رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); ظلت النخب الفكرية والسياسية -في عالم العروبة والإسلام-تراهن منذ عقود متطاولة على أفكار ومبادئ ونظريات، تُعلَّق عليها الآمال وتبذل لها الوعود، حتى ترسخت القناعة بأنّ تلك المبادئ من اشتراكية وقومية وثورية وغير ذلك مما هتفت له الجماهير، هي السبيل المفضي بالأمة إلى الخروج من حالة التخلف إلى التنمية ومن التراجع إلى النّهضة ومن الهيمنة الاستعمارية إلى التحرر الوطني. وما هي إلا سنوات معدودات حتى كشفت الأحداث والأيام أنّ تلك الشعارات المرفوعة والحلول المستوردة ما هي إلا رهانات خاسرة. وبتصدع الاتحاد السوفييتي ونهاية الاشتراكية سطع نجم الديمقراطية مزهوا ببريقه الأخّاذ بعد أن توارت عن المشهد كواكب وشموس خلت الديار فسُدتُ غير مسوَّد ** ومن البلاءِ تفردي بالسُؤدَد خلت الديار وسقطت النظريات وغدت الديمقراطية عند كثير من المروجين لها والمتحمسين لنشرها هي الغاية التي ليس وراءها مطمح، ولا تزال كتابات المبجلين للديمقراطية في عالم العروبة تخترع لها من محاسن الأوصاف ما يجعلها في مرتبة المقدس الذي لا يجوز أن ينتهك أو يمس. والعجيب أن الديمقراطية التي تَهش لها القلوب ويراهن كثير من المثقفين على أنها مخرج محقق للاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية مشروعٌ مبهم في مدلوله ومعناه، لأننا وبمجموع التجارب التي خضناها -فضلا عن النقد النظري-نعلم أن الديمقراطية كلمة يمكن أن تفسّر اليوم على أي نحو تريد، فهي عند وكلائها من العلمانيين لا تعني حق الشعب في اختيار من يمثله ويرتضيه فهذه «ديمقراطية الشكل لا المضمون» أو هي « وهَم الديمقراطية لا حقيقتها». فحقيقة الديمقراطية -عندهم-لها مدلول واحد هو انتصار قيم الحداثة الغربية على أي مشروع آخر يطرح نفسه بديلا، وعليه فالكائن المتولد عن الديمقراطية يجب أن يكون مخلوقا لا يمت للأمة المسلمة ولا إلى تاريخها وتراثها بصلة، وقد تساءل كاتب علماني مذهولا من نتائج الانتخابات والاستفتاءات في تونس ومصر بعد ثورات الربيع العربي «كيف تتحقق الديمقراطية -فهماً وتطبيقاً -في مجتمع ما زال المُكوِّن الأساسي للوعي فيه ينتمي إلى زمن تقليدي عتيق، إلى ثقافة تقليدية بامتياز ؟!. كيف تتحقق الديمقراطية بلا ديمقراطيين؟ بل كيف تتحقق الديمقراطية بواسطة ثقافة مضادة -وليست محايدة فحسب-، بل ومناقضة للأسس التي ينبني عليها التصور الديمقراطي؟». ومن هنا فإنّ مشكلة الديمقراطية في عالمنا الإسلامي والعربي ليست في أدواتها وآلياتها فهذه وسائل يمكن التعامل معها بلا حرج، وإنّما مشكلتها في خضوعها لمرجعيات ومصالح خارجية تُقبل نتائج الديمقراطية على أساسها أو ترفض، فشروط الديمقراطية اليوم ليست صناديق انتخابات لها الحق في التقديم والتأخير وإنما شروطها التي يجب الوفاء بها إن أردنا لمجتمعاتنا أن تحكم حكما ديمقراطيا حراً! تتمثل في التشبع بقيم الحضارة الغربية ومفاهيمها حتى نكون مؤهلين لممارسة حقنا في الاختيار بعيدا عن المشاعر الدينية والتراث الماضوي !، وحينما تصل جماهير الأمة إلى هذه المرحلة الفاصلة يمكن للعملية الديمقراطية أن تنجح، لأن الناخبين وقتها سيذهبون إلى صناديق الاقتراع بأفكار ديمقراطية غربية، وبسلوك (ليبرالي) متفتح. فالديمقراطية التي لا تنتهي بنا إلى غاية تضمن للرجل الأوربي تحقيق مصالحه وتكريس التبعية له لا مكان لها في عالم اليوم، وقد آن الأوان لأمتنا وهي تمر بهذه المنعطفات الحادة أن تصارح نفسها بجملة من الحقائق بعيداً عن الوهم الذي ضللها عقودا من الزمان. وأولى هذه الحقائق أنَّ التدخلات الأجنبية التي تنشب أظفارها في جسدنا المثخن بالجراح، تتخذ من الديمقراطية وملفات حقوق الإنسان وحماية الأقليات وحماية الأسرة والطفل وتمكين المرأة وسائر الملفات الأخرى التي تغزو العالم كلّه عبر مشاريع الأمم المتحدة وبرامجها واتفاقياتها الدولية، تتخذ منها ذرائع لإحكام هيمنتها وبسط سلطانها وتأمين مصالحها، منتهزة ما توفره أوضاعنا الداخلية من مبررات وفرص توظفها الإمبريالية الجديدة خير توظيف. ومن هنا فإن المَخرج الذي يجب أن تتداعى إليه الأمة -ولو بتدرج مرحلي- هوالبحث عن خيارٍ ثالث صحيح الانتماء صريح الوجهة يدرأ عن الأمة آفات التيه والتقليد ويمنحها الحقَّ الكامل في أن تختار لنفسها من النُّظم والأفكار والمشاريع الجادة ما يحقق لها مصالحها وينسجم في الوقت ذاته مع دينها وهويتها وتراثها العظيم.
434
| 16 يوليو 2015
googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); قال لي صديق عزيز: معنى ذلك أنك تريد أن تحملنا على ما يطلبه المستمعون، قلت نعم، وهل في ذلك المطلب من بأس؟ ثم قلت لنفسي: ما بالنا نحن الذين نصف أنفسنا بالدعاة لا نلقي بالا لمطالب الناس وتطلعاتهم، بينما يعمل غيرنا على اكتشاف هذه المطالب وتلمّسها بكل الوسائل والأساليب، أما آن لنا ان ندرك أن من حق الناس علينا أن نستمع لهم ، وأن نوجد الأجهزة التي تصلنا بهم، وتطلعنا على مطالبهم .إن الدعوة إلى تلبية مطالب الجماهير دعوة مشروعة لا يجوز أن تحاصر بالخوف من الجماهير وما تمليه من ضغوط وأهواء على أهل الدعوة ، ذلك لأننا نتعامل مع الناس بمنهج معالمه محددة ، وضوابطه واضحة ، ولا مجال فيه لمجاملة على حساب الحق.،هذه واحدة، وأما الثانية فهي أن الدنيا لا تقوم على باطل محض، كما يتصورها بعضنا، فمطالب الناس ليست شرورا كلها ، فمنها ما هو مقبول لا يتناقض مع ديننا، ولا تترتب عليه مفسدة في دنيانا، فلماذا لا نجعل من هذا النوع - وهو كثير- طريقا لإبلاغ رسالتنا وإشعار العالم بأننا نملك بديلا أفضل مما يملكون.ومن جميل إشراقات المفكر المغربي الكبير علّال الفاسي قوله(إن من حسن حظ الإسلام أن كانت له المرونة الكافية التي جعلته يتمشّى مع سير الآلة النفسية للشعوب التي اعتنقته، وهكذا نجد في العالم الإسلامي تغايرا في طبائع الجماعات المسلمة ، وفقا لطبيعة الأرض التي تسكن بها، وأن ما يتراءى من هذا التغاير الملموس ينتهي في باطنه كله لهذا النموذج النفسي الإسلامي) وليته استشهد على كلامه هذا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها وقد أنكحت ذات قرابة لها رجلا من الأنصار، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال(أهديتم الفتاة) قالوا: نعم قال:(أرسلتم معها من يغني ؟ قالوا لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(إن الأنصار قوم فيهم غزل، فلو بعثتم معها من يقول أتيناكم أتيناكم فحيانا وحياكم).إن النماذج العلمية التي تجسد تقبل الإسلام لأنماط من مطالب الناس التي يعبرون بها عن ثقافاتهم وبيئاتهم ، أبلغ من ألف خطبة تشرح هذا الأصل وتفصله، ولذلك لما أراد رسولنا صلى الله عليه وسلم أن يبيّن لليهود أن دينه الذي جاء به هو دين السماحة واليسر لم يبعث لهم برسالة مكتوبة ، وإنما وقف موقفا عمليا يبرهن على صدق تلك الحقيقة.. روى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت(وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذقني على منكبيه ، لأنظر إلى زفن الحبشة - لعبهم- حتى كنت التي مللت فانصرفت عنهم. قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ (لتعلم يهود أن في ديننا فسحة ، وإني أرسلت بحنفية سمحة)وهذا هو التحدي الذي يواجه الدعاة اليوم كيف يمكن لهم أن يقدموا نماذج تتحرك بين الناس، وتريهم قدرة هذا الدين في معالجة مشكلات العالم ومطالبه المعقدة.
716
| 15 يوليو 2015
googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); لا ريب أن الفتن المتلاحقة المتمثلة في التحديات المادية والمعنوية التي تفرض نفسها على واقعنا المعاصر ، تحتاج منا نحن معاشر المسلمين أن نستكمل مجموعة من الخصائص النفسية والمعرفية ، ذلك لأن من عادة الأمم في أوقات تراجعها وانكسارها أن تبتلى بفقدان الثقة في نفسها ، وتستولي عليها عقد نفسية ومعرفية ، تحملها –كما يقول العلامة ابن خلدون – على الولوع بتقليد الغالب ، مع شعور نفسي بالوضاعة والعار. ومن هنا كان الطريق المفضي بنا إلى أن نعيش عصرنا ، بفضاءاته المعلومة ، ونحن في الوقت ذاته مستمسكون بأصول ديننا ومحكمات شرعنا ، تمثله معالم هادية منها :-1-الاستقلال الفكري الذي يقوم على بناء المفاهيم الخاصة بنا ،والتحرر من التبعية للغير، فنحن أمة توجب عليها مرجعيتها الدينية والثقافية ومصالحها الحياتية الدنيوية أن تكون مستقلة في نظرها ومفاهيمها، فلا تستجلب مفاهيم الآخر الحضاري التي صيغت لتعالج مشكلاته وتخاطب قضاياهليتخذ منها الناس –كما هو الحال-صنما يهيمون به ويعكفون عليه.لقد أوقع هذا القصور الذي نعانيه في ممارسة حقنا في النظر والنقد والاستدلال كثيرا من المنتسبين للثقافة في ورطة التقليد والاستعداد لتلقي الأفكار الوافدة دون كبير تمحيص أو تبصر، فنحن مع التنمية ضد التخلف ومع الديمقراطية ضد الاستبداد ومع المواطنة ضد الحيف ، ومع الحرية ضد الكبت، ومع حقوق الإنسانضد امتهانه، وننسى في غمرة حماستنا لهذه العناوين "التنمية"-"الديمقراطية"-"المواطنة"-"حقوق الإنسان" ، إيضاحَ المضامين التي تراد منها بحسب تصورنا لها، ذلك لأن الإشكالية التي تثيرها هذه العناوين ليست في بعض ما يفهمه الناس عنها، وإنّما في كونها محكومة بإطار مفاهيمي صنعه الغرب وفق مرجعياته ومصالحه، فالديمقراطية-مثلا- ليست مجرد آلية للوصول إلى السلطة، فهذه"ديمقراطية الشكل لا المضمون" أو هي بتعبيرهم "وهَم الديمقراطية لا حقيقتها" ، فالديمقراطية اليوم تعني عند أهلها ووكلاءها في عالمنا تصورا شاملاوفلسفةَ حياة لنوع القيم والثقافة التي يجب أن يتشبع بها المجتمع ليكون أهلاً لممارسة حقه الديمقراطي ، إذ لا يمكن أن تتحقق الديمقراطية -كما يقول بعض أنصارها–(في مجتمع لا زال المُكوِّن الأساسي للوعي فيه ينتمي إلى زمن تقليدي عتيق، إلى ثقافة تقليدية بامتياز ، كيف تتحقق الديمقراطية بلا ديمقراطيين؟ بل كيف تتحقق الديمقراطية بواسطة ثقافة مضادة -وليست محايدة فحسب-للأسس التي ينبني عليها التصور الديمقراطي).إنَّالجهد الفكري الذي يجب بذله اليوم هو التحرر من المفاهيم الوافدة من فضاءات أخرى،والاجتهاد في بناء المفاهيم التي يقوم عليها تصورنا نحن المسلمين للكون والحياة والعلوم، وإلا فإن مفاهيم الآخر ستكون بلا شك طوقا نضربهحول أعناقنا،ونكرّس به التبعية لغيرنا.
10846
| 14 يوليو 2015
googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); برغم كلِّ التهيج الإعلامي والتحريض العالمي الذي تمارسه دوائر مفضوحة النوايا تجاه الإسلام ومحاولة اتهام جماعاته ودعاته بالتطرف والعنف ، إلا أن السواد الأعظم الذي يمثل التيار الأساس في هذه الأمة يرد هذه التهم ويبرأ منها مستندا في ذلك على :(1)مرجعية إسلامية واضحة ترفض العدوان وتذمّ الغلو قال تعالى (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الممتحنة 8. (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ ) البقرة 190 (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)البقرة 143 (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ)المائدة 77 وفي الحديث الصحيح (إنَّ الدِّينَ يُسْرٌ ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا ، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَىْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ ) بل إن الإسلام ليدعونا حتى في حالات الصراع إلى استبقاء أسباب المودة في القلوب عسى أن يأتي على الناس زمان تتجتمع فيه النفوس على الود (عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً ۚ وَاللَّهُ قَدِيرٌ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) الممتحنة 7 . (2)كما يستند التيار الإسلامي الأساس في مدافعة التهم التي يوجهها إليه خصومه بإنتاج فكري كثيف يؤكد على : • أن الاختلاف الفكري والحضاري حقيقة من حقائق الحياة ، وسنة من سنن الاجتماع البشري لا سبيل لانكاره أو تجاوزه (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)التغابن 2• وأن الحوار بالتي هي أحسن هو السبيل الأجدى لتمحيص الحقائق وحل المشكلات• وأن التعايش السلمي بين الحضارات والثقافات والأديان أمر ضروري ، وممكن متى ما صدقت العزائم.• وأنّ غاية ما يطلبه الدعاة أهل الاعتدال والتوسط من الأنظمة الحاكمة أن تتيح لهم فرصة الدعوة والبيان والمشاركة في الحياة ليعرضوا بضاعتهم وأفكارهم على الناس، ويدعوهم بعد ذلك وما أرادوا (وَإِنْ لَّمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ) الدخان 21، وهذا المطلب الذي يبدو سهلا ومنطقيا وعادلا تنتصب أمامه عقبات كؤدد وتحاك ضده مؤامرات لأسباب معلومة. (3)ومن الحجج التي يبرر بها التيار الإسلامي العريض موقفه الرافض للعنف والغلو أنّ التجربة العملية أثبتت أنّ أجواء الحرية والسلم والموادعة التي يشيع فيها الأمن وتحفظ فيها الحقوق وتعظم فيها الحرمات هي أنسب الأجواء لتبليغ رسالة الإسلام وإظهار حجته.وقد علمنا من السيرة النبوية المباركة أنّ عدد الذين دخلوا في الإسلام بعد صلح الحديبية أضعاف عدد الذين كانوا فيه من قبل ، وهذا وجه من أوجه الفتح الذي وصف الله به ذلك الصلح المبارك، كما تطالعنا السيرة المباركة بمواقف كثيرة آثر فيها النبي صلى الله عليه وسلم تسكين العداوت وتأليف القلوب ودرء أسباب القطعية ، ومن ذلك قوله صلوات الله وتسليماته عليه يوم الحديبية (والذي نفسي بيده لا يسألوني اليوم خطة يعظمون بها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها) فأهل الإسلام المعتدل واثقون بإذن الله أن شيوع قيم الاستقرار وتعزيز المشتركات والتوافقات الجامعة مع المخالفين لهم ثقافيا وحضاريا لن تكون خصما على مشروعهم ، بل ستزيدهم قوة إلى قوتهم،والشواهد قائمة متواترة على أن الإسلام ينتشر اليوم في البيئات المستقرة أكثر منه في مناطق التوتر والنزاعات التي ربما تجد فيها مذاهب أخرى سوقا تتاجر فيه بالدماء والأشلاء!.(4)ومن الحجج الواقعية التي يسوقها تيار الإسلام العريض وهو يدفع عن نفسه تهمة التطرف والعنف ، أن الظلم والبطش الذي مارسته الانظمة المستبدة -وبمباركة من الغرب قطعا-على فصائل من التيار الإسلامي كان كفيلا بأن يشعل المنطقة كلها بالفوضى والتوتر والاحتراب إلا أن التيار الإسلامي العام عصمه الله من الانزلاق في وهدة العنف ، وألهمه حكمة تجاوز بها المرارات والخصومات ، إدراكا أيقن به أنّ السعي لهداية الناس والصبر على تعليمهم الخير أولى من حربهم وقتالهم ، فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا وَجَّهَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ إِلَى خَيْبَرَ وَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ ، فَقَالَ عَلِيٌّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا ؟ ، قَالَ : " انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلامِ ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَوَاللَّهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلا وَاحِدًا ، خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ
340
| 13 يوليو 2015
googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); حينما ينتكس العقل وتضطرب مسلماته تصبح التساؤلات التي يوردها والإشكاليات التي يثيرها منتكسة أيضا، وإذا أخذنا مثالا على ذلك بما أثاره المشركون من تساؤل مكرور حول الحكمة من بشرية الرسل عليهم الصلاة والسلام ( وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا)(الفرقان:7) والجواب على هذا السؤال المطروح واضح بيّن، يهتدي إليه مَن يعيد صيغة التساؤل ويضعها في إطار صحيح وقالب آخر، فلو أنهم –أعني المشركين- سألوا أنفسهم لماذا يريدون للرسول الذي يبلغهم كلمات الله ويربيهم بها، أن يكون من جنس غير جنسهم؟ وعلى شاكلة غير شاكلتهم؟ لأدركوا الحكمة الإلهية في اصطفاء البشر رسلا إلى الناس.والفكر الإسلامي المعاصر تواجهه تساؤلات، لم يعجز أن يجيب عنها، بل أفرط في الوقوف عندها وأطال الجواب عليها، وأحسب أن هذه التساؤلات إذا وضعت في إطارها الصحيح لما أخذت منّا كل الجهد، ولكان جوابنا عليها واضحا وحاسما، ولكننا رضينا بأن يطرح علينا السؤال بشكله الذي يحمل مضامينه العقلية التي أنتجته، ونجيب عليه بعد أن سلمنا بمشروعيته ووضعه الذي يرسخ لمفاهيم في غاية الخطورة.فكثيرا ما نسأل مثلا عن موقفنا من التراث وما الذي يجب علينا أن نأخذه منه؟ ونجيب على هذا السؤال ونحن في حال غفلة عن القضية الأساس التي نقاد إليها، وهي الحيادية تجاه تراث الأمة، وكأنه ماض لا يهمنا في قليل أو كثير، نتعامل معه كما نتعامل مع أي تراث أدبي أو فكري لأمة من الأمم الأخرى، وليس باعتباره مرجعا نستمد منه وننتفع به ونبني على أساسه.ومن التساؤلات التي شغلنا بها وما زلنا ندندن حولها: ما هو موقفنا نحن المسلمين من الآخر؟ هل هو موقف مواجهة وعداء ورفض وإقصاء أم موقف مسالمة وحوار وتعاون مشترك؟ والجواب على هذا السؤال لا يعز على أحد عرف الإسلام واتصل بتجربته التاريخية التي تفاعلت مع حضارات الدنيا، وحفظت حقوق الأقليات الدينية التي استظلت بظله، وتركت آثارا باقية تدل على عبقرية المسلم وكسبه الحضاري.والسؤال الأساس الذي كان ينبغي علينا أن نسأله لأنفسنا وللآخر الذي يحاصرنا بأجندته وإشكالياته هو: ما موقف هذا الآخر من الإسلام؟ لماذا تشن الغارات على المسلمين وتنتهك أعراضهم ومقدساتهم ويسفك دمهم بغير حساب، ويساء إليهم وإلى عقائدهم في كل محفل، ويصورهم الإعلام العالمي بأنهم قوم بربر متوحشون يقفون بطبيعتهم عقبة كأداء على طريق العيش المشترك والقيم الإنسانية الجامعة؟ وأنهم بسبب دينهم خطر داهم يتهدد الوجود البشري على هذا الكوكب؟ إن جواب الآخر على هذه التساؤلات المشروعة هو الذي يحل العقدة التي لم تفلح الأيام في حلها.إن الذي نحتاجه حتى يكون جوابنا على الإشكالات الفكرية والتساؤلات التي نواجه بها، صحيح أن ننطلق من مسلماتنا التي تحدد رؤيتنا للأمور، لا من مسلمات غيرنا التي نطالب دائما أن نبحث عن صيغة تمكننا من استيعابها والتعايش معها، فنحن مطالبون على سبيل المثال أن نتقبل قيم الحداثة الغربية التي تنادي في أدبياتها بتمكين المرأة ومساواتها بالرجل، وهذه الحالة المفروضة علينا وعلى العالم لا يجوز أن نحل إشكالها بإعادة إنتاج الأسئلة القديمة التي فرغنا من الجواب عليها، ما هو موقف الإسلام من المرأة؟ وكيف أنصف الإسلام المرأة؟ وما حكم تولي المرأة لمنصب الرئاسة؟ لأن هذه القضايا تطرح اليوم في غير أجوائها الطبيعية، وتخدم بوجه أو بآخر أهداف لا تمت إلى ديننا بصلة، وأذكر أنه لما قامت أمينة عبد الودود بإمامة رجال في الصلاة ثار بعض علماء المسلمين واحتجوا على بطلان إمامتها بالنصوص وكلام أهل العلم، بينما القضية لم تكن في أصلها قضية فقهية تحتاج إلى جواب من علماء الشريعة ولكنها قضية خروق للدين وخروج على تعاليمه باسم الحداثة ومقتضياتها، فهل ترانا ننتبه لمثل هذه الحيل؟!
698
| 12 يوليو 2015
googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); التخصص في الجزئيات سمة من سمات عصرنا، ذلك لأن المعارف التي كانت بالأمس فنا واحدا،غدت اليوم شُعَبا كثيرة وأقساما شتى يأخذ منها كل مريد بطرف. ولذلك فلا عجب أن يقل فينا من يمكن أن يصفه الناس بأنه عالم متبحر أو متقن متفنن.والتخصص الذي يؤثره أهل زماننا لا بأس به، إذا كان مصحوبا بسعة أفق، وإلمام عام ، وإلا استحال داء تتحجر بسببه العقول، وتتبلد الأذهان. وقد رأينا أناسا كثيرين قصروا معارفهم على جزء ضئيل من أجزاء المعرفة لا يحسنون غيره ، ولا يهتدون لسواه، فخرجوا من هذه الدنيا دون أن يسمع بهم أحد.والصيغة المثلى التي ينبغي أن نعززها في مناهج تفكيرنا ، هي أن يكون التخصص في العلم أو العمل أمرا مرغبا فيه، على أن لا يعني ذلك إلغاء الآخر أو الاستخفاف به .كما أن التخصص المعرفي لا يعني أن تقدم المعارف للناس وكأنها أمور متعارضة . فالمعرفة الصحيحة تتكامل ولا تتناقض ، وقد ألف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كتابه الذائع درء تعارض العقل والنقل ، وأبان فيه أن العقل لا يكمل إلا بالوحي ، وأن الوحي لا يفهم إلا بالعقل.ولا شك أن المشكلة التي عالجها ابن تيمية قديما لا تزال مشكلة من أعقد مشكلات العقل الإسلامي المعاصر الذي انقسم حول كثير من القضايا والمفاهيم انقساما حادا.وقد شهدت الساحة الإسلامية منذ أمة صراعا بين مدارس إسلامية كان الأولى بها أن تتعانق لتكتمل الحلقة المفقودة ، وينهض البناء المنشود ، ولكنها آثرت الصراع حول مفاهيم كان يمكن أن تؤلف بينها بقليل من الحوار الهادئ ، فهناك صراع شهدناه في باب الفقه بين أهل(المقاصد) وأصحاب(الفروع)، وصراع في أسبقيات العمل بين رجال(السياسة) ومشايخ (التربية)، وصراع في المرجعيات بين دعاة (التجديد)، أهل(الأثر)،وصراع في الفهم بين (الأصالة) و(المعاصرة)والحقيقة أن هذه الأجزاء التي تتصارع -أو يراد لها ذلك- مأخوذة كلها من الإسلام، ويستطيع كل فريق أن ينتصر لرأيه بحجة يستند عليها، فلا معنى إذا أن تتحول الروافد التي تنبع من أصل واحد وتتجه إلى مصب واحد إلى دعوات تفرق القلوب وتبلبل الأفكار.إن درء التعارض بين الأجزاء التي تكمل الصورة ،أمر مطلوب في حياة الأمة ، ذلك لأن هداية الله لا تتم لها إلا بذلك ، والأمة المسلمة ينقص رشدها بقدر نقصها من الصفات التي يجب أن تتمثلها في حياتها، ولربما قادها هذا النقص في الرشد إلى حالة ارتداد والعياذ بالله ، وقد قال تعالى- في سورة المائدة- محذرا المؤمنين من هذه العاقبة السيئة(يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأت الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين. يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم. إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون. ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون)
1697
| 11 يوليو 2015
googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); تجد البشرية اليوم نفسها مواجهة بأسئلة مصيرية ،وتحديات مثقلة ، ومشكلات متتابعة لا تزيدها الأيام إلا تعقيدا وجهالة بما ستتركه من آثار على مستقبل الحياة والكون والإنسان. ولا شك أن درء الشرور والآفات عن العباد عمل جليل لكنه مرهون بعقلاء الناس فهم الأبصر بعواقب الأمور ، والأقدر على استكشاف مواطن الخطر ولذلك قال لوط عليه السلام لقومه (أليس منكم رجل رشيد). وما تشكوه البشرية اليوم من تفكك اجتماعي وتسيب أخلاقي وتلوث بيئي يوجب على كل عاقل أن يسهم بدوره في إنقاذ الحياة الإنسانية من المصير المشؤوم الذي ينتظرها ما لم تدراك نفسها بالمعالجة والتصحيح. والمسلمون كقطاع عريض يعمر هذه الأرض مطلوب منهم أن يشرحوا للعالم حقيقة دعواهم في امتلاك تصور قادر على أن يقدم مشروعا مجديا ، يخرج الناس من التيه الذي يتخبطون فيه ، وأظن أن الخطوط العريضة التي تستند عليها دعوى المسلمين في امتلاك تصور صحيح منقذ يمكن أن نجملها في الآتي : أولا: الرسالة الإسلامية الحضارية رسالة تستمد قوتها وقدسيتها من دين محفوظ ووحي معصوم لم تمتد إليه يد البشر زيادة أو نقصا ، والله الذي أنزل هذا الدين هو الذي كون الأكوان وخلق الإنسان وعلم ما يصلحه وما يشقيه (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) ثانيا: الرسالة الإسلامية الحضارية رسالة تتعامل مع سنن الله الكونية تعاملا جادا مبصرا ، فهي تسايرها وتستعملها وتوظفها ولا تهمل شيئا منها أو تصادمها، وعليه فلا يتصور أن تقف السنن الكونية مغالبة لمشروع الإسلام الحضاري. ثالثا: الرسالة الإسلامية رسالة تنفتح على العقل البشري والحكمة الإنسانية ، وتعتقد أن هذا الإنسان مخلوق مبدع بما وهبه الله من قدرات وإلهامات وهدايات ، وواجبنا أن ننتفع بكل حكمة إنسانية متى ما ثبت بالدليل صوابها لا يضرنا من أي وعاء أو زمان صدرت. رابعا: الرسالة الإسلامية الحضارية رسالة عالمية تساير العصور والأمم وتتسع لكل المطالب وتستوعب أنماطا شتى من المعارف والأذواق والعادات. الرسالة الإسلامية رسالة إنسانية تعتني بكل ما يحقق صلاح هذا الإنسان وسعادته في معاشه ومعاده ، ودينه ودنياه. فهي توجب على الفكر الإسلامي أن يكون فكريا متعديا يتعلق بالآخر بغض النظر عن دينه ولونه وجنسه. ومن هنا كان صلاح هذا الإنسان قضية محورية في رسالتنا الحضارية ، فكل ما من شأنه أن يرتقي بإنسانية الإنسان وينميه هو جزء أصيل من واجباتنا التي لا نعذر بالتقصير فيها،وهي المساحة الواسعة التي نلتقي فيها مع كل صاحب نظر وفكرة ودين متحاورين في الأخذ بالأصلح ومتعاونين على المتفق عليه من أعمال البر عملا بقول الله جل وعلا (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) واقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال عن حلف الفضول وهو حلف إنساني قام في الجاهلية (لو دعيت إليه في الإسلام لأجبت). وتأسيسا على هذا المنطق فإننا - وبقدر ما نعترف لها بفوائد جمة - ننكر بملء أفواهنا ما جرته حضارة العصر على الإنسان من ويلات وشقاء ،بسبب ماديتها الطاغية فأي خير في تنمية تراكم الموراد والإنتاج وتهمل القيم والأخلاق ،وأي خير في تواصل يقارب بين العوالم الخارجية ويهدد في الوقت ذاته مؤسسة الأسرة بالفناء والبيئة بالخراب !.هذه خطوط عريضة تعزز من أحقية المسلمين في أن يتقدموا بمشروع حضاري متميز يسهم في الارتقاء بالحياة الإنسانية (تزكية وتنمية ، وروحا وبدنا) ، ولكن سيبقى السؤال الذي يبحث عن جواب مقنع هل يمكن أن يتجاوب عالم اليوم مع فكرة نظرية لا تتمثل في الواقع المعاش أو يكون لها حضور قوي في نفوس معتنقيها؟
350
| 10 يوليو 2015
googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); دلت التجارب الإنسانية على أن موالاة الأعمال، وتتابع الجهود، واطّراد البناء، سبيلٌ مفضٍ إلى تحقيق الأهداف وانتصار المبادئ، ومن طالع نهضات الأمم أدرك أنه ما من أمة نهضت بعد قعود، وقوي سلطانها بعد ضعف إلا كان لها نصيب وافر من تراكم الخبرات، وتتابع الخطوات، والسير نحو الغايات المرجوة بلا انقطاع أو انحراف.وهذه الحقيقة على بدهيتها لم تأخذ حظها من الرعاية عندنا، فأمتنا منذ سنين تعيش حالة من النقض وانقطاع التجارب، فكم من تجربة توقفت -مأسوفا عليها- بعد أن أثرت الساحة دهرا، وساهمت بجد في تشكيل وعي الأمة، وسارت بها أشواطا نحو غاياتها الكبرى.ولك أن تستعرض أيها القاري الكريم ثلة من المشاريع العظيمة التي ظهرت في واقعنا المعاصر، ثم آلت إلى الفناء والسقوط في زمن قياسي وجيز، أين مشاريع التكامل الاقتصادي والتوحد السياسي والتضامن العربي التي أطلقتها الأنظمة العربية ؟ وأين الاتفاقيات والمعاهدات المشتركة للدفاع عن القدس وانتزاع حقنا المسلوب في فلسطين؟ وأين الجهود الإسلامية والأعمال الخيرية التي جسدتها كثير من التجارب في ساحة العمل الإسلامي لِمَ تعثرت خطاها وتوقف عطاؤها أو كاد ؟ لقد كانت لنا بالأمس صحافة إسلامية ملء السمع البصر عبرت القارات وأثرت الساحات فأين هي اليوم؟ إن المقارنة بين مشاريعنا الجادة ومشاريع غيرنا من أعداء الأمة الكائدين لنا ولها توقفنا على الحقيقة المرة، وهي قدرة أؤلئك على الاستمرار وتطوير الأعمال حتى يصلوا بها إلى ما يريدون، بينما السمة الغالبة على مشاريعنا ما ذكرناه من آفات النقض والانقطاع.ولهذا الانقطاع الذي نشكو منه أسباب كثيرة يرجع بعضها إلى التآمر الخارجي، وأساليب الضغط التي أفضت إلى توقف كثير من المشاريع الجادة حتى على مستوى مراكز البحث ومعاهد الدراسات ودور النشر، غير أن هناك بعضا من الأسباب يرجع إلى طريقتنا التي ندير بها شأننا والتي لا تقوم في كثير من الأحيان على أساليب علمية تعزز المؤسسية في العمل، وتشجع روح الإبداع، وتفتح مجالا واسعا لتطوير الأفكار وتوريث الخبرات.إن البناء المؤسسي الذي يعترف بالجهود السابقة، ويكملها، ويصل ما انقطع منها سلوك يجب أن تتواثق عليه الأمة، شعوبا وحكومات، حتى لا ندور في حلقة مفرغة تبدد الطاقات، وتضيع النتائج الصحيحة التي بلغتنا بعد طول تجريب، لقد علمنا نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم كيف نتحرر من عقدة التجاوز للجهود السابقة، وقلة المبالاة بما أنجزه السابقون فقال عليه الصلاة والسلام :(مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل ابتنى بنيانا فأحسنه وأكمله إلا موضع لبنة في زاوية من زواياه فجعل الناس يطيفون به ويعجبون منه ويقولون ما رأينا بنيانا أحسن من هذا إلا موضع هذه اللبنة فكنت أنا هذه اللبنة) فأين جماعاتنا وحكوماتنا من هذا الهَدْي النبوي الكريم؟
318
| 09 يوليو 2015
googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); للعقيدة الإسلامية آثار عظيمة على سلوك معتقديها، ولا شك أن من أعظم هذه الآثار ما تبعثه العقيدة في النفس الإنسانية من طمأنينة ورضا، وما تسكبه من أمل ورجاء؛ (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب)؛ فالمؤمن الحق مطمئن النفس، هادئ البال، لا يستبد به القلب، ولا يستسلم لوساوس اليأس مهما اشتدت الخطوب أو تداعت النوازل، بل يتعامل مع صروف الدهر وتقلباته بنفس مطمئنة؛ لأنه يعلم أن هذا الكون لا يقع فيه شيء إلا بقدر من الله؛ (إنا كل شيء خلقناه بقدر).. وقد تواترت الآيات في تأكيد هذا المعنى وبيان أن ما شاء الله له أن يكن كان؛ (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم)، (ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم)، وكان من دعاء نبينا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم (اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ماض فيّ حكمك عدل فيّ قضاؤك).وقضاء الله على العباد يجري وفق سنن لا تتخلف في نظام هذا الكون، ومن أحسنَ فقهَ هذه السنن وراعاها تفتحت أمامه آفاق الرجاء والأمل الفسيح. ومن هذه السنن سنة التداول؛ قال تعالى (وتلك الأيام نداولها بن الناس)؛ فأحوال البشر في هذه الحياة لا تستقر على حال واحد، بل صعود وهبوط، وفقر وغنىً، وعافية ومرض، وحياة وموت، وهزيمة ونصر.. والقرآن الكريم حينما يقرر هذه الحقيقة لا يذكرها مجردة، وإنما يسوق لها الأدلة، ويضرب لها الأمثال حتى تكون يقينًا عند الموحدين؛ لا يتطرق إليها شك، أو يمازجها ريب.. فمن فكم من مكروب نجاه الله!، وكم من مريض شفاه الله!، وكم من ضال هداه الله!، وكم من عائل أغناه الله!؛ وما يقال عن الأفراد في هذا الباب ينطبق على الأمم والجماعات، وقد قص علينا القرآن الكريم أخبار الأولين، وذكر لنا أحوال الأمم السالفة؛ فرأينا أممًا عمرت الأرض، وبلغت الغاية في القوة والعمران، ثم مضت فيها سنة الله، وأخذها بعد أن فشا فيها الفساد؛ وحدثنا القرآن عن أمم مستضعفة سامها الطواغيت سوء العذاب، واستعبدوا شعبها أيما استعباد، ولكن ببركة الرسل والرسالات أذن الله لهذه الأمم أن تنهض من كبوتها وضعفها؛ وما هي إلا سنوات حتى نهضت، وقوى سلطانها، واستبحر عمرانها(وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون).إن القرآن الكريم يقص علينا هذه القَصَصَ حتى نعتبر بسردها، ومن أعظم هذه العبر الثقة في الله، والبراءة إليه من اليأس والقنوط؛ (قال ومن يقنط من رحمة ربه إلاَّ الضالون). وإذا كان هذا اليأس مذمومًا في كل موقف لأنه ينافي الدين، ويعطل نظام الحياة فإن أسوأ ما في هذا اليأس أن يتحول من حالة فردية تنحصر في آحاد الناس إلى حالة جماعية تصاب بها الأمة؛ فتنهار قواها، وينفرط عقدها.وواقع المسلمين يشهد أن الأم تخللتها فترات دب فيها اليأس واستحكم حتى انقطع رجاء المصلحين في الإصلاح، واستسلمت الأمة – حكامًا ومحكومين، ودعاة ومدعوين – لطالعها النكد، ووجد الخصم الفرصة مواتية؛ فجاسوا خلال الديار.. ولعل الفترة التي سبقت سقوط الخلافة العثمانية تجسد هذه الحالة بوضوح.فليست المصيبة في انهزام الأمة أمام جحافل الأعداء؛ فهذا أمر مكرور في التاريخ الإنساني، والهزيمة في ميدان المعركة على مرارتها أهون على الأمم من أن تنهزم في تصوراتها، ومقومات وجودها، وبقاءها، وأهون عليها من أن تستسلم للمنعطفات، وأن تظن في نفسها أن هذه هي نهاية المطاف، وقاصمةالظهر، ولذلك تنزلت الايات الكريمات بعد غزوة أحد تقول للمسلمين(ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين).
3373
| 08 يوليو 2015
googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); الوقوع في الخطأ أمر وارد، وشَرَك (بفتح الشين والراء) لا ينجو منه أحد، فالإنسان مهما علت رتبته لا يسلم من خطـأ يقع فيه، أو سهو يهجم عليه، ومن هنا كان دعاء المؤمنين (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) ولا شك أن هذه الأغلاط التي تقع في حياة البشر تتفاوت فيما بينها تفاوتا بعيدا، فالبون شاسع بين من يكون الخطأ في حياته أمرعارض يتجه إليه بالتصحيح، وبين من يكون الخطأ في حياته أصل متبع وسلوك دائم، قال تعالى(بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأؤلئك أصحاب النار هم فيها خالدون).إن تعامل الناس مع أخطائهم هو الذي يفرق بينهم، ويحدد مصيرهم، وأول ما يعلمنا له القرآن في هذا أن نكون أصحاب شجاعة نعترف بتقصيرنا، ونقر بأخطائنا في غيرما حرج ولا تلعثم، ومن أجل ذلك قص علينا القرآن توبة الأنبياء، فعلمنا أن رسله الكرام كانوا أول الراجعين إلى الله بالاعتذارعن ما قصروا فيه.والإنسان الذي لا يوطن نفسه على الاستعداد الكامل للإقرار بخطئه -إذا أخطأ -يكرس في حياته وحياة الناس سلوكا يقود إلى الهاوية، وينمي في الأمة والمجتمع ثقافة الالتواء التي تحرم الأجيال نعمة الانتفاع بتجارب السابقين، وأذكر هنا أنني استمعت قبل أعوام إلى حوار مع رجل من رجال الثقافة في بلادنا هذه، عاش فترة من شبابه عضوا نشطا في حزب يساري، وحاول المحاور أن ينتزع من ضيفه اعترافات صادقة عن تلك الفترة، ولكنه لم يفلح لأن الرجل كان حريصا على تبرئة نفسه، واستنكف أن يسجل إدانة لماضيه، وقال أنا لا أبصق على تاريخي!نعم إن الاعتراف بالخطأ ثقيل على النفس الإنسانية التي جبلت على الاعتداد بالرأي، والاغترار بالعمل، والاحتفاء بكل تجربة حتى لو كانت مع الشيطان!، وقد أخبرنا الله عز وجل في كتابه العزيز أن من الناس أناسا يتعاملون مع أخطائهم بمنهج تبريري عجيب، يختلقون الحجج والمعاذيرلكل تصرف وموقف(وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا) وإذا ثقل عليهم الحق أن يتبعوه قالوا (لو كان خيرا ما سبقونا إليه وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم) وإذا أرادوا أن يبطشوا بخصومهم، ويسفكوا دماء الصالحين من عباد الله قالوا كما قال فرعون عن موسى عليه السلام(إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد).إن هذا المنهج التبريري فلسفة قديمة ورثها الناس عن إبليس الذي عصى ربه، ولم يكتف بذلك، وإنما ساق لعصيانه مبررات وحجج كانت سببا في طرده من رحمة الله ( قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين. قال فاخرج منها فإنك رجيم)، وتواطأ على هذا السلوك التبريري كثير من الناس، فقل أن تجد إنسانا يقول إنه قدر فأخطأ، أو صمم فقصر، وحسبك أن تستمع لأي تقرير يقدمه مسؤول فستجد أن هذه النفسية التبريرية مستحوزة عليه، لأننا جميعا لم نتربى على منهج الاعتراف بالخطأ والتقصير.وجاءت العصبيات للأفراد والجماعات والأحزاب فزادت الطين بلة فأصبحنا نشاهد من يرى الخطأ البيّن الذي تقع فيه جماعته أو قيادته يغض الطرف ويسكت عن بيان الحق، بل يتعب نفسه ليجد لهذا الخطأ تبريرا مقنعا، وإذا عجز عن ذلك قال أخشى إن تكلمت أن أحدث في الناس فتنة!.
1022
| 07 يوليو 2015
googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); الواجبات التي تنظر - الأفراد والجماعات-كثيرة لا يملك الناس لها عدّا، ومن هنا كان النهوض بهذه الواجبات على وجه التمام والكمال أمرا متعذّرا في حياة الإنسان مهما أوتي من همة وقوة ونشاط. وإدراك هذه الحقيقة (البدهية) أمرٌ ضروريٌ لابد منه لتنظيم أوقاتنا بما يتناسب مع تخيّر واجباتنا الكثيرة المنتَظرة، فالوقت في حياة العقلاء من أهم محددات الأعمال والواجبات، وقد قال العارفون إن العبادات تتفاضل فيما بينها بحسب أوقاتها، فأفضل العبادات في وقت الجهادِ الجهادُ وإن آل إلى ترك الأوراد، وأفضل العبادات في أوقات المسغبة الاشتغال بمساعد المحتاج وإغاثة لهفته، والأفضل في وقت الصلوات المبادرة إليها وإيقاعها على الوجه الأكمل.فالشاهد أن الأعمال لا تعظم عند الله أجرا ولا عند النّاس أثرا إلا إذا وقعت في أوقاتها المناسبة لها، والمتتبّع لتاريخ نهضات الأمم يعلم أنّ الوقت الذي ظهرت فيه وقويت كان عاملا أساسيا وحاسما في نجاحها، فالدعوات لا يقوى عودها ولا تنتشر أفكارها إلا إذا كان الزمان مواتيا لها، وإلا فستظل تلك الدعوات (وإن كانت راقية المبادئ) مجرد أفكار باهتة لا تحرك ساكنا ولا تدب في أوصالها الحياة.إن الوقت الذي نتحرك فيه اليوم يوجب علينا أمران لا بد من تكاملها في أي مشروع نهضوي جاد.الأمر الأول: تحديد واجب الوقت (الأعظم) الذي ينبغي أن تلتقي عليه الجهود وتتآزر، وبدون هذا التحديد فإن كثيرا من أعمار الأمم والشعوب يمكن أن تضيع سدى، تنصرف في قضايا هامشية ليست بذات جدوى، إنّ القيادات التاريخية الفذة التي أحدثت التحولات الهائلة في حياة الشعوب لم تجلى عبقرياتها إلا بعد رسمت لنفسها أهدافا كبرى، عملت لها، وضحت في سبيلها، وجيّشت الأمم والشعوب لمناصرتها، وإن شئت أن تذكر في هذا المقام صلاح الدين الأيوبي أو محمد الفاتح من القيادات الإسلامية فافعل، وإن شئت أن تذكر غاندي أو هتلر فافعل. غير أن العجب لا ينقضي من أحوال زعاماتنا في عالمنا الإسلامي المعاصر أولئك الذين عجزوا عن تقديم مجرد رؤية سياسية ناضجة تحشد من أجلها طاقات الجماهير. وما نقوله عن الزعامات السياسية في وطننا ينطبق بوجه من الوجوه على جماعاتنا الإسلامية التي نعلق عليها آمالا عريضة في دفع مشروع النهضة خطوات إلى الأمام، ولنا ولغيرنا أن يسأل ما هو الهدف الأعظم الذي يمثل الحد الأدنى من قاعدة التعاون والالتقاء بينكم؟أيها السادة إن الوقت الذي نعيشه، والظرف الزماني الذي نتحرك فيه لن يدع لأمة ولا لجماعة لم ترسم أهدافها ولم تعرف حتى اللحظة واجباتها مكانا بين الناس مهما بذلت من جهود.وأما الأمر الثاني الذي يوجبه الوقت الحاضر فهو مراجعة تجاربنا الماضية لنرى ما يصلح منها لزماننا هذا، وما تجاوزه الزمن من أفكار وأساليب ومناهج فليس من الحكمة في شيء التمسك به أو الدفاع عنه.إن الشواهد الواقعية لتنطق بأن الجمود على صور وأشكال وشعارات لا تناسب الوقت ولا تتوافق مع ذائقة العصر أمر مؤذنٌ بالفناء أو الخمول، وإن ظنّه بعضنا ضربا من ضروب الثبات على المبدأ!.
1916
| 06 يوليو 2015
googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); زود الله الإنسان بخصائص نفسية وطاقات روحية ، تمكنه من السمو والترقي ، وتحرره من جواذب الأرض.ونحن نرى في حياتنا ونجد في أنفسنا نصيبا من وطأة هذا الحرمان حتى أنه لتأتي علينا أوقات نستثقل فيها العبادة ، ونتبرم بمن حولنا ، ونجد في قلوبنا قسوة. أما صاحب القلب الموصول فهو بخلاف هذا الحال ، يجد في صدره إنشراحا ، ولعبادته لذة ، ومع ربه شغلا وإنسا ، لقد كان العارفون فيما مضى يقولون : -(إذا وقعت في أل حميم- السور القرآنية التي تبدأ بالحروف: حاء ميم "حم"- وقعتُ في رياض دمثات أتأنق فيهن ) -(نحن في حال لو عرفها الملوك وأبناء الملوك لجالدونا عليها بالسيوف)-(ماذا يفعل أعدائي بي أنا جنتي في صدري) ونحن حينما نقرأ في كتب الأوائل مثل هذه العبارات ، وننظر في حالنا نجد أن بيننا وبين أؤلئك الرجال مفاوز بعيدة ،و مساحات لا تحد.لا تعرضن بذكرهم مع ذكرنا …ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد ومن السهل علينا أن نسوق لأنفسنا المعاذير وأن نعد المبررات التي قدمتهم وأخرتنا ، ومن الميسور علينا أن نقارن بين زمانهم وزماننا ، لنقول إننا نعيش في عصر إنتصرت فيه المادة على الروح ، ولو كنا في مثل زمانهم لفعلنا ما فعلوا، فنحن لم نجد على الحق أعوانا. ومع اعترافنا بأثر الزمان وسطوته على الناس ودوره في تشكيل سلوكهم ، إلا أننا نعلم أن المنهل الذي استقى منه أولئك الرجال لا يزال بين أيدينا عذبا زلالا ، وسائغا فراتا ، وما علينا إلا أن نرده لنجدد إيماننا ونبعث اليقظة في قلوبنا ، وحالنا اليوم ليس أسوأ فترات التاريخ التي عرفها المسلمون ، فما تزال بقايا الخير شاخصة في حياتنا ، ومساجدنا بفضل الله عامرة ،وجهود أهل الدعوة والإصلاح تثمر ثمارا طيبة ، وتكشف عن معادن في الناس خيرة. إن يقظة القلب هي السبيل الأوحد الذي يكفل لنا أفرادا وجماعات الوصول إلى ما نرجوه لأنفسنا من رقي وسمو، ولكن هذه اليقظة لا تتم إلا بوسائل نحتاج أن نكون جادين في الأخذ بها: 1-صدق اللجوء إلى الله ليعننا على بلوغ الرشد ، وللدعاء -لا سيما مع الإلحاح- بركاته المعلومة وآثاره المشهودة (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادي سيدخلون جهنم داخرين) 2-وقفات المراجعة والاستدراك التي تحول بين الإنسان وبين المضي في حياته لا يلوي على شيئ ، وأظن أن هذه هي العلامة الفارقة بين المسلم الجاد والآخر الذي لا يبالي بما اقترفت يداه (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون)3-الاستعداد النفسي لتقبل النصح ، وإشاعة ثقافته حتى يصبح سلوكا راسخا في حياة المجتمع المسلم ، فـ(المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهنون عن المنكر)، وفي الحديث الصحيح (الدين النصحية) فالمسلم الجاد يوطن نفسه على تقبل النصح والخضوع له والعمل بمقتضاه متى ما تبين له الحق وصح عنده صواب ما أهدي إليه، شعاره في ذلك(رحم الله رجلا أهدى إلي عيوبي)4-عدم الاستخفاف بمحقرات الذنوب ، فكثير من الناس يتستخفون بذنوبهم لأنهم يقارنون حالهم بحال أهل الكبائر ويقولون نحن في عافية ، وذنوبنا مع أؤلئك كقطرة في بحر ، وننسى في غمرة هذا الاسترسال الشيطاني أن معظم النار من مستصغر الشرر ، وأن الصغائر مع الإصرار عليها والاستخفاف بها هي سبب أصيل في كل النهايات المؤلمة، فالتحولات في حياة الناس لا تحدث بين يوم وليلة، وظاهرة الانتكاس والتراجع تبدأ بخطوات وئيدة ثم تتابع مسرعة حتى تورد صاحبها المهالك.
2669
| 05 يوليو 2015
مساحة إعلانية
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم،...
6300
| 24 أكتوبر 2025
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...
5079
| 20 أكتوبر 2025
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...
3777
| 21 أكتوبر 2025
يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...
2856
| 21 أكتوبر 2025
تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...
2511
| 23 أكتوبر 2025
القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى،...
1638
| 23 أكتوبر 2025
واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...
1563
| 21 أكتوبر 2025
جاء لقاء حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن...
1470
| 26 أكتوبر 2025
لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت...
1077
| 20 أكتوبر 2025
فيما يبحث قطاع التكنولوجيا العالمي عن أسواق جديدة...
990
| 21 أكتوبر 2025
1. الوجه الإيجابي • يعكس النضج وعمق التفكير...
984
| 21 أكتوبر 2025
في زمنٍ تاهت فيه الحدود بين ما يُقال...
960
| 24 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية