رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

المثقف المحايد

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); المثقفون في كل أمة من الأمم هم عقلها المفكر، ورأسها المُقدَّم، وطليعتها المدافِعة، يحملون هموم أمتهم، ويتصدون لكل خطر يهدد وجودها المادي أو المعنوي، ولذلك فلا عجب أن يجتمع ستون مثقفا أمريكا ليكتبوا خطابا مشتركا يبررون فيه للحرب الجائرة التي تشنها الولايات المتحدة على ما سمي بالإرهاب، ويبعثون من أمريكا برسالة إلى العالم كله يعلنون فيها أنهم يقاتلون دفاعا عن أنفسهم، ودفاعا عن المبادئ الإنسانية التي أرستها الحضارة الغربية.وهذا الموقف الذي يقفْهُ مثقفو أمريكا اليوم ليس بموقف فذ جديد، بل له تاريخ قديم وجذور راسخة في وجدان كل مثقف غربي؛ فمنذ ظهور المستشرقين تعانق السيف والقلم، واجتمعت الجيوش والأفكار في المجتمعات الأوربية، وقد قامت هذه الطبقة المثقفة (المستشرقون) بدورها كاملا في الدفاع عن النصرانية المتهالكة في أوربا، ومقاومة الزحف الإسلامي.وعلى جهود وأبحاث وملاحظات هؤلاء المستشرقين نهض الاستعمار وقوي سلطانه، بل كان الاستشراف –كما قال محمود محمد شاكر رحمه الله- (هو عين الاستعمار التي بها يبصر ويحدق ، ويده التي بها يحس ويبطش ، ورجله التي يمشي بها ويتوغل، وعقله الذي به يفكر ويستبين، ولولاه لظل في عمائه يتخبط)فالمثقف الغربي منذ عرف نفسه كانت له قضية يعمل لها، ويجاهد في سبيلها، ولا يسعه إلا أن يكون منحازا لها بفطرته، وقضيته هي العمل على ما يصلح أمته وينهض قومه وقيمه، هو يقوم بهذا الدور الرسالي في كل أحواله ومواقفه يقوم به وهو معارض لسياسة بلده، ويقوم به وهو مؤيد لسياسة بلده، فالذين عارضوا الحرب على العراق –مثلا- لم يكونوا كما نظن منطلقين من موقف مبدئي، ولكنهم كانوا في جملتهم ناظرين لمصلحة شعوبهم من خوض هذه الحرب.هذا هو المثقف الغربي وتلك هي وظيفته، وأما المثقف الذي ينتمي بحكم ميلاده إلى دار الإسلام فله قصة أخرى وشأن آخر.. فهو (دون أن نعمّم القول) لم يكن إلا جزءا أصيلا من أزمة الأمة، فعلى يد هؤلاء المثقفين العرب ( نصارى ومسلمين) انطمست معالم الشخصية الإسلامية المتميزة، وتمكّن الخيار الغربي الحضاري في واقعنا، ورسخت التبعية العمياء لكل وافد غريب.ثم شاء الله بعد عقود من الزمان أن يسقط الوافد الغريب، وأن تفتضح شعاراته، وأن يستبين كل ذي بصيرة أن الخيارات التي عكف عليها مثقفونا مباهين بها، أو مراهنين عليها ما هي إلا خدعة كبرى، وشعارات جوفاء، وكان حريا بهم أعني المثقفين في عالم الإسلام أن يمتلكوا-بعد هذا السقوط المدوي لمشاريع الهزيمة -الشجاعة التي تحملهم على الاعتراف بالخطأ والاعتراف بسوء التقدير، وقد فعل ثلة منهم ذلك صراحة أو ضمنا، إلا أن أكثرهم لاذوا بالصمت، ووقفوا في مربع الحياد تجاه قضايانا المصيرية كلها، سواء في البوسنة أو أفغانستان أو العراق أو فلسطين، فلم نعرف لكل من حمل شارة الثقافة من أدعياء العلمانية مواقف فاصلة تعبّر عن رفضٍ قاطعٍ لهذا العدوان السافر على أمتنا وهم الذين يتشدقون بحقوق الإنسان، وإدانة العنف، ولم نسمع لهم حديثا واضحا يعلنون فيه حق أمتهم في الاختيار والتميز والخصوصية الثقافية والمقاومة للعدوان، وهم الذين يتشدقون بقيم الديمقراطية ومبادئها.والأعجب من ذلك كله أن هذا الموقف المحايد تجاه قضايانا الكبرى تقابله جراءة على حملة المشروع الإسلامي كلما وجد هؤلاء المثقفون فرصة للإدانة أو الشماتة أو الاستهزاء، ونحن على ثقةٍ عامرةٍ أن هذه الطبقة المثقفة التي تدّعي الحياد والموضوعية سيؤول أمرها إلى أحد خيارين لا ثالث لهما، إما الولاء الكامل للأمة، وإما الفناء والأُفُول.

1485

| 04 يوليو 2015

بركات وتحديات

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); لا تكاد كلمة دارسي الحضارات تختلف في أن التحديات الكبرى التي تواجه الأمم، تجعلها أمام مصيرين لا ثالث لهما إما الرفعة وإما الضياع، فالتحديات كما يقولون سلاح ذو حدين، وأمتنا الإسلامية مواجهة اليوم بجملة من هذه التحديات التي تحيط بها إحاطة السوار بالمعصم، ولا أكون مبالغا إن قلت إن أمتنا من أوفر أمم الأرض نصيبا من (المعاناة) التي تجرها علينا تحديات الاستبداد السياسي ، والعدوان الخارجي، والتخلف التقني، والانقسامات الداخلية ولك أن تضيف إلى هذه القائمة ما شئت من تحديات متعاقبة تذكرك بقول أبي الطيب وقد تصالحت عليه العلل:أبنت الدهر عندي كل بنت*** فكيف وصلت أنت من الزحام! ولكن برغم قسوة هذه التحديات وإرهاقها لنا إلا أنها ستمثل بإذن الله مبدأ نهضة هذه الأمة، ولولا التحديات وما تثيره في النفس من روح المغالبة واستثارة المشاعر ما نهضة أمة قط ولا أصبح لها في العالم ذكر، ونحن بفضل الله أمة لها تاريخ مجيد وخبرة طويلة في تغيير مجرى الأحداث وتحويلها من هزيمة إلى نصر، ومن شتات إلى تضامن، ومن هوان إلى ثورة، ولذلك حق لعدونا أن لا تقر له عين أبدا وهو يعلم عبر التاريخ ودروسه التي منها: أنه كلما ظن أنه قد أجهز علينا بتفوقه العسكري ، وأهال على إرادتنا التراب، فاجأناه بانبعاث الحياة في الجسد المثخن بالجراح، وبظهور رآيات المقاومة مدوية بالتكبير مبشرة بانتشار الصباح.والتاريخ يعيد نفسه، وتجارب الواقع الجهادي في فلسطين والعراق وأفغانستان تؤكد هذا الحقيقة تأكيدا، ومن ذا الذي كان يتصور بعد كل الحزن الذي غصت به قلوبنا تعطفا مع غزة، أن يأتي الرد سريعا وفي أكثر مناطق فلسطين المحتلة تحصنا فيشفي الله بهذه العملية الاستشهادية صدور قوم مؤمنين، ويخرس ألسنة أقوام طالما شككوا في جدوى المقاومة، وقالوا للناس إن الحديث عن هزيمة إسرائيل وخسارات أمريكا أمنيات مغلوب لا حقائق واقع، وكأنهم فطروا على القهر وقوة الخصم التي لا تغلب!.إن التحديات الماثلة أمامنا اليوم بكل ما فيها من شدة ستكون الشرارة التي توقد جذوة التغيير القادم فقد وعينا من قديم أن للتحديات بركات وفضائل على الناس، ولو لم يكن لها إلا افتضاح ما تنطوي عليه النفوس من خبايا لكان ذلك كافيا في اعتبار التحديات عطايا يسوقها الله للناس ليميزوا بها بين فريقين من عباده، ومن طالع تعقيب القرآن على غزوات الإسلام أدرك هذه الحكمة البالغة قال تعالى معقبا على غزوة بدر الكبرى ( لميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم ) وقال تعالى عن غزوة أحد(ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب) وقال تعالى معقبا على غزوة الأحزاب (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا)..وحديث القرآن هذا يعلمنا أن أخطر ما يواجه الأمة من التحديات لا يتمثل في العدو الظاهر وإنما في المجموعات المسخرة والتكتلات المندسة والجماعات التي تتحدث باسمنا وتتاجر بقضايانا وهي ما بين عميل وخائن وسمسار، ولكن الأحداث التي يجريها الله في هذا الكون من سنن فاضحة ومصالح متعارضة لن تدع لهذه المجموعات مهما حاولت المخادعة والمتاجرة من حيلة تلوذ بها بعد افتضاح أمرها. والمتفرس في المشهد الإسلامي اليوم يدرك كم من الأقنعة قد سقط ؟ وكم من عروش كنا نراهن على جدواها قد اندكت في قلوبنا ، وأزمعنا منها يأسا ، ولولا هذه التحديات المتلاحقة ما استبان لأصحاب البصائر المنطمسة ما ظلت تردده جماعات الإصلاح الإسلامي من بيّنات وحقائق، ونذر ومبشرات.

349

| 03 يوليو 2015

طائرة مختطفة

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); شبه أحد المفكرين الإسلاميين أوضاعنا العربية التي تعيشها المنطقة الآن بحال ركاب في طائرة مختطفة، وهذا التشبيه -كما ترى- فيه قدر غير قليل من دقة الوصف وبراعة التصوير، ذلك لأن الجماعة التي تعيش منقادة لإرادة عصابة من عصابات السطو المسلح، تهدد وجودها وتنهب ممتلكاتها وتملأ قلبها خوفا ووجلا، لا تفرق كثيرا عن حال أؤلئك الركاب البؤساء الذين يجهلون مصيرهم ولا يملكون من أمرهم شيئا.إن ارتهان الأمة في توجهها وقرارها لما تلميه عليها عصابات القوى الدولية المتنفذة يمثل بلا شك حالة من حالات الاختطاف، وإذا جاز فيما مضى أن تخضع أمة لأمة بسبب قوة سلاحها وجيوشها وبارودها! وأن يتنكر قوم من الضعفاء على الحق بحجة الخوف من أن يتخطفهم عدو قاهر (وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا)، فإن زماننا هذا لم يعد بذاك الزمان الذي تنعدم فيه فرص المكافأة أو تكاد، ذلك لأننا بالتجربة العملية رأينا أن إمكانية المقاومة وفرصها متاحة أمام الأمم والشعوب الجادة من مختلف الأعراق، وخير شاهد على ذلك في حالتنا الإسلامية تجربة المقاومة في أرض فلسطين هذه التجربة المباركة التي استطاعت أن تفرض إرادتها أمام الترسانة الإسرائيلية المدججة بالسلاح، وأن تبتدع بفضل صمودها وإصرارها على حقها أنواعا من أساليب المواجهة والمقاومة، طورت من خلالها كثيرا من أدوات فعلها العسكري والسياسي تجاوزت بها كل مرارات الاستسلام المهين.إن مشاريع الهيمنة الإمبرالية الأميركية على العالم ليست بالأمر القدري الذي لايملك له الناس دفعا فهي مشاريع قابلة للتفكيك والاجهاض بل الزوال، وحتى نصل إلى هذه الغاية المرجوة نحتاج إلى أن تتجاوز الأمة في مجموعها حالة الاختطاف التي تتعرض لها على كافة المستويات، ولعل من أضر هذه المستويات الاختطاف الفكري الذي يتمثل في مظاهر كثيرة منها غياب المرجعية الفكرية التي تنطلق من الرؤية الإسلامية، حيث لم تعد كيانات الأمة وأحزابها متفقة على مرجعية موحدة تعدد في إطارها الرؤى والأفكار، ولذلك كثرت في بلادنا العربية والإسلامية الحلول المستوردة ومشاريع النهضة التي أنتجت في بيئات أخرى فأردنا أن نستنبتها في بلادنا وأن نغرسها في أرضنا وحدث ذلك فعلا ولكننا لم نحصد منها إلا الهشيم، وزادت حالات التنازع والقطيعة بين أبناء الأمة الواحدة بسبب تعدد المرجعيات واختلاف الصيحات.ومن مظاهر الاختطاف الفكري في عالمنا العربي الإسلامي الاتجاه الماكر لصناعة رموز فكرية تفتح لها المجالات وتمنح ما شاءت من ألقاب وتقلد أرفع المناصب في مقابل محاولات التعمية وسد المنافذ أمام اصحاب الفكر المقاوم، وهذا الأسلوب كان له تأثير بالغ في وجود نخبة عريضة من المثقفين المختطفين استطاعت بالوكالة أن تفسد هذا الوسط النخبوي فسادا بلغ درجة المجاهرة بعداوة الدين وكل ما يتصل بميراث هذه الأمة ومقومات وجودها، ولكن شاء الله لهذه الرموز المصطنعة أن تفتضح فكريا وأن تحاصر شعبيا لتجد نفسها في نهاية الأمر مضطرة أن تجامل التيار العام في الأمة بكلمات تحفظ لها شيئا من المكانة المفقودة. وما أحسب أن نوايا الغرب في صناعة الرموز المختطفة من السهل عليها أن تتقبل هذه النتيجية التي وصلت إليها جهودها المتراكمة، ولكنها كما هو ملاحظ اليوم ستبحث لها عن مجموعات من الثقات الذين لا يشَك في إخلاصهم، لتمرر عبرهم بعض مشاريعها وتخدعهم بقضايا ظاهرها خدمة مشروع الإسلام الحضاري!وباطنها تثبيت منطلقات الهيمنة الإمبريالية في منطقتنا مثل قضايا حقوق الأقليات والتعددية الثقافية ومكانة المرأة ومحاربة الإرهاب ونشر الاعتدال وهذا ما نحذره ونخشى على ثقاتنا من أن يكونوا ضحاياه.

280

| 02 يوليو 2015

إساءات الحضارة المعاصرة

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); ابتليت الإنسانية -منذ أن عرفت نفسها- بفلسفات وحضارات حاولت أن تطمس معالم الخير في حياة الإنسان وتقطع صلته بهدايات السماء مهما كلفها ذلك من جرائم وجنايات، وقد قص علينا القرآن الكريم أخبار الأمم الماضية التي تواثقت على محاربة الرسل، وإفساد الحياة حرثا ونسلا.أما حضارتنا المعاصرة فقد تفوقت على الحضارات السابقة وفاتتها فوتا بعيدا في كثير من الجوانب، واعتاد المفتونون منا بهذه الحضارة أن يثنوا عليها مشيدين بما استطاعت أن تنجزه في عالم المادة من طفرات مبدعة تذللت بسببها الصعوبات، وتقاربت المسافات وتراكم الإنتاج، ولا أظن أن أحدا منصفا يمكن أن ينازع في فضل هذه الحضارة على غيرها بما وصلت إليه من تقدم مادي تقني نعلم يقينا أن حضارة الغرب لم تكن هي المنشئ له من العدم ولكنها هي التي استطاعت أن تحقق الإنجاز مستفيدة من كسب الشعوب والحضارات الأخرى التي سبقتها.ويبقى السؤال الذي ظل العقلاء يرددونه ماذا استفاد الإنسان من كل هذا التقدم المادي الهائل؟ وما الذي حصدته البشرية من سعادة وشعور بالطمأنينة والأمان في ظل هذه الحضارة؟ ولماذا تتعقد مشكلات الإنسان نوعا وكما كلما قطعت هذه الحضارة شوطا في مضمارها الذي لا تبارى فيه؟والجواب الذي لا يتلجلج فيه مسلم أن ما تعانيه البشرية من شقاء روحي مستعر، وتظالم اجتماعي منكر ما هو إلا نتاج طبيعي لمحاولات هذه الحضارة الغربية وزعمها أنها قادرة أن تعوض الإنسان عقيدة -غير عقيدة الدين الحق - يسعد بها ويطمئن.ومن هنا كانت الجناية الكبرى التي اقترفتها حضارة العصر خديعتها للإنسان يوم أن أوعزت له أن المادة هي سر سعادته فانطلقت البشرية تلهث في جنون وراء الشهوات والملذات حتى غدت تجارة الجنس والمخدرات التي تحصد أرواح الملايين هي التجارة الرائجة في العالم، وتسابق العالم (الحر) في تأمين موارده التي تضمن له رفاهيته وتفوقه فكانت حركة الاستعمار وحروب الإبادة ونهب الثروات التي لم تتوقف حتى يومنا هذا وإن تعددت الأشكال والصور.وإذا كان للحضارة الغربية من فضل تشكر عليه في مجال القيم فلا شك أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1948م يمثل قمة ما تفاخر به هذه الحضارة، بيد أن هذا الإعلان جاء مشوبا في فلسفته التي اعتمد عليها، ومشوها في تطبيقاته المنحازة بكلياتها إلى مصلحة الرجل الأبيض، ولذلك لم يكن مستغربا أن تكون القوى الغربية المنتصرة في الحرب العالمية الثانية التي صاغت هذا الإعلان منطلقة من فلسفة علمانية (قد تتوافق مع تكريم الإنسان أحيانا) ولكنها في رؤيتها الكلية تعمل على تغييب أو تهميش الجانب الأهم في حياة الإنسان والذي هو سر تشريفه وتكريمه فلا حديث عن حق الإنسان في تزكية نفسه وحماية فطرته التي فطر عليها وقد أحسن د. أحمد الريسوني في تجلية هذا البعد المهمش في مواثيق الأمم المتحدة في مقالته الرائعة إنسانية الإنسان قبل حقوق الإنسان.وقد آن لنا أن ندرك أن العلمانية التي هي روح الحضارة المعاصرة لن تقنع يوما بما حققته من مكاسب-بمنطق القوة لا بقوة المنطق- وأنها لن تدخر وسعا في سبيل علمنة الحياة كلها وانتزاع أي مقدس منها، فها هي مواثيقها تنادي بتدمير الأسرة وإباحة الشذوذ ونهاية الإنسان فإلى أي هوة سحيقة ستقودنا هذه الحضارة العوراء؟

8160

| 01 يوليو 2015

أزمات مسكوت عنها

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); درجت المؤتمرات التي تنعقد هنا وهناك لمناقشة هموم الدعوة وقضاياها المعاصرة أن تركّز على أزمات مكرورة تُبدئ حولها وتعيد، بينما تغفل هذه المؤتمرات عن قضايا أخرى لها أهمية قصوى في حركة البعث الإسلامي، بل هي حجر الزاوية فيه، وبرغم ذلك كله لا نتحدث عنها إلا قليلا ولا نشير إليها إلا من بعيد.ولعل أهم هذه القضايا وأخطرها على الإطلاق: تراجع الثقة في العاملين إلى الإسلام، ولا أعني الثقة العلمية التي تدل على الكفاءة، ولا الثقة العملية التي تدل على القدرة، ولكني أعني الثقة التي تمنحها الجماهير بطبيعتها إلى الدعاة العاملين للإسلام باعتبارهم أئمة يُقتدى بهم ويسمع لهم ويحترم المجتمع مكانتهم.هذا النوع من الثقة ضروي لحركة الدعوة ما في ذلك شك، ولا أظن أن هناك أمرا يمكن أن يشل حركة الدعوة إلى الإسلام أسوأ من أن يكون المتصدر لها شخصا تلاحقه العيون بالتشكك وتتهمه الضمائر بما لا يليق!نعم إن هناك دوائر من المغرضين تتربص بالدعاة وتعمل على إشانة سمعتهم، غير أن الله أكرم من أن يُمكّن هؤلاء من تحقيق مرادهم ومحاصرة الدعاة بإفكهم، فما زالت الأمم على بقية من الخير وفطرة مستقيمة تميز بها بين الصادق والكاذب، وإن حملها الجحود على التنكر للحقيقة الساطعة، قال تعالى: (فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون) وقال عن الملأ من قوم فرعون(وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا)..الآيات.إن العلة التي نتحاشى الحديث عنها كثيرا –وما ينبغي لنا ذلك- موجودة في كياناتنا العاملة للإسلام، وموجودة أيضا في ذواتنا نحن الذين نتحرك باسم الإسلام، فخير لنا معاشر الدعاة أن نواجه أنفسنا بعللها، لنقف على الحقيقة مجردة من محاولات التحايل النفسي الذي يصوّر لنا دائما أننا على خير كثير ولكن العلة في غيرنا في الأمة التي ندعوها وفي العدو الذي يتربص بنا وفي الإمكانات التي نعجز عن توفيرها(أليست هذه قضايانا التي نناقشها في مؤتمراتنا)!إن حقائق القرآن لتخبرنا أن التراجع والهبوط أمران مرتبطان بأحوال الناس ارتباطا وثيقا لا فكاك له قال تعالى:(ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) وقال(أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم)، وأولى الناس بالتفكر في هذه الآيات وأمثالها نحن الذين ننتمي للدعوة ونتحدث باسمها ذلك لأن في صلاح هذه الفئة من الناس صلاحا للمسلمين وانتشارا للدعوة إلى الله في العالمين، والتاريخ الإسلامي يوقفنا على أمر في غاية الأهمية وهو أن الإسلام كان في صعود مستمر وأن دعوته ربت وأنبتت من كل زوج بهيج، ولكنه أعني الإسلام بدأ يتراجع حينما أحست الشعوب بأن حملة هذا الدين الذين يبشرون به قوم دون إسلامهم ودون مكانتهم، وأن بينهم وبين الرسالة التي يحملونها مفاوز بعيدة.فدعاة الإسلام مطالبون أن يكونوا عناوين تجسد أمارات الصدق والخير والمروءة، حتى يتمكنوا من إحداث التحول المنشود الذي لا يبدأ من عدم ولا ينطلق في فراغ وإنما يبدأ أولا في نفوس أهل الدعوة، وينطلق في الأرض بعد ذلك ليصلح ما أفسد الناس.

229

| 30 يونيو 2015

الفتى المفتي

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); أتاحت لي قناة طيبة (المرتقبة) فرصة للحوار وتبادل الرأي مع ضيف كريم من ضيوف البلاد، ورث العلم كابرا عن كابر، وتلقاه من مظانه عذبا زلالا وسائغا فراتا، فلانَ في يده، ورسخ في قلبه، وظهرت آثاره المباركة على شخصه الكريم.لقد كان حواري مع فضيلة الشيخ الدكتور عبد الله ابن العلامة الكبير محمد الأمين الشنقيطي، صاحب أضواء البيان، حوارا مفيدا ممتعا دار معظمه حول منهج السادة الشناقيط في تلقي العلم وحفظه ومدارسته.لقد حدثنا الشيخ -حفظه الله- أن طالب العلم في بلاد الشناقيط يمكث نحوا من عشرين عاما يتلقى فيها العلم وفق منهج دراسي دقيق، لا يتجاوز فيه المتعلم المراحل، ولا يقفز على كبار المسائل، ولا يخلط بين العلوم حتى يتقنها علما فعلما، ولربما اضطر الطالب الهميم -وصولا لهذه الغاية- أن يقطع المفاوز البعيدة والقفار طمعا في لقاء شيخ من الشيوخ،إذ لكل فن من الفنون أهله ورجاله.ويبدو أن هذا الأسلوب العلمي الصارم الذي عرف به أولئك السادة الشناقيط كان أسلوبا متبعا في تلقي العلم عند المسلمين، لذلك لم تعرف هذه الأمة المسلمة في عصورها المتقدمة الظاهرة التي أطلق عليها الأستاذ / محمد أحمد الراشد (الفتَى المفتي) حيث يجلس الشاب منّا إلى شيخ من الشيوخ أو قل داعية من الدعاة مدة يسيرة يشدو فيها شيئا من العلم، ويتعرف بعضا من كتب أهل الإسلام، ثم ما هي إلا أيام معدوات حتى يخرج هذا الفتى على الناس معلما يتصدر المجالس، ومفتيا يخوض في أدق المسائل، وشيخا لا يجد في صدره حرجا أن يقول بملء فيه :أخطأ مالك!إن هذه الظاهرة التي نحن بصددها (الفتى المفتي) هي نتاج طبيعي لحالة الضحالة العلمية التي آلت إليها أوضاعنا في كثير من البلاد، ولذلك ليس من الإنصاف أن نظن بهؤلاء الفتيان أنهم نبت غريب ظهر بلا غارس، فهناك عوامل كثيرة جعلت هؤلاء الفتيان يأخذون زمام الأمور بأيديهم، ويتصرفون بما تطمئن إليه نفوسهم، وأول هذه العوامل -في ظني- تراخي علمائنا ومشايخنا عن القيام بدورهم المناط بهم في نشر العلم وإذاعته بين الناس، ولك أن تقارن -أخي القارئ- بين عدد الذين يحملون شهادات علمية في تخصصات الشريعة وأصول الدين وبين من هم في ميدان العمل حقيقة يعلمون الناس ويربون الأمة ويضربون من أنفسهم مثلا طيبا لحامل العلم.ولا تقتصر المسؤولية على آحاد العلماء والدعاة بل تتعداها إلى المجامع الفقهية، التي نعترف لها بدور مشكور في الاجتهاد الجماعي والإفتاء إلا أنه دور قاصر لا يكاد يتجاوز قضايا محددة درجت هذه المجامع على النظر فيها، بينما تؤثر الصمت عن قضايا أخرى أكثر إلحاحا وحضورا، خذ مثالا على ذلك ما تعيشه الأمة اليوم من هجمة صليبية ماكرة مكّنت جيوش الكفر من غزو بلاد المسلمين واحتلال أراضيهم وتدنيس مقدساتهم، ألا تستحق قضية بهذا الحجم أن تأخذ حظها من النقاش والتداول وأن تصدر المجامع الفقهية في عالم الإسلام بشأنها الفتاوى الواضحة التي تملك الأمة رؤية راشدة تعتصم بها وتجنبها الوقوع في أحد الطرفين: الاستسلام البليد أو المواجهات الطائشة؟!إن تشاغل مجامعنا الفقهية عن قضايانا الكبرى طمعا في أن يتجاوزها الزمن! أو خوفا من التحريج على الأنظمة الحاكمة لن يزيد الأزمة إلا تعقيدا، ولن يورث الشباب إلا نفورا، فخير لعلمائنا ومجامعنا وقادة الرأي الإسلامي فينا أن يسلكوا في معالجة مثل هذه القضايا سبيلا آخر يُفْصِح ولا يُهَمْهِم، يبادر بالمعالجة قبل أن يحتل الصف فتى لا تسعفه تجربة ولا رأي سديد

521

| 29 يونيو 2015

عائل مستكبر

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); الكِبر خلق مذموم، وصفة تتولد عنها جملة من الخصال السيئة منها رد الحق، وازدراء الناس، كما جاء في الأثر الصحيح.والمستكبرون الذين عرفهم الناس ما حملهم على هذا الخلق القبيح إلا شعور كاذب بالتميز(أنؤمن لك واتبعك الأرذلون)، وإعجاب بما يتمتعون به من قدرات وإمكانات خوّلهم الله إياها؛ ففرعون- رمز الاستكبار- كان ملكا ذا سلطان واسع ولسان قاطع(ونادى فرعون في قومه قال ياقوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين) وغالب المستكبرين الذين قص القرآن خبرهم، وذكر عاقبتهم، هم من هذا الصنف المتمكِّن الذي يمتلئ جوفه بالغرور وينطلق لسانه بالزور.وثمة صنف آخر من البشر لا يتميزون عن غيرهم بشئ، عقولهم كليلة، ومواهبهم متواضعة، ولكنهم مع ذلك كله يسيرون في الأرض سيرة المستكبرين، وهذا الصنف حقيق أن لا يقال له تواضع تكن كالنجم لاح لناظرٍ، وإنما يقال له اعرف قدرك، واستكمل نقصك، ولا تكن كعائل مستكبر!إن الإسلام يكره كل خلق ذميم، ولكن كرهه للأوضاع الشاذة التي تنبت فيها هذه الأخلاق أشد، ولذلك جاء في بعض الآثار أن الإمام الكاذب والشيخ الزاني والعائل المستكبر أبغض إلى الله من غيرهم، لأن الظن في هؤلاء أن يكونوا أبعد الناس عن هذه الخصال الخسيسة، ولكنهم أبوا إلا أن يتلوثوا بما تلوثوا به.إن الكبر خلق قد يتجسد للناس في صور شاخصة، في مشية رعناء، أوعُشرة سيئة، قال تعالى عن قارون:(فخرج على قومه في زينته) وقال لقمان لابنه: (ولا تصعّر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور) وفي الحديث الصحيح (بينما رجل يمشي في حُلة تعجبه نفسه مُرجّل رأسه يختال في مشيته إذ خسف الله به، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة)، والعائل المستكبر ربما لا تسعفه ظروفه أن يخرج على الناس خروج قارون، لكنه ربما تلبّث بسلوك آخر أشنع منه، كأن يعتد -مثلا - بما عنده من معرفة وكسب ضئيل، فصاحب النفس المتعاظمة لا يرى أنه بحاجة إلى أن يأخذ عن أحد شيئا، وحسبه في ميدان العلم أن يسمع آيات الله تُتْلى عليه ثم يُصر مستكبرا كأن لم يسمعها، وإذا قُدِّر له أن يعبِّر عن موقفه فيما سمع ورأى فإنه لا يزيد على أن يقول(لو كان خيرا ما سبقونا إليه) أو يكتفي بإطلاق الدعاوى العريضة كلما فاجأته الحقائق(لو نشاء لقلنا مثل هذا.)إن هذه التصرفات التي تصدر عن كل عاطل مغرور، أو عائل مستكبر تكاد أن تكون سلوكا ماثلا عند كثير من الناس الذين يغلقون عقولهم على قناعات لا تستند على منطق صحيح، أو برهان ناصع، ولكنهم مصمّمون على التشبث بها، مهما بدا بطلانها.وأما المُخبِت المتضامِن فإنه لا يستنكف أن يأخذ عمّن فوقه ومن تحته حكمة وعلما، وقد قال موسى كليم الله لعبد من عباد الله الصالحين:(هل أتّبعُك على أن تعلِّمن مما عُلّمت رشدا)

3236

| 28 يونيو 2015

تجارة الأزمات

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); لم تعد مواجع البؤساء والمنكوبين تبعث على الحزن، والإحساس الصادق بالمعاناة، ربما بسبب كثرة الأزمات التي تتابعت على البشرية كتتابع القطْر، فألف الناس –لاسيَّما في عالم الإسلام- مناظر الدمار، وشلالات الدماء، وصور المآسي من كل جنس، والألفة كما يقولون تورث بلادة الحس، وتعطل نعمة التفكير، وهذه حالة من أسوأ الأحوال التي يمكن أن يبتلى بها إنسان.الأحوال السيئة شأنها شأن بعض الفيروسات التي تهاجم الجسم، ثم تأخذ أشكالا من التطور يحار فيها الأطباء، فتطورت حالة الجمود تجاه مآسي الآخرين، إلى حالة متحركة وهي تحويل هذه المآسي والأزمات إلى تجارة عالمية يتنافس فيها التجار تنافسا محموما، يزيد الربح وينمي الثروات، بعد أن فتح الغرب شهيتهم بكثرة العرض وتنوع البضائع! فوجد كل صاحب حرفة وعاطل من الناس مكانه في هذا السوق الرائج.أما المنظمات الدولية التي تعمل من أجل الإنسانية وتخفيف معاناة الجائعين والبائسين، أو هكذا زعموا، فقد أحسنت استغلال ما أتيح لها، ووظفت ببراعة كثيرا من مشكلات الناس وأزماتهم إلى خدمة أجندة خاصة، والإحصاءات المنشورة تبين لنا كم هي نسبة الأموال التي تذهب لجيوب مديري هذه المنظمات، وزيادة أرباحها، مقارنة مع ما ينفق حقيقة على المشاريع التي جمعت هذه الأموال باسمها، جاء في كتاب (سادة الفقر) لمؤلفه جراهام هانكوك أن برنامج (الجوع الأميركي) تسلم هبات تصل إلى سبعة ملايين دولار في عام 1985، لم يصل منها سوى ربع مليون دولار فقط للدول المنكوبة، وما نشاهده في بلادنا هذه من عربات فارهة وأبنية فخمة وإمكانات مهولة للمنظمات الدولية ووكالات الغوث الأجنبية ماهي إلا صورة من صور المتاجرة بأزماتنا، لأننا نعلم يقينا أن هذه الجهود الضخمة والأموال الطائلة إذا قدر لها أن تنفق في العمل الإنساني لما بقي في هذا الكوكب جائع.وإن من أبشع أنواع الاستغلال لأزمات الناس، ما يقوم به الساسة الذين يخلقون هذه الأزمات ويخططون لها، ثم يجعلون منها سوقا للتكسب والتسلط والابتزاز، رأينا هذا في أزمة البوسنة، وأزمة دارفور، وغيرهما، والمصيبة أننا نخدع أنفسنا كثيرا حينما نصفق لؤلئك المجرمين الذين يتحدثون عن نكباتنا وهم صانعوها،ويقيمون المؤتمرات من أجل أزماتنا، ليزيدوها تعقيدا، ومع ذلك كله يجدون من قومنا من يثق فيهم ويظن بوعودهم وتباكيهم وابتساماتهم خيرا، يقول المسلم العظيم علي عزت بيجوفيتش وهو يملكنا عصارة تجربته مع المجتمع الدولي في مذكراته(لقد احتجت وقتا طويلا لكي أفهم أن الابتسامات والتحيات السياسية لا تعني شيئا حقيقيا على الإطلاق، فقد يبتسم إليك شخص ابتسامة عريضة تظنها مخلصة بينما هو يوقع عليك حكما بالإعدام) فمتى يدرك الذين يتشدقون بقرارات المجتمع الدولي أن هذا المجتمع لم يكن في يوم من الأيام نصيرا لنا في أي قضية من قضايانا.ولا تزال عبقريات التجار الكبار تتفتق وتتفنن في إحسان توظيف الأزمات، حتى أدخل سوقها الراقصون والراقصات، الذين تضاعفت أرباحهم وهم يرقصون فوق مآسينا،ويحتشد الناس لهم في حفلات ساهرة يدفعون أموالهم في بلاهة، ويبيعون دينهم في سخاء، ليرجع الراقصون والراقصات بعد ذلك إلى بيوتهم الفسيحة وفرشهم الوثيرة وثرواتهم النامية بفضل الغباء.

5449

| 27 يونيو 2015

نهاية الاعتدال

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); أزمع الغرب أمره على محاصرة الإسلام وإيقاف زحفه المتصاعد، وأعدّ لهذه الغاية من الأساليب ووسائل المكر الموصول ما لو وجّه لأيّ دين آخر لقضى عليه، ولكن الإسلام لما كان حقا- لا ريب فيه - استطال على الاجتثاث، وصمد أمام صولة الكفر وانتفاش الطغيان، ودفع هذا الصمود الإسلامي العجيب تيارا عريضا من دهاة الغرب ومفكريه إلى اعتقاد أن مواجهة الإسلام بالقوة العسكرية الضاربة أمر محكوم عليه بالفشل، وأن السبيل الأقوم لمحاربة الإسلام يتمثل في بذل مزيد من الجهد الثقافي والفكري –المدعوم بالقوة والإسترهاب - لإحداث تحولات فكرية جوهرية في كيان الأمة تؤدي في نهاية المطاف إلى الانسلاخ عن الدين والقبول بثقافة الغازي...والتقرير الذي نشره معهد راند الأميركي -وهو مؤسسة بحثية تساعد الإدارة الأميركية على اتخاذ القرارات- كان واضحاً في دعوته للإدارة الأميركية بضرورة السعي لدعم تيار (الإسلام المعتدل) لتفويت الفرصة على أصحاب المشروع الإسلامي الذي يطرح نفسه بديلاً.وما خلص إليه تقرير معهد راند قبل عامين تقريبا هو عين ما ردده الكاتب الأمريكى المقرب من دوائر صنع القرار في إدارة بوش دانييل بايبس الذي أعلن قائلا في مؤتمر حاشد نظمه عمدة مدينة لندن شهر يناير المنصرم، وكان موضوعه (حضارة عالمية أم صراع الحضارات): "إن جهودنا يجب أن تنصب على تشجيع الإسلام المعتدل الإسلام الديمقراطي الليبرالي الذي يتعامل باحترام مع النساء والمثليين جنسيا! والملحدين وغيرهم"، وأعلن أن التيارات الإسلامية التي لا تعتمد هذا المنهج الاعتدالي! ستواجه بشراسة، ولن يسمح لها بالوصول إلى مقاليد السلطة سواء جاءت إليها بطريق ديمقراطي أو غير ديمقراطي!هذا الكلام الصريح الذي خلا من مجاملات السياسيين يدلنا على أن من خطط الإدارة الأميركية لمحاصرة الإسلام تكوين جيوب لها في الساحة الإسلامية تسبح بحمد أميركا وترضى أن تستجيب لكل ما يطلب منها، بل إنها قد تتجاوز هذه الحالة إلى ما هو أسوأ منها، فهذه الجيوب المصطنعة مهيأة إلى أن تقدم خدماتها قبل أن يطلب إليها ذلك، وأن تثبت اعتدالها المزعوم بالهجوم على الإسلام ذاته فضلا عن مشايخه ودعاته.وأنا هنا لا أسوق الكلام على عواهنه بل أوقفك أيها القارئ على مقولات لثلاثة أشخاص وصفها الكاتب الأميركي دانييل بايبس بأنها رموز الإسلام المعتدل الجدير بالحظوة والتبجيل وهم (وفاء سلطان) و(مجدي علام) و(سليم منصور).وهؤلاء الثلاثة تجمع بينهم روابط وثيقة، وهي:• الكره الشديد للإسلام.• التحريض المستمر على المسلمين.• الافتتان الأبله بالغرب.• الدفاع المستميت عن "إسرائيل".فوفاء سلطان رمز الإسلام الأميركي المعتدل تتساءل في وقاحة يحسدها عليها الأميركان فتقول: "لماذا تصر أميركا والغرب على تجاهل الحقيقة الدامغة بأن التعاليم الإسلامية هي المحرضة الوحيدة لكل عمل إرهابي يقوم به المسلمون؟"!!وأما مجدي علام الصحافي المقيم بإيطاليا فهو أسوأ الثلاثة موقفا في ظني؛ فقد اختار أن يجند قلمه لخدمة "إسرائيل" واسترضاء الغرب، وتحريضه على إسكات أي صوت للحوار مع المسلمين؛ ففي مقال له منشور يقول: "الغرب فشل بشكل متواصل في إدراك وضعه لأنه لا يفهم أنه يرزح تحت هجوم ويحاول إجراء حوار مع المسلمين الذين يهاجمونه".ويكفي مجدي خزيا أنّه بادر إلى انتقاد الدول الأوروبية التي نددت بالرسوم المسيئة للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم؛ لأنها ترى في ذلك الصنيع خروجا على التقاليد الداعية إلى احترام الشعائر الدينية، وأما مجدي علام الذي يزعم الإسلام فيراها حرية تعبير، وعلى الجاليات المسلمة التي تعيش في الغرب أن ترضى بكل ما فيه أو تغادر إلى حيث تريد، ولعلك لا تعجب إذا علمت أن حاصل هذه المواقف والمقالات التي سطرها هذا الصحافي كانت جائزة مالية قدرها مليون دولار قبضها مجدي علام بالمناصفة مع اثنين آخرين في تل أبيب بحضور كبار المسؤولين اليهود!وعلى طريق صاحبيه مضى سليم منصور المحاضر في جامعة أونتاريو بكندا الذي ملأ الدنيا ولم يفتر هجوماً على حركة حماس ودعا إلى إعلان الحرب عليها، بينما يبدي في كل مرة مشاعر المحبة والولاء والحرص على "إسرائيل"، ويدافع عن حقها في الوجود ضد أي تهديد. ولم يكتف سليم منصور بما آلت إليه أوضاع المسلمين من ضعف فدعانا بلا استحياء إلى أن ننتزع من نفوس أطفالنا الشعور بالكرامة! فكتب في مقال له بعنوان – نحن المسلمين علينا واجب – يقول: "لقد غرسنا في قلوب أطفالنا كرامة زائفة وأعطيناهم شعورا بتاريخ يتهاوى أمام النقد والتمحيص"!إن أصحاب (الإسلام المعتدل) الذين تبشر بهم أميركا أناس يريدون لنا أن نعيش بلا تاريخ ولاحاضر ولا مستقبل، يريدون لنا أن نعلن الهزيمة وأن نستسلم لإملاءات الغرب وما يريده منا، ولكن هل يتوقع هؤلاء النكرات أن أمّة بحجم أمة الإسلام دينا وثقافة وتاريخا ورجالا يمكن أن تفعل ذلك؟لقد رصدت مراكز الأبحاث التي اهتمت باتجاهات التدين في الغرب أنّ الشباب المسلم يزداد إقبالا على الإسلام بقوة أكثر من التي توجد عند آبائهم، وأن الشباب المسلم في الغرب بدأ يحس بانتمائه وهويته بصورة واضحة جدا بعد 11 سبتمبر، وهذه الإحصاءات مع شواهد أخرى هي دليلنا على أن مستقبل هذا الإسلام الأميركي المعتدل هو الفناء والسقوط مهما صنعت الولايات المتحدة من عمالات وبذلت من جهود.

445

| 26 يونيو 2015

الدعاة ومطالب البشرية

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); ظن أن الدعاة إلى الله قد فرغوا – ببركة الجهود الموصولة- من بيان أن الإسلام منهج حياة شامل ينتظم كل مظاهر الحياة، ويواكب سيرها وأسباب تطورها. وقد استطاع الفكر الإسلامي المعاصر أن يكسب الجولة في معركته مع العلمانية، وأن يهزم الفلسفة التي استندت عليها في صراعها الطويل مع هذا الدين حتى لم يعد لها في قلوب الناس ومشاعرهم بريق يذكر!وانتصار الفكر الإسلامي في معركته مع العلمانية (في العالم الإسلامي) لا يعني نهاية المطاف، بل هو بداية لمعركة أطول، هي معركة العمل لتحقيق مطالب الناس في الواقع، فعالم اليوم له مطالب مشروعة يتطلع لها فهو يتطلع لحياة تسود فيها قيم الحرية والعدل والمساواة، ويتطلع عالم اليوم للتقدم الحضاري والرقي المدني، كما أنه يتطلع أيضا لحياة آمنة تنقذه من شقوته وما يعانيه من قلق ويأس واضطراب. ونحن المسلمين نستطيع أن نجيب عن كل هذه المطالب بكلمة واحدة وهي (الإسلام)، لأننا موقنون أن الإسلام -بعقيدته وشريعته وعوامل سعته ومرونته- قادر أن يحقق كل مطلب مشروع للإنسان في هذه الحياة، وما جاء الإسلام إلا لإسعاد البشرية.ولكن القضية ليست بهذه البساطة التي نطرحها بها، وقد لاحظ النقاد أن خطبنا ومقالاتنا وكتاباتنا الإسلامية التي حاولت أن تجيب عن الأسئلة المطروحة حول أسباب انحطاط المسلمين، وتراجع دورهم، وتضعضع حضارتهم، تبسط القضية تبسيطا مخلا، فقد اتفقت كلها على أصل الداء وهو البعد عن الإسلام، كما اتفقت كلها على الدواء الحاسم وهو العودة إلى هذا الدين بجماله وكماله وفهمه الصحيح، ولكن هل أجدانا هذا الاتفاق شيئا؟ ولماذا لم يتحقق المشروع الإسلامي الذينبشر به بعد أن أدركنا سبب العلة وسر النهوض؟ إن الذي نحتاجه حتى يتحقق هذا المشروع هو أن ينتقل الجهد الدعوى من دائرة التنظير إلى دائرة التجريب، ومن التقرير إلى التطبيق بحسب القدرة والإمكان، ولا يكن حالنا بمنزلة من يدعو المريض ليصح، دون أن يقدم له الدواء.إن المسارعة لتقديم النماذج العملية لمطالب البشرية اليوم - وأمتنا جزء منها- هو الجهد الذي يجب أن تنصرف له همة الدعاة، فالناس مجبولون على التعلق بما يرونه ماثلاً في حياتهم، مجسدا في واقعهم، وقلَّ أن يتمسكوا بشيء غير معهود، أو يتأثروا بموعظة مجردة عن التطبيق، فالأفكار وحدها لا تصنع الحياة، ولا تنهض بالإنسان، وهذا هو السر في أن الله تعالى أنزل الكتاب، وأرسل الرسول الذي يتحرك بهذا الكتاب، ويمشي به في الناس، ليجرد من نفسه أسوة حسنة؛ يتحقق بها الإصلاح، وقد قرن نبي الله شعيب عليه الصلاة والسلام بين القدوة الحسنة - التي تتبع القول بالعمل- وبين الإصلاح الذي يدعو إليه؛ فقاللقومه:(وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما ، استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب) سورة هود 88 ولذلك كانت الرسل ترد على الذين يتشبثون بتقاليد الآباء بأنهم يملكون بديلا أفضل مما عندهم من دين باطل، ومعتقد فاسد (قال أوَ لو جئتكم . بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم)الزخرف 24 فالشاهد أن تراخي الدعاة أو عجزهم عن تقديم بدائل تحقق مطالب الناس سيكون له أثر واضح في فشل الفكرة التي يدعون الناس إليها،ومن أكبر الأخطاء التي صحبت بعض حركات التصحيح الإسلامي أنها لم تولي هذا الأمر حقه من الاهتمام، واكتفت بنقد الواقع الفاسد دون طرح عملي لما يريدون له أن يكون شاخصا في حياة الناس من معان وقيم، وإن كنا لا ننكر أن أعمالا دعوية كثيرة قد بدأت تتجه هذه الوجهة بيد أن المشوار أمامها طويل ولكنه على أي حال أجدى للأمة من الشعارات الفضفاضة والتغني بالأمجاد الآفلة.

250

| 25 يونيو 2015

بين العاطفة والتدين (2-2)

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); ظن كثير من الناس أن جمود العاطفة وقسوة الطبع دليل على اكتمال الرجولة والدين ويتصورون أن المسلم الكامل رجل له قلب حديد لا يرق لفراق حبيب أو يبكي لموت عزيز.وذلك على حد قول الآخر:يُبكَى علينا ولا نبكي على أحد..... لنحن أغلظ أكبادا من الإبل!وأذكر أن الوالد حفظه الله لما احتسب ابنته أميرة وهي بنت ثلاث بكاها بكاء مرا فقالت له إحدى النساء حتى أنت يا فلان تبكي، فقال في مرثيته: قالت أتبكي يا فلان وما درت...أن الفؤاد ممزق يتخددماذا عليَّ إذا بكيت وإنني...لك يا (أميرة) واجم أستنجدولقد بكيت وما اشتفيت وإنني...بك يا (أميرة) واجد أتجلدأبدي التجلد تارة فيخونني جلَدي.....فأسفح عبرة تتوقدإن قلت أصبر طالعتني بسمة....من طيف وجهك بالبراءة تشهدأو قلت أسلو يا(أميرة) زارني.....نغم تسامى في الهوا يترددوالحق أن الشعور الرقيق والعاطفة الجياشة والحس المرهف خصال تنتعش في ظلال التدين الصحيح، فعلاقة المسلم بربه لا تقوم إلا على عاطفة صادقة ومحبة خالصة (والذين آمنوا أشد حبا لله) (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين) (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما) الحديث، فالمسلم يتقرب إلى الله ويتودد إليه ويقف بساحته وهو مفعم بشعور المحبة لله والرغبة في طاعته، بل لا يجد الصالحون أنسهم إلا في ذكر الله (وجعلت قرة عيني في الصلاة) وقد كان من أسلافنا من يقول(إنه لتمر علي لحظات يرقص فيها قلبي طربا من ذكر الله فأقول لو أن أهل الجنة في مثل هذه الحال إنهم لفي عيش طيب) وربما انقلب هذا الطرب إلى حزن عميق وحرج وضيق إذا أحس هذا القلب المرهف بالتقصير في جنب الله (وعلى الثلاثة الذين خُلِّفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحُبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله تواب رحيم) ويبلغ الشعور الرقيق مبلغا يحمل صاحبه على الحزن لا بسبب التقصير في حق الله ولكن بسبب العجز عن التنافس في طاعة الله (ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلتَ لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون)وإذا كانت العاطفة ترقق القلوب، فإن العلم واتساع العقل لا يأتي -كما يتصور فريق من الناس - خصما على هذه العاطفة بل يزيد من نداوتها، وقد حدثنا القرآن الكريم عن أثر المعرفة –سواء كان مصدرها الوحي أو الكون – على القلوب والمشاعر فقال سبحانه عن وفد أهل نجران(وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين) وقال (قل آمنوا به أولا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمعفولا ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا) وفي سورة فاطر حديث عن آيات الله الكونية التي تورث المعرفة بها القلوب خشية لله وخشوعا لعظمته(ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء) وهذه الآيات وأمثالها في القرآن تدل على أن الإيمان الصحيح يحول المعرفة في حس المسلم من قضية نظرية مجردة إلى شعور نفسي غامر يلهب العواطف ويحرك القلوب (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار) ومن هنا كان الدين قرين العاطفة فكلما زاد الدين في القلب ربت العاطفة وأنبتت من كل زوج بهيج، أما قال النبي صلى الله عليه وسلم (أتاكم أهل اليمن أرق الناس أفئدة، الإيمان يمان والحكمة يمانية)؟ أما أعلمنا الله أن آية التدين الصحيح قلب يحنو على بائس ويرق ليتيم ويرحم الأرملة والمسكين قال تعالى (أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين)فالقلب الرحيم قريب من الله قريب من الناس (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) ولما كان قلب النبي صلى الله عليه وسلم أرحم القلوب وأبعدها عن الغلظة والفظاظة تعلقت النفوس بحبه وعمرت المجالس بذكره وسارت القصائد بمدحه، وقد نقلت لنا كتب السيرة مواقف حاشدة تجلت فيها آثار رحمة النبي صلى الله عليه وسلم الحانية وعاطفته المشبوبة التي وسعت الناس والطير والدواب فعن عبد الله بن مسعود قال(كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق لحاجته فرأينا حمرة (طائرا صغيرا) معها فرخان فأخذنا فرخيها فجاءت الحمرة فجعلت تفرش (ترفرف بأجنحتها) فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال من فجع هذه بولدها ردوا ولدها إليها)وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال كنا في صدر النهار عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء قوم عراة مجتابي النمار (ثيابهم ممزقة) متقلدي السيوف عامتهم من مضر بل كلهم من مضر، فتمعر(أي تغير) وجه النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة فدخل ثم خرج فأمر بلالا فأذن وأقام فصلى ثم خطب فقال تصدق رجل من ديناره من درهمه من صاع بره من صاع تمره حتى قال بشق تمرة فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه أن تعجز عنها بل قد عجزت ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مذهبة) الحديث رواه مسلم هذه هي العاطفة التي يبعثها الدين في القلوب، عاطفة ترى البؤس على الوجه فترق وترى الخير يتنزل فتهش له وتتهلل، ولا تقف عاطفة المسلم عند حد المشاعر النفسية ولكن تتحول كما رأينا في الحديث إلى عمل إيجابي ينمي الخير ويدفع البؤس.وخلاصة القول أن العاطفة فطرة مركوزة في النفوس، فالإنسان بطبعه يحن ويألف ويرتبط بما حوله من أشياء وتعتلج في صدره المواقف والذكريات، والإسلام لا يتنكر لطبيعة الإنسان وفطرته، ولا يحول بينه وبين التعبير الصحيح عن هذه العواطف وقد حزن نبينا صلى الله عليه وسلم لموت ولده إبراهيم وقال (إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع ولا نقول إلا ما يرضي الرب) وسمع عليه الصلاة والسلام وصف مكة من (أصيل) فجرى دمعه حنينا إليها وقال يا أصيل دع القلوب تقر. وكان بلال رضي الله عنه ينشد في المدينة - دار الهجرة- أبياتا يذكر فيها مكة ويعلن بصوت جهير شوقه إليها دون أن ينكر عليه أحد: ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة....بواد وحولي إذخر وجليلوهل أردن يوما مياه مجنة...وهل يبدون لي شامة وطفيلهذا وفي دواوين العرب شعر كثير متعدد المنازع والمشارب ينبئ عن ذوق رفيع وعواطف جياشة وكان الأدب الإسلامي حاضرا في هذه الدواوين ولعل من جميل ما قرأته في كتاب صفحات من صبر العلماء للشيخ العلامة المحقق عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله أبيات لأبي علي القالي الإمام الذي ألجأته الظروف إلى أن يبيع كتبه التي نسخها بيده فقال هذه المقطوعة التي تسيل رقة: أنست بها عشرين حولا وبعتها...لقد طال وجدي بعدها وحنينيوما كان ظني أنني سأبيعها....ولو خلدتني في السجون ديونيولكن لضعف وافتقار وصبية....صغار عليه تستهل شؤونيفقلت ولم أملك سوابق عبرتي...مقالة مكوي الفؤاد حزينيقد تخرج الحاجات يا أم مالك.....كرائم من رب بهن ضنينوللشاعر المسلم المعاصر عمر بهاء الدين الأميري قصيدة مطلعها(أين الضجيج العذب والشغب؟ … أين التدارس شابه اللعب؟) وفيها يصور سفر أولاده الصغار إلى حلب وما أثار في نفسه من عواطف فكان مما قال: دمعي الذي كتمته جلدا …. لما تباكوا عندما ركبواحتى إذا ساروا وقد نزعوا …من أضلعي قلبا بهم يجبألفيتني كالطفل عاطفة....فإذا به كالغيث ينسكبقد يعجب العذال من رجل… يبكي وإن لم أبك فالعجبهيهات ما كل البكا خور...إني وبي عزم الرجال أب

1954

| 24 يونيو 2015

بين العاطفة والتدين (1-2)

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); ظن كثير من الناس أن جمود العاطفة وقسوة الطبع دليل على اكتمال الرجولة والدين ويتصورون أن المسلم الكامل رجل له قلب حديد لا يرق لفراق حبيب أو يبكي لموت عزيز.وذلك على حد قول الآخر:يُبكَى علينا ولا نبكي على أحد..... لنحن أغلظ أكبادا من الإبل!وأذكر أن الوالد حفظه الله لما احتسب ابنته أميرة وهي بنت ثلاث بكاها بكاء مرا فقالت له إحدى النساء حتى أنت يا فلان تبكي، فقال في مرثيته: قالت أتبكي يا فلان وما درت...أن الفؤاد ممزق يتخددماذا عليَّ إذا بكيت وإنني...لك يا (أميرة) واجم أستنجدولقد بكيت وما اشتفيت وإنني...بك يا (أميرة) واجد أتجلدأبدي التجلد تارة فيخونني جلَدي.....فأسفح عبرة تتوقدإن قلت أصبر طالعتني بسمة....من طيف وجهك بالبراءة تشهدأو قلت أسلو يا(أميرة) زارني.....نغم تسامى في الهوا يترددوالحق أن الشعور الرقيق والعاطفة الجياشة والحس المرهف خصال تنتعش في ظلال التدين الصحيح، فعلاقة المسلم بربه لا تقوم إلا على عاطفة صادقة ومحبة خالصة (والذين آمنوا أشد حبا لله) (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين) (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما) الحديث، فالمسلم يتقرب إلى الله ويتودد إليه ويقف بساحته وهو مفعم بشعور المحبة لله والرغبة في طاعته، بل لا يجد الصالحون أنسهم إلا في ذكر الله (وجعلت قرة عيني في الصلاة) وقد كان من أسلافنا من يقول(إنه لتمر علي لحظات يرقص فيها قلبي طربا من ذكر الله فأقول لو أن أهل الجنة في مثل هذه الحال إنهم لفي عيش طيب) وربما انقلب هذا الطرب إلى حزن عميق وحرج وضيق إذا أحس هذا القلب المرهف بالتقصير في جنب الله (وعلى الثلاثة الذين خُلِّفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحُبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله تواب رحيم) ويبلغ الشعور الرقيق مبلغا يحمل صاحبه على الحزن لا بسبب التقصير في حق الله ولكن بسبب العجز عن التنافس في طاعة الله (ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلتَ لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون)وإذا كانت العاطفة ترقق القلوب، فإن العلم واتساع العقل لا يأتي -كما يتصور فريق من الناس - خصما على هذه العاطفة بل يزيد من نداوتها، وقد حدثنا القرآن الكريم عن أثر المعرفة –سواء كان مصدرها الوحي أو الكون – على القلوب والمشاعر فقال سبحانه عن وفد أهل نجران(وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين) وقال (قل آمنوا به أولا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمعفولا ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا) .

512

| 23 يونيو 2015

alsharq
جريمة صامتة.. الاتّجار بالمعرفة

نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما...

6639

| 27 أكتوبر 2025

alsharq
من يُعلن حالة الطوارئ المجتمعية؟

في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم،...

6495

| 24 أكتوبر 2025

alsharq
طيورٌ من حديد

المسيرات اليوم تملأ السماء، تحلّق بأجنحةٍ معدنيةٍ تلمع...

2697

| 28 أكتوبر 2025

alsharq
المدرجات تبكي فراق الجماهير

كان المدرج في زمنٍ مضى يشبه قلبًا يخفق...

2121

| 30 أكتوبر 2025

alsharq
الدوحة عاصمة لا غنى عنها عند قادة العالم وصُناع القرار

جاء لقاء حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن...

1701

| 26 أكتوبر 2025

alsharq
الدوحة عاصمة الرياضة العالمية

على مدى العقد الماضي أثبتت دولة قطر أنها...

1506

| 27 أكتوبر 2025

alsharq
منْ ملأ ليله بالمزاح فلا ينتظر الصّباح

النّهضة هي مرحلة تحوّل فكري وثقافي كبير وتمتاز...

1074

| 24 أكتوبر 2025

alsharq
التوظيف السياسي للتصوف

لا بد عند الحديث عن التصوف أن نوضح...

1023

| 27 أكتوبر 2025

alsharq
حين يوقظك الموت قبل أن تموت

في زحمة الحياة اليومية، ونحن نركض خلف لقمة...

1011

| 29 أكتوبر 2025

alsharq
كريمٌ يُميت السر.. فيُحيي المروءة

في زمنٍ تاهت فيه الحدود بين ما يُقال...

1011

| 24 أكتوبر 2025

alsharq
فاتورة الهواء التي أسقطت «أبو العبد» أرضًا

“أبو العبد” زلمة عصامي ربّى أبناءه الاثني عشر...

966

| 27 أكتوبر 2025

alsharq
طال ليلك أيها الحاسد

نعم… طال ليلك ونهارك أيها الحاسد. وطالت أوقاتك...

939

| 30 أكتوبر 2025

أخبار محلية