رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تقلصت الحكايات واندثرت الأقاويل واضمحلت الدسائس، فتصافت القلوب بعد ان شاع الوئام البشري وساد السلام الروحي، لتغدو الثقة عنوان المعاملات الانسانية والرحمة منابعها، كما ان الستر أضحى غطاءنا واحترام الخصوصيات شعارنا، لم تعد تستهوينا نواقص الغير ولا تجتذبنا مشاكلهم لنخوض بها مع الخائضين، فإن لم يرغبوا هم بالإفصاح عنها وإشراكنا فإننا لا نملك حق العلم بها، كما اننا مقتنعون بأن تلهفنا لمعرفة أدق أحداث الناس ليس مجدياً، وبأن تفاصيلهم الخاصة ليست إضافة، بل هي شأن غير مباح وحديث غير مُحبب، وإن علمنا شيئاً منه فعلينا حفظه من الألسنة والحيلولة دون التشهير والتهويل، متجاوزين الوقائع المعلنة، مستعيضين عنها بالمرغمات الخفية والدوافع الفرعية، لتتحد دعواتنا باليسر والصلاح، وتعم نوايا الخير والفلاح، فلا ننطق إلا بالصدق ولا نتقبل إلا الحسن. فليس للمتربصين مكان بيننا، بعد ان أيقن الجميع بأن ما يتناقلونه اليوم عن الآخرين سيتم تناقله قريباً عنهم، وما يتبجحون بإفشائه سيعود عليهم بالعار وآثام النميمة البغيضة، وما يصفون به الآخرنن سينعتونهم به لا محالة، كما إن اكتفاءنا بذواتنا وتركيزنا على حياتنا أضحى من أولى الاهتمامات وأهم القواعد التي نرتكز عليها في التعايش المجتمعي والترابط الأسري. أليس هذا المجتمع الذي نطمح إليه جميعاً لنرتقي بشرياً، انه الحلم الذي نتشاركه دون تفعيل، والهدف الذي نصبو إليه دون سعي أو مجاهدة للنفس الأمارة، غافلين عن معتقداتنا الدينية للحظات، متجاهلين قيمنا الدنيوية، متناسين واقعنا المليء بالتناقضات، لنرتدي ثوب الكمال المهترئ، قابضين على مطرقة العدالة المغلوطة والاضطهاد المفتعل لإطلاق الأحكام التي تحطم القلوب وتفسد العلاقات وتزعزع الثقة بين الأفراد، لتتراكم الضحايا الثلاثية؛ الناطق بالحكم والسامع له والغائب صاحب الحدث، الذي طاله الحكم الغيابي. للأسف؛ ما زالت هناك فئة كبيرة تتراشق بألسنتها السليطة كسباً لرضا أو قبول مجتمعي أو منعاً للإقصاء، سالكة مسار استنقاص الآخر الذي قد يظهر كمال أنفسهم ورفعتها، ظناً انهم بهذا الاستصغار سيعيقون تقدمهم، لكون لا يقذف إلا الشجر المثمر، ولا يرشق إلا الطائر الرفراف، فبزوغ الفجر سيفضح سوادهم ويكشف تجاعيدهم الدقيقة التي يتجملون في درئها كيلا يكونوا من الخلائف. نعم إنها من أسوأ العادات المجتمعية، والأمراض التي تفشت عبر العصور، ينميها الفضول ويذكيها الحسد والسخرية، لمعرفة وسماع المواقف والأحداث التي يتعرض لها الآخرون بغض النظر عن صحتها أو حجم إساءتها، قد يعتبرها البعض ثرثرة مفيدة لتوطيد العلاقات وتقريب وجهات النظر أو اكتشاف بؤر الاختلاف وفضح المكنونات النفسية، وقد تكون كذلك إن لم نزيف الحقائق ونذكر الآخرين بسوء ونصدر الأحكام، وإلا فإنها غيبة بينة تدل على دناءة صاحبها وخسته. لعلك مدرك ان هناك اتفاقا مسبقا بعدم كماليتك، لذا فإن توسطك لأي تجمع إنساني لا يعطيك الحق في استباحة حياة الآخرين أو هتك خصوصياتهم وتتبع زلاتهم والتباهي ببلوغك تفاصيل الأمور أو معرفتك بخبايا الحدث قبل الآخرين، فهذا التصرف يعتبر من أسوأ السلوكيات الإنسانية على الاطلاق لما يترتب عليه من ضرر نفسي ومجتمعي. أغلبنا استمع للشائعات يوماً ما، ان لم يكن قارب على تصديقها أو نقلها، كما ان العديد منا يذكر موقفاً أو أكثر يستصرخ فيه من لم ينشغل بإصلاح عيوبه التي يخشى من الاعتراف بوجودها، بل عمل على تفاقمها بأن أشغل وآثار الآخرين ليشاركوه ويناصروه بهذا الانشغال، ليشكل معهم بوقاً ومنبراً هجومياً يتلهون فيه من فراغهم الخانق وانكسارهم الفاضح، يتناقلون لحوم البشر بألسنتهم، متعطشين لنزيف مرتقب يتمخض عن صرير أنيابهم، فمن ينضم لقطيع الضباع يخشى الخروج منه أو مخالفته، لأنه يعلم جيداً بمدى وحشية هجومهم واستماتتهم في تشويه معالم من يتكاتفوا عليه، لوسمه بالعار الذي يحتويهم، ثم ينتقلون لفريسة أخرى، لعل لحمها لا يكون عرداً كسابقتها، فيتلذذون به محققين انتصارهم الوهمي إرضاءً لأرواحهم العليلة، مُكبلين بضغط المعارك، ليتضاعف تقيح جراحهم وتتسع ندوبها. لذا لا تكن مع القطيع، مُستعبداً لأفكارهم، مفتعلاً لمعاركهم الخاسرة، ألجم فضولك كيلا يستغله الطرف الآخر للتمادي في ممارسة سلوكه، فتكن نواة لهذه الآفة المجتمعية، ومحوراً لدوائرها، تدبر ما حولك، وما يبلغ مسمعك، ليكون ميزان تعاملاتك معياره المعتقدات الدينية والدنيوية والقيم الإنسانية والوشائج الاجتماعية ومجتمعك المتحضر الواعي.
3267
| 24 مايو 2023
شقت طريقها بين الحشد، تبحث عمن يرشدها للباب الخارجي، فلاحظت احداهن ترمقها وقد علت على وجهها ابتسامة صفراء، لم تُميزها لارتباكها، توجهت إليها ولكن مع اقترابها شعرت بعدم الارتياح فتخطتها لتبحث عن شخص آخر، عساه يتقبل وجودها الانساني ويتفهم حاجتها للمساعدة، ولكنها لحظة مرورها بها لمحت ابتسامتها الساخرة، وانتبهت لابتعادها خطوتين بهدف تحاشيها، فتجاهلتها بدورها مُكملة طريقها غير مكترثة، إلا أنها توقفت بعد ان سمعت ضحكاتها ممزوجة بكلمات الاستهزاء والسخرية لذوقها الرديء باختيار الملابس، أدركت حينها فحوى النظرات التي كانت تلاحقها، لتعود ادراجها مُتجهمة ومتسائلة بارتياب عن سبب هذا التصرف العنصري، الذي ينم عن جهالة تستدعي قذفها بجمرات المواعظ الحارقة كي تُذكرها بما لا تتحلى به من مبادئ الاخلاق، مُفسرة باقتضاب بأن ما ترتديه يُعتبر في بلادها من أجود أنواع الاقمشة وأفضل الأذواق، لتنهي كلماتها بنعتها بالسواد المُتخلف وهي تشوح بوجهها مختفية بين الحشود، تاركة خلفها حطاما يتمنى ان تبتلعه الأرض ليواري سوءاته. قد يرى بعضكم انه موقف فردي عابر وسوء فهم وارد، متجاهلاً أسبابه وأصوله وكذلك مُخلفاته الجسيمة ليس فقط على مستوى الأفراد بل على المجتمعات البشرية، بيد ان الشخص الواعي سيرى ابعد من ذلك بكثير، مستوضحاً الصورة الكبرى بكل مصادرها البيئية ومؤثراتها الثقافية ودوافعها الشخصية وانعكاساتها التاريخية التي اثمرت استهجاناً غير مبرر لدى البعض لكل ما هو مُخالف. لا ننكر بأن جميعنا فريدون، سواء في رؤيتنا أو مشاعرنا وخبراتنا، نتميز بخصائصنا الشخصية التي نتبادلها مع الآخرين لجعل حياتنا مثيرة للاهتمام، نتناقل الأفكار لإثراء علاقاتنا وتوسعة مداركنا، نطلق أحياناً الاحكام ونخشى التغيير ونعشق الواقع الآمن الذي ألفناه، منشغلين بتفاصيلنا اليومية، منغمسين في عاداتنا، ليغدو كل ما لا يشبهنا شاذا، وكل ما لا يلائمنا ويتماشى مع افكارنا وقيمنا باطلا، حتى بتنا نرى ان الآخر المُختلف القادم من ثقافة أخرى مُخطئ دائماً، ليبلغ بعضنا العدوانية لمجرد أنه لا يملك رفاهية التفكير بالأخر واختلافاته التي قد يرانا هو الآخر بها. بالتأكيد لم ولن نبلغ الكمال، فلكلٌ منا نواقص يسعى لتغييرها والتغلب عليها، ويطالب الآخرين بتقبلها والتعايش معها، وحتمية هذه القناعة ان تكون تبادلية، لذا فمن الأجدر ان نُطبقها على الآخرين ونتقبل نواقصهم واختلافاتهم التي يتحتم علينا احترامها والتعايش معها، فما نراه ناقصا قد يظنه البعض كاملا وما نعتقده مُكتملاً بالتأكيد هناك من يعتبره منقوصاً، فالموازين تختلف والأفكار تتضارب، والقيم تتفاوت، لسنا نسخا متطابقة. نعم، نحن مختلفون بمظهرنا الخارجي ولكن نتشابه بمكوناتنا الجسدية، مُتباينون بمعتقداتنا الدينية والدنيوية ولكن نتلاقى بأرواحنا السماوية، قيمنا ومبادئنا مُتعارضة إلا أننا نتشارك الإنسانية. هذا التشابه الجوهري الفطريّ يدعونا لاحترام جميع الثقافات والمعتقدات والقيم التي تخالفنا، لنواجه الاخرين بالاحترام الذي نتوقعه لأنفسنا، بإحلال التقبل بدل الخوف من الاختلافات التي لن تؤثر بنا ما دمنا نؤمن يقيناً بقناعاتنا، لنفسح المجال للتعرف على الآخر وتجنب إصدار الأحكام على المظهر أو العادات والقيم، فإن منحنا أنفسنا وقتاً أطول للتعرف على شخص ما سنكتشف غالباً أوجه التشابه بيننا أكثر مما يبدو على السطح. انها رفاهية الفكر المتقبل لكل جديد، يبحث عن المختلف الذي يطور من ذاته ويُقيم اعوجاجه، منفتح لمعرفة الأضداد التي تُعمق قناعاته، مستكشفاً التفسيرات لتساؤلاته، ليستشف مواطن الضعف المتعارضة فيقلصها، ويُنمي نقاط القوة المشتركة للوقوف على الحلول الوسطى لرأب الفجوات الفكرية بين الشعوب. عوضاً عن الاستياء الذي نبديه تخوفاً تجاه أشخاص لم نسع لمعرفة كيفية التواصل معهم خشية تهديد خصوصيتنا ومعتقداتنا بالانهيار. فلا يعني بالضرورة قبولك بالآخر المختلف انصهارك فيه، ولن ينتج عن استماعك لوجهات النظر المُخالفة خطراً يعترض أفكارك ويُفندها، فلكل شخص الحق بالتمسك بمبادئه وركائزه دون فرضها على الآخر بالتعصب والرفض والتسفيه لثقافات وقيم وآراء الآخرين، فكلما ساد الحوار وتقاربت وجهات النظر، ارتفعت نسبة الانسجام والتناغم الذي يؤدي للتعايش والسلام بين المجتمعات. تذكر أن الطبيعة البشرية مجبولة على الاختلاف لتتعارف فيما بينها، فالبشر خُلقوا شعوبا وقبائل مختلفة العادات والمعتقدات ليتبادلوا المعرفة، لذا فكلما أدركنا حجم تنوع الناس وتعدد الثقافات الكونية والقيم المتشعبة التي يؤمن أصحابها بها، ندرك مدى أهمية التعرف عليها والغوص بمكنوناتها.
1485
| 17 مايو 2023
نؤمن جميعاً بحقيقة الفناء، وواقع أن لا أبدية مُطلقة على كوكب الأرض، الأيام التي تذهب لن تعود، ولا يمكن ضمان بقاء اللحظة التي لابد لها ان تنتهي، فقيمة حياتك تأتي من عدم قدرتك على عيشها مرة أخرى، فهي تجربة لن تتكرر وفرصة لن تُمنح غيرها، كم هي ثمينة هذه الحياة بلحظاتها السريعة، نتنفس صباحها يومياً لملء رئتينا بذرات هوائها متخللاً الشُعب مُتسللاً للأوردة، مختلطاً بشُعيراتنا الدموية، مُتشعباً في خلايا جميع اعضائنا، ليبقيها رطبة تنبض بالحياة. نتذوق جمالها وندرة أوقاتها التي تخطف الابصار بوميضها الوهاج، فنهيم بنعيمها وننغمس بأدق تفاصيلها، ممتنين لعطائها اللامحدود، متقبلين لاختلافات الآخرين، متعايشين مع ارزاقنا، متصالحين مع ذواتنا، لا ترهقنا غيرة ولا يؤرقنا حسد، نعرف حدودنا ونُحسن نوايانا، نتشارك مع الآخرين أفراحهم ونواسيهم بأصعب أوقاتهم، لا نفرط باستحقاقاتنا ولا نهضم حقوق غيرنا. إلا أن هناك أُناسا لا يتقنون هذا الفن ولا يقدرونه، انغمسوا في الألم واعتادوا الجراح، عنوانهم الانكسار ونواياهم تشاؤمية، تنازلوا عن حقوقهم فضاعت واجباتهم، تعابيرهم تنم عن الكراهية ونظراتهم تفضح سوء نواياهم، لاهثين خلف الماديات والمناصب، ليتفاضل بعضهم على الآخر، مُلصقاً سواد تجاربه وحصيلة غضبه على الضعفاء من حوله، منغمساً بحيثيات المواقف ومحللاً لدوافع الاخرين وغاياتهم. الحياة أقصر من أن نُضيعها في تسجيل الأخطاء ونشر روح العداء، فلحظات العمر الثمينة وهبنا إياها لنشر المحبة وليس الكراهية، للمضي قُدماً نحو الأهداف العظيمة دون ضياع ما لا يمكن استعادته، فبعض الخسارات يُمكن ان تُعوض إلا الزمن لا يُمكن استرجاعه، لذا لا تستبدل ما هو غالٍ وثمين بما هو أقل شأناً منه.فتغدو ذئباً ثائراً بوجه كل من يخالفك، لتجلده بسوط لسانك دون رأفة، ظناً منك بأنك أفضل حالاً، وأصوب رأياً، وأرجح عقلاً، ولو أنك تركت العالم من حولك وفكرت قليلاً بمشكلاتك وصدماتك التي أوصلتك لهذا الحال لكنت وجهت طاقاتك في تغيير وتطوير ذاتك من خلال إيجاد وقتاً لتأمل ضغوطاتك اليومية وأفكارك المتراكمة التي قد تعيق أدائك لبعض المهمات، بسبب انشغالك بالعديد من الأعباء والتفاصيل التي منحتها جزءا كبيرا من طاقاتك الجسدية والفكرية، لكونك نادراً ما تتوقف لتتساءل عن مدى استحقاق هذه المهمة لأدائها قبل غيرها، وغالباً ما تؤدي مهام أقل أهمية بشكل تلقائي، وقد تعي بعد انتهائها عدم جدواها، وقد لا تعي ذلك ابداً. ولن أتظاهر بأني أفضل حالا، فجميعنا نمر بهذه المراحل ولكن قليلين هم من يتعلمون الدرس، ويفهمون الرسالة، فلا يُكررون أخطاءهم بل بمقدورهم تفاديها والحيلولة دون وقوعها. فالشخص الواعي هو من ابتعد قليلاً عن المشهد - وهم قله - ليستبصر الواقع ويبلغ الحقائق، فكُلما ابتعدت أكثر اتضحت رؤيتك للصورة الكبرى، فتلمست ابعادها واستوضحت مكنوناتها، فما بالك ان عُدت للبدايات البشرية لعمر الإنسان الحديث والذي سيبعدك لتتجاوز عشرات الآلاف من الأعوام التي عاش بها من عاش ثم أفنى كنهاية دنيوية حتمية. نمت شعوب واندثرت، ازدهرت حضارات ثم ذبلت، أمم أشرقت ثم غربت، أرواحٌ أقبلت ثم أدبرت. الن يجعلك كُل هذا البُعد الزمني إدراك أنك لن تتوج بالكمال أداءك لجميع المهام، ولن تُحقق الفوز في جميع سباقاتك، ولن تتجسد جميع خيالاتك وتطلعاتك للواقع، كما لن تنال رضا جميع من هم بمحيطك، ولن تغير حالا أو تمنع رزقاً. مما يعني أنهُ بإمكانك التحرر والتوقف للتركيز على انتقاء المهام الأهم لأدائها، والاستثمار بالعلاقات الأقرب إليك، وتوجيه نقدك لذاتك بمراقبة مشاعرك وتصرفاتك اثناء ومن خلال اتخاذ قرارات مصيرية للحياة التي تبتغيها، واللحظات الثمينة التي يجب عليك اغتنامها لتحقيق رسالتك الدنيوية. كما ان هذا البعد يتيح لك تتبع مسارات احداثك ومواقع توقفك ودوافع انطلاقك، لتلاحظ سقطاتك، فتتبين مسببات تكرارها، وتنتبه لمصادرها وادوار أفرادها المُعيقين وكلماتهم المثبطة، ومخلفاتها النفسية التي تراكمت وتلبدت كغيمة سوداء تمر بسماء روحك، فتحجب عنك رؤية شعاع الحقيقة المُشمسة، رامية حملها على الآخرين لتستريح من امطارها الصخرية المؤذية، التي لا تلبث ان تتضخم وتتزايد، ان لم تتدارك الأمر. لتعلم جيداً، بأن الحياة لن تتوقف عن رميك بالحجارة، وستضيق الخناق عليك، ليتضاعف الألم إلى أن تتعلم الدرس، وتفهم التجربة، وتُغير ردة فعلك وانعكاساتك نحوها، لكي تعبر رحلتك بأفق متسع ورؤية واضحة، وتتخطى تجاربك بعقلانية، فالحياة مدرسة استاذها الزمن ودروسها التجارب.
2598
| 10 مايو 2023
تعصف بنا الحياة، نسابق دوران كوكبنا، لتنقضي الأيام وتمضي السنون، تمر الليالي والساعات ليلة بعد ليلة ويوماً بعد يوم وساعة بعد ساعة، لم نعد نحصي الدقائق المسرعة، ما بالك بتلك الثواني واللحظات الخاطفة، التي فقدت بالأحداث بريقها وطمست الوقائع معالمها، لندور في حلقات مُفرغة، أفقدتنا ذكرى الغبطة المُطمئنة، ولذة السكينة والراحة المُشرحة، فاعتدنا غياب المشاعر المُرضية، والسعادة المفرحة، لتغدو الأيام المُجحفة أبوابا وممرات تأخذنا فيها للتعاسة والحزن السرمدي. بسبب تجاهلنا مواجهة ذاتنا وتحديد مدى استحقاقنا لهذه المشاعر المبهجة، التي نطلقُ عليها سعادة، لتشابك حروفها وقع جميل على المسمع، يرجوها الجميع ويضعها من أهم أهدافه، لأنها تُطمئن القلب وتشرح الصدر وتريح البال، فاختلفوا في تعريفها البسيط لحد التعقيد بسبب تباين مسبباتها ومصادرها التي أحالتها صعبة المنال ومستحيلة الاستمرار والتكرار. رغم فروقاتها عن المتع القصيرة وجيناتها الوراثية إلا أنها حالة مُكتسبة يمكن إدخالها بتبني ثقافة التفاؤل، وتعلمها لتصبح أسلوب عيش، من خلال مؤشرات سلوكية تدل عليها، فالحياة نعمة والبهجة شُكرٌ للخالق، علينا أن نتوق إلى تذوقها للوصول لحالة الارتياح عند إيماننا بأن هناك دوماً مخرجاً من المشكلات في حال حدوثها، فنُدرب عقولنا على أن ترى النور وسط الظلام مهما كان حالكاً، ونبعد أفكارنا عن اجترار الماضي والتركيز على زيادة العائدات العاطفية بالمستقبل لتحفيز المشاعر والتخيلات الإيجابية التي تفرز مشاعر السعادة النابعة من العمق، والتي تفاوتت درجاتها عند الأشخاص، لكونها حالة يحكم من خلالها الفرد على حياته فيما إذا كانت مليئة بتلك الذبذبات المنعشة أو خاوية منها، كُلٌ حسب تعريفه ومصادره وقناعاته التي تُحفز لديه هذه المشاعر عند استعراضه للإجابات عند طلب معرفة الأسباب. سؤالٌ بسيط يعتمد على شفافيتك لتعريفك الخاص لتلك القوى الخارقة التي تحتويك عند القيام بأمر مُحبب لقلبك، قد تدخلك الإجابات لعالم الراحة والأمان وقد تأخذك لغياهب التذبذب والهلع، فبمجرد محاولة استرجاع أسباب غياب تلك المشاعر، ستلوح على الفور كمية المشاكل والمعوقات التي اعترضت طريقك، والعقبات التي أفقدتك الأمل بوصولها إليك، لتدخل في دوامة درجة استحقاقك وطرق الوصول لهذه المشاعر والحفاظ عليها، في حين أن البعض قد يتسرع في فرضية استحقاقه لهذه المشاعر فيؤكد حرصه عليها ورغبته الشديدة لها ومن ثم يقف حائراً في كيفية الوصول إليها أو تنفيذها. كما أن هناك من يربطها بمرحلة محددة توفرت فيها وسائل تلبية الاحتياجات مع ندرة الاهتمامات وانعدام الخبرات وتجاهل الماديات. دعني أنعش ذاكرتك، إن لم تكن الآن قد لاحت لك مقتطفات من طفولتك السعيدة، وأنت خالٍ من المسؤوليات والمتطلبات. لذا حاول أن تتخيل ابتسامتك الفارغة وهمومك الصغيرة التي كانت تُبكيك بين الحين والآخر، وكيف كُنت تتجاوزها سريعاً بفضل كلمة طيبة أو لعبة صغيرة أو حتى قطعة حلوى. حين كان هيناً عليك تخطيها ومسحها من ذاكرتك الفطرية، ففي لحظات ينقلب حزنك فرحاً وغضبك رضا، لكن الآن تغيرت الأحوال وتعقدت الأفكار واختلطت المشاعر، فأصبحت تتكبد المشقة في تجاهل التفاصيل الصغيرة بل تُضخمها لتبدو لك كالطود الذي يصعب تجاوزه. لسنا غافلين عن مرارة الأوقات والظروف التي قد تجبرنا على التعاسة والحزن لتتلبس مشاعرنا لعدة أيام أو شهور في أقسى أوقاتها، ولسنا ناكرين تراكمات الصدمات والخبرات السابقة، ولكن يجب أن لا نسمح لهذا السواد والمناخ التشاؤمي بالتحكم بنا وتغليف قلوبنا وأحاسيسنا، فنحن من يختار ترجمة الأحداث، والتصرفات، والكلمات، والتعامل معها بناء على استعدادنا النفسي، وبُعدنا الثقافي، علينا تعمد حلحلة أقفال أبواب الفرح، لينساب دفء المشاعر لقلوبنا فيزيدها حيوية وانشراحاً. هذا الشعور النسبي الذي يتفاوت البشر في امتلاكه وقلة منهم يتحكمون في أجزاء كبيرة منه بحياتهم، وليس معظمها، هناك من حَرّمه على نفسه وربطها بالأشخاص والماديات والأماكن والزمن الذي وجد فيه، ليضيع بضياعهم ويهتز لتذبذبهم. جاهد لتخرج من شرنقة الأحزان، وافرد جناحيك مُحلقاً لاستشعار كل المعاني التي تعني لك وتفرح قلبك وتُبلغك مبلغ الرضا، فليس فخراً ألا نسقط، ولكن الفخر بنهوضنا كلما سقطنا، ووقوفنا أمام كل التحديات. فالسعادة قرار إيجابي، إن لم تسعَ إليها فقد لا تجدها، لأنك لم تبحث عنها أصلاً، كما أنها لن تهبط عليك من السماء إن لم تزرعها في أرضك وتسقيها على الدوام.
4554
| 27 أبريل 2023
عجيبةٌ هي الحياة، تغمرنا بسخائها، لنغرف من باطن ينابيعها، فنشتم رحيقها ونلعق من صافي عسلها، تنفتح شهيتنا مطالبين بالمزيد، بعد أن باتت نعمها ثوابت واقعية، ومنحها هِبات ربانية لن تنقطع، مما ساهم في إثارة مطامعنا، وارتفاع سقف رغباتنا اللامحدودة، التي تجبرنا على التدافع خلف ملذات الحياة وزينتها لاهثين، لنخوض مع الخائضين، نتورط في معاركها الهامشية، وننساق لتفاهاتها مُدققين بصغائر أمورها، تسرقنا أيامها ولياليها الحالكة، لنتوه في دوامة الأهداف، ونضيع في بوتقة الاحتمالات، باحثين عن مخارج آمنة وأمنيات مُحققة. وما نكاد نقطع الطريق ويُخيل إلينا أننا وصلنا لمُبتغانا، حتى تلوح بالأفق سبلٌ جديدة، فنعدّ العدة مرحبين فاتحين لها ذراعينا مشمرين سواعدنا، مُفعمين بالنشاط والعزيمة والإصرار، نتطلع للقمم التي لا نقبل سواها، بهدف تعزيز مكانتنا وتحقيق ذاتنا، مرددين ما يتناسب وينسجم مع توجهاتنا من مصطلحات وعبارات وحكم، لتعزيز وتأصيل المعتقد الذي نتبناه، كالمثابرة والهمة العالية والطموح المطلق وتوثيقها بأن العمل عبادة، وبأن الفرص لن تتكرر، فضياع أحد المطالب قد يكلفنا كثيراً في زمن متطلباته الحياتية لا تتوقف، ورغباته تنمو باستمرار وتتضخم، علاوة على أن الحياة لا ترحم، والبقاء للأقوى. وهكذا ندور كحبة قمح في طاحونة الحياة، لتأخذنا في رحلاتها التي لا تَكفُّ عن الدوران وهي تطحن عواطفنا وتسحق مشاعرنا، لتموت المُتعة بعد أن غفلنا عن لذة الطريق لوصول الوجهة وبلوغ الغايات. عندما نتأمل هذا المنطق المُعاكس الذي أفقد حياتنا الثمرة الطيبة، نجد أن أكثر ما لهثنا خلفه لا يستحق، وأغلب من ضحينا من أجلهم اختفوا (ما لم يتحولوا لخناجر بظهورنا)، وما ظننا أنه مصدر سعادة جلب لنا التعاسة والشقاء، في حين أن الكثير من المتع التي رمتها السماء إلينا تلاشت كفقاعات الصابون لأننا أدرنا لها ظهورنا بتكريس جُل اهتمامنا لمعرفة متى سنصل وكيف ولماذا، ندور في حلقات مُفرغة دون أن ندرك أن الطريق لبلوغ القمة أجمل من القمة ذاتها، وأن ما كنا نبحث عنه موجود بداخلنا ولكننا لم نتمكن من رؤيته أو الاستدلال عليه. فمن المؤسف أن هناك من لا يجيدون فن العيش وإن كان يُطلق عليهم أحياء ويمارسون طقوسهم كالجميع، إلا أنهم فقدوا أرواحهم في هذه الرحلة، فلم يتوقفوا للحظة ليتفقدوا فطرتهم ويمتَنوا للنعم المحيطة بهم، كما أنهم لم يتفكروا بمصيرهم بعد انقضاء كل هذه الزوابع، لانشغالهم بمراقبة وفهم الآخرين وتوجيه النقد لهم، بالإضافة لحالة الترقب واليقظة التي يتبنونها للدفاع ومزاحمة كل من تسول له نفسه انتزاع اللقمة من أفواههم، ولا يعنيني هنا من تؤول إليه، بل من سيستمتع بهذه اللقمة أكثر ويستشعر جمالها ويتلذذ بمذاقها، لأنها لن تذهب إلا لمن يستحقها. ولست أحثك على التكاسل بالقيام بواجباتك والتنازل عن حقوقك، أو تخفيض معدل استحقاقك والتوقف عن التخطيط والسعي لمستقبلك، بل بالعكس فأنا أدعوك لها. لكن.. وأنت تفعل كل ذلك لا تغفل عن تحسس النعم لتدوم، طمئن قلبك ليرتاح، تصافى مع ذاتك لتسعد، تقبل الآخرين بمفارقاتهم لتندمج، أحسن نواياك لتُرزق بها، كُن واضحاً لتسلم، وصادقاً لتُحترم، كُف عن التذمر والانتقاد لما يفعله الآخرون والأسف على ما ليس لديك، انشغل بذاتك، ولا تكن لحوحاً فما هو لك سيبقى وما ذهب إنما هو لغيرك، املأ قلبك بالرضا، وتمنَّ الخير للآخرين وإن كانوا أضدادك، فلا تفقد أجمل أوقاتك في التوتر والخوف من الغد الذي لم ترَه وغير مضمون، أو الماضي الذي لم يكن لك به يد ولا يمكن تغييره. تعلم كيف تستغل اللحظات التي بين يديك الآن، استمتع بكل تفاصيلها لتكون في المستقبل ذكرى جميلة تفخر بتجاوزها وتبتسم لذكراها، وليست مجرد ذكرى تُقدر قيمتها، فلا تُبقِ المواقف والأحداث المؤلمة حية في ذهنك، بل أعد انتباهك باستمرار إلى اللحظة الحالية الأصيلة الخالدة بدلاً من الانغماس بصناعة الأفلام العقلية التي تنقلك بين الماضي والمستقبل وتفقدك الحاضر الذي تعيشه الآن بلحظاته التفصيلية ويمكنك التحكم بها، كما يمكنك اختيار الاستمتاع بها أو تجاهلها وإهدارها. فهذا قرارك، هل تُفضل أن تخسر المتعة وتقود طريقك الوعر لتحتفل بنجاح الوصول عند خط النهاية، أم توفر عليك الكثير من العناء ببناء جسور عبور تتخطى بها تلك الصخور التي تعترض طريقك لتُيسر وصولك، وتتلذذ بالرحلة.
3210
| 20 أبريل 2023
نتجرع ألم الخيبات ونحن نرمي حمولة أثقال عثراتنا ونواقصنا، على الآخرين، مؤكدين عجزنا الشخصي وقلة حيلتنا. فمن أيسر الحلول إيجاد من يحمل هذا القصور الكامن بأعماقنا، وينتشل عقد النقص التي تؤرق مضاجعنا، لم لا؟ ونحن نحارب لنُبدع في رسم صورنا المُزيفة، بابتكار الأعذار الواهنة واختلاق التبريرات لتمتص شوائبنا ونُرضي غرورنا. نتفاوت جميعنا في رمي أخطائنا اللامتناهية على الآخرين حين السقوط فقط لنبرر الفشل ولنحمي أنفسنا من الانكسار والدونية، فهي أسهل الحيل اللاشعورية الدفاعية، التي نخوضها بإلصاق النقائص والرغبات المكبوتة بالآخرين بعملية هجومية تُخفف من القلق والتوتر الناتج من مواجهة سماتنا الشخصية بكل شوائبها. ولإثبات صعوبة الاعتراف طلبت من أحدهم أن يذكر لي خللا يجده في شخصيته أو صفة مُعيبة يأمل التخلص منها، فتغيرت تعابيره، ورمقني بنظراته الحادة، ثم اعتدل بجلسته، وقد ارتسم على وجهه الاستنكار لسؤال مُباغت يتطلب تفكيراً عميقاً. لكنه سرعان ما جاءه الفرج فتدارك أمره بنكران جازم لوجود عيوب ظاهرة أو باطنة. ثم طأطأ رأسه مُستسلما ليستهل إجابته بأسئلة تبريرية لكل موقف تعرض له أو فكر تبناه، مُعللاً تصرفاته ومشاعره بكونها انعكاسا لتصرفات الآخرين، فهذا الشخص يكرهه وذاك يستغله والآخر يكذب عليه. مؤكداً قناعاته بترديد عبارات الاستعطاف كقوله: أليس من المزعج أن يتصرف الآخرون على هذا النحو؟ ألم يُفترض أن يعمل فلان كذا؟ وهل من الطبيعي أن تقول فلانة ذلك؟ لماذا يسيئون فهمي ولا يُقدرون عطائي؟ لماذا لا ينشغلون بأنفسهم عني؟ وهكذا يتمادى متقمصاً دور الضحية التي تآلف العالم على أذيتها، فطيبة قلبه وصفاء نيته جعلت من حوله يتعمدون إزعاجه ويتفننون في إثارة قلقه وإخراج أسوأ ما فيه. فاستوقفته قائلة: حسناً، دعك من كل ذلك وأخبرني عن أي خلل تراه في شخصيتي أنا؟ وقبل أن أُكمل جُملتي، رمى جوابه سريعاً دون تردد أو تبرير وأطلق أحكامه بمسميات صريحة لسمات ذاتية هو فقط من يراها فيَّ بوضوح، وكأنه قد دب فيه الحماس لإجابات ناضجة حان قطافها لتقطيعها وتوزيعها. ولولا طلبي منه التوقف كي لا تضيع نقطة البداية لجلدني بسوط أحكامه، ولا يعني ذلك بأني خالية من التناقضات، مُتعافية من الإسقاطات. لكن سهولة إصدار الأحكام على الآخرين، أنستنا رؤية دواخلنا، واستكشاف خبايانا، وإننا المسؤول الأول والأخير عن كل ما يحدث بحياتنا، لنتعلم كيف نتجاوز العقبات دون الهرب منها بتعليقها على أكتاف الآخرين كشماعة نُسقط عليها كل ما يستصعب علينا تفكيك رموزه، كما لن يستطيع أحد أن يؤثر في حياتنا إلا إذا سمحنا له بذلك، فما نفكر به ونعتقده يُغذي توقعاتنا وأفكارنا الدائمة، وما يفعله الناس من حولنا ما هو إلا نتاج قراراتنا وتصرفاتنا. فهي عملية لا شعورية بحتة يتبعها الفرد حين يُسقط حكمه على الآخرين فينسب سماته الذاتية وعواطفه وميوله إليهم كقوله فلان يكرهني ليخفف من إثم مشاعرة الدفينة تجاه ذلك الشخص الذي يحمل له مشاعر الكراهية. وذاك كاذب ليغطي عدم صدق نواياه مع الآخرين. كل ذلك يعود لعدم قدرته على الإدراك والاعتراف بوجود هذه الصفة في العمق الخفي. كم هو باهظ ثمن تلك الأقنعة التي تحول بيننا وبين أعماقنا النازفة، لتزييف واقعنا فتُحيل حياتنا لصراع دامٍ يشل مشاعرنا ويبتر علاقاتنا. فتشويه الحقائق بحثاً عن عالم مسالم، خوفاً من مواجهة الواقع القاسي لن يجلب لكم سوى المزيد من الأذى. فلنسمي الأسماء بمسمياتها، ولا نسقط الأفكار الإيجابية على ما هو ظاهره سلبي لنحمي أنفسنا من الحقيقة المُرّة. لذا جرب ألا تكن مُحاميا على أخطائك وعلى أخطاء غيرك قاض، انشغل بنفسك فقط، هذبها واستكشف نواقصها. فالذات الواعية هي التي تدرك ما فيها، تعي وتحاسب وتصحح ذاتها، لا تنشغل بنواقص الآخرين بقدر ما تُدقق في خباياها التي جذبتها إليك لتسقط عليها أجزاءك المتناثرة. واجه ذاتك، حمِّلها مسؤولية ما آلت إليه، انتبه! لكمية توجيه اتهاماتك للآخرين، ولاحظ ردة فعلك عندما تُوجه إليك أصابع الاتهام، فإن ارتبكت مشاعرك وخُيِّل إليك بأن كُل من يختلف معك يُعاني من مرض نفسي وصفة سيئة مُعينة، فعلى الأغلب أنت من تحملها وتعاني منها ولكنك تخشى الاقتراب منها لذلك تسقطها على الآخرين، ظناً منك بأنك تبعدها عنك، في حين أنها ستظهر بمحيطك وستتأذى منها إلى أن تفهم الدرس.
2784
| 13 أبريل 2023
نقتطف ثمرة أعمارنا لنتذوق طعمها الذي قد يكون سائغاً عند البعض وعلقماً لدى آخرين، بعد مضي معظم أيام العمر الزاهية، لتطوف بنا الأيام ونحن نتقمص أدواراً قد لا تناسبنا، متوشحين أثواباً غريبة لنبدو كما خُيل إلينا في أجمل حال، نلهث خلف الكمال والمال، لملء خزائن عواطفنا شبه الفارغة، متفحصين لكل التفاصيل الصغيرة التي تثير فينا قلقا غير مبرر، متشككين مرعوبين من خفايا العمر، فبعد أن تلذذنا بفاكهة الربيع التي لم يأت وردها مُطيعاً بسبب حرارة الصيف الحارقة باغت أزيز الخريف أوراقنا الصفراء لتتساقط متشبثة بالأرض، إلى أن يجرفها مطر شتائنا ويسحقها زمهريره. كم هي سريعةٌ في إبادتنا هذه الفصول عندما نستسلم لطقوسها وتجبرنا على أن نحنو لقيظ صيفها في عز شتائنا ونطمع في ربيعها ونحن على مشارف الخريف، لتتوالى سنواتنا نقصاناً بدل أن تضيف لنا عمراً. أليس بالإضافة حسابياً وعملياً نكتمل؟ أم أن هناك حسابات أخرى نجهلها تسوقنا فيها أيامنا وليالينا لحتميات مُتطابقة؟، لنسير نحو التناقص لا الزيادة بإرادتنا، رغم تيقننا بأن اللحظة التي سنفقدها لن تتكرر، ولا يمكن تعويضها، إلا أن اختياراتنا هي التي توجهنا وتحدد مصائرنا محتكمين فيها لعقولنا تارة ولأفئدتنا تارة أخرى، فنميل فيها للإيجابية والأمل لتسيير عبورنا الخط الزمني ويميل غيرنا للتشاؤم والسواد لتضمحل فرصه وتنقطع خطوطه. لذا فمن تسلح بالتفاؤل ليعيش العمر ربيعاً دائماً يزهو بأزهاره، متقناً لفن الحياة، بارعاً في تنسيقها لتتناسب مع مرحلته العمرية، منتقلاً بين بساتينها النظرة مستمتعاً بمنظرها الخلاب الذي يسحر فؤادهُ كُلما نبتت شجرة وتفرع لها غصن، متجدداً مجتهداً لا يمل ولا يكل، يزداد تألقاً وجمالاً وإبداعاً كلما زاد عمره رقماً، ليبلغ التوازن النفسي بفطنته ونقاء قلبه المملوء باليقين في خيرة كل الأقدار، هو من تلذذ بمواسمها وفاز بقواسمها. بعكس من يضيع في دوامة الممكن واللا ممكن فيفقد وسائل التحكم لتضيع بوصلته وهو محاصر بالسلبية، لا يكف تذمراً من قساوة ظروفه الملتهبة وتعقيدات مراحله المتشابكة ليغرق بحرارة جفاف صيفه القاحل فلا يرى سوى سراب يلهث وراءه، باحثاً عن مشاكل الآخرين دون أن يجد علاجاً لعقدته الدفينة تحت ركام قسوة أيامه ولياليها المظلمة، محترقاً بنهاره الطويل ليذبل سريعاً بعد أن فقد شغف الحياة. أما من تعثر في غياهب الخريف فقد جفت إمداداته وتصلبت قواه، وتجردت غصونه كأعجاز نخل خاوية، فلا يملك سوى حسرات تنهش فؤاده على ربيعٌ مضى، تستشفها من سرد أمجاده وتشبثه بزمن مسروق. في حين أن هناك الكثير ممن يعشق المواسم الخريفية ويترقب تساقط أوراقها لتضفي عليه جمالاً راقيا، منتشياً باللون الرمادي الذي يتسلل خصلاته، ليفوح بعبق التاريخ إجلالاً وتوهجاً، فلا تقلقه تجاعيد زاحفة ولا يحارب الأزمان المُجحفة، بل يرتشف الواقع بتلذذ غير معهود، مُقدراً لكل قيمة زمنية تنقضي، مستقلاً لكل فرصة تنجلي لتدفعه للتفكر والإدراك، لتشمله همة الحماس متوجة بالإبداع والتميز، حتى يهزه هواء يُنبئ ببرودة قادمة، يشرع لها أبوابه ويسمح لها بالمرور لتلفح نسماتها وجهه الباسم. ليبلغ موسم الشتاء، فيكتشف انه ودع اخضرار الحياة وربيع الدنيا الذي ولى منذ زمن بعيد، وافتقد حرارة الخيبات التي كانت تُبقية متصلاً بالآخرين، واشتاق لهدوء الخريف المُتميز بألوان الوقار والحكمة، فلا مناص الآن من استقبال الصواعق الثلجية، ليتجمد في صقيع الوحدة، بعد أن توقف الإنتاج والعطاء وانشغل من بقي حياً من الأصدقاء بتيبس مفاصله ووهط قلبه، فضاعت الذكرى بالخرف، لتنتهي حقبته الزمنية. إذا فالأمر بيدك لاختيار الأفضل والذي تراه مناسباً، بحسب درجة التوازن التي ستتبعها في الاحتكام للعقل والمنطق الذي يكون عمادا لمعظم قراراتنا، دون أن تغفل استخدام العاطفة الوسيلة المحركة والمسيطرة لجميع تلك القرارات والتي يستخدمها الجميع ويبررونها بالحقائق، فنسبة التوازن والتحكم في التفكير والمشاعر جديرة بأن تغير حياتك إذا اقترنت بالتفاؤل. لذا فمن يحتكم للعقل فقط ويقيس العمر بالسنوات فلقد طمس مشاعره لتتبلد أحاسيسه وتتجمد رغباته، ومن استند لعواطفه قاس عمره بالمستوى الروحي ليتراوح بين الطفولة والشباب والنضج والشيخوخة مستسلماً لفصوله القهرية، في حين من يتزن بينهما ويميل للتفاؤل وحسن النوايا يتوقف الزمن عنده فلا يعترف بالأرقام لتسمو روحه وتسعد حياته ويتصالح مع ذاته، أما من يجنح للتشاؤم فيشيخ معه العمر وإن كان بربيعه.
1341
| 06 أبريل 2023
ساقتني قدماي للعديد من الطرقات الحياتية التي تجولت بها واستكشفت خباياها وعبثت بمحتوياتها غير مكترثة بعواقبها عمداً وجهلاً في آن واحد، فاليسير منها مر مرور الكرام دون تذمر أو ذكرى كالسحاب تأخذه الرياح بعيداً دون عودة، اما الطرق العسرة فلقد بقيت تلوح بوشمها على أضلعي وتستنزف طاقتي، بسبب ممراتها الضيقة التي اطبقت على انفاسي وقيدت تحركاتي لتعيق سيري بأرضيتها الوعرة حتى بات بفوهة الطريق حمم تغلي قاذفة بجمراتها الملتهبة كل الضعفاء والابرياء من حولي، لتحرق اليابس قبل الأخضر في سبيل ان يبرد جوفها وتستعيد استقرارها الباطن الذي لن تبلغه حتى يهدأ الضجيج وتكتشف الدمار الذي خلفه جلد الذات بأعماقها. لذا قررت الاعتكاف ليتوقف الأنين وتُرمم الجراح ولينمو جناحيّ ويقويا استعداداً لانطلاقة جديدة وبداية جميلة لطريق يشع من فضاء رحابته نوراً، فلا تحط لي قدم ولا ابلغ السماء مُحلقة بين ارجائه مُنتشلة كل من يمد يده ليشاركني الطيران ويمتع ناظريه في طلعات استطلاعية لما يدور في ارجاء معمورة محطاتنا اليومية. لأكتشف جوهر دهاليزي التي حاصرتني لسنوات واتبين انني كنت احفر بأظفاري الدامية لتعميق الفجوات التي اسعى لسدها، وأجادل لأوقد رماد جمر مُنطفئ كان علىَّ تجاهله، كما ان هرولتي للهروب ما كانت إلا نحو العدم، فنظرتي المحدودة وتجاربي القليلة فاقموا حلكة الدروب واججوا ريبة الخلاص. بالغالب لا يفيق من يشارف على الموت إلا بصدمات كهربائية يرتفع ترددها لتبلغ العمق المُتطلب لإعادة نبض عروقه، فمنا من تكفيه صدمة خفيفة لتنعش قلبه وتزيل غشاوة عينيه ومنا من يتلذذ بالصدمات اثباتاً لصلابته إلى ان تدمره فلا يعود انعاشه ممكناً. لذا ايقنت بان التغيير لن يحدث ما دام الوجع لم يصل ذروته، التي بدورها تتباين درجاته بين الأشخاص حسب قوته ومعدل تكراره، فمقياس تحملك الخارق قد يكون طبيعيا عند الآخرين وما هو قاس عند البعض قد يكون مُستحملاً وهيناً عندك. فالحياة تستمر في قسوتها حتى نتعلم الدرس كيلا نكررها في نسختنا الجديدة التي نتدرج بها نحو التغيير الذي يستغرق سنوات صعودا وهبوطا لنصل للتوازن المنشود، فكلما حدث التغير بشكل تدريجي كلما كان أكثر عمقاً وثباتاً بعكس التغيرات السريعة التي قد تدعونا للتخبط وتؤدي لنفور الآخرين. جميعنا نتغير مع مرور الأيام وانقضاء السنوات بسبب تجربة مؤلمة أو موقف جميل أو لمشاعر مزعجة ارهقتنا أو لفكرة مبدعة لاحت في السماء، وقد يكون التغير للابتعاد عن علاقات مؤذية أو من أجل أشخاص رائعين دخلوا بحياتنا، هناك العديد من المسببات التي قد تحولنا لنسخ مختلفة، ولكن هل دائماً نكون نسخا أفضل؟ أم اننا قد نفيق من الصدمات والتجارب لنتغير للأسوأ الذي لن نكتشفه إلا بصدمة أخرى. فعملية التغيير ليست سهلة أو متوقعة خصوصا لدى الأشخاص المتورطين في ممراتهم الحياتية والعالقين في مصادرهم الطاقية، كما انه ليس هناك عمر معين للتغيير لذلك نجد الكثير ممن هم فوق الخمسين بمستوى وعيّ وإدراك مُراهق، في حين قد يكتشف شاب يافع مختصرات الحياة في وقت مبكر. ويكون ذلك من خلال معرفة المعادلة الصعبة التي لا يعرفها الجميع أو يتقبلها لعدم استساغة الوعي العام لعدد من الأسرار التي يحصل عليها المرء من جراء التعلم من الخبرات ورؤية ما خلف السطور ولا يكون ذلك سوى بالنوايا الحسنة ورفع درجة الاستحقاق الذاتي لتلتقط تلك المختصرات بتجارب فردية أو بمساعدة الآخرين والاستفادة من خبراتهم لبلوغ الطرق الميسرة لمواجهة الحياة المليئة بالتعقيدات. ولكن من الأمور المستغربة ترحيب البعض بالتغيرات التي تطرأ عليهم في حين انهم لا يستسيغون ويتقبلون تغير الآخرين من حولهم وكأنه يحق لهم ما لا يحق لغيرهم، فينعتونهم بالغرور والانانية لأنهم لم يعودوا ينسجمون معهم، والأغرب من ذلك عندما يتوقع منك البعض ان تكون نسخة مخالفة تماماً لما كنت عليه، فلا يجوز لك ان تظهر صفات نسختك القديمة ابداً وكأنك انسلخت من جميع تجاربك وأفكارك ومعتقداتك بين ليلة وضحاها. هذه توقعاتكم ولكن الواقع العملي يؤكد أن معرفتك ببعض الاسرار لا تعني بأنك تعلم جميعها، ونسختك الجديدة ستكون القديمة لاحقاً، فكلما بعروقنا نبض تضخ قلوبنا به الدماء سنواصل التعلم والتغير للحصول على نسخ أفضل تبحث على الدوام عن مختصرات مُيسرة لتجاوز ابسط الأمور وأعقدها.
1731
| 29 مارس 2023
من المنابع تتدفق الانهار لتشكل التيار المُحرك لانسيابية سريانها، مكونة المسطحات العذبة النقية التي تسري في شرايين الأرض لتعيد لجفافها الحياة وتروي عطش حقولها، مُتشعبة بقطراتها الندية لتغور في التكوينات الصخرية، تُغذيها العيون والينابيع الثلجية الضيقة لتنطلق في مسارها المحمي، غير مكترثة بما يصادفها، فهُناك من يمدها بالقوة ويؤمّن طريقها، أنهار لا تنضب ولا تجف متدفقة بالحنان والعطاء. انها الأم الينبوع الذي لا يتوقف جريانه، انها المصدر الذي يزرع فينا بذور الأمن والطمأنينة، ارتبطنا بحبلها السري لنمتص معادنها ونغوص في احشائها متوسدين عظامها، في احضانها تعلمنا المشاعر وبنينا صروح مجد قلوبنا، ومن خلال عينيها استكشفنا العالم وتعلمنا طقوسه، لامست اجسادنا بحنانها وتكفلتنا بطيبة قلبها وعطائها اللامحدود ليقوى عودنا ويشتد بأسنا. كبرنا وكبرت عليها ضغوطنا وهمومنا، لتُصبح الأذن الكبيرة لرغباتنا والبئر العميق لأسرارنا، تبنت أمنياتنا وتجرعت مخاوفنا لتحتوينا روحها الطاهرة بدعواتها المحفزة لتنير وتمهد طريقنا نحو الأفضل، تنتقص من حقوقها لنكتمل وتذبل أوراقها لنزدهر. فالأمومة ليست مهنة تقضي بها المرأة سويعات وتنتهي، أو يمكن تغييرها بل هي أعظم هبة منحها الله للنساء ليُكرمهن ويرفع من شأنهن، فهي أم لكل مخلوقات الأرض، وهي نفحة من نفحات الجنة، ونسمة من نسمات الربيع الدائم، تعتريها مشاعر الكون نحو فلذات كبدها، لترعاهم وتُلبي احتياجاتهم الفسيولوجية للبقاء على قيد الحياة، كما انها تمدهم بجميع الاحتياجات الاجتماعية والنفسية التي توفر لهم الأمان والاستقرار الداخلي. ان الحديث عن عطاء الأم لا ينتهي بيد ان لقواها حدا ولصبرها حدودا، فهل علينا استنزاف عمرها بالتضحيات والمسؤوليات المتراكمة، متجاهلين متطلباتها الخاصة وسلامها الداخلي في اختراق غير آمن لتفاصيلها وذاتها الملائكية. فما قامت به تُشكر وتؤجر عليه ولا يعني ذلك ضرورة استمراريتها في مراعاتك عندما تبلغ مبلغ الراشدين لتُكبدها عناء الاهتمام بأسرتك الجديدة، فإن قبولها ورغبتها بتحمل مسؤولية اطفالك ما هو إلا سلسلة لمُهماتها معك التي اعتادت عليها اثباتاً لأهمية وجودها كي لا ينقطع عطاؤها بعد ان تلاشت اهتماماتها الذاتية، في حين إنك بالعمق ترفض الاستغناء عن حاجاتك الطفولية من تدليل ورعاية، فالحلول السهلة هي الانسب، ولم لا فهي على الدوام تعرض خدماتها متناسية سنوات عمرها التي لن تعود، لتكون أنت فقط مصدر اهتمامها الأول. متى سيحين تخليها عن مسؤولياتك المتراكمة؟ متى ستفيق هي لوجودها البشري؟ وتستوعب بان هناك الكثير من الأمور التي فاتتها وهي تحرص وتفكر بمعرفة وتلبية متطلباتك اللامتناهية، ومما يثير الاشمئزاز مستوى وعي بعضهم الذي يؤمن بفرضية ان الأم دورها مُكرس له هو فقط، بتركيبة طمع مزدوجة تبرر له واجباتها تجاهه التي لا تنتهي، في حين الأدهى قيام فئة منهم بالوصاية على امهاتهم، فيتحكم بها ويصدر الأوامر ويفرض القيود بالنهر والتأفف لأن المجتمع اباح لذكوريته السيطرة والقوامة متناسياً احكام الشريعة التي تنص على القول الكريم والصبر الجميل. إلا ان أكبر الخطايا وأشدها مرارة من يتجاهل أمهُ ويهجرها أو يتطاول عليها ليُرضي كبرياءه الأجوف بعد ان سحرته مغريات الحياة، فتناسى فضلها وجحد معروفها، فهؤلاء هم من تحجرت قلوبهم وقسى فؤادهم وتلاشت الحكمة من عقولهم. انتبه.. أيُها المُتغافل، فلقد حان دورك الآن لتقوم برعايتها وتلبية احتياجاتها وتخليصها من كل مصادر التوتر والحيلولة دون رمي مهامك الحياتية عليها وكأنها شماعةٌ لنواقصك. اجعلها أميرة عرشك المبني بأناملها، وملكةُ حصنك المنيع بصلابتها، وسلطانة فؤادك المُفعم بمشاعرها، فلا تكسرها بعد ان صلبت عودك ولا تُجازي سيولها بتجفيف العيون والينابيع، استمع لاحاديثها وشكواها بصدر رحب دون جدال، تفنن في كسب رضاها وبلوغ جنتها، اسعد قلبها العامر بالمغفرة واملأ أعماق هوة مشاعرها بالرضا وتجمل بكلماتك أمامها وتفهم حساسيتها المُفرطة وقدر احتياجاتها البسيطة، قبل ان تبتعد عنك وتعض الأصابع ندماً على فراقها فَتفقدُ دعواتها القلبية وتُحرم من طاقة الخيرات السماوية التي تتلقاها كل صباح بفضل نواياها الوردية، بادلها الدعاء وهي على سطح الأرض قبل ان تُدفن بباطنها وتُغلق أبواب النعيم من تحت أقدامها. إنها سيدة نساء الكون التي وجودها لا يُقدر بثمن ولا يملأ فراغها أحد، إنها ست الحبايب التي رحيلها سيقصم ظهرك ويعلن نهاية شبابك، إنها أمي وأمك التي يحتفل العالم بعيدها الذي يصادف كل أيام العمر.
1251
| 22 مارس 2023
خُلقنا من نُطفة أمشاج، قطرة مخُتلطة لكل كائن حيّ، يحمل منها خليطاً من صفات الأسلاف والأجداد، تنغرس في جدار الرحم مع أيامها الأولى كانغماس البذرة بالتربة وقت الحرث، معلنةً عن بدء مرحلة التعلق التي نحتاجها لننمو ونتطور، ملتحمين بالخلايا والاغشية التي سنبلغ بها مرحلة الاستقرار الامنة، لتتكون اجسادنا ببطء دون تدخل ليد بشرية. ارواحنا فيها غير محمية من تلوث محيطها الخارجي الذي قد يبث فينا سمومه، إلى ان تحين لحظة الضغط على رئتينا لندوي بصرخات رعب من وجود لم نعهده، نتنفس بأعين حائرة باحثين عن تعلق آمن، لتبدأ أول مراحل الحياة الفطرية دون خبرات أو تجارب، صفحات بيضاء نقية لا تلطخها أفكار ومخاوف وتجارب مؤلمة، نتلقى فيها كل ما هو جميل و قبيح، كاذب و صادق، طيب و خبيث، دون تمييز بينهما فليس لنا حول ولا قوة، سوى مراقبة من حولنا وهم يتشاركون في تعبئة خزاننا الجديد، حرصاً منهم على ان لا تتكرر مأساتهم، فما تعرضوا له علينا تخطيه، وما عانوا منه يجب ان نتحاشاه، ليثرونا بخبراتهم الحياتية منذ نعومة أظفارنا، فيكيلون لنا من الأوامر ما يشعرنا بالعجز، لتتبدد الثقة بالتشكيك وتخور القوى بالترهيب. انها نواياهم الحسنة وقلوبهم المُحبة التي تُحركهم، لنتناغم مع محيطهم، فنكره ما يكرهونه، ونتّبع كل ما لهُ يميلون، وإلا فستُطلق علينا الاحكام ونتعرض للعقاب والحرمان، إذاً فليس أمامنا إلا الانصياع لكيلا نُنبذ من مملكة الحياة التي ألفناها ولا نعلم سواها. يحملنا بساط الأرض الممتد، مُدحرجاً عجلة مراحلنا العمرية، فتكبر همومنا وتتفاقم مخاوفنا، ونحن نتطلع لأهداف الآخرين ونسعى لتحقيق احلامهم التي لم تسعفهم مشاكلهم من تحقيقها، لنحمل اثقالهم مُطأطئين رؤوسنا إلى ان نبلغ نقطة التحول التي نفيق فيها مُكتشفين بأن احلامنا ورغباتنا مُغايرة ومخالفة لاسلافنا، فتحدث الكارثة التي تزلزل ارجاء معمورة ارواحنا المسالمة. ولكن دعونا نتساءل: هل جميعنا نكتشف ذلك؟ أو نبلغ هذه النقطة المحورية؟ ام ان هناك من يقضي طوال عمرة يرتدي ما خيط له ويسير بدروب قاتمة لا تناسبه، لإيقانه بان ما خططه الاخرون أفضل وأنسب! لأنهم أكبر وأحكم ويملكون من الخبرات ما يؤهلهم لرسم الطريق للآخرين والتخطيط لمستقبلهم. دوامة يعيشها الفرد بعد كل المكتسبات المجتمعية التي جعلت منه صورة مطابقة للآخرين، يخشى ان يطير خارج سربها، راضخاً لقيودها وقيمها المركبة، متعايشاً مع تناقضاتها المرعبة. ولا ادعو هنا للعصيان والتذمر، بقدر ما ادعو من يدّعون الحكمة من التوقف مع الذات، لاستيعاب نقطة واحدة فقط وهي بأن ما يناسبك ليس بالضرورة يناسب الآخرين وما يتناسب معهم لست مجبراً على تبنيه ليناسبك، لكون ما اكتسبته من الحياة ليس بالضرورة صحيحاً أو مناسباً لذاتك لتفرضه على الآخرين بحجة انه يتناسب مع محيطك الذي بدوره فرضه عليك. بلغنا القرن الحادي والعشرين، وما زال هناك من يرسم لأبنائه خارطة الطريق فيحدد مجالاتهم العلمية ورغباتهم الشخصية، باختيار رفقائهم وشركاء حياتهم، متشبثاً بقراراته لإرضاء محيطة المجتمعي غافلاً عن متطلباته الروحية التي حُرم منها قسراً، ليحرم منها اجياله تباعاً. كل ما اطلبه لحظة توقف مع الذات تتساءل فيها: هل كان بالإمكان ان أعيش بشكل أفضل؟ قد يسمح لك هذا التساؤل برؤية أبواب لم تفكر يوماً فتحها لأنك لم تلمحها أصلاً، لتثير بأعماقك مشاعر لم تلوثها التجارب والمكتسبات، مجردة من الواقع وخالية من الشوائب، ابحث عما يناسبك بداخلها واترك ما يناسب الآخرين لهم، فهم أقدر على تحديد اختياراتهم التي تتناسب واحتياجاتهم، فلا حاجة لان تبذل طاقة إضافية قد يكون ضررها أكبر من فائدتها وان كانت نواياك جميلة ومشاعرك خالصة. إلا ان الإجابات تعتمد على مرونة الفرد ودرجات وعيه بمستوى استحقاقه الذاتي وسط ظروفه الحياتية التي قد تفتح له فرصا جديدة بقرارات ذاتية، وقد تجره الى حتميات تبناها مجتمعة. لذا، لا تتجاهل كونها تجربة مخيفة، أن تعيش عقوداً طويلة من عدم اليقين، تترقب فيها المجهول، خوفاً من ان يخذلك جسدك والآخرون، تتعارك من اجل البقاء برفقة قائمة طويلة من الخيارات والاحتمالات السوداء الي لم تكن من اختياراتك والتي بالتالي لن تبلغ بها السعادة والرضا الروحي الذي خُلقت من اجله، لتعود لمتلازمة حتمية تثير جدلاً من حتمية فرصة أن تعود الى السديم العدمي الهادئ الذي يسبق مولدك.
999
| 15 مارس 2023
أليست المرأة هي عمود الحياة وأساسها؟، شاركت الرجل منذ بدء الخليقة في صناعة العالم وتطوره، عبدتها حضارات وسلبتها إنسانيتها حضارات أخرى، إلى أن جاء الإسلام ليقر كرامة المرأة ويضمن حقوقها، ليعاملها كشريك للرجل في الإنسانية لكونهم خُلقوا من أصل واحد. مما مكنها من لعب دور محوري في نهضة المجتمعات القديمة والحديثة لتثبت من خلال هذا الدور قدرتها على التغيير الإيجابي في تلك المجتمعات، فحضورها اللافت في مختلف جوانب الحياة وإصرارها على الوقوف بجانب الرجل ومساندتها له دليل على كونها عنصرًا أساسيًا في إحداث عملية التغيير في المجتمع. بيد أن الكثير من القيم والأعراف المجتمعية المكتسبة عبر الزمان شوهت كيان المرأة لتعلن التخلف عن موجة التقدم، لتخالف طبيعة الأمور، مؤكدة على أن تطور الأحداث والمفاهيم والتي غالباً ما تأخذ معنى أكثر تمدناً، كانت معاكسة مع قضية المرأة في بعض المجتمعات المتخلفة، التي مارست التمييز وحرمت المرأة من أبسط حقوقها كالتعليم والعمل وممارسة حياتها الطبيعية. مما جعل بعض النساء تتعايش مع حقوقها المسلوبة وكأنها لا تملك أي خيار سوى الاستضعاف والتجرد من طبيعتها الإنسانية، بعد أن سيطرت عليها الذكورة وأقنعتها بعدم الأحقية في امتلاك ما هو مملوك فِطرياً للذكر، الذي بدوره تأثر أكثر من المرأة بالمعتقدات المتوارثة لكونها تصب في مصلحة قوامته الأسرية ومنفعته الذاتية. وبالرغم من أن ذلك لا يخليه من مسؤولية التعصب والتحيز لجنسه البشري، إلا أن الرجال ضحايا كالنساء للأفكار والموروثات السلبية التي دمرت المجتمعات وأعادتهم للبدائية وهم في عصور النهضة. لكن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق المرأة ذاتها، لكونها هي من قبلت الخضوع والاستسلام، وتنازلت عن أبسط متطلباتها بالكرامة والعدل منذ أقدم العصور، فالصورة النمطية للمرأة لم تكن عادلة منذ قرون، مما استدعى ضرورة تحريرها من التقاليد البالية التي كانت تُكبلها. وبما أننا في القرن الأول من الألفية الثالثة، فلقد تطورت تلك الصورة وباتت المرأة في مصاف الرجال بجميع المجالات المجتمعية والعالمية، بدخولها معترك الحياة السياسية والاقتصادية ونجاحها وإبداعها في جميع المحاور والمسارات، ليقاس تطور الأمم بنسبة المشاركة النسائية فيها إبرازاً لتقدمها وتحضرها. بيد أن ما زال هناك نساء اكتفت بدورها الفِطري، ولا ضير في ذلك إن كانت راضية كل الرضا، بعكس اللواتي يتعرضن للاستبداد والسيطرة ويشعرن بالعجز حيال الظروف المحيطة بهن، دون المطالبة بالحصول على حقوقهن الطبيعية، فتمردهن سيؤدي إلى تفكك الأسرة التي هن عمادها. عزيزتي الأنثى تذكري بأنه لا أحد يستطيع أن يجعلك تشعرين بالنقص دون موافقتك وتقبلك للأمر، فلا تغفلي عن سحرك وطقوسك المختلطة بذكائك المتقد، فأنتِ شديدة الملاحظة ويُمكنك أن تجيدين القيام بعدة أمور بذات الوقت وهي ميزة ميزك الله بها، كما أن المرأة الحكيمة لا تُريد أن تكون عدواً لأحد وترفض أن تكون ضحية، فلا تتكاسلي في استخدام تلك المنح الإلهية، لترددي بأن لا حول لك ولا قوة، في مجابهة الصعاب وتخطي الأزمات، لتعيشي دور الضحية الذي لم يعد منسجماً ومناسباً في ظل الثورة المجتمعية التي تعيشها النساء على سطح الخليقة، تنتمي فيها المرأة إلى جميع الأماكن التي تتخذ فيها القرارات، دون استثناء لجنسها. تخطت الحواجز وكسرت القواعد حتى بات شعار يوم المرأة العالمي عن المساواة بين الجنسين في الابتكار والتكنولوجيا، وأنتِ لا تزالين في جحرك منعزلة تبحثين عن فُتات ترمى لك، لاعتمادك مادياً على الرجل الذي حرمك من إكمال تعليمك أو مُزاولة وظيفة تُشعرك بكيانك المجتمعي وحضورك البشري الذي لا يتنافى أبدا مع قيامك بدورك كأم وربة أسرة، إلا أن أغلب الرجعيين منهم ينزعجون من استغلال المرأة المادي ويرونه خطرا على سيادتهم الذكورية. بالرغم من أن قرار الاستسلام كان قرارك وإن فُرضت عليك بعض المعتقدات والممارسات، التي فُرضت على غيرك ولكنها تمكنت من الصمود والوصول لأعلى الشهادات وتفوقت مهنياً بجميع المجالات لتنافس وتواكب مجريات العصر. فإنها لم تنسَ دورها الأساسي بالاهتمام بأبنائها بتربيتهم التربية الصالحة فربت فيهم الهوية وحب الوطن والاجتهاد كما أنها تتصدى لجميع العقبات والتحديات التي يمر بها العالم من ظروف سياسية واقتصادية وصحية وتعليمية، لتُظهر المسؤولية الاجتماعية بقيامها بمهام مضاعفة من أجل أسرتها ومجتمعها ووطنها. لذا فبعد أن ذابت جميع الحدود المُصطنعة، عارٌ عليك ارتداء عباءة الضحية.
3654
| 08 مارس 2023
نتخبط في وسط حالك، تتعارك فيه الأفكار السوداوية، متلمسين بتوجس مخاوفنا، دون الخوض في غياهب الصدمات التي نظن بأننا كلما ابتعدنا عنها أكثر وتجاهلناها سنكون بمأمن من مشاعرها المؤلمة التي رافقتنا بالماضي، غير مدركين بأن ثمار ما نحن فيه اليوم ما هو إلا نتاج مفعولها السحري المتجدد في أحداثنا اليومية. فكل المعارك النفسية والمشاعر والأفكار المتراكمة منذ نعومة أظفارنا، تطفو على السطح بين لحظة وأخرى لتُدير دفة القارب المتهالك، بلا طوق نجاة، تجرفه تيارات البحر الهائجة لنعتاد على دوار البحر بين الأمواج العالية ونألف عذرنا الواهن بحتمية الواقع، مكتفين بالدعوات والأمنيات لتهدأ العاصفة قليلاً فنتمكن من التجديف بأطرافنا العارية المتثاقلة عسى أن نبلغ البر الآمن ونهنأ بالراحة والاستقرار النفسي، بالرغم من إدراكنا الحقيقي بعدم امتلاكنا للمرساة التي تُلصقنا بالأرض، لنبقى في ريبة من مجهول قادم يُعكر صفو ثباتنا الوقتي. شريحة بشرية تدور في دوامة لا متناهية دون إدراك، رافضةً التغيير، متشبثةً بصحة معتقداتها وصواب منطقها الفكري، ولم لا فممارساتها تتناغم مع صدى الفكر المُتبنى، لكون الحياة دائماً تُثبت لك ما تعتقده وتؤكد لك صحة أفكارك بأن تحيطك بالشواهد والحقائق التي تتناسب ومستوى وعيك وقناعاتك بتلك الفترة، لتحقق غنائمك السطحية. قد يحدث أن تتغير جزئية فرعية في أحد المعتقدات الموروثة أو المكتسبة مما يستدعي أن يتبعها تغير بتوجهك مقروناً باتساع أكبر للمنظور والواقع الحالي، وهنا يتوجب عليك التقبل الضمني لما كان من سابع المستحيلات في نسختك الأولى، لتعود الحياة مرة أخرى باستعراض كل ما يؤكد أفضلية الفكر الحالي ومرونته، حتى تنتقل لمستويات أعلى من الوعي وهلُمَ جرا. ولا أسرد ذلك تنظيراً، فواقعي وواقع أشباهي يُحاكي المراحل الانتقالية التي تؤكد تغير الفكر وتناغم الحياة لتوطين قناعة مكتسبة بأن الإنسان تتغير خلاياه كل سبع سنوات بالمتوسط، بعد أن ثبت علمياً أن الخلايا الإنسانية تتجدد بعد انتهاء دورتها المحددة. وبالرغم من اختلاف الباحثين وتباين آراء العلماء، إلا أن هذه المعلومة الصغيرة فككت العقد بتغلغلها بين القيود لتفتح بوابات مضيئة للتجوال في بحور الفكر المتباينة واستنشاق رحيقها العذب الذي تسلل في أعماقي مُنذراً عن عهد جديد لم تكن لي دراية بوجوده. لأُعلن عن ولادة شخصية مُغايرة.. ليس شكلياً، بل بعمق المشاعر التي باتت تحتويني لمحيطي القريب والمساحات الرحبة في فضاء كوننا الفسيح بجمالياته المعقودة بترانيم الفرح، متسلحة باليقين التام بأنه لن يصيبنا إلا ما كتبه الله لنا وإن كان شراً ظاهراً ففي باطنه خير، مُدركة لطف الله بقلوبنا قبل عقولنا، مُغلفة مجراتي العقلية بالطمأنينة بقدرته وعظمته التي تحيط بنا وبدقائق أحوالنا، متسلحة بالهدوء لبلوغ قاع الصدمات وعبور كهوف القلق التي ظننت بأنني قد تجاوزتها، لأتحسس مواضع الجروح وأفقأ دمامل الألم، مستحضرة كل تفاصيلها المزعجة ومشاعرها المكبوتة، بعد أن بات عفنها مزعجاً لمن هم حولي. لم يكن الأمر سريعاً أو هيناً ولكن العودة لفتح تلك الملفات البالية ورفع طبقات الغبار المتكدسة حولها، خفف من حملها لتطفو على السطح مستسلمة لملمة أطرافها وتوابعها وآثارها لتكديسها في حقيبة صغيرة تمهيداً لرميها في سلة المنطاد المتحفز للتحليق، مُغيباً عن الأنظار.. أراقبه ملوحة لوداع دون رجعة، مؤكدة تصالحي معها وأفضلية حياتي بدونها. لذا، حاول أن تدرب عقلك على فكرة أن لكل معضلة حلا قد لا تراه الآن ولكنه موجود، فلا تُلقِ اللوم على الآخرين وتطلب منهم أن يتغيروا ليتناسبوا مع رغباتك ومتطلباتك. ابدأ بذاتك.. غَيِّرها.. نظفها من الشوائب والصدمات، لتتخلص من مخاوفك وقلقك.. ثم لاحظ الأفكار التي تتبناها وحَدِّد مصادرها دون استعجال، لاستئصال الضار منها وتعزيز النافع، فبالتدرج ستحصل على التغير الذي يناسبك وينسجم مع منظورك وبالتالي ستتغير أحداثك وسيتناغم من هم حولك بتغيرك، مما سيحيطك بغلاف مريح من الرضا النفسي الذي سيجعلك تتقبل كل ما هو مختلف، وتؤمن بأن ما يناسبك اليوم قد لا يناسبك غداً وما كان غير ملائم بات اليوم مناسباً جداً، لتخرج من دوامة الاحتراق الذاتي التي شَلَّت أفكارك، نغَّصَت سكونك، أربكت حياتك واستنزفت طاقاتك بمخلفات الصدمات التي ليس لك يد فيها أو ذنب لتحرمك متعة الاستمتاع بوقتك الحالي.
1890
| 02 مارس 2023
مساحة إعلانية
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا...
7911
| 13 أكتوبر 2025
انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت...
6948
| 14 أكتوبر 2025
المعرفة التي لا تدعم بالتدريب العملي تصبح عرجاء....
2844
| 16 أكتوبر 2025
في ليلةٍ انحنت فيها الأضواء احترامًا لعزيمة الرجال،...
2001
| 16 أكتوبر 2025
قمة شرم الشيختطوي صفحة حرب الإبادة في غزة.....
1593
| 14 أكتوبر 2025
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...
1395
| 20 أكتوبر 2025
في زحمة الحياة وتضخم الأسعار وضيق الموارد، تبقى...
1386
| 16 أكتوبر 2025
الوقت الآن ليس للكلام ولا للأعذار، بل للفعل...
1212
| 14 أكتوبر 2025
لا يخفى على أحد الجهود الكبيرة التي تبذلها...
1122
| 14 أكتوبر 2025
بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، وبمشاعر يعتصرها الحزن...
813
| 13 أكتوبر 2025
في قلب كل معلم مبدع، شعلة لا تهدأ،...
780
| 17 أكتوبر 2025
مع أننا نتقدّم في العمر كل يوم قليلاً،...
768
| 13 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تابع الأخبار المحلية والعالمية من خلال تطبيقات الجوال المتاحة على متجر جوجل ومتجر آبل