رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

من يوقف نتنياهو؟

على الرغم من الانطباع المباشر الذي قد يتشكل لدى القارئ حول جدوى التساؤل ودوافعه: مستندًا لضخامة حجم الدمار على كافة الصعد، وبأن المتضرر الأساسي من هذه الحرب هي فلسطين بالمجمل، وهي كذلك بكل أسف، إلا أن ذلك لا يمنعك عزيزي القارئ أن تتصور بأن نتنياهو أسهم في جعل هذا التساؤل يُطرح أيضًا إسرائيليًا، ولم يقف عند هذا الحد، بل امتد فضاؤه هذا إقليميًا ودوليًا. هذه ليست مبالغة - اقصد مستويات التساؤل - فحالة النشوة والبلطجة والتمرد التي يمارسها نتنياهو لا تتوقف على الرغم من الإجماع بين كل ما ذكر من مستويات على الأهمية والحاجة الملحة لوقف الحرب المُستعرة على فلسطين: سواء كانت بشكلها الحالي كحرب معلنة وظاهرة على القطاع، أو كحرب يومية «تصفوية» إحلالية تجريدية تمارس بحق الضفة الغربية، أو كحرب حقوقية إدماجية موجهة ضد فلسطينيي الداخل. * لا يُمكن للعقل أو القلب أن يرضيا بتعطيل الأدوات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية وحتى العسكرية وانتظار ظروف مشابهة كتلك التي احاطت بإسحاق رابين للتخلص من نتنياهو لوقف الإبادة الجماعية التي يتعرض لها اهلنا في فلسطين. إن كلفة الانتظار عالية، سواء على المواطن الفلسطيني أو على المقاوم الفلسطيني، مع القبول بصحة وصف الأول بالثاني، ولكن، ولأغراض تناول الموضوع بمصداقية، تمت محاولة الفصل لبيان ذلك الأثر على المقاومة والحركات التحررية الفلسطينية في الميدان وعلى المواطن الفلسطيني الشجاع الأعزل. * يؤدي استمرار الحرب الظالمة على فلسطين - قطاع غزة إلى إنهاك المقاومة وتآكل قدرتها على الصمود لآجل طويل، كما ينزع عنها بكل أسف الموقف التفاوضي الصلب والذي يحقق أدنى المتطلبات على الاقل بوقف الحرب والحفاظ على ما تبقى من بشر وحجر. للأسف، لا تعيش المقاومة الآن أجمل أيامها ولا نتمنى لها ولنا هذا، فهي حاليًا تعيش مرحلة ذاتية خالصة من حيث الإنتاج وإدارة المعركة، وتواجه محدودية في الخيارات، إلى جانب إغلاق الجبهات: لبنانيًا بشكل مطلق ويمنيًا بشكل جزئي. * فيما يؤدي التأخير في التوصل لاتفاق إلى ضرر أبلغ مما هو بالغه حاليًا بحق المواطن الفلسطيني الأعزل المُطالب بالثبات والصمود دون وجود ما يسند ذلك إلا في حالات ضيقة إنسانيًا ودبلوماسيًا. فالإنسان له قدرات محدودة على الصمود والمقاومة، فعلى الرغم من إيماني باستثنائية صمود الفلسطيني، إلا أن قدرته على الصمود تتقوض بفقدان الغذاء والماء والمأوى نتيجة تجفيف منابع كل ما هو إنساني وذو منشأ دولي، وخفوت الأصوات الداعمة له تلك التي تتعرض لمحاولة قهر اعلامي وسياسي واقتصادي، وربما عسكري، مستثنى من ذلك محاولات جادة دبلوماسيًا تسهم فيها كل من قطر والأردن ومصر والسعودية. فلا يمكن ولا يكفي على الإطلاق تبني سردية «لا للتهجير» بمعزل عن وسائل دعم وإسناد تسهم في تثبيت صمودهم، فما يتعرضه له الفلسطينيون هو أكثر من مجرد حرب محدودة و»مسقوفة» بتحقيق جملة أهداف، إنها حرب تسعى لتصفية القضية والتخلص من كل ما هو فلسطيني. *على الرغم من الضرر الذي وقع بشكل مباشر على فلسطين فنحن مأخوذين بالسياق أيضًا، إن تقزيم صورة العربي والمسلم المُقصر في نصرة أخيه، هي أيضًا ضرر بالغ قد سوّد صورتنا وزادها قتامة في نظر الشعوب المقابلة، كما أن عدم قدرتنا على النصرة لأسباب عديدة قد أورث في قلوبنا سكونًا، وجرحًا لا يبرأ، فكيف لنا ممارسة أدوار الفروسية والشجاعة والنصرة في ظل هذا التقصير. وبذات الوقت لا يمكن استثناء مجتمع الكيان من آثار تلك الحرب، فالضرر طال ايضًا الداخل الإسرائيلي: نتنياهو لم يقصر أيضًا في هذا المستوى: إسرائيل تشهد مرحلة التراجع على كافة الصعد بسبب مواقفه المتعجرفة من هذه الحرب فلقد كان وما زال السبب الوحيد أمام أي تسوية محتملة معبرًا عن لاءاته الأربع خلال مفاوضات باريس 2: لا لوقف إطلاق النار، لا لانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة، لا لعودة النازحين الفلسطينيين إلى شمال القطاع، ولا لصفقة تبادل الأسرى. *ولقد شكلت هذه المواقف تحديات عديدة لإسرائيل: من حيث الديموغرافيا والهجرة؛ حيث شهدت إسرائيل في عام 2024 انخفاضًا في معدل النمو السكاني بنسبة 1.1%، مقارنة بـ1.6% في عام 2023؛ من حيث الضغوط الاقتصادية: حيث خصصت ميزانية إسرائيل لعام 2025 مبلغًا قياسيًا قدره 756 مليار شيكل، منها 136 مليار شيكل لسداد الديون الوطنية، وخصصت حوالي 110 مليارات شيكل للقطاع الدفاعي الذي يستنزف بشكل أساسي في الحرب على غزة؛ ومن حيث تآكل البنية التحتية: أثرت الصراعات المستمرة، خاصة الحرب على قطاع غزة، على البنية التحتية والمجتمع بشكل عام وخاصة سكان المناطق الشمالية؛ أما من حيث الانقسام الاجتماعي والسياسي: حيث شهدت إسرائيل ارتفاعًا في حدة الانقسامات والتصدعات العميقة إلى درجة غير مسبوقة، عكست عمق التناقضات الاجتماعية والعرقية وحتى الموقفية تجاه الحرب، مما أثر ولا يزال على استقرار المجتمع. * لقد أسهمت هذه الأضرار في ردة فعل موحدة، وإن كان بعضها ظاهريا، فتجد أن الجميع يضغط على نتنياهو لوقف الحرب: الداخل الإسرائيلي على مستويات منظمة كقادة وضباط حاليين وسابقين في الأجهزة الأمنية والعسكرية يقدمون عرائض لوقف الحرب؛ الشارع الإسرائيلي متقد منذ بداية الحرب؛ الدول العربية والإسلامية؛ الرأي العام العالمي؛ الدول الأوروبية وروسيا والصين، والولايات المتحدة والمحكمة الدولية والأمم المتحدة، والنتيجة: نتنياهو لا يستجيب! فكيف يمكن وقف عجرفته وصلفه؟ إن الرغبة في الحصول على نتائج مختلفة عما هي الآن، يتطلب تغييرًا في الأدوات والإستراتيجيات من حيث الشكل والمضمون والحدة. يفيض صدري ألمًا وخلافه ولا أستطيع البوح بكل مكنوناته هنا، ولكني أقول بأن الدول العربية والإسلامية قادرة على وقف نتنياهو ولكنها تحتاج لإجماع مواقفها، على الأقل، حول هذا الموضوع، وأنا كفيل بأن الحرب ستتوقف خلال ساعات. * ما يلزم لتحقيق ذلك هو حالة من تبني خطاب ولغة وسلوك سياسي واقتصادي جديد، والإبقاء على الابواب مع المجتمع الدولي مفتوحة. من حيث الخطاب، تحتاج التصريحات سواء من قبل جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، ومجلس التعاون الخليجي، بأن تصاغ هذه البيانات بحدة أكثر تفتح باب التأويلات المختلفة على مصراعيه، على أن يرافق ذلك مصداقية مجدولة مع تسلسل سياقي واضح من التوجيه باتخاذ مواقف إسلامية وعربية موحدة في ظل استمرار الحرب، بما يوازي ذلك من ضغوط اقتصادية وخاصة على الداعمين لنتنياهو، أن مجرد الطرح بتجميد أي مستقبل اقتصادي لاتفاقيات شراكة وربطها بممارسة أدوار أكبر من الضغط على إسرائيل من شأنه أن يأتي بنتائج إيجابية، ويضاف لذلك الدول العربية المرتبطة مع إسرائيل بمعاهدات سلام، يتوجب عليها التنسيق واتخاذ مواقف موحدة من شأنها دفع نتنياهو للتفكير بجدية في مدى عقلانية مواقفه ودفعه لإخراج ميزان الكلفة والفائدة ليختار على اساسه. بظني، دون هذه الخطوات سنبقى ندور في فلك متاهة استخدام مصطلح «المجتمع الدول» والذي قد يريح البعض وذلك بإلقاء اللوم عليه، في حين أنه قد ينسى أحيانًا بأنه جزء أساسي منه.

579

| 20 أبريل 2025

من حوّل القضية الفلسطينية إلى حملة للتعاطف مع غزة؟ (4/4)

هذا المقال الأخير من هذه السلسلة، والتي حاولت تتبع أهم المتغيرات الإقليمية والدولية التي كان لها دور مهمًا: إما في ابراز القضية الفلسطينية واعادة فرضها على الاجندة الدولية، أو تلك التي حرفت البوصلة عن مركزية القضية والحق الفلسطيني، وحوّلت الاهتمام لحالة من التعاطف الموسمي كلما حدث هناك اعتداء على فلسطين - غزة. لذا فإن هذا المقال كسابقيه، يسعى لتغطية الفترة الاخيرة من بعد الربيع العربي وحتى تاريخ كتابة هذا المقال، وهي مهمة صعبة بطبيعة الحال؛ نظرًا لتعقد وتعدد وتشابك الأحداث، وبما قد يُحدثه من حِجاج أكاديمي راقٍ متأصل ينبع من اختلاف بوجهات النظر ليس إلا. كان للتحولات السياسية التي رافقت الربيع العربي آثار تراوحت بين السلبية والايجابية: فالإيجابية منها تلك المتعلقة بوصول زعماء جدد للسلطة، فعلى سبيل المثال، أدى وصول الرئيس المصري السابق محمد مرسي للسلطة لإعطاء دفعة قوية للقضية على كافة الصُعد، وأظهر جدية في إسناد القضية، وخاصة خلال الاعتداء الإسرائيلي على غزة 2012، كما أسهم في تحقيق المصالحة الفلسطينية والتي تمت الإشارة لها سابقًا كون غيابها يُعتبر عاملًا مُقوضًا لأي امكانية فاعلة لجبهة فلسطينية داخلية موحدة. تونسيًا كان للرئيس المُنصف المرزوقي مواقف داعمة للفلسطينيين سياسيًا حيث دائمًا ما استحضر ضرورة قيام الدولة الفلسطينية تبعًا لقرار الأمم المتحدة 242، حتى بعد خسارة منصب الرئاسة في انتخابات 2014 لصالح القائد السبسي، فقد شارك شخصيًا في اسطول الحرية الثالث 2015 لمحاولة كسر الحصار عن قطاع غزة. بالمقابل، يُمكن النظر لمخاضات الربيع العربي السلبية على القضية من حيث الانقلابات التي حصلت على مُخرجات الربيع العربي، والتي أعادت القضية للمربع الأول، وربما اقل بقليل؛ عند وصول رؤساء جدد، ومحاولات التماهي مع المطالب الصهيونية لتقويض حركة حماس بشكل أساسي، يضاف لها فوضى الأحداث التي أسهمت بتركيز العديد من الدول على شؤونها الداخلية: سواء هذه التي شهدت تغييرًا سياسيًا مفصليًا أو تلك التي خشيت من انتقال عدوى التغيير اليها. كما يُعد بروز الشكل الجديد من حركة القاعدة متمثلًا في داعش وأخواتها عاملًا سلبيًا أسهم في تشويه صورة المقاومة كحركة شرعية تحريرية، مضافًا له موقف حركات المقاومة السلبي من بعض الثورات وبخاصة الثورة السورية وتدخل حزب الله فيها؛ حيث تكمن خطورة هذا في أن وقود ثورات الربيع العربي هي الشعوب ذاتها والتي تنتفض دائمًا لفلسطين في ظل تقهقر رسمي أحيانًا. لقد كان لعام 2017 وقع ثقيل على القضية الفلسطينية وذلك بعد فوز ترامب بالرئاسة الأمريكية وما نتج عنه من مشروع صفقة القرن حيث شهدت ولايته الأولى ولأول مرة اعترافًا أمريكيًا بالقدس كعاصمة لإسرائيل، كما شكلت جهوده لدفع بعض الدول العربية لتطبيع العلاقات المجاني مع إسرائيل عام 2020 نكسة أخرى هشمت وهمشت مركزية القضية الفلسطينية في النظام العربي الرسمي، حيث نتج عن هذا تحييد 4 دول سلبيًا من المعادلة الفلسطينية، وهي دولة الإمارات، والمغرب، والسودان، والبحرين. هذا التوجه قوّض ما تبقى من قوة وشرعية للمبادرة العربية، والتي ربطت الاعتراف بإسرائيل بقيام دولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران 1967. على الرغم من أن نشأة مبادرة المغفور له الملك عبدالله بن عبدالعزيز جاءت من معقل الجامعة العربية ولاقت استحسانًا وتمسك الدول العربية والاسلامية بها في البداية، إلا أن التوجه الفردي لتطبيع العلاقات مع إسرائيل ألقى المبادرة في عُرض حائط اللامُبالاة وتضييع الحقوق وأسس طريقًا لإسرائيل كي تتسلل لفتق ما تبقى من وشائج قومية إسلامية تربط الشعوب بفلسطين، واللافت في الأمر غياب مُخجل للجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي من القيام بأي دور ولا حتى في الحدود الدنيا. إن العمليات المتكررة للحركات الجهادية في فلسطين/القطاع، وتلك التي تحدث بشكل اقل زخمًا في فلسطين/الضفة الغربية تعمل دائمًا على إعادة إحياء القضية كلما تشكلت قناعة بخفوت القضية أو محاولة تمييعها. هذه العمليات تتفاوت بقوة تأثيرها وما يرافقها من ردات فعل عربية مُساندة، ودولية منقسمة: فطوفان الأقصى الاخير 2024 كان مختلفًا من حيث التداعيات والتوابع والحسابات؛ حيث أحدث انقسامًا غير متساوٍ من التأييد تفاوت بين التام والجزئي؛ نظرًا للكلفة البشرية والمادية الكبيرة. إن الدعوات الأخيرة من قبل الرئيس ترامب لتهجير أبناء القطاع لدول مثل الأردن ومصر لإعادة تأهيل القطاع على حد زعمه ليست الأولى في التاريخ الأمريكي والدولي، ولن تكون الأخيرة طالما حافظ الفلسطينيون على المقاومة المشروعة لتحرير الأرض والإنسان. ولكن قد تكون هناك أوقات وحسابات وسيناريوهات أكثر مناسبة من غيرها؛ تضمن تحقيق أهداف محددة بسقف محدد تجنبا لخسائر مفتوحة وغير مُحددة سياسيًا وبشريًا ومعنويًا. وفي هذا السياق، قد تظهر مجموعة عوامل أساسية أسهمت بتحويل القضية الفلسطينية إلى حملة جزئية للتعاطف مع غزة في سياق فظاعة أحداث جارية، تقوم على ردات فعل عفوية متناسية الحق التاريخي الفلسطيني: حيث لا يُمكن التسامح مع المواقف الضعيفة، إن كان هناك مواقف، لفواعل ومجاميع من المفترض أن تكون أكثر تأثيرًا مثل الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، ومعاهدات التطبيع المجانية المنفردة مع الكيان الصهيوني، والانقسام الفلسطيني، ودور الإدارات الأمريكية وبشكل خاص الجمهورية منها، وغيرها. وهذا لا يُلغي الأدوار المُهمة التي قد تلعبها دول وطنية بشكل منفرد أو بتنسيق ثنائي في محاولات إصلاح ما تم إفساده، ومقاومة ما يتم تغييره، وتثبيت ما يُسعى لانتزاعه، فشكرًا للأردن ولقطر وللمملكة العربية السعودية ولمصر. • أستاذ العلاقات الدولية - جامعة لوسيل

855

| 09 فبراير 2025

من حوّل القضية الفلسطينية إلى حملة للتعاطف مع غزّة؟ (3/4)

اتسمت فترة انتهاء الحرب الباردة في التسعينات من القرن الماضي بحيوية دولية بين الإيجابية والسلبية: فلقد كان للغزو العراقي للكويت 1990عاملًا حاسمًا في إعادة صوغ التحالفات الدولية، كما ادى انهيار جدار برلين 1989 وتفكك الاتحاد السوفيتي 1991 لتشكيل هيكلية جديدة للنظام الدولي؛ وذلك بالانتقال من القطبية الثنائية إلى القطبية الواحدة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. لقد كان لتفكك الاتحاد السوفيتي الجديد والذي وقف لجانب العرب وفلسطين خسارة للقضية الفلسطينية وللعرب، حيث تركز زخم الدعم السوفيتي في مرحلة السبعينيات، حين افتتحت سفارة لمنظمة التحرير الفلسطينية 1974 في موسكو، وإلى جانب الدعم السياسي هذا، كان هناك دعم عسكري للجماعات المقاومة الفلسطينية. في حين لم تستطع الدولة الجديدة «روسيا» والتي ورثت الاتحاد السوفيتي أن تكون قادرة على مناصرة العراق ضد الاحتلال الأمريكي، ولا من تقليص الضغط الأمريكي على بعض الدول العربية لتوقيع معاهدات سلام مع اسرائيل بما فيها انخراط حركة تحرير فلسطين والتي يُعبّر عنها بالمعكوس (فتح) بالمسار السلمي في مدريد 1991 وأوسلو 1993 لتكون الدولة الثانية بعد مصر في إبرام معاهدة سلام مع الكيان الغاصب، ثم اتفاقية وادي عربة بين الأردن واسرائيل 1994 بالتوازي مع طروحات شمعون بيرز في كتابه الشرق الأوسط الجديد وأهمية العمل على تحقيق السلام بدلًا من استمرار الحروب. * تعتبر سلسلة معاهدات السلام مع اسرائيل بداية تقويض القضية الفلسطينية؛ لما لها من قوة اقرارية بالاعتراف بحق اسرائيل في الوجود على الارض الفلسطينية. كما ساهمت هذه المعاهدات بتجذير الانقسام الفلسطيني حول كيفية تصور اسرائيل، وطبيعة العلاقة المستقبلية معها بين المقاومة المسلحة وطاولات التفاوض. كل هذا خلق اشكالية مُركّبة لا تكمن فقط في الانقسام بين القوى السياسية الفلسطينية، بل يتعداه للمكونات المجتمعية والشعبية، والتي يميل اغلبها للمقاومة المسلحة خاصة بعد ثبوت فشل اوسلو في الحفاظ على ما تبقى من فلسطين. هذا الانقسام كان عائقًا أمام وحدة الصف الفلسطيني والذي لم يكن قادرًا على تلبية طموحات فلسطينيّي الداخل والشتات، وإلى حدٍ ما الجماعة العربية والدولية؛ لأن هذا يظهر خلافًا واختلافًا بين موقفين سياسيين، وما ينطوي عليهما من استقطابات داخلية، وتحالفات متباينة وقرارات منفردة. *لقد جاءت احداث الحادي عشر من ايلول 2001 في الولايات المتحدة لتشغلها عن لعب دور راعي السلام في المنطقة العربية، من خلال ما أسمته الحرب ضد الإرهاب والتي تمخض عنها غزو افغانستان 2001 والعراق 2003. ولم تلقَ دعوة المغفور له خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز من خلال المبادرة العربية 2003 لحل الصراع الإسرائيلي العربي قبولًا لدى إسرائيل، وهذا يكشف هشاشة الادعاءات الإسرائيلية بالرغبة في السلام أو حل الدولتين. حيث تم تصنيف حركة حماس «منظمة ارهابية» من قبل العديد من الدول مثل كندا 2002، والاتحاد الاوروبي 2003، والولايات المتحدة الأمريكية 2006، وهناك بعض الدول وضعت فقط الجناح العسكري لحماس «كتائب القسّام» في قائمة الإرهاب مثل المملكة المتحدة ونيوزلاند. * وفي اعقاب محاولات أرئيل شارون اقتحام المسجد الأقصى، اشتعلت انتفاضة الأقصى 2000 والتي اعادت الأضواء لمركزية القضية الفلسطينية وأهميتها في استتباب الأمن والاستقرار في المنطقة العربية بعد حالة الاحباط التي سادت الأوساط الفلسطينية والعربية بعد اتفاقية اوسلو. لقد استمرت الانتفاضة للعام 2005 ولكن قبل نهايتها فقدت فلسطين الشيخ احمد ياسين مؤسس حركة حماس، وياسر عرفات، والذي خلفه بالسلطة محمود عباس 2005، وبالتالي صعود قادة جدد لحماس والسلطة وهو ما قد يسهم في تقديم بعض التفسيرات لفهم اوضح عن التغييرات التي حصلت في مقارباتهم في تصور شكل حل الصراع. ثم بعد ذلك اجريت الانتخابات التشريعية الفلسطينية 2006 والتي اسفرت عن فوز حركة حماس ب 74 مقعدا مقابل 45 مقعدا لحركة فتح من مجموع مقاعد المجلس التشريعي 132 وتكليف الشهيد اسماعيل هنية بتشكيل الحكومة. * لم ترغب حركة فتح بالانضمام للحكومة الجديدة بعد الهزيمة المدوية في الانتخابات وحصلت مواجهات بين الفريقين وشهدنا احداثًا مؤسفة. كما لم ترغب الولايات المتحدة في دعم الحكومة الجديدة بقيادة حماس، وطالبت بالأموال التي كانت قد قدمتها سابقًا، ومنع الاحتلال تحويل اموال السلطة الوطنية الفلسطينية، وبهذا تكون الحكومة الجديدة قد عايشت ظروفًا صعبة داخليًا وخارجيًا. ومما زاد الطين بلة، ما رشح من احداث اعقبت اسر الجندي الاسرائيلي جلعاد شاليط، حيث تم اعتقال اعضاء من الحكومة والمجلس التشريعي من حركة حماس. وعلى الرغم من الدعوات المتكررة لتشكيل حكومة وحدة فلسطينية 2007، إلا أن الرفض كان سيد الموقف «الفتحاوي»، وبذلك العام تم تكليف سلام فيّاض بتشكيل حكومة جديدة بزعم ادارة شؤون الضفة دون غزة، والذي اعتبر انقلابًا على شرعية الصندوق وأسس بشكل منهجي ومؤسسي للانقسام الفلسطيني بعد أن احكمت حركة حماس سلطتها على قطاع غزة، حيث تعرضت غزة لعملية الرصاص المصبوب بين 2008 و2009 تحت ذريعة تدمير القوة الصاروخية لحماس. * لقد ادت الاحداث التي اعقبت الانقلاب على مخرجات الانتخابات التشريعية بشكل اساسي إلى تشظي وحدة وتماسك الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع، وحفرت بالذاكرة جرحًا لا يندمل، حيث بقي ذلك عالقًا في النفوس ولم يزله كل محاولات ومطالبات المصالحة الوطنية التي يرغب بها عموم الشعب الفلسطيني والعربي وخاصة بعد احداث الربيع العربي 2011. خطورة مشكلة الانقسام تكمن في نسف جهود توحيد القوى الفلسطينية من خلال: غياب وجهات نظر متقاربة تُظهر الوحدة الوطنية فذلك من شأنه تعزيز وتقوية الموقف الفلسطيني إقليميا ودوليًا باعتباره يمثل كل اطياف الشعب الفلسطيني، وتجنب إطلاق احكام، واختلاق نتائج مغلوطة عن مدى وجاهة موقف طيف سياسي معين لاعتبارات القبول الاسرائيلي والرسمي العربي والدولي. يُمكن اعتبار هذا الانقسام الأفقي والعمودي حجر عثرة في طريق توحيد الجهود، وحجة يتم اللجوء لها دائمًا للتخوين وصرف توصيفات التشدد وحب السلطة، ومن يدفع ثمن ذلك دائمًا وابدًا هو ذلك الفلسطيني ايقونة القضية ومحورها ومناصرها.

447

| 30 يناير 2025

من حوّل القضية الفلسطينية إلى حملة للتعاطف مع غزّة؟ (2 /4)

بوفاة جمال عبد الناصر، وقبول مصر باتفاقية كامب ديفيد 1979 دخلت القضيّة الفلسطينيّة منعطفًا حادًا بين خفوتها مصريًا، وعنفوانها عربيًا بشكل مؤقت. وما كان لهذه الاتفاقية أن ترى النور لولا انتصارات اكتوبر المجيدة، والتي ولّدت قناعة لدى الساسة والجنرالات في مصر بأن هزيمة 1967 قد تم ردها في حرب 1973، وأن الاجواء مناسبة الآن لاستخدام الدبلوماسية كطريق فرعي بديل للقوة العسكرية، على الرغم من الفارق الكبير بين نتائج الحربين. بالمقابل، كانت ردة الفعل العربيّة قوية وحاسمة تمثلت بتجميد التعامل مع الحكومة المصرية وطردها من الجامعة العربية ونقل مقرها إلى تونس. يُمكن ملاحظة علاقة بين «الجسور الإسرائيلي» بالقيام بــ «عملية الليطاني» 1978 وما رافقها لاحقًا من اجتياح بيروت وإخراج منظمة التحرير من لبنان 1982 وبين المفاوضات السريّة بين مصر وإسرائيل؛ حيث فهمت الثانية هذا التوجه باعتباره تخليًا مصريًا عن فلسطين ولو بشكل مرحلي، وهذا غير صحيح، وبررت ذلك التحرك بذريعة القضاء على فصائل المقاومة الفلسطينية بعد عملية «كمال عدوان أو عملية الساحل «كأول محاولة اعتداء بعد خسارة العدو الصهيوني معركة الكرامة مع الجيش العربي الأردني وبعض الفدائيين 1968 وحرب اكتوبر. على الرغم من الدعم العربي لفلسطين، إلا أن دخول مصر «نادي السّلام» أفقد القضية زخمًا كبيرًا؛ لاعتبارات القرب الجغرافي وإدارة قطاع غزة، والروح القومية التي ملأت نفوس المصريين المُطالِبة بتحرير فلسطين، حيث بدأ ظهور الهُوة بين التوجهات الشعبية والأجندة السياسيّة منذ ذلك الوقت، وبشكل خاص بعد ثورة يوليو 1952. لقد ساهمت الاتفاقية أيضًا بسيادة نتيجة مفادها أن الكثير من القضايا العالقة في المنطقة يُمكن تسويتها بعيدًا عن اعتبار الحق الفلسطيني مركزيًا أو شرطًا، حتى ولو جاءت الخطابات عكس ذلك. تُظهر فترة السبعينيات من القرن المُنصرم: بأن بعض السُلوكيات غير المحسوبة والتي قامت بها الكثير من المُنظمات الفلسطينية ساهمت أيضًا بتقليص الاهتمام بالقضية، وربما اعطت انطباعا وتوجهات عكسية خاصة عندما فقد سلاحها بوصلته وارتد على اخيه الأردني واللبناني. لقد عاش بعض تلك المُنظّمات أحلام اليقظة من قبيل تولي حُكم وإدارة شؤون دول احتضنتها وقدمت الملجأ والدعم لها مثل الأردن إبّان أحداث ايلول 1970، ولبنان عندما انخرطت في الحرب الأهلية في لبنان فيما عُرف بحرب المُخيمات. مثل هذه المواجهات ساهمت بشكل ما في تشكيل بعض التوجهات السلبّية والتي اسهمت بشكل جزئي بتآكل قُدسية القضيّة لدى البعض على الرغم من أن تلك الممارسات لم تكن مُصادقة ومقبولة من عموم الشعب الفلسطيني. * لا يُمكن إنكار دور الثورة الإيرانية 1979، وبعدها الحرب العراقية الإيرانية 1980 - 1988 في التأثير على زخم القضية بين مدٍ وجزْر: حيث تبدلت العلاقات المتينة التي أنشأها الشاه مع اسرائيل؛ لخلق حالة من التوازنات في المنطقة العربية إلى علاقة من البُغض والعداء حملها النظام الجديد في طهران تجاه الكيان الغاصب. فلقد أصدر الخميني فتوى بعدم جواز التعامل مع إسرائيل وبأنه «حرام شرعًا ومخالفة صريحة للإسلام» ثم قطع النظام الجديد العلاقات مع إسرائيل وحوّل مقر السفارة الإسرائيلية السابقة في طهران لسفارة لتمثيل الفلسطينيين. إلا أن هذه العلاقة توترت لاحقًا نتيجة موقف عرفات من الحرب العراقية الإيرانية، وبروز حركتي الجهاد الإسلامي 1981 وحماس1987 واللتان كانت لغتهما ومقاومتهما للاحتلال الإسرائيلي أقرب لما ترغب به طهران بعد الحديث عن خطة السلام الأمريكية في الشرق الأوسط في اعقاب حرب الخليج الثانية، حيث أخذ الدعم الإيراني اشكالًا عسكرية وسياسية لهذه الحركات، ويمكن في هذا السياق النظر للانتفاضة الفلسطينية الأولى 1987. * نعم، لقد ساهم فك الارتباط بين الضفة الغربية والأردن 1988 - بطلب من الفلسطينيين - في فقدان جبهة أقوى وتُرِك الفلسطينيين وحدهم ليواجهوا مصيرهم السيّاسي بعد إعلان الدولة الفلسطينية 1988 في الجزائر بعد اربعة عقود من إعلان حكومة عموم فلسطين. وعلى الرغم من اعتراف أكثر من 80 دولة خلال العام الأول بهذا الإعلان، فلم يزل هذا الاعتراف رمزيًا، ولا يشمل الدول الغربية والولايات المتحدة. ومع الاخذ بعين الاعتبار اعتراف الأمم المتحدة العام المُنصرم بعضوية كاملة لفلسطين بنتيجة 147 من 193 دولة، إلا أن التجارب السابقة والواقع الذي فرضته إسرائيل من خلال الاستيطان قد مزّق الأرض الفلسطينية، وعقّد امكانية تحقيق إقامة الدولة في الوقت الحالي على أقل تقدير، ولو على حدود الرابع من حزيران حسب قرار 242. فلا تكمن الاشكالية في إبراز الشخصية الوطنية الفلسطينية المستقلة والاعتراف بها من قبل العرب أو غيرهم، على الرغم من أهميته، بل في الركون عن القيام بأدوار أكثر فاعلية، والتراجع قليلًا تحت هذا المُبرر، وخسارة الواقع الجغرافي الذي تتطلبه شروط اكتمال أركان الدولة . * يُمكن النظر إلى التباينات العقائدية، والسياسية، والمصلحية لبعض الدول العربية وإيران، واقتراب حركتي المُقاومة من إيران بأنه كان عاملًا أسهم بخفوت الدعم العربي مؤخرًا؛ نظرًا لما تمثله هذه الحركات من أشكال المقاومة المُسلّحة بالاستناد على مبادئ «من النهر إلى البحر»، في حين دعمت هذه الدول المقاومة السياسيّة غير المُنتجة والتي تبنتها السلطة الوطنية الفلسطينية بعد أوسلو 1993. تكمن الاشكالية في اتفاقات السلام مع إسرائيل برعاية أمريكية أنها تُكبّل الدول المُنخرطة بها في بند أساسي يضمن حق إسرائيل في الوجود والعيش بأمان، لذلك تُحجم الدول العربية عن دعم الفلسطينيين بالسلاح والمال لاستخدامه في المقاومة المُسلحّة. أعتقد أن هذين العاملين لعبا دورًا محوريًا في تغيير شكل الدعم العربي لفلسطين من دعم عسكري لآخر سياسي ومالي لأغراض مدنية، وبالتالي فقدان الدعم العربي نتيجة الاقتراب من إيران ومشاريع التسوية السلمية التي تمت وتتم مع إسرائيل في المنطقة، حيث بات الدعم يأخذ شكلًا سياسيًا صرفًا منزوع الدسم والذي تمّ إلقاؤه على كاهل الحكومات الغربية والمنظمات الدولية لتقوم بالمهمة مقرونًا بإلقاء اللوم دائمًا على المجتمع الدولي.

447

| 13 يناير 2025

من حوّل القضية الفلسطينية إلى حملة للتعاطف مع غزّة؟ (1/4)

ليس بمقدور هذا المقال وحده أن يجيب بالتفصيل على هذا السؤال؛ نظرًا لتعقيدات العوامل والبيئات والفواعل وغيرها من المتغيرات والتي لعبت أدوارًا مختلفة أسهمت في تشكيل الحالة الراهنة، ولاعتبارات التفاصيل المُزدحمة حول الموضوع، سيتم تناوله من خلال سلسلة مقالات تُغطي أبرز المحطات التاريخية والأحداث السياسيّة، والتي إلى حد ما أفقدت القضية الفلسطينية زخم الاهتمام. لذا ستكون مهمة المقالات جمع بعض من الأفكار والأحداث وعوامل التمكين والتقويض، ووضعها في سياقات؛ علّها تقدم مُساهمات تساعد في فهم أفضل للحالة، وبالتالي قدرة وثقة أكبر في تبني إجابات صالحة، أو مقبولة بشكل واسع، على الأقل. هذا المقال سيشير بشكل سريع إلى أبرز المحطات في المراحل الأولى لبروز القضية الفلسطينية في الاهتمام الدولي، وحتى عام 1974 تاريخ اعتماد منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، فيما سيتناول المقال الثاني المستجدات بعد اتفاقية كامب ديفيد 1979 وحتى مبادرة السلام العربية 2002، ثُم لاحقًا، سيتم التركيز في المقال الثالث على مرحلة غزو العراق وأفغانستان في 2003 وحتى التغيير اللافت لبعض الحُكّام والأنظمة العربية 2014 نتيجة الربيع العربي. وفي المقال الأخير سنختم هذه السلسلة من خلال استعراض عودة الجمهوريين للسلطة في الولايات المتحدة 2017 وحتى الأحداث المُستمرة للهجوم البربري الصهيوني على غزة من حيث أدوار الدبلوماسية العربية وخصوصًا القطرية، والانقسام الفلسطيني، والمنظمات الدولية، والإقليمية كالجامعة العربية، ومجلس التعاون الخليجي، ومنظمة التعاون الإسلامي. لقد اكتسبت القضية الفلسطينية زخمًا كبيرًا عندما بدأت كقضية دينية أيدولوجية بين السلطان عبدالحميد الثاني والوفد اليهودي بقيادة ثيودور هيرتزل مؤسس الحركة الصهيونية، والذي عرض على السلطان سداد ديون الدولة العثمانية 1901، ومحاولة رشوته بخمسة ملايين ليرة ذهبية، من أجل تمكين اليهود والسماح لهم بالهجرة والتملك بفلسطين، ولقد كان الرد حازمًا من السلطان بطرده، وإعلان مقولته الشهيرة «لليهود قوة في أوروبا أكثر من قوتهم في الشرق… لذلك علينا أن نقف في وجه فكرة توطين المهاجرين في فلسطين» ولقد صدرت قرارات سلطانية بوقت مبكر لتهجير اليهود الذين قدموا لفلسطين وبقوا فيها إلى الولايات المتحدة. كانت اتفاقية سايكس بيكو 1916 ووعد بلفور1917 تعبيرًا حقيقيًا عن توجهات السياسة البريطانية نحو دعم إنشاء كيان سياسي لليهود، وذلك لتحقيق جملة أهداف منها: الحاجة إلى المال اليهودي للمساهمة في الجهد العسكري البريطاني في الحرب، وتشجيع اليهود على القتال إلى جانب بريطانيا، والرغبة بأن يؤثر اللوبي الصهيوني على الحكومة الروسية الجديدة بدخول الحرب لجانب بريطانيا بعد الثورة البلشفية 1917، ولعّل أهمها هو التخلص من اليهود في أوروبا، على الرغم من مراسلات الحسين – مكماهون ضمن سياقات الثورة العربية الكبرى 1916 ذات الاتصال بإقامة دولة عربية موحدة تكون فلسطين جزءًا منها نظير وقوف الشريف الحسين بن علي إلى جانب بريطانيا في الحرب العالمية الأولى. بعد نهاية الحرب، وخسارة الدولة العثمانية للكثير من الأراضي، وقعت فلسطين تحت الانتداب البريطاني. وهذه كانت مرحلة مفصلية في تاريخ فلسطين الحديث: فمن جهة سهّلت بريطانيا الوجود اليهودي وكاثرته في ظل معاناة باقي الأمصار العربية الظرف ذاته بين الاستعمار والوصاية قبل أن تقوم لاحقًا بأدوار متفاوتة في حفظ الحق العربي والإسلامي الفلسطيني. لقد أخذت هذه الفترة منحًى خطيرًا في تنامي الخطر الصهيوني على الأرض الفلسطينية، والذي بدأ بإعداد الظروف الملائمة لتأطير البعد العقائدي ببُعدٍ سياسيًّ من خلال تشكيل كيان سياسي صهيوني. يُمكن ملاحظة أن هذه التراكمات أنتجت بيئة خصبة لنمو العصابات الصهيونية: كالهاغانا و شترن والأرجون والبلماخ وغيرها، والتي شكلت لاحقًا جيش الدفاع الصهيوني. في هذه الأثناء كان الوعي العربي والفلسطيني بشكل خاص ينضج بشكل يتناسب مع التحديات الجديدة، فكانت الثورة الفلسطينية الكُبرى 1936 إحدى وأهم محطات النضال الفلسطيني المُبكر بشكل جماعي ومؤثر. وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية وهبوب رياح التحرر للدول المستعمرَة، بدأت الكيانات العربية بالظهور، في هذه الاثناء تعاظمت القوة الصهيونية سواءً من ناحية القوة المُسلّحة أو انتشار «المشروم الديموغرافي» نتيجة تشجيع الهجرة اليهودية بغطاء دولي بريطاني. وفي المقابل، برز نَفسٌ قوميٌ يطالب بإخراج اليهود من فلسطين أوادماجهم تحت الحكم الفلسطيني من خلال تمكين قيام دولة فلسطينية مستقلة بعد رغبة بريطانيا في مغادرة فلسطين. كان تأسيس الجامعة العربية 1945 والأمم المتحدة بالعام ذاته، وصدور قرار تقسيم فلسطين 1947، وإعلان دولة الكيان، وحرب عام 1948، احداثًا فاصلة في بداية عهد جديد للقضية الفلسطينية اتسم بمأسسة معاناة فلسطين بين دعم غربي لا محدود للكيان الجديد، ودعم عربي محدود للمصير الفلسطيني بسبب شُح الموارد والسلاح، وأحيانًا قليلة بسبب فقدان شهية القتال. لقد كان لوحدة الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية مع الأردن 1950 دورٌ في زيادة الاهتمام بالقضية، ومحاولة المحافظة على ما تبقى من فلسطين بعد احتلال إسرائيل للكثير من الأراضي 1948؛ العدوان الثلاثي على مصر 1956، كان أيضًا مرتبطًا بمواقف جمال عبد الناصر تجاه فلسطين، والذي سبقه إغلاق مضيق تيران بوجه الملاحة الإسرائيلية 1955، إلا أن نكسة عام 1967 ونتائجها كان لها وقع أليم؛ ضاعف من تعقيد القضية نتيجة الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية ونشر فيروس الاستيطان على الرغم من القرار الدولي 242 ؛ كما أن نشوء منظمة التحرير الفلسطينية 1964 والصدامات مع النظام الأردني لاحقًا؛ وانعقاد قمة «اللاءات الثلاث» 1967، وحرب أكتوبر 1973، واستخدام العقوبات الاقتصادية ضد الدول الغربية من خلال حظر النفط العربي 1973 كلها نتاجات لزرع هذا الكيان السّام في خاصرة المنطقة العربية وتعبيرًا عن عمق الارتباط العربي بالقضية. يُمكن القول إن العام 1974 – اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية كمُمثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني – شكّل منعطفًا حادًا في اتجاه القضية الفلسطينية، فمن ناحية أبرزَ الشخصية الوطنية الفلسطينية، وهذا جيد، إلا أنه من ناحية أخرى، أفقدها حواضنها الكبرى العربية والإسلامية، لتتراجع قليلًا ويكون دعمها محدودًا وبشكل غير مُباشر؛ لصعوبة التمثيل في ظل الوجود الفلسطيني وهذا للأسف قد يكون أحد أسباب كامب ديفيد 1979، والتي تراجع الاهتمام بفلسطين في أجندتها بعد أن كانت قضية مركزية لبعض الأنظمة العربية. وعلى الرغم من ذلك، ففي هذه المرحلة كان الدفاع عن القضية الفلسطينية في أوجه حيث كانت همًا عربيًا وإسلاميًا، وكان الحديث بالمجمل عن فلسطين ككيان وكلمة جامعة للتراب والشعب الفلسطيني... يتبع في المقال اللاحق (2/4).

594

| 06 يناير 2025

فلسطين بخير.. مرحلة جديدة في العام 2025

بالنسبة لي، لا تُعتبر الكتابة عن فلسطين شأنًا سياسيًا بقدر ما هي قضية عقائدية وتاريخية وحقوقية، كما أن الخوض في هذا بالنسبة لي أيضًا، لا يتطلب حالة من الحيادية، تلك التي قد يحاول انتهاجها بعض الكُتّاب أو الباحثين؛ ليحققوا معايير البحث العلمي والكتابة الصحفية وغيرها. فالانحياز الكُلي لعدالة القضية يجب أن يؤطر جميع الدوافع والمقاربات والاشتباكات المُسلّحة والسلّمية، كحال المقال هذا، وهو أضعف الإيمان. ولكن، ما قد يأخذ أشكالًا متعددة هو النضّال: سواءً الذاتي أو الموضوعي، وقد يتطلب الأخير بعضًا من التماهي مع القانون الدولي والفواعل الدولية، والحاجة إلى إظهار الحيادية لتحقيق الانحياز. يبدو أن العام الجديد مزدحم بالأجندة السياسيّة الإقليمية والدولية، فسيشهد سوريا جديدة سياسيًا بعد الإطاحة بحكم آل الأسد، وما قد يترتب على ذلك من انحسارٍ للوجود الإيراني واضمحلالٍ في الوجود الروسي، والذي حسب تقديري، لم يكن ليسمح بحدوث التغيير، على الأقل بهذه السرعة، لو لم تكن هناك تفاهمات وتطمينات من «فاعلي ديسمبر الجُدد» تتعلق بمستقبل القواعد العسكرية الروسية في سوريا. فقد يتوقف مستقبل التواجد الروسي فقط في القواعد العسكرية، وما قد يتصل بها في أدنى المستويات، وذلك بعد تغير الدور الروسي الفاعل ميدانيًا، والذي مورس في بداية الأحداث وقبل انتقال المعارك للأراضي الأوكرانية. كما أن لبنان الجار أيضًا سيشهد مرحلة جديدة عنوانها المرجعية الأحادية لحمل السلاح الثقيل، واندماج القوى المُسلحّة في بوتقة الجيش اللبناني، وذلك بعد اتفاق وقف إطلاق النار الأخير مع إسرائيل، والتغيرات التي طرأت على مستوى القيادات العُليا في حزب الله، والانحسار الإيراني المتوقع في سوريا. وتُعد الإدارة الأمريكية الجديدة بندًا صعبًا على الأجندة السياسية العربية والدولية أيضًا؛ نظرًا لطبيعة المواقف السياسية المُتباينة بين الإدارة الجديدة والدول العربية الفاعلة في الإقليم والقضايا الدولية، وهذا قد يُسهم في كشف مدى نجاعة وكفاءة الاستراتيجيات العربية في مقاومة التقلبات الحادة في السياسة الدولية، وخصوصًا تجاه القضية المركزية الفلسطينية، واعتبارها نوعًا من التمرين اللازم لكشف مواطن الضعف والقوة في مثل تلك الاستراتيجيات. لذلك، فإن بعض هذه الدول فعّلت بشكل مُبكر «جرس الإنذار» وربطت الأحزمة، واستعدت لنزالات سياسية عنوانها الدفاع عن المصالح القومية والوطنية بالاتساق مع القانون الدولي. فمن الطبيعي أن يطبع بعض السياسة الدولية نوعًا من التنافس؛ انطلاقًا من اختلاف المصالح الوطنية العليا للدول، وتقلبات ألوان الطيف السياسيّة في دول بعينها من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين. هذه الملفات وغيرها مرتبطة بنيويًا بفلسطين لأسباب مختلفة من الناحية التاريخية والجغرافية والسياسّية. وفي هذه الأثناء، يُمكن القول إن حالة فلسطينية جديدة تتشكل، عنوانها كيفية إخراج انتصار المقاومة للداخل والخارج، وما يعنيه ذلك من تبعات على الروح المعنوية لليمين الإسرائيلي المُتطرف، على الرغم من الضربات الموجعة التي تلقتها المقاومة، وبعض الاختلافات في كيفية تصور نصر المقاومة ومدى ربط ذلك بالكلفة. ويمكن للسياق العام والقائم على مقاومة المُحتل أن يُبرر- إلى حد ما مستحضرًا الثورات التاريخية التي قاومت المُستعمر وقدمت الشهداء والأحرار كالثورة الجزائرية مثلًا - ويجعل من تصور النصر أكثر قبولًا في ظل تحديات البيئة الدولية والإقليمية. يبدو أن شكل السُلطة السياسيّة الفلسطينية القادمة سيأخذ بُعدًا جديدًا من حيث حجم التوافق الوطني على طبيعة نشأتها، وأهدافها، وصلاحياتها، والعلاقة المستقبلية مع إسرائيل، وتجاوز الانقسام، والدور العربي الفاعل بها ولها بالنظر لقرب التوصل لاتفاق يُنهي الاعتداء الإسرائيلي البربري على فلسطين - غزة والضفة. وهنا يحضرني التنبيه إلى حجم التآمر على فلسطين حتى من حيث استخدام المُسمى؛ حيث أصبح الحديث اليوم بشكل أكثر تكرارًا وترديدًا للضفة وغزة، إما بشكل منفرد أو مجتمع، وذلك عند الإشارة لفلسطين، وهذا خطر يراد به محو اسم فلسطين من الأدبيات السياسية والإعلامية، وخلق سياق عام «لمنطقة» فلسطين التاريخية وتفكيكها. بطبيعة الحال يأخذ النضّال الفلسطيني أشكالًا عديدة غير ذلك العسكري، وهذا مطلوب، فليست المقاومة محصورة فقط بالميدان، على الرغم من أهميتها، إلا أن الأشكال الأخرى يجب أن تكون حاضرة لتساند الميدان من خلال الأدب، والشعر، والسياسة، والفن، والإعلام، وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا لا يعني بطبيعة الحال الركون إلى ذلك فقط تحت هذه المبررات. إن استحضار فلسطين تاريخًا وقضيةً في المحافل الدولية، والأنشطة العلمية لا يقل أهمية أيضًا عن ذلك، كما أن خدمة العمارة الإسلامية والمسيحية، وخصوصًا المسجد الأقصى والذي يعتبر رمزًا مركزيًا تدور في فلكه كل أوجه النضّال، تشكل علامة فارقة في شكل قطبية النضال الفلسطيني. إن ما تقوم به وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية – فلسطين من مقاومة يومية للمستوطنين ومحاولاتهم تغيير الوضع القائم تحت غطاء القوة الإسرائيلية، والحفاظ على قدسية وبُنيان المسجد الأقصى وقبة الصخرة، عملٌ نضاليٌّ من غير المعقول أو المقبول التقليل من شأنه. فطوبى لكل هؤلاء المنخرطين بحبٍ وتفانٍ في كل شكل من أشكال النضّال، وطوبى لأولئك الفاعلين الذين يدعمون بصمت وجهر كل السُبل لإسناد فلسطين في كل مكان ومحفل، طبتم وطاب مسعاكم.

1239

| 23 ديسمبر 2024

في اليوم الوطني: العلاقات القطرية الأردنية في أفضل حالاتها

هناك تشابه إلى حد كبير بين ظروف نشأة واستقلال دولتي قطر والمملكة الأردنية الهاشمية. فالحماية والانتداب البريطاني كانا شكلين من أشكال الهيمنة البريطانية على البلدين، والتي مارست من خلالهما بريطانيا هيمنتها على منطقتي الخليج وبلاد الشام، ولكن هذا لا يمنع من القول بأن تلك الممارسات جوبهت بكلا البلدين بإصرار ومقاومة شعبية لإبراز استقلال البلدين من خلال هويتهما العربية والإسلامية الجامعة. فلقد كان العام 1878 حاسمًا بالنسبة لدولة قطر؛ عندما ظهرت ككيان سياسي موحد اجتماعيًا تحت إمرة المغفور له الشيخ جاسم بن محمد آل ثاني مُؤسس دولة قطر الحديثة، والتي تخلصت من معاهدة الحماية مع بريطانيا عام 1971 وحصلت على استقلالها. كما كان العام 1921 تاريخ ولادة كيان الأردن سياسيًا من خلال تأسيس إمارة شرق الأردن، والذي حصل على استقلاله لاحقًا عام 1946. تشارك البلدان تاريخًا عسكريًا متشابهًا من خلال المعارك التي خاضاها ضد والي الدولة العثمانية، بعد أن تخلت بآخر عهدها عن وظيفتها كامبراطورية عثمانية حامية للدين الإسلامي، والتي كانت تحكم بمنهجه بشكل متوازن وكان بمثابة عقد اجتماعي وسياسي بينها وبين الأمصار العربية والإسلامية، إلا أن هذا تغير لاحقًا؛ فغابت العدالة والمساواة وبرزت العنصرية ؛ فكانت وقودًا للثورات والمعارك المختلفة التي خاضتها قطر بقيادة الشيخ جاسم بن محمد آل ثاني في العام 1893 في معركة الوجبة ضد والي البصرة محمد حافظ باشا، حيث انتصرت القوات القطرية على القوات التي قادها والي البصرة رافعةً من معنويات القطريين والعرب بأن الظلم والتهميش لا بد وأن يزول ما دام هناك كرامة وعِزّة وإصرار. وبالمقابل، كانت الثورة العربية الكبرى عام 1916 رمزًا لمقاومة الظلم التركي بشكل أشمل بعد مجموعة مقدمات لثورات داخلية محدودة بالأردن كثورة قبيلة بني حميدة عام 1889 وثورة الكرك عام 1910. لقد أسس هذا التاريخ المشترك لعلاقات راسخة بين البلدين؛ حيث بدأت العلاقات الدبلوماسية في العام 1972 والتي شهدت بداية تعاون وثيق في المجالات العسكرية والقضائية والتعليمية. فالقيادات السياسية المتعاقبة في البلدين حريصة على ديمومة وتنمية العلاقات الثنائية في كافة المجالات؛ حيث كان المغفور له الملك الحسين بن طلال أول زعيم في العالم زار قطر وهنأ سمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بمناسبة توليه مقاليد الحكم، كما كان جلالة الملك عبدالله الثاني في مقدمة من زاروا قطر وهنأوا سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بمناسبة تسميته أميرًا لدولة قطر. الزيارات الثنائية بين الزعماء لا تتوقف، وتدفع بالعلاقات لمستوىً متقدم، حيث يوجد أكثر من 20 مذكرة تفاهم واتفاقية في مجالات مختلفة في التعليم، والنقل، والصحة، والاستثمار، والدفاع، كما يوجد أثر من 1550 شركة أردنية قطرية تعمل في قطر، وتزيد الجالية الأردنية في قطر عن سبعين ألفًا. وتعد الدوحة من أكبر الدول المُستثمرة بالسوق الأردني، كما أنها لا تتوقف عن إبراز الدور الأخوي كلما كان الأردن في ضائقة مالية نتيجة أعباء اللاجئين وشُح دعم الأونروا. تتطابق المواقف السياسية للبلدين في كثير من المجالات فكلا البلدين يستعد لأجندات الإدارة الأمريكية الجديدة. كما أنهما يتشاركان المواقف المُقاومة للاعتداء البربري الذي تقوده إسرائيل ضد أخوتنا في فلسطين، وبشكل خاص في غزة، وكلاهما يسعى أيضًا لتفعيل أدوار الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي لتقودا جهود العمل العربي والإسلامي المشترك. العلاقات الأخوية بين البلدين في طريقها للتطور والازدهار نتيجة الحاجة المُلّحة لحالات تكامل ناجحة بين الدول العربية، ولإدراك القيادتين أيضًا أهمية وضرورة ذلك. ولا يسعنا في الختام، إلا أن نقول: كل عام وقطر بألف خير شعبًا وقيادةً ونحو مزيد من الازدهار والإنجاز بإذن الله.

981

| 18 ديسمبر 2024

جامعة لوسيل.. رافعة معرفية بمسؤولية وطنية

يتطلب إحداث الثورات المعرفية في أي مجتمع؛ إرادة سياسية، وأدوات تنفيذية، ومجتمعاً ناضجاً وشغوفاً بالعلم. هذه المرتكزات الأساسية الثلاثة متوافرة بالنموذج القطري. من خلال إقامتي القصيرة هنا في دوحة العرب، بدأت أكتشف الكثير عن هذا البلد الطيب، على الرغم من الأدوار المسؤولة لبعض المؤسسات والأذرع الإعلامية التي كانت تنقل بمهنية تجربة هذا البلد التعليمية، إلا أن تجربة الإقامة والاحتكاك المُباشر تجعل من المُهتم، أو الباحث، أكثر قدرةً على الحديث بدقة ومهنية في العموميات، على الأقل. الخطابات الساميّة لسمو الأمير المقرونة بالأفعال يُمكن اعتبارها أول وأهم ركيزة، لأنها الموجّه لباقي الركائز الأخرى، ويمكن اكتشاف ذلك من خلال عمل المقارنات بين أنظمة سياسية متعددة، فالخطابات الساميّة لا تكاد تخلو من ذكر محورية الإنسان القطري ودوره في إحداث التنمية الشاملة، إلى جانب الإشادة بالأدوار التكاملية للمُقيمين في التمكين والتعزيز. إن التنمية الشاملة لا يُمكن أن تتحقق بدون قطاع تعليمي يستند لرؤية واضحة وعناصر فاعلة تكوّن البيئة التعليمية المُنتجة. لذلك، فإن تحقيق الرؤى الأميرية يتطلب أدوات تنفيذية واستجابة مجتمعية بمستويات مختلفة «شعبية ونخبوية»، فعلى المستوى الشعبي: نجد أن المجتمع القطري منخرط بجدية في العملية التعليمية النهضوية في المستويين العام والعالي، وهنا اذكر تجربتي مع طلبة الدراسات العليا في برنامج الشؤون السياسية والسياسة العامة، والذي يُعد مقصدًا للطلبة الباحثين عن التميز وتحقيق أقصى الفائدة والتي تنعكس إيجابًا على مستوياتهم المعرفية والمهنية. فبالرغم من الالتزامات العملية والأسرية، إلا أن العديد من الباحثين انخرطوا بشغف وجدية في البرنامج وتميزوا أكاديميًا، وهذا مشهد يخبرك بمدى الاستجابة الشعبية لنداءات القيادة من جهة، وبأهمية الاعتراف بدورهم المحوري في عملية التنمية من جهة أخرى. أما على المستوى النخبوي، فتجد العديد من المؤسسات والجامعات الوطنية قد استقبلت تلك الخطابات الأميرية بمسؤولية خالصة، كلٌ حسب اختصاصه وموقعه، فالعمل يجري بتكامل وتعاون بعيدًا عن التنافس والفردية، وبهذا الإطار برز ظهور جامعة لوسيل كأول جامعة وطنية خاصة، ادرك مؤسسوها مسؤوليتهم الوطنية الأكاديمية والمجتمعية في هذا الجانب ليسهموا من خلال الجامعة بتحقيق رؤى سمو الأمير، في تقديم التعليم النوعي بجودة عالية. الجامعة تخطو بثقة وثبات نحو النجاح، فبالرغم من حداثة عهدها، إلا أن سمعتها الأكاديمية كانت سببًا في هذا الزحام الطلابي عليها. إن استثمار الجامعة في امتلاك كفاءات أكاديمية متميزة على مستوى الوطن العربي له الدور الأكبر في هذا الإنجاز، وهذا التوجه الذكي لا شك يتطلب وجود إدارة ومجلس أمناء على قدر المسؤولية الوطنية بما يملكونه من بصيرة استشرافية نحو كيفية تحقيق متطلبات إحداث التنمية الشاملة. إن التكامل بين توافر الإرادة السياسيّة الجادة والمعنية بمواطنيها، إلى جانب وجود مجتمع ناضج بما يكفي ليُدرك أهمية دوره المحوري في التنمية الشاملة وينخرط بها فاعلًا ومؤثرًا من خلال المؤسسات المختلفة التعليمية وغيرها، والتي تحظى بالدعم الأميري على المستوى الخطابي والعملي تُعتبر مفتاح التنمية والاستقرار والنموذج الأمثل ليقود حالة التعميم والإشادة.

966

| 10 ديسمبر 2024

alsharq
مامداني.. كيف أمداه ؟

ليش ما يمديك؟! بينما ممداني زهران، الشاب ذو...

16791

| 11 نوفمبر 2025

alsharq
شكاوى مطروحة لوزارة التربية والتعليم

ماذا يعني أن يُفاجأ أولياء أمور بقرار مدارس...

7707

| 11 نوفمبر 2025

alsharq
الطوفان يحطم الأحلام

العلاقة العضوية بين الحلم الإسرائيلي والحلم الأمريكي تجعل...

5058

| 10 نوفمبر 2025

alsharq
الإقامة للتملك لغير القطريين

في عالم تتسابق فيه الدول لجذب رؤوس الأموال...

4524

| 13 نوفمبر 2025

alsharq
عيون تترصّد نجوم الغد

تستضيف ملاعب أكاديمية أسباير بطولة كأس العالم تحت...

3492

| 11 نوفمبر 2025

alsharq
الوأد المهني

على مدى أكثر من ستة عقود، تستثمر الدولة...

2853

| 11 نوفمبر 2025

alsharq
الصالات المختلطة

تشهد الصالات الرياضية إقبالا متزايدا من الجمهور نظرا...

1941

| 10 نوفمبر 2025

alsharq
كلمة من القلب.. تزرع الأمل في زمن الاضطراب

تحليل نفسي لخطاب سمو الأمير الشيخ تميم بن...

1539

| 11 نوفمبر 2025

alsharq
عندما يصبح الجدل طريقًا للشهرة

عندما صنّف المفكر خالد محمد خالد كتابه المثير...

1131

| 09 نوفمبر 2025

alsharq
من مشروع عقاري إلى رؤية عربية

يبدو أن البحر المتوسط على موعد جديد مع...

1050

| 12 نوفمبر 2025

alsharq
رسائل استضافة قطر للقمة العالمية للتنمية الاجتماعية

شكّلت استضافة دولة قطر المؤتمر العالمي الثاني للتنمية...

1014

| 09 نوفمبر 2025

alsharq
الذكاء الاصطناعي وحماية المال العام

يشهد العالم اليوم تحولاً جذريًا في أساليب الحوكمة...

891

| 10 نوفمبر 2025

أخبار محلية