رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
احتفل حزب المؤتمر الشعبي العام الذي أسسه ومازال يتزعمه الرئيس السابق علي عبدالله صالح يوم الإثنين الماضي بالذكرى الثلاثين لتأسيسه بعد مرور عشرة أيام على الذكرى التي تصادف يوم 24 أغسطس 1982م، وبالتأكيد لم يكن في الاحتفال أي شيء مميز أو لافت للنظر بما في ذلك الآلاف من أعضاء الحزب الذين ملأوا القاعة الرياضية الكبرى وهو أمر طبيعي بالنسبة لحزب كبير مازال له تأثيره على عكس ما أشاعه خصومه من أن القاعة لم يتم ملؤها إلا بعناصر من الحرس الجمهوري ارتدوا أزياء مدنية وهو أمر قد يكون حدث في الحدود الدنيا وليس بالصورة المضخمة التي صورها خصوم صالح وشركاء حزبه في حكومة الوفاق... بالمقابل أعطى الإعلام الموالي لصالح شهادة إيجابية في حق خصومه دون أن يقصد من خلال بث صور تقول إن موكب الرئيس السابق مر صبيحة ذلك اليوم متحدياً من شارعي الستين الغربي والشمالي اللذين يقعان تحت سيطرة قوات رفيقه القديم وخصمه الحالي اللواء علي محسن ويسكن فيهما معظم أنجال الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر الذين خاضوا مواجهة دامية العام الماضي مع قوات صالح، وبالتأكيد فإن صح مرور موكبه من الشارعين المشار إليهما حيث لم يتعرض لأي أذى أو إساءة، فهي شهادة لخصومه بأنهم يحترمون التزاماتهم في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية رغم أن اللواء محسن وبعض أنجال الشيخ الأحمر لم يتمكنوا حتى الآن من العودة إلى منازلهم في جنوب العاصمة حيث يقع نفوذ قوات الحرس الجمهوري منذ تركوها عشية إعلان تأييدهم للثورة الشعبية السلمية قبل عام ونصف في أيام متفاوتة! أهم ما كان في احتفال المؤتمر هو خطاب الرئيس السابق حيث هي المرة الأولى التي يتحدث فيها مع عدد كبير من أنصاره منذ تنحيه عن الحكم، وحيث حرص قدر الإمكان على استخدام ألفاظ تجاه خصومه التقليديين أقل حدة مما كان يستخدمه في مناسبات سابقة ضدهم، مع تركيزه هذه المرة على إرسال انتقادات غير مباشرة تجاه الرئيس عبدربه منصور هادي الذي مازال يشغل موقع النائب الأول لرئيس الحزب وأمينه العام والذي رفض حضور الاحتفال تعبيرا عن استيائه - كما يبدو - من إصرار صالح على التشبث برئاسة الحزب... وإلى جانب ذلك فقد أثار خطاب الرئيس السابق – الذي يحلو لإعلامه إضفاء لقب (الزعيم) عليه – العديد من التساؤلات كونه مازال رئيس الحزب الذي يتولى أمينه العام رئاسة البلاد ويمتلك الأغلبية النيابية ويشغل نصف مقاعد الحكومة الوفاقية ويتولى نائبه الثاني د. عبدالكريم الإرياني رئاسة اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني وتتولى قياداته وأعضاؤه معظم المواقع التنفيذية والمحلية في السلطة حتى الآن... وعلى سبيل المثال فقد أعلن الرئيس السابق في خطابه رفضه لمبدأ الفيدرالية كخيار لشكل الدولة خلال المرحلة القادمة فهل هذا يعني أنه عبر عن موقف حزبه النهائي من الأمر؟! مبعث التساؤل أن الأطراف السياسية الموقعة على المبادرة الخليجية اتفقت على أن سقف الحوار مفتوح بما في ذلك الخيارات المتعلقة بالوحدة وهذا يعني أن من يريد الانفصال فمن حقه أن يطرح ذلك في مؤتمر الحوار الوطني ومن يريد الفيدرالية فمن حقه أن يطرح ذلك ومن يريد استمرار صيغة الوحدة الاندماجية القائمة فله أن يطرح ذلك، والغرض أن يلتقي الجميع على طاولة واحدة ويتحاوروا حول المستقبل ويطرحوا كل ما يريدون بكل صراحة وشفافية حتى يصلوا إلى الصيغة الأمثل بالتوافق بعيدا عن لغة الاستقواء والعنف... لا يعني هذا أنه لا يحق للقوى السياسية طرح رؤاها مقدما – كما فعل صالح – لكن اللافت للنظر أن قيادات في حزبه تؤيد الخيار الفيدرالي فهل حسم الرئيس السابق موقف حزبه خاصة أنه استخدم لغة تهديد في نهاية خطابه قائلا "نحن نتمسك بالوحدة ونعض عليها بالنواجذ مهما كان الثمن.. الوحدة، الوحدة.. سنحافظ عليها والمؤتمر في مقدمة الصفوف يضحي كما ضحى في 94 في أوسخ مؤامرة ضد الوحدة، والآن هناك مؤامرة تحاك وتسمعون (خبابيرها).. لكن المؤتمرين لن ينهزموا من المهرة حتى ميدي).. فهل يعني ما قاله صالح أن حزبه مستعد لخوض حرب جديدة دفاعاً عن الوحدة؟! وكيف يستقيم ذلك مع الإعداد للحوار الوطني الذي يجري بإشراف إقليمي ودولي ويشارك فيه حزبه؟! هي تساؤلات مشروعة تحتاج لإجابات واضحة في مرحلة دقيقة وحساسة كالتي يمر بها اليمن حالياً. تساؤلات أخرى تستحق أن تطرح فيما يتعلق بعلاقة صالح مع مجموعة القادة الجنوبيين التي عرفت (بالزمرة) وهي تسمية أطلقها الجناح المنتصر في الحزب الاشتراكي اليمني خلال مواجهات 13 يناير 1986م على الجناح الذي كان يقوده الرئيس الأسبق علي ناصر محمد والذي خرج من السلطة حينها وانتقل مع العديد من قادته السياسيين والعسكريين ووحداته العسكرية إلى الإقامة في شمال اليمن حيث استضافهم في حينه الرئيس علي عبدالله صالح وأقام معهم علاقة ممتازة أدت فيما بعد إلى شراكتهم معه خلال حرب صيف 1994م ضد مشروع الانفصال الذي قاده نائب الرئيس السابق علي سالم البيض... فعقب الوحدة اليمنية أعلن معظم قادة (الزمرة) انضمامهم لحزب المؤتمر الشعبي العام وظل الكثير منهم محافظا على عضويته حتى الآن وتولى بعضهم مواقع قيادية فيه وفي مقدمتهم الرئيس الحالي عبدربه منصور هادي... ويبدو أن الخلاف القائم حاليا بين الرئيسين الحالي والسابق جعل هذا الأخير يعبر بأشكال مختلفة عن استيائه من مجموعة (الزمرة) فللمرة الأولى قبل أكثر من أسبوعين تم نشر مقال على الموقع الإلكتروني الرسمي لحزب المؤتمر بعنوان (الزمرويون وعودة التآمر) لكاتب مجهول ألقى بالعديد من التهم على مجموعة (الزمرة) بشكل غير مسبوق إلا أن ردود الفعل السلبية على نشره أدت إلى حذفه من الموقع... فكان أن قرر صالح الخروج عن صمته في خطابه الأخير وهاجم مجموعة (الزمرة) بوضوح رغم أن الكثير منهم مازال في حزبه، واعتبر مجرد حلمهم بالوصول للسلطة بأنه (حرام) ولمح لهم ضمن من لمح بأنهم كانوا ضمن (المندسين) في حزبه لأن عددا منهم أعلنوا تأييدهم للثورة السلمية في العام الماضي أبرزهم اللواء عبدالله عليوة وزير الدفاع الأسبق واللواء حسين عرب وزير الداخلية الأسبق... فهل كل هذه المواقف تعبر اليوم عن حالة قطيعة كاملة مع حلفاء الأمس وشركاء النصر من القادة الجنوبيين؟! هي أيضا تساؤلات تحتاج إلى توضيحات لأن انعكاساتها السلبية على الحياة السياسية ستظهر عاجلا أم آجلا! هناك الكثير مما يمكن أن يستوقفنا في خطاب صالح الأخير بما في ذلك اتهامه للجنة الشؤون العسكرية بأنها تقوم بتكسير الجيش الذي بناه طوال ثلاثة عقود على أساس مناطقي وقروي ثم ضاقت الدائرة في السنوات الأخيرة ليتحول إلى جيش بقيادة عائلية... فهل إعادة الاعتبار للجيش وإعادة تشكيل قيادته على أسس وطنية هو تكسير له؟! وهل نسي وهو يتهم الحكومة الحالية بالعجز عن القبض على من يفجرون أنابيب النفط وقطع الكهرباء أنه نفسه لم يقبض على أحد منهم وقد كانوا يفعلون ذلك قبل الثورة الشعبية حين كانت الأوضاع مستتبة له؟! بقدر الحاجة لإجابة على تساؤلات كهذه فإن مثل هذه التساؤلات في الوقت نفسه لابد أن تثير لدى عقلاء المؤتمر الشعبي العام وحكمائه ومعتدليه العديد من التصورات والأفكار والأبعاد والرؤى المستقبلية خلال فترة التحضير الحالية للمؤتمر العام الثامن التي أشار إليها صالح في ذات الخطاب ولعلها كانت النقطة الأكثر إيجابية فيه... وفي ظني أن التصورات والأفكار والأبعاد والرؤى المطلوبة منهم تقتضي وضع مشروع جديد يحمي مستقبل المؤتمر ويخرجه من حالة الضبابية التي يعيشها نتيجة تكلس قيادته التي ظلت تهيمن على قراره لثلاثة عقود كاملة ويؤدي لتبني قيادة جديدة قادرة على استيعاب المتغيرات وإدراك الحاجة الملحة لليمن للمضي في بناء دولة القانون ومغادرة حالة الفوضى إلى الأبد.
511
| 08 سبتمبر 2012
أثارت النقاط العشرون الخاصة التي أعلنتها اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني الأسبوع الماضي الكثير من الجدل ما بين مرحب بها إجمالا وما بين رافض لها إجمالا وما بين مرحب ببعضها ورافض للبعض الآخر منها كل منطلق من خلال موقفه السياسي أو رؤيته الأيديولوجية أو تصوراته المستقبلية، لكنها في الوقت ذاته - أي النقاط العشرين - أعطت انطباعا عاما بأن التحضيرات للحوار الوطني تمضي بجدية بالغة طالما تمكنت لجنته التحضيرية من وضع يدها بصراحة على الجروح التي تنكأ الجسد اليمني المثخن وطالما تمكنت - أيضا - من مكاشفة المجتمع اليمني بشفافية بإعلانها لتلك النقاط وهو أمر غير مسبوق ولم يعهده اليمنيون من قبل، لكنه جاء تجسيدا للروح الجديدة التي صنعتها الثورة السلمية التي نجحت في إحداث تغيير تاريخي لم يصل خلال السنوات الماضية حتى في أحلك لحظاتها إلى مستوى أن يكون مجرد حلم لأن آفاق التغيير كانت في حالة انعدام تام، ليس بسبب قوة استبداد النظام السابق بل بسبب قوة سيطرته على مفاصل الحكم العسكرية والأمنية والمالية والإعلامية والخدمية واستخدامها في كسب الولاءات السياسية والاجتماعية الواسعة التي كانت تشكل عمقا استراتيجيا بالنسبة له، إلا أن ثورة التغيير نجحت في ضرب هذا العمق واستمالت الشارع لها فأصابت النظام السابق بالشلل وحيدت مفاصل قوته وأنهت معنى سيطرته عليها. شكلت النقاط العشرون التي أعلنت عنها اللجنة التحضيرية جوهر المتطلبات الضرورية التي يمكن أن توفر مناخا ملائما في حده الأدنى لحوار وطني ناجح هو أحوج ما يكون إليه اليمن اليوم، بل إنه الطريق الوحيد الذي لا ثاني له لإخراج هذا البلد من دائرة الصراعات التي يعيشها منذ القرن الماضي والتي حالت بينه وبين بناء دولة مستقرة ونظام يقوم على سيادة القانون والحكم الرشيد، وإلا فإن العواقب ستكون وخيمة ليس عليه فقط بل على المحيط الإقليمي وربما على دائرة أوسع من ذلك بكثير.. ولذلك لم يكن مستغربا الحرص الكبير الذي أبداه المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي بأوضاع اليمن وتدخلاتهما الصريحة منذ مؤتمر أصدقاء اليمن في يناير 2010م أي قبل الثورة السلمية بعام كامل، وهو الحرص الذي ازداد بعد انطلاق هذه الثورة لتجنيب اليمن احتمالات الانزلاق في أتون صراعات داخلية وحرب أهلية شاملة.. ولاشك أن هذا الحرص انعكس إيجابا على القوى السياسية الفاعلة فكانت المخارج التوافقية التي جاءت بالرئيس عبد ربه منصور هادي إلى رأس السلطة فأصبح محل إجماع وطني وإقليمي ودولي غير مسبوق، وجاءت بالرؤية الواسعة للحلول الجذرية التي يحتاجها اليمن للخروج من نفق اللا دولة وهي رؤية تستند على الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية وعلى ضوئها بدأت الإعدادات لمؤتمر الحوار الوطني الذي سيرسم صورة مستقبل اليمن، وهو أمر لا يمكن أن يحدث ما لم يستند على الصدق والصراحة والوضوح وتغليب المصالح الكبرى على المصالح الصغيرة وتقديم الأطراف المعنية التنازلات لبعضها البعض من أجل بناء بلد موحد يستظل اليمنيون جميعا تحت سقفه بلا غالب ولا مغلوب، فدروس التاريخ القريب سواء في شمال اليمن أو جنوبه أو في اليمن الموحد أكدت أن المغلوب يظل صاحب قوة معنوية بسبب المظلمة التي تعرض لها حيث تتجلى هذه القوة في لحظة تاريخية معينة تصبح عندها قوة الغالب المادية بلا قيمة ولا تأثير أمام القوة المعنوية للمغلوب أو المظلوم خاصة عندما تكون قضية عادلة بامتياز. وطوال العقدين الماضيين نجحت التعددية الحزبية والحرية النسبية للصحافة في نزع الكثير من هيبة النظام القائم وصنع وعي وطني عام بمكامن الاختلالات وفي مقدمتها غياب دولة القانون.. وفيما كان النظام السابق مستمرا في الاقتطاع من أقوات اليمنيين ومخصصات التنمية لشراء صفقات أسلحة ضخمة وتكديسها في المدن لحماية نفسه من معارضيه المدنيين، كان الضعف يدب في جسده شيئا فشيئا والوهن يتسلل إلى قدراته مع مرور الوقت دون أن يدرك ذلك إلا بشكل جزئي، لأن ثقافته في الحكم استندت إلى مفهوم القوة المسلحة والجيش الذي يديره الأقارب والمحسوبين ولم يترسخ في ذهنه بالمطلق أن قوة الحاكم الفعلية هي من قوة التزامه بالقانون وسيادته ومن قوة البناء المؤسسي للدولة التي يقف على رأسها.. ولذلك كان النظام السابق رغم كل القوة التي يمتلكها يضعف أمام قوى المعارضة السياسية رغم أدائها الذي كان كثيرا ما يثير الشفقة ويبعث على الإحباط لكنها لمجرد امتلاكها في بعض الأحيان حجة دستورية أو قانونية أو واقعية أبلغ من حجة النظام كان هذا الأخير سرعان ما يضعف أمامها ويقدم لها التنازلات بسبب إدراكه قوة حجتها مقابل ضعف حجته.. ولذلك عندما سقط النظام البوليسي في تونس والنظام الاستبدادي في مصر وانتقلت الثورة إلى شوارع المدن اليمنية أدرك الرئيس السابق علي عبدالله صالح بحسه السياسي وحدسه المجتمعي وإدراكه الذكي لرؤى المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي تجاه مجريات الأحداث في بلاده خلال السنوات الأخيرة أن شمس عهده الطويل قد أوشكت على الغروب فقرر اختيار المخرج الذي يعتبره مقبولا ولائقا وهو ما توافقت عليه الأطراف المعنية في الداخل والخارج. لقد قرأت اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني جيدا دروس التاريخ القريب وتعلمت منها فوضعت النقاط العشرين التي تشكل قاعدة أساسية لمتطلبات الحوار الناجح التي قبلها الرئيس عبد ربه منصور هادي منطلقا من ذات الفهم.. ويدرك العالمون بسياق التطورات على الساحة اليمنية خلال العقدين الماضيين أنه لو قام النظام السابق بتنفيذ الكثير من هذه النقاط لما كانت الأوضاع وصلت إلى ما وصلت إليه حتى أطاحت به.. واليوم وإن بدت بعض هذه النقاط مقنعة لأطراف وغير مقنعة لأطراف أخرى فإن اللجنة التحضيرية المكونة من معظم الأطراف المعنية والفاعلة على الساحة توافقت عليها مقدمة نموذجا خلاقا في التفاهمات المشرفة والقراءات العميقة التي ينبغي أن تقوم بها هذه الأطراف وأن تساعد بعضها البعض من أجل التوصل إليها على قاعدة لا غالب ولا مغلوب حتى يمكن الرسو بالسفينة اليمنية إلى بر الأمان.
1256
| 31 أغسطس 2012
كان من المتوقع أن يعقد حزب المؤتمر الشعبي العام ـ الذي مازال الرئيس السابق علي عبدالله صالح يتزعمه ـ مؤتمره العام الثامن هذه الأيام بالتوافق مع الذكرى الثلاثين لتأسيسه التي حلت أمس الجمعة، لكن كما يبدو ليس هناك في الأفق القريب أي مؤشرات على انعقاده خلال الأسابيع القليلة القادمة.. ولعل الأمر مرتبط بطبيعة العلاقة الراهنة التي تجمع الرئيس السابق مع الرئيس الحالي عبدربه منصور هادي الذي يحتل في ذات الوقت موقع النائب الأول للحزب وأمينه العام، وهي علاقة أقل ما يمكن أن تتصف به أنها تمر بمرحلة من الجمود وانقطاع التواصل المباشر وليس القطيعة، فالرئيس هادي يرى - كما يؤكد العديد من المحيطين به - أن بقاء سلفه على رأس الحزب هو أمر لم يعد له معنى بعد تنحيه عن رئاسة الدولة، كما أنه في الوقت ذاته لن يقبل - أي هادي - وقد أصبح رئيس الدولة أن يكون هناك من يرأسه في الحزب الذي ينتمي إليه، ومن ثم فإن المنطق والوقائع وظروف المرحلة الانتقالية الحالية تتطلب تنحي صالح أيضا عن رئاسة حزب المؤتمر بالطريقة التي يراها مناسبة ولائقة له كما حدث عند خروجه من الحكم عبر انتخابات رئاسية مبكرة، وبالتأكيد ليس هناك فرصة أفضل وأكثر لياقة من عقد المؤتمر العام الثامن في الذكرى الثلاثين لتأسيس الحزب خاصة أن انعقاده قد تأخر عن موعده الأصلي ثمانية شهور.. ورغم تأكيدات مراقبين محايدين مطلعين على خفايا الأمور وحيثيات تنفيذ المبادرة الخليجية أن تخلي صالح عن رئاسة المؤتمر هي مسألة وقت فإن الكثير من المهتمين لا يجدون مبررا في تأخير هذا الأمر خاصة مع حصول صالح على حصانة قضائية توجب عليه تلقائيا كما هو معروف حتى لو لم يكن هناك نص قانوني اعتزال العمل السياسي كليا كما فعل أقران له من قبل حصلوا على مثل هذه الحصانة كالرئيس الروسي السابق (بوريس يلتسين)، إذ لا تجتمع الحصانة والاستمرار في ممارسة العمل السياسي وبالذات مع معرفة الجميع أن صالح مازال يمتلك نفوذا بقدر أو بآخر - تتضاءل يوما بعد الآخر - في مؤسستي الجيش والأمن تعطيه بعض الثقة في أنه مازال يمتلك أوراق ضغط تسند موقعه السياسي على رئاسة حزب المؤتمر وتحتفظ بالعديد من أنصاره الذين سيتخلى معظمهم عنه لو انتهى ما تبقى من ذلك النفوذ في الجيش والأمن! يعتقد بعض قادة المؤتمر أن شؤونه الداخلية تخص أعضاءه فقط، وأنه لا يحق لأي طرف سياسي أن يطلب من الحزب تغيير رئيسه أو يتدخل في شؤونه الداخلية، وهذا صحيح بلا شك في الظروف العادية وليس الاستثنائية أو الانتقالية كالظروف التي يمر بها اليمن حاليا.. فهناك ثورة شعبية سلمية اعترف بها العالم أجمع دون استثناء وهي ثورة نجحت في فرض إرادتها داخليا واحترامها خارجيا وجعلت العالم يقف معها في مطلب إبعاد الرئيس عن الحكم وتبلور ذلك من خلال مبادرة خليجية طلبها الرئيس السابق نفسه – بعد أن أدرك انتهاء مشروعيته - ليضمن خروجا آمنا ومشرفا ووافقت عليها معظم قوى الثورة الرئيسية وعمدها المجتمع الدولي من خلال قرار تاريخي أصدره مجلس الأمن دون اعتراض من أحد، ونصت المبادرة على خروج صالح من السلطة وتخليه عنها مقابل منحه حصانة قضائية، ولم تنص المبادرة ولا آليتها التنفيذية على خروج صالح من الباب وعودته من النافذة ذلك أن استمراره على رأس الحزب الذي يمتلك الأغلبية البرلمانية ونصف الحكومة وينوبه في رئاسته رئيس الجمهورية الجديد كل ذلك يعني أنه - أي صالح - مازال يمارس السلطة والحكم بامتياز كامل، وهو وضع غير طبيعي لا يتفق مع مقاصد الثورة الشعبية ويتصادم مباشرة مع أهداف المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ولا يخدم المساعي الوطنية والإقليمية والدولية التي تعمل لاستقرار اليمن وتجنيبه المزيد من العنف والصراعات الأهلية.. ولذلك من المهم أن يسارع عقلاء ومعتدلو حزب المؤتمر إلى عقد المؤتمر الثامن لضمان خروج مشرف أيضا لصالح من قيادة الحزب حتى لو كان هو مؤسسه كما هو حال الأحزاب في العالم الديمقراطي، ذلك أن كل يوم إضافي يقضيه هذا الرجل على رأس المؤتمر يقتطع جزءا من مكانة الحزب وما تبقى من شعبيته.. وكما تشير القراءات الأولية أن هؤلاء العقلاء والمعتدلين أصبحوا يشكلون الثقل الرئيسي في الحزب، وأنهم أصبحوا يدركون أن استمرار الحزب وبقاءه ونجاته من التشرذم والانقسام هي أمور مرهونة كليا بتخلي صالح عن رئاسته وعن أي سلطة فيه من أي نوع، ولذلك بدأوا ضغوطهم الجادة ومساعيهم الحثيثة لتحقيق هذا الهدف السياسي الذي سيتوقف عليه مستقبل المؤتمر وهو ذات الهدف الذي ترى أحزاب اللقاء المشترك المعارضة سابقا والشريكة في الحكومة حاليا ضرورة إنجازه في أقرب وقت نظرا لانعكاساته الإيجابية على الحياة العامة في اليمن وعلى مسار تنفيذ المبادرة وآليتها. قد لا يكون تولي الرئيس هادي قيادة المؤتمر يشكل ضرورة بنفس قدر ضرورة تخلي صالح عن قيادته باعتباره – أي هادي - رئيسا توافقيا انتخبته وأجمعت عليه كل القوى وليس حزبه فقط كما حاول أحد قادة المؤتمر التأكيد عليه قبل أيام بلغة (من وأذى) على الرئيس هادي أقل ما يمكن أن توصف به أنها غير لائقة ناهيك عن أنها مجافية للحقيقة لأن هذا القيادي نفسه طلب من صالح قبل توقيع المبادرة تعيين نجله أحمد نائبا للرئيس ليتولى الرئاسة بدلا عن هادي.. وعلى كل حال فالواضح أن أحزاب اللقاء المشترك تفضل أن يتولى هادي بنفسه رئاسة المؤتمر تأكيدا لثقتها بشخصه رغم أنها كانت تطالب باستمرار قبل الثورة الشعبية بضرورة تخلي رئيس الدولة عن انتمائه الحزبي ليتمكن من التعامل مع جميع الأحزاب بحيادية.. والواضح حتى الآن أن الرئيس هادي مازال يفضل انعقاد المؤتمر الثامن لحزبه ليتولى خلاله رئاسته، لكن ليس من المستبعد أن يكون قد درس خيارات أخرى من نوع الإعلان عن حزب جديد سيعتمد في تأسيسه على الأرجح على معظم القيادات الحالية لحزب المؤتمر التي ترفض استمرار صالح في قيادته، خاصة بعد إعلان مصدر مقرب من هذا الأخير يوم الإثنين الماضي 20 أغسطس في نهاية تصريح طويل (أن المؤتمر سيكون أقوى في المرحلة القادمة بعد أن امتلك حريته وتخلص من قيود السلطة.. إلخ) وهو كلام استغربه أعضاء المؤتمر قبل أن تستغربه الأطراف الأخرى باعتبار أن المؤتمر مازال الشريك الأكبر في السلطة فرئيس الجمهورية ينتمي إليه وكذلك نصف أعضاء الحكومة ومعظم محافظي المحافظات وقادة الأجهزة التنفيذية فمتى تخلص من قيود السلطة؟! واستغرب مراقبون كثر من مثل هذا التصريح الغريب فعن أي مؤتمر يتحدث المصدر المقرب من صالح؟! وهل هذا يعني أنه على وشك أن يعلن انتقال حزبه أو ما سيتبقى منه إلى المعارضة بالكامل؟ أم أنه يعتبر خروجه كفرد من الحكم أنه خروج لكل حزبه من السلطة؟!
613
| 24 أغسطس 2012
من الواضح أن الرئيس عبدربه منصور هادي مصمم على تنفيذ المتطلبات التي ينبغي إنجازها خلال الشهور الثلاثة القادمة لتوفير الأجواء المناسبة والصحية لانعقاد مؤتمر الحوار الوطني في شهر نوفمبر القادم، فهو ما أن عقد أول لقاء له مع اللجنة الفنية التحضيرية للحوار الوطني يوم الأحد الماضي حتى أصدر في اليوم التالي جملة من القرارات المهمة بتغيير رؤساء عدد من المؤسسات ذات الطابع الاقتصادي بغرض تصحيح أوضاعها، وكانت القرارات الأهم التي صدرت في ذات اليوم هي تلك التي عدت أول خطوة حقيقية على صعيد إعادة هيكلة الجيش وتصحيح أوضاعه وهي في ذات الوقت أحد المتطلبات الضرورية لتهيئة الأجواء للحوار الوطني.. فقد أصدر الرئيس هادي قرارا بإنشاء لواء الحماية الرئاسية وألغى مسمى (الحرس الخاص) وأدمج في إطار هذا اللواء أربعة ألوية عسكرية موجودة داخل العاصمة صنعاء ثلاثة منها تتبع الحرس الجمهوري الذي يقوده العميد أحمد علي عبدالله صالح نجل الرئيس السابق وواحد منها يتبع الفرقة الأولى مدرع التي يقودها اللواء علي محسن صالح الذي سرعان ما أعلن تأييده لقرار الرئيس رغم أنه يسحب من تحته أحد أهم ألويته وذلك بسبب تأييده للثورة وتأكيدا على مدى التزامه بكل ما سيتخذه الرئيس في هذا الصدد.. ونص قرار الرئيس هادي على تبعية هذه الألوية لرئاسة الجمهورية مباشرة أي أنه أنهى تبعيتها للحرس والفرقة، وهو ما يعد تأمينا للعاصمة صنعاء من أي تهور أو مغامرات متوقعة وفي الوقت ذاته فإنه يعد خطوة أولى لإعادة هيكلة الجيش وترتيب أوضاعه على أسس وطنية ومهنية جديدة تتواءم مع ما هو متعارف عليه في كل جيوش العالم باعتبار أن وضع الجيش اليمني كان مركبا على مقاسات القادة العسكريين من أقارب الرئيس السابق وأبناء منطقته. وفي الوقت ذاته أصدر الرئيس هادي قرارا آخر بإلحاق عدد من ألوية الحرس الجمهوري والفرقة الأولى مدرع في المنطقتين العسكريتين الجنوبية والوسطى إلى قيادتي المنطقتين وفصلها نهائيا عن القيادتين السابقتين، وبذلك يكون هادي قد بدأ في الوفاء بالتزاماته المنصوص عليها في الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية فيما يتعلق بعملية هيكلة الجيش.. وفيما أعلن اللواء محسن تأييده لقرارات الرئيس - كما أشرنا قبل قليل - فإن صمتا مطبقا حتى لحظة كتابة هذا يخيم على قيادة الحرس الجمهوري فلا هي أيدت ولا هي أعلنت اعتراضها، ولعلها في حيرة شديدة فخيار الاعتراض غير مقبول بالتأكيد لا داخليا ولا خارجيا خاصة مع التأييد الشعبي الكبير الذي لقيته هذه القرارات وكذلك تأييد الأطراف الإقليمية والدولية المعنية لها ناهيك عن أنها شملت الفرقة الأولى مدرع التي أعلن قائدها تأييده للثورة الشعبية الشبابية السلمية وبالتالي فلا يوجد أي مبرر للاعتراض من قبل قيادة الحرس الجمهوري باعتبار أن القرارات لم تكن انتقائية.. وفي ظني أن العميد أحمد علي عبدالله صالح يدرك تماما أن الوضع الاستثنائي الذي حظي به الحرس الجمهوري في عهد والده وكذلك الامتيازات الاستثنائية لا يمكن أن تستمر في العهد الجديد، كما أنه يدرك - وهو الذي تلقى علومه العسكرية في كلية سانت هيرست البريطانية وكلية القيادة والأركان الأردنية - أنه لا يوجد في معظم دول العالم قوات حرس جمهوري بهذه الضخامة وبنسبة تزيد عن 50% من قوام الجيش الوطني كما هو حاصل في اليمن، ومن ثم فإن المتوقع أن يلتزم قائد الحرس الجمهوري بتنفيذ قرارات رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة خاصة أنه يعلم يقينا أنها الدفعة الأولى من قرارات مماثلة ستصدر في أوقات لاحقة متروك تقديرها للرئيس نفسه. قد تطرأ للرئيس السابق – الذي لن تريحه القرارات الأخيرة – أفكار ما من نوع المماطلة في تنفيذها أو التنفيذ الشكلي فيما تظل من الناحية العملية تحت إمرة نجله كما حدث من قبل عند تغيير أخيه قائد القوات الجوية أو نجل شقيقه قائد اللواء الثالث مدرع حرس جمهوري، لكن الأكيد أن ذلك لم يعد ممكنا بالتأكيد – ولعله يدرك هذا – ذلك أن القرارات الأخيرة لم تمس قيادات الألوية المستهدفة لكنها أعادت ترتيب وضعها وهو فارق جوهري.. فنحن اليوم أمام بداية خطوات عملية على طريق هيكلة الجيش، وإذا ما تم المضي فيما تبقى من الهيكلة بخطوات مماثلة فإن تغيير القيادات قد لا يكون ضروريا إلا بقدر ما يراه الرئيس هادي كعسكري محترف ضرورة تخدم هدف اختيار قادة الجيش على أسس مهنية وطنية تلتزم بالأقدمية وتحترم الخبرة والكفاءة وتراعي التمثيل الجهوي لترسيخ البعد الوطني في تركيبة الجيش بعيدا عن الاستحواذ العائلي أو القبلي أو المناطقي كما كان حاصلا من قبل في عهد الرئيس السابق.. ولاشك أن توجها من هذا النوع سيحظى بالمزيد من الالتفاف الشعبي والتأييد الإقليمي والدولي فليس هناك اليوم ما هو أهم من تحييد الجيش وإبعاده من العملية السياسية وإعادة تأهيله في أقرب وقت ممكن ليتمكن من التفرغ لمهام تبدو عاجلة وفي مقدمتها اليقظة المستمرة تجاه أي نشاطات إرهابية جديدة يمكن أن يقوم بها تنظيم القاعدة الذي مازال يعمل على لملمة أوضاعه بعد الضربات القاسية التي وجهتها له قوات الجيش خلال الشهرين الماضيين. يخشى بعض المراقبين من أي تهور قد يحدث كرد فعل على قرارات هادي الأخيرة، لكنهم يدركون في الوقت ذاته أن مصادمة الإرادة الوطنية العامة لم يعد ممكنا، وأن التفكير مثلا في محاولة انقلاب عسكري ضد الرئيس هادي لن تكون أكثر من محاولة انتحار.. فاليمنيون بدأوا في الشهور الأخيرة فقط يذوقون حلاوة عودة الاستقرار رغم كل المصاعب والاختلالات الأمنية التي مازالت قائمة، فالحياة عادت بنسبة كبيرة إلى طبيعتها في الشارع اليمني ولن يقبل المواطنون أي محاولات لتعكير هذه الأجواء التي افتقدوها طوال عام ونيف، ولذلك ستكون خيارات أي تمرد أو اعتراض خيارات منعدمة النتائج فلا العودة الآن إلى أوضاع ما قبل يناير 2011م أمرا ممكنا ولا محاولة استعادتها عقب الفترة الانتقالية واردة أيضا، فقد طوى اليمنيون مرحلة كاملة بشخوصها ورموزها وخيرها وشرها وصوابها وأخطائها وهم اليوم على موعد مع مستقبل مختلف جذريا عن الماضي ليس فقط بسنواته الثلاث والثلاثين بل بسنواته الخمسين التي فشل اليمنيون خلالها في بناء دولة مدنية متطورة يسودها القانون منذ انطلقت أول ثورة في سبتمبر 1962م لتحرير الإنسان اليمني.
788
| 11 أغسطس 2012
عقب استعادة وحدة اليمن عام 1990م وتحديدا عقب انتهاء حرب تحرير الكويت 1991م استعادت العلاقات اليمنية الإيرانية وضعها الدبلوماسي الطبيعي بعد طول قطيعة مع الشمال وشبه تحالف مع الجنوب، ورغم أن إيران وقفت خلال حرب صيف 1994م موقفا مؤيدا لاستمرار الوحدة اليمنية رافضة للمشروع الانفصالي الذي تبناه حليفها السابق علي سالم البيض، إلا أنه يمكن القول إنه لم تنشأ حالة ود وتعاون حقيقيتين مع نظام الرئيس علي عبدالله صالح الذي انتصر في تلك الحرب، فقد ظلت علاقات البلدين تراوح في منطقة لا تتقدم كثيرا ولا تتأخر رغم تشكيل لجنة وزارية مشتركة بين البلدين لتعزيز علاقاتهما الثنائية خاصة مع إبداء إيران رغبتها في تقديم الدعم التنموي لليمن عقب حرب 94م... وأتذكر أني حضرت مع رئيس مجلس النواب الراحل الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر استقباله في عام 1997م لوزير جهاد البناء الإيراني الذي زار صنعاء حينها لرئاسة جانب بلاده في اللجنة المشتركة، وفوجئت في ذلك اللقاء بنقد قاس وجهه الشيخ الأحمر للوزير الإيراني بأن حكومته غير جادة في تقديم أي دعم لليمن وأن كل ما تقدمه مجرد وعود كاذبة وأن هذا الأسلوب ليس مقبولا فإما أن تثبت إيران جديتها في دعم اليمن تنمويا بمشروعات كبيرة تعود بالنفع على المواطن اليمني أو فإنه لا معنى للاجتماعات السنوية المنتظمة للجنة المشتركة... بدا الشيخ الأحمر في ذلك اللقاء حريصا على توصيل رسالة جادة وصريحة لم تجرؤ الحكومة اليمنية حينها على نقلها للإيرانيين الذين لم تتغير منهجيتهم منذ ذلك الحين في إدارة علاقاتهم باليمن رغم زيارة رسمية قام بها الرئيس السابق علي عبدالله صالح لطهران عام 2000م وزيارة رسمية قام بها الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي لليمن عام 2003م، ولم يترتب على الزيارتين أي انعكاسات إيجابية على البلدين سوى أن الإيرانيين كانوا يعملون بهدوء لخدمة مصالحهم السياسية من خلال مراكز طبية متواضعة أنشأوها في اليمن ومن خلال فتح الباب لتسهيلات تجارية لشخصيات يمنية متعاطفة مع طهران وكل ما تمثله طهران بالطبع فكرا وسياسة ومذهبا... ومع اشتعال المواجهات العسكرية بين نظام صالح والحوثيين عام 2004م حتى عام 2010م كانت تلك المراكز وغيرها عيون لإيران ترقب كل ما يحدث كما أن الغطاء التجاري كان الوسيلة المثلى لتمويل القوى المتعاطفة معها! يدرك النظام الإيراني أن البلدان التي تمر بفترات انتقالية يحدث فيها نوع من الخواء والفراغ متعدد الصور والأشكال وتستمر على هذا الحال حتى يعود إليها الاستقرار السياسي... وخلال هذه الفترات التي غالبا ما يشوبها الغموض والضبابية في المشهد السياسي تتصارع الدول والقوى لمحاولة فرض تصوراتها ورؤاها في رسم مستقبل البلد الذي يمر بمثل هذه الفترات الانتقالية، وهذا ما تفعله إيران تماما اليوم في اليمن في موقف مضاد كليا للتوافق السياسي الذي توصلت إليه القوى السياسية اليمنية برعاية إقليمية ودولية تعززت بقرارين أصدرهما مجلس الأمن... وفيما عدا الاهتمام الاستثنائي الإيراني باليمن من خلال التعاطف الواضح والصارخ والقوي مع الحركة الحوثية وبالذات خلال الحربين الخامسة والسادسة، تراجع هذا الاهتمام إلى حد ما لاحقا حتى مع بدايات الثورة الشبابية الشعبية السلمية أوائل العام الماضي، ولم يعد هذا الاهتمام بقوة إلا مع بروز ملامح تؤكد قرب سقوط نظامي الرئيسين علي عبدالله صالح وبشار الأسد... فإيران لم تكن تتوقع أن يكون الرئيس صالح جادا في تسليم السلطة لكن قلقها كان يتزايد كلما لمست أن أعذار صالح في عدم توقيع المبادرة الخليجية تتلاشى متزامنة في الوقت ذاته مع تصاعد وتيرة الثورة الشعبية السورية، فطهران تدرك أن حليفها بشار الأسد ساقط لا محالة خاصة مع إيغاله كل يوم في مجازر ومذابح أكبر واتساع نطاق الثورة ضده. وكأي نظام سياسي عتيد يمتلك قوة كبيرة ومصالح إقليمية ضخمة لابد أن يفكر بطريقة جديدة ومختلفة عندما يجد أن مناطق نفوذه تتخلخل وأن عليه أن يقاوم ويبحث عن مناطق نفوذ جديدة... وإذا كان اليمن يمثل بديلا محتملا لإيران عن سوريا فلاشك عندي أن آيات طهران يعلمون جيدا أن هناك فوارق هامة بين اليمن وسوريا لا يستطيعون التغاضي عنها مطلقا... ذلك أن التحالف السوري الإيراني تم بموافقة النظام الطائفي الذي يحكم دمشق منذ أكثر من أربعة عقود، وما كان لمثل هذا التحالف أن يصمد لولا استمرار حكم آل الأسد، في حين أن أمرا كهذا ليس متاحا في اليمن ولا يمكن أن يكون متاحا في قادم الأيام... كما أن سقوط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين على يد الأمريكان وتسليمهم طواعية أو مرغمين الحكم في بغداد لنظام أقرب لملالي طهران منه إليهم أحدث وللمرة الأولى في تاريخ المنطقة الحديث تواصلا جغرافيا للنظام الإيراني يمتد حتى البحر الأبيض المتوسط عبر العراق وسوريا ووصولا إلى لبنان من خلال العلاقة الوثيقة مع حزب الله الذي يشكل اليوم الرقم الصعب في الحكومة اللبنانية القائمة، وهكذا فإن سقوط نظام الأسد سينهي هذا التواصل وسيؤثر على كل أوراق قوة إيران في المنطقة العربية... من هنا بدأ التفكير بالتوجه نحو اليمن لكن بسياسة جديدة أو أنها ليست جديدة كليا لكن تم تطويرها وتوسيع أبعادها وآفاقها. لذلك لم يكن من السهل على الرئيس عبدربه منصور هادي أن يفجر قنبلة النشاط الاستخباري الإيراني الضار في اليمن خلال خطاب ألقاه مؤخرا وهو المقل جدا في خطاباته وما أطلقه من تحذيرات قوية غير مسبوقة، وما تبع ذلك من الكشف عن خلية تجسس إيرانية تعمل منذ وقت طويل في اليمن وتدير نشاطات مختلفة تصاعدت مؤخرا بشكل مركز ضد أمنه واستقراره ووحدته الوطنية... وجاء انزعاج الرئيس هادي وحكومته بعد أن طال الصمت على نوعية النشاط الإيراني الهدام الذي يجري حاليا في اليمن... فإيران لم تكتف بدعمها ومساندتها المعروفة والقديمة والمفهومة للحركة الحوثية لكنها وسعت نشاطها منذ أواخر العام الماضي بشكل متسارع لإثارة النزعات الطائفية والشطرية، فهي اليوم تدعم نشاط القوى الانفصالية اليمنية صراحة على امتداد الجنوب اليمني وإلى جانب ذلك فإنها تريد إذكاء نزعات طائفية سنية على مستوى الشمال اليمني بغرض تمزيق الشمال اليمني مذهبيا، وهذا النشاط تحديدا فكرة شيطانية من بنات أفكار حلفاء إيران التقليديين في اليمن الذين يحظون أساسا بدعمها لتوجهاتهم العنصرية والمذهبية... ومن المؤكد أن هذا الدعم السخي الذي تقدمه إيران للطرفين الأخيرين لم يؤت ثماره بعد لكني أظنه لن يفعل ولن يؤتي أي ثمار مطلقا، ليس فقط لليقظة الوطنية المبكرة في مواجهته لكن وهو الأهم لأنه يسير في اتجاه معاكس لاتجاهات الإرادة اليمنية الغالبة التي عبرت عنها الثورة السلمية، ناهيك عن أن بروز إيران في واجهة هذا النشاط وهو البلد الثيوقراطي الذي يحكمه عدد من رجال الدين المتخلفين ولا يشكل نموذجا نهضويا يحتذى كتركيا وماليزيا هو أساسا لا يحظى بحب أو ثقة غالبية أبناء الشعب اليمني الذي ظل ينظر إليه دوما بعيون الريبة وهو ما يعني فشل كل مشروعاته الهدامة في اليمن.
3205
| 04 أغسطس 2012
دخلت الثورة الشعبية السورية مرحلة جديدة حاسمة في مسارها السياسي والمسلح منذ يوم الأربعاء الماضي بالعملية العسكرية التي قام بها الجيش الوطني الحر وأودت بحياة وزيري الدفاع والداخلية والرجل القوي في النظام آصف شوكت صهر الرئيس بشار الأسد وآخرين فهزت أركان الحكم ودكت معنويات أنصاره خاصة مع انتقال المعارك والمواجهات إلى العاصمة دمشق وهو ما يعني أن قيادات النظام الدكتاتوري قد أصبحت في مرمى الثوار.. فوصول المواجهات إلى العاصمة يعني بشكل أو بآخر أن الثورة قد أشرفت على مراحلها الأخيرة بعد ستة عشر شهرا من النضال السلمي الذي وجد نفسه مضطرا شيئا فشيئا لحمل السلاح والمواجهة بعد أن أوغل نظام الأسد في دماء الأبرياء بصورة وحشية لم تكن متوقعة من قائد شاب درس في الغرب وعرف معنى الديمقراطية والحرية ومخاطر الكبت والاستبداد السياسي.. وإن كان الأسد الأب دمر مدينة حماه عام 1982م من أجل القضاء على انتفاضة مسلحة أشعلها متشددو حركة الإخوان المسلمين ووجد التنظيم كله نفسه مضطرا للدفاع عن وجوده، فإن الأسد الابن دمر معظم مدن سوريا النابضة بالحياة وقتل أكثر من عشرين ألفا من مواطنيه بأبشع الأساليب وأكثرها وحشية ولم يفرق بين طفل وشيخ وامرأة من أجل القضاء على ثورة أشعلها شباب سوريا من جيله والجيل الذي يليه بعد أن يئسوا من إمكانية قيامه بخطوات جادة للانفتاح السياسي وتحرير الاقتصاد وتحجيم الفساد المستشري في كل أجهزة الدولة لكن شيئا من ذلك لم يحدث، وإذا بالرئيس طبيب العيون خريج بريطانيا الذي بشر يوما ما بربيع دمشقي تحول إلى شتاء استبدادي قاس يبدو كأسوأ ما يكون الدكتاتور القاتل الذي لا يبالي بإراقة الدماء مادامت ستقوض سلطته وحكمه. لم يكن غريبا أن تصل نسائم الربيع العربي إلى دمشق، فالغريب ألا تصل والأغرب ألا يسقط النظام العائلي في سوريا قبل بقية الأنظمة العائلية المماثلة له التي سقطت قبله، والتي كان النموذج الأسدي في نقل السلطة من الأب إلى الابن قدوة تتبع وسلوكا يحتذى بالنسبة لقادة ليبيا واليمن ومصر وتونس.. وفيما تخلى العالم كله عن هؤلاء القادة الأربعة وهم يحاولون مواجهة الثورات الشعبية التي تريد إسقاطهم وإنهاء مشاريع التوريث التي يعملون على تحويلها إلى واقع على النمط السوري إذا بهذا الأخير يحظى بتعاطف إقليمي ودولي أطال عمره لستة عشر عاما إلى درجة رفضه تطبيق النموذج اليمني الذي سعى حتى حلفائه الروس والصينيين لإقناعه بالأخذ به دون جدوى، فالرجل والدائرة المحيطة به يدركون أن الروس تحديدا كلما صمد سيقفون معه أكثر على أمل نجاحه في القضاء التام على الثورة.. لكن ما حدث ويحدث حتى الآن أنه كلما أراق المزيد من الدماء ازداد اشتعال الثورة في كامل الأراضي السورية، فلا هو الذي سقط ولا هو الذي قبل بنقل السلطة لنائبه ولا هو الذي نجح في قمع الثورة.. ومن الواضح أن حساباته السياسية خابت فقد كان يظن أن استخدامه المستمر لشعار المقاومة والصمود في وجه إسرائيل سيجعل شعبه يقف معه، لكن هذا لم يحدث لأن شعبه يعلم أن هذه المقاومة ليست أكثر من هراء يتم ترديده باستمرار لأغراض سياسية، إذ لا يمكن لشعب يقع تحت الاستبداد والقمع من حكامه أن يمتلك روح مقاومة العدو، فما بالك إن كان هذا النظام القمعي فاسدا وطائفيا أيضا؟ بالتأكيد لن تؤدي عملية الأربعاء الماضي إلى سرعة سقوط النظام، إنما ستختصر من عمره بلاشك فهي إعلان عن قوة الجيش السوري الحر وفي الوقت نفسه إعلان عن التداعي والانهيار الذي يعاني منه النظام.. لكن الخشية أن تؤدي العملية إلى توافق روسي أمريكي برضا أركان النظام السوري وبضغط على المجلس الوطني السوري والجيش الحر إلى فتح باب التفاوض للوصول إلى حل سلمي لا يستبعد أن يكون النموذج اليمني خاصة مع انتقال المعارك إلى دمشق وانتشارها يوما بعد يوم في المزيد من أحيائها.. ولاشك أن التفاوض في هذه المرحلة لن يكون له جدوى ولن يكون له هدف سوى إجهاض الثورة وإحكام السيطرة على مساراتها السياسية المستقبلية.. وفي ظني أن القيادة السياسية والعسكرية للثورة تدرك مخاطر مثل هذا الاحتمال وعدم جدواه في هذه المرحلة الحاسمة التي ستمكن الثورة السورية من تحقيق أهدافها في التغيير كاملة غير منقوصة، وأي تضحيات قادمة من أجل ذلك لن تزيد عما قدمه الشعب السوري في الشهور الستة عشرة الماضية، فقد كان الأولى بنظام بشار الأسد أن يقبل التفاوض مبكرا وكان النموذج اليمني حينها يمثل مخرجا مشرفا له، إذ لم يعد ممكنا أن يقبل السوريون حكم هذه العائلة لسنوات قادمة أخرى، وهم الآن أمام فرصة لا يمكن أن تتكرر كما أنها لا يمكن التفريط بها بعد أن أصبح التغيير على الأبواب. المثير للاستغراب في المشهد السوري وما يحيط به من مواقف إقليمية ودولية هو الموقف الروسي ورهاناته الغريبة... ففيما اتخذ الجانب الصحيح في الثورات التونسية والمصرية واليمنية والليبية إلا أنه اتخذ الجانب الخطأ بكل تأكيد الثورة السورية... ولو أن الاتحاد السوفيتي هو القائم لتفهمنا الأمر لكن وهي روسيا الاتحادية ذات النظام الديمقراطي التعددي فإن الموقف يصعب قبوله... وإن اعتبرنا أن روسيا كانت تريد ثمنا اقتصاديا باهظا لموقف مساند للثورة السورية فإنه كان ينبغي على دول مجلس التعاون الخليجي أن تشتري هذا الموقف بأي ثمن.. فالأمر المؤكد عدم وجود حسابات واضحة لدى روسيا في دعمها غير المفهوم لنظام بشار الأسد الذي أصبح سقوطه مسألة وقت قد لا يكون قريبا لكنه قادم لا محالة.
725
| 21 يوليو 2012
تمضي الاستعدادات قدما لتشكيل اللجنة التحضيرية للحوار الوطني على ضوء النتائج التي توصلت إليها لجنة الاتصال الثمانية الرئاسية التي استمر عملها لمدة شهرين وقدمت تقريرها النهائي للرئيس عبدربه منصور هادي الأسبوع قبل الماضي، وفيما يدور الكثير من النقاش حول تحديد عدد أعضاء اللجنة التحضيرية لم يكن قد تم حسمه عند كتابة هذا فإن التشكيل في أقصى الأحوال لن يزيد على خمسة وعشرين عضوا لضمان نجاح التحضير رغم نصائح الخبراء الدوليين في مجال الحوار بألا يزيد العدد عن خمسة عشر عضوا وهي نصائح ناتجة عن خبرات سابقة وعمليات حوار دارت في العديد من الدول، إلا أنه يبدو أن من الصعوبة بمكان اختصار العدد إلى ذلك الحد بسبب كثرة عدد الأطراف التي ينبغي تمثيلها، وحتى لا تحدث ردود فعل سلبية تعرقل مسار التحضير كتلك التي كادت أن تحدث عند تشكيل لجنة الاتصال الرئاسية من ثمانية أعضاء.. وعلى كل حال فإن اللجنة المزمع تشكيلها ستكون لجنة تحضيرية لا أكثر مهمتها التحضير لتشكيل لجنة موسعة للحوار الوطني هي التي سيرتكز العمل الأساسي عليها بحيث تطرح مخرجاتها التي يفترض أنه سيتم التوافق عليها على مؤتمر للحوار الوطني يعطي المشروعية الكاملة لكل ما سيتم التوافق عليه من قضايا جوهرية ترسم مستقبل اليمن وتجسد أهداف الثورة الشبابية الشعبية السلمية التي أحدثت أهم تغيير سياسي في تاريخ اليمن الحديث أنجزه معظم أبناء الشعب اليمني بمظاهراتهم واعتصاماتهم وصمودهم وتضحياتهم على امتداد عام كامل تقريبا وليس النخبة السياسية أو العسكرية كما حدث في فترات سابقة. وبالتأكيد فلن يكون تحديد عدد أعضاء اللجنة التحضيرية فقط كبيرا كان أم محدودا هو سبب نجاح عملية التحضير من عدمها، إذ إنه لن يزيد عن كونه عاملا مساعداً فكلما قل العدد كانت النقاشات والحوارات أيسر وأقرب للتوصل إلى نقاط مشتركة وبالذات إذا كانت المصلحة العليا لليمن هي القاسم الرئيسي بين أعضاء اللجنة التحضيرية.. ومفهوم (المصلحة العليا لليمن) هنا واضح المعالم بمعنى أنها المصلحة الراجحة للبلد والشعب ككل وهذا يعني كل العوامل التي تؤدي إلى سيادته واستقراره وأمنه ورخائه وكرامة أبنائه.. ومهما تباينت الآراء في مفهوم (المصلحة العليا) فإن التوافق عليه ليس مسألة معقدة باعتبار أن أمامنا العشرات من النماذج في العالم لدول عانت من اضطرابات وعدم استقرار وتمكنت بالتوافق على المصلحة العليا أن تصل إلى بر الأمان وتستقر وتمضي مجددا في عملية البناء.. وبالمقابل من الواضح أن نجاح الحوار الوطني هو مطلب خارجي ومصلحة خارجية أيضا، بمعنى أن الحوار الوطني ينبغي أن ينجح وأن يحقق نتائج إيجابية وأن يخرج اليمن من مرحلة الثورة الشعبية إلى مرحلة بناء دولة القانون والاستقرار السياسي والاقتصادي باعتباره المنتهى الذي سعت إليه المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية من خلال المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي ومجلس الأمن الذي أصدر قرارين هامين عن اليمن العام الماضي وهذا العام وهما القرار 2014 والقرار 2051 لتأكيد الاهتمام الدولي بمسارات الحل في اليمن وتجنيبه كارثة الصراع والحرب الأهلية والتمزق والتشرذم.. ولعل هذا الأمر يجعل اليمن محظوظاً فإن لم يتحمل ممثلو الأطراف السياسية مسؤوليتهم تجاه نجاح الحوار فإن المجتمع الدولي سيجبرهم على إنجاز مثل هذا النجاح وهو ما ينبغي أن يفهموه مقدماً فيكونون أكثر فاعلية وأكثر مرونة وأكثر استعداداً لتقديم التنازلات لبعضهم البعض. يأتي السؤال الذي يفرض نفسه هنا وهو هل هناك من الأطراف المعنية اليمنية من يريد إفشال الحوار أو على الأقل لا يتمنى نجاحه.. بالتأكيد يوجد طالما كان نجاح الحوار يتعارض مع مصالحه السياسية أو رؤاه المستقبلية أو أحلامه وأمانيه أو مع ما يروج له من تصورات، وأستطيع الجزم منذ الآن أن هناك شخصيتين يفترض أنهما تاريخيتين لا يريدان لهذا الحوار أصلا أن يكون، وإن كان فإنهما لا يتمنيان له النجاح بحال من الأحوال وهما (العليان) اللذان أنجزا وحدة اليمن عام 1990م (علي عبدالله صالح وعلي سالم البيض) وتجاوز كل منهما في حينه معارضي المشروع الوحدوي في الشطر الذي كان يحكمه لينتصرا له، ولست أدري إن كان يصح أن أقول (ليتهما لم يفعلا) لأن سياساتهما بعد الوحدة دمرت المشروع ولم تبنه، وأساءت إليه ولم تحسن.. فالعليان بسياساتهما الرعناء خلال سنوات الفترة الانتقالية الأربع (1990 – 1994) وتنافسهما المحموم على شراء الذمم بالمال العام ومماطلتهما في توحيد الجيش ومكر كل منهما بالآخر أوصلا البلاد إلى طريق مسدود انتهى بالحرب التي يتحملان مسؤوليتها فكلاهما كان يستعد للحرب بل إن البيض اشترى صفقات سلاح حديثة جدا بقياس ذلك الوقت بتمويل إقليمي لإنجاز مشروع الانفصال الذي كانت بعض دول الإقليم تعتبره مصلحة لها لولا الخط الأحمر الذي وضعته الدول الكبرى باعتبار الوحدة اليمنية مصلحة يمنية وإقليمية ودولية راجحة وهي رؤية لم تتغير حتى الآن بالنسبة للدول الكبرى في العالم وانضمت دول الإقليم مؤخرا إليها بعد أن أدركت مؤخرا أن المشكلة لم تكن أصلاً في الوحدة اليمنية بل في سياسات الرجلين اللذين أنجزاها.. وقد ثبت ذلك جلياً عبر السياسات التدميرية اقتصاديا ومعيشيا وسياسيا التي انتهجها صالح عقب انتصاره في حرب 1994م تجاه الجنوب تحديدا، فهو لم يكتف من خلال الحرب بإقصاء شركائه في تحقيق الوحدة الممثلين بالحزب الاشتراكي اليمني ولكنه قام بالتدريج بتهميش شركائه في تحقيق الانتصار وهم القوى الجنوبية التي وقفت معه في تلك الحرب التي يعتبر وزير دفاعه خلالها ونائبه لاحقا عبدربه منصور هادي رمزا لها، وإقصاء الشركاء الآخرين الممثلين بحزب التجمع اليمني للإصلاح خلال أول انتخابات نيابية أعقبت حرب 1994م.. وكان آخر المهمشين كل القادة العسكريين والأمنيين الذين وقفوا معه للدفاع عن الوحدة وبعضهم من أقاربه وأبناء منطقته وقريته الذين حافظوا على حكمه طوال أكثر من ربع قرن حتى وجدوا أنفسهم يهمشون واحدا بعد الآخر ليخلو الجو للإطار العائلي الممثل بأنجال الرئيس وأخويه وأبناء إخوته.. وهكذا كان صالح يمضي في عزل نفسه بنفسه شعبيا ونخبويا في بلد كان يتدهور يوما بعد آخر دون أن يقبل أي نصح من كل الذين كانوا يحاولون إقناعه بمخاطر التفرد العائلي بالسلطة.. وفي الوقت ذاته عاد علي سالم البيض لممارسة نشاطه السياسي في العام 2008م بسياسات تدميرية مجدداً ولم تجد معه كل المحاولات التي بذلها عقلاء المعارضة الجنوبية في الخارج، ووصل به الأمر إلى مد يده لبلد كإيران لتمويل أنشطته التدميرية وقناته التلفزيونية العنصرية التي تحرض ضد كل ما هو شمالي، ناهيك عن رفضه التجاوب مع كل الدعوات التي وجهتها له لجنة الاتصال للمشاركة في الحوار الوطني.. وفي ظني فإن المصلحة الوطنية تقتضي استبعاد (العليين) وما يمثلانه من الحوار لأن مشاركة ممثلين لهما لن تكون إلا مشاركة سلبية تسعى لتدمير الحوار لتثبت للعالم نظريتيهما.. فصالح يريد أن يثبت للعالم أن اليمن لن يبقى موحدا بعده وأنه كان صمام الأمان الوحيد له متجاهلاً أنه كان يمكنه أن يظل كذلك لو قدم مصالح اليمن على مشروعه العائلي في الحكم.. كما أن البيض يريد أن يثبت للعالم أنه صاحب التأثير الأكبر في الجنوب مع استمرار التحريض على الانفصال وفك الارتباط ودعم العمل المسلح، ورغم ارتفاع هذا الصوت إعلامياً إلا أن الواقع في الجنوب يقول غير ذلك فآمال المواطنين هناك ارتفعت بإمكانية تصحيح مسار الوحدة بعد الثورة الشعبية السلمية التي شملت اليمن كاملا وثبت للمواطن الجنوبي أن أخاه المواطن في الشمال وحدوي مثله باعتباره الذي قوض حكم الرئيس الشمالي علي عبدالله صالح واندفع للتصويت بقوة للرئيس الجنوبي عبدربه منصور هادي متحررا من كل العقد المناطقية والشطرية.. ولذلك ينبغي على السياسيين وهم يديرون الحوار الوطني في المرحلة القادمة أن يحيطوا جيدا وبكل حيادية بطبيعة المصالح الوطنية التي يجتمع عليها كل اليمنيين شماليين وجنوبيين، وأن يبتعدوا قدر الإمكان عن التنظيرات الخرقاء والتصورات الكسيحة التي لا تنظر إلى أبعد من قدميها.. وعلى الرئيس هادي أن يدرك أن 50% من النجاح المنشود للحوار الوطني متوقف على إعادة النظر في الأداء الحكومي وتحسين مستواه وتحديد أولوياته.
601
| 14 يوليو 2012
كسائر ثورات الربيع العربي بدأت الثورة الشعبية السلمية اليمنية شبابية بامتياز، فلولا اندفاع الشباب اليمني بمختلف اتجاهاتهم مستقلين وحزبيين منذ اليوم التالي لسقوط الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي وخروجهم إلى الشارع ما كان يمكن أن نرى ربيعا ثوريا تغييريا في اليمن، ولأن حسابات القوى السياسية دوما تختلف عن حسابات الشباب ما كان لقوى المعارضة أن تقرر النزول للشارع والانضمام للثورة لولا ضغط شبابها عليها، ولو أن هذه القوى - وتحديدا الإسلامية منها - قررت النزول للشارع ابتداء لربما لم يكن المواطنون سيتجاوبون معها لأن موقفها سيفسر داخليا وخارجيا كما لو أنه رفضا للعملية الديمقراطية القائمة رغم كل النواقص التي ظلت تشوبها طوال السنوات الماضية.. والحال نفسه ينطبق بالطبع على تونس ومصر فالشباب كانوا الأداة الحقيقية لعملية التغيير فيما كانت قوى المعارضة بمختلف اتجاهاتها وفي مقدمتها الإسلاميون بثقلهم الشعبي السند القوي اللاحق لهذه الثورات وسر صمودها ونجاحها في تحقيق نتائجها التي انتهت بتغيير قادة جثموا على صدور شعوبهم لسنوات طويلة بوسائل وأساليب اختلفت من بلد لآخر، وفي اليمن مثلا لم تقرر أحزاب المعارضة النزول للشارع ودعم ثورة الشباب إلا بعد أكثر من شهر من أول انطلاقة لها في 15 يناير 2011م بعد أن أدركت أن نظام صالح لا يريد التجاوب لإنجاز أي إصلاحات حقيقية، وقد كان انضمام المعارضة للثورة الشبابية ضرورة لتجنيب اليمن الفوضى وتنظيم العمل الثوري وتوحيد جهوده وتنسيقها بين مختلف المحافظات. وفي كل البلدان التي شهدت التغيير ترددت لاحقا نغمة واحدة من مخلفات الأنظمة التي سقطت وهي أن هذه الثورات قد سرقت من الشباب الذين ضحوا وقدموا الشهداء والجرحى والمعاقين فيما حصد الساسة نتائج تضحياتهم وباعوا الثورات من أجل الوصول للسلطة، وقد استخدم هذه اللغة الرئيس السابق علي عبدالله صالح بنفسه واستخدمها المرشح الرئاسي المصري الفريق أحمد شفيق في حملته الانتخابية للجولة الثانية، وذلك بغرض تعميق الاحتقانات التي حدثت في نفوس شباب الثورة المستقل والحزبي نتيجة إدراك بقايا الأنظمة السابقة أن الشباب لديهم قناعة كاملة أن ثوراتهم لم تحقق إلا بعض أهدافها التي كانوا يحلمون بها بسبب أن قوى المعارضة التي تلقفت الثورات وأسهمت فيها وقادت العملية السياسية المصاحبة واللاحقة لها قبلت بالحلول السياسية الجزئية التي أسقطت رؤوس الأنظمة السابقة وأبقت على أجسادها. وفي اليمن تحديدا لا يمكن الجزم أن معظم الشباب الذي خرج للثورة سواء الحزبيون منهم أو المستقلون قد تأثروا بخطاب رأس النظام السابق أو وسائل إعلامه بخصوص سرقة ثورتهم فهم على هذا الصعيد كانوا ومازالوا أكثر تشددا في الموقف ضده من القوى السياسية التي وقفت مع الثورة وساندتهم وسعت لاحقا لتحقيق أهداف الثورة من خلال التسوية السياسية التي حدثت من خلال المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية تجسيدا لمبدأ سلمية الثورة، وفي الوقت نفسه فإن نسبة ليست قليلة منهم لم تكن راضية كل الرضا عن أداء القوى السياسية التي ساندتهم نتيجة أنهم لم يكونوا راضين عن بعض بنود المبادرة الخليجية كالحصانة وتقاسم الحكم مع المؤتمر الشعبي العام واستمرار مجلس النواب المنتهية ولايته واستمرار العديد من أفراد عائلة الرئيس السابق في مواقعهم القيادية وكانوا يرون أن الثورة تستلزم إنجاز تغيير جذري والاستبعاد لكل الرموز التي كرست الفوضى وأجهضت سيادة القانون ودمرت هيبة الدولة ونشرت ومارست الفساد بكل صوره وأشكاله وحطمت الاقتصاد الوطني.. لكن وكما هو معلوم فإن الشباب بطبيعتهم أقدر على التضحية وأكثر استعدادا لها من أجل تحقيق أهدافهم فيما تكون عادة حسابات القوى السياسية بقياداتها المجربة أكثر حذرا، ولذلك فإن هذه القوى التي ساندت ثورة الشباب قررت المضي في تسوية سلمية تجنب البلاد احتمالات الحرب الأهلية وتحفظ حياة شباب اليمن وتجنبه ويلات الصراعات المسلحة حتى لو كان الثمن (نصف انتصار للثورة) و(نصف هزيمة للنظام السابق) رغم استعداد شباب الثورة لتقديم المزيد من التضحيات من أجل الخلاص النهائي من حكم الرئيس صالح.. وتغلبت وجهة نظر قوى المعارضة التي أصبحت شريكة في حكم البلاد، فانهمكت تماما كما يبدو في العملية السياسية وأهملت إلى حد ما وضع آليات واسعة الأفق شاملة الرؤية بعيدة المدى لاستمرار تواصلها كقوى سياسية مع الشباب الذي خرج للثورة ومازال كثير منهم في ساحات الحرية والتغيير في مختلف المحافظات واستيعاب وجهات نظرهم بمختلف مشاربهم السياسية وتوجهاتهم مستقلين أو حزبيين من أعضائها وبالذات في الفترة الراهنة التي تمضي فيها التحضيرات للحوار الوطني مما أدى إلى حدوث ثغرات دخل منها أنصار النظام السابق لدس السم في العسل والاصطياد في المياه العكرة كما حدث مؤخرا، وعمل فجوة كبيرة بين قادة أحزاب المشترك وشباب الثورة. وفي تصوري إن تشتت ائتلافات ساحات الحرية والتغيير زادت المشهد تعقيدا وأصبح الحديث عن تمثيل الشباب في مؤتمر الحوار نوعا من استهلاك الوقت والعبث، وقد لاحظنا أن الجهود التي بذلت خلال الفترة الماضية من لجنة التواصل الحكومية المعنية أساسا بالتواصل مع الشباب ولجنة الاتصال الرئاسية التي سعت لمساعدتها لم تصل إلى نتيجة واضحة وأن كل تلك الجهود زادت مساحة الخلافات ولم تحصرها، خاصة مع رغبة حزب صالح مشاركة شبابه في الحوار وهو أمر غير مفهوم إذ إن آراءهم يمكن استيعابها ضمن التمثيل الذي سيحظى به الحزب في مؤتمر الحوار، ولا يعقل في ذات الوقت مساواتهم بالشباب الذي خرج للثورة وقدم الشهداء والجرحى والمعاقين والمعتقلين.. ولذلك سيكون من المجدي والأفضل ألا يتحول موضوع تمثيل الشباب في مؤتمر الحوار الوطني إلى لغم يفجر التحضيرات الجارية لانعقاده، فمهما بذلت من جهود مخلصة وصادقة فسيستحيل تمثيل كل ائتلافات الساحات وهي بالعشرات بل وربما بالمئات سواء في اللجنة التحضيرية التي من المقرر إعلانها خلال الشهر الجاري أو في المؤتمر المقرر انعقاده خلال الشهور الثلاثة القادمة.. وقد يكون من المفيد أكثر أن يعمل شباب الثورة الحزبي والمستقل على السواء على تنظيم ندوات ولقاءات تبدأ على مستوى كل مدينة حتى تنتهي بلقاء جامع على المستوى الوطني تخلص إليه كل الأفكار والتصورات التي تم بلورتها لتخرج برؤية موحدة أو شبه موحدة أو متقاربة تمثل وجهة نظر شباب الثورة اليمنية في مختلف القضايا التي ستطرح على مؤتمر الحوار الوطني كقضايا الجنوب وصعده والدستور بكل تفاصيله التي ستحدد شكل الدولة ونظامها السياسي ومؤسساتها المختلفة وسائر القضايا الوطنية.. وهو خيار ممكن سيوحد كتلة الشباب ويجعل مخرجات الحوار الشبابي ورقة ضغط على القوى السياسية المشاركة في الحوار الوطني، لأن هذه القوى ستتمثل بالتأكيد بشخصيات على وشك أن تغرب شموسها إن لم تكن شموس بعضها قد غربت فعلا ويجري إنعاشها لتخرج مجددا، ومثل هذه الشخصيات التي لا غنى عن تجاربها المثمرة بالتأكيد لا يمكن تركها تنفرد بوضع رؤية لمستقبل لن تعيشه لأن هذا المستقبل هو ملك للجيل الذي خرج ثائرا مضحيا منجزا ما عجزت تلك القوى والشخصيات عن إنجازه طوال العقود الماضية.. فكيف يمكن الجمع بين حكمة وتجارب الكبار وطموحات وآمال جيل الثورة؟ هذا ما يجب أن يتعاون الجميع من أجل الإجابة عليه.
559
| 06 يوليو 2012
تحطمت آمال الحالمين بعودة أنظمة حكم ما قبل الربيع العربي بسقوط المرشح الرئاسي المصري الفريق أحمد شفيق آخر رؤساء حكومات عهد الرئيس السابق حسني مبارك في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي جرت في 16 و17 يونيو الجاري، فقد كان هؤلاء في كل المنطقة وفي اليمن وتونس خصوصا يرقبون الانتخابات المصرية وكأنها تجري في بلدانهم وأيديهم على قلوبهم، وكانوا يعبرون عن فرحتهم بسذاجة غريبة كلما ظهر أحد من حملة شفيق ليقول إنه الفائز أو عندما ظهر شفيق بنفسه ليعلن أنه الفائز أو عندما يظهر أي تشكيك في صحة النتائج التي أعلنتها حملة منافسه الدكتور محمد مرسي رغم أنها لم تنفرد وحدها بتلك النتائج التي أكدت تفوقه - أي مرسي - بل إن مواقع محايدة مثل صحيفتي الأهرام والوطن ظلت مؤشراتها تؤكد تفوق مرسي حتى آخر لحظة... لكن ظنون أنصار الأنظمة التي تم اقتلاعها خابت وأدركهم اليأس عندما أعلن رئيس اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية المصرية مساء الأحد الماضي فوز مرشح قوى الثورة الدكتور محمد مرسي وبنتائج لا تختلف سوى بنسبة لا تذكر عما أعلنته حملة هذا الأخير مؤكدة مصداقيته ومصداقية حملته والقوى التي دعمته في الجولة الثانية. لقد كان وصول الدكتور محمد مرسي إلى مقعد الرئاسة في مصر تجديدا لروح ثورات الربيع العربي، فمهما كانت إخفاقات ثورة مصر ومهما استمرت محاولات الالتفاف عليها فإنها تظل بوصلة التغيير والتجديد والتنوير دائما لكل المنطقة... ولذلك بقدر الفرحة التي انتابت عشرات الملايين من أنصار ثورات الربيع العربي في كل المنطقة فإن الأنظار ستتركز على أداء الرئيس المصري الجديد بذات القدر بل ربما أكثر، وسيكون عليه مواجهة تحديات كبيرة جدا فيما لازالت مصر لم تستقر بعد لا سياسيا ولا تشريعيا ولا اقتصاديا ولا أمنيا... سيترصده أنصار نظام مبارك والخصوم التقليديون للإسلاميين وخصوم الربيع العربي وسيجعلون من كل هفوة بسيطة يرتكبها خطيئة جسيمة وهذا مفهوم على أي حال في ظل غياب الخصومة الشريفة... وستنتظر منه الأغلبية الصامتة إنجازات خارقة وسريعة في تحسين ظروفها المعيشية... وسيستل أنصاره كل أسلحتهم الفكرية والسياسية وكل حججهم المختلفة للدفاع عنه بالحق وبالباطل كما هو معتاد على الأرجح... وبين كل أولئك سيكون عليه أن يمشي بحذر شديد في حقل ألغام وحديقة أشواك لينجز ما يمكنه إنجازه من ناحية وفي الوقت نفسه ليعمل على تطهير الحقل من الألغام وتنقية الحديقة من الأشواك... لكنه قبل هذا وذاك سيتحتم عليه قراءة نتائج الجولة الثانية سواء الأصوات التي ذهبت له أو لمنافسه، فالأكيد أنه ليس كل من صوت له كان مقتنعا بشخصه أو بحزبه أو جماعته لكن لأن الكثير من هؤلاء لم يكونوا يريدون أن يروا أحدا من رموز نظام مبارك يجلس على كرسيه وإلا فلا معنى للثورة والتضحيات التي بذلت من أجلها... والأكيد أيضا أنه ليس كل من صوت لشفيق كان مقتنعا به بل إن نسبة ليست قليلة منهم تناصر الثورة والتغيير لكنها لم تكن تريد وجها إخوانيا يجلس على كرسي الرئاسة... وهذا سيقتضي من مرسي أن يثبت لمن صوتوا له من أجل الثورة أن أصواتهم ذهبت للخيار الصحيح وأن يثبت لمن صوتوا لشفيق من أنصار الثورة أنه قادر على كسب ثقتهم وتبديد مخاوفهم، وأن مصر ستشهد على يديه ولادة دولة مدنية حقيقية تنتصر للحريات والحقوق ويسود فيها القانون وسيجد الأقباط في ظلها الإنصاف الذي لم يجدوه طوال العقود الماضية سواء في مجال بناء الكنائس أو في تولي المواقع القيادية في الدولة والحكومة. سيتحتم على محمد مرسي أن يدرك أن جزءا كبيرا من مسؤولية نجاح تجربة تيار الإسلام السياسي في الحكم في المنطقة سيكون ملقى على عاتقه، فهو اليوم يجلس على مقعد رئاسة الدولة الأكثر أهمية وتأثيرا في الوطن العربي على كل الأصعدة... ومن أجل تحقيق مثل هذا الهدف سيكون عليه الاستفادة من تجربة حزب العدالة والتنمية التركي الذي نجح خلال عشر سنوات في بناء دولة ديمقراطية حقيقية في تركيا على أنقاض نظام العسكرتاريا الذي سيطر على كل مقاليد الحياة السياسية لأكثر من سبعة عقود بحجة حماية العلمانية متحالفا في ذلك مع جهاز القضاء... والأكيد أن مصر لا تعاني من قبضة كتلك القبضة، فلا الجيش يمتلك عقيدة علمانية بالمفهوم الاستبدادي الذي كان عليه الجيش التركي ولا القضاء كذلك يعاني من نفس الإشكالية، لكنهما بالتأكيد قد يشعران بالقلق من امتداد محتمل للتيار الإسلامي في أوساطهما، وهو أمر وارد في حال استمرار التحالف غير المنظور بينهما وإصرارهما على استمرار سيطرة الجيش بغطاء دستوري وقانوني ومساندة قضائية على مقاليد الحياة السياسية المصرية لسنوات قادمة أخرى، إذ سيظل الحكم القضائي غير المبرر بحل أول مجلس شعب منتخب بإرادة حرة فعلية نقطة مسيئة للقضاء المصري لأنه فتح الباب للمجلس العسكري الحاكم لإصدار إعلانه الدستوري المكمل الذي استعاد به سلطة التشريع وأعطى نفسه العديد من الصلاحيات التي لا حق له فيها وليست من اختصاصاته أساساً وبالذات مع إعلان التزامه بتسليم السلطة للرئيس المنتخب في الموعد المحدد، فلولا حكم المحكمة الدستورية العليا بحل مجلس الشعب ما وجد المجلس العسكري مبررا للإعلان الدستوري الذي يمكنه من تقاسم السلطة مع الرئيس الجديد! سيجد الرئيس محمد مرسي نفسه في موقف صعب فلا هو بالتأكيد يرغب في مصادمة العسكر ولم يعد هذا الخيار واردا أيضا في رؤية جماعة الإخوان المسلمين وحزبها (الحرية والعدالة)، ومن ثم لن يكون أمامه سوى الاحتماء بالشارع الثائر الذي أجمع لأول مرة بكل نخبه وشبابه وأحزابه على رفض الإعلان الدستوري المكمل حتى وإن كان البعض منهم مرحبا بحل مجلس الشعب ذي الأغلبية الإخوانية والسلفية... وقد يستدعي ذلك عقد صفقة مؤداها الموافقة على حل مجلس الشعب مقابل إلغاء الإعلان الدستوري المكمل، وهو قد يكون خيارا مقبولا على أساس أن هناك يقينا لدى مختلف القوى السياسية إضافة إلى المجلس العسكري أن الإخوان والسلفيين لن يتمكنوا من الحصول على ذات الأغلبية التي حصلوا عليها في الانتخابات التشريعية السابقة بسبب التراجع الملموس لشعبيتهم نتيجة لأدائهم في مجلس الشعب المنحل.
479
| 30 يونيو 2012
أيا كانت النتيجة التي ستعلنها اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية المصرية فإن صورة الإشراف القضائي على العملية الانتخابية تأثرت سلبا هذه المرة على عكس الصورة الرائعة التي خرجت بها خلال انتخابات مجلسي الشعب والشورى أواخر العام الماضي وأوائل العام الحالي رغم ما أسفرت عنه من أغلبية إسلامية بشقيها الإخواني والسلفي... فقد أثبت القضاء المصري خلال تلك الانتخابات استقلالية تامة وقد يكون ذلك نتاجا لرضا المجلس العسكري الحاكم عن نتائجها أو على الأقل عدم وجود أي قلق لديه من تلك النتائج التي لن تهز الشارع المصري فقط بل امتدت ارتداداتها إلى مجمل المنطقة، فقد كانت النسبة التي حصل عليها الإخوان في التشريعيات والتي تجاوزت أكثر من 40% من إجمالي المقاعد أكبر مما قدروه هم وأرادوه... ولذلك شاعت حالة واسعة من القلق في مختلف الأوساط المصرية والعربية والدولية عندما قرروا خوض الانتخابات الرئاسية إذ ستصبح هيمنتهم على مختلف جوانب الحياة السياسية المصرية في حال الفوز بها أكبر من أن يتم احتماله أو قبوله سواء من المجلس العسكري الحاكم أو من الكثير من النخب المصرية ناهيك عما سينتج عنه من تأثير سياسي على العديد من دول المنطقة! يبدو الدور الذي مارسه القضاء المصري منذ لحظة فتح باب الترشيح للانتخابات الرئاسية مثيرا للكثير من التساؤلات المنطقية وهي تساؤلات تستحق التأمل دون أن تعني التشكيك في نزاهته واستقلاليته... فقد بدت عملية استبعاد المرشحين عمر سليمان نائب الرئيس السابق وخيرت الشاطر نائب المرشد العام للإخوان وحازم أبواسماعيل الداعية السلفي واسع الشعبية كما لو أنها أشبه بصفقة رغم الحجج التي تم بموجبها تبرير استبعاد الشخصيات الثلاثة... والواضح أن الترشح المفاجئ لسليمان كان ضرورة لاستبعاد الشاطر وبالمقابل استبقاء أحمد شفيق - وهو المرشح المفضل للمجلس العسكري - ومحمد مرسي رئيس حزب الحرية والعدالة الإخواني والذي لا يحظى بحضور سياسي وشعبي مثل الشاطر وبالتالي لا يثير ترشيحه أي قلق... ورغم قناعتي بعدم دستورية قانون العزل السياسي إلا أن رئيس اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية تجاوزه وسمح لأحمد شفيق بخوض الانتخابات، وعقب ظهور نتائج الجولة الأولى للانتخابات وصعود شفيق للجولة الثانية قام رئيس لجنة الانتخابات بصفته رئيس المحكمة الدستورية العليا بإصدار حكم بعدم دستورية قانون العزل السياسي، وبدا الحكم متسقا مع إجازته لشفيق منذ البداية خوض الجولة الأولى، رغم أن المنطق الأكثر سلامة كان يقتضي أن تبت المحكمة الدستورية في قانون العزل قبل الجولة الأولى تماما كما فعلت عندما أصدرت حكمها قبل موعد الجولة الثانية بيومين فقط! هذا الحكم الصادر قبل يومين فقط من الجولة الحاسمة للرئاسيات امتد ليصحبه حكم آخر ببطلان انتخابات المقاعد الفردية التي فاز بها حزبيون في مجلس الشعب، وبالتأكيد لم تكن جميع المقاعد الفردية قد فاز بها حزبيون لكن الحكم القضائي أبطل الانتخابات في الثلث المخصص كاملا للمقاعد الفردية ثم حل مجلس الشعب كاملا استنادا على ذلك البطلان ولم يترك مجالا للأخذ والرد فقامت المحكمة باعتبار الحل ساريا على الفور وهو أمر يحدث للمرة الأولى في قرار قضائي كهذا، إذ كانت المحكمة العليا عادة تبطل الانتخابات فيقوم رئيس الجمهورية بحل البرلمان بناء على الحكم لكن المحكمة الدستورية العليا هذه المرة أصدرت حكمها وقامت بتنفيذه، وهو ما أثار لغطا كبيرا رغم حرص كل الأطراف بلا استثناء على إبداء احترامها للحكم القضائي وللمحكمة العليا! كان توقيت صدور حكم حل مجلس الشعب ملفتا للنظر بالتأكيد خاصة مع صدور الإعلان الدستوري المكمل من المجلس العسكري والذي استرد بموجبه سلطة التشريع حتى في وجود رئيس منتخب للجمهورية... وهكذا أعطى المجلس العسكري انطباعا واضحا على رغبته في مشاركة الرئيس المنتخب سلطته بصور وأشكال مختلفة الأمر الذي أثر سلبا على صورته الإيجابية التي بناها ليس فقط خلال أحداث ثورة 25 يناير بل منذ ما قبلها بوقت طويل، ناهيك عما أثارته المحكمة العليا من اللغط حول حكمها بحل مجلس الشعب الذي بدا سياسيا أكثر من اللازم بل وممهدا الطريق للمجلس العسكري لاستعادة سلطة التشريع... وباستحضار الأحكام القضائية التي برأت مساعدي وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي وبرأت جمال وعلاء مبارك من تهمة الفساد يمكن القول أن صورة القضاء المصري التي ظلت مصانة وشامخة في الذهنية العامة قد تأثرت سلبا، فلا مبررات أحكام البراءة بدت مقنعة ولا مبررات حل مجلس الشعب بدت مقنعة هي الأخرى، والملفت للنظر أن رئيسي المحكمتين سينهيا خدمتهما نهاية الشهر الحالي... وجاءت هذه الأحكام لتبرز في أذهان الكثير من المراقبين صورة مقارنة لما كان يحدث دوما من تعاون بين الجيش والقضاء في تركيا خلال العقود الماضية في تكريس الاستبداد باسم الحفاظ على العلمانية حتى تمكن حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان خلال عقد كامل من حكمه من تفكيك ذلك التحالف وسلطاته الاستثنائية شيئا فشيئا معليا سلطة الدستور فوق سلطتي القضاء والجيش. لازالت المقارنة بين التجربتين التركية والمصرية غير مكتملة الجوانب حتى الآن، إلا في حال أن يتفاجأ الناس بسقوط مرشح الحرية والعدالة محمد مرسي رغم كل الشواهد اليقينية التي أكدت نجاحه في الانتخابات، فلم تقتصر النتائج المؤكدة لفوزه على حزبه فقط بل إن صحفا لا يمكن اتهامها بالتعاطف معه مثل الأهرام والوطن أكدتا نجاحه هي الأخرى... وكذلك في حال أن يصر المجلس العسكري على التمسك بالإعلان الدستوري المكمل وحل مجلس الشعب، إذ يبدو العسكر مصرين على إقحام أنفسهم بشكل أو بآخر في صياغة الدستور الجديد من خلال إعطاء الإعلان الدستوري المكمل لهم حق الفيتو على الصيغة الدستورية التي يمكن أن تتوصل إليها اللجنة التأسيسية المعنية بإنجازه... ورغم كل التوتر القائم ورغم التشوهات التي أصابت جسمي الجيش والقضاء المصريين بسبب التمسك بالسلطة إلا أن ثوار مصر قادرون بسلميتهم وإصرارهم على تحقيق أهداف ثورتهم أن يعيدوا للثورة روحها وأن يزيلوا تلك التشوهات التي أصابت أهم رمزين لسيادة مصر ودولتها العريقة.
564
| 23 يونيو 2012
شهد الأسبوع الماضي العديد من الانفراجات المهمة على صعيد المشهد السياسي والأمني والعسكري اليمني إضافة إلى صدور القرار الأممي رقم 2051 يوم الثلاثاء الماضي والذي جاء أساسا لدعم سلطة الرئيس عبدربه منصور هادي، وهو القرار الدولي الأول الذي يصدر عن اليمن منذ تولى هادي رئاسته في فبراير الماضي.. فقد كان استمرار رفض الرئيس السابق علي عبدالله صالح ونجله قائد الحرس الجمهوري إنفاذ قرار الرئيس هادي بتعيين قائد جديد للواء الثالث مدرع حرس جمهوري المسيطر على العاصمة صنعاء هو الدافع الأساسي لاجتماع مجلس الأمن وإصدار القرار رقم (2051) الذي يلوح بعقوبات يمكن أن تطال كل من يعيقون تنفيذ العملية السياسية الجارية في اليمن بناء على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المدعومتين بقرار مجلس الأمن رقم (2014).. ومن حسن حظ الرئيس السابق ونجله أن القرار الدولي جاء مخففا بسبب أنه صدر في اليوم التالي لإنفاذ قرار الرئيس هادي بتعيين قائده الجديد رغما عنهما بعد أكثر من شهرين من صدور القرار في 6 أبريل الماضي.. فقد جاء إنفاذ القرار كما هو معروف إثر تمرد معظم ضباط وجنود اللواء على القادة المتمردين على قرار الرئيس هادي، فقد ضاق بهم الحال وهم الذين نشأوا أساسا على مبدأ احترام الشرعية الدستورية والولاء لها عندما وجدوا قادتهم يتمردون على الشرعية الدستورية للرئيس الجديد المنتخب ويرفضون إنفاذ قراره بتعيين قائد جديد لهم.. ويبدو أنهم صبروا بما يكفي على هذا التمرد حتى طفح بهم الكيل مما وجدوه تصرفا غير مقبول خاصة أن القائد الجديد العميد عبدالرحمن الحليلي الذي تم تعيينه رجل معروف بنزاهة سمعته وكفاءته العسكرية الكبيرة واستقلاليته السياسية إذ لا يوجد أي مبرر في نظرهم لرفض تعيينه.. وهكذا تحرك الضباط والجنود منذ السبت الماضي رافضين لاستمرار تمرد أركان حرب اللواء وأعوانه مطالبين بتسليم القيادة للعميد الحليلي، وتحركت الوساطات لتدارك أي انفجار في الموقف وإقناع قائد الحرس الجمهوري بضرورة إنهاء التمرد فوجد أنه ليس أمامه سوى التحلي بالعقلانية والواقعية وأنه لم يعد هناك أي خيار سوى إنفاذ قرار الرئيس هادي الذي هو في الوقت نفسه القائد الأعلى للقوات المسلحة، فجرى تسليم الحليلي قيادة اللواء صباح يوم الإثنين الماضي بحضور رئيس هيئة الأركان العامة وأعضاء اللجنة العسكرية، وانتهى ما يمكن اعتباره (حصار صنعاء الجديد) بعد أقل من سبعين يوما ببضعة أيام مذكرا بحصار السبعين يوما الشهير الذي عرفته صنعاء أواخر عام 1967م! يمكن القول الآن إن عملية توحيد قيادة الجيش من جديد قد قطعت أكثر من 80% من الناحية الواقعية، كما أن احتمالات انفجار أي مواجهات بين فصائله المنقسمة قد تراجعت بذات النسبة إن لم يكن أكثر بل إن لم يكن كليا، وقد أسهم القرار الدولي (2051) في تعزيز هذه القناعة فكل المؤشرات تؤكد أن من تبقى من القيادات العسكرية الموالية للرئيس السابق قد بدأت تدرك بشكل كامل أنه لم يعد هناك أي مجال للرهان على إمكانية عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه وأن التغيير ماض للأمام بقوة وعزيمة وإصرار من الرئيس الجديد ومن التيار العقلاني في حزب المؤتمر الحاكم والقوى السياسية الأخرى الشريكة معه في حكومة الوفاق الوطني وكذلك من الشباب الذي خرج ثائرا ويريد أن يرى أهداف ثورته تتحقق كاملة ولو بصورة تدريجية.. ولهذا لم يعد أمام تلك القيادات العسكرية سوى القبول بالأمر الواقع والمتغيرات الجديدة وهو ما سيعطيها الفرصة للاستمرار في مواقعها أو أي مواقع جديدة يحددها الرئيس هادي.. وجاء الانتصار الكبير الذي حققه الجيش يوم الثلاثاء الماضي على تنظيم القاعدة ونجاحه في استعادة السيطرة على مدينتي زنجبار وجعار بمحافظة أبين بعد أكثر من عام من سيطرة القاعدة عليهما ليعزز قناعة التغيير الكبير الذي يشهده اليمن على مختلف الأصعدة ويؤكد حقيقة أن الجيش يستعيد وحدته واعتباره.. ففي أواخر شهر مايو من العام الماضي وفي ذروة الثورة الشبابية الشعبية السلمية جرت عملية انسحاب منظمة ومدروسة لبعض ألوية الجيش والأمن من المدينتين مع ترك أسلحتها الثقيلة والخفيفة وراءها بغرض تمكين تنظيم القاعدة من السيطرة عليهما وعلى تلك الأسلحة، وكان الهدف واضحا وهو توصيل رسالة للمحيط الإقليمي والمجتمع الدولي تتمثل بأن رحيل الرئيس علي عبدالله صالح عن السلطة سيعني سيطرة القاعدة على العديد من المحافظات وتحولها إلى خطر حقيقي ليس على اليمن فقط بل على الإقليم والعالم أيضا.. وقد وصلت الرسالة بالفعل لكن بعكس الغرض الذي أراده النظام السابق فقد كان أسلوب الانسحاب مفضوحا إلى حد لا يمكن إخفاؤه عن أعين العالم الذي أدرك أن الخلاص من ذلك النظام أصبح هو الضرورة القصوى وليس العكس، وأن خطر القاعدة سيزداد طالما ظل ذلك النظام في الحكم وظلت الثورة مشتعلة ضده.. وبالفعل فلم يمض سوى أكثر من ثلاثة شهور على انتخاب عبدربه منصور هادي رئيسا لليمن حتى كانت انتصارات الجيش تتوالى على تنظيم القاعدة ما يعني أن المشكلة لم تكن في الجيش بقدر ما كانت في النظام السابق نفسه الذي كان يعمل دوما طوال السنوات الست الأخيرة على الاستفادة السياسية من مسألة الشراكة مع المجتمع الدولي في محاربة الإرهاب وكان ذلك يقتضي إطالة أمد حربه على القاعدة والتغاضي عن بعض أنشطتها وتحركاتها من أجل الاستمرار في تصويرها كخطر كبير يصعب مواجهته وبالتالي الاستمرار في ابتزاز المجتمع الدولي وجلب المساعدات وتدريب القوات التي أنشأت خصيصا لمحاربتها لكنها - أي هذه القوات - تفرغت خلال الشهور الستة عشر الماضية لحماية أركان عائلة الرئيس السابق دون أن تطلق رصاصة واحدة ضد تنظيم القاعدة بما في ذلك عدم الاشتراك في معركة استعادة سيادة الدولة على مدن لودر وزنجبار وجعار التي تكللت بالنصر الكبير يوم الثلاثاء الماضي، الذي يمكن اعتباره يوما أعيد فيه الاعتبار للجيش الوطني كما أنه أكد روح التغيير التي سادت قوات الجيش كجزء من الحالة الوطنية العامة التي سادت اليمن كله بفضل ثورة الشباب التي أطاحت بالنظام السابق. لقد أسقط الرئيس هادي والجيش أسطورة القاعدة، ويمكن للعمل الأمني المحترف في الفترة القادمة أن يتمكن من التضييق على أي نشاط محتمل للقاعدة خاصة أنه كان هناك تجربة ممتازة في هذا المجال بين عامي 2003 و2005، ولذلك قد يحتاج الرئيس هادي أن يعيد النظر في تركيبة الأجهزة الأمنية الاستخبارية وتطهيرها من العناصر التي كان لها تواصل ما مع القاعدة ليحقق نجاحا أمنيا عقب النجاح العسكري ومن ثم استعادة الأمن والاستقرار وتهيئة الأجواء الداخلية لاستقبال الاستثمارات وتنشيط الاقتصاد الوطني.. ولاشك أن إعادة الاعتبار للجيش اليمني بنصره المؤكد على القاعدة وإعادة الاعتبار لاحقا للجهاز الأمني سيعين الدولة على استعادة هيبتها شيئا فشيئا واحتواء حالة الفوضى السائدة منذ سنوات والتي جاءت الثورة الشعبية لإنهائها وبناء الدولة المدنية وسيادة القانون.
451
| 15 يونيو 2012
تعد الفترات الانتقالية عادة هي الأصعب في حياة الشعوب باعتبارها مراحل التحول الأهم التي تقودها إما إلى الاستقرار أو إلى الاضطراب أو الاحتراب أو التفكك أو غير ذلك من السيناريوهات السيئة.. ولم ينس اليمنيون حتى الآن الفترة الانتقالية الأولى التي أعقبت استعادة وحدة اليمن في 22 مايو 1990م واستمرت ثلاث سنوات تقريبا انتهت بأول انتخابات نيابية مرتكزة على التعددية السياسية والحزبية في أبريل 1993م أدت نتائجها لاحقا إلى أعنف أزمة سياسية بدأت في أغسطس من نفس العام واستمرت تسعة شهور انفجرت بعدها حرب صيف 1994م التي أعلن خلالها الزعيم السابق علي سالم البيض فصل جنوب اليمن عن شماله وهو القرار الذي لم يلق اعتراف أي من دول العالم فانتهت الحرب في 7 يوليو 1994م ليدخل اليمن بعدها مخاضات وأزمات عديدة بسبب العديد من السياسات الخاطئة التي انتهجها الرئيس السابق علي عبدالله صالح وأهمها على الإطلاق غياب أي رؤية جادة وحقيقية للبناء المؤسسي للدولة، والاكتفاء بالشكليات في هذا الجانب حيث المؤسسات موجودة شكلا لكنها لا تمتلك استقلالية تذكر، كما أنها جميعا تخضع مباشرة لسلطة ونفوذ الرئيس وفي وقت لاحق لشيء من نفوذ وتدخلات العديد من أقاربه من الدرجة الأولى إلى جانب نفوذه الذي لم يتزحزح حتى لحظة تخليه عن صلاحياته كرئيس فور توقيعه للمبادرة الخليجية في 23 نوفمبر الماضي والتي جاءت لتفادي انفجار الوضع في اليمن عقب الثورة الشعبية السلمية التي انطلقت أوائل العام الماضي لتتكلل بتنحي الرئيس صالح وانتخاب نائبه عبدربه منصور هادي رئيسا جديدا في 21 فبراير الماضي ولتبدأ بذلك الفترة الانتقالية الثانية في حياة اليمنيين بعد أقل من عقدين على انتهاء الفترة الانتقالية الأولى. ومع مرور أكثر من ثلاثة شهور على بدء الفترة الانتقالية الحالية المحددة بعامين كاملين، ومرور ستة أشهر على تشكيل حكومة الوفاق الوطني، فإن صورة الوضع العام تبدو ضبابية أكثر من أي وقت مضى رغم كل التقدم الملموس الذي تحقق على صعيد الالتزامات المناط إنجازها بالرئيس هادي، فيما لازالت الحكومة تجتر معها حتى هذه اللحظة كل الآليات القديمة في إدارة شؤون البلاد وهي الآليات التي أدت في الأساس إلى الانسداد وإلى الفشل وإلى الانهيار الذي أصاب نظام صالح... إذ لم يلمس المواطنون خلال الشهور الستة الماضية آليات عمل جديدة وأساليب أداء متجددة وطرق تفكير إداري حديثة تتواكب مع المتغير الهائل الذي قامت به الثورة الشعبية الشبابية السلمية التي يفترض أنها دفنت عهدا كاملا بكل أساليبه وسياساته وطرق تفكيره العتيقة التي أوصلت اليمن إلى ما وصل إليه. فكل الوسائل التقليدية في الأداء لازالت قائمة ومستمرة في إنتاج ذاتها، وهو أمر يثير الكثير من الإحباط في صفوف الشباب الذي يريد أن يلمس على الأقل أن هناك على الأقل رؤى جديدة كل الجدة من الناحية النظرية باعتبار أنه من المستحيل أن تنجح أية حكومة مهما كانت قدراتها في انتشال اليمن من أزماته العميقة خلال فترة محدودة... ولأن الشباب يدرك هذه الصعوبات فإنه يريد أن يلمس تجددا في الرؤى ونوعية في الأداء وخروجا في الرؤى والأداء عن الأساليب التقليدية والروتينية التي لازالت تحكم أداء الحكومة بكامل أعضائها سواء في الأداء الجمعي أو الأداء الفردي، وهو أمر لم يعد مقبولا في نظر اليمنيين عامة والشباب خاصة الذين يدركون جيدا أن الحكومة ليست معنية بأي جهد في الجانب السياسي إلا في حدود ضيقة للغاية – بحسب نصوص المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية – باعتبار أن المعالجات السياسية ملقاة بشكل أساس على عاتق الرئيس هادي والقوى السياسية الموقعة على المبادرة وهي المعنية بالتحضير تحت إشراف الرئيس لمؤتمر الحوار الوطني الذي سيتولى معالجة كل الجوانب السياسية والدستورية، فيما لجنة الشؤون العسكرية والأمنية هي المعنية بإحلال الأمن والاستقرار ونزع كل فتائل الانفجار العسكري والأمني، وهذه اللجنة تعمل كما يعلم الجميع تحت الإشراف المباشر للرئيس هادي ولا ترتبط بالحكومة. لولا استمرار رفض الرئيس السابق تسليم قيادة اللواء الثالث مدرع حرس جمهوري للقائد المعين من الرئيس هادي لأمكننا القول إن الجزء الأهم من الجوانب المناط به تنفيذها في هذه المرحلة فيما يتعلق بالمرحلة الأولى من هيكلة الجيش والأمن قد أوشك على الاكتمال وأنه قد تمكن بالفعل من نزع فتيل الانفجار بشكل نهائي... فالرئيس هادي قطع أشواطا مقبولة في مجال استعادة شيء من الأمن والاستقرار على الصعيد العام إلا أن هيبة الدولة لازالت تتعرض كل يوم للاهتزاز ويصعب القول إن إنجازا ما قد تحقق على صعيد استعادتها... كما أن هادي قطع خطوة جيدة على صعيد التهيئة للحوار الوطني من خلال تشكيل لجنة الاتصال التي يفترض أن تنتهي من مهامها نهاية الشهر الجاري... فاليمن يبدو في حالة سباق مع الفترة الانتقالية وقد يظن الكثيرون أنها لن تكون كافية بالقياس إلى حجم التعقيدات المهولة في المشهد السياسي اليمني ناهيك عن حجم الانهيار الكبير في المشاهد الاقتصادية والإدارية والأمنية والخدمية... وبالتأكيد فإن فترة العامين لن تكون كافية على المستوى الاقتصادي والخدمي لكنها يمكن أن تكون كافية جدا على الصعيدين السياسي والأمني إن حسنت نوايا الأطراف السياسية المعنية... إذ لا يمكن فصل جزء ليس بالقليل من الاختلالات الأمنية عن البعد السياسي فالمنطق يقول إن الطرف الذي أطاحت به الثورة الشعبية يجد أن مصلحته السياسية المستقبلية تكمن في استمرار هذه الاختلالات واستمرار الخلاف السياسي وتردي الأوضاع المعيشية فذلك هو الأمر الوحيد القادر على تحسين صورته، وبالمقابل فإن الطرف الذي أسهم في الثورة والوصول بها إلى هدفها وأصبح شريكا في الحكم لم يبذل جهدا يذكر يدعم به جهود الرئيس هادي في استعادة الأمن والاستقرار باعتباره صاحب مصلحة حقيقية في ذلك خاصة أن الانتخابات النيابية ستجري في فبراير 2014م بحسب نصوص المبادرة وآليتها، وما لم يتحقق شيء من أهداف الثورة خلال ما تبقى من العامين وبالذات على صعيد استعادة هيبة الدولة وتحديث الأداء الإداري والانتهاء من الخطوط العريضة لمعالجة القضايا السياسية الشائكة فإن على الشباب أن يتهيأوا لاستعادة ثورتهم إذا لم يتم إنجاز أهدافها الأساسية خلال الشهور العشرين القادمة.
661
| 08 يونيو 2012
مساحة إعلانية
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا...
7881
| 13 أكتوبر 2025
انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت...
6495
| 14 أكتوبر 2025
منذ صدور قانون التقاعد الجديد لسنة 2023، استبشر...
3435
| 12 أكتوبر 2025
في خطوة متقدمة تعكس رؤية قطر نحو التحديث...
2793
| 12 أكتوبر 2025
المعرفة التي لا تدعم بالتدريب العملي تصبح عرجاء....
2400
| 16 أكتوبر 2025
مع دخول خطة وقف إطلاق النار حيز التنفيذ،...
1836
| 10 أكتوبر 2025
في ليلةٍ انحنت فيها الأضواء احترامًا لعزيمة الرجال،...
1773
| 16 أكتوبر 2025
قمة شرم الشيختطوي صفحة حرب الإبادة في غزة.....
1524
| 14 أكتوبر 2025
الوقت الآن ليس للكلام ولا للأعذار، بل للفعل...
1188
| 14 أكتوبر 2025
لا يخفى على أحد الجهود الكبيرة التي تبذلها...
1062
| 14 أكتوبر 2025
في زحمة الحياة وتضخم الأسعار وضيق الموارد، تبقى...
1032
| 16 أكتوبر 2025
حين نسمع كلمة «سمعة الشركة»، يتبادر إلى الأذهان...
975
| 10 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية