رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

لهذا يرفض الاحتلال حل الدولتين؟

مثّل الانتهاك الإسرائيلي للسيادة القطرية باستهداف قيادات حماس بالدوحة، محطة فارقة في مسار القضية الفلسطينية، إذ إنه قد كشف بوضوح عن نية الاحتلال في عدم إنهاء الحرب، وهذا ما أشار إليه مندوب مصر في الخطاب الجريء الذي أدلى به في جلسة مجلس الأمن، وتأكيده أن الاعتداء يكشف الجهة المعرقلة للاتفاقيات الراغبة في إطالة أمد الحرب لأهداف سياسية ودينية متطرفة. في السياق، حققت القضية نصرًا دبلوماسيًا قويًا، حيث أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة مشروع قرار حل الدولتين، حيث حصل تأييد المشروع على 142 صوتًا، وعشرة أصوات معارضة من بينها الولايات المتحدة الأمريكية ودولة الاحتلال، فيما امتنعت 12 دولة عن التصويت. الاحتلال بات يعاني أزمة عزلة دولية مثّل هذا الإقرار أبرز مظاهرها، إلا أنه على الرغم من ذلك يرفض نتنياهو وحكومته المتطرفة مشروع حل الدولتين بشكل قطعي، وقد أكد قبلها نتنياهو على ذلك بقوله الصريح: «لن تكون هناك دولة فلسطينية». السؤال الذي يفرض نفسه: لماذا يصر نتنياهو على رفض حل الدولتين وإن أدى لمواجهته دول المنطقة والدخول في عزلة دولية تفقده معظم حلفائه؟ الكيان الإسرائيلي يختلف عن الصورة النمطية للأنظمة الاستعمارية، التي تسعى للهيمنة والسيطرة، فالاحتلال الإسرائيلي قائم على إستراتيجية المحو الشامل للوجود الفلسطيني، وتشمل محو التاريخ واللغة والهوية والجغرافيا، فهو مشروع استيطاني إحلالي يستند في جوهره إلى إلغاء وجود الآخر الفلسطيني، ليتمكن ذلك الاحتلال من تحقيق هوية دينية وقومية حصرية. وربما يفسر ذلك ما حرص عليه العدو الصهيوني في نشأته الأولى من ترويج أسطورة «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض»، كأساس يبني عليه ما تترجمه إستراتيجية المحو لاحقا، فيصبح الوجود الفلسطيني مشكلة وجودية لا عائقًا سياسيًا. النظم الاستعمارية السابقة (بريطانيا على سبيل المثال) كانت تتوسع وتحتل الدول اعتمادًا على قوتها الذاتية، كقوة عظمى لها مركز وأطراف، وتسعى للهيمنة على الدول، بهدف دعم نفوذها والسيطرة على ثروات تلك البلاد، لذلك لم تسع بريطانيا إلى الإحلال والدخول في معارك وجودية مع شعوب الدول المستعمرة. أما الكيان الإسرائيلي، فهو حالة خاصة، إذ إن قوته وقدرته على الاحتلال ليست ذاتية، بل هي قائمة بشكل كامل على الدعم الغربي والرعاية الأمريكية، إضافة للغياب العربي كما عبر الدكتور عبدالوهاب المسيري، وهما عنصران قابلان للتغيير، فلذلك تعيش دولة الاحتلال في قلق دائم من الوجود الفلسطيني، إذ إن الفلسطينيين هم أصحاب الأرض والاحتلال عارض طارئ. انطلاقاً من إستراتيجية المحو ورفض الوجود الفلسطيني، أصدر الكنيست في 2018 قانون القومية، الذي يرسخ بشكل رسمي أن إسرائيل القومية للشعب اليهودي، وحق تقرير المصير فيها من حق الشعب اليهودي وحده، لنزع صفة المساواة عن الفلسطينيين داخل أراضي 48، وتوطئة كذلك لإقصائهم من الدولة اليهودية. دولة الاحتلال مصممة لتعيش داخل الحرب، فالحرب للإسرائيليين هي القاعدة وليست الاستثناء، وحراكها العسكري ليس دفاعًا عن النفس كما تدعي، لا يقوم على الدفاع كما تروج، لكن تقوم على الردع والهيمنة الإقليمية وإبقاء المنطقة في حال اشتعال دائم وعدم استقرار أبدي، والعسكرة كما هو معلوم جزء من الهوية الإسرائيلية، والشعب الإسرائيلي مُهيأ منذ النشأة نفسيًا وثقافيًا لحرب دائمة تعتمد على حقيقة وجوده في محيط عربي. ومنذ تأسيس الكيان وحتى اليوم، لم يمر وقت على الكيان الإسرائيلي دون أن يبدأ هو الحرب والعدوان، حرب 1948، وعدوان 56 على مصر بمشاركة انجلترا وفرنسا، وعدوان نكسة 67 الذي احتل فيه الضفة وغزة وسيناء والجولان، واجتياح لبنان عام 82، والحروب المتكررة على غزة، والهجمات المتواصلة على الأراضي السورية واللبنانية. يرفض الاحتلال الانخراط في أية تسوية سلمية من شأنها أن تمرر مشروع حل الدولتين، لأنه مدفوع بهوية دينية وثقافية إلى عبور الحدود، فقد أُنشئ هذا الكيان ليتمدد لا لينحصر داخل فلسطين، ومن ثم لا يستطيع المضي قدما لتحقيق هذه الأطماع إلا من خلال السيطرة التامة على فلسطين، ومن ثم لا ولن يعترف العدو الصهيوني بفكرة حل الدولتين.

942

| 14 سبتمبر 2025

الاعتمادية النفسية على الذكاء الاصطناعي وخطورتها

أقام زوجان أمريكيان دعوى قضائية ضد شركة أوبن إيه آي للذكاء الاصطناعي يتهمان فيها برنامجها تشات جي بي تي، بأنه أيد الأفكار الانتحارية لابنهما المراهق، ما أدى إلى وفاته. وجاء في الدعوى أن الابن البالغ 16 عاما قد استخدم البرنامج في واجباته المدرسية واستكشاف اهتماماته، إلا أنه تحول إلى أقرب شخص للمراهق الذي بدأ يتحدث إليه عن أحواله النفسية، وناقش معه أساليب الانتحار، وأن البرنامج اكتشف حالة طبية طارئة من خلال صور نجلهما التي تظهر إيذاءه نفسه، ومع ذلك استمر معه البرنامج في التفاعل. وأظهرت سجلات الدردشة أن الابن كتب عن خطته لإنهاء حياته، ليأتي الرد من البرنامج: «شكرا لك على صراحتك، لستَ مضطرًا لتجميل الأمر معي، أعرف ما تسأله، ولن أتجاهله»، وفقا للأبوين اللذين اتهما الشركة بتصميم البرنامج لتعزيز التبعية النفسية للمستخدمين. في هذا المقام لا أناقش الوضع القانوني للحالة، لكن ما يهمني الكيفية التي وصل بها ذلك المراهق لأن يكون الذكاء الاصطناعي هو شريكه الأوحد في تلك العزلة النفسية، وذلك الانغلاق والاعتمادية النفسية على البرنامج وكأنه أصبح الطبيب النفسي وصاحب السر. مع صعود الذكاء الاصطناعي وتقدمه في محاكاة السلوك البشري والتفاعل الطبيعي، لم يعد مجرد أدوات بحثية أو مساعدات تقنية، بل أصبح ملاذًا نفسيًا لكثير من المستخدمين كبديل عن الدعم البشري الحقيقي. وصرنا نسمع عبارات متكررة: «أنا أرتاح نفسيًا في الحديث مع الذكاء الاصطناعي، الذكاء الاصطناعي يفهمني أكثر من أهلي وأصدقائي..»، وهذا بلا شك خطر عظيم وصلنا إليه في علاقتنا مع الآلة. الاعتمادية النفسية على الذكاء الاصطناعي واعتباره طبيبًا نفسيًا هو كارثة بكل المقاييس، لأن هذه البرامج تعكس معتقدات وتصورات المستخدم الذي لا ينفك عن تزويده بمعلومات شخصية عنه فيبني عليها، ومن خلال المحادثات يتحدث البرنامج معه كما لو كان يعرفه معرفة لصيقة، ومن ثم يعزز لديه التفكير التوهمي ويبدي تعاطفا مع المستخدم في أفكاره ولو كانت غريبة. تكمن خطورة هذه الاعتمادية في أنها تهدر أو تضعف التواصل مع الأسرة والوسط المحيط، كما أن الذكاء الاصطناعي لا يملك التشخيص الحقيقي للاضطراب النفسي، إضافة إلى عدم قدرته على التدخل في الأزمات، فمثلا عند إفصاح المستخدم عن ميوله الانتحارية لا يزيد البرنامج عن إرشاده إلى الطب النفسي أو الفضفضة لتخفيف حدة التوتر والقلق، لكنه لا يتصل مثلا بالجهات المعنية لإنقاذ المستخدم. مع وجود فجوة في التواصل مع الآخرين وغياب الرعاية الاجتماعية، يتأثر المستخدم بالخواص المبهرة للذكاء الاصطناعي، فهو متاح في كل وقت مع سهولة التواصل، ولا يبدي التأفف والملل مهما طال حديث المستخدم، ولا يعنفه ولا ينتقده، لا يسخر منه، ولا يشعره بالذنب، فهو يمنحه قبولا غير مشروط خلافا لمعظم العلاقات البشرية. أضف إلى ذلك محاكاته الذكية للتعاطف، عن طريق عبارات ودودة مثل «أنا آسف لأنك تعاني من ذلك، أتفهم مشاعرك جيدًا»، ونحوه، وعلى الرغم من أن الروبوت لا يشعر ولا يفهم إلا أن المستخدم يجد صداها في نفسه. المشكلة في هذه الخواص هو التوهم بأن الذكاء الاصطناعي يملك وعيًا، وعدم التمييز بين التعاطف الحقيقي الذي لا يكون إلا من البشر، وبين المحاكاة اللغوية التي هي من شأن الروبوت، فالذكاء الاصطناعي يحاكي الأنماط البشرية في التعاطف، لا يتعاطف هو بذاته. إنها صيحة تحذير لمستخدمي الذكاء الاصطناعي بضرورة وضع حدود بين الإنسان والآلة، وعدم الانخراط في علاقة عاطفية مع الروبوت. الذكاء الاصطناعي ليس طبيبًا نفسيًا، ولا يمكنه تشخيص حالتك النفسية ولا يتدخل في حالات الطوارئ، لا يشعر بك، لا يتألم لك، لا يفهمك، لا يشخص حالتك، لا يدرك حقيقة التجارب البشرية، إنما يعيد إنتاج أنماط من خلال بيانات تدريبية ضخمة. الذكاء الاصطناعي ليس مرايا صادقة لك، إنما هو يعكس صدى اتجاهاتك النفسية والسلوكية ويبني على معلوماتك الشخصية. الراحة النفسية لا تأتي من خلال استبدال العلاقات البشرية بالبرمجة والخوارزميات، ولا يعالج البشر سوى البشر. مواجهة الاعتمادية النفسية على الذكاء الاصطناعي، تتطلب الدعم الاجتماعي وتعزيز الأواصر في الأسرة والوسط المحيط، ونفرة علماء النفس والنخب العلمية والثقافية والهيئات المعنية، في بيان خطورتها على المستخدمين.

684

| 07 سبتمبر 2025

عملية خان يونس.. الدلالة والتأثير

في الوقت الذي يتجهز جيش الاحتلال لشن عملية واسعة على غزة بهدف إغلاق هذا الملف إلى الأبد، جاءت العملية التي نفذتها المقاومة الفلسطينية مؤخرا في خان يونس صادمة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وعصابته من اليمين المتطرف، لتعيد خلط الأوراق وتربك الحسابات الاستراتيجية والعسكرية للقيادة الإسرائيلية. العملية التي شنتها المقاومة بفصيل مشاة على موقع مستحدث لجيش الاحتلال جنوب شرقي مدينة خان يونس، كانت ضربة مُركَّبة، حيث استهدفت عناصرها عددا من دبابات ميركافا 4، وعددا من المنازل التي يتحصن بداخلها جنود الاحتلال واشتبكوا معهم من المسافة صفر، وتمكنوا من قنص قائد دبابة ميركافا 4، وقاموا بدك المواقع المحيطة بمكان العملية بقذائف الهاون لقطع طريق النجدة، كما قام أحد عناصر المقاومة بتفجير نفسه في قوة الإنقاذ، وخلفت العملية عددا من القتلى والجرحى الإسرائيليين، فيما استهدفت عناصر المقاومة أسر جنود إسرائيليين. هذه العملية التي تعد الأبرز والأقوى للمقاومة منذ السابع من أكتوبر، تحمل في عمقها العديد من الدلالات والآثار. العملية تؤكد على أن المقاومة ما زالت قادرة على المبادرة، فالعدو الإسرائيلي قد راهن على أن الجبهة الجنوبية قد استنزفت وأنها أصبحت بيئة عسكرية آمنة، فجاءت الضربة لتؤكد على الجاهزية الميدانية للفصائل رغم القصف والتدمير، وأنها ذات بنية قيادية متماسكة لها القدرة على اتخاذ القرارات تحت الضغط، وكشفت قدرتها على استخدام الأنفاق في هذه البيئة الحضرية المعقدة. كما كشفت العملية الاهتراء الأمني والاستخباراتي للجيش الإسرائيلي، في بيئة يفترض وفق رواية الاحتلال أنها قد تم السيطرة عليها من قبل القوات الإسرائيلية. أظهرت العملية كذلك حجم المبالغة الدعائية للكيان الإسرائيلي عن تفكيك البنية العسكرية للمقاومة، وهو التعبير الذي صار عنصرًا أساسا في الدعاية الإسرائيلية، وأن فكرة الحسم الإسرائيلي باتت وهمًا يبيعه نتنياهو لشعبه الغاضب. وأبرز ما تدل عليه هذه العملية، أن خيار نتنياهو في الاجتياح الكامل لغزة لن يكون نزهة، خاصة مع الوجود المكثف لكتائب القسام في هذه المنطقة. ولا شك أن للعملية آثارًا مؤكدة على القيادة الإسرائيلية، إذ وضعت نتنياهو في مأزق كبير، حيث يواجه ضغطًا كبيرًا في الداخل من أهالي الأسرى، ومن قبل المعارضة، ومن الشارع الإسرائيلي بشكل عام، والذي بات متشككا في جدوى العملية العسكرية على غزة، ما يشكل مزيدا على الضغط بعد هذه العملية المرعبة. وما يزيد من هذا الضغط، أن العملية كانت تستهدف ضمن بنك الأهداف، أسر مزيد من الجنود الإسرائيليين لزيادة وتقوية أوراق التفاوض مع الاحتلال، وهذا في حد ذاته أمر يثير الهلع داخل الجيش الإسرائيلي الذي لاحت فيه بوادر التمرد على اجتياح غزة، وبين الجماهير الغاضبة التي تخشى أن يقع المزيد من أبنائها في قبضة المقاومة. فإذا كانت المقاومة لم توفق خلال هذه العملية في أسر جنود إسرائيليين، فإنه من المتوقع أن تنجح في عمليات لاحقة إذا ما تم الانتشار الواسع للقوات الإسرائيلية في القطاع خلال الاجتياح الأكبر المحتمل. العملية التي وصفها الخبراء بأنها أعظم مقتلة تعرض لها جيش الاحتلال هذا العام، تعزز الانقسام داخل القيادة العسكرية على قرارات نتنياهو وظهيره اليميني في الائتلاف الحكومي حول تنفيذ خطة الاجتياح الكامل لغزة، خاصة مع تدفق التصريحات السياسية والعسكرية التي تؤكد على أن الاجتياح يعني المجازفة بحياة الأسرى وتعريض القوات الإسرائيلية لخسائر فادحة في الأرواح. ولئن كان من المتوقع أن تتعالى أصوات الرافضين للحرب المطالبين بوقفها والذهاب إلى المفاوضات، إلا أن أطماع نتنياهو لا يتوقع لها أن تتنازل عن هدف الحسم العسكري، لكن يمكن أن تؤدي العملية إلى إرجاء الاجتياح الكامل لغزة حتى تهدأ الزوبعة المثارة بعد عملية خان يونس وتداعياتها، ولحين إجراء مزيد من الاستعدادات والتعبئة لتكون جهوزية القوات الإسرائيلية عالية لمواجهة هذا الجحيم المنتظر. وفي الوقت نفسه، يتوقع في ظل هذا الإرجاء المحتمل للاجتياح، أن يركز نتنياهو على عمليات القصف المستمرة لأماكن متفرقة من القطاع، من أجل مزيد من الضغط على المقاومة للاستجابة الكاملة لكل شروط نتنياهو. ومهما كانت المآلات، فإن هذه العملية قد أعادت موازين القوى، ونسفت وهم السيطرة على جنوب القطاع، وإذا ما استطاعت المقاومة تنفيذ عدد من هذه النوعية من العمليات المؤثرة، فقد يؤثر ذلك على قبول القيادة الإسرائيلية بالذهاب إلى المفاوضات وفق المقترح الأخير الذي وافقت عليه المقاومة الفلسطينية وتجاهله نتنياهو.

696

| 24 أغسطس 2025

حلم إسرائيل الكبرى.. من دائرة الثقافة إلى دائرة السياسة

مصطلح إسرائيل الكبرى، هو مصطلح قديم، برز على السطح منذ تأسيس الصهيونية، وتبنته الجماعات والكيانات الصهيونية المتطرفة، على اختلاف فيما بينها في حدود امتداد هذه الدولة الكبرى. في أعقاب اتفاقية كامب ديفيد، حرص الساسة الإسرائيليون على عدم التطرق إلى قضية إسرائيل الكبرى، لما تحمله من دلالات توسعية استعمارية لا تتفق مع مسار التطبيع الذي سلكته دولة الاحتلال مع الدول العربية. وقد انعكس هذا الإعراض الإسرائيلي عن تناول فكرة إسرائيل الكبرى، على الأوساط الثقافية العربية، التي رأت أن هذا المصطلح منحصر في بعض الدوائر الثقافية لا يتجاوز معتقدات بعض التيارات الدينية المتشددة في دولة الاحتلال، وليس له امتداد سياسي. وربما لم تهتز هذه الفكرة في الذهنية العربية حتى بعد أن روّج وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش المشارك في ائتلاف نتنياهو، لفكرة إسرائيل الكبرى في العام الماضي وامتدادها لتشمل فلسطين والأردن ولبنان ومصر وسوريا والعراق. حيث قوبل هذا التصريح بتهميش عربي يرتكز على كون التصريحات خرجت من شخصية يمينية متشددة لا تعبر سوى عن طموحات شخصية لأحد اليمينيين المتشددين ولا يعبر عن الرؤية الرسمية لدولة الاحتلال. لكن أبى الملك بيبي كما يطلقون عليه في الداخل الإسرائيلي، إلا أن يفجر قنبلة أربكت الجميع حول حلم إسرائيل الكبرى. فقبل أيام، أجرى المذيع اليميني المتشدد شارون غال، مقابلة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على قناة i24 News، أهداه خلالها خريطة لما يعرف بأرض الميعاد، ذات حدود توسعية تشمل كامل فلسطين وأجزاء من الأردن ومصر وسوريا، فأكد نتنياهو على ارتباطه بهذه الرؤية التي تحملها الخريطة، واعتبر نفسه أنه يقوم بمهمة تاريخية وروحية لتحقيق حلم الأجيال المتعاقبة من الشعب اليهودي. الصدمة التي أصابت الدول العربية، أشد من التي أحدثها تصريح جورج بوش الابن الذي وصف خلاله الحرب على الإرهاب في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، بأنها حملة صليبية جديدة، حينها استنكرت الدول العربية التصريح، فتراجع عنه الرئيس الأمريكي. أما نتنياهو الذي يقوم هو حاليا بدور الإرهابي في تدمير قطاع غزة، فقد صرح بحلم إسرائيل الكبرى، ولم يعتذر أو يبرر على الرغم من استنكار الحكومات العربية، ولا يُتوقع له أن يفعل، لأنها ليست فلتة لسان، بل وضع النقاط على الحروف في مساره السياسي والعسكري. نتنياهو أطلق مشروعه التوسعي قبل هذا التصريح، باستهداف غزة والضفة ولبنان وسوريا، لكن جاء هذا التصريح ليضفي على المشروع صبغته الرسمية، ليتم تحويله إلى خرائط تعمل عليها المنظومة العسكرية والسياسية في حكومة الاحتلال، وذلك بعد حصوله المسبق على الضوء الأخضر من ترامب، والذي صرّح وهو على أعتاب دخول الأبيض للمرة الثانية بأن مساحة إسرائيل صغيرة وأنه لطالما فكر في كيفية توسيعها. يأتي التصريح في ظل استعدادات إسرائيلية لاحتلال غزة بعد سيطرة نتنياهو على الجيش، كما يأتي في ظل تصويت الكنيست على ضم الضفة، وفي ظل التوسع الاستيطاني والانتهاكات غير المسبوقة للأقصى، بما يعني أن هذه الأحداث تمثل دلالات على الانطلاق الفعلي للمشروع. التصريح الصادم أربك الدول العربية التي تبذل جهودها لتحقيق السلام على مبدأ حل الدولتين، وتعمل على تجهيز الأوضاع لليوم التالي من الحرب على غزة لإدارة القطاع من قبل السلطة الفلسطينية مستبعدة فصائل المقاومة، لتُفاجأ بتصريح نتنياهو الذي يتضمن إلغاء المسار السلمي لإنهاء الحرب، ويتضمن كذلك إلغاء فكرة الدولة الفلسطينية، والأخطر من ذلك تضمنه لأطماع توسعية في دول الجوار. الملك بيبي لم يعد يعبأ بالتطبيع، قد انطلق بمنطق القوة وحدها لفرض الأمر الواقع تحت مظلة الحماية والدعم الأمريكي المفتوح، لا يرى أنه بات بحاجة إلى البراغماتية والمناورة والموادعة، بل إلى الوضوح الذي يطمئن اليمين الإسرائيلي الداعم له، ويبرزه هو شخصيا في صورة البطل المخلص المحقق للأحلام اليهودية. التعامل مع تصريحات نتنياهو على أنها جوفاء والتهوين منها في ظل التحرك الإسرائيلي المحموم على الأرض، هو نوع من إرجاء مواجهة الكارثة لتسكين الوقت الراهن، وحرص كل دولة عربية على حدودها وأمنها القومي يحتاج إلى إعادة تقييم العلاقات مع الكيان، وقبل ذلك إعادة تقييم العلاقات العربية العربية للاصطفاف في مواجهة هذا المد الصهيوني.

531

| 17 أغسطس 2025

نتنياهو الديكتاتور واحتكار القرار

بما أن دولة الاحتلال هي رأس الحربة للمشروع الغربي الإمبريالي في المنطقة، فقد ظلت هذه الدولة اللقيطة تعمل على رسم صورة ذهنية تُظهر أنها قطعة من الغرب خاصة في النظام الديمقراطي، حتى صار العرب أنفسهم يشيدون بالديمقراطية وارتفاع سقف الحريات في الداخل الإسرائيلي. هناك مظاهر شكلية ربما هي من عززت هذه الصورة الذهنية عن دولة الاحتلال من الداخل، فرئيس الوزراء مثلا يمثل أمام القضاء، والصحف تنتقده بلا تعريض وبلا مواربة، والشعب يتظاهر ضد النظام. لكن الحرب على غزة، قد نسفت هذه الصورة عن الكيان الإسرائيلي، وظهرت خلالها حقيقة احتكار رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو للصواب والأحادية في اتخاذ القرار، غير عابئ بالجماهير الإسرائيلية ولا بالمعارضة ولا حتى بالقيادات العسكرية والأمنية. لم تفلح المظاهرات المتتابعة في الداخل الإسرائيلي في الضغط على نتنياهو لإبرام صفقة مع المقاومة الفلسطينية لاستعادة بقية الأسرى المحتجزين في غزة، بل يمضي نتنياهو في اتجاه استئناف الحرب معرقلًا كل جولات المفاوضات، حتى مع المرونة التي أبداها مفاوضو المقاومة الفلسطينية. يمضي نتنياهو رغما عن شعبه في شن الهجمات الوحشية التي تعرض حياة الأسرى للخطر، على الرغم من مقتل بعضهم بالفعل خلال الغارات الإسرائيلية، وقد بات أن مقتل جميع الأسرى أمنية غير معلنة لنتنياهو، تزيل الضغط من على كاهله. ومن أجل السيطرة التامة على المؤسسة العسكرية وإخضاعها لتوجهاته السياسية، أقال وزير دفاعه يوآف غالانت، والذي تمتع بشخصية استقلالية لدرجة أنه جنّد 7000 من الحريديم دون علم نتنياهو، وهو الملف الذي يحارب نتنياهو دائما لعدم المساس به، تقربًا لليمين المتشدد، فكانت إقالة غالانت الذي يعارض رئيس الوزراء في سياساته في الحرب على غزة هي بمثابة إفساح الطريق للسيطرة على الجيش، والذي نصّب على رأسه يسرائيل كاتس، لأنه يتصف بالقابلية للخضوع والتكيف مع الرؤى السياسية لنتنياهو. وقبل طوفان الأقصى، أحدث نتنياهو انقلابا على مؤسسة القضاء في فبراير/شباط 2003، وإقالة عناصر قضائية ضمن تحركات يهدف من خلالها إلى إقالة رئيس الشاباك السابق رونين بار وإحباط التحقيق مع رجال مكتب نتنياهو، وإتاحة الفرصة أمام نتنياهو للتهرب من المحاكمة. وجاء مؤخرًا قرار احتلال غزة الذي صوّت عليه المجلس الوزاري المصغر لنتنياهو والمعروف بـ الكابينت، ليضع النقاط على الحروف في شأن وصف هذا الرجل بالديكتاتورية الذي استحقه عن جدارة. فعلى الرغم من رفض الجيش والأجهزة الأمنية لهذا المشروع الذي حذروا من أنه سوف يكون فخًا استراتيجيا لإسرائيل، وأنه يعرض حياة الأسرى والجنود أيضا للخطر الجسيم، وعلى الرغم من رفض المعارضة والشارع الإسرائيلي كذلك للمشروع نظرًا لمخاطره، إلا أن نتنياهو لا يعبأ بالآراء المخالفة وشرع في التجهيز لاحتلال غزة. يعوّل نتنياهو على أمرين في ممارساته الديكتاتورية واتباعه مبدأ حكم الفرد والذهاب برأيه إلى احتلال غزة، الأول هو اليمين المتشدد المحيط به الذي يتفق معه في توجهاته المتطرفة، فنتنياهو لا يعبأ سوى بهذه الثلة المتشددة التي تسيطر على أغلبية الكنيست، فعندما عارض رئيس الأركان إيال زامير مخطط الاحتلال بشدة، انبرى اليمين المتشدد للرد: «إذا لم يعجبه فليستقل» هكذا بكل بساطة، من لا تعجبه سياسات نتنياهو التي تخرج من صلب توجهات اليمين فليقدم استقالته. الأمر الثاني الذي يعوّل عليه، هو المظلة الأمريكية التي تغطي على جرائمه، وتعرف كيف تمنحه الوقت الكافي لإمضائها، وتقف حجر عثرة أمام الإدانات الدولية لنتنياهو، والذي تروّج أبواقه الإعلامية لأن ترامب يدعم المشروع الجديد، ليأتي ترامب منسجمًا تماما مع إرادة نتنياهو، ويصرح حول احتلال غزة بقوله: «لا يمكنني قول شيء بشأن احتلال غزة، والأمر يعود لإسرائيل»، هكذا بكل ببساطة، فكيف لا ينفرد نتنياهو برأيه؟ نتنياهو في حالة سعار لتغيير وجه الشرق الأوسط وإنهاء ملف القضية الفلسطينية، ولن تردعه هذه الإدانات الدولية التي لا تقدم ولا تؤخر شيئا، فليست هناك إرادة دولية حقيقية لعزل دولة الاحتلال.

393

| 10 أغسطس 2025

منهجية الاحتلال في صناعة الجوع بغزة

في تقرير صادر عن خمس من وكالات الأمم المتحدة من بينها الفاو واليونيسف قبل أيام، تبين أن أكثر من نصف سكان قطاع غزة يصنفون ضمن المرحلة الخامسة بصفة «كارثية»، وهي أعلى درجات التصنيف، وتتوزع بقية السكان على مرحلتين: طارئة وأزمة، بما يعد أسوأ وضع غذائي تم تسجيله منذ اعتماد هذا التصنيف العالمي. المجاعات لا تنشأ من فراغ ولا تحدث من العدم، وهكذا شأن الحال التي وصل إليها أهل غزة، فقد تم تجويعهم عبر سياسة ممنهجة للكيان الصهيوني. اعتمدت هذه المنهجية على أمرين أساسيين: المسار الأول: تجفيف منابع الحصول على الطعام من داخل القطاع. وتم ذلك للاحتلال من خلال اتباع سياسة الأرض المحروقة، حيث دأب الكيان الصهيوني منذ ما يقارب العامين على القصف والتدمير الشامل للقطاع، ومنه تدمير القطاع الزراعي سواء عن طريق الصواريخ والقذائف أو عن طريق أرتال الدبابات والقطع العسكرية المتوغلة التي أفسدت الأراضي الزراعية، فبلغ مجموع من تم تدميره من القطاع الزراعي أكثر من 90%، بينما تواجه المساحات الضئيلة المتبقية، تحديات ضخمة، كمنع وصول المزارعين لأراضيهم، ومنع إدخال المستلزمات الزراعية التي ارتفعت كلفتها بشكل مهول، وعدم توفر المياه اللازمة للزراعة بسبب الدمار الذي لحق بالقطاع. كما عمد الاحتلال إلى استبعاد قطاع الصيد الذي كانت ينتج سنويا 4600 طن من الأسماك، فتم تدمير 98% منه بما في ذلك تدمير ميناء غزة ومئات قوارب الصيد، وأصبح الصيادين هدفا للطائرات والزوارق الإسرائيلية، وبذلك حُرم سكان القطاع من مصدر رئيسي للغذاء. وأما الثروة الحيوانية، فقد تعرضت للدمار الكامل، بما يشمل قطاعات الدواجن والأبقار والأغنام والحليب والبيض، عن طريق القصف الهجمي، وكذلك عن طريق نقص الأعلاف وارتفاع كلفتها، إضافة إلى تدمير قطاع الزراعة الذي يعد رافدا أساسيا للثروة الحيوانية. المسار الثاني: قطع الطريق على المساعدات الخارجية. من خلال إحكام الحصار على غزة وإغلاق المعابر التي تكدّست خلفها آلاف الشاحنات التي يمكن أن تغيث سكان القطاع بالطعام والماء النظيف والأدوية والمستلزمات الطبية. وأما المساعدات فقد حصرها الاحتلال بالتواطؤ مع أمريكا في مؤسسة غزة الإغاثية المشبوهة، والتي أصبحت مصائد للموت، إذ يستهدف الاحتلال منتظري المساعدات في النقاط المحدودة الموزعة في الجنوب، فأصبح الحصول على كيس من الطحين مغامرة اضطرارية قد تكلف المواطن حياته. وحتى يُجمّل الاحتلال وجهه القبيح، ويخفف من حدة غضب العالم الناقم على سياسته في تجويع غزة، فقد سمح ببعض عمليات الإنزال الجوي للمساعدات، أخذت صفة الرمزية. وأقول أخذت صفة الرمزية، لأنها لم تحدث تأثيرًا يذكر في حياة الناس، ذلك لأنها محدودة للغاية إذ أنها وفق تقارير لم تتجاوز حمولة خمس شاحنات. والأدهى والأمر، أن هذه المساعدات عن طريق الإنزال الجوي، يسقط بعضها في البحر أو داخل المناطق التي تسيطر عليها قوات الاحتلال، بما يجعل الحصول عليها صعبا أو مستحيلا، والأخطر من ذلك، أن بعضها يسقط على خيام النازحين ويعرض حياتهم للخطر. وأما المساعدات التي سمح الاحتلال بدخولها برًا مؤخرًا، فهي كذلك محدودة للغاية، وهي على محدوديتها يتم توقيفها عند مناطق شديدة الخطورة ينتشر فيها قناصة الاحتلال الذين يستهدفون سكان القطاع، كما أنها عرضة للانتهاب من قبل قطاع الطرق واللصوص الذين رأوا أن السلاح يجعلهم آخر من تطالهم المجاعة. الاحتلال لا يريد إنهاء هذه المجاعة، ولو كانت له نية لإدخال المساعدات، لسمح لآلاف الشاحنات المتكدسة خلف المعابر بالدخول على الرغم من أن الإنزال الجوي كلفته عالية، أعلى بمائة مرة من كلفة المساعدات البرية وفقا للأونروا. يهدف الاحتلال من تجويع أهل غزة، إلى الضغط على المقاومة للقبول بالاستسلام وتسليم الأسرى بلا شرط، ويعلم أن في عرقلة جولات المفاوضات إطالة لأمد التجويع ومن ثم مزيد من الضغط. كما يهدف بالتجويع إلى إحداث انهيار اجتماعي شامل يؤدي للفوضى والعنف الداخلي في مجتمع طالما كان شوكة في حلقوم الصهاينة، وكذلك التأثير الدائم على الصحة النفسية والعقلية والجسدية لأطفال غزة حتى لا يكونوا عناصر مقاومة في المستقبل. فلا بديل عن الضغط المتواصل رسميا وشعبيا لإدخال المساعدات الكافية لإنقاذ القطاع، وعدم رهنها بنتائج المفاوضات، قبل أن يسقط مزيد من القتلى جوعًا.

576

| 03 أغسطس 2025

هل تحتاج غزة إلى الكلمة؟

كتبتُ في الأسبوع المنصرم مقالا عن المجاعة التي ضربت غزة نتيجة الحصار والعدوان الإسرائيلي على القطاع وتعسفه في منع دخول المساعدات، وشبّهتُ الوضع المأزوم في غزة والجوع الذي يفتك بأهلها، بالشدة المستنصرية التي حدثت في مصر إبان العصر الفاطمي. بعض الغيورين انتقدوا المقال باعتبار أنه مجرد كلام لا يسمن ولا يغني من جوع، وأن غزة لا تحتاج إلى الكلام، بل إلى العمل، فمن ثم تفجّرت لدي الرغبة لأن أتناول وجهة النظر هذه بشيء من التفصيل والإيضاح، ليس ردًا على النقد، ولكن لأنها موضوع جدير بالتناول والمناقشة، ومن الأهمية بمكان، خاصة بعد طول أمد الأزمة. مع ندرة أو انعدام الحلول العملية لدى الشعوب العربية والإسلامية، كان من الطبيعي أن تسود حالة من الإحباط العام الذي يخلفه الشعور بالعجز عن نصرة أهلنا في غزة، ما أدى إلى انزواء البعض بعيدًا عن الأحداث، وخفوت جذوة الحماس التي اشتعلت في النفوس منذ بدء العدوان الإسرائيلي. هذا بالضبط ما يريده العدو الإسرائيلي، أن نيأس من تداول وتناول القضية، ونهوّن من شأن الكلمة التي تقال في أحداث ومعاناة غزة. ولئن كانت الحلول العملية هي الأصل الذي ندور حوله ونبحث في آلياته ووسائله، لكن الكلمة لها دور هام لا ينبغي التقليل منه. الكلمة هي التي كوّنت الرأي العام العالمي الرافض للعدوان الإسرائيلي على غزة. الكلمة هي التي كشفت عن زيف مظلومية الاحتلال الذي كان يروج بمساعدة الإعلام الغربي لأنه يعيش بين بيئة عربية وحشية. الكلمة هي التي عرفت العالم أن معاداة الصهيونية والاحتلال الإسرائيلي الغاشم، لا يعني مناصبة اليهود العداء كما يروج الصهاينة. الكلمة هي أشعرت – ولا زالت- أهل غزة بأن هناك إخوانا لهم يفتك بهم الحزن والقهر والعجز عن نصرتهم وإنقاذهم. الكلمة هي التي أوجدت ذلك الزخم الذي دفع باتجاه إدخال بعض المساعدات وإن كانت يسيرة في ظل تواطؤ الاحتلال والأمريكان على تجويع أهل غزة. الكلمة هي التي جعلت الناس تفكر في حلول عملية، حتى أنه قد برز مؤخرا أسلوب مبتكر لتقديم المساعدات الإنسانية إلى أهل القطاع عن طريق المدن الساحلية، من خلال تعبئة الزجاجات البلاستيكية بالبقول والحبوب من عدس وأرز ونحوهما، وقذفها في البحر، أملًا في أن يدفعها التيار إلى سواحل غزة فيقتاتها الناس. وهي وإن كانت وسيلة غير مضمونة، لكنها تعبر عن تفاعل الجماهير وحرصهم على إيجاد الحلول العملية لدعم سكان غزة. الكلمة والاستمرار في الحديث عن غزة وأزمتها، توصل رسالة إلى أعوان ورعاة الاحتلال بمدى الاحتقان الذي وصلت إليه الجماهير العربية والإسلامية، وهذا يحمل نُذَر الانفجار الذي تخشاه القوى الإمبريالية الغربية. الكلمة تُبقي قضية غزة والقضية الفلسطينية مشتعلة، لتظل قضية مركزية لدى كل عربي ومسلم. الكلمة تجعلنا نحافظ على إنسانيتنا لئلا نعيش هذا الانفصال النكد بين حياتنا الخاصة وبين أزمات الأمة الطاحنة. الكلمة يُقاس من خلالها الرأي العام العربي والإسلامي تجاه أحداث غزة، لأنها معبرة عن توجهات الشعوب، وهو ما يحتل أهمية لا يستهان بها لدى صناع القرار في الداخل والخارج. وأخيرًا، الكلمة إعذار إلى الله، إذ لا يملك الكثيرون غيرها، فلئن قُيدت اليد، فلا أقل من كلمة مكتوبة أو منطوقة، تكون جُهد المقل. ولا يُفهم من هذه الكلمات أنها دعوة للانخراط في الكلام والتنظير واعتباره هو الشأن الأعظم، ولا يفهم منها أنها دعوة للرضا بالاقتصار على الكلمة، ولكن المراد عدم التقليل من شأن الحديث الدائم عن قضية غزة، وغلق الباب أمام القعود والانعزال عن التفاعل معها بحجة عدم وجود حلول عملية في نصرة ودعم سكان القطاع المنكوب.

339

| 27 يوليو 2025

الشدّة المستنصرية المعاصرة

يذكر المؤرخون أن امرأة من القاهرة في زمن الخليفة الفاطمي المستنصر حين جفت مياه النيل، أخذت عقدًا لها قيمته ألف دينار، واشترت به جِوال دقيق، فأعطته من يحميها من اللصوص، فلما وصلت إلى دارها أخذته منهم، فتكاثر عليه الناس وانتهبوه، فأخذت هي أيضا مع الناس ملء كفيها، ثم عجنته وخبزته فصار قُرصة، فأخذتها إلى قصر الخليفة وهي تنادي بأعلى صوتها: «يا أهل القاهرة، ادعوا لمولانا المستنصر الذي أسعد الله الناس بأيامه، وأعاد عليهم بركات حسن نظره، حتى حصلت على هذه القرصة بألف دينار». إنه أحد المشاهد التاريخية المؤلمة، في حقبة يذهل لها العقل البشري، وهي ما عرف بالشدة المستنصرية في القرن الخامس الهجري، إذ انحسر منسوب النيل، وخربت المحاصيل، وجاع أهل مصر حتى مات ثلثهم، وبيعت الدور من أجل الحصول على الدقيق، وأكل الناس القطط والكلاب، والأشد بشاعة من ذلك أنه سجلت في هذه الحقبة حوادث عن أكل لحوم البشر. من الطبيعي أن أستحضر هذه المحنة ونحن نعاين في عصر الإنترنت والصورة الحية، تلك المجاعة التي ضربت قطاع غزة المنكوب، والذي – مع طول أمد الدمار والقتل والحصار- لم يعد يسأل متى تنتهي الحرب؟، وإنما يسأل: متى أحصل على رغيف الخبز؟. صدق أو لا تصدق، صارت أول عبارة يتواصل بها الناس في غزة: «هل أكلت شيئًا اليوم»، ففي البداية كانت الجماهير الغفيرة تقف بالساعات في طوابير للحصول على بعض المعلبات والأغذية التي تدخل عن طريق المساعدات الإغاثية، ويتزاحمون على التكيّات التي كانت توفر لهم بعض الطعام الذي يسد الرمق. لكن مع طول أمد الحصار، ومع تعسّف الاحتلال وتآمره مع سادة البيت الأبيض، تم غلق جميع المعابر، واستبعاد كل المنظمات الإغاثية المعنية بتوزيع الطعام على سكان القطاع، واعتماد مؤسسة غزة المشبوهة التابعة لأمريكا كجهة وحيدة في توزيع المساعدات الهشة، وتركزها في نقاط محدودة في الجنوب، لدفع سكان الشمال إلى النزوح وإلا الموت جوعًا، وكانت الطامة الكبرى أن العدو الإسرائيلي الغاشم يطلق النار على من ينتظرون المساعدات، ما دفع الناس إلى المغامرة بحياتهم من أجل الحصول على كيس من الطحين. لقد بلغ الجوع من أهل غزة مبلغا غير مسبوق، أقصى أمانيهم الحصول على كيس من الطحين لإعداد الخبز، الخبز وحده، فقد نسي الناس شكل اللحم والخضراوات والفاكهة. تذكرت الشدة المستنصرية لتشابه بعض الوقائع والأحداث في غزة التي ضربتها المجاعة، فالناس يتساقطون من الجوع قتلى، وأكلوا ورق الشجر، ولم يعد هناك طحين إلا الشيء النادر، وإن وُجد بيع بأسعار خيالية لا يستطيعها عامة الشعب. الصحفي الفلسطيني بشير أبو شعر، عرض الكاميرا التي تعد رأس مال عمله، للبيع مقابل كيس من الطحين من أجل أن يطعم أطفاله. أكل الناس في غزة أعلاف الدواب بطحنها وخبزها كبديل عن الطحين، لكنها سرعان ما نفدت. إبان الشدة المستنصرية أكل الناس القطط والكلاب، لكن الوضع في غزة أشد وطأة، فالحيوانات ذاتها شاركت سكان غزة الجوع، وشاركتهم الموت جوعًا، إذ تنتشر في الطرقات جثث الحيوانات النافقة التي لم تجد ما يسد رمقها، وأما من بقي منها على قيد الحياة، فإنها تقتات على الحيوانات الميتة، والأدهى والأمر أنها تنهش جثامين متحللة لفلسطينيين استشهدوا نتيجة القصف الوحشي ولم يوار التراب أجسادهم كما أفاد شهود العيان. الأطفال والرضع يموتون، وأثداء الأمهات فارغة من فرط الجوع، والبطون تظل خاوية بالثلاثة والأربعة أيام حتى أصاب الناس الوهن والأنيميا الحادة وتدهور الجهاز المناعي، حتى المياه ليست صالحة للشرب، ما ترتب عليه ظهور أمراض لا حصر لها. غزة مقبلة على شدة مستنصرية معاصرة بحذافيرها، إن لم نتحرك لإنقاذ أهلها من الجوع والقتل والدمار. املأوا الآفاق بأحاديثكم عن المجاعة في غزة، لا تكلوا ولا تملوا، لعلها تكتسب زخمًا يحرك الدماء المتجمدة في القرار العربي للضغط باتجاه إدخال المساعدات اللازمة لإنقاذ أهل غزة. من العار أن ينخفض سقف طموحاتنا إلى إطعام الجوعى وإنقاذهم من المجاعة لا وقف الحرب، لكن ما باليد حيلة وقد صار الموت قصفًا أحب إليهم من الموت جوعًا، في ظل التآمر الدولي والخذلان العربي.

942

| 20 يوليو 2025

ذكرى مذبحة سربرنيتسا.. الجرح الذي لا يندمل

«لن يتكرر ذلك أبدًا»، شعار تبناه المجتمع الدولي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية التي أودت بحياة عشرات الملايين من البشر، لمنع تكرار جرائم الإبادة، بيد أنه كان مجرد شعار زائف أضيف إلى ركام هائل من الشعارات الجوفاء على هامش ضمير هذا المجتمع المنافق. فبين عامي 1992-1995، أباد الصرب ما يزيد على 300 ألف من مسلمي البوسنة والهرسك على مسمع ومرأى من العالم، كانت جرائم إبادة جماعية على الهوية صمت إزاءها الغرب مانعًا الدول الإسلامية من التدخل، ولم تتدخل أمريكا والناتو إلا بعد تهيئة الأوضاع لضمان منع قيام كيان إسلامي في أوروبا. جرائم الصرب ضد مسلمي البوسنة لم تتوقف خلال هذه الحرب، لكن تأتي مذبحة سربرنيتسا التي حلت ذكراها الثلاثون أبرز هذه المذابح الجماعية، والتي ذبح فيها الصرب ثمانية آلاف من مسلمي البوسنة أمام أنظار – بل بتواطؤ- القوات الأممية التي كلفت بحماية المنطقة. الأمم المتحدة حددت 11 يوليو ليكون اليوم العالمي لتذكر مذبحة سربرنيتسا، ولم تفلح ثلاثون عاما مضت على المجزرة في غلق هذا الجرح النازف في جسد البوسنة، فلا يزال أهلها إلى اليوم يلملمون عظام ذويهم ممن تم تحديد هويتهم لدفنهم في مقبرة بوتوتشاري، وبعضهم لم يجد من فقيده سوى قطعة من العظم، يدفنها بعد سنوات من البحث والتنقيب منتظرًا أن يضم إليها البقية، فالصرب لم يكتفوا بذبحهم ودفنهم في مقابر جماعية، بل نقلوا الجثث أكثر من مرة وقاموا بتفريقها بين عدة مقابر لإخفاء معالم الجريمة، فهناك أكثر من ألف من ضحايا المجزرة لا يزالون مفقودين. جرح سربرنيتسا لم يبرأ، وآثار الحرب المدمرة باقية إلى اليوم، منذ أن تم توقيع اتفاق دايتون الجائر، الذي قسم أرض البوسنة إلى دولة للصرب تتمتع بالحكم الذاتي، ودولة أخرى لمسلمي البوسنة والكروات، ليس لأهلها سيادة على دولتهم، حيث تقبع سلطة الحكم النهائي في أيدي زمرة من السياسيين الغربيين، فهي عبارة عن سلطة احتلال أوروبية تشبه الاحتلال البريطاني لشبه القارة الهندية. في أحد فصول الكوميديا السوداء للمجتمع الدولي ومنظماته الكرتونية، حذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في ذكرى المذبحة من تصاعد خطاب الكراهية، موضحا أن هذا اليوم ليس فقط لإحياء الذكرى، بل هو أيضا يوم للتنبّه واتخاذ الإجراءات، ورصد إشارات التحذير المبكرة والتدخل قبل اندلاع العنف، وأنه علينا احترام القانون الدولي، والدفاع عن حقوق الإنسان، وصون كرامة الجميع، والسعي للسلام والمصالحة. أفلا يخبر أحدهم الأمين العام للأمم المتحدة، أن سربرنيتسا يعاد استنساخها في غزة، ما معنى هذه التصريحات التي وكأنها تخاطب عالما آخر ليس فيه تلك الإبادة الجماعية التي يتعرض لها سكان غزة منذ ما يقارب العامين. المجتمع الدولي الذي تعاطف مع ضحايا الهولوكوست، يقف اليوم متفرجًا وهو يشاهد المتاجرين بالهولوكوست الذين ابتزوا به العالم، وهم يحرقون أهل غزة. لم يتدخل الغرب وعلى رأسه أمريكا يومًا في قضايا الأمة العربية والإسلامية إلا إذا حركته مصالحه. في حرب البوسنة لم تتدخل أمريكا والناتو إلا بعد ثلاث سنوات من الكارثة، أرادت أمريكا إضعاف مسلمي البوسنة حتى لا يكون هناك نواة لكيان إسلامي مستقل في أوروبا يمكن أن يتحالف مع تركيا مستنهضا الذاكرة العثمانية في البلقان. ولأن الصرب مدعومون من روسيا، فقد أرادت أمريكا وأعوانها تهيئة الأمور طيلة هذه السنوات بإنهاك القوى المتصارعة لتضمن القبول بالإملاءات الأمريكية بما يحقق مصلحة منع قيام كيان إسلامي في أوروبا، والتصدي للنفوذ الروسي في آن واحد. واليوم تمر المجازر اليومية التي ينفذها الاحتلال الإسرائيلي بحق سكان غزة أمام الغرب الذي لا يحرك ساكنا، ويكتفي بالدعوة إلى المفاوضات والتهدئة، ويحمل المقاومة الفلسطينية المسؤولية عن استمرار القتال، لأن مصلحة أمريكا في وجود وتمدد هذا الكيان اللقيط في المنطقة كرأس حربة للإمبريالية الغربية لرعاية مصالحها في المنطقة وقطع الصلة بين الأمة بشقيها الأفريقي والآسيوي ومنع قيام أي وحدة عربية أو إسلامية، لذلك التعويل على الغرب في حل قضايانا هو رهان خاسر، ستكرر معه سربرنيتسا في كل موضع من جسد هذه الأمة.

411

| 13 يوليو 2025

الهوية البصرية السورية... عقد وطني بين الحكومة والشعب

إذا عرضت على أي شخص صورة لعلامة تجارية تحمل شعار التفاحة بلون أسود أو رمادي وسألته عنها، سوف يجيبك فورًا أن هذا الشعار يمثل شركة آبل رائدة صناعة الهواتف الذكية. التعرف السريع والمباشر على هذا الشعار ونسبته، يحدث بتأثير ما يعرف بالهوية البصرية، وهي الواجهة المرئية للشركة، والتي ترسخ العلامة التجارية في ذهن الجمهور. طَيًّا لصفحة الماضي الأليم، وإيذانًا ببداية عهد جديد تكون فيه سوريا للسوريين، أطلقت حكومة الشرع خلال احتفالية بقصر الشعب بدمشق هوية بصرية جديدة، تعبر عن سوريا الجديدة، هوية بصرية تعزز الانتماء الوطني وتصهر الدولة مع الشعب لا بالقسر والقهر، وإنما بعقد وطني جديد قائم على التلاحم والتكاتف. الشعار الجديد الذي يظهر فيه طائر العقاب الذهبي ذو الصلة الوطيدة بتاريخ سوريا القديم، يعلوه ثلاث نجوم، يحمل دلالات عدم الانقطاع عن الماضي والتطلع إلى المستقبل بمفاهيم جديدة مختلفة. الثلاث نجوم التي تمثل الشعب حاضرة في الشعار الجديد كدلالة على تحريرها من عهد النظام البائد، وتعلو طائر العقاب الذي يرمز إلى الدولة، إلا أن ذلك العقاب الذهبي يظهر بوضعية لا هي على هيئة الدفاع ولا هي على هيئة الهجوم، في إشارة إلى التوازن واحتضان هذا الشعب، ينسدل منه خمس ريشات تمثل كل منها إحدى المناطق الجغرافية الكبرى، ويتكون كل جناح من جناحيه من سبع ريشات تمثل مجموع محافظات سوريا. وكما هو واضح، ترتكز هذه البصرية السورية الجديدة بما تحمله من رمزيات ودلالات، على صيغة جديدة للعلاقة بين الدولة والشعب، تمثل عقدا وطنيا جامعا، قائما على استيعاب كل الأطياف في سوريا على اختلاف المشارب، لتكون سوريا للسوريين. تعبر الهوية البصرية الجديدة عن مواجهة سوريا لأحد التحديات الضخمة وهو استهدافها بالتقسيم، فهو يعبر وفقا لتصريحات الرئيس أحمد الشرع عن سوريا لا تقبل التجزئة ولا التقسيم، الواحدة الموحدة، وتعكس التنوع الثقافي والعرقي. الهوية البصرية الجديدة، ليست مجرد تجديد شكلي في شعار الدولة، بل هي إعلان القطيعة مع مضامين وآثار الحقبة السابقة، التي حكمت فيها أقلية متسلطة شعبا كبيرا متنوعا بالحديد والنار ولم يشعر فيها السوريون بأن سوريا لهم، واستقبال لعهد جديد تحتضن فيه الدولة ذلك الشعب بكل تنوعه الثقافي والعرقي. ومن محاسن هذا الشعار أن الثلاث نقاط التي تمثل الشعب المُحرَّر، تعلو طائر العقاب، تمثيلا لحقيقة أن الشعب أولا، وأن الحكومة أو القيادة ليست مالكة لهذا الشعب، وإنما هي حاضنة وموكلة وموظفة لصالح رعاية هذا الشعب وتحقيق أحلامه وطموحاته. تضافرت تصريحات القيادة السورية ووسائل الإعلام الوطنية للتفسير الدقيق لمضمون الشعار، ليترسخ في نفوس الجماهير المضامين التي يراد توصيلها من قبل القيادة، ليدرك السوريون الغايات التي يلتقون عليها، وتتضح في أذهانهم معالم الفترة المقبلة، تجمع قلوبهم على تحقيق اللُّحمة الوطنية والوقوف أمام مؤامرات تقسيم سوريا. جاء توقيت إطلاق الهوية البصرية الجديدة مناسبا، في ظل محاولات تجزئة هذا البلد الشقيق الذي عانى الأمرّين، كما أنه يأتي مع شعور المواطن السوري ببدايات التغيير، سواء على صعيد الأحوال المعيشية والاستقرار النوعي، أو على صعيد العلاقات الخارجية المستقرة التي أقامتها الدولة الجديدة عربيًا وإقليميا ودوليا، بما يعزز لدى المواطن أن حكومته تعمل بجدية على تحقيق وتلبية طموحات الشعب السوري وفقا لما ترمز إليه الهوية البصرية السورية الجديدة، ولن تبقى هذه المضامين حبيسة الشعار، وإنما ستتحول إلى واقع يلمسه المواطن السوري.

684

| 06 يوليو 2025

مصائد الموت في غزة

يرى بعض العلماء أن ذاكرة السمك لا تتجاوز ثلاث ثوان، لذا يظل يقبل على التهام الطُعم كلما أُلقي إليه دون إدراك لمكامن الخطر، فمن ثمّ يُوصف من ينسى سريعا بأنه صاحب ذاكرة سمكية. في غزة وحدها، يقطع المواطن المسافات البعيدة سيرًا على الأقدام، باتجاه نقاط توزيع الطعام المحدودة، أملًا في الحصول على ما يسد الرمق، يفعل وهو بكامل لياقة ذاكرته التي سجلت مشاهد القصف الإسرائيلي المتكرر لمنتظري المساعدات. لم يحمل الغزاوي ذاكرة سمكية، وليس مُغيَّب الإدراك عن مواطن الخطر، بل يتجه إلى نقاط التوزيع وهو يقلب بصره بين أكياس الطحين، وبين السماء التي يحذر أن تطل منها إحدى طائرات الغدر لتجهز عليه وهو يُمنّي نفسه بدخول بيته بوجبة تشبع البطون الخاوية إلى حين. ليس هناك أشد فتكا بالإنسان من الجوع، ولذا عندما رتب علماء النفس الحاجات الإنسانية جعلوا على رأسها الحاجات الفسيولوجية من طعام وشراب لأنها تتعلق بغريزة حب البقاء، وقدموها على الحاجة إلى الأمان، لذا لا تأخذنا الدهشة ونحن نرى سكان القطاع المنكوب وهم يغامرون بحياتهم من أجل الغذاء، فالمعادلة الوحيدة في هذا الشأن: موتٌ محقق بدون الغذاء، واحتمال النجاة بالحياة والطعام حال المغامرة. أما وإننا بمنأى عن مثل هذه المعاناة، فإننا لا ندرك بشاعة هذه المشاهد، التي يختار فيها المواطن الغزاوي بين الموت جوعًا والموت قصفًا. الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أطلق إحدى أبرز فكاهات العصر، عندما قال: «الناس يموتون في غزة ولا أحد يقدم المساعدة لسكان القطاع، بينما نفعل نحن». هي فكاهة، هكذا اعتبرتها، بل هي كوميديا سوداء يكون فيها الضحك حتى البكاء، خليط من الحقيقة المبتورة والتدليس والسخرية. «الناس يموتون في غزة»، نعم هم يموتون بصواريخكم وقنابلكم يا سيادة الرئيس التي أغدقتم بها على الاحتلال الصهيوني، ويموتون جوعًا بمباركتكم لهذا الحصار المفروض على القطاع. «ولا أحد يقدم المساعدة لسكان القطاع»، نعم صدقت يا سيد البيت الأبيض، لا أحد يقدم المساعدات والفضل يعود إليكم، فبينما تتفاخرون وتتباهون بأنكم أوقفتم الحرب الإيرانية الإسرائيلية التي أرعبت العالم وجعلته على شفا الدمار، ضننتم على أهل غزة بدخول المساعدات التي تكدست على المعابر لإنقاذ الجوعى، استجابة لطفلكم المدلل، فهل كنتم تعجزون عن الضغط على الاحتلال في السماح للمدنيين الذين لم يمسكوا بندقية ولم يطلقوا رصاصة بأن يسدوا الرمق لكي يعيشوا؟ «بينما نحن نفعل»، نعم هذا هو الاستثناء، أنت وحدك أيها الرئيس من يفعل، أمريكا وحدها هي من تقدم المساعدات، ولنكن أكثر دقة في تعبيرنا: تنصبون مصائد الموت. آلية المساعدات الوحيدة التي سمحت بها أمريكا وفرضتها قسرًا، جاءت عن طريق مؤسسة غزة الإنسانية المشبوهة، والتي حذر أجيث سونغاي ممثل مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في غزة، من أنها تفتقد للإنصاف والحياد والاستقلالية وتنطوي على إذلال يفاقم معاناة الفلسطينيين. لكن نقاط التوزيع التابعة لهذه المؤسسة، أضحت مصائد قاتلة للغزاويين، فعلى مدى شهر كامل من بدء عمل هذه المؤسسة، يتعرض السكان الذين ينتظرون توزيع المساعدات إلى القصف الإسرائيلي الوحشي على مرأى ومسمع من العالم – وترامب أيضا- لتخييرهم بين الموت جوعًا أو الموت بالصواريخ، ثم يتفاخر الرئيس الأمريكي بأن بلاده وحدها من تقدم المساعدات لسكان غزة. الشركة الأمريكية المخولة بتوزيع المساعدات، لا تكتفي بأنها نقاط محدودة تجبر السكان على قطع المسافات الطويلة للحصول على ما يسد الرمق، ولا تكتفي بأنها وسيلة استدراج يومي لقتل أهل غزة بالقصف الإسرائيلي، فقد أضافت إلى مهامها الإجرامية مهمة العبث القذر في النسيج المجتمعي والصحة العقلية والنفسية للسكان، إذ تم توثيق العثور على أقراص مخدرة من نوع «أوكسيكودون» داخل أكياس الطحين التي توزع على أهل غزة، ما ينذر بلون جديد من ألوان المعاناة الكارثية التي يواجهها القطاع تعد امتدادا لجريمة الإبادة الجماعية التي يمارسها الاحتلال ضد غزة. سحقا لهذا العالم الذي لا يستطيع اتخاذ قرار عملي بإنقاذ أهل غزة من الموت جوعًا، لكننا لن نفرط في إدانة الغرب والشرق على جريمة الصمت، فأول من يدان هم الذين يرفعون شعار الإسلام والعروبة وجلسوا على مقاعد المتفرجين.

1365

| 29 يونيو 2025

لكي لا ننسى.. هكذا تعامل الإعلام الغربي مع الحرب على غزة

أظهرت الحرب على غزة مدى الانحراف الذي ضرب الإعلام الصهيوني والغربي في التعامل مع القضية الفلسطينية، حيث تضافرت المنابر الإعلامية للكيان الإسرائيلي وحلفائه من الغرب في تبني الرواية الإسرائيلية بشكل فجّ. تبنت وسائل الإعلام الغربية الروايات الإسرائيلية، بدءًا بأكذوبة قطع المقاومة رؤوس الأطفال الإسرائيليين، وهو ما سارعت بنقله عن الإعلام الإسرائيلي، صحيفتا «ديلي ميل» و»التايمز» البريطانيتان، وكتبت الأخيرة في صدر صفحتها الأولى «حماس تذبح حناجر الرضع».ومرورًا بأكذوبة اغتصاب القاصرات الإسرائيليات، وهو ما تبين للعالم كذبه، وبتبني الرواية الإسرائيلية في اتهام المقاومة بضرب مستشفى المعمداني، وهو ما تبين زيفه أيضا، وانتهاء بمزاعم وجود قيادات حماس والأسرى الإسرائيليين في مستشفى الشفاء، فكان ذريعة للاقتحام الصهيوني للمستشفى، والذي لم يسفر عن اكتشاف أي أثر للأنفاق أو قيادات المقاومة، وإزاء انكشاف زيف هذه الروايات، اضطر الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي تبناها ورددها، إلى التراجع عن الادعاء بأنه شاهد بنفسه أدلة عليها.وبهدف التعمية على حقيقة أن طوفان الأقصى كان حقا مشروعا لصاحب الأرض ضد المحتل الذي أوشك على المرحلة النهائية لتهويد الأقصى، عمل الإعلام الغربي على وصف طوفان الأقصى بأنه هجوم إرهابي غير مبرر، متجاهلا قرابة الثمانين عاما من الاحتلال والاستبداد الصهيوني، بينما صوّر العمليات الإسرائيلية في إبادة قطاع غزة بأنها دفاع عن النفس. وفي البرامج التي بثتها وسائل الإعلام الغربية، ظهر حرص مقدمي البرامج على إدانة المقاومة، ويلحون على الضيف في الإدانة، بينما لا يطلبون من الجانب الإسرائيلي على القنوات ذاتها إدانة عمليات القتل للمدنيين في غزة. كل ذلك بهدف خلق صورة ذهنية عن الأحداث في فلسطين مغايرة للواقع، ولصالح العدو الإسرائيلي. كشفت هذه الأحداث عن تضييقات شديدة قام بها الإعلام الغربي ضد كل من يتعاطف مع غزة، فعلى سبيل المثال: تعرضت النائبة الأمريكية الفلسطينية الأصل رشيدة طليب إلى التشهير من قِبل شبكة سي إن إن، ومواقع يهودية أمريكية أخرى منها موقع «جويش انسايدر»، ونسبوا لها تصريحات لم تقل بها، من ذلك تصريح مكذوب عليها بأن «دانا نيسل» المدعية العامة لولاية ميشيغان تلاحق المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين في جامعة ميشيغان لأنها يهودية»، مع أنها لم تقل ذلك. كما تخلّت صحيفة «الجارديان» البريطانية عن رسام الكاريكاتير الشهير «ستيف بيل» بعد عمله معها لمدة 40 عامًا، بعد رسمه لكاريكاتير اعتبرته الصحيفة مسيئًا لرئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو». والأمثلة كثيرة. عملت القنوات الألمانية الداعمة للاحتلال كذلك على شيطنة الفلسطينيين، خاصة مجموعة «أكسل شبرينغر»، والتي تملك وسائل إعلامية عدة، من بينها محطة «فيلت» التلفزيونية، والتي عنونت لتغطيتها أحداث غزة بـ «حرب إسرائيل ضد الإرهاب»، وهي القناة نفسها التي نشرت في أحد البرامج مزاعم حول صانع المحتوى صالح الجعفراوي، أنه مجرد ممثل يتلاعب بالأحداث استجداء للعواطف. وفي السياق نفسه، شيطنت صحيفة بيلد الألمانية مظاهرة شارك فيها الآلاف دعما لغزة، فاستبدلت شعار (إسرائيل تقصف وألمانيا تموّل) الذي رفعه المتظاهرون، بعنوان آخر مضلل وهو (اقصفوا إسرائيل) ووضعت كذلك عنوانا جانبيا للخبر يقول: (8500 مشارك في مسيرة كارهة لليهود في برلين) وذلك على الرغم من أن المظاهرة شارك فيها يهود رافضون للعدوان على غزة. ومن مظاهر الكذب والتضليل والخداع التي ظهرت في تغطية الإعلام الغربي لأحداث غزة لخلق صورة ذهنية مغلوطة عما يحدث في القطاع، الفيديو الذي يظهر مخرج قناة «سي إن إن» الأمريكية يوجه مراسلة القناة في غزة والمصور عبر الهاتف بأن يتظاهرا بأنهما تعرضا لصواريخ حماس، وهذه فضيحة مدوية تضرب ادعاءات نزاهة الإعلام الغربي في الصميم. كما عمدت وسائل إعلام غربية إلى حذف التهديدات العلنية التي أطلقها قادة الاحتلال بإبادة غزة، مثل ما فعلت وكالة أسوشيتد برس الأمريكية. ويكفي في بيان تزييف الإعلام الغربي للحقائق وانحيازه للإسرائيليين، أن هناك أكثر من 750 صحفيا من وسائل إعلام غربية، قد وقعوا على خطاب مفتوح يدين قتل الاحتلال للصحفيين في غزة، وينتقد التغطية الإعلامية الغربية المنحازة. يومًا بعد يوم، يثبت لنا الغرب أن الكيان الإسرائيلي ما هو إلا رأس حربة في المشروع الإمبريالي الغربي في المنطقة، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

909

| 22 يونيو 2025

alsharq
إليون ماسك.. بلا ماسك

لم يكن ما فعلته منصة (إكس) مؤخرًا مجرّد...

891

| 16 ديسمبر 2025

alsharq
لمن ستكون الغلبة اليوم؟

يترقّب الشارع الرياضي العربي نهائي كأس العرب، الذي...

723

| 18 ديسمبر 2025

alsharq
قطر في كأس العرب.. تتفرد من جديد

يوماً بعد يوم تكبر قطر في عيون ناظريها...

690

| 15 ديسمبر 2025

alsharq
موعد مع السعادة

السعادة، تلك اللمسة الغامضة التي يراها الكثيرون بعيدة...

657

| 14 ديسمبر 2025

alsharq
التمويل الحلال الآمن لبناء الثروة

في عالمٍ تتسارع فيه الأرقام وتتناثر فيه الفرص...

585

| 14 ديسمبر 2025

alsharq
عمق الروابط

يأتي الاحتفال باليوم الوطني هذا العام مختلفاً عن...

540

| 16 ديسمبر 2025

alsharq
إنجازات على الدرب تستحق الاحتفال باليوم الوطني

إنه احتفال الثامن عشر من ديسمبر من كل...

507

| 18 ديسمبر 2025

alsharq
«يومنا الوطني».. احتفال قومي لكل العرب

هنا.. يرفرف العلم «الأدعم» خفاقاً، فوق سطور مقالي،...

471

| 18 ديسمبر 2025

alsharq
غفلة مؤلمة.. حين يرى الإنسان تقصيره ولا يتحرك قلبه

يُعد استشعار التقصير نقطة التحول الكبرى في حياة...

459

| 19 ديسمبر 2025

alsharq
قطر رفعت شعار العلم فبلغت به مصاف الدول المتقدمة

‎لقد من الله على بلادنا العزيزة بقيادات حكيمة...

453

| 18 ديسمبر 2025

alsharq
قطر لن تدفع فاتورة إعمار ما دمرته إسرائيل

-إعمار غزة بين التصريح الصريح والموقف الصحيح -...

420

| 14 ديسمبر 2025

alsharq
كأس العرب من منظور علم الاجتماع

يُعَدّ علم الاجتماع، بوصفه علمًا معنيًا بدراسة الحياة...

417

| 15 ديسمبر 2025

أخبار محلية