هذه العقلية العقبات على أنها إخفاق مؤقت ويرحبون بأي نقد لتحسين أدائهم، ويرون الناجحين كملهمين ويرغبون بالتعاون معهم. ولكن ما نراه ونعايشه واقعيا يوحي بوجود عقلية بالمنتصف حيث تكون هذه العقلية بين ذاك وذاك، فهي تؤمن بالذكاء والقدرات وتحرص على تعزيز الثقة بالذات وحمايتها ومن ثم تنطلق لترسيخها كقاعدة للتعلم والتطوير وهنا يمكن القول انه قد يطغى جانب على الآخر أي قد يطول الثبات ويؤجل النمو بصورة أو بأخرى، حيث ان عقلية الإنسان وصورته عن قدراته يمكن أن تتغير، فأصحاب العقلية الثابتة يمكنهم تغيير حالهم، كأن تأتيهم همة استثنائية تلهمهم التغيير في أمر محدد أو لوقت معين. وكذلك من الممكن لأصحاب العقلية النامية أن تضربهم الصعاب بشدة وتفقدهم شعلة نشاطهم للحظات أو لفترة، وجميعنا يمر بالحالتين. وبما ان رؤيتك لذاتك قد تكون مصدر سعادة أو مصدر شقاء، فإنه عليك دائماً ان تغير طريقة تفكيرك للأفضل وذلك من خلال التعلم والعمل والتطور، بدعم عقلك بالمواد التحفيزية الملهمة، مع الحرص على تقوية مخزون ذاكرتك بالأفكار الإيجابية واختيار صداقات جديدة ذوي عقليات نامية، ولا تنس ان تتوقف عن النقد الذاتي السلبي، مع محاولة النظر للأمور بزوايا مختلفة، بالابتعاد عن المبررات والحجج والتركيز على إيجاد الحلول، واحرص دائماً على ان تفتح سقف امنياتك وترقى بأهدافك، فإذا حلمت بالقليل فإن القليل هو ما تستحقه وإذا حلمت بالكثير ستحصل عليه بلا شك.
3405
| 11 يناير 2023
عادة البدايات تُبرز مفاتنها، فتبهرنا بمذاقها المُستساغ لأحداثها المتسارعة، لنغوص بأعماق تفاصيلها متخطين كل البقع السوداء، ومتجاهلين بجهالة الإشارات الواضحة لمفارق الانعطافات المتلاحقة، سالكين أول الطريق للأخطاء والصراعات وغياهب الانتكاسات، لكونها معبرا رئيسيا للتجارب والاختبارات والكشف عن المجهول… يملؤنا الإيمان والثقة بأنه مع الألم ينشأ الأمل، وما من محنة في وقت إلا وكانت سببا لمنحة غير معلومة. فقد يبدو ما نتمسك به الآن ظاهريًّا أمرًا لا مثيل له، وإنه صعب التكرار والحصول، ووجوده مصيري وفي غاية الأهمية، بينما يتضح مع مرور الوقت أنه لا يشكل قيمة المعنى الذي نبحث عنه أو أحلامنا المرجوة. في الغالب، ما يضعنا بعيدين عن البدايات الصحيحة هو الوهم. وهم التملك، والتعلق، والشهرة، والسلطة، وهم الرغبة الملّحة وعدم الاستغناء، لذا لا شيء جدير بأن تخسر سنوات عمرك وتقاتل عليه حتى الأحلام والأهداف والحب. فما لا تستطيع اللحاق به أو تغييره دعه يذهب بهدوء، فمن المؤكد أن أي شيء مقدّر لك لن يذهب إلى قدر غيرك، فجرب أن تجاري الأيام بأحداثها، وتقبض على ما يمكنك اصطياده، وأعظم البدايات تلك التي يتصدّرها الأمل، على الرغم من كل الظلام المحيط. نعم الأمل هو النظرة المستقبلية واليقين بأن ما هو قادم هو الأفضل، والتفاؤل، والإيجابية المستمرة والبعد عن النظرة السوداوية للأشياء والمعرفة والاقتناع بأن الله هو القادر على تغيير الأحوال وأنه لا حال سييء يدوم طويلاً وأنه بعد الصبر دائماً يأتي الجبر، وأنه لولا الأمل لأصبح كل شيء سلبيا، جافا، يعبر فقط عن النقاط السوداء داخل النفس البشرية ليس إلا. أُحاول كثيراً أن امدّ الآخرين بالأمل مثل تزويدهم بالإيجابية المتيقنة بالله القادر على تبديل الأحوال واحاول إقناعهم بأن ما من شيء يدوم على طول الخط في سواد تام، فالأمل جعلني اتيقن بأن ما هو قادم هو الأفضل، وأن ما حدث في الماضي ليس النهاية ولكنه بداية لكل ما هو جديد. ولكن لابد من نقطة ضوء تبدل هذا الظلام، فإن لم ترها ابداً فلا تُطيل الوقوف، عليك ان تكمل طريقك باتجاهات مختلفة حاملاً زاد الخبرة والتجربة لتكتشف خبايا الحياة وتخوض مغامراتها فتستزيد علماً من دروسها وتتقن فنون تقلباتها لتتخطى عواقبها بأقل الخسائر. لتبدأ بداية جديدة مدروسة نابعة من أهداف مركّزة وفكر متيقظ، تتبعها غايات سامية ويصحبها وعي عالٍ، البدايات الصحيحة محاولات لأن نسلك الوجهة السليمة، ففي نهاية المطاف لا يصح إلا الصحيح. ومن مؤشرات صحة البداية سلاسة مجريات الأمور ولا يقصد هنا السرعة بل سهولة تسلسل الأحداث وتناغمها مع أهدافك وقناعاتك، كما أن وضوح المسارات بعيداً عن الغموض - النصوص المفقودة لتساؤلات عقيمة الإجابة - والمنسجمة مع ارتياحك الداخلي من المتطلبات الأساسية لبدايات صغيرة تخلق نجاحات كبيرة. وهنا لا بد أن نعرف أن النجاح لا يولد معنا بل نصنعه بأنفسنا، نكتبه بأيدينا ونرسم المستقبل بفرشاة كسرت مائة مرة ومرة وبعد كل مرة تعود أقوى من قبلها، هكذا يصنع النجاح. ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن نجاحك سيكون مضموناً، فذلك يرجع إلى اجتهادك، وخطواتك الصحيحة، وحجم إنجازك، والمغامرة في التجارب الجريئة، وتعلّمك من خبراتك السابقة. كوِّن شخصيتك المستقلة وفكرك المستقل وعملك المميز وعالمك الخاص، كن أنت نفسك فلا عيب في البداية الخاطئة، فكيف لا تتعلم إذا لم تخطئ! ولكن استقلَّ بذاتك، وحدد أولوياتك والأشخاص الذين يرافقونك مشاوير ترحالك، ودائماً تساءل عن مدى حاجتك لوجودهم؟ ما هو دورهم؟ ماذا لو استغنيت عنهم؟ لتحدد من الذي يستحق البقاء ومن الاستغناء عنه مربحاً. إن الإجابة على أسئلة جوهرية مثل هذه تكشف لنا الحياة التي نريد، وتمنحنا خيط البدايات الصحيحة، وتختصر لنا مهمّات كبيرة، وترفع عنا الكلفة، وتزيد من دائرة وعينا؛ لنعيش ببساطة وخفة مغلفة بحياة عميقة بعيدة عن التشتت والسطحية. فحينما تدرك كيف تفكر، عندها سترزق ببداية جديدة. ولنتذكر، أنه ليس هنالك قطار فائت، ولا عمر محدد لانطلاق البدايات، الوقت كل الوقت لك، متى ما أدركت الرسالة ابدأ. وإن لم تتمكن من أن تعود إلى الوراء لتصنع بداية جديدة لبعض الأمور العالقة، إلّا أنّه يمكنك أن تبدأ من الآن ومع بداية هذا العام الجديد في صناعة نهايات جميلة من بدايات صحيحة صغيرة.
3750
| 04 يناير 2023
التأثر والتأثير علاقة طردية محورية يقل أو يزيد أحدهما عن الآخر حسب المعطيات والقابلية عند الأفراد أو المجموعات، فقد تكون ظاهرة للعيان ومجردة، وقد تكون باطنة ما يُفسر صعوبة قياسها. كما أن التمييز والفرز عند الاقتباس من الآخرين أمر مهم وضروري، وهو مبدأ تشترك فيه كل الأمم الناهضة والباحثة عن استقلالها الفكري والمادي حفاظاً على الهوية من أن تذوب وتضيع في حدود الآخرين. لذلك فرَّق الأستاذ جلال كشك - رحمه الله- بين التغريب والتحديث، ورأى أن الأول يهدف إلى تقليد المفاهيم والثقافة والأفكار الغربية، التي تتعارض في كثير من أصولها وأسسها مع أفكارنا وقيمنا الإسلامية. أما التحديث فيعني التعامل مع منجزات العصر وعلومه المتطورة، التي فيها مجال فسيح للمشترك الإنساني العام، الذي يجوز فيه النقل والاقتباس. ولكن الشائع استخدام مصطلح الحداثة للدلالة على التحديث والتغريب معاً. وبما أن قطر جمعت البشر من شتى البلدان والدول والحضارات، حتى بلغوا الملايين من مختلف الجنسيات والأعراق والديانات، لدعم وتشجيع المنتخبات التي يؤازرونها في بقعة محددة من الأرض ليتشاركوا مع شعبها الوئام والتسامح والمحبة والسلام في بلد يسعى للتحديث والتميز رغم صغر مساحته، إلا أنه كبير الأثر والتأثير. كان هذا التأثير جلياً على الجمهور الغفير الذي اقتبس من طقوسنا وثقافتنا وتداول العبارات والجمل العربية وتجاوز ذلك بالتعرف على قيمنا وعاداتنا الإسلامية، لنتمكن خلال فترة قصيرة لا تتجاوز الشهر الواحد من تغيير الصورة النمطية السائدة عند الغرب للدول العربية والإسلامية بشكل عام ولدولة قطر تحديداً، ليتجاوز الأثر الحدود الجغرافية. والسؤال الأهم هنا: هل نحن تأثرنا؟ حيث إن مجال الانتقاء هنا قائم، بل مجال الأخذ والاستيعاب وارد، ولا يجادل في ذلك أحد، فالمواجهة ليست مع التحديث والتطور والانفتاح المقنن، وإنما مع رياح الغرب، أفكاراً، وأيديولوجيات، وعلاقات اجتماعية واقتصادية، وقيماً، ومعايير، وأنماط حياة. ومن جوانب التأثر التي أضفت طابع العصرية والإبداع الفني، تعاون دولة قطر مع منظمة الصحة العالمية والاتحاد الدولي لكرة القدم في مشروع مشترك يسعى إلى تقديم كأس عالم صحية، تحافظ على صحة اللاعبين والمشجعين والمنظمين، وتسهم في نشر ثقافة الرياضة الصحية في مختلف أرجاء العالم. من خلال جعل مونديال قطر 2022 نموذجاً مؤثراً ومستداماً يستند على ركائز أساسية وهي دعم الناس على ممارسة أنماط الحياة الصحية من خلال اتباع نظام غذائي صحي، والإقلاع عن التدخين ومكافحته، وتعزيز الأمن الصحي، مع التركيز على ضمان سلامة التجمعات والمناسبات، من خلال التعهد بإجراء بطولة كأس عالم خالية تماماً من انبعاثات الكربون، حيث تم تنفيذ مجموعة شاملة من المبادرات للتخفيف من الانبعاثات المرتبطة بالبطولة، بما في ذلك الملاعب الموفرة للطاقة، وشهادة المباني الخضراء في التصميم والبناء والعمليات والنقل منخفض الانبعاثات، وممارسات إدارة النفايات المستدامة. كما قامت الدولة بالعديد من الإجراءات مثل بذر البذور لبناء أكبر مزرعة للأعشاب في العالم، وإنشاء فنادق وملاعب صديقة للبيئة، وغرس الأشجار وتخضير الطرقات واستخدام الطاقة الشمسية في تشغيل ملاعب البطولة، واستخدام نظام المترو الكهربائي لأنظمة فرامل متجددة تسهم في تقليل الانبعاثات الكربونية، في بادرة هي الأولى من نوعها في العالم. هذا وعززت قطر قوتها الناعمة، وإعادة تحديد تأثيرها ومكانتها ووضعها ومرافقها وأهداف سياستها الخارجية، لتستفيد البلاد اقتصادياً وتصبح مركزاً تجارياً وسياحياً في المنطقة. أما على المستوى الاجتماعي، ولأننا جميعنا نؤمن بقوة الرياضة في إحداث تغييرات إيجابية في المجتمع، فيمكننا تحديد بعض الآثار الظاهرية وهي خروج جميع فئات المجتمع، خصوصاً الجنس الأنثوي للمشاركة في الحدث وبتفاعل ملحوظ من خلال حضور جميع المباريات والفعاليات المقامة على هامش المونديال دون أن نغفل الروح التي أظهرها الجميع من مواطنين ومقيمين في التناغم مع الجنسيات الـمختلفة وذلك لم نكن نألفه من قبل، ما كان له أثر كبير في كسر طابع الجمود. وبالرغم من مخاوف الكثيرين قبل المونديال من التغييرات التي قد تؤثر سلباً على المجتمع ويتداول جزء منهم هذه التأثيرات في صياغة الاستفسارات والتساؤلات، إلا أن الشعب القطري أثبت صلابة ثقافته وهويته أمام جموح الثقافات المختلفة، مؤكداً عمقها وأصالتها عبر التاريخ، حاملة بين طياتها مشعل التسامح والرحمة والمحبة للعالم.
2052
| 28 ديسمبر 2022
صفحات جديدة تعلن عن مستقبل واعد لهذه الأرض الطيبة التي لم تنس جذورها ولا العقود الماضية من تاريخها الحافل، عندما دمجت الحاضر بالموروث وتمسكت بقيمها وصاغت طموحاتها وأحلامها بالمحبة والأمل، فطالت إنجازاتها القمم ورسمت صورا لن تُمحى من ذاكرة التاريخ. فكل ما يسطره التاريخ يبقى حاضراً كحضور دولة قطر المميز على الساحة الدولية من خلال تحركاتها على الصعيد العربي لتعزيز أواصر روابطها القومية، والمضي قدما نحو تثبيت أركان صداقتها مع مختلف الدول الأجنبية من خلال الزيارات المتبادلة والإسهام في القضايا والمسائل التي تهم حركة التعاون والسلم الإقليمي والدولي. لتشهد البلاد قفزات نوعية في التنمية والتطور والخطوات الجسورة على صعيد العمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، مما يؤهل قطر للسير قدما، وبخطى واثقة في هذا القرن الجديد الذي يستند إلى قواعد العلم والتكنولوجيا والإدارة المتطورة. ومع صدور الدستور الدائم للبلاد ووضعت رؤية قطر الوطنية 2030 لتعزيز الارتقاء إلى الاقتصاد المعرفي وتحويل قطر إلى دولة متقدمة قادرة على تحقيق التنمية المستدامة وتأمين استمرار العيش الكريم بفخر واعتزاز يتناقله الاجيال. وإكمالا للمسيرة وتحقيقا للرؤية بنظرة ثاقبة حطمت قطر كل المقاييس وأبهرت العالم في تجسيد الرؤية في جميع المجالات محليا وعالميا. فجميعنا نشاركهم الابهار والاعتزاز بهذه الرؤية التي استثمرت القوى البشرية والمادية لتحقق نتائج فاقت كل التوقعات وتجاوزت جميع الطموحات حتى باتت دولة قطر في ظل القيادة الرشيدة تحصد المزيد من الإنجازات والنجاحات بشتى المجالات، نتيجة خطط ورؤى استراتيجية وتطلعات لمستقبل وطن يسير على درب التميز، استمرارا للفكر المتطور والمستنير، لتقف الدولة في مصاف الدول المتطورة على كافة الأصعدة، لأن طموحات القيادة الحكيمة لا حدود لها، فهي تسعى بشكل دائم نحو الأفضل والأسمى من أجل عزة ورفاهية ساكن هذه الأرض وكرامته وحقوقه وأمانيه وتطلعاته. ومن هذا المنطلق حرصت على ان تكون نسخة كأس العالم المقامة على أراضيها تعكس هويتها الخاصة والهوية العربية عامة. مما استوجب ان تحتل الثقافة العربية والقطرية والإسلامية دورا أساسيا في الإلهام الأكبر والأهم خلال مراحل التجهيز للبطولة، بدءا من مراحل التخطيط والتصميم وصولا إلى مرحلة التنفيذ وما يعقبها من أثر. لينطلق الكرنفال ساحراً، موظفاً مفرداتها الشعبية وقيمها فصاغت تاريخها بالعديد من الوسائل في سرد جميل ليصل لكل منزل بالعالم ويلامس أرواح الشعوب، مؤكدة على ان هذا التاريخ سيكتب بخيوط من ذهب لعقود قادمة وسيبقى محفوراً في الذاكرة لدى ما لا يقل عن 5 مليارات نسمة. حيث تم دراسة وترجمة كل التفاصيل بعناية فائقة منذ كانت حلماً تشابكت خيوطه بالواقع، وصولاً لواقع نراه بالعين المجردة ونتلمس تفاصيله. فبعد ان كان الافتتاح في أرض الحلم (ملعب البيت) متضمناً كل ما تعج به الثقافة القطرية من تراث صاغته الايقاعات الخليجية بنغمات المحبة والأخوة والتواصل بين الأجيال داعية لتقبل وتبادل الثقافات، وصولاً الى الختام المقام تزامناً مع احتفالات البلاد باليوم الوطني للدولة والذي أطلق إيماناً بأهمية معرفة الأجيال الصاعدة لتاريخ وسيرة الأجداد المؤسسين وقيمهم الخالدة، لتمثلها وتحافظ عليها وتتغنى بها. واكتمالاً للوحة الفنية الكبرى احتضنت المدينة العصرية المستقبلية (لوسيل) الحفل الختامي والمستمد اسمها من التراث القطري الأصيل وقيمه الثقافية والمشتق من أندر الزهور القطرية. حيث استُهل الحفل بالكوفية الفلسطينية وابيات يلقيها شاعر فلسطيني تأكيداً على ان فلسطين ستظل القضية المركزية للأمة العربية والإسلامية. ليُفاجأ جمهور العالم بمسك الختام وتتويج بطل الكأس مرتدياً العباءة القطرية الأصيلة (البشت) والذي يمثل الإرث القطري والهوية العربية ليتصدر المشهد العالمي ويبقى رمزاً لنجاح مونديال اسطوري على أرض عربية صغيرة، تمكنت بمواردها البشرية المحدودة من إظهار الصورة الحقيقية للعرب والمسلمين لتبلغ العالمية مستخدمة أسلحتها المحلية الوطنية كالحب والتسامح والكرم ممزوجة بالثقافة والعلم، فارضة سيادتها على أراضيها، مطبقة مبادئها الأخلاقية على مبدأ لا ضرر ولا ضرار، متمسكة بعاداتها المحلية، قابضة على دينها ومعتقداتها، لتسلب قلوب العالم بجمالها ورقيها، وتكسب احترامهم بقيمها ومبادئها، وتبهر العقول بتطورها وتنظيمها، ولتفوز بالتاريخ بعد ان رفضت كل ما هو مناف لتقاليدها وعقيدتها، ليتم تتويجها بطلة لهذا الحدث التاريخي الذي عمق مشاعر الفخر والاعتزاز لدى كل مواطن.
1128
| 22 ديسمبر 2022
حرصت في الأيام السابقة على زيارة أغلب الأماكن التي تقام بها الفعاليات المصاحبة لكأس العالم لأستمتع بالأجواء المونديالية النادرة حيث تزينت الشوارع بأعلام 32 دولة مشاركة في نهائيات كأس العالم 2022 فأضيئت السماء بالألعاب النارية والليزر كل مساء، وازدانت الربوع والشوارع وجميع المباني والأبراج وصُفت الشاشات الضخمة في كل الزوايا لمشاهدة المباريات، في نقل مباشر لمهرجان فني متنوع بين الغناء والفنون والمسرح والفنون الشعبية والفلكلورية فيها ألوان من ثقافات الشعوب المتنوعة، انطلاقاً من المحلي الموروث القطري والخليجي محمولة على بعد إنساني ثقافي شامل وواسع، حتى باتت مناطق الدوحة وضواحيها تشكل كرنفالا يوميا يجمع مختلف الجنسيات من كل بقاع الأرض. ولا أنكر مشاعر الارتياح التي غمرتني بمشاهدة الحضور والجماهير الذي بلغ عددهم رقماً قياسياً وقد توافدوا من كل دول العالم وهم يجوبون شوارع الدوحة مبتسمين وكأن هناك هالة ضخمة تجمع الجميع في بوتقتها. تأملت الوجوه بحثاً عن سبب هذه الطاقة الجميلة التي انتشرت في شوارع الدوحة واحيائها بمرافقها الخاصة والعامة، فالجميع منشرح الاسارير ومتقبل للآخر وان كان غريمه، تختلط الضحكات بين الكبار والصغار وتعابير السعادة تنطق بها العيون مع تلاقي رقصتي العرضة والسامبا في مشهد لافت لتبادل الثقافات. هل هذا الشعور الجميل مصدره الأمن والأمان الذي يتأصل في هذه البقعة الأرضية؟ أم أنه راحة بال ونسيان للقلق والتوتر؟ ام هو الفخر والاعتزاز الذي يحيط بكل المتواجدين تحت سماء شبه الجزيرة القطرية؟ وقد يكون بسبب الإجراءات والوسائل المريحة التي تم توفيرها لجميع عشاق كرة القدم القادمين من كل أنحاء المعمورة؟ أو لكونها الانطلاقة العالمية الأولى للساحرة المستديرة على أرض عربية؟ وما اضفت عليه هذه الاستضافة من روح عربية اصيلة جديدة لم يكن له عهدٌ مسبق، فهذه اللعبة التي تُلعب في كل مكان، في كل قرية ومدينة، في كل بلد، في كل قارة. سواءً أحببتها أو عزفت عنها، تظل كرة القدم هي الرياضة الأكثر شعبية على هذا الكوكب. إنها نموذج مصغَّر لعالمنا فهي تجسّد القيم الاجتماعية وتعكس المحاسن والمساوئ، والتحديات والنجاحات، والصراعات والانتصارات، والمكاسب والخسارات، وتبرز الأصالة والحداثة على حد سواء. كما عززت التغطية الإعلامية للعبة هذه المشاعر الإنسانية، وأضفت عليها هالةً من العولمة. فسلبت العقل والفؤاد وسحرت الوجدان وبات أمر مشاهدتها متعة تنشدها كل الاعمار، حيث تعتبر كرة القدم هي الرياضة المحبوبة بسبب عدم القدرة على التنبؤ بنتائجها والطرق التي يتفاعل بها المشجعون مع فريقهم سواء كان ابتهاج ونشوة بالفوز أو النصر أو الحزن الذي يأتي مع الخسارة. لا يهم إذا كنت من المعجبين الذين يدعمون فريقًا موطنه يبتعد الاف الاميال، أو مشجعًا نشأ على بعد شارعين من الملعب، فالجميع يتفاعلون عندما يتعلق الأمر بحب ناديهم أو فريقهم. ولكن رغم تعصب المشجعين في شتى اقطار العالم إلا ان ذلك لم اشاهده في المدرجات أو التجمعات المخصصة للجمهور، بل على النقيض من ذلك ساد الوئام بين الجميع وتم تبادل القمصان لإضفاء نوع من التمازج العالمي فلم يكن سهلاً التمييز بين الجنسيات حيث اختلط الحابل بالنابل. وفي صورة جميلة أخرى كان الجمهور الخاسر يودع احزانه على المدرجات تمهيداً للدخول في الطاقة الجميلة المنتشرة بالممرات والساحات. انها مشاعر السعادة التي غمرت القلوب بفعل هذه الساحرة التي حركت الجمود بداخلنا لتقودنا للعالمية، في حداثة متأصلة فريدة. لنثبت للعالم بأننا مجتمع متناغم ومنسجم مع الثقافات الأخرى ونفسح المضمار لتقاليد الشعوب ولكن هذه المرة كانت النتيجة معاكسة حين فعلت كل الإنجازات التي قامت بها قطر فعلها في الجماهير الوافدة للدوحة، ليصعد بقوة الزي العربي "الغترة والعقال" وبالألوان كافة حيث بات هذا الزي حاضرًا بين المشجعين، لتصل ذروة هذه الحالة إلى أن تتصدر مشاهد قيام المواطنين القطريين ورجال الأمن كذلك بتعليم المشجعين كيفية ارتدائها. نعم انها الساحرة التي كسرت الحواجز وقلبت الموازين، فبعد ان كانت السياسة تستخدمها كقوة ناعمة لتحقيق مآربها باتت هي المسيطرة، فاصلة عنها كل السياسات لتحطم العداوات وتنهي الفروقات وتعيد العلاقات في لوحة فنية تتوحد بها الشعوب معلنة بأن دولة قطر كانت وما زالت وستظل تزهو بثوبها القشيب.
1089
| 14 ديسمبر 2022
لعل تعبير «زوبعة في فنجان» هو أصدق تشبيه أطلقته سعادة السيدة لولوة الخاطر في إطار تعليقها على محاولات الغرب تسييس كأس العالم 22 والمُقامة حالياً في دولة قطر كأول دولة عربية إسلامية تستضيف هذا الحدث الكروي العالمي. وهو تعبير شائع في البلدان العربية، للدلالة على تقليص الحجم الحقيقي لظاهرة ما؛ على العكس مما قد تبدو. مما أثار في مخيلتي محدودية هذا الهيجان ضعيف الأثر وأنا أتفحص فنجان قهوتي وأقلب نظري بين خطوط ورموز البن الرفيعة المتشابكة بالبقع الداكنة وبين المساحات البيضاء الواسعة التي أغفلتها حبيبات القهوة السوداء دون وعي مكونة لوحة فنية جميلة. لم يكن فنجاني الأول فلقد اعتدت على مذاقه المر منذ عقود رغم معرفتي بأن الإكثار من تناول الكافيين قد يؤدي إلى ارتفاع في ضغط الدم ويسبب هشاشة للعظام إلا أنني أحافظ على صحتي بشكل جيد وأتناولها للاستفادة من كونها مُنبهاً يجعلني متيقظة لأي طارئ، كما أنها تحمي الجسم من السرطان وتقلل من أمراض القلب وتساعد في الوقاية من التهابات الأمعاء. الخلاصة إن إمكانية ارتفاع نسبة فائدتي تعود إلى كمية وكيفية تعاطي وتذوقي لكل فنجان... نعم تتسبب بعض المشكلات في إثارة الزوابع، لكن سرعان ما تنطفئ ونكتشف أن حجمها لا يتجاوز حجم الفنجان الذي شهد ولادتها، لذا فإنه علينا ألا نعيرها اهتماماً أو نتناقلها لتأطيرها وبالمقابل التوجه للتركيز على وقعها الإيجابي كي نتطور ونتقدم من خلال توظيف مهاراتنا وإنجازاتنا لإظهار قدرة قطر وطاقتها على تنظيم حدث يبقى راسخاً في أذهان العالم. وهو ما حدث فعلياً ويشهد عليه جميع الحضور والمراقبين محلياً وعالمياً، حيث كان لهذه الزوبعة وقع إيجابي في تكاتف كل الدول العربية والإسلامية والعديد من الدول الصديقة الغربية للدفاع عن قطر بالمشاركة في إبراز الصورة الحقيقية التي يحتلها هذا البلد الصغير ودوره النشط الفعّال في تعزيز الثقافة العربية متمسكاً بمبادئه الدينية وهويته الوطنية، بالإضافة لكشفة الإيديولوجيات الخاطئة التي يتبناها الغرب ضد أي تطور أو تفوق لأي دولة عربية مسلمة، ناهيك عن أن هذا النجاح غير المسبوق لتنظيم دولة عربية لمونديال عالمي أصبح خنجراً وغصة في صدر كل متربص وحاقد على هذه الأمة بعد أن أحرج أكبر الدول بتميزه وتفرده عن باقي النسخ، وغدا إرثاً قطرياً، ستتناقله الأجيال لعقود وسيتم توثيقه لنقل المعرفة والخبرة المكتسبة لكل العاملين في منظومة كأس العالم منذ الإعلان عن فوز قطر قبل اثني عشر عاماً وحتى لحظة إنهاء المونديال وما يتبعها من إجراءات ودراسات تقييمية مستفيضة للتأكد من مدى تحقيق هذه النجاحات لاستراتيجية التنمية الوطنية في تمكين قطر من ترجمة رؤيتها الوطنية 2030 إلى واقع ملموس والتي تنص في نهجها المتدرج على تحويل قطر إلى دولة متقدمة قادرة على تحقيق التنمية المستدامة وعلى تأمين استمرار العيش الكريم لشعبها جيلاً بعد جيل، من خلال الاستفادة من إمكاناتهم ولتحقيق أحلامهم وطموحاتهم عبر توفير مستويات تنمية اقتصادية واجتماعية وبشرية وبيئية مستدامة. ولذلك تركّز استراتيجية التنمية الوطنية على التطوير المستمر للبنية التحتية، بحيث تكون ذات مستوى عالمي، مع صون للطابع المعماري القطري، لتضمن بقاء قطر وجهة مفضلة للزوار والمستثمرين من المنطقة والعالم كله. ورغم أن الخطة لعصرنة قطر وتحديثها، إلا أنها تشدد في الوقت ذاته على صون الثقافة القطرية ودعمها وتبنّيها القيم الإسلامية المتمثلة في العدالة والتضامن الاجتماعي وعمل الخير، إضافة إلى دعم العادات والتقاليد المتوارثة. إن استراتيجية التنمية الوطنية هي الوسيلة التي ستمكّن قطر من تحقيق الرؤية الطموحة التي تصبو إليها، إذ ستتيح للمواطنين القطريين تحقيق الوطن الذي يحلمون به، وستحسّن المناخ الاقتصادي للشركات والمستثمرين والباحثين عن عمل، وتوفّر فرصاً تعليمية أفضل، ورعاية صحية أكثر شمولاً وأوسع نطاقاً، وخدمات عامة أكثر فاعلية. وبذلك تكون قطر سرّعت تطورها ووضعت نفسها على المسار الصحيح نحو نمو ثابت ومطرّد ومدروس، بحيث تستمر في تحقيق الإنجازات التي تثير إعجاب وتقدير العالم، وتشكّل مصدر فخر واعتزاز للمواطنين القطريين والمقيمين من خلال تركيزها على مجالات كالرياضة، والبنى التحتية، والرعاية الصحية، والثقافة، والسلامة العامة والأمن، والبيئة، والتعليم وغيرها..وكذلك لاستثنائيتها في إنجازاتها وسياساتها وإدارة شؤونها وصمودها أمام كل التحديات وتخطيها كل المعوقات لنيل الاستحقاق الذي ينتظره كل قطري وعربي وهاوٍ للرياضة في أنحاء العالم كافة.
1932
| 07 ديسمبر 2022
مساحة إعلانية
حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم...
9027
| 09 أكتوبر 2025
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا...
6534
| 13 أكتوبر 2025
انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت...
5700
| 14 أكتوبر 2025
منذ صدور قانون التقاعد الجديد لسنة 2023، استبشر...
2982
| 12 أكتوبر 2025
في خطوة متقدمة تعكس رؤية قطر نحو التحديث...
2667
| 12 أكتوبر 2025
مع دخول خطة وقف إطلاق النار حيز التنفيذ،...
1794
| 10 أكتوبر 2025
قمة شرم الشيختطوي صفحة حرب الإبادة في غزة.....
1476
| 14 أكتوبر 2025
المعرفة التي لا تدعم بالتدريب العملي تصبح عرجاء....
1170
| 16 أكتوبر 2025
في السنوات الأخيرة، تصاعدت التحذيرات الدولية بشأن المخاطر...
1110
| 09 أكتوبر 2025
لا يخفى على أحد الجهود الكبيرة التي تبذلها...
1047
| 14 أكتوبر 2025
حين نسمع كلمة «سمعة الشركة»، يتبادر إلى الأذهان...
966
| 10 أكتوبر 2025
سنغافورة بلد آسيوي وضع له تعليماً خاصاً يليق...
954
| 09 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تابع الأخبار المحلية والعالمية من خلال تطبيقات الجوال المتاحة على متجر جوجل ومتجر آبل