رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ما نلاحظه هذه الأيام على الساحة السياسية الجزائرية هو تعنت السلطة واعتداؤها على الإرادة الشعبية ومضاعفة تأزيم الأوضاع وانسدادها. ففي الوقت الذي يطالب فيه الحراك رموز النظام بالاستقالة ومغادرة الفضاء السياسي دون رجعة، يقوم الرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح بالتحضير لانتخابات رئاسية في 4 يوليو 2019. الرئيس بن صالح شرع في استضافة رؤساء أحزاب ومسؤولين سياسيين للتشاور حول الخروج من الأزمة متناسيا أنه لا نستطيع حل الأزمة بأسباب وجودها أو برجالات صالت وجالت في الساحة السياسية الجزائرية لأكثر من عقدين من الزمن وأوصلت البلاد إلى ما هي عليه اليوم. للعلم الرئيس المؤقت الحالي السيد عبدالقادر بن صالح كان قبل شهرين ضمن التحالف الرئاسي يعمل على فرض الرئيس المتنحي بوتفليقة لعهدة خامسة. كيف يثق المواطن الجزائري في شخصيات مثل بن صالح في العمل على الانتقال للجمهورية الثانية. مع الأسف الشديد لا بن صالح ولا بدوي ولا بوشارب ولا غيرهم فهم أن تغيير النظام والتحول إلى نظام جديد لا يتحققان برموز النظام القديم. فالجزائر اليوم تمر بأزمة سياسية وبانسداد خانق يقف أمام أي تغير وتحول ديمقراطي رغم أن الملايين من الجزائريين نزلت إلى الشارع وعبرت عن وعيها وإدراكها وقناعتها التامة بالحاجة الماسة إلى التغيير والحاجة الملحة إلى التخلص من الذين عبثوا بخيرات وأموال البلاد وحرموا الشعب من الأمن والاستقرار والعيش الكريم. ثمانية أسابيع من الحراك، مسيرات ومظاهرات ومطالب ولافتات وشعارات عبرت عن تناقضات ومشاكل وتجاوزات عاشها الجزائريون خلال ما يزيد عن نصف قرن من الزمن. أين وصلت مطالب الحراك؟ ماذا تحقق إلى حد الآن؟ وما هي المطالب التي ما زالت معلقة؟ إلى متى ستستمر المسيرات؟ وهل ستكون هناك انتخابات رئاسية في الرابع من يوليو 2019؟. فبعد شهرين من الحراك يبدو أن النظام يسير في اتجاه والحراك يسير في اتجاه معاكس تماما. ونلاحظ أنه في آخر المطاف انحاز الجيش إلى الحل الدستوري وتجاهل الحل السياسي الذي يطالب به الحراك. فاستقالة بلعيز رئيس المجلس الدستوري السابق وتعويضه بعضو من نفس المجلس عينه سنة 2016 الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة لا يشير إلى أي تغير. ذهب بوتفليقة وجاء خلفا له بن صالح وهذا يعني أن الأمور بقيت على حالها وأن إنجازات الحراك ضئيلة جدا مقارنة بالملايين من الجزائريين التي تعودت على الخروج الجمعة تلو الأخرى للتعبير عن استيائها من الطريقة التي تدار بها البلاد. فإذا قيمنا الجمعات الثماني التي خرج فيها الحراك للتعبير عن مطالبه نجد أنه نجح في تحقيق بعض مطالبه كإسقاط العهدة الخامسة وإيقاف تمديد العهدة الرابعة ونجح كذلك في إرغام بوتفليقة على الاستقالة. هذه الإنجازات التاريخية والرائعة بعثت الأمل في الجزائريين في الوصول إلى مبتغاهم والشروع في وضع اللبنات الأولى للجمهورية الثانية. فالعالم بأسره شهد للجزائريين تلك المسيرات السلمية والحضارية والنظيفة من كل شغب أو فوضى أو أشياء خارجة عن الإتيكيت وثقافة النضال الديمقراطي. كما استطاع الحراك أن يفرض نفسه كسلطة أولى في البلاد والمطالبة بتطبيق المادة 7 و8 من الدستور. وأفلح في انضمام مختلف القوى السياسية من معارضة وأحزاب سياسية ومنظمات المجتمع المدني والنقابات والاتحادات إلى صفه، وأصبح الجميع يتبنى أجندة ومطالب الحراك. السؤال المحوري الذي يطرح نفسه في هذا المقام، ما هي الخطوات القادمة؟ هل هناك استراتيجية للخروج من الانسداد الذي فرض نفسه خاصة بعد تطبيق المادة 102 وتجاهل المادتين 7 و8. هل ستستمر المسيرات والحراك في الخروج كل جمعة إلى الشارع وإذا كانت الإجابة بنعم إلى متى؟ ونحن نشاهد هذه الأيام استقبال بن صالح الرئيس المؤقت للجزائر لرؤساء الأحزاب والقوى السياسية المختلفة في البلاد وكذلك كبار المسؤولين السابقين، ما يوحي بأننا أدركنا مفترق طرق. فالشارع الجزائري اليوم يتساءل ماذا حققنا إذا أشرف بن صالح وبدوي على الانتخابات الرئاسية القادمة؟. فما يخيف الحراك اليوم هو تنامي وتصاعد الدور السياسي للمؤسسة العسكرية واختفاء دور الطبقة السياسية أو النخبة السياسية من المشهد. فإلى حد الساعة لن تستطيع المعارضة أن تقدم حلولا إجرائية عملية لتطبيقها في أرض الواقع ولا ننسى أنها فشلت في عهد بوتفليقة في الاتفاق على مرشح ينافس هذا الأخير. فالإشكال المطروح هو أن تنحي بوتفليقة لا يعني شيئا إذا خلفه بن صالح وإذا تولى أحد رجالات النظام السابق، نور الدين بدوي، رئاسة الحكومة. وهذا ما يجعلنا نقول إن الحراك في حقيقة الأمر لم يحقق الكثير ولم يفكك النظام إلى حد الساعة، حيث إن أركان هذا الأخير ما زالت قائمة وموجودة وما زالت تسير البلاد وتستعد لإدارة وتنظيم الانتخابات الرئاسية القادمة. وحتى لا يستمر جو اللا حوار أو حوار الطرشان والاستمرار في التقدم نحو المجهول يجب على المخلصين والمؤمنين بمصلحة الجزائر أن يجلسوا حول طاولة الحوار والتشاور والبحث عن الحلول والسبل التي تخرج بالجزائر إلى بر الأمان بعيدا عن المصالح الضيقة وتمجيدا لمصلحة الجزائر لا غير. ما يجب أن يدركه بن صالح ورجالاته وغيرهم ممن يحاولون الالتفاف حول مطالب الشعب أن انتخابات 4 يوليو 2019 لن تكون ولن تجرى وأن الحراك -الاستفتاء العفوي الذي شاهده العالم كل يوم جمعة – اعتبارا من 22 فبراير والذي كان يمثله 20 إلى 22 مليون جزائري كل أسبوع دليل قاطع أن الشعب الجزائري لا يقبل بن صالح ولا بدوي ولا الحكومة الحالية لتنظيم وإدارة الانتخابات القادمة. والأمر يتطلب حاليا تبني برنامج ديمقراطي من طرف المعارضة والحراك والأحزاب، والتواصل مع أطراف من النخب الحاكمة النزيهة والشريفة والغيورة على وطنها الجزائر، تعيين هيئة مستقلة لإدارة العملية الانتخابية والإشراف عليها وتعديل القوانين أو سن قوانين جديدة، كذلك ضرورة إقامة هيئة تأسيسية لوضع دستور جديد بعد حوار وطني، والاستفتاء عليه قبل الانتخابات. فالحل الأمثل يكمن في تعيين رئيس توافقي جديد للمجلس الدستوري وبعد ذلك يستقيل الرئيس المؤقت بن صالح ليصبح بعد ذلك رئيس المجلس الدستوري الذي تم تعيينه ليصبح الرئيس المؤقت والمتفق عليه من قبل كل الجزائريين. بعد ذلك يبدأ الشروع، بعد استقالة رئيس الوزراء بدوي وحكومته، في تعيين وزير أول جديد وحكومة جديدة من تكنوقراط ومن كفاءات للشروع بعد ذلك في تنظيم الانتخابات الرئاسية وفق معايير الديمقراطية والشفافية والنزاهة والمسؤولية. [email protected]
1405
| 20 أبريل 2019
هل هو التطور نحو الوراء، أم العودة لنقطة الصفر، أم إصرار النظام على تجاهل مطالب الحراك وإعادة إنتاج نفسه من خلال الحل الدستوري وتطبيق المادة 102 من دستور تم تفصيله حسب مقاس الرئيس السابق بوتفليقة الذي عبث به كما شاء؟. الكثير من المحللين رأوا أن استقالة بوتفليقة لا تعني الكثير، حيث إن ذهاب بوتفليقة ومجيء بن صالح هو تبادل أدوار بطريقة تحافظ على النظام واستمراره، الشعب الجزائري في الواقع لا يريد استبدال بوتفليقة ببن صالح ابن النظام الذي صال وجال في الوسط السياسي الجزائري لمدة تزيد على الثلاثين سنة، بن صالح الذي ترأس مجلس الأمة لأكثر من أربع مرات وترأس حزب التجمع الديمقراطي الذي يعتبر من آليات النظام الفعالة، بن صالح الرئيس الحالي للجزائر بموجب المادة 102 والذي سيترأس البلاد لمدة 90 يوماً ويشرف على الانتخابات الرئاسية القادمة في 4 يوليو 2019 هو من ضمن المتحمسين الكبار الذين أصروا على العهدة الخامسة للرئيس بوتفليقة والذين كانوا من الأوفياء والمخلصين لنظام اتسم بالفساد وبتبذير المال العام وانتشار الصفقات المشبوهة والقضايا التي أسالت الكثير من الأحبار والأخبار كقضية الكوكايين والخليفة وسوناطراك وغيرها كثير، ما يعني أن بن صالح هو رمز من رموز النظام والذي سيعمل جاهداً على إعادة إنتاج هذا النظام الذي ترعرع وكبر وهرم في ضلوعه، ما يعني أن المسيرات المليونية التي شهدتها الجزائر مدة 8 جمعات متتالية لم تأت بشيء يذكر ما عدا اعتراف العالم بسلميتها وتنظيمها المحكم ونضجها السياسي، فمن شعار "خواة- خواة" أي إخوة إخوة إلى حالة يبدو فيها أن الجيش تخلى عن الحراك ونسي المادة 7 و8، والمأزق الذي يواجهه الحراك بعد استقالة بوتفليقة هو أن دستور 2016 لم يأخذ بعين الاعتبار ما تمر به الجزائر هذه الأيام، فالدستور الذي فصله نظام بوتفليقة وتلاعب به ثلاث مرات لا يستطيع بأي حال من الأحوال حل الأزمة الجزائرية حالياً دستورياً، فالحل إذن سياسي بالدرجة الأولى. فالمادة 102 لا تستجيب نهائيا لمطالب الحراك بل تسمح بطريقة شرعية ودستورية لرئيس مجلس الأمة ليترأس البلاد لثلاثة شهور. فإذا انحاز أحمد قايد صالح للحراك في المرحلة الأولى وفرض على السعيد بوتفليقة والجناح العسكري الموالي له استقالة الرئيس بوتفليقة وتنحيه نلاحظ أنه بعد تنصيب بن صالح في 9 أبريل 2019 رئيسا للبلاد بموجب المادة 102 نلاحظ أن قائد الأركان انحاز للنظام في عملية إعادة إنتاج نفسه، وأصبح قايد صالح يصف بين عشية وضحاها مطالب الحراك بالمطالب التعجيزية ما يحتم ضرورة الالتزام بالدستور وفجأة نلاحظ ان الكلام عن المادة 7 و8 قد اختفى كاختفاء الماء في الملح. الأزمة التي تعيشها الجزائر حالياً لا تحلها المادة 102، وهذه المادة تصلح في ظروف عادية وليس في ظروف خرج فيها 20 مليون جزائري يطالبون بالتغيير، وحتى الدستور لا يصلح في الظروف الحالية لأنه اخترق من قبل الرئيس المستقيل 3 مرات واخترق عندما وافق الرئيس السابق على حكومة لا ترقى لأن تكون حكومة تسيّر شؤون البلاد في مثل هذه الظروف. فالمسار الدستوري الذي تريده قيادة الجيش وتهدف من خلاله إلى الحفاظ على النظام يعتبر التفافاً على مطالب الشعب ولا يفي بالغرض بل يكرس الوضع الراهن ويستبدل بوتفليقة ببن صالح والاثنان من نفس النظام ويمثلان عقدين من تسيير سياسي وإداري واقتصادي فاشل بكل المعايير والمقاييس وما بن صالح إلا امتداد لنظام بوتفليقة ما يعني أن مسيرات ملايين الجزائريين لمدة شهرين ذهبت أدراج الرياح وأن نظام بوتفليقة بقي قائما برجالاته وأيديولوجيته وبجيشه. فالجيش من خلال موقفه الأخير ثمن فكرة تغيير شخص الرئيس، بإقامة انتخابات رئاسية في غضون 90 يوما من استقالة الرئيس. المسار الدستوري يكرس ويدعم الوضع الراهن وإعادة إنتاج النظام بامتياز حيث يخدم أحزاب النظام أكثر من أحزاب المعارضة كونها تملك من الموارد والخبرة ما يمكنها من التحضير للانتخابات خلال هذه المدة القصيرة، كما أن الحركة الاحتجاجية ما زالت غير منظمة وغير قادرة على إنتاج كيانات سياسية قادرة على منافسة أحزاب وهياكل سياسية منظمة ومتمرسة منذ عقود من الزمان. هذا ما يقودنا للكلام عن المادة 7 و8 والتي تفتقر لأية آليات واضحة لتطبيقها من أجل تجسيد محتواها على أرض الواقع وهو الإقرار بأن الشعب هو مصدر السلطة. لكن بتنصيب بن صالح رئيسا مؤقتا للبلاد فهذا يعني أن السلطة الحقيقية هي بيد النظام الذي بدأ جاهدا في عملية إعادة إنتاجه من خلال دعوة الهيئة الانتخابية للانتخابات الرئاسية بتاريخ 4 يوليو 2019 ودعوة المترشحين لسحب استمارات الترشح، وهنا نلاحظ استبعاد المسار السياسي لمعالجة الأزمة التي تمر بها الجزائر هذه الأيام. ومنطقيا المسار السياسي هو النهج السليم لبداية مرحلة البناء للجمهورية الثانية والتخلص من النظام الفاسد. فالمسار السياسي هو الأمثل للاستجابة لمطالب الحراك وتطبيق المادة 7 و8 على أرض الواقع. المسار السياسي الذي يطالب به الشارع يهدف إلى تحقيق الانتقال الديمقراطي الحقيقي وليس مجرد تغيير بوتفليقة ببن صالح، فالخروج من الأزمة والانتقال الديمقراطي السلس والهادئ والمنهجي والمنظم تشرف عليه هيئة وطنية مستقلة بإدارة وإشراف شخصيات مستقلة تحظى بقبول وإجماع وطني ويتطلب هذا المسار تعاوناً وحواراً بين قوى المعارضة والحراك من جهة، وأطراف من النظام نزيهة ومعروفة بالكفاءة والمسؤولية من جهة أخرى للشروع في عملية التحول الديمقراطي السلمي ومن دون ذلك، قد ينفرد الجيش بالسلطة، خصوصاً إذا نشأت مرحلة فراغ تشعر فيها المؤسسة العسكرية بأنها صاحبة القرار الأول في البلاد بعد أن تمكنت من حسم الصراع ضد تحالف الرئاسة - مع المخابرات. طريق التخلص من النظام الفاسد في الجزائر ما زال طويلا ويحتاج إلى عمل ومثابرة ورؤية وإستراتيجية، فالقوى المخلصة والنظيفة يجب أن تعي أن الحراك بحاجة إلى تنظيم وتأطير وبحاجة إلى عدد من الشخصيات التي برزت في المرحلة الأخيرة لتجتمع وتنتخب هيئة وطنية مستقلة للإشراف على المرحلة الانتقالية، فالإسراع بتنظيم الانتخابات كما اقترح بن صالح لا يوفر الوقت الكافي لتحضير قانون انتخابات جديد ولا هيئة مستقلة تشرف على الانتخابات ولا رئيس مجلس دستور نزيه و"نظيف" وليس واحدا من العصابة على قول القائد صالح. تحديات كبيرة في انتظار الحراك والطبقة السياسية التي تريد الخير للبلاد وتأسيس الجمهورية الثانية. [email protected]
1136
| 13 أبريل 2019
تواجه الجزائر اليوم بعد نهاية حقبة بوتفليقة تحديات كبيرة جدا وتجد نفسها أمام امتحان صعب للغاية. فمرحلة ما بعد رحيل رمز السلطة أكثر تعقيدا وصعوبة من المرحلة السابقة. فالصراع داخل السلطة نفسها موجود بين المعسكر القريب من بوتفليقة، الذي حاول بشتى الوسائل كسب الوقت والمناورة لإيجاد سبيل وطريقة لاجهاض المسيرات ومطالب الشعب، وبين معسكر مضاد يخشى عدم الاستقرار ويسارع لطي الصفحة وفتح عهد جديد يتسم بالشفافية والديمقراطية والاستجابة لمطالب الحراك. من هنا كان احتضان الجيش للحراك، والضغط على دائرة بوتفليقة، وتوقيف رجال الأعمال، وشطب بيان يوم الاثنين إنهاء بوتفليقة لولايته باستحضار المادة 102 من الدستور وفرض استقالته الفورية. يرى مراقبون أن استقالة الرئيس بوتفليقة لن تحل الأزمة في الجزائر. فالحراك الشعبي يطالب بأكثر من ذلك، ولن يكتفي بإزاحة الرئيس عن المشهد، بل برحيل كل رموز النظام وتغييره بالكامل.. فأين يقف الجيش من هذه المطالب؟ وكيف تتم عملية التخلص من رؤوس النظام القديم؟. تعيش الجزائر منذ أكثر من سبعة أسابيع منعطفا تاريخيا كبيرا قد يفرز الجمهورية الثانية. فبعد ست جمع متتالية من المسيرات والمظاهرات عبر كامل التراب الوطني نجح الحراك الجزائري في إلغاء العهدة الخامسة ورفض تمديد حكم بوتفليقة وإرغامه في آخر المطاف على الاستقالة. فلأول مرة منذ استقلال الجزائر استطاع الشعب أن يقول كلمته بطريقة حضارية وسلمية وأن يختلف مع نظام سياسي بعيد كل البعد عن واقع ومشاكل ومطالب الغالبية العظمى من الشعب الجزائري. فالفضاء السياسي الجزائري تميز خلال العشرين سنة التي قاد فيها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة البلاد بجملة من الأخطاء والتجاوزات والتناقضات التي أدت بالبلاد إلى مشاكل لا تحصى ولا تعد في مختلف المجالات. فرغم صحة الرئيس المتدهورة منذ سنة 2013 استمر بوتفليقة في الحكم والاسرار على إدارة شؤون البلاد بمساعدة مجموعة من المقربين منه ورجال المصالح والأحزاب السياسية. صحيح أن الشارع الجزائري قدم درسا في العمل السياسي الديمقراطي المنظم والمنهجي، واستطاع أن يزيح الرئيس بوتفليقة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو ماذا بعد بوتفليقة، وما هي الآليات والسبل التي يجب اعتمادها لبناء نظام جديد يقوم على الشفافية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية والحرية؟ وما هو الوقت المطلوب لتحقيق ذلك؟ وهل يستطيع الحراك أن ينجز ذلك في أرض الواقع؟ أم نحن بحاجة إلى شخصيات وقوى جديدة – أحزاب سياسية، معارضة، المجتمع المدني للنقاش والحوار ووضع خريطة طريق تقود البلاد إلى تأسيس الجمهورية الثانية. صحيح أن الحراك استطاع أن يلغي العهدة الخامسة واستطاع أن يفرض الاستقالة على الرئيس بوتفليقة واستطاع أن يوقف عهدته لسنة إضافية، لكن ما يحتاجه الشارع بعد هذا الإنجاز هو انتخاب رئيس جديد بطريقة شفافة حرة وديمقراطية، رئيس يحقق مطالب الشعب بعيدا عن الفساد والتلاعب بثروات البلاد. شعب الجزائر بعد هذه المسيرات المباركة غير مستعد ولا يقبل بأي حال من الأحوال أن يشرف على هذه المرحلة الحساسة والمحورية في تاريخ الجزائر البرلمان الحالي بغرفتيه كما أنه غير مستعد لأن يحكم البلاد بالإنابة عبد القادر بن صالح. مما يعني أن المرحلة القادمة يجب أن تبدأ بتعيين رئيس جديد لمجلس الأمة يرضى عليه الشعب الجزائري وكذلك تعيين حكومة انتقالية بدلا من تلك التي يرأسها نور الدين بدوي وتعيين لجنة مستقلة عملا بالمادة 7 و8 من الدستور الجزائري التي تحدد مصدر السلطة في الشعب. ونلاحظ هنا من يرى أن العمل يجب أن يكون سياسيا وليس دستوريا ما دام أن الدستور الحالي قد تم اختراقه وأنه لا يسهل عملية الانتقال إلى الجمهورية الثانية وأن المشرع الجزائري لم يأخذ بعين الاعتبار الحالة الاستثنائية التي تمر بها الجزائر هذه الأيام. فالحراك يريد تغيير النظام وليس ذهاب بوتفليقة فقط. فالنظام لا نستطيع أن نغيره بالدستور الحالي وبالبرلمان الحالي ورجالاته. فرئيس مجلس الأمة الجزائري الذي يخوله الدستور رئاسة البلاد بالإنابة مرفوض رفضا تاما من قبل الشعب الجزائري، فالأشخاص الموجودون حاليا في السلطة لا يمكن الاعتماد عليهم في إحداث التغيير وهم رجالات نظام بوتفليقة فمن المستحيل إحداث التغيير بالقديم وبما كان موجودا لعقود من الزمن. إن استقالة بوتفليقة، لن تغير من الأمر شيئا، إذ أن الرجل من وجهة نظر الحراك، لا يحكم البلاد منذ فترة طويلة، وأن من يدير دفة الأمور هم مجموعة من المحيطين به، كما أن الرجل القادم وفقا للدستور الجزائري الذي يفترض أن يحل محل بوتفليقة، هو رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح، والذي لا يحظى بإجماع شعبي من قبل الجزائريين، الذين يعتبرونه أحد رجالات بوتفليقة وأنه عنصر من النظام الذي يطالبون برحيله تماما. تحديات كبرى إذن تنتظر الحراك والمنظمة العسكرية وتنتظر من يريد التغيير والتطهير والتأسيس لنظام جديد ديمقراطي يؤمن بالشعب وبتحقيق مطالب الحراك. مطالب الحراك الجزائري واضحة ولا يمكن الالتفاف عليها. هذه المطالب تتمحور حول تعيين شخص تتفق عليه كافة الأطياف السياسية. شخص مشهود له بالاستقلالية وبنظافة اليد والخبرة والنزاهة والالتزام، يقوم بتشكيل حكومة كفاءات وطنية تتولى إدارة شؤون البلاد خلال المرحلة الانتقالية تمهيداً لانتخابات رئاسية وبرلمانية نزيهة وشفافة وديمقراطية بشكل شامل ووافٍ. سيخرج الشعب في الجمعة السابعة على التوالي يوم 5 من أبريل الحاليّ للمطالبة بتحقيق المطالب المعلقة إلى الآن وهي رحيل كل من رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح، وكذلك الوزير الأول نور الدين بدوي وحكومته، وتعيين شخصية توافقية تلقى إجماعًا عند عموم الجزائريين عبر مشاورات سياسية بين المجتمع المدني وقيادة الأركان والأحزاب، أين سنكون أمام إجراءات سياسية وليس دستورية. سلمية ومدنية الحراك في الجزائر، التي أخرجت بوتفليقة، هي من دون شك محطة تفاؤل للعالم العربي وللقارة الإفريقية عموما، إنما تبقى بداية مسار طويل ومعقد للانتقال النوعي في البلاد. نجاحه سيتطلب حوارا مدنيا لجميع أطياف المعارضة مع الحكومة ومع الجيش، وخريطة طريق محصنة دستوريا لإجراء الانتخابات الرئاسية والقيام بإصلاحات اقتصادية ومؤسساتية تعيد للجزائر وزنها الطبيعي في شمال إفريقيا والقارة السمراء والوطن العربي. الحراك الشعبي متواصل على الرغم من استقالة بوتفليقة للاحتفال باستقالة الرئيس والمطالبة باسقاط كافة رموز نظام بوتفليقة، من مجلس الأمة الذي سيحكم في الفترة الانتقالية بموجب المادة 102 من الدستور، وبالتالي الشعب لا يريد أن يكون رئيس مجلس الأمة رئيسا للبلاد، بوصفه رمزا من رموز الفساد، وكذلك المطالبة بإسقاط الحكومة الحالية التي نصبها بوتفليقة مؤخرا، التي لا تمت بصلة للحكومة المحترمة التي يمكن للشعب أن يثق بها، وهي التي تشرف على الانتخابات الرئاسية وتنظمها، فإسقاط هذه الحكومة سيكون أمرا حتميا، وتنصيب حكومة تكنوقراط جديدة من رحم الشعب الجزائري في مرحلة انتقالية، تكون مستقلة لتصريف الأعمال، وكذلك إقحام شخصيات وطنية ونزيهة من أجل المضي قدما في وضع القواعد المؤسسة للجمهورية الثانية. [email protected]
1207
| 06 أبريل 2019
ما زال الفضاء السياسي الجزائري يعيش جملة من التناقضات والتحديات وغياب استراتيجية واضحة للتعامل مع الأزمة من قبل السلطة بعد خمسة أسابيع من المسيرات والمظاهرات والحراك. يبدو أن السلطة الجزائرية لم تقرأ الشارع كما ينبغي، فالخطأ الفادح الأول الذي ارتكبته تمثل في ترشيح الرئيس بوتفليقة رغم حالته الصحية الخطيرة والتي لا تسمح له دستوريا وقانونيا أن يمارس السلطة. وهنا نلاحظ أن السلطة انتهجت سبيل الاستمرار في الخطأ وتجاهل الرأي العام والشارع الجزائري. ففي سنة 2014 كان من المفروض على الطبقة السياسية أن تقرأ الشارع وتفكر في الرئيس بوتفليقة الذي ألمت به وعكة صحية في 2013 والذي أصبح منذ ذلك الحين في حالة لا تسمح له بممارسة صلاحيات رئيس دولة وتدبير شؤون البلاد. فمنذ ذلك الحين ولمدة خمس سنوات كان من المفروض على السلطة أن تفكر في الخطة "ب“ وفي بديل للرئيس بوتفليقة. مع الأسف الشديد استمرت الأمور على حالها وزادت الظروف الصحية للرئيس خطورة وبقي الإصرار على أن الرئيس بوتفليقة هو الوحيد القادر على تسيير شؤون البلاد. وفي حقيقة الأمر إن أحزاب التحالف الرئاسي لم توفق ولم تتفق على شخص يجمع الجميع. تواصلت الاحداث وبقيت الأمور على حالها وتسابقت القوى السياسية الفاعلة في المشهد السياسي الجزائري على ترشيح الرئيس بوتفليقة والتمسك به كمنقذ للجزائر. فجاءت الانتخابات الرئاسية والعهدة الخامسة وترشيح الرئيس الذي لم يقوَ حتى على تقديم ملفه للمجلس الدستوري، لكن هذه المرة قرر الشارع الجزائري أن يقول كلمته ويواجه الاستخفاف بذكائه وكرامته. بدأت الأزمة، والسلطة تائهة غير جاهزة لإدارتها فلا رؤية ولا استراتيجية ولا خطة. وهنا نلاحظ المحاولات اليائسة للسلطة للتعامل مع المسيرات المليونية للشعب الجزائري. ففي 3 مارس جاء الإعلان الرسمي لترشيح الرئيس بوتفليقة ومع استمرار المسيرات والمظاهرات تراجع الرئيس وأعلن أنه لا يترشح لعهدة خامسة بل سيمدد عهدته للإشراف على الندوة الوطنية وتعديل الدستور واختيار خليفته. وهذه محاولة يائسة تعبر عن تخبط السلطة في التعامل مع الأزمة بطريقة غير مدروسة وغير قانونية. المبادرة برمتها غير دستورية وغير قانونية، حيث إن تأجيل الانتخابات وتمديد العهدة الخامسة اختراق صارخ للدستور ولا يستجيب لمطالب الشارع والحراك الذي يصر على ابعاد النظام من الساحة السياسية. المسيرات تتوالى والأزمة تتفاقم ومستمرة والسلطة تائهة ومن كان يساند ترشيح الرئيس بوتفليقة والعهدة الخامسة أصبح يساند مطالب الحراك وهنا دخلنا في نفاق منظم ومنهجي. فها هو رئيس حزب التجمع الديمقراطي ورئيس الوزراء المقال يهرول ويصرح بأنه مع مطالب الحراك، هو نفسه الذي قبل شهر كان يسبح ويطبل ويجزم أن الرئيس بوتفليقة هو الاختيار الأمثل للمرحلة ولضمان الاستمرارية وتجسيد مشاريع وبرامج الإصلاح والتنمية المستدامة. يأتي بعده معاد بوشارب عن حزب جبهة التحرير الوطني ويعلن أن الحزب مع الحراك. ثم يلتحق بكل من أويحيى وبوشارب الأمين العام لاتحاد العمال الجزائريين ويعلن كذلك أن نقابة العمال مع الحراك. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: أين كان هؤلاء قبل شهر ولماذا لم يفكروا في الشعب الجزائري وفي الرأي العام وفي الصالح العام خلال عشرين سنة ولماذا لم يصارحوا أنفسهم ويدركوا أن الرئيس مريض ولا قدرة له على إدارة شؤون البلاد. فكيف يثق الشعب الجزائري في مثل هؤلاء السياسيين الذين يغيرون مواقفهم ومبادئهم كتغيير الحرباء لألوانها. وإن دل هذا على شيء إنما يدل على قصر الرؤية أو انعدامها وعلى عدم التفكير والتخطيط على المدى المتوسط والبعيد. لماذا لم يفكر هؤلاء في خليفة بوتفليقة عندما ألمت به الوعكة الصحية سنة 2013، أم إن الأمر يتعلق بمصالح ضيقة لحفنة من الأشخاص تتستر وتستغل الرئيس لتحقيق أهدافها. فبعد ثلاثة أسابيع من الحراك أعلن الرئيس عن إلغاء العهدة الخامسة وتمديد العهدة الرابعة وبعد خمسة أسابيع من المسيرات أعلن قائد الأركان أحمد قايد صالح تفعيل المادة 102. لكن الأزمة ما زالت قائمة حيث إلى حد كتابة هذه السطور لم يجتمع المجلس الدستوري لتفعيل المادة 102 وهذا يعني أن هناك صراعا للأجنحة في القمة وما زالت الأمور غامضة والرؤية ليست موحدة على مستوى السلطة. وهذا يعني أن السلطة إلى حد هذه الساعة لم تفلح في إدارة الأزمة بعد أكثر من خمسة أسابيع من المسيرات والمظاهرات والحراك. بل أكثر من هذا هل تفعيل المادة 102 وهي التي تنص على إعلان شغور منصب رئيس الجمهورية كاف لحل الأزمة. فالواقع يقول إن تفعيل المادة 102 من الدستور الجزائري والإبقاء على المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة وتسليم رئاسة الجمهورية لرئيس مجلس الأمة عبدالقادر بن صالح، أي إن الفريق القديم في عهدة بوتفليقة هو الذي سيشرف على الانتخابات وهذا يعني أن الحراك لم يحقق مطلبه الاستراتيجي وهو التخلص من النظام، لأن النظام سيجدد نفسه من جديد وسنصل إلى مبدأ "الخروج من الباب والعودة من النافذة". ما يعني أن الأزمة في الجزائر ما زالت قائمة وأن المسيرات تتوالى الجمعة تلو الأخرى. صحيح ان الشارع حقق بعض المكاسب، لكن إلى حد الآن البلد بدون حكومة والبلد ببرلمان ومجلس أمة من العهد السابق عهد بوتفليقة عهد الفساد كما يسميه الجزائريون. من غير المنطقي أن يشرف رجال بوتفليقة على المرحلة الانتقالية وعلى انتخاب الرئيس القادم. ما يعني أن النظام الجزائري فاجأته المسيرات المليونية والحراك الشعبي ولم يكن ينتظر سيناريو مثل الذي عايشه منذ 22 فبراير 2019. ومع الأسف الشديد، وإلى حد الساعة لم ترافق الطبقة السياسية في الجزائر الحراك الشعبي. ويقال إن الأزمة كلما طالت وكلما تأخرت تعقدت وأصبح حلها صعبا. فإلى حد الآن لم يستجب النظام السياسي في الجزائر لمطالب الحراك وما جاء من مبادرات – إلغاء العهدة الخامسة وتفعيل المادة 102- لا يوقفان المسيرات المليونية ولا يكفيان لتغيير النظام الذي استمر في حكم الجزائر لمدة 20 سنة والذي بذّر ألف مليار دولار حيث تفاقمت وزادت مشاكل الشعب الجزائري من بطالة وأزمة سكن وغلاء المعيشة وضعف القدرة الشرائية وانتشار الفساد والبيروقراطية. فالجزائر تعيش اليوم أزمة تراكمت أسبابها وتداعياتها لمدة 57 سنة، فبوتفليقة ومحيطه مع الأسف الشديد، لم يفكرا في إحداث القطيعة مع جمهورية لم تستطع أن تسترشد بالحكم الراشد والعدالة الاجتماعية والتخطيط الاستراتيجي والتنمية المستدامة. كيف ستكون الأسابيع القادمة؟ وهل سيحتكم ساسة الجزائر إلى العقل والمنطق ويودعون ويقطعون علاقتهم مع الجمهورية الأولى ويضعون القواعد المؤسسة للجمهورية الثانية استجابة للملايين من الجماهير رجالا ونساء، شبابا وكهولا، ذكورا وإناثا، الذين دأبوا على المظاهرات والمسيرات مطالبين بالعدالة والمساواة والديمقراطية والحرية والعزة والكرامة لا غير؟. [email protected]
1281
| 30 مارس 2019
كيف نفسر وكيف نقرأ الزيارات المتتالية لنائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية رمطان لعمامرة لروسيا ولعدة دول أوروبية؟ ففي الوقت الذي يطالب فيه الملايين من الجزائريين النظام بالرحيل يصر الرئيس بوتفليقة ورجالاته على تمرير مخططه للمرحلة الانتقالية على المستوى الدولي والحصول على الدعم اللازم من قبل الدول الكبرى. فالجميع هذه الأيام في الجزائر يزكي مطالب الشارع الجزائري ويثني على سلمية المسيرات، على رأس المعجبين بالمسيرات قائد أركان القوات المسلحة أحمد قايد صالح وكذلك أحزاب الموالاة ومعظم الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني. في أرض الواقع ومع الأسف الشديد، ما زالت دار لقمان على حالها وما حدث هو التفاف الرئيس بوتفليقة على مطالب الشعب وتمسكه بالمخطط الذي رسمه للإشراف على المرحلة الانتقالية والندوة الوطنية وتعديل الدستور وانتخاب الرئيس الذي سيخلفه. ما يعني أن الشارع الجزائري وكل من أثنى على مطالبه مطالبون بضرورة التفكير في المرحلة القادمة وفي التحدي الكبير الذي ينتظر الجميع. فإلى حد الساعة لم تستطع المسيرات والشارع الجزائري من التخلص من الرئيس بوتفليقة، وانسحابه وتخليه عن العهدة الخامسة لا يعني شيء، ما دام أنه ما زال في السلطة وينوي الاستمرار في سدة الحكم حتى بعد نهاية ولايته يوم 28 أبريل 2019. فرسالة الرئيس نفسه وكذلك تصريحات رمطان لعمامرة تؤكد نية الرئيس في الاستمرار في الحكم. ما يعني أن هناك انسداد في الأزمة الجزائرية وكل طرف متشبث بمطالبه وأهدافه. فالمسيرات ستستمر جمعة تلو الأخرى والرئيس يصر على تمديد العهدة الرابعة لأجل غير مسمى. المتأمل والقارئ لما يحدث في الجزائر هذه الأيام وبدون أدنى شك يلاحظ أن هناك تعنت غير مبرر من قبل الرئيس بوتفليقة وعدم استجابته وتفاعله بطريقة حضرية مع مطالب الشعب الجزائري. فالمسيرات كانت سلمية وحضرية والمطالب كانت مشروعة ومنطقية. فالمسيرات انطلقت في جميع ولايات ومدن الجزائر وشارك فيها الجميع. مع الأسف الشديد، ما زالت السلطة في الجزائر متشبثة بموقفها من الأزمة وبطريقتها في التعامل معها. وفي لغة إدارة الأزمات يقال إنه كلما تأخرت عملية حل الأزمة كلما تفاقمت الأزمة وأصبحت أكثر تعقيدا. فبكل بساطة هناك تماطلا وتعنتا وانسداد في الأزمة الجزائرية وبعد شهر من مسيرات سلمية وحضرية نلاحظ حوار طرشان وعدم التفاعل الإيجابي من قبل السلطة مع ملايين الجزائريين. بعد شهر من المسيرات في جميع ربوع الجزائر من قبل ملايين الجزائريين من كل المشارب والأطياف، رجالا ونساء، شبابا وكهولا وعبر أربع جمعات متتالية شارك أطباء وصيادلة وصحفيون ومحامون وأساتذة جامعيون وأساتذة التعليم الثانوي وعمال البترول والغاز والطلبة الجامعيون وأئمة المساجد ومتقاعدي الجيش والمجاهدين والتجار والحرفيون والقضاة ...الخ مطالبين بعدم ترشح بوتفليقة لولاية خامسة وتغيير النظام، لا استجابة ولا حوار جاد من قبل السلطة. السؤال الذي يفرض نفسه في هذا المقام، هل أستجاب الرئيس بوتفليقة لمطالب ملايين الجزائريين وهل أدرك أنه لا يقدر على إدارة شؤون البلاد بسبب مرضه وسنه، حسب كلامه، وهل أقتنع أن مطالب ملايين الجزائريين مشروعة ومنطقية ومعقولة كسلمية المسيرات. مع الأسف الشديد، وبعد نزول الملايين إلى الشارع ما زال الرئيس بوتفليقة يظن أنه هو الوحيد الذي يستطيع تسيير الفترة الانتقالية وتحضير الندوة الوطنية وتعديل الدستور ووضع قانون انتخابات جديد. ما قام به بوتفليقة يعتبر مناورة مدروسة بطريقة جيدة للالتفاف على مطالب الشعب، فبكل دهاء قام الرئيس بإلغاء العهدة الخامسة وتمديد العهدة الرابعة مخترقا بذلك الدستور الذي لا يسمح له بإلغاء الانتخابات الرئاسية وتمديد عهدته الرئاسية. الاختراق الأخر يتمثل في تعيين ولأول مرة في تاريخ الجزائر نائب للوزير الأول. فبعد شهر من المسيرات تحدى الرئيس بوتفليقة الجزائريين، وإلى حد الآن لم يصرح أنه سيرحل بعد انتهاء عهدته الرابعة في 28 أبريل 2019. ففي آخر رسالة له يوم 19 مارس بمناسبة عيد النصر أكد بوتفليقة ضمنيا أنه سيشرف على الندوة الوطنية وتنظيم الاستحقاقات الرئاسية القادمة، ما يعني أن الرئيس لم يستجب لأي من مطالب الملايين التي خرجت إلى الشارع خلال شهر كامل وحتى التخلي عن العهدة الخامسة عوضه بتمديد الرابعة وإلى حد كتابة هذا السطور لم يحدد بوتفليقة متى يترك الرئاسة. فبعد إعلانه عن عدم ترشحه للعهدة الخامسة قام الرئيس بوتفليقة بإجراءات مخالفة للدستور. فالاختراق الأول تمثل في تعين وزارة أولى برأسين، كما كلف رمطان لعمامرة نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية بتسويق مشروعه للشركاء الأساسيين للجزائر والحصول على دعمهم. من جهة أخرى كلف الرئيس بوتفليقة الأخضر الإبراهيمي دون تكليف بـ “مهمة" لإجراء مشاورات مع "ممثلي المحتجين" للترويج لما يعتقد أنها "خريطة طريق" لإنقاذ حكم الرئيس بوتفليقة. كما كلف نور الدين بدوى بالإشراف على حوارات ونقاشات واسعة مع القوى السياسية الفاعلة في البلاد الأمر الذي فشل فيه تماما بسبب رفض النقابات والأحزاب المشاركة في الحوار معه. كل هذا يعني أن الرئيس في اتجاه والشارع الجزائري في اتجاه آخر. فحتى أحزاب الموالاة التي كانت تمدحه وتسبح له والتي أصرت على ترشيحه لعهدة خامسة نال منها التفكك والتصدع وأعلنت على الملاء مساندتها للشارع ومطالبه ما يعني أنه بعد أيام وبضعة أسابيع سيجد الرئيس نفسه معزولا ولا يجد من يسانده سوى حفنة من الانتهازيين المقربين منه وهؤلاء سيتركونه عندما ينفذ الصبر وعندما تتخلى عنه المؤسسة العسكرية مع مرور الزمن. المرحلة الحساسة التي تعيشها الجزائر كشفت عن نفاق سياسي واجتماعي منظم في أحزاب الموالاة. فحزب التجمع الديمقراطي كان قبل شهر يتغنى بمحاسن بوتفليقة ويؤكد على ترشيحه لعهدة خامسة وأنه الشخص الوحيد المؤهل بخبرته وحنكته لتسيير شؤون البلاد والعباد. ثم يأتي أحمد أويحي، الأمين العام للحزب ورئيس الوزراء السابق ويصرح "الاستجابة لمطالب المتظاهرين في أقرب وقت لتجنيب الجزائر الانزلاق". وقبل أيام يأتي رئيس هذا الحزب ويصرح أنه "يجب احترام مطالب الشارع". نفس التصرف عبر عنه بوشارب المنسق العام لحزب جبهة التحرير الوطني الذي صرح في الثالث من مارس أن الرئيس بوتفليقة أرسله الله رسولا ليحكم الجزائريين، وفي تجمع ضخم أعلن عن العهدة الخامسة للرئيس وصرح العديد من مسؤولي الحزب أن صحة الرئيس ممتازة وهو القادر على قيادة السفينة إلى بر الأمان. والسؤال الذي ينتظر معظم الجزائريين الإجابة عنه هو متى يعلن الجيش موقفه من الأزمة ومتى يجسد في أرض الواقع موقفه الذي أعلن عنه في عدة مناسبات وهو أنه يساند مطالب الشارع وأنه يتقاسم نفس التوجه مع الشارع، لكن إلى حد الساعة ما زالت المؤسسة العسكرية لم تعلن للجزائريين هل هي مع الشعب أم مع الرئيس. والمؤكد أنها إلى حد الساعة مع الرئيس بوتفليقة. [email protected]
1020
| 23 مارس 2019
في مقال سابق في هذه الصفحة بعنوان "هل ينجح الشارع الجزائري في التغيير؟" تساءلت هل هناك أمل في تغيير الفضاء السياسي الجزائري وفتح مرحلة جديدة نحو الديمقراطية. فبعد ثلاثة أسابيع من المسيرات الصاخبة والمسؤولة والسلمية والحضرية عبّر الشارع الجزائري عن رفضه للعهدة الخامسة للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة. وبتاريخ 11 مارس 2019 جاء في بيان من رئاسة الجمهورية إعلان الرئيس عدم ترشحه لعهدة خامسة. كما أكد الرئيس أنه لم ينو من الأساس الترشح لعهدة خامسة نظرا لتقدمه في السن ومرضه. وهنا نتساءل من رشح إذن الرئيس بوتفليقة ومن طلب العهدة الخامسة؟ هل قامت حاشيته ومحيطه القريب منه بترشيحه رغما عن إرادته أو دون علمه، أم إن هناك تأويلات أخرى لهذا الإشكال؟ ما جاء في بيان يوم الإثنين مساءً يثير العديد من التساؤلات والإشكاليات. فاستجابة الرئيس لعدم الترشح لعهدة خامسة ما هي إلا مناورة للالتفاف على مطالب الشعب فهي في حقيقة الأمر إلغاء العهدة الخامسة وتمديد العهدة الرابعة بطريقة تخترق الدستور وتتناقض مع المادة 107 التي تنص على ما يلي: "يقرر رئيس الجمهورية الحالة الاستثنائية إذا كانت البلاد مهددة بخطر داهم يوشك أن يصيب مؤسساتها الدستورية أو استقلالها أو سلامة ترابها"، والمادة 110 والتي تنص على "يوقف العمل بالدستور مدة حالة الحرب ويتولى رئيس الجمهورية جميع السلطات، وإذا انتهت المدة الرئاسية لرئيس الجمهورية تمدد وجوبا إلى غاية نهاية الحرب". فالوضع في الجزائر والحمد لله لا تنسحب عليه المادة 107 أو 110 فلا توجد حالة استثنائية ولا حرب. وإلى حد كتابة هذه السطور لم يُعلن عن حالة طوارئ في الجزائر أو حالة استثنائية للبلاد أو حالة حرب. فالرئيس بوتفليقة لا يريد أن ينسحب من الفضاء السياسي الجزائري ويخرج من الباب الضيق، بل هدفه هو أن يستمر في الحكم لغاية تسليم كرسي الرئاسة للشخص الذي يريده ويعدل الدستور بالطريقة التي يريدها ثم يخرج من الباب الواسع كما يريد هو وكما يخطط. الغريب في الأمر أن القرارات التي اتخذها الرئيس تتناقض جملة وتفصيلا مع الدستور الجزائري. فعملية تأجيل الانتخابات غير قانونية وغير دستورية وتمديد حكم بوتفليقة إجراء غير دستوري كذلك. فبعد 28 أبريل 2019 يصبح بوتفليقة إذا استمر في الحكم يحكم الجزائر بطريقة غير قانونية. أعود إلى الإجابة على سؤال مقالي السابق وهو بدون شك أن الشارع الجزائري إلى حد الساعة لم ينجح في التغيير ولو أنه استطاع أن يرغم الرئيس على إلغاء العهدة الخامسة. لكن الشارع طالب بإلغاء الخامسة وانسحاب الرئيس بوتفليقة من حكم الجزائر. ما نلاحظه مع الأسف الشديد أن الرئيس مدد فترة عهدته إلى سنتين أو ثلاث بدون انتخابات وبدون مرجعية قانونية ولا دستورية. وهذا يعني مع الأسف الشديد ان السلطة في الجزائر متشبثة ومتمسكة بالحكم ومتغطرسة ومتعجرفة ولم تقرأ الشارع كما ينبغي ولم تستجب لمطالبه. صحيح أن الجماهير التي خرجت إلى الشارع فرحت بخبر إلغاء العهدة الخامسة لكن بعد ساعات قليلة عادت نفس الجماهير لتعبر عن غضبها وعن رفضها الكامل للإجراءات التي أعلن عنها الرئيس بوتفليقة. ومن جديد طلبت عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل أخرى باستئناف المسيرات والمطالبة بتغيير فعلي وجاد وليس تغييرا شكليا. ما لم تضعه السلطة الحالية في الحسبان هو أن مجرد إلغاء العهدة الخامسة يعني بالضرورة الموافقة على القرارات والإجراءات التي سيتخذها الرئيس بوتفليقة. الشارع هذه المرة مصر على التخلص من النظام والشروع في إجراءات جديدة تعطي آليات جديدة للعمل السياسي الديمقراطي الشفاف والذي يقوم على النزاهة والالتزام. فالتغيير الذي يطلبه الشعب يتمثل في إنشاء مجلس تأسيسي وحكومة وفاق وطني لا تشارك فيها الوجوه التي عملت لفترات طويلة مع بوتفليقة والتي كانت جزءا من النظام. فعدول الرئيس بوتفليقة عن العهدة الخامسة يعتبر نصف نجاح وخطوة أولى نحو التخلص من النظام القديم الذي طوال عشرين سنة لم يجرؤ على القضاء على الفساد والتخلص من التجاوزات الخطيرة لأصحاب المال والنفوذ السياسي. بوتفليقة يأتي اليوم ويحاول إقناع الجزائريين بأنه بحاجة إلى سنة واحدة للتغيير ووضع الأسس اللازمة لجمهورية جديدة في الجزائر. المتأمل في قرارات بوتفليقة التي قدمها بيان الرئاسة في 11 مارس 2019 يستنتج أن بوتفليقة ومحيطه أرادا بطريقة دبلوماسية استغلال مطلب الشارع في التنحي عن العهدة الخامسة وتنفيذ ما أراد أن يطبقه في حالة ما جرت الانتخابات الرئاسية كما كانت مبرمجة حيث كان ينوي الاستمرار في الحكم لمدة سنة فقط والعمل على تنظيم المرحلة الانتقالية واختيار الرئيس الجديد. نفهم من هذا أن نية الرئيس بوتفليقة هي الخروج من المرادية من الباب الواسع أي بمحض إرادته وبعد ما يساهم في إرساء قواعد الجمهورية الجديدة. لكن نلاحظ هنا أن الإشكال الذي يُطرح بشدة هو أن خطة الرئيس تتناقض جملة وتفصيلا مع القانون والدستور. في الظروف الحالية لا يحق دستوريا للرئيس بوتفليقة تأجيل الانتخابات ولا الاستمرار في الحكم. ما يخشاه الشعب الجزائري في اقتراحات بوتفليقة هو سطو الانتهازيين والجماعة التي كانت تدير شؤون البلاد في الخفاء على الندوة الوطنية وتمرير رجالاتهم وقوانينهم التي تخدم مصالحهم الضيقة. فخلال 20 سنة من الحكم لم يستطع بوتفليقة التخلص منهم بل إن عددهم زاد وزاد معهم الفساد وسوء التسيير وتبذير المال العام. فإذا سلمنا بأن الرئيس بوتفليقة ستُعطى له الفرصة لتسيير المرحلة الانتقالية من خلال الندوة الوطنية وتنظيم الانتخابات من يضمن أن مطالب الشارع ستتحقق وأن الإجراءات التي يتخذها بوتفليقة ستفرز رئيسا ومؤسسات تضمن الديمقراطية والعدالة الاجتماعية للشعب الجزائري. الشعار الأخير الذي تبناه الشارع الجزائري في التعامل مع الأزمة الحالية في البلاد بعد بيان الرئاسة يوم 11 مارس هو "لا تأجيل، لا تمديد، نريد منكم الرحيل"، وهذا يعني أن الشعب الجزائري مصمم على مواصلة المسيرات حتى ينسحب النظام من الساحة السياسية ويفتح المجال لوجوه جديدة من النخبة السياسية النظيفة والمعروفة بالنزاهة والكفاءة والالتزام لتنظيم الندوة الوطنية والانتخابات الرئاسية القادمة. فالإجراء السليم هو الإعلان عن شغور منصب الرئاسة وتطبيق المادة 102 من الدستور الجزائري. والأمر الذي يخيف الملاحظين في هذا الإجراء هو موقف الرئيس بوتفليقة بالتخلي عن الرئاسة حيث إن الرجل يريد أن يموت رئيسا ولا ينوي البتة الخروج من السلطة من الباب الضيق. وبخروج الجزائريين بأعداد غفيرة أمس الجمعة 15 مارس وبأعداد تفوق أعداد يوم الجمعة 8 مارس قد وُضع بوتفليقة وحاشيته أمام أمرين اثنين، إما انسحاب الرئيس من السلطة يوم 28 أبريل، أو في حالة دعمه من قبل المؤسسة العسكرية، التمسك بموقفه الذي عبر عنه يوم 11 مارس 2019 وفي هذه الحالة قد يدخلنا هذا السيناريو في عملية تمسك كل طرف برأيه وقد يؤدي هذا إلى التصادم والانزلاق إلا إذا التزم الشارع بالهدوء والتبصر وسلمية المسيرات، أمس الجمعة 15 مارس منعطف هام في تحديد مصير الجزائر ما بعد 28 أبريل 2019. [email protected]
4635
| 16 مارس 2019
تعيش الجزائر منذ 22 فبراير الماضي حراكا شعبيا لم تعهده منذ زمن طويل. مسيرات شعبية في جميع ولايات ومناطق الوطن، مسيرات سلمية تطالب بعدم ترشح الرئيس بوتفليقة لعهدة خامسة. المتأمل في هذه المسيرات يستنتج أنها منطقية وواقعية نظرا لعدة اعتبارات من أهمها الحالة الصحية للرئيس بوتفليقة والتي لا تسمح له بأداء مهامه والصلاحيات التي يخولها له القانون، فهو دستوريا ليس مؤهلا لرئاسة البلاد والمادة 102 من الدستور الجزائري تنص على شغور منصب رئاسة الجمهور إذا كان الرئيس يعاني من مرض يحرمه من أداء مهامه. من جهة أخرى نلاحظ أن مبدأ التناوب على السلطة من السمات الأساسية للفعل الديمقراطي وللحكم الراشد. بوتفليقة حكم الجزائر لمدة 20 سنة وعندما جاء إلى الحكم وجد دستورا حدد فترات حكم الرئيس في عهدتين. مع الأسف الشديد تم اختراق هذا الدستور في سنة 2008 وألغيت المادة لفتح المجال أمام بوتفليقة للاستمرار في الحكم. ومن تناقضات نظام بوتفليقة اختراق الدستور مرة ثانية في 2016 وإعادة المادة التي تحدد عهد حكم الرئيس بعهدتين. وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس بوتفليقة اخترق القانون في الاستحقاقات الرئاسية القادمة حيث يتمثل الاختراق الأول في موضوع اللياقة الصحية التي يجب أن ينعم بها. فهو مع الأسف الشديد طريح الفراش في سويسرا وبذلك فهو غير مؤهل صحيا لقيادة الجزائر. أما الاختراق الثاني فيتمثل في عدم التزامه بتقديم ملف الترشح بنفسه. هذه المرة قرر الشارع الجزائري بمختلف أطيافه – طلاب الجامعات والثانويات- الصحفيون- -المحامون- وغيرهم قرروا أنه حان الوقت للتخلص من نظام تجاوزته الأحداث، نظام استمر في تكرار أخطائه وفي اختراق الدستور والقانون والمبادئ الأساسية التي تقوم عليها الديمقراطية. ما لوحظ على هذه الانتفاضة المباركة هو أنها سلمية واضحة الأهداف تطالب بعدم ترشح بوتفليقة لعهدة خامسة. ما يعني أن الشارع الجزائري يتقدم بطلب منطقي وفي صالح الجميع ما عدا الانتهازيين الذين ما زالوا يبتزون ويستغلون رئيسا منهكا طريح الفراش لا يقوى لا على الحركة ولا على الكلام. فمن يريد الخير للجزائر لا يجرؤ على المطالبة بعهدة خامسة لرئيس يحتضر. الشارع يريد التغيير، يريد دماء جديدة لحكم راشد ديمقراطي من أجل الاستغلال الأمثل لخيرات وثروات البلاد، من أجل اقتصاد قوي يوفر فرص العمل للشباب الذي أصبح يفضل الهجرة إلى المجهول عبر قوارب الموت على العيش في بلده. السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح بعد أسبوعين من المسيرات عبر ربوع الوطن هو هل يحقق الشارع الجزائري مطالبه وهل سيستطيع إحداث القطيعة مع نظام لم يعرف انتخابات ديمقراطية شفافة منذ استقلال البلاد. إلى حد الساعة المؤسسة العسكرية التي كانت وراء وصول كل رؤساء الجزائر إلى سدة الحكم لم توضح موقفها من الأوضاع بصفة شفافة ومباشرة، بل نستطيع القول إنها ما زالت متمسكة بالرئيس بوتفليقة ولم تنحز للشارع وللرأي العام الجزائري وإلى جادة الصواب. من خلال تصريحات قائد الأركان الجنرال أحمد قايد صالح نلاحظ التركيز على الأمن والدفاع والإشارة إلى المخاطر التي قد تنجم عن الانزلاقات أو القوى سواء كانت داخلية أو خارجية لاستغلال المسيرات لإحداث الفوضى والفتنة والنيل من أمن وسلامة البلاد. الجنرال ذكّر الشعب الجزائري بمآسي العشرية السوداء 1990-2000 والتي راح ضحيتها 200 ألف قتيل وخسائر مادية بمئات المليارات من الدولارات. ما نسيه الجنرال أحمد قايد صالح هو أن البلاد ستكون في أمن وأمان إذا اعتذر الرئيس بوتفليقة عن الترشح وقدم ملفا طبيا لاستقالته وفتح المجال للإعلان عن شغور منصب رئيس الجمهورية وتطبيق المادة 102 من الدستور. في رسالة موجهة إلى النساء الجزائريات بمناسبة عيد المرأة أثنى الرئيس بوتفليقة على المسيرات لكنه حذر من "اختراق هذا التعبير السلمي من طرف أية فئة غادرة داخلية أو أجنبية التي لا سمح الله، قد تؤدي إلى إثارة الفتنة وإشاعة الفوضى وما ينجر عنها من أزمات وويلات". ما نفهمه من المؤسسة العسكرية ومن خطاب الرئيس للمرأة الجزائرية لا يبشر بالخير على الإطلاق وإنما يشير إلى تمسك العسكر والرئيس بالسلطة والوضع الراهن. هذا الموقف بطبيعة الحال لا يستجيب لا للمنطق ولا للشارع والرأي العام. فالرئيس لا يستطيع أن يحكم البلاد وليس مؤهلا كذلك للوفاء بالوعود التي قدمها في حال انتخابه لعهدة خامسة. فالشارع الجزائري اليوم يتساءل عن الإخفاقات العديدة التي ميزت 20 سنة من حكم بوتفليقة من فساد واستغلال نفوذ وسوء تسيير وإدارة. قضايا فساد كثيرة عانت منها الجزائر في عهده كقضية الخليفة وسوناطراك والطريق السيار ونسبة البطالة العالية وقوارب الموت وغيرها من المآسي التي عاشها الشعب. فرغم مئات المليارات من الدولارات التي دخلت خزينة الدولة بفضل السعر المرتفع للبترول بقي الشعب الجزائري يعاني من مشاكل عدة كغلاء المعيشة وأزمة السكن والبطالة وانهيار قيمة الدينار والقائمة تطول. ما هي يا ترى السيناريوهات المتوقعة في الأسابيع القادمة؟ وماذا يخفيه المستقبل القريب لعشرات الملايين من الجزائريين الذين جابوا الشوارع من أجل التغيير السلمي والانتقال الديمقراطي. وأحسن سيناريو بطبيعة الحال هو أن يقدم الرئيس بوتفليقة استقالته لظروف صحية ما يتوجب تطبيق المادة 102 من الدستور أي شغور منصب الرئاسة وانتقال الحكم إلى رئيس مجلس الأمة لمدة 45 يوم ثم تنظيم الانتخابات في غضون ثلاثة أشهر. قد يكون السيناريو الثاني هو وفاة الرئيس بوتفليقة قبل الاستحقاقات الرئاسية خاصة وأنه في حالة صحية حرجة. والإجراء هنا يكون تقريبا مثل حالة الاستقالة حيث أن رئيس مجلس الأمة يتولى رئاسة البلاد مؤقتا والشروع فيما بعد في تنظيم الانتخابات الرئاسية. أما السيناريو الثالث فهو تخلي الجيش عن الرئيس بوتفليقة ما يعني عدم فوزه بالانتخابات. أما آخر سيناريو فهو اختراق المسيرات الشعبية وتدخل الجيش والمخابرات للإعلان عن حالة الطوارئ والقضاء بذلك على فكرة التغيير. باختصار تعلم الجزائريون الدرس من تجارب الربيع العربي وانتهجوا السلم في مسيراتهم ومظاهراتهم ومطالبهم، هل تستجيب السلطة بطريقة حضرية للشارع الجزائري وهل يكون هناك تغيير سلس وحضاري وسلمي كما كانت المسيرات. نتمنى أن يمتثل الجميع للمنطق وللعقل وللحكمة، وبقناعة كبيرة لا أظن أن هناك مواطنا جزائريا واحدا لا يؤمن وغير مقتنع بأن الرئيس بوتفليقة غير قادر في حالته الصحية الحالية أن يحكم الجزائر. مع الأسف الشديد هناك قوى خفية تريد استغلال الرجل للاستمرار في نهب وسرقة المال العام. احتراما للرجل يجب على جميع الجزائريين أن يرحموا هذه الشخصية التاريخية ويسمحوا لها بالخلود إلى الراحة فهناك عشرات بل مئات الجزائريين ممن تتوفر فيهم الكفاءة لقيادة الجزائر إلى مستقبل زاهر تسوده الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والأمن والأمان. [email protected]
2910
| 09 مارس 2019
بالنسبة له، هو الشخص الوحيد الذي باستطاعته قيادة البلاد والعباد نظرا لخبرته ودهائه وذكائه وتجربته وتاريخه وحنكته وعدالته واهتمامه بكل كبيرة وصغيرة في المجتمع. اهتمامه بالفقراء والمساكين جعل منه الأب الروحي للأمة. لا يوجد في البلاد شخص غيره يتولى القيادة والرئاسة هكذا يظن ويفكر ويستنتج والحاشية المحيطة به من سياسيين ورجال أعمال ومثقفين وأساتذة وجامعيين يثنون علية ويمدحونه ويؤكدون له أنه العظيم والأحسن والأفضل للأمة. يترجونه بعد نهاية كل عهدة أن يوافق على الترشح لعهدة جديدة من أجل الاستمرارية وإكمال المشاريع العظيمة والكبيرة. يوهمونه أنه لا أحد غيره يستطيع إنقاذ الأمة من المشاكل التي تحيط بها من كل صوب. نعم هذا هو الوضع في العديد من دول العالم الثالث التي تفصل الدساتير والقوانين على مقاس رؤساء يتم استخدامهم واستغلالهم من محترفي النفاق وصناع الرؤساء. هذه النوعية من الطفيليين هدفها هو النهب والسرقة والتلاعب بأموال الأمة من اجل مصلحتهم الخاصة، في هذه الأنظمة الكل يسبح بحمد الرئيس العظيم منقذ البلاد والعباد، المشرع والفيلسوف والداهية صاحب المشاريع الكبرى والبرامج الاستراتيجية والحيوية. الإعلام في هذه الأنظمة سواء كان خاصا أم حكوميا أم مستقلا أم سميه كما شئت يسبح ويمدح ويمجد الإنجازات العظيمة والكبيرة ويتكلم عن المشاريع الضخمة وعن الوحدات السكنية التي وزعت على المواطنين. هذه الأنظمة تعيش نفاقا اجتماعيا لا مثيل له، لأن ما تتداوله وسائل الإعلام والقنوات الاتصالية المختلفة شيء والواقع شيء آخر. ظاهرة رئيس "مدى الحياة" غرست الأنا المتورم في شخصية الرئيس وجعلته يؤمن إيمانا راسخا أن الشعب عن بكرة أبيه يحبه وان الجميع يقدر تضحياته من أجل استتباب المن والأمان والطمأنينة في البلاد. الرئيس "مدى الحياة" يتفنن من خلال الحاشية المحيطة به بتعديل وتفصيل الدستور على مقاسه وإذا كانت هناك مادة في الدستور تحدد عدد تولي الرئاسة في ولايتين فإن حاجة البلاد للرئيس تتوجب تعديل الدستور وإلغاء أو تحويرها حتى يفصل الدستور على مقاس الرئيس ويستطيع بذلك أن يحكم البلاد مدى الحياة لأنه بحاجة إلى وقت أطول "للاستمرارية" و"استكمال المشاريع الضخمة". في يوم الجمعة 22 فبراير الماضي فاجأ الشارع الجزائري الرئيس "مدى الحياة" وحاشيته بمسيرات سلمية في العديد من الولايات والمدن الجزائرية. الرسالة كانت واضحة مفادها لا لعهدة خامسة. فبعد عشرين سنة من الحكم ونظرا لظروف صحية قاهرة لا تسمح للرئيس قانونيا ودستوريا أن يترشح للاستحقاقات الرئاسية ولا تسمح له بقيادة بلاد بحجم الجزائر وهو لا يقدر على الكلام وعلى الحركة. ففي رئاسية 2014 ترشح الرئيس "مدى الحياة" للرئاسيات وهو غير مؤهل صحيا للمنصب ورغم ذلك استطاعت حاشية الانتهازيين والوصوليين من فرضه بطريقة أو بأخرى على الشعب الجزائري. فمنذ 2013 وبعد وعكة صحية حادة لم يخاطب الرئيس "مدى الحياة" الشعب الجزائري فما بالك باستقبال الرؤساء والسياسيين والوفود الرسمية. هذه الوضعية فُرضت على الشعب الجزائري في غياب معارضة قوية وأحزاب سياسية قوية تكون بمثابة المراقب والفيصل في القضايا الجوهرية للأمة. الفراغ السياسي في الجزائر فسح المجال واسعا أمام حاشية الرئيس "مدى الحياة" بالتلاعب بمصير الأمة وتجاهل القضايا الحساسة في المجتمع الجزائري كالبطالة وقوارب الموت وقضايا الكوكايين والمخدرات وقضية سوناطراك والخليفة والطريق السيار وغيرها من قضايا الفساد. خروج طلبة الجامعات في عدة ولايات وكذلك خروج المحامين والصحفيين وكذلك شخصيات تاريخية وسياسية يعطي مؤشر قوي أن الشارع في الجزائر هذه المرة قرر أن يحدد مصيره بيده وأن يقول لا لاستمرارية الفساد ولاستمرارية رئيس "مدى الحياة". مع السف الشديد جاءت بعض ردود السلطة منافية للمنطق والعقل وضاربة عرض الحائط إرادة الشعب. كيف نفسر رد رئيس الوزراء بالقول إن في سوريا "بدأت بالورود وانتهت بالدم"، أو رد قائد الأركان بقوله أنه لا يجب أن نعطي المجال لقوى خارجية تتلاعب بشبابنا. المسيرات السلمية جاءت كرد فعل طبيعي ومنطقي وواع لشارع صبر كثيرا وقرر أخيرا أنه غير مستعد لعهدة خامسة ولخمس سنوات قادمة يحكمه رئيس مقعد على كرسي لا يقدر على الكلام والحركة. ما يحدث هذه الأيام في الجزائر هو سلوك سياسي حضاري لشارع لم يجد لا في السلطة ولا في المعارضة ولا في النخبة المثقفة من يضع حد للاستهتار به والاستخفاف بذكائه ومن يضع حد لسنوات من الفساد والتلاعب بأموال الشعب. رئيس "مدى الحياة" موجود منذ الأحد الماضي في سويسرا للعلاج وهو مرشح فوق العادة لعهدة خامسة. كان من المفروض أن يتواجد في أرض الوطن والتحضير لحملته الانتخابية وتقديم ملفه للمجلس الدستوري يوم الأحد 3 مارس. فالمنطق السياسي والديمقراطي يقول لعقلاء الجزائر أن السلطة الحقيقية هي سلطة الشعب وأن إرادة الشعب يجب أن تُحترم. كما يفرض المنطق على عقلاء الجزائر وعلى من يحب الجزائر ومن يحب الرئيس "مدى الحياة" أن يتم الرفق به واحترامه وعدم استغلاله من قبل حاشية انتهازية لتحقيق مصالح ضيقة على حساب بلد بكامله. فمستقبل الجزائر تحدده عملية التناوب على السلطة وعملية احترام الرأي العام وعملية الممارسة الديمقراطية النزيهة وليس عملية فرض رئيس لم يخاطب شعبة منذ 7 سنوات وفي أخر كلمة له في 5 مايو 2012 صرح بأنه حان الأوان لتقديم المشعل لجيل الشباب. ما يمليه المنطق على كل جزائري غيور على بلده ومؤمن بالديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية أن مرحلة رئيس "مدى الحياة" قد ولت وحان الأوان لرئيس يستوفي الشروط التي حددها الدستور ويحظى بثقة الشارع الجزائري وليعلم الجميع أن الجزائر تزخر بشخصيات تتمتع بالنزاهة وبالكفاءة وبالمسؤولية لقيادة البلاد والعباد. [email protected]
1537
| 02 مارس 2019
في 13 فبراير من سنة 1960 نفذت فرنسا تفجيرا نوويا "اليربوع الأزرق" في منطقة رقان في أقصى جنوب غرب الصحراء الجزائرية. بلغت قوته 60 كيلو طن أي ما يعادل ثلاثة أضعاف قوة القنبلة التي ألقت بها الولايات المتحدة الأمريكية على هيروشيما في عام 1945. هذه القنبلة تلتها قنبلة "اليربوع الأبيض"، ثم "اليربوع الأحمر" حسب ترتيب الألوان الثلاثة للعلم الفرنسي. وفي الأخير اختتمت فرنسا جرائمها بالقنبلة الرابعة والأخيرة التي سميت بـ"اليربوع الأخضر". تتلخص حصيلة الجرائم النووية الفرنسية في الجزائر في 57 تجربة نووية نفذتها فرنسا في ثلاث مناطق بجنوب الصحراء الجزائرية، منها أربع تجارب سطحية و13 تجربة في أنفاق باطنية و35 تجربة على مستوى الآبار و5 تجارب أخرى اُستعملت فيها مواد فتاكة محظورة دوليا. مسؤولية فرنسا في هذه الجريمة كاملة لا غبار عليها، ولا تحتاج إلى قرار إدانة، تجارب فرنسا النووية أدت إلى تلوث المنطقة برمتها في محيط 150 كيلومترا من موقع الانفجار. نفذت فرنسا بين سنتي 1960 و 1966 أكثر من 20 تفجيرا نوويا على الأراضي الجزائرية، وما يزيد عن 40 تجربة نووية وهذا حسب تصريح العسكريين والخبراء الفرنسيين أنفسهم. هذه الجرائم تسببت في تلويث الغلاف الجوي والموارد الطبيعية وتفشي الأمراض كالسرطان والتشهوات الخلقية وغير ذلك. والجريمة الكبرى أن السلطات الفرنسية لا تريد الاعتراف بجرائمها كعادتها، ورفضت وترفض تسليم كل المعلومات إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وحتى الساعة ما زالت ملفات التفجيرات النووية الفرنسية سرية وغير متوفرة للاطلاع عليها، حتى للمنظمات الدولية التي تشرف على المراقبة. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه من الناحية القانونية تعتبر التفجيرات النووية الفرنسية في الجزائر جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. هل ستكفي التعويضات التي ستدفعها فرنسا لضحايا تجاربها النووية في منطقة رقان بجنوب الصحراء الجزائرية؟ وهل ستشمل كل الضحايا الحاليين والمرتقبين مستقبلا؟ ولماذا هذا التأخر الذي فاق خمسة عقود من الزمن؟ وأين وسائل الإعلام من هذه الفضائح؟ وأين هي منظمات وجمعيات حقوق الإنسان وهيئات حماية البيئة؟ أين هو الطرف الجزائري للمطالبة بحقوق الضحايا بملفات وإحصائيات ودراسات قانونية؟ أين هي خريطة التجارب وتفاصيلها؟ وأين هي الهيئة الدولية للطاقة للوقوف على ما حدث؟ أسئلة كثيرة وتناقضات عديدة عشية الكلام عن مشروع قانون فرنسي لتعويض ضحايا رقان، مشروع جاء في الأساس لتعويض أفراد الجيش الفرنسي المتضررين من التجارب. ما زالت تداعيات وآثار الاستعمار الفرنسي في مستعمراتها السابقة حاضرة حتى الساعة، وما زالت مشكلات الحدود وأزمة الهوية والخلل الاقتصادي والتبعية الثقافية تحاصر العديد من الدول التي عانت من مآسي الاستعمار والظلم والعبودبة. فرنسا تخلت عن مستعمراتها وتركتها في دوامة من التبعية ومن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية. كما فشلت فرنسا في وضع استراتيجية جديدة للتعامل مع مستعمراتها وخطة عمل تتماشى مع المعطيات الجديدة في العالم. هذا الوضع فتح المجال أمام قوى فاعلة في النظام الدولي كالولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا للاستفادة من الفراغ الفرنسي في القارة السمراء. الغريب والعجيب في الأمر أن فرنسا وبعد مرور ما يزيد على خمسة عقود من جرائمها في مستعمراتها السابقة ما زالت مصممة على عدم الاعتراف بما فعلته وعلى عدم الاعتذار، ومن جهة أخرى تصر على المحافظة على نفوذها في مستعمراتها والاستفادة من الامتيازات والتسهيلات والمجاملات في التعامل. للتذكير فقط، قصة فرنسا مع الجرائم النووية لم تخص الجزائر فقط وإنما بولينيزيا الفرنسية عاشت نفس الويلات والتجارب. المنظومة الدولية اليوم بحاجة إلى دراسة مشاكل التجارب النووية بهدف الوصول إلى آليات عملية من شأنها أن تضع المجتمع الدولي أمام مسؤوليات لمعالجة التداعيات والانعكاسات الخطيرة التي عانت وتعاني منها المناطق التي شهدت وعاشت تلك الجرائم النووية. فالعالم بحاجة لمعرفة هذه الجرائم ومن واجب القانون الدولي معاقبة المجرمين وإرغامهم على دفع التعويضات والقيام باللازم من أجل التخلص من الترسبات والملفات الناجمة عن تلك التجارب وكذلك الأوبئة والأمراض والتلوث البيئي. التناقض الصارخ الذي نلاحظه في عصر التناقضات والتضليل والتزييف و الكيل بمكيالين، هو أن فرنسا تسعى إلى دعم وتطوير علاقات التعاون والتبادل الاقتصادي والتجاري والثقافي والعلمي مع دول القارة السمراء، وتمارس ضغوطا كبيرة على إيران بشأن ملفها النووي، وترفض في نفس الوقت الاعتراف بجرائمها في مستعمراتها السابقة. المسؤولون الفرنسيون يصرحون أن التجارب النووية في الصحراء الجزائرية "نظيفة" ولم تعرّض السكان والبيئة للإشعاعات ولأي نوع من الأمراض والانعكاسات السلبية. هذا الموقف من قبل بلد "الحرية والمساواة والأخوة" يذكرنا بقانون فرنسي يمجد الاستعمار ويثني على الإيجابيات التي قدمها للمستعمرات. ألم ينّظر جول فيري ويقول إن الله خلق نوعين من البشر، نوع يوجد في الشمال خُلق ليسيطر ويقود النوع الثاني من البشر الذي يوجد في الجنوب. وحسب نظرية المنظر الفرنسي للاستعمار، الأوروبيون خُلقوا ليستعمروا الشعوب الأخرى حتى يعلموها الحضارة والتمدن والتطور. تمثل التجارب النووية في العالم إشكالا مهما جدا، لكن لكونه يهم المغلوب على أمرهم ويحرج القوى الفاعلة في النظام الدولي ويضعها أمام مسؤولياتها وأمام الجرائم التي ارتكبتها، فإنه لم يحظ بالاهتمام اللازم سواء من قبل وسائل الإعلام العالمية أو المنظات الدولية. فمن حق الجزائر ومن واجب الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن تفرض على فرنسا تقديم خريطة التفجيرات بالتفصيل ومساعدة الجزائر تقنيا ولوجستيا وماديا لمعالجة الأضرار ومواجهة الموقف وتذليل مخاطر الإشعاعات. على فرنسا كذلك دفع تعويضات للجزائر وللمتضررين من الجرائم النووية التي ارتكبتها. المنطقة التي شهدت التجارب النووية بحاجة إلى دراسة للوقوف على الأضرار وتحديد السبل والوسائل لإنقاد ما يمكن إنقاده. مشكلة التجارب النووية في العالم وخاصة تلك التي أُجريت من قبل القوى الاستعمارية الغاشمة تحتاج إلى شبكة دولية تضم هيئات ومنظمات وجمعيات تهتم بالآثار السلبية والانعكاسات المختلفة على الإنسان والبيئة والمحيط. على المجتمع الدولي كذلك الاهتمام بالموضوع والعمل على إدارة هذه المناطق التي تعاني من التلوث الإشعاعي النووي بكل مخاطره على الإنسان والحيوان والمكان وللآلاف السنين. أين الضمير الإنساني ومنظمات حقوق الإنسان وحماية البيئة؟. [email protected]
8049
| 16 فبراير 2019
هناك من ينظر ويبرر للفساد والظلم والاستبداد والتلاعب بثروات وأموال الشعب، وهناك من يجعل من الكذب والتضليل والتشويه وسيلة لتبرئة المستبدين والطغاة والديكتاتوريين. في هذه الأيام نلاحظ ونشاهد أشياء تقوم أساسا على مبدأ "إن لم تستح فافعل ما شئت". فساد الإعلام يعني فساد المجتمع، فالإعلام هو منبر الحقيقة ومنبر الآراء والأفكار والوسيلة التي تطرح قضايا ومشاكل الأمة بكل شفافية وجرأة من أجل استقصاء الواقع وتصحيح الأخطاء والتجاوزات لمصلحة المجتمع بأسره. ففساد الإعلام يعني شلل أو فساد قطاع استراتيجي في المجتمع، قطاع هو ركيزة الديمقراطية والحكم الراشد. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق، لماذا فساد النظام الإعلامي في الوطن العربي؟ وما هي أسباب عدم فاعليته ومصداقيته؟ لماذا ثقافة التنظير للسلطة وثقافة التملق وثقافة التبرير و"كل شيء على أحسن ما يرام" بدلا من الاستقصاء والنقد والكشف عن الحقائق والمساهمة في إرساء ثقافة الرأي والرأي الآخر والسوق الحرة للأفكار. هناك من يرى كذلك أن إذا فسد المجتمع فسد الإعلام. فالعلاقة بين الإعلام والمجتمع علاقة جدلية وعلاقة تأثير وتأثر. فالإعلام القوي بحاجة إلى مجتمع مدني قوي وإلى الفصل بين السلطات وإلى قضاء مستقل وديمقراطية. من جهة أخرى يجب على المنظومة الإعلامية في المجتمع أن تناضل من أجل كسب المزيد من الحرية والاستقلالية والحرفية والمهنية وبذلك المصداقية واحترام الجميع. فالحرية تؤخذ ولا تعطى والإعلام هو نضال يومي مستمر من أجل الكشف عن الحقيقة وإرساء الديمقراطية، فلا ديمقراطية بدون إعلام حر ومستقل وفعال. الإشكال المطروح هو أن الجميع يلوم وينتقد الإعلام العربي وكأن القطاعات الأخرى في المجتمع العربي بألف خير وعلى أحسن ما يرام. الحقيقة هي العكس تماما حيث إن معظم القطاعات في المجتمع العربي تعاني من مشاكل وتناقضات عدة. فالإعلام ما هو إلا نظام فرعي من النظام وبذلك فهو جزء لا يتجزأ من هذا النظام. فالدول العربية بحاجة إلى إصلاح النظام وإلى تحرير الفرد في المجتمع وإلى توفير مستلزمات وشروط السوق الحرة للأفكار والمجتمع المدني والمؤسسات المستقلة الديمقراطية التي تؤمن بالحرية وبالشفافية وبالنقد والنقد الذاتي. أسباب عقم الإعلام العربي متعددة ومختلفة فمنها ما يتعلق بالمحيط التي تعمل فيه، ومنها ما يتعلق بالحرفية والمهنية ومنها ما يتعلق بالمصداقية ومنها كذلك ما يتعلق بالعلاقة مع السلطة والعلاقة مع الممول والإعلان ومنها ما يتعلق بالعوامل الخارجية كالتبعية والقيم الدخيلة. فهناك من يطالب هذه الأيام بإلغاء وزارات الإعلام وأن نهاية الإعلام الحكومي أصبحت أمرا يفرض نفسه في عصر العولمة والمجتمع المعلوماتي والرقمي وعصر الانترنت. لكن هل إلغاء وزارات الإعلام سيحل مشاكل الإعلام العربي؟ ويجعل منه إعلاما فعالا وقويا، إعلاما مستقلا قادرا على النقد والاستقصاء وكشف العيوب وإشراك الجماهير في صناعة القرارات وتحديد مصيرها؟ الإعلام العربي مسؤول عن تشكيل الرأي العام وتنشيط السوق الحرة للأفكار وتزويد المجتمع المدني بالأخبار والمعلومات والتقارير والتحليلات وغير ذلك. لكن دعنا نتوقف عن هذه الأسئلة حتى نفهم جيدا لماذا يوجد الإعلام العربي في الحالة التي هو عليها اليوم؟ هل المؤسسة الإعلامية هي أداة سلطة أم أداة المجتمع بأسره وبمختلف الشرائح الاجتماعية التي تشكله؟ هل عملية التواصل بين السلطة والجماهير عملية عمودية أم أفقية؟ هل الممّول هو المحدد الرئيسي لمخرجات وسائل الإعلام؟ هل أدت أو ستؤدي العولمة إلى دمقرطة الإعلام في الوطن العربي؟ هل ستؤدي الثورة التكنولوجية والمعلوماتية إلى التأثير في علاقة السلطة بوسائل الإعلام وفي طرق العمل الإعلامي وآلياته ومنهجيته في الوطن العربي؟ هل تتوفر مستلزمات الصحافة الحرة في الوطن العربي؟ وهل هذه الصحافة قادرة على أن تصبح واحدة من السلطات الفاعلة في المجتمع؟ الملاحظ والمطّلع على مخرجات الإعلام العربي يدرك المشاكل والتناقضات الكبيرة والمتعددة التي يعاني منها هذا الإعلام، فالمؤسسة الإعلامية العربية ما زالت في الكثير من الدول العربية لم ترق إلى المؤسسة الإعلامية بالمعنى الكامل للكلمة سواء من حيث الإدارة أو التسيير أو التنظيم أو الهيكلة أو الوسائل أو الكادر البشري. ففي الكثير من الحالات نلاحظ المساومات والتجاوزات والمتاجرة بالمهنة على حساب مبادئ المهنة وشرفها وأخلاقها، وغالبا ما تُستعمل المؤسسة الإعلامية لأغراض ومصالح ضيقة جدا تكون في صالح فئة معينة أو حزب معين أو تيار معين على حساب الغالبية العظمى من أفراد المجتمع. في هذه الظروف تنعدم الاستراتيجية وتكون السياسة الإعلامية غير واضحة المعالم، هلامية تركز على التعبئة السياسية والتنظير للسلطة والمدح والتسبيح وكذلك الترفيه والتسطيح وإفراغ القضايا من محتواها الحقيقي. تعاني الصحافة العربية من جملة من المعوقات والمشاكل المهنية والتنظيمية والنقابية جعلتها تفشل في تحقيق الكثير من مهامها الاستراتيجية في المجتمع. وبما أن الصحافة العربية في أي مجتمع عربي لا تستطيع أن تكون فوق النظام والأطر التي يسير وفقها المجتمع ككل بحيثياته وعناصره ونظمه فإنها باعتبارها جزءا فرعيا من النظام التي تعمل فيه وتتعاطى معه تتأثر بالمناخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي السائد. فالسلطة في العالم العربي ما زالت تنظر للصحافة كأداة لتثبيت شرعيتها ووسيلة لتعبئة الجماهير وتجنيدها. وحتى دور الصحفي في المجتمع يُنظر إليه على أنه مكمل لدور السلطة وأجهزتها المختلفة فهو مطالب بالتغطية والمدح والتسبيح لكنه إذا استقصى وبحث وانتقد فيصبح من المغضوب عليهم. فمعظم قوانين النشر والمطبوعات في العالم العربي جاءت مجحفة ومقصرة في حق المؤسسة الإعلامية وفي حق الصحفي الأمر الذي أفرز ثقافة الرقابة والرقابة الذاتية ومن ثم قتل ثقافة صحافة الاستقصاء والبحث عن الحقيقة وقتل روح المسؤولية والالتزام والنزاهة والموضوعية عند الصحفي. التحدي الأكبر الذي يواجه الدول العربية في مجال الإعلام هو تحريره وتحرير الطاقات والمهارات والإبداعات. التحدي يتمثل في الاستثمار الأمثل في القدرات والطاقات والإمكانيات المادية والبشرية لإرساء قواعد ومستلزمات صناعة إعلامية متطورة رشيدة وفعالة وقوية تستطيع أن تشكل الرأي العام والسوق الحرة للأفكار والمجتمع المدني الذي يؤسس للديمقراطية وللالتزام والشفافية والحوار الصريح والبناء من أجل مصلحة الجميع. كل هذه الأمور تتطلب الدراسة والبحث وإقامة علاقة متينة وتفاعل وتبادل حوار صريح بين السلطة والمؤسسة الإعلامية والقائم بالاتصال والجمهور من أجل إعلام فاعل يؤمن بالمسؤولية والديمقراطية.
9514
| 09 فبراير 2019
ظهرت الصحافة المدنية أو صحافة المواطن في منتصف العقد الأخير من القرن العشرين في الولايات المتحدة كبديل للصحافة المسيطرة والمنتشرة في الساحة الإعلامية. وجاءت هذه الممارسة الصحفية الجديدة كبديل للصحافة التقليدية المرتبطة بالنظام القائم وبالنخب وبالمصالح الاقتصادية والسياسية وبالقيم المزيفة والمضللة والمعروفة بالموضوعية والحياد والحرية. وكبديل لصحافة التسطيح والتهميش والاستهلاك والاغتراب وصحافة التبرير والتشريع والتنظير للنظام والوضع الراهن. تقوم صحافة المجتمع المدني على مبدأ الوصول للمواطنين والاستماع إليهم وإعطائهم الفرصة للاستماع والتحدث لبعضهم البعض ولمناقشة انشغالاتهم ومشكلاتهم وطرح الحلول والبدائل وبذلك فهُم طرف في العملية الإعلامية ومشاركون فيها، وليسوا مستقبلين فقط، بل مستقبلون وفاعلون. يرى منظرو صحافة المجتمع المدني أنها صحافة جادة مسئولة وملتزمة، وطريقة جديدة تهدف إلى تحديد القضايا والمشكلات الرئيسية التي تهم الرأي العام والسواد الأعظم من الشعب. وهي بذلك تهدف إلى خلق حوار ونقاش فعال ومجد ومثمر حول أهم قضايا المجتمع، والسعي لتشخيص الأسباب وطرح الحلول والبدائل لمعالجتها، فالهدف هو ليس تغطية الأحداث والقضايا والجرائم والانسحاب بعد ذلك، بل الذهاب الى أبعد من ذلك بكثير، أي طرح هذه الأحداث والقضايا للنقاش والحوار والدراسة والتحليل، ومن ثم إيجاد الحلول العملية والناجعة لمعالجتها واستئصالها. فالصحافة المدنية هي نوع من الإعلام المسئول والهادف الذي يعنى بإعادة تنظيم الأولويات وتحديد العلاقة النوعية التي تربط المجتمع المدني بالقوى الفاعلة في المجتمع وانتهاج طريقة جديدة في طرح المشكلات والأمراض الاجتماعية المختلفة كالفساد والرشوة والفقر والجهل والأمية والجريمة ومختلف السلوكيات المنحرفة بهدف مناقشتها ودراستها وتحليلها من قبل الجميع والتفكير في استئصال أسبابها للقضاء عليها. فصحافة المجتمع المدني هي مقاربة جديدة لمفهوم جديد للصحف والصحفيين باعتبارهم فاعلين وليسوا متفرجين على ما يحدث في المجتمع، وهم بذلك مساهمون في الحياة العامة وفي المجتمع المدني من أجل تغيير مجريات الأمور في المجتمع وليس تقديمها للقراء والانسحاب بعد ذلك. وهذا يعني من جهة أخرى، إدماج وإشراك المواطنين في العملية الإعلامية من خلال اختيار المواضيع وطرحها والمشاركة في مناقشتها واقتراح الحلول الناجعة لمعالجتها. الجميع مسئول في الصحافة المدنية، والجميع مطالب بالقيام بدور إيجابي وفعال يقوم على المشاركة والنقاش والحوار وتشخيص الأسباب واقتراح الحلول سواء تعلق الأمر بالصحفي أو بالمؤسسة الإعلامية أو بالمواطن. صحافة المواطن أو الصحافة المدنية هي طريقة جديدة لمساعدة الجمهور على التغلب على حالات الضعف والتهميش والاغتراب والشعور بالإقصاء وعدم القدرة على المشاركة في الحياة العامة. فالصحافة المدنية تهدف إلى تدعيم وتعزيز مفهوم المواطنة ونشر ثقافة النقاش والحوار ومساعدة عامة الشعب على الاندماج والانخراط في طرح مشكلاتهم وهمومهم والوصول إلى الحلول العملية لاحتوائها واستئصالها والقضاء عليها. تهدف الصحافة المدنية من وراء تغطية مشكلات وآفات المجتمع مثل الفساد، والجريمة والعنف والسرقة والنشل...الخ إلى الوعي بهذه المشكلات من قبل المواطنين وحثهم على المشاركة في مكافحة هذه الآفات والأمراض الاجتماعية كل من موقعه وحسب إمكانياته. فطرح المشكلة الاجتماعية غير كاف، وإنما يجب الذهاب إلى ما وراء استعراض المشكلة وهو البحث عن جذورها وأسبابها وبذلك توصيف الإجراءات العملية اللازمة بالتنسيق مع الجهات المعنية سواء الرسمية منها أو غير الرسمية لحل هذه المشكلات واستئصالها والقضاء عليها. فدور الصحافة المدنية لا يقتصر فقط على تغطية الأحداث وتقديمها للقراء وطرح المشكلات ورصدها، بل يتعدى ذلك بحيث يهدف إلى المساهمة الملتزمة والمسئولة والجادة والفاعلة للوصول إلى الحلول العملية من خلال فتح باب النقاش العام والواسع أمام المجتمع المدني ليقوم بدوره في تحديد المشكلات وأسبابها وخلفياتها وسبل حلها واستئصالها. فصحافة المجتمع المدني هي حلقة وصل بين المواطنين والسلطة، وهي الوسيط الإعلامي للمجتمع المدني الذي يعتبر الفضاء العام للشرائح الاجتماعية والمكونات المختلفة للمجتمع. هذه المكونات من خلال صحافة المجتمع المدني تعبر عن همومها ومشاكلها وتبدي آراءها حول ما يجري في المجتمع، وهذا يعني أن المواطن يتمتع بدرجة عالية من الوعي الاجتماعي والمسئولية الاجتماعية. فمن خلال المجتمع المدني والصحافة المدنية يطرح المواطنون مشاكلهم ويناقشونها ويضعون الحلول الإجرائية لحلها ومعالجتها. الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى ربط المجتمع المدني بالقوى الفاعلة في المجتمع وصناع القرار والمؤسسات والتنظيمات والهيئات المختلفة حتى تقوم كل جهة وكل طرف بمسئوليته ودوره في التكفل ومعالجة القضايا الاجتماعية المختلفة كل حسب اختصاصاته وصلاحيته. ومن خلال صحافة المجتمع المدني يشارك المواطن في عملية التنمية الشاملة وفي المشاركة السياسية وصناعة القرار وهكذا يتكفل الفرد في المجتمع بواجبه الاتصالي والإعلامي لإيصال رأيه وفكرته ولاستقبال كذلك المعلومة التي تهمه وتساعده في صناعة القرار السليم. تتكفل الصحافة المدنية وكذلك المجتمع المدني في الوعي بالقضايا المهمة والمصيرية في المجتمع أولا، وطرحها للنقاش والحوار، ومن ثم إشراك كل الجهات المعنية في المساهمة في اقتراح الحلول وتنفيذها من خلال القوى الفاعلة في المجتمع والسلطة كذلك. تتحدد أدوار القائمين بالاتصال في صحافة المجتمع المدني حسب منظري هذا النوع الجديد من الصحافة على النحو التالي: الدور الملتزم شخصيًا بصحافة المجتمع المدني وينبني هذا الدور على الواجب والالتزام الشخصي من قبل الصحفيين بحل مشكلات المجتمع المحلية. الدور القائم على الثقة بالمجتمع المحلي، وهو يعني إيمان الصحفيين بقدرة المجتمع المحلي على حل مشكلاته بنفسه. الدور القائم على الالتزام المؤسسي وهو دور قائم على الإيمان بضرورة قيام الصحافة بمسئولياتها إزاء حل مشكلات المجتمع المحلي. تتطلب الديمقراطية في المجتمع صحافة ملتزمة وواعية تقوم بمسئوليتها الاجتماعية على أحسن وجه، ومواطن مسئول وواع منخرط في مجتمع مدني يناقش مشاكله وهمومه وقضاياه بطريقة ديمقراطية صريحة وواعية ومسئولة من أجل مشاركة الجميع في الحوار والنقاش واقتراح الحلول والإجراءات العملية لمعالجة المشاكل واحتوائها واستئصالها. التحدي إذن كبير جدا في العالم العربي، خاصة في عصر العولمة والثورة المعلوماتية وصناعة المعرفة وانهيار الحدود والحواجز. فالمواطن يجب أن ينتقل ويتحول من مجرد مستقبل ومستهلك إلى مشارك وفاعل واع ومسئول عن سلوكه الاتصالي والإعلامي. في ظل الفضاء الإعلامي الملوث الذي تعيشه معظم المجتمعات العربية، وفي ظل ظاهرة التبعية والتقليد والانجراف يتحتم على المواطن والمؤسسة الإعلامية والمجتمع المدني –إن وُجد- في الوطن العربي التفكير في البديل، في صحافة مسئولة وملتزمة وواعية تعنى بقضايا السواد الأعظم من الشعب- القضايا الحساسة والجادة والمصيرية- لطرحها واستعراضها ومناقشتها من أجل إشراك الجميع للمساهمة واقتراح الحلول الناجعة لمعالجتها. فهل سيكون الربيع العربي هو الانطلاقة الجادة لصحافة المجتمع المدني في العالم العربي؟ وهل ما بدأته الشبكات الاجتماعية في عملية التغيير والإطاحة بالأنظمة الدكتاتورية في العالم العربي سيؤدي إلى منظومة إعلامية جديدة بقيم ومبادئ جديدة لخدمة كلمة الحق ومصلحة الشعوب المغلوب على أمرها؟.
3936
| 12 يناير 2019
يجمع المختصون في قضايا أمن الصحفيين وحمايتهم في جميع دول العالم أن هناك حاجة ماسة لاتخاذ قرارات ملزمة من قبل المجتمع الدولي تجّرم بشكل واضح التعرض لقتل الصحفيين وتصفيتهم ومنعهم من نقل الحقيقة إلى الجمهور. كما أجمع المدافعون عن حقوق الانسان وضحايا الحقيقة على وضع قوانين صارمة لمحاكمة قتلة الصحفيين وعدم إفلاتهم من العقاب.. تعيش المنظومة الإعلامية في جميع بقاع العالم ظاهرة انتشار الاعتداء على الصحفيين وقتلهم وتصفيتهم جسديا، ففي السنة الماضية وحدها لقي ما يزيد على 94 صحفيا حتفهم وهم يبحثون عن الحقيقة لتقديمها للجمهور، كما خلفت الأزمة السورية حتى الساعة قتل 221 صحفيا، كما أغتيل خلال الشهور الماضية ما يزيد على 35 إعلاميا.. لقد حان الوقت لتذكير الضمير الإنساني والمنظومة الدولية وأحرار العالم بضرورة توحيد الجهود من أجل التصدي لأعداء الحقيقة وبارونات الحروب والطغاة والمستبدين والدكتاتوريين الذين لا يطيقون كلمة الحق.. فالمطلوب هو تكاتف الجهود والتنسيق بين الصحفيين والجمعيات الصحفية والمنظمات الدولية لوضع تشريعات وقوانين لحماية الصحفيين في مناطق النزاعات والحروب. الصحفيون والبحث عن الحقيقة والكشف عن الفساد والقضايا الحساسة معادلة صعبة وإشكالية معقدة تجمع بين متغير البحث عن الحقيقة والمعلومة وتقديمها للجمهور ومتغير صعوبة الوصول إلى هذه الحقيقة والأخطار والحواجز التي تعترض القائم بالاتصال الذي يدفع حياته في بعض الأحيان مقابل الوفاء بوعده لقارئه والوفاء لضميره المهني في تقديم المعلومة من عين المكان ومن المصدر نفسه. فمهنة الصحافة التي تسمى وتلقب بمهنة «المتاعب» تتحول في بعض الأحيان إلى أكثر من ذلك لتصبح مهنة المخاطرة بالحياة ومهنة الموت. فما هوذنب الصحفي الذي قرّر أن يكون شاهدا على التاريخ وأن ينقل الأحداث للرأي العام من مكان الواقعة والحادثة؟ فالمراسل الصحفي يعتبر من جنود الجبهة، جبهة الحقائق والمعلومات والأخبار. والمغامرة هنا والمخاطرة بالحياة ليس من أجل المال والشهرة ولكن من أجل مبدأ البحث عن الحقيقة والوفاء بالعهد للرأي العام وللجمهور. ظروف العمل والصعوبات والمشاكل المختلفة التي يتعرض لها المراسل الصحفي في عملية البحث عن الحقيقة والبحث عن المعلومة وتقديمها للجمهور تعتبر مشكلة بالغة الخطورة نظرا لأهمية حياة الصحفي من جهة وأهمية المعلومة والخبر بالنسبة للرأي العام من جهة أخرى. ومن خلال التجارب المختلفة للمراسلين الصحفيين وتجارب الإعلاميين من جميع أنحاء العالم، فإن عملية البحث عن الحقيقة والبحث عن الخبر لا تقدم دائما على طبق من فضة؛ والإحصائيات تقول إن عشرات الصحفيين يموتون سنويا بالرصاص والقتل والاغتيالات والعمليات الإرهابية والمضايقات المختلفة للأنظمة الدكتاتورية والمافيا السياسية والمالية والعسكرية …الخ وهذا سواء في دول الشمال أوالجنوب؛ حيث اشتهرت دول كثيرة بصعوبة ممارسة الإعلام فيها مثل كولومبيا وأفغانستان وبوليفيا والبرازيل والمكسيك ومصر والجزائر والسودان وباكستان وإيران والبوسنة وكرواتيا وكوسوفووالشيشان وتيمور الشرقية وسيرا ليون والقائمة طويلة. فحسب تقارير «مراسلون بلا حدود» لقي 800 صحفي حتفهم في السنوات العشر الأخيرة، وأن نصف دول العالم لا تحترم حرية الصحافة، أضف إلى ذلك أنه في العديد من دول العالم لا توجد بها قوانين تحمي المهنة والمهنيين من جبروت سلطة المال والسياسة والمافيا بمختلف أنواعها وأشكالها. في الكثير من دول العالم لا توجد قوانين وهيئات ومنظمات لحماية الصحفي الذي يجد نفسه في العديد من دول العالم أمام ميادين مملوءة بالألغام والمشاكل والعراقيل. دراسات وتقارير منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم و»مراسلون بلا حدود» والاتحاد العالمي للصحف والمنظمة العالمية للصحفيين وغيرها من المنظمات الحكومية وغير الحكومية تبعث على التشاؤم والخوف الكبير من المشاكل والمتاعب والخطورة التي تكتنف مهنة الصحافة. ففي كل سنة هناك عشرات بل مئات الصحفيين يموتون قتلا ويغتالون، ومئات منهم يسجنون، ومئات يحاكمون ومئات يتعرضون لمضايقات ولإهانات، هذا لا لشيء إلا لأنهم حاولوا القيام بواجبهم وبرسالتهم على أحسن وجه، حاولوا أن يكشفوا الحقيقة.. المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تؤكد على حرية الرأي والتعبير لكن في معظم دول العالم «مافيا « المال والسياسة لا تؤمن بهذا المبدأ وبهذا الحق، وأصبح من يملك المال والنفوذ والسلطة له حق التعبير والرأي، أما باقي شرائح المجتمع فتكتفي باستهلاك ما يقدم لها بدون مساءلة ولا استفسار. وأصبحت دول معروفة بديمقراطيتها وعراقتها في تقاليد حرية الصحافة وحرية الرأي والتفكير تضرب بهذه المبادئ عرض الحائط وتمارس الإرهاب الفكري على كل من يعترض سبيلها حتى وإن كانت على خطأ. إخبار الرأي العام وإيجاد سوق حرة للأفكار أصبحا من المهام الصعبة في معظم دول العالم، والقائم بالاتصال يجد نفسه في هذه المعادلة بين المطرقة والسندان، فهوأخلاقيا ومهنيا وعمليا مطالب بإعلام وإخبار الرأي العام، ومن جهة أخرى يجد نفسه تحت ضغوط لا ترحم ولا تشفق لإرضاء أصحاب النفوذ والمال وأصحاب السلطة وبارونات الحروب والأزمات. وإذا تمرد يكون مصيره التهديد أوالسجن أو بكل بساطة التصفية الجسدية. ضحايا مهنة الصحافة ماتوا وهم يركضون وراء الحقيقة، رفضوا صحافة الصالونات وفنادق الخمس نجوم وتحاليل وتعليقات الأبراج العاجية والحوارات المثالية البعيدة كل البعد عن الواقع، رفضوا تقديم الأخبار عن طريق التقمص الوجداني والخيال، وإنما أصروا على الفضول والمغامرة وأن يكونوا شهود عيان من ميدان العمليات.. مصرع الصحفيين في ميدان الحرب والصراعات والأزمات يكشف عن نظام عالمي مفلس، عالم تمزقه الصراعات والحروب، عالم منافق يدعي الحرية والديمقراطية والشفافية وتقديس حقوق الإنسان والحريات الفردية من جهة، ومن جهة أخرى يمارس كل آليات الضغط والرقابة والتحكم في الحقيقة وتفصيلها على مقاسه. فالحقيقة التي تحرج اللاعبين الكبار في العالم تُكمم ويتم طمسها وإخفاؤها، أما الذين يبحثون عنها لتقديمها للرأي العام فمصيرهم هو الاغتيال أو السجن أو التصفية الجسدية أمام مرأى ومسمع العالم بأسره. من يحمي رجال الحقيقة ورجال التأريخ للنزاعات والحروب والأزمات؟ متى ينهض الضمير الإنساني من سباته العميق ويناصر قانونيا وتشريعيا ويحمي ضحايا المجرمين وصناع الحروب والأزمات؟ أين هي المنظمات الدولية؟ أين هي منظمات حقوق الإنسان وحرية الرأي والصحافة؟
1039
| 05 يناير 2019
مساحة إعلانية
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...
4791
| 20 أكتوبر 2025
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...
3477
| 21 أكتوبر 2025
المعرفة التي لا تدعم بالتدريب العملي تصبح عرجاء....
2865
| 16 أكتوبر 2025
في ليلةٍ انحنت فيها الأضواء احترامًا لعزيمة الرجال،...
2670
| 16 أكتوبر 2025
يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...
2595
| 21 أكتوبر 2025
واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...
1428
| 21 أكتوبر 2025
في زحمة الحياة وتضخم الأسعار وضيق الموارد، تبقى...
1407
| 16 أكتوبر 2025
لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت...
1038
| 20 أكتوبر 2025
1. الوجه الإيجابي • يعكس النضج وعمق التفكير...
954
| 21 أكتوبر 2025
القيمة المضافة المحلية (ICV) أداة إستراتيجية لتطوير وتمكين...
831
| 20 أكتوبر 2025
في قلب كل معلم مبدع، شعلة لا تهدأ،...
807
| 17 أكتوبر 2025
في ليلة كروية خالدة، صنع المنتخب القطري "العنابي"...
765
| 17 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية