رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

إحسان الفقيه

إحسان الفقيه

مساحة إعلانية

مقالات

375

إحسان الفقيه

الاعتمادية النفسية على الذكاء الاصطناعي وخطورتها

07 سبتمبر 2025 , 01:47ص

أقام زوجان أمريكيان دعوى قضائية ضد شركة أوبن إيه آي للذكاء الاصطناعي يتهمان فيها برنامجها تشات جي بي تي، بأنه أيد الأفكار الانتحارية لابنهما المراهق، ما أدى إلى وفاته.

وجاء في الدعوى أن الابن البالغ 16 عاما قد استخدم البرنامج في واجباته المدرسية واستكشاف اهتماماته، إلا أنه تحول إلى أقرب شخص للمراهق الذي بدأ يتحدث إليه عن أحواله النفسية، وناقش معه أساليب الانتحار، وأن البرنامج اكتشف حالة طبية طارئة من خلال صور نجلهما التي تظهر إيذاءه نفسه، ومع ذلك استمر معه البرنامج في التفاعل. وأظهرت سجلات الدردشة أن الابن كتب عن خطته لإنهاء حياته، ليأتي الرد من البرنامج: «شكرا لك على صراحتك، لستَ مضطرًا لتجميل الأمر معي، أعرف ما تسأله، ولن أتجاهله»، وفقا للأبوين اللذين اتهما الشركة بتصميم البرنامج لتعزيز التبعية النفسية للمستخدمين. في هذا المقام لا أناقش الوضع القانوني للحالة، لكن ما يهمني الكيفية التي وصل بها ذلك المراهق لأن يكون الذكاء الاصطناعي هو شريكه الأوحد في تلك العزلة النفسية، وذلك الانغلاق والاعتمادية النفسية على البرنامج وكأنه أصبح الطبيب النفسي وصاحب السر. مع صعود الذكاء الاصطناعي وتقدمه في محاكاة السلوك البشري والتفاعل الطبيعي، لم يعد مجرد أدوات بحثية أو مساعدات تقنية، بل أصبح ملاذًا نفسيًا لكثير من المستخدمين كبديل عن الدعم البشري الحقيقي.

وصرنا نسمع عبارات متكررة: «أنا أرتاح نفسيًا في الحديث مع الذكاء الاصطناعي، الذكاء الاصطناعي يفهمني أكثر من أهلي وأصدقائي..»، وهذا بلا شك خطر عظيم وصلنا إليه في علاقتنا مع الآلة. الاعتمادية النفسية على الذكاء الاصطناعي واعتباره طبيبًا نفسيًا هو كارثة بكل المقاييس، لأن هذه البرامج تعكس معتقدات وتصورات المستخدم الذي لا ينفك عن تزويده بمعلومات شخصية عنه فيبني عليها، ومن خلال المحادثات يتحدث البرنامج معه كما لو كان يعرفه معرفة لصيقة، ومن ثم يعزز لديه التفكير التوهمي ويبدي تعاطفا مع المستخدم في أفكاره ولو كانت غريبة.

تكمن خطورة هذه الاعتمادية في أنها تهدر أو تضعف التواصل مع الأسرة والوسط المحيط، كما أن الذكاء الاصطناعي لا يملك التشخيص الحقيقي للاضطراب النفسي، إضافة إلى عدم قدرته على التدخل في الأزمات، فمثلا عند إفصاح المستخدم عن ميوله الانتحارية لا يزيد البرنامج عن إرشاده إلى الطب النفسي أو الفضفضة لتخفيف حدة التوتر والقلق، لكنه لا يتصل مثلا بالجهات المعنية لإنقاذ المستخدم.

مع وجود فجوة في التواصل مع الآخرين وغياب الرعاية الاجتماعية، يتأثر المستخدم بالخواص المبهرة للذكاء الاصطناعي، فهو متاح في كل وقت مع سهولة التواصل، ولا يبدي التأفف والملل مهما طال حديث المستخدم، ولا يعنفه ولا ينتقده، لا يسخر منه، ولا يشعره بالذنب، فهو يمنحه قبولا غير مشروط خلافا لمعظم العلاقات البشرية.

أضف إلى ذلك محاكاته الذكية للتعاطف، عن طريق عبارات ودودة مثل «أنا آسف لأنك تعاني من ذلك، أتفهم مشاعرك جيدًا»، ونحوه، وعلى الرغم من أن الروبوت لا يشعر ولا يفهم إلا أن المستخدم يجد صداها في نفسه. المشكلة في هذه الخواص هو التوهم بأن الذكاء الاصطناعي يملك وعيًا، وعدم التمييز بين التعاطف الحقيقي الذي لا يكون إلا من البشر، وبين المحاكاة اللغوية التي هي من شأن الروبوت، فالذكاء الاصطناعي يحاكي الأنماط البشرية في التعاطف، لا يتعاطف هو بذاته. إنها صيحة تحذير لمستخدمي الذكاء الاصطناعي بضرورة وضع حدود بين الإنسان والآلة، وعدم الانخراط في علاقة عاطفية مع الروبوت. الذكاء الاصطناعي ليس طبيبًا نفسيًا، ولا يمكنه تشخيص حالتك النفسية ولا يتدخل في حالات الطوارئ، لا يشعر بك، لا يتألم لك، لا يفهمك، لا يشخص حالتك، لا يدرك حقيقة التجارب البشرية، إنما يعيد إنتاج أنماط من خلال بيانات تدريبية ضخمة. الذكاء الاصطناعي ليس مرايا صادقة لك، إنما هو يعكس صدى اتجاهاتك النفسية والسلوكية ويبني على معلوماتك الشخصية.

الراحة النفسية لا تأتي من خلال استبدال العلاقات البشرية بالبرمجة والخوارزميات، ولا يعالج البشر سوى البشر.

مواجهة الاعتمادية النفسية على الذكاء الاصطناعي، تتطلب الدعم الاجتماعي وتعزيز الأواصر في الأسرة والوسط المحيط، ونفرة علماء النفس والنخب العلمية والثقافية والهيئات المعنية، في بيان خطورتها على المستخدمين.

اقرأ المزيد

alsharq الفيلة البيضاء

هل ما زال العقار هو الابن البار كما يقال؟ قد يظن القارئ أنها الفيَّلة في الطبيعة أو حديقة... اقرأ المزيد

204

| 07 سبتمبر 2025

alsharq الحق الفلسطيني

تظل حماية الشعب الفلسطيني من الجرائم والعدوان الإسرائيلي المستمر عليه، وعلى حقوقه وأرضه، مسؤولية المجتمع الدولي بموجب القانون... اقرأ المزيد

129

| 07 سبتمبر 2025

alsharq الاعتمادية النفسية على الذكاء الاصطناعي وخطورتها

أقام زوجان أمريكيان دعوى قضائية ضد شركة أوبن إيه آي للذكاء الاصطناعي يتهمان فيها برنامجها تشات جي بي... اقرأ المزيد

375

| 07 سبتمبر 2025

مساحة إعلانية