رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
انطفاء ألسنة لهب الغارات على مساكن قيادات من المكتب السياسي لحركة حماس في الدوحة، لا يعني أبدا نسيان هذا العدوان الإرهابي الهمجي، فهو سيبقى شاهدا على وصول العربدة الإسرائيلية إلى ذروتها، في ظل أسئلة جادة عن حدود الصبر العربي وصمت المجتمع الدولي؟ لقد شكّل هذا الهجوم الغادر اعتداء سافرا على سيادة دولة قطر، ومحاولة آثمة لنقل أجواء الحرب إلى قلب الخليج، في سابقة خطيرة تعكس استخفافا صارخا بالقانون الدولي، ودوسا على أبسط قواعد النظام الدولي القائم على احترام سيادة الدول وعدم المساس بأمنها واستقرارها. المفارقة المؤلمة أن الدولة التي طالتها يد العدوان الإسرائيلي هذه المرة، هي نفسها التي حملت على عاتقها طوال الأشهر الماضية عبء الوساطة الشاقة في حرب غزة، فعلى مدار عامين أظهرت الدبلوماسية القطرية قدرة لافتة على فتح قنوات تفاوض بالغة الحساسية، وبذلت جهودا متواصلة في سبيل بلورة حلول توقف نزيف الدم وتفتح الطريق أمام تبادل الأسرى وإمكانية إنهاء الحرب، برغم العراقيل المتعمدة والمتكررة التي وضعها الاحتلال لنسف أي فرصة للسلام. ومن هنا فقد بات واضحا أن الرسالة التي أرادت «حكومة الإبادة» بقيادة بينامين نتنياهو إيصالها من هذا العدوان هو أنها ترغب في اغتيال مسار الوساطة ووأد كل جهد يسعى لإنهاء الحرب التي حصدت أرواح عشرات الآلاف من الفلسطينيين، وهي رسالة تكشف أن هذه الحكومة، بتركيبتها المتطرفة، لم تعد ترى في الدم الفلسطيني سوى وقود لبقائها، وأداة للهروب من أزماتها الداخلية المتفاقمة وانقساماتها العميقة. لكن الأخطر أن هذا السلوك يكشف عن نزعة عدوانية متصاعدة للاحتلال ربما تفتح الأبواب على مصاريعها أمام مرحلة جديدة من الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة. نعم، فحين تصبح عاصمة خليجية آمنة - بغض النظر عن أي ذرائع أو مبررات- هدفا مشروعا في عقل صانع القرار الإسرائيلي، فذلك لا يعني سوى شيء واحد وهو أن المنطقة بكاملها باتت في مرمى حسابات متهورة لا تعترف بسيادة الدول ولا تقيم وزنا للاستقرار أو للقوانين والأعراف الدولية، ما يهدد بجر المنطقة برمتها إلى ويلات لا يمكن التنبؤ بنتائجها الكارثية. لقد عكست حالة التضامن العالمي الواسع مع دولة قطر عقب هذا العدوان المكانة التي باتت تحتلها هذه الدولة الخليجية، والتقدير الذي تحظى به جهودها الدؤوبة لوقف حرب غزة، لكن هذه المواقف على أهميتها اللحظية يجب أن تقترن بخطوات عملية تردع هذا السلوك العدواني المنتهك لسيادة الدول وتمنع تكراره سواء على دولة قطر أو غيرها من دول المنطقة. كما ينبغي أن تشكل هذه الحادثة نقطة تحول حقيقية، تدفع المجتمع الدولي إلى ما هو أبعد من التضامن السياسي والبيانات التقليدية، فالمطلوب اليوم هو تحرك عملي يلزم إسرائيل بوقف عدوانها، والدخول في مفاوضات جدية برعاية الوسطاء، لإنهاء حرب الإبادة في غزة ولجم مساعي حكومتها المتطرفة لتفجير كل المنطقة عوضا عن التجاوب مع المساعي الحميدة لإخماد الحروب والتوترات.
1794
| 12 سبتمبر 2025
واقعة اغتيال الصحفي الفلسطيني ومراسل قناة الجزيرة أنس الشريف، إلى جانب عدد من زملائه في خيمتهم قرب أحد مستشفيات غزة، هي جريمة وحشية ستظل محفورة في ذاكرتنا كشهود ومتابعين عاجزين أمام يوميات المذبحة الدموية المتواصلة في قطاع غزة. صحيح أن هذه الذاكرة مثقلة منذ ما يقارب العامين بمشاهد الموت والدمار التي لا تنقطع عن غزة، غير أن اغتيال أنس الشريف، الذي كان عينها للعالم، أضاف إليها ندبة غائرة يصعب أن تندمل، إذ لم يكن أحد يتخيل أن جسد أنس الممزق والمضرج بالدم سيغدو هو ذاته محور الكاميرا التي ظل يقف أمامها حتى ساعات قليلة قبل اغتياله. لقد شكلت هذه الجريمة صفعة مدوية للرأي العام، وانتهاكا صارخا لكل الأعراف والقوانين الدولية، فهي لم تكن نتيجة عمل عشوائي أو ظرف ميداني ملتبس كما جرت العادة في خطاب التبرير الإسرائيلي. فقد سارع جيش الاحتلال على الفور إلى الاقرار والتباهي باغتيال أنس وزملائه، وجرى التعامل مع الجريمة الجبانة داخل هياكل حكومة الاحتلال المتطرفة وكأنها إنجاز عسكري غير مسبوق!. هذه الجرأة في تقديم جريمة اغتيال صحفي كعمل مشروع تكشف بوضوح حجم الإفلاس الأخلاقي الذي وصل إليه جيش الاحتلال، وتدلل على حجم ومستوى العربدة التي سحقت في طريقها كل القواعد والأعراف التي قامت عليها أخلاقيات الحروب عبر التاريخ. على امتداد شهور متواصلة كان أنس الشريف رحمه الله عين غزة ونافذتها للعالم، ظل يتنقل بين أحيائها المدمرة وأزقتها الضيقة، يوثق تفاصيل الإبادة الجماعية وسياسة التجويع الممنهجة التي حولت القطاع إلى أكبر مسرح مفتوح للموت الجماعي في العصر الحديث. وما شدّ انتباهي هو ذلك الثبات الاستثنائي الذي تحلّى به أنس، وهو يواجه دعوات متكررة من أصدقائه وزملائه في الخارج لمغادرة غزة حفاظا على حياته، خاصة في ظل تصاعد التحريض والتهديدات العلنية التي وجهها ضده قادة بارزون في جيش الاحتلال. لقد جسّد أنس الشريف في تمسكه بالبقاء على أرض غزة، رغم الخطر المحدق بحياته، جوهر الروح الفلسطينية التي صمدت خمسة وسبعين عاما في وجه التشريد والمجازر، متحدية آلة عسكرية لا تعترف بقانون ولا تلتزم بأي قيمة من قيم الحروب وأخلاقياتها. غير أن للجريمة أبعادا أشد خطورة، إذ تزامنت مع إعلان حكومة نتنياهو المتطرفة خططها لاجتياح مدينة غزة، في إشارة واضحة إلى نية متعمدة لإسكات الشهود قبل توسيع عمليات القتل والتدمير، وهي استراتيجية بقدر ما تحمله من طابع وحشي، فهي تكشف فهما عميقا لدى الاحتلال بأن الصورة قادرة على نسف دعايته، وتقويض شرعية أفعاله أمام العالم. وما يضاعف فداحة المأساة هو انهيار الرهان على الأسرة الدولية، التي تقف حتى اليوم عاجزة أمام مشهد الإبادة المتواصلة في غزة، فرغم فظاعة الجرائم، لم تستطع كبح إسرائيل أو إلزامها بوقف حمام الدم، وهو عجز بات يطرح تساؤلات جادة حول جدوى المنظومة الدولية ذاتها، ومعنى العدالة إن كانت تقف عاجزة عن التصدي لواحدة من أبشع المذابح في التاريخ الحديث، وأكبر مجزرة للصحفيين في مكان واحد وفق هيئات أممية.
1161
| 20 أغسطس 2025
مع اقتراب لحظة مغادرة سعادة السفير خالد بن بدر المطيري، سفير دولة الكويت الشقيقة لدى دولة قطر، لمنصبه بعد سنوات من العمل الدبلوماسي النشط والمثمر، أجدني مدفوعا لا بصفتي الرسمية كدبلوماسي يمني فحسب، بل بصفتي الشخصية، لبعث مشاعر اعتزاز وامتنان عميق تجاه أخ، وصديق عزيز، وركيزة من ركائز العمل الدبلوماسي الخليجي في الدوحة. لقد جمعتني بسعادة السفير المطيري علاقة أخوة وصداقة صادقة نسجتها الأيام، وتعمّقت بتجارب العمل المشترك والحوار المستمر، وأزعم أنها كانت شاهدا على ما يتمتع به هذا الرجل من مهنية عالية، وخلق رفيع، وتواضع إنساني قلّ نظيره هذه الأيام. فقد كان المطيري مثالا للسفير الذي يجسّد في سلوكه اليومي، وفي رؤيته الواضحة لتعزيز أواصر العلاقات الأخوية بين الدول تلك القيم الأصيلة المعروفة عن دولة الكويت؛ قيم الحكمة والتوازن والإخلاص، والتبصر والرؤية النافذة. ومن خلال عملي في قطر ولقاءاتي المتكررة بسعادته، لمست حجم الجهد الذي بذله في تمثيل بلاده خير تمثيل، وفي تعزيز العلاقات الثنائية بين دولة الكويت ودولة قطر، بما يخدم مصالح البلدين والشعبين الشقيقين. كان المطيري حاضراً في كل المحافل، نشطا في كل الميادين، يحمل وطنه في قلبه، ويتعامل مع الآخرين بروح التعاون والانفتاح، ما جعله محل احترام وتقدير من الجميع. ولعل من أكثر ما ترك أثرا في نفسي، هو محبته الصادقة لليمن، التي كان يعبّر عنها دوما في كل لقاءاتنا، وهي محبة لم تحضر على لسانه كمجاملة دبلوماسية، بقدر ما بدت دائما نابعة من قناعة راسخة بالعلاقة الخاصة التي تجمع الكويت باليمن، ومن معرفة عميقة بالتاريخ المشترك، والمواقف الكريمة التي لطالما وقفتها الكويت إلى جانب الشعب اليمني. نعم، فدولة الكويت، كانت ولا تزال حاضرة في وجدان كل يمني، بما قدمته من دعم سخي على مدى عقود، ترك بصماته في كل مدينة وقرية يمنية، عبر مشاريع تنموية وإنسانية لا تُحصى: مدارس، ومشاف، وطرقات، ومنشآت تنموية، كلها تشهد على أن يد الكويت البيضاء امتدت لتلامس حياة المواطن اليمني في أبسط تفاصيلها. ولطالما آمنت الكويت بأن جوهر التنمية يبدأ بالإنسان أولا، وقد تجلّت هذه الرؤية النبيلة بوضوح في مختلف المشاريع التي دعمتها ومولتها في اليمن، حيث لم تقتصر على البنية التحتية، بل امتدت لتشمل التعليم والصحة وبناء القدرات. في الختام لا يسعني إلا أن أتوجه بأصدق التمنيات لسعادة السفير خالد المطيري بالتوفيق والنجاح في أي مهام دبلوماسية أو وطنية يكلف بها مستقبلا. فقد كان خلال فترة عمله في قطر أكثر من سفير، كان صديقا وفيا، ورجلا صاحب رسالة، ووجها مشرقا من وجوه الدبلوماسية الخليجية. دمت بخير يا أبا حمد، وإلى لقاء آخر بإذن الله، حيثما جمعتنا ميادين العمل أو دروب الأخوة.
1560
| 28 مايو 2025
كلما عاد موسم الربيع في اليمن انتعشت أرواحنا، وأزهرت من جديد صور أيام كانت بسيطة للغاية في ظاهرها، لكنها عميقة الأثر في أرواحنا. صحيح أن تلك الأيام لم تكن خالية من مشقة الحياة، لكن بساطتها كانت تمنح كل لحظة فيها معنى خالصا. ذلك أن الربيع في بلد جميل كاليمن لا يعني تحولا موسميا بقدر ما هو حدث بهيج يترقبه اليمنيون بشوق، فهو يأتي حاملا معه فيضا من الذكريات الجميلة، ودفء الحنين إلى أيام خوالي كانت القلوب فيها موحدة، واليمن الكبير مصدر إلهام وعنوان فخر نتباهى به أمام العوالم. ها هي الطبيعة في بلدنا تتأهب لكي تستعيد سلطتها، وتفرض حضورها فوق ركام الأحداث، وكأن الربيع في لحظة تضامن قرر أن يتدخل لتخفيف وطأة المعاناة عن شعبنا المنهك بالأزمات. فمنذ أيام، بدأت تصلنا صور الأمطار وهي تهطل على محافظات عدة، ومعها شعرت بانفراجة في صدري؛ وكأن شيئا في داخلي تفتّح مع تلك الزخات، أو لعلني وجدت في هذا الموسم عزاء لمآتمنا الكثيرة، واستراحة قصيرة من تعب طويل. ربما لهذا السبب تحديدا، ينتابني مع كل موسم أمطار شغف كبير لتصفح كل ما تقع عليه عيناي من الصور والمقاطع الحية. أطيل النظر بلهفة إلى قطرات المطر المتساقطة، وإلى حبات الثلج، فيهتز لها قلبي، وينشرح صدري، ومعها يتأكد في أعماقي بأننا ننتمي حقا إلى واحد من أجمل بلدان العالم، وأزداد إيمانا بأن هذا البلد المعطاء يستحق أن يحظى بفرصة حقيقية للاستراحة من وطأة غبار الصراعات المريرة التي طال أمدها، وأرهقت كاهله، وأعاقته عن اللحاق بركب الأمم المتقدمة، وعطَّلت قدراته الكامنة كبلد يمتلك في طياته كل المقومات وأدوات النهوض والازدهار. أقف مع تلك الصور فيأخذني الحنين غصبا إلى البدايات، وتحديدا سنوات الطفولة والصبا، وتلك الأيام الذهبية التي لا تُنسى عندما كنا نركض تحت المطر ونغتسل بزخاته، فيما تتسع عيوننا البريئة دهشة مع كل تغيير يطرأ على لون الأرض، وكأننا نشهد ولادة جديدة لبلادنا الساحرة. قد لا يكون من السهل الحديث عن الربيع في ظل الأزمات التي تعصف باليمن، لكن من المهم أن يعرف العالم أن هناك يمنا آخر لا يُرى في العناوين العريضة، يمن الفلاحين والمزارعين والمطر والقرى المعلقة والهواء النقي. هذا الوجه من اليمن لا يزال قادرا على أن يهبنا شيئا من الطمأنينة، ولو لموسم عابر.
1755
| 23 أبريل 2025
بقدر ما تبدو فكرة طرد سكان قطاع غزة من أرضهم مفاجئة وصادمة، فإنها في جوهرها تعكس استعادة فاضحة لسلوكيات استعمارية اعتقد العالم أنها أصبحت من مخلفات الماضي. لكنها اليوم تطفو إلى السطح بجرأة غير مسبوقة، متجاهلة كل الأسس القانونية والإنسانية التي تحكم العلاقات الدولية. إن مجرد طرح هذه الأفكار يعكس عقلية لا تزال تستهين بالحقوق الإنسانية، وتتجاوز المبادئ الأساسية للعدالة، وتقفز على حقوق الشعب الفلسطيني غير آبهة بالجذور التاريخية لهذا الصراع. فهل يُعقل أن يُطرح التهجير القسري في القرن الحادي والعشرين كحل لمشكلة سياسية عمرها أكثر من سبعة عقود؟ إن القبول بمثل هذه الطروحات يعني فتح الباب أمام فوضى تنسف كل القوانين والأعراف، وتضرب الاستقرار الإقليمي والدولي في مقتل. لقد لعبت الولايات المتحدة الأمريكية لعقود دور الوسيط في الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وأظهرت كقوة عالمية، التزاما مبدئيا بالسلام القائم على حل الدولتين. لكن ما نراه اليوم من أطروحات تتساوق مع الطموحات المتطرفة داخل الحكومة الإسرائيلية يمثل تراجعا خطيرا عن هذا الالتزام، وهو أمر لا يليق إطلاقا بالولايات المتحدة ولا بمكانتها كقوة عالمية مسؤولة عن الحفاظ على الشرعية والقانون الدولي. لم يعش الفلسطينيون في قطاع غزة عقودا من الحروب والمآسي، ولم يدفعوا هذا الثمن الباهظ من الدماء والتضحيات، ليأتي من يطالبهم بمغادرة أرضهم والبحث عن أوطان بديلة، وكأنهم مجرد أرقام يمكن شطبها من المعادلة السياسية والديموغرافية. إن فكرة التهجير ليست فقط غير أخلاقية، بل هي قفز فوق حقائق التاريخ التي تثبت أن الشعب الفلسطيني لم يرضخ في الماضي، ولن يفعل ذلك اليوم. فكل المحاولات السابقة لفرض حلول قسرية على الفلسطينيين باءت بالفشل، ولم تؤدِ إلا إلى مزيد من التعقيد وإشعال فتائل توتر جديدة. فأي وهم هذا الذي يجعل أصحاب هذه الطروحات يعتقدون أن النتيجة ستكون مختلفة هذه المرة؟. إن الاعتقاد بإمكانية اقتلاع سكان قطاع غزة، وتقديم ذلك كحل للصراع، ليس إلا تفكيرا واهما، فهذه الخطة ليست سوى وصفة جاهزة لصراع أوسع وأشد عنفا وأكثر قدرة على تقويض أسس الاستقرار في المنطقة بأسرها. وهنا لا بد من الإشادة بالموقف العربي الذي بدا منذ اللحظة الأولى واضحا وحازما في رفض هذه الطروحات. لكن هذه الصلابة يجب ألا تبقى في إطار التصريحات، بل ينبغي أن تتحول إلى أفعال ملموسة، سواء من خلال تبني خطة عاجلة لإعادة إعمار قطاع غزة، أو عبر تكثيف التحركات السياسية والدبلوماسية لقطع الطريق أمام أي مشروع يسعى لتغيير الواقع الديموغرافي في فلسطين. إن العالم العربي أمام مسؤولية تاريخية وأخلاقية في الوقوف بجانب أشقائه الفلسطينيين، ودعم صمودهم في وجه المخططات التي تستهدف اقتلاعهم من أرضهم. وهذا يتطلب الشروع في صياغة رؤية إستراتيجية بعيدة المدى تمنع تكرار سيناريوهات النكبة والتهجير التي عانى منها الفلسطينيون لعقود. كما أن المجتمع الدولي مطالب أكثر من أي وقت مضى، بتوحيد موقفه في مواجهة هذه النزعة الاستعمارية المتجددة التي تتجاهل مبادئ وأسس القانون الدولي. إن استمرار هذا النهج لا يعني فقط انتهاك حقوق الفلسطينيين، بل يعني فتح الباب أمام مزيد من الفوضى وعدم الاستقرار وهو أمر لا ينبغي للمجتمع الدولي أن يسمح بحدوثه. غزة كانت وستبقى لأهلها، وأي محاولات لإبعاد سكانها لن تغير من حقيقة ارتباطهم العميق بأرضهم، فالتاريخ يثبت أن الشعوب المتجذرة في أوطانها لا تتخلى عن حقوقها، مهما كانت الكلفة والتضحيات.
1731
| 16 فبراير 2025
«الثقافة ليست مضمارا للتنافس، أو مجالا للمفاضلة بين الشعوب، فلكل مجتمع طابعه الثقافي الذي يعكس جوهر قيم إنسانية مشتركة». من خلال لقاءاتي معه وقراءتي لعدد من مؤلفاته ومقالاته تبلور لدي انطباع راسخ بأن هذه القناعة العميقة تُشكل أساس رؤية الدكتور حمد بن عبد العزيز الكواري، الذي يؤمن بأن البشرية تميل بطبعها إلى التعايش والبناء أكثر من النزاع والصدام. هذه الفلسفة بالطبع لم تأتِ من فراغ، بل صقلتها سنوات طويلة من العمل السياسي والدبلوماسي والثقافي. الدكتور حمد الكواري ليس مجرد شخصية عامة أو رجل دولة قطري بارز، بل هو قامة ثقافية عربية تركت بصمتها في فضاء الفكر والعمل الثقافي. إنه شخصية تجمع بين الدبلوماسية والحكمة، وبين العمل السياسي وعمق الحس الإنساني. ولن أخفيكم أن هذا الرجل يحوز مكانة خاصة في قلبي، فهو ينتمي لذلك النوع من الأشخاص الذين يتركون أثرا عميقا في الروح دون جهد. فحين تجلس معه، لا تشعر أنك أمام ذلك المسؤول الذي تبوأ العديد من المناصب المرموقة، وتنقل ببراعة وحنكة في حقل العمل الرسمي، من السياسة إلى الثقافة والتمثيل الدبلوماسي لدولة قطر في عدد من دول العالم؛ بل أمام إنسان تنبض روحه بالدفء والمودة ولطف الحديث. لديه حضور يجمع بين الرصانة والتواضع، وحين يتحدث يأخذك حديثه بعيدًا؛ فلا تصدر عنه كلمة إلا وهي مليئة بالحكمة والتجربة. مجلسه الثقافي الأسبوعي، المعروف بـ «مجلس الثلاثاء»، ليس مجرد تجمع عادي، بل مساحة نابضة بالحياة؛ فهناك تجد نخبة من المفكرين والأكاديميين والمسؤولين والدبلوماسيين يجتمعون تحت سقف واحد للحوار.. يتبادلون الأفكار، ويناقشون سائر المواضيع بوعي وعمق، ويطرحون قضايا تُثري الفكر وتفتح آفاقا جديدة للعقل. نعم، لقد استطاع الدكتور الكواري تحويل هذا المجلس إلى منصة فريدة للنقاش والحوار، حيث تتلاقى العقول وتُبنى جسور التفاهم والتقارب ليصبح شاهدا حيا على قدرة الثقافة على جمع الناس وكسر الحواجز. ولأن أسبابا عديدة مرتبطة بالعمل وانشغالات الحياة تحول أحيانا دون قدرتي على الالتحاق بالمجلس؛ إلا أن حواراته وأجواء النقاش التي يصنعها تفرض نفسها دائما على الروح والذاكرة؛ فأجد نفسي في اشتياق لتلك الأجواء، متلهفا للعودة إلى المجلس، كأنما هو بيتي الذي أجد فيه ذاتي المحاصرة بمتطلبات العمل في بلد الاعتماد. وعندما نتحدث عن دور الدكتور الكواري في قيادة مكتبة قطر الوطنية التي يرأسها منذ نحو خمسة أعوام، نجد صورة أخرى تعكس جسارته كمسؤول وشغفه بالعمل والنجاح. فبفضل إدارته وجهوده أصبحت المكتبة التي تضم ملايين الكتب والمخطوطات النادرة صرحا عالميا يربط بين الماضي والمستقبل.. فقد جعل منها فضاء يتجاوز حفظ التراث إلى تعزيز الحوار الثقافي والانفتاح الفكري حتى غدت اليوم نموذجا فريدا لمؤسسة ثقافية تجمع بين الهوية الوطنية والانفتاح على العالم؛ فضلا عن دورها في ترسيخ مكانة قطر كمركز ثقافي عالمي. أما اليمن، فله قصة أخرى في حياة الدكتور حمد الكواري؛ فالحديث عن بلدي العزيز يخرج من قلبه دافئا نابضا بالعاطفة والإعجاب؛ فهو لا يرى في اليمن مجرد بلد عربي شقيق، بل ينظر إليه كمصدر إلهام ثقافي وحضاري ودائما ما تغنى به وعبّر عن إعجابه بثرائه الثقافي وحضارته العريقة، وردد أن هذا البلد العظيم يجسد روح الثقافة العربية وعمقها التاريخي. أبوح اليوم بشيء مما في قلبي تجاه صديقي العزيز الدكتور حمد الكواري وأنا أشاركه ألما لا يمكن للكلمات أن تصفه جراء فقدانه نجله الغالي تميم، رحمه الله . إن قلبي كله مع الدكتور حمد في هذه اللحظة العصيبة، وأقول له بكل صدق: نحن معك، نقف إلى جانبك، وندعو لنجلك بالرحمة والمغفرة، ولك وعائلتك بالصبر والثبات. أثق تماما يا أخي وصديقي أن عزيمتك الصلبة وإيمانك العميق سيظلان نورا يضيء حياتك، كما كنت دائما مصدر إلهام لمن حولك، أما نحن فهذه المحنة التي تمر بها لن تزيدنا إلا يقينا بصلابة روحك وتماسكها.. ولطالما كانت كذلك في أصعب الأوقات.
2637
| 26 يناير 2025
ها قد عادت البسمة أخيرا إلى محيا أطفال ونساء وشيوخ قطاع غزة بعد أن عاشوا على مدار أكثر من عام جحيما لا يحتمله بشر. لا يمكن للإنسانية إلا أن تخجل أمام هول المعاناة التي عاشها سكان غزة، حيث أضحت مساحة القطاع الصغيرة مسرحا لواحدة من أكثر الحملات العسكرية وحشية وبشاعة عبر كل التاريخ. لقد جاءت لحظة وقف إطلاق النار، لتضع حدا لهذه الحملة الوحشية، وتفتح نافذة أمل أمام شعب أرهقته تداعيات الحصار والحرب والاحتلال. إن إنجاز هذا الاتفاق والوصول به إلى مرحلة التنفيذ رغم كل المماطلات الإسرائيلية التي سعت لإطالة أمد الحرب واستثمار الوقت في حسابات سياسية باردة تتجاهل معاناة المدنيين وآلامهم؛ يعكس إرادة السلام المدفوعة بإصرار راسخ ودبلوماسية نشطة أثبتت قدرتها على اجتياز كافة العراقيل والصعاب. نعم، فقد كان الاتفاق نتيجة لجهود شاقة وصبر طويل من أطراف الوساطة المشتركة، وعلى رأسها دولة قطر التي أظهرت مرة أخرى قدرات كبيرة في إدارة المواقف الحرجة، وابتكار الحلول في أكثر الأزمات تعقيدا. فمن خلال تنسيق مستمر مع الأشقاء في جمهورية مصر الذين لعبوا دورا محوريا في الوصول إلى هذه اللحظة، وبدعم من الولايات المتحدة تمكنت قطر من كسر الجمود ودفع الأطراف إلى ردم الهوة والتوصل لاتفاق ينهي هذه المأساة، ما يعد انجازا جديدا يضاف للدبلوماسية الحكيمة لدولة قطر التي جمعت بين الشجاعة السياسية والتعاطف الإنساني، والموقف المبدئي الداعم والمناصر لحقوق وطموحات الشعب الفلسطيني. على أن الجميع بحاجة للانتباه إلى أن وقف إطلاق النار ليس نهاية الطريق؛ بل بداية جديدة يجب أن تبنى عليها خطوات أخرى نحو سلام عادل وشامل، فلا ينبغي أن تظل غزة ساحة دائمة للعنف، أو أن يستمر شعبنا الفلسطيني في دفع ثمن سياسات الاحتلال والعجز والدولي. إن أكثر ما يجب أن ترسخه دورة العنف الأخيرة في قناعات المنظومة الدولية هو أن أمن واستقرار المنطقة بأسرها مرهون بتحقيق السلام الشامل والعادل في فلسطين؛ فبقاء الجرح الفلسطيني مفتوحا واستمرار هذا الاحتلال لن يمنح المنطقة ولا لحظة استرخاء واحدة؛ الأمر الذي ينبغي أن يشكل دافعا للبناء على وقف إطلاق النار من أجل معالجة الجذور الحقيقية للصراع بما يضمن حقوق الشعب الفلسطيني ويؤسس لسلام دائم ومتين.
1422
| 21 يناير 2025
مثّل المؤتمر الدولي الخاص بحماية التعليم من الهجمات الذي رعته سمو الشيخة موزا بنت ناصر، ونظمته مؤسسة التعليم فوق الجميع في قطر قبل أيام، فرصة لاستعراض الوضع المرير لواقع التعليم في اليمن في ظل الحرب والأزمة المستمرة منذ نحو عشرة أعوام. فقد وضع دولة رئيس الوزراء الدكتور أحمد عوض بن مبارك المشاركين في المؤتمر أمام الأوضاع المؤلمة للتعليم في بلادنا، ومشاهد الصمود التي تجلت على مدار سنوات هي الأصعب في تاريخ التعليم باليمن، حيث يتشبث أطفالنا بحقهم في الحصول على تعليم مناسب تحت السقوف الآيلة للسقوط والمدارس المدمرة. ولقد داهمتني قبل يومين حالة هي مزيج من مشاعر الفخر والألم في الوقت نفسه وأنا أقرأ مقابلة لممثل منظمة اليونسيف في اليمن بيتر هوكينز وهو يصف واقع التعليم في بلادنا مبديا دهشته من القدرة العجيبة على الصمود، وإصرار الأسر على تكريس جهودها لحصول أطفالها على التعليم رغم التحديات الكبيرة التي تواجه قطاع التعليم في بلادنا. ويقول هوكينز بهذا الصدد «رأيت أطفالا في مدارس ليس لها جدران ومدارس بها مياه على الأرض ومع ذلك يجلس الأطفال في تلك الحالة الرطبة طمعا في الحصول على الدراسة والتعلم». وقد شاهد العالم ما قدمه العزيز سوار الذهب علي المذيع المتألق في برنامجه الناجح (عمران) على شاشة تلفزيون قطر في رمضان الماضي الكثير والكثير من جوانب الوضع المرير للتعليم في كثير من المدن اليمنية حيث يتلقى الطلاب تعليمهم تحت أوراق الأشجار والبعض الآخر تحولت جدران المساجد لسبورات لتلقي التعليم. وكشأن بقية القطاعات جاءت الحرب التي أشعلتها مليشيا الحوثي في بلادنا لتفرض تحديات هائلة أمام قطاع التعليم في بلادنا. فقد تسببت هذه الحرب الكارثية بتدمير أكثر من ألفي مدرسة بشكل كلي أو جزئي، وألقت بأكثر من 4.5 مليون طفل خارج أسوار المدارس، ما يضع الكثير من الأسئلة المعقدة والمخيفة بشأن مستقبل هذا الجيل، وقدرته على تدبر مسائل الحياة والعيش، والاسهام في بناء البلد وتطويره. إننا إذاً بإزاء حالة غير مسبوقة من الدمار والمعاناة، تستدعي اهتماما استثنائيا من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي ومنظماته المختلفة لمساعدة الحكومة اليمنية في وضع وتنفيذ الخطط الكفيلة بمواجهة هذه التحديات، وإيجاد الحلول لها. وفي واقع متشابك ومليء بالتعقيدات بذلت الحكومة خلال الأعوام السابقة جهودا لمواجهة التحديات التي فرضتها الأزمة في بلادنا على قطاع التعليم، بهدف ضمان الوصول المنصف والآمن إلى التعليم، واستغلال الموارد المتاحة لتعزيز قدرة المؤسسات التعليمية على أداء دورها تحت هذه الظروف. لكن هذه الجهود ظلت تصطدم بمعوقات جمة أبرزها حالة الانقسام التي تعيشها البلاد، فالحوثيون الذين استحدثوا نظام تعليم طائفيا موازيا في مناطق سيطرتهم ويسوقون الأطفال إليه بالترهيب والإكراه، يستمرون في الوقت نفسه في حرمان عشرات الآلاف من العاملين في قطاع التعليم من مرتباتهم، وسط محاولات مستمرة من الجماعة لإخضاع كامل القطاع لخدمة أجندتها وأهدافها السياسية. فضلا عن تحديات كبيرة تواجه الحكومة في مشاريع ترميم المدارس والمؤسسات التعليمية المدمرة، وتوفير وطباعة المناهج المدرسية التي تحتاج لتكاليف تفوق إمكاناتها، وكذا ضمان إعادة دمج الطلبة النازحين في عملية التعليم. إنها فرصة لكي نثمن الرعاية الكريمة لسمو الشيخة موزا بنت ناصر لهذا المؤتمر وتنظيم الأشقاء في دولة قطر الشقيقة لهذا المؤتمر الناجح، الذي لعبت مؤسسة التعليم فوق الجميع دورا أساسيا في تحويله إلى يوم عالمي في التاسع من سبتمبر من كل عام بتأييد 62 دولة، آملين أن يشكل الآن وفي المستقبل القريب نقطة تحول في تسليط مزيد من الضوء على المعاناة التي يعيشها هذا القطاع الهام في بلادنا تمهيدا لمعالجات جذرية يشترك فيها المجتمع الإقليمي والدولي والمؤسسات التابعة للأمم المتحدة.
2442
| 22 سبتمبر 2024
آخر ما كان يخشاه العديد من أبناء شعبنا اليمني هو أن تأتي الفيضانات وسيول الأمطار لتخطف منهم أحباءهم، وأقاربهم، أو تجرف معها منازلهم المتواضعة، ومزارعهم، وتضاعف من وطأة معاناة كبيرة هي قائمة بالفعل منذ سنوات جراء الحرب، وما خلفته من أزمات اقتصادية ومعيشية وإنسانية حادة. الصور القادمة من بلادنا، لا سيما محافظات الحديدة وحجة وتعز مؤلمة جداً تكفي وحدها لشرح حجم الكارثة التي حلت بعشرات الآلاف من السكان جراء الفيضانات الناجمة عن التغيرات المناخية التي يشهدها اليمن منذ أواخر يوليو/ تموز الماضي. فهناك العشرات قضوا في مصارف السيول، وآخرون أتت العواصف والفيضانات على منازلهم ومزارعهم ليجدوا أنفسهم وقد أصبحوا مشردين بلا مصدر دخل وبلا مأوى تحت وابل الأمطار الكثيفة وموجات الصقيع المصاحبة له. وفي أحدث تقرير أممي، بشأن هذه الكارثة هناك ما يزيد عن 34 ألف عائلة متضررة من السيول التي تسببت أيضا في تدمير 12 ألف منزل ومأوى لمواطنين ونازحين، بشكل كلي أو جزئي، فضلا عن تدمير مساحات واسعة من الأراضي الزراعية التي يعتمد عليها الكثير من السكان المحليين في كسب لقمة عيشهم. على أن ثمة أخطارا أخرى متمثلة في تزايد المخاوف من تفشي الأوبئة بسبب تلوث مصادر المياه النظيفة، وجرف السيول لشبكات الألغام وبقايا الذخائر غير المنفجرة جراء الحرب لاسيما في محافظة الحديدة نحو الطرق والسهول والوديان، ما يهدد بشكل جدي وكبير حياة آلاف المواطنين. إننا إذاً إزاء كارثة رهيبة تفوق قدرات الحكومة اليمنية التي استنفرت كل مواردها المتواضعة بهدف إنقاذ ما يمكن إنقاذه، فضلا عن عدم مقدرتها على الوصول إلى العديد من مناطق الكارثة لوجودها خارج مناطق سيطرتها، وتخضع لسيطرة الميليشيات الحوثية التي اكتفت بمشاهدة آثار الكارثة دون أن تحرك ساكناً. هذا الأمر يضاعف الحاجة الماسة لتدخل وكالات الاغاثة الاقليمية والدولية وتلك المرتبطة بالأمم المتحدة لتكثيف نطاق تدخلاتها الطارئة وإغاثة أبناء شعبنا المنكوبين، والتفكير بمشاريع ذات أثر ملموس في واقع، وحياة الناس على المدى البعيد. في وثبة إنسانية شجاعة بادرت العديد من الجمعيات والهيئات لتقديم المساعدة العاجلة للمتضررين من كوارث السيول، لا سيما المرتبطة بدول وحكومات الأشقاء في مجلس التعاون الخليجي، وهي جهود كبيرة ومضيئة ستظل محل امتنان وعرفان من شعبنا.. لكن يجب أن نقول إن الوضع كارثي وكل يوم تتكشف حجم المأساة أكثر وأكثر وهو ما يستدعي جهدا أكبر من إخواننا وأشقائنا جميعاً. ويجب أن نعيد التذكير بضرورة أن تتجاوز الحلول مسألة المعونات الاغاثية، إلى حشد كل القدرات والإمكانات لإعادة تأهيل وتطوير بنية تحتية قادرة على مواجهة المواقف الطارئة، مثل بناء وتشييد شبكات تصريف قوية، ومسارات تدفق للمياه تكون قادرة على مواجهة مثل هذه الكوارث. إنها فرصة لتجديد الدعوة إلى كافة الجهات والهيئات الإقليمية والدولية لتوظيف الدعم الذي تتلقاه من المانحين من أجل مشاريع بنى تحتية مستدامة، إلى جانب الاغاثة الإنسانية، وإعادة تحديث أولوياتها بما يتوافق مع برنامج الحكومة الذي يركز على توجيه التدخلات نحو برامج تنموية ذات أثر مستدام. حفظ الله وطننا وشعبنا من كل مكروه.
1902
| 19 أغسطس 2024
جاء انعقاد الاجتماع الوزاري المشترك بين دول مجلس التعاون واليمن في قطر هذا العام في ظل تحديات اقتصادية وإنسانية هائلة تواجهها بلادنا، لا سيما مع تراجع التمويلات للجانب الإنساني، وما فرضه التصعيد العسكري المتمثل بالهجمات الطائشة على منشآت وموانئ النفط من تشديد للأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعاني منها شعبنا. ولا شك بأن اليمن يتطلع من خلال هذا الاجتماع، لإعادة تسليط الضوء على هذه الأزمة، وأهمية مساندة جهود الحكومة الشرعية في مواجهة تحديات مركبة ومتشعبة تفوق إمكاناتها، وطاقاتها، في ظل الظروف الراهنة التي تعيشها بلادنا. ونحن هنا نشكر الأشقاء في دولة قطر على استضافة هذا الاجتماع الهام، الذي يمثل بدون شك محطة مشرقة في مسيرة العلاقات اليمنية الخليجية الممتدة لأكثر من أربعة عقود. على مدار الأعوام الماضية لعب الأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي، الدور الأكبر والأبرز في جهود انتشال اليمن من أزمته، وتخفيف وطأة المعاناة الإنسانية والنتائج المدمرة للحرب التي فرضت على شعبنا، سواء من خلال التدخل المباشر لدعم الموازنة العامة للدولة، أو تمويل وتنفيذ المشاريع التنموية، وتقديم خدمات الإغاثة الإنسانية لملايين السكان. ولقد كان معالي وزير الخارجية وشؤون المغتربين الدكتور شائع الزنداني واضحا في هذه المسألة في كلمته بالاجتماع الوزاري، التي تطرقت إلى مستوى وحجم الأزمة الاقتصادية والإنسانية والحاجة إلى مساعدة أشقائنا في مجلس التعاون لاتخاذ بعض الخطوات الهامة للتغلب على هذه التحديات، مثل تبني المجلس دعوة لعقد مؤتمر للمانحين لدعم الاقتصاد اليمني، والمساعدة في تسوية الديون المتأخرة على اليمن للمؤسسات والصناديق الإقليمية والدولية كي يتسنى لبلادنا الاستفادة من التمويلات التي تقدمها هذه المؤسسات، وكذا إعطاء العمالة اليمنية الوافدة في مجلس التعاون الأولوية في سوق العمل نظرا لدورهم المحوري في رفد الاقتصاد الوطني. إن طول أمد الأزمة في بلادنا قد خلف أوضاعا اقتصادية، وأمنية كارثية سيكون لها تداعيات تتجاوز اليمن، إلى الإقليم والعالم، وهو أمر يدركه الأشقاء في دول مجلس التعاون ويعملون على تفاديه عبر مصفوفة برامج تستهدف انتشال اليمن من هذه الأزمة، وإعادة تأهيل مؤسساته وبنيته التحتية، واقتصاده الهش. ونحن في اليمن ننظر إلى هذه الجهود بكثير من التقدير، ونعتقد بحتمية هذا التعاون، وتوسيع نطاق التدخلات الإنسانية والاقتصادية والتنموية وفق رؤى دقيقة وفعالة تحقق الأثر السريع، وبموازاة ذلك استمرار دعم وتقوية الحكومة ومؤسساتها، حتى يتسنى لها مجابهة سائر التحديات العسكرية والأمنية، وإحباط المخططات التي تهدف إلى اختطاف اليمن، ورهنه لأجندة إقليمية مشبوهة أو تحويله إلى منصة لتهديد أمن واستقرار الأشقاء في جوار اليمن من دول مجلس التعاون. لقد مثل التزام الأشقاء في دول مجلس التعاون بالوقوف إلى جانب اليمن، ودعمه على كافة الأصعدة واحدة من النقاط المضيئة في تاريخ أمتنا، ونموذجا يحتذى في التعاون العربي- العربي؛ فعلى مدار سنوات طويلة كان الدعم الخليجي سابقا الجميع في وضع بصمته على كافة مناحي الحياة في اليمن، وهو أمر سيتذكره اليمنيون مستقبلاً كواحد من أهم عوامل خروجهم من الأزمة الراهنة. إن عودة مجلس التعاون في اجتماعه الأخير للتأكيد على التمسك بالمرجعيات الثلاث لحل الأزمة اليمنية حملت قيمة مضاعفة بالنسبة لليمن حكومة وشعباً، وذلك لأن المليشيات كانت قد بذلت جهداً إعلامياً مكثفاً طوال السنوات الماضية لإثارة الشكوك حول ثبات الموقف الخليجي في اليمن، ولذلك لم يكن مستغرباً أن تطلق هذه المليشيات حملة إعلامية مستهجنة بعد هذه الجلسة ضد دول المجلس. في نهاية المطاف، سيعود اليمن تدريجياً لأبنائه ولمحيطه العربي رغم كل المعاناة والضياع الحاصل، وسيخرج اليمنيون بدروس خالدة من هذه الحقبة المظلمة، وفي صدارة هذه الدروس أنهم محظوظون بجيران كانوا أهلاً للثقة عند كل منعطف، وأن الدورة 160 لمجلس التعاون التي انعقدت في دوحة العرب مثلت إحدى لحظات الإشراق الأخوي الخالد بين اليمن وجيرانه في الخليج العربي.
2664
| 12 يونيو 2024
لا يمكن النظر إلى الحملة السياسية والإعلامية ضد دولة قطر على خلفية دورها كوسيط فاعل في ملف غزة، بمعزل عن الفكرة التي تشكلت منذ زمن بعيد لدى الكيان الإسرائيلي، عن كونه وجد ليحظى بالدعم المطلق، حتى بات يرى في أي جهد محايد لوقف إطلاق النار، بأنه يمثل انحيازا ضده، أو هكذا يريد قادة الاحتلال أن تبدو الصورة، بغية تحقيق أهداف لا يغفلها أحد. لقد شكلت تداعيات هذه النشأة أكثر الخُلاصات وضوحا عن طبيعة الوعي السياسي لكيان الاحتلال الإسرائيلي، ومثلت دائما عائقا حاسما أمام أي جهود لتسوية الصراع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، على مدار عقود. وكان غريبا أن تكرر بعض القوى الدولية الحديث عن رغبتها في تسوية هذا النزاع، فيما تدفع سياساتها الداعمة للاحتلال في نفس الوقت لتكريس هذه الانطباع لديه عن نفسه، وصولا إلى ما نشاهده اليوم من ممارسات لاسيما في الضفة الغربية، تؤكد تمرده حتى على تلك القوى التي رعته، وجعلت من نفسها مظلة لحمايته من طائلة القانون والعدالة. في اللحظة الراهنة، ورغم مرور ما يزيد على مائتي يوم على هذه الحرب الهمجية الوحشية التي حول فيها جيش الاحتلال الإسرائيلي قطاع غزة إلى بركة من الدماء، وسوّاه بالأرض، مشردا أكثر من مليوني إنسان؛ إلا أن هذه الحرب فشلت في تحقيق أهدافها، والتي على صدارتها استئصال المقاومة، وإعادة الرهائن لدى الفصائل الفلسطينية المقاتلة في القطاع. ولما برزت الحاجة لجهد إقليمي ودولي يضع حدا لهذه المأساة الفظيعة ويوقف حمام الدم، ويعيد إطلاق سراح الرهائن والأسرى والمعتقلين في غزة والسجون الإسرائيلية شحذ الاحتلال الصهيوني لسانه وأبواقه داخل الكيان وخارجه وذهب يهاجم دولة قطر التي حضرت في هذه المأساة الكبرى كطرف وسيط، يهدف لخلق مقاربات تنهي المأساة، وتوقف إطلاق النار، وتحقق مصالح كافة الأطراف. هذه الحملة بقدر ما تبدو بائسة وبعيدة عن إمكانية خلق أي تشويش تجاه الدور القطري، فهي تكشف بجلاء طبيعة العنجهية التي توجه سلوك قادة إسرائيل، والتي يفترض أن ينظر إليها من المجتمع الدولي كفعل يهدف لإحباط أي مساع لوقف نزيف الدم، وإنهاء الحرب، ونزع فتيل صراع لا أحد يستطيع التكهن بامتداداته وتداعياته على الأمن والاستقرار في المنطقة. لقد نجحت قطر بواسطة الدبلوماسية في التحول إلى قوة رائدة في فض وتسوية النزاعات، وحلحلة العديد من الأزمات والملفات السياسية الشائكة في المنطقة، ما منحها ثقة متزايدة على المستوى الدولي. وكان لهذه الدبلوماسية دور كبير في الملف اليمني، فعلى مدار أكثر من عقدين حضرت قطر كوسيط لنزع فتيل العديد من الأزمات والحروب التي شهدتها بلادنا، وهي خطوة لم تتعارض مع موقفها السياسي الثابت في دعم سلطات الدولة وإجماع اليمنيين، وانخراطها في الجهود الضاغطة لتطبيق القرارات الأممية ذات الصلة بالشأن اليمني. هذه الحملة التي يتزعمها العديد من قادة الكيان الإسرائيلي ومن يدعمهم في بعض العواصم ضد قطر يجب أن تجابه بإدانة دولية صريحة وواضحة، لأن ما تستحقه قطر كوسيط نزيه في هذه الأزمة هو الشكر، وليس كيل الاتهامات، ومحاولة ابتزازها كسلوك مشين اعتاد الاحتلال على اللجوء إليه لمواجهة أي جهود تهدف لتسوية النزاع المستمر منذ عقود طويلة في الأراضي المحتلة.
2382
| 25 أبريل 2024
لا شيء يمكن أن يكدر الخاطر، ويحزن النفس في هذه الأيام الفضيلة أكثر من رؤية العديد من أبناء شعبنا اليمني وهم يكافحون في مسار يومي من المعاناة، والمشقة لتوفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة اليومية والتي لا تتعدى في سقفها الأعلى رغيف خبز، أو شربة ماء، أو علبة دواء مستحيلة. وأنا أشاهد حلقات من برنامج «عمران» على تلفزيون قطر للصديق الإعلامي المتميز سوار الذهب في رحلته المثيرة إلى اليمن هذا العام أخذتني المشاهد في مشاعر متضاربة من الشوق لبلدنا الحبيب، إلى الألم الذي تولد من مظاهر المعاناة لدى الكثيرين من أبناء شعبنا الذين يكابدون ظروف حياة صعبة، جاءت الحرب لتضاعف من تحدياتها، وتجعل منها بالنسبة للعديد منهم مسألة فوق الاحتمال. هذه المبادرة للصديق سوار الذهب، وطاقم برنامج عمران في تلفزيون قطر، تستحق الشكر والتحية بما تنطوي عليه من فعل أقل ما يمكن أن يوصف بأنه شجاع، وينم عن حس إنساني شكل دافعا أساسيا للانطلاق من قطر في رحلة شاقة شملت العديد من المحافظات اليمنية بقراها وأوديتها وأريافها، واستمرت أكثر من شهرين. لقد تركت الحلقات الأولى للبرنامج انطباعا مثيرا عن اليمن لمن لا يعرفه، لا سيما أولئك الذين اقتصرت معرفتهم بهذا البلد العريق على ظروفه السياسية الراهنة، والتي شكلت غيمة سوداء حجبت عن الكثيرين عظمة اليمن وأصالة وكرم وطيبة شعبه التي حافظت دائما على صلابتها ووجودها من الانسحاق تحت غبار الحروب والنزاع والانقسامات. على أن مشاهد المعاناة لدى شعبنا والتي وثق البرنامج جانبا منها، ستظل من أكثر الأشياء التي تحز في نفوسنا جميعا. إذ إن فكرة أن تشاهد آلاف الناس وهم يكابدون بحثا عن شربة ماء، أو تنقضي أعمار بعضهم وهم في حالة «عمى» لأنهم فقط لا يمتلكون نفقات المعاينة الطبية، هي مسألة تهتز لها المشاعر الإنسانية، وينزف لها ضمير كل إنسان سوي. هذه المعاناة يفترض أن تكون الأساس الذي ينطلق منه الجميع لإعادة التفكير في مصلحة شعبنا، بدلا من المشاريع المراهقة والطموحات السياسية الضيقة التي تقفز فوق هذا الواقع، نحو محاولة اختطاف البلد، ومصادرة مستقبله لصالح فرد، أو طائفة، أو جماعة، دون اعتبار لمعاناة شعبنا التي طالت دون حلول في الأفق. لا يستحق شعبنا ما يحدث له بكل تأكيد، وعلى أولئك الذي يصرون على جعل هذه المعاناة قدرا أبديا أن يدركوا أن لعنة التاريخ ستلاحقهم، والأجيال ستتذكر أسماءهم جيدا، حين يندثرون، وينبعث الشعب من ركام خرابهم مثل طائر العنقاء من رماده، برغبته المتعطشة للحياة، وأحلامه التي لا يسعها هذا الفضاء الرحيب. والله المستعان
2928
| 18 مارس 2024
مساحة إعلانية
انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت...
7023
| 14 أكتوبر 2025
المعرفة التي لا تدعم بالتدريب العملي تصبح عرجاء....
2856
| 16 أكتوبر 2025
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...
2436
| 20 أكتوبر 2025
يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...
2259
| 21 أكتوبر 2025
في ليلةٍ انحنت فيها الأضواء احترامًا لعزيمة الرجال،...
2127
| 16 أكتوبر 2025
قمة شرم الشيختطوي صفحة حرب الإبادة في غزة.....
1608
| 14 أكتوبر 2025
في زحمة الحياة وتضخم الأسعار وضيق الموارد، تبقى...
1401
| 16 أكتوبر 2025
الوقت الآن ليس للكلام ولا للأعذار، بل للفعل...
1251
| 14 أكتوبر 2025
لا يخفى على أحد الجهود الكبيرة التي تبذلها...
1122
| 14 أكتوبر 2025
لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت...
828
| 20 أكتوبر 2025
في قلب كل معلم مبدع، شعلة لا تهدأ،...
780
| 17 أكتوبر 2025
القيمة المضافة المحلية (ICV) أداة إستراتيجية لتطوير وتمكين...
777
| 20 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية