رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
عن الهوية مرة أخرى. هذه المرة عن محو الهوية. عن تجريد الإنسان من هويته، وجعله مجرد أرقام، على طريقة التعامل مع الحيوانات أو المساجين، الذين يُذكرون بأرقام وليس بأسماء. عن الهوية الرقمية التي إنْ فُرضت ونُفذت معها مُدن الـ 15 دقيقة، التي تسمى «سجن المجال الجغرافي»(Geofencing)، ستنطبق حرفيا فكرة «البينوبتيكون» (السجن الدائري التي شرحتها سابقا). قبل فترة أعلن عن فرض «الهوية الرقمية» بطريقة ملتوية. كيف؟ قيل إنه لن يُسمح لأي فرد أن يعمل إلا بالهوية الرقمية، وبالطبع، لا حياة بلا عمل. في كندا تصدر قوانين متتالية تؤدي للنتيجة نفسها. تمتنع المتاجر عن قبول النقود وتُلزم المشترين بالدفع بكروت الائتمان أي العملة الرقمية، وتلك هي الهوية الرقمية بطريقة أخرى. في أمريكا يتم الأمر بطريقة أخبث من خلال ما يسمى «الهوية الحقيقية» و»المحافظ الرقمية» التي تروجها شركات مثل «جوجل»، و»آبل». هذه تشمل هويتك الشخصية وجواز سفرك، وتعفيك من حمل الوثائق الورقية. هي تُقدم الآن كاختيار، كوسيلة للتسهيل والراحة، لكنها لاحقا ستصبح إجبارية. والحكومات لا تخفي نيتها لذلك بالفعل. السؤال الآن: لماذا يتحرك العالم، وتحديدا الغرب كله، في نفس الاتجاه؟ وبالتزامُن؟ هل الأمر مجرد مصادفة أم أنه مخطط، وينفذ بدقة وإصرار؟ لم يعد هناك مجال للشك في أن ما يحدث مخطط قديم، يُنفذ بذرائع كاذبة ومشكلات مصطنعة، أخبثها ما يسمونه مشكلة التصدي للهجرة غير الشرعية. فهم صنعوها، وتحت عباءَتها الواسعة الممتدة من أوروبا إلى الأمريكتين إلى أستراليا، تنفذ شركات الذكاء الصناعي، ومعها «بالانتير» و»أوراكل»، وأغلبها تابعة للسي أي إيه والموساد، برامج الناس حتى في نومهم، مثلما تنبأت رواية «1984». يقول المثل «الحدأة لا تلقي بالكتاكيت». وكذلك أعداء الإنسانية، الذين يمارسون دور الآلهة، ويقررون مستقبل البشر ومصائرهم. وأثبتت التجارب أن كل قانون أو سياسة سميت مجانية، أو للتسهيل، لم تكن لفائدة الشعوب، إلا مرحليا. وكانت جميعها تسير في طريق واحد؛ هو السيطرة التامة على البشر؛ سيطرة السيد على العبيد، وليس الحاكم على المحكوم، (شرحت سابقا كيف فسد العقد الاجتماعي منذ زمن طويل) وصولا إلى الهوية الرقمية. مثلا، ما تسمى سياسات التكافل الاجتماعي والرفاهية أو ما يعرف في الغرب بـ» ويلفير»- طبّقتها الحكومات الغربية قبل عقود لأهداف عدة. كانت سابقا لتحفيز الاستهلاك ودفع الاقتصاد. والآن، باتت من أهم خطط أجندة 2030 المعلنة! وتسعى الفاشية العالمية الجديدة (تحالف المال والسلطة) لتعميمها علانية تحت مسميات منها التنمية المستدامة، لإتمام السيطرة على البشر. هنا حالة عملية توضح أن الخطة قديمة وتنفذ بلا انقطاع بغض النظر عن تغير الحكومات والسياسات، ريتشارد كلوارد وفرانسيس بيفن زوجان أمريكيان تخصصا في علم الاجتماع والعلوم السياسية شرحا ذلك، من خلال ما سُمي «استراتيجية كلوارد-بيفن». أوضحا في مقال بمجلة «ذا نيشن» 1966، أن نظام الرعاية الاجتماعية صُمم أساسا لقمع الاضطرابات المدنية وإخضاع الفقراء، وليس للقضاء على الفقر. والهدف الدائم هو إثقال كاهل الحكومات، وإبقاء المجتمعات قائمة على عدم المساواة. وهذا يحول تلقائيا دون تحقيق العدالة المجتمعية ويجعل نطاق الاستعباد يتسع تدريجيا ليشمل الجميع، ويبرر الهويات الرقمية التي ستتحكم في مقدار إنفاقنا، وأين ننفق، وكم نأكل، وأين نأكل، وأين نعيش، ضمن نظام الائتمان الاجتماعي أو «النقاط العقابية». نفس الطريقة تُستخدم اليوم في العالم الغربي لإسقاط الغرب برمته. والإغلاق الحكومي الأمريكي الأخير، الذي تضرر منه ملايين المستضعفين، نموذج للانهيار القادم، الذي سيكون حجة لفرض الهوية الرقمية والعملة الرقمية، بحسب منظمات رسمية وحقوقية، منها «اتحاد الحريات المدنية» و»الخصوصية الدولية». يقول نيك بهاتيا البروفيسور والخبير المالي في كتاب بعنوان «طبقات المال»، 2025: «منذ الإمبراطورية الرومانية، استمدت أنظمة الحكم سلطتها وقوتها ليس فقط من السلاح، بل من سيطرتها على سك العملات». آنذاك كان التحكم في المال يتطلب جهوداً كبيرة لطبعه أو سكه ثم حفظه ونقله. الآن، في العصر الرقمي، سيتم التحكم في أموال العالم بضغطة زر، بحسب بهاتيا، الذي يرى أن المال الرقمي سيكون وسيلة سيطرة لدى الحكومات والبنوك المركزية أكثر منه مالا حقيقيا. وعندما يكون المال كله رقميا، لن تستطيع الناس استخدامه إلا بالهوية الرقمية، وبضغطة زر أيضا سيمكن محوه. هل يعني ذلك أن الأمل مفقود؟ ليس بعد. فقد تشكلت جماعات وحركات رفض وعصيان مدني في أكثر من بلد منها بريطانيا وأمريكا، مثل حركة «مقاومة النظام العالمي الجديد». كما أعلنت ولايات مثل مونتانا وفلوريدا رفضها الهوية الرقمية. وأول الرفض هو الوعي. لذلك أحسب أنه يجب أخذ الأمر بجدية، واعتباره خطرا حقيقيا وليس مزحة.. ففي ظل تلك الهوية الرقمية ستكون محتاجا لإذن أو تصريح في كل شيء تفعله. وأخشى أن يصبح أخذ نَفَسِكَ بتصريح. وهذه أيضا ليست مزحة. ففي كندا الآن محاولات لتخصيص المياه، وربما يتبعها الهواء. بل أخشى أن يصل الأمر إلى أن يُبتِّكوا آذان الإنسان، بعدما بتَّكوا بالفعل آذان الأنعام، انصياعا لأوامر الشيطان! وهذه بدورها ليست مزحة. فعندما تصبح لك هوية رقمية لن تختلف بالنسبة للنظام عن أي «شيء» آخر «كمي»، وأحسب أن تلك ستكون مرحلة «السايبورج» التي شرحناها سابقا، أو «ما بعد الإنسان». عندها سيمكنهم أن يحذفونا من الحياة كما يحذفون حسابات الفيسبوك وإكس ويوتيوب. ختاما، الشعار السائد في الغرب الآن هو «إذا اخترت الهوية الرقمية فسيكون ذلك خيارك الأخير»!.
273
| 02 ديسمبر 2025
الخوف؟ ما أدراك ما الخوف؟ على مدى عقود طويلة بعد الحرب العالمية الثانية ظل تعبير «سباق التسلح» يُقلق الجميع. كانت الشعوب أكبر المتضررين من نتائجه السلبية. ففي حال السباق المجرد تُستنزف الموارد بلا طائل. وفي حالة تفعيله حروبا تقليدية يعني الدمار والفقر والتخلف. وفي حالة تفجره حربا نووية يكون هلاك البشرية؛ ذلك الرعب الذي كانت تنعق به وسائل الإعلام، وخاصة خلال ما سمي بالحرب الباردة. لكن، وبمرور السنين، لم تحدث تلك الحرب النووية التي ما يزال الإعلام الغربي «يُخوِفُ» من قدومها بلا توقف. لم تحدث الحرب المهلكة للأخضر واليابس، وإنما حدث هلاك من نوع آخر «بطيء». إنفاق لا متناه على التسلح، وحروب تقليدية لا تتوقف، وفقر متزايد ومعاناة متفاقمة، وتخلف حضاري إنساني على مستويات عدة، برغم كل ما يبدو من تقدم تكنولوجي، لدرجة تجعل من المنطق القول إن السباق الحقيقي كان وما يزال سباقا نحو التخلف. العامل الأهم في «سباق التخلف» كان «صناعة الخوف» من القادم، بفزاعة سباق التسلح العبثي. فرغم نهاية الحرب الباردة المعلنة، لم يتوقف سباق التسلح. هذا ما يؤكده فريدريك وليام إنكدال في كتابه المهم «الهيمنة الكاملة: الديمقراطية الدكتاتورية في النظام العالمي الجديد»،(2022). بل هو يرى أن الحرب الباردة مستمرة بأشكال عدة. كما تؤكده الأرقام، فوفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، بلغ الإنفاق العسكري العالمي في عام 2023، وحده، نحو 2.5 تريليون دولار. بينما يقدر حجم الإنفاق العسكري العالمي منذ الحرب الثانية بنحو 75 تريليون دولار. هذا يطرح سؤالا مهما، ماذا لو كان المقصود من البداية، فعلا، هو السباق نحو التخلف وليس نحو الهلاك النووي الشامل، ولماذا لا يكون سباق التخلف جزءا من خطط أعداء الإنسانية، لإسقاط النظم والحكومات، لصناعة حكومة عالمية، طرحها ساسة ومتنفذون كثيرون بينهم جاستن ترودو رئيس وزراء كندا السابق المتهم بتحويل كندا إلى «دولة خوف». في بيئة الخوف تلك تتساقط يوما بعد يوم أجزاء من القناع الذي تتخفى وراءه النخب ممثلة في الشركات العالمية لتنصيب حكومتها الواحدة المبتغاة. يحدث ذلك من خلال سياسات وتصريحات كان أحدثها تصريح لأليكس كارب المدير التنفيذي لشركة «بالانتير» يزين فيه مزايا إنشاء نظام حكم «عالمي» يراقب البشر؛ أو «امبراطورية خوف»، ليس فقط من التسلح، بل من الفقر والجوع والوباء، والحياة ذاتها! أكثر من جسد حالة الخوف العالمية تلك في ثقافتنا العربية كان العبقري ثروت أباظة بقصته القصيرة «شيء من الخوف»، 1960، التي صورت كيف يمكن أن يتحكم أصحاب القوة في الناس لدرجة الاستعباد في مجتمع ما، في أي مكان، وأي زمان. ومنحها تحويلها فليما سينمائيا (1969) تأثيرا مضاعفا نتيجة الإسقاطات السياسية والأداء الفني والموسيقي. لكن سباق التخلف مقرونا بالتطور التكنولوجي «الخبيث» أكد أن «شيء من الخوف» لم يكن حالة تخص مجتمعا واحدا بعينه، وزمانا بعينه، بل حالة عالمية مدروسة وممنهجة ومستمرة. ولم يكن أباظة استثناء في تناول تلك الفكرة. فما أكثر الذين كتبوا عن استغلال الخوف وسيلة لتركيع الشعوب، عبر التاريخ، بداية من إيتيان دي لا بواسيه وماكيافيللي وهوبز الذين تحدثوا قبل نحو 5 قرون عن الخوف من الأذى الجسدي، وكونه وسيلة لإخضاع الناس لسلطة حاكمة. مرورا بأورويل وهكسلي و»هانا أرندت» الذين صوروا صناعة الخوف كـ»نظام» يسلب الإرادة. وصولا إلى مشيل فوكو الذي بلور أفكار من سبقوه في أن الخوف من الرقابة المستمرة يؤدي إلى الخضوع الذاتي. وتظل «أرندت» أكثر من عبر عن الحالة التي جسدها معنى «شيء من الخوف» بقولها إنه (في بعض المجتمعات يصبح «الخوف هو الهواء» الذي يتنفسه الجميع، عندما يتحول التخويف من مجرد وسيلة قمع إلى جوهر للنظام ككل)! وهذا ما تناوله بنيامين باربر في كتابه «امبراطورية الخوف: الحرب والإرهاب والديمقراطية»، قائلا إن الإمبراطورية الأمريكية تقوم على الخوف، تحت غطاء الديمقراطية. هنا لا يمكن إغفال أفكار نعوم تشومسكي الذي قدم أمثلة عملية على استخدام الإعلام في «صناعة الإذعان» والخوف فيما تسمى الدول الديمقراطية الليبرالية. ولعلنا نلحظ التطبيق العملي لملاحظات تشومسكي في حالة الإغراق اليومي عبر وسائل التواصل التقليدية والحديثة من معلومات تزرع الخوف في قلوب الجميع من «القادم»، وتؤدي إلى ما سماه ستيفين هوكينج «نهاية التفكير النقدي» والاستسلام للأمر الواقع، وسماه آخرون «الغباء المجتمعي». ومن هؤلاء المفكر البريطاني جون ريس المناهض للحرب وسباق التسلح وله دراسة بعنوان «عصر الغباء الجماعي». لكن السؤال الآن: هل هذا «القادم» المخيف أمر حتمي، أم أن تجاربنا مع التخويف «الزائف» الممارس علينا منذ عقود طويلة يفترض أن يجعلنا أقل خوفا وقلقا؟ قديما قال دي لابواسييه في كتابه «العبودية المختارة»،(1576)، لا يحتاج الأمر إلا إلى التوقف عن الخوف.. أن نقول «لا». وحديثا يقول تيموثي سنايدر في كتابه «عن الطغيان»، 2021، إن الطغيان يُصنع ببطء عبر تنازلات يتبرع بها الناس نتيجة الكسل السياسي أو الطاعة الصامتة، ويضيف أن مقاومة الخوف تبدأ بأفعال صغيرة. والتجارب تؤكد ذلك. فالخوف قد ينكسر بمواقف غير متوقعة. فكما كان ظهور ضعف أحد أفراد عصابة «عتريس» في «شيء من الخوف» مؤذنا بانهيار نظامه تدريجيا، يمكن أن يكون حدث مثل فوز زهران ممداني بعمودية نيويورك عاملا مساعدا على زوال سلطة الدولة العميقة التي تزرع الرعب في العالم، وتجعل «شيء من الخوف» حالة عالمية.
267
| 25 نوفمبر 2025
ما أكثر ما كُتب عن الهوية، ما هي، وما مواصفاتها وكيف تتشكل؟، وكأنها حلم سارح في الليالي المظلمات، أو وهم يجوب العقول الخاويات، أو سراب لا يصل إليه الظمآن حتى يجده ترابا أو حُلْما مات. الذين يبحثون عن الهوية هكذا لن يجدوها أبدا، لأن لا أحد يبحث عن الشمس وهي ساطعة في قلب النهار، ولا أحد يبحث عن الماء في وسط الأنهار، ولا أحد يبحث عن الدفء في وسط النار. الهوية باختصار، ومن وحي ما كُتب عنها، هي العلامة المميِّزة، أو السمت الواضح، أو ما يشتهر به الشخص أو الكيان أيا كان. ومن أهم شرائط تحققها الاستمرارية والشهرة. فلا هوية لحالة طارئة. ولا يمكن وصف هوية خفية. وعندما تعرف هوية خفية لفرد أو جماعة أو كيان تكون قد خرجت من الكتمان إلى العلن. مثلا، الكيان الصهيوني بات معروفا الآن في كل مكان في العالم بأنه «كيان إرهابي» مهما أنكر وحاول الإخفاء. وهنا تنقسم الهوية هويتين، واحدة حقيقية وأخرى غير حقيقية (مزورة، أو متخيلة أو مشوهة). وادعاء الهوية أو تخيلها لا يفيد. تماما مثل شخص مريض، وتبدو عليه كل أعراض المرض، ثم ينكر كونه مريضا. هنا لا يفيد نفيه عند من يرونه مريضا. أو كشخص يظن أنه ضخم وقوي وعظيم بينما يراه الجميع مجرد قزم. الهوية المشوهة أيضا لا تدوم ومصيرها التغير المستمر (سلبا وإيجابا). والهوية ليست بالضرورة شيئا تبلوره الكلمات والعبارات، ولا تحدده المراسيم والقرارات، ولا تعتمده الهيئات والمنظمات، بل يفرضه الواقع والتجليات. وعندما يتعلق الأمر بجماعة أو وطن أو أمة تتحدد الهوية من خلال سلوك الأغلبية مهما حاول البعض (النُخب مثلا) التلاعب بصفات وواقع تلك الأغلبية. فالهوية هي نبض الحياة في كل تفاصيلها. مزيج من الماضي والحاضر، من الواقع والتصورات، من الآمال والطموحات. لكن تتضح معالمها وتتحدد صورتها ويتبلور شكلها عندما تجد المساحة الكافية للتجسد، بلا قمع أو قهر يَسلب الحرية ويُخضِعُ للاحتلال. في هذا العالم الأسير لدى النُخب صار الفرد يُحتل كما تُحتل الدول. صارت الهوية الوحيدة المسموح بها هي «اللا هوية»، أو «الهوية الرقمية» لا فارق كبيرا (وهذه سنناقشها لاحقا).. فنحن البشر أو البشرية شعوب بلا هوية، أو هكذا يراد لنا. لأننا، شرقا وغربا، محتلون نفسيا وماديا. وأحسب أن سؤال الهوية ذاك يطرحه البعض بصدق أو سذاجة. ولكن يطرحه آخرون بخبث ومكر ودهاء. فلا يسأل عن شيء واضح وضوح الشمس إلا من يريد نفيه أو طمسه. واستغرب من الذين ما يزالون يصرون على استخدام كلمة «نحن» هكذا بلا ضابط، ويطلقونها جذافا على أمة بأسرها أو شعب بأكمله دون تمييز بين حاكميه ومحكوميه وبين مؤتمنيه وخائنيه، وإن كان حرا أو محتلا. ثم يطالبون الشعوب هكذا جذافا أيضا بالبحث عن هوية. وما ذاك إلا عملية استغباء أو جلد للذات على أحسن الفروض. فهل يطالَب العبد المحتل المقيد أو يخاطَب بـ «افعل ولا تفعل» إلا من صاحبه ومالكه. أليس من الضلال مخاطبة العبد وكأنه حر، ولومه وتقريعه على سلبيته وتقصيره. أليس من الإنصاف أولا تحريره من أسره بدلا من نصحه بالبحث عن هوية بينما هويته مسلوبة ومشوهة. ألا ينبغي قبل ذلك الاعتراف بأنه عبد ومحتل. على مر التاريخ لم تكن للعبيد هوية مستقلة. ولم يكونوا يُعرفون بأسمائهم المجردة وإنما بفلان عبد فلان. هم كانوا أتباع أسيادهم. وكذلك الخاضعون للاحتلال، ليست لهم هوية خاصة بهم. ولا أشك أن «الأسياد» عندما يجتمعون يذكرونهم كما كان يُذكر عبيد الماضي. ألم يحدث ذلك فعلا بعد «سايكس بيكو» وكان يشار إلى مناطقنا في الخرائط بعبارات «انتداب فرنسي» و»انتداب بريطاني»، وهكذا. أليست الليلة أشبه بالبارحة؟! هنا تتبلور الفكرة بين قوى تحاول محو الهوية، وشعوب يتوقف على وعيها مدى نجاح أو فشل تلك المحاولات. والذين ما يزالون يبحثون عن الهوية هكذا بلا تمييز ولا تدقيق، هم إما مغيبون أو عابثون. فالأمور باتت واضحة. قد تبين الرشد من الغي؛ لا هوية بلا حرية ولا حرية بلا مقاومة ولا مقاومة بلا تضحية. والتضحية لا تستثني الموت. قديما كانت الحرية تقيد بتوثيق الأيدي والأقدام. ولكن، في عصر الهوية الرقمية لم تعد القيود فقط على الأيدي والأقدام، ولكن على القلوب والعقول والأفهام. هنا تصبح الهوية الحقيقية هي الانعتاق والحرية. وهذه قد لا تُنال إلا بالموت لأجلها أو على الأقل الاستعداد للموت لأجلها. أوليس الذين ضحوا بأرواحهم في غزة كتبوا شهادة هويتهم بالموت؟. أوليس الذين بقوا هناك رغم يوميات الموت المعلن كتبوا هوياتهم بالاستعداد للموت؟. وليس في غزة وحدها طريق الموت هو طريق الحياة. والموت هنا ليس نهاية القصة، فهو الطريق إلى الحرية وتأكيد الهوية أو ما هو أفضل. وإذا كانت الهوية في أسمى تجلياتها لا تُنال إلا بالحرية، والحرية لا تنال إلا بالموت، أو بالاستعداد له، ألا تصبح الهوية هنا هي الموت، أو مرادفا له؟. لذا علينا أن نعيش على أمل الحرية على أمل الموت.
360
| 18 نوفمبر 2025
هل تذكرون إيجال عمير، وماذا فعل.. ولماذا؟ في الرابع من نوفمبر 1995 اغتيل رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين، الذي وصف وقتها بمهندس عملية السلام في الشرق الأوسط. في ختام مظاهرة دعم لاتفاقيات أوسلو (سبتمبر 1993)، قتل رابين بثلاث رصاصات أطلقها شاب يهودي لم يتجاوز عمره وقتها 25 عاما، وكان ينتمي لما يسمى اليمين المتطرف في المسرح السياسي الإسرائيلي. اغتيل رابين وهو يدافع ومؤيدوه عن السلام، الذي صنعه مع الفلسطينيين، في تل أبيب، وبأيدٍ صهيونية، وكان قاتله هو إيجال عمير. بينما كان العالم، وخاصة المهتمين بالقضية، يستعدون لتنفس الصعداء للخطوة الكبيرة التي تحققت على طريق إنهاء الصراع الطويل والمرير، كان هناك في إسرائيل ذاتها من ليسوا سعداء بذاك السلام- برغم كل التحفظات عليه من الجانب الفلسطيني العربي - ولا يريدون له النجاح ولا الاستمرار، ويعتبرونه «هرطقة». فكان عمير وكان اغتيال رابين ومعه عملية السلام التي لم ترَ أي تقدم حقيقي بعده. كان ذلك مصداقا لما أكده لي، في العام 1989، السير جيمس بالاسير، الرئيس الأسبق لمعهد لندن للدراسات السياسية والإستراتيجية، في حوار صحفي في مدينة سالزبورغ النمساوية. قال لي سير بالاسير على هامش ندوة دولية في أوائل سبتمبر من ذلك العام، إن إسرائيل لن تمنح العرب أي شيء حقيقي بعد «الدرس الذي تعلمته من اتفاقات كامب ديفيد بينها وبين مصر»، وأنهم باتوا يخشون السلام. في مشهد آخر أكثر خطورة وارتباطا هنا، كان أحد أكبر المتهمين بالتواطؤ والتحريض على اغتيال رابين هو نفسه بنيامين نتنياهو، زعيم المعارضة وقتها، مجرم الحرب الهارب من وجه العدالة الدولية، الآن، والذي يقود مسيرة الإرهاب الصهيوني منذ ذلك الحين وحتى الآن. عند اغتيال رابين كان نتنياهو يقود مسيرات تهتف بموت رابين، وتحمل حبل مشنقة، ونعشا رمزيا له. وكان ذلك وسط لقاءات، ظهرت له أخيرا فيديوهات، تجمعه مع حاخامات يطالبونه بفعل كل ما يستطيع للإسراع بقدوم المسيح المنتظر بحسب اعتقاداتهم. وبعد أشهر قليلة على اغتيال رابين تم انتخاب نتنياهو رئيسا للوزراء في يونيو 1996، ولم يترك الساحة السياسية منذئذ في مناصب مختلفة. في ذلك الوقت، وقبل أن تجف دماء رابين، ردد المتظاهرون المؤيدون للسلام اتهامات لنتنياهو بالضلوع في اغتياله، وحملوا لافتات تقول: «نتنياهو.. دماء رابين على يديك». وعلى مر السنين ظلت تلك الاتهامات تلاحق شيطانياهو. وكان من أحدثها اتهامات وجهتها ميراف ميخائيلي، رئيسة حزب العمل، أواخر العام 2022، لنتنياهو بالتواطؤ في اغتيال رابين، الذي تحل ذكراه الثلاثين خلال أيام. والغريب أن ميخائيلي أضافت إلى نتنياهو في قائمة الاتهام إرهابيا آخر في حكومته هو إيتمار بن غفير، الذي ضبط متلبسا وقتها، وكان لا يزال مراهقا، وهو يسرق شعارا من سيارة رابين قبل وقت قصير من الاغتيال. ثم يقول متباهيا لمراسل تلفزيوني: «لقد وصلنا إلى سيارته، وسنصل إليه أيضًا»، بحسب صحيفة «تايمز أوف إسرائيل». هناك في ذلك الوقت تشكلت في الكيان طبقة سياسية أو بالأدق «عصابة»، هدفها الوحيد هو تسريع عملية الإفساد في الأرض. ومنذئذ لا يزال إرهاب نتنياهو وعصابته من «الصهاينة الجدد» يتوسع محليا وإقليميا ودوليا، في إطار خططهم لتنفيذ ما يسمونه إسرائيل الكبرى، التي لا تخرج عن كونها جزءا من إفسادهم الثاني وعلوهم الكبير. فبالإضافة إلى ساحات ممارسة إرهابهم من غزة إلى الضفة إلى لبنان وسوريا وإيران، هناك ساحة أخرى لا يلتفت إليها كثيرون هي السودان. فبينما يواصل نتنياهو التلاعب باتفاق شرم الشيخ لوقف الحرب في غزة، يمتد إرهابه إلى السودان ويواصل تأجيج الحرب الأهلية فيها، إذ كشفت مصادر ليبية رفيعة أن عناصر الموساد تنتشر في الشرق الليبي من بنغازي إلى الكُفْرة لتقديم المساعدة لقوات المتمرد حميدتي. وليس ذلك بجديد، فخلال العامين الماضيين، أكدت مواقع إسرائيلية منها موقعا «واللا» و»هآرتس» ومواقع دولية منها «أكسيوس»، تقديم إسرائيل مساعدات عسكرية وتقنية، مباشرة، لقوات حميدتي، المسماة بقوات الدعم السريع، والذي أوكل لشقيقه عبدالرحيم دجلو مهمة التواصل مع الموساد، قام ضمنها، الأخير، بزيارات علنية لتل أبيب. هذا بخلاف الدعم الذي تقدمه إسرائيل لحميدتي عبر دول أخرى اتهمها السودان الرسمي علنا في المحافل الدولية وعلى رأسها مجلس الأمن. وكان أحدث تلك الاتهامات على لسان وزير المالية السوداني د. جبريل إبراهيم، الذي أكد أن ما حدث في الفاشر فاعله الحقيقي هو الغرب والصهاينة وأتباعهم. وبعيدا عن الاتهامات الرسمية أو المبطنة للكيان فإن طبيعة الجرائم التي ترتكبها عصابات حميدتي وحجمها وبشاعتها، لا تشبهها إلا جرائم عصابة شيطانياهو. والأمثلة على ذلك كثيرة بداية من دير ياسين وصبرا وشاتيلا، وغزة، والحبل على الجرار. وهذا كله فصل آخر من فصول تدخلات صهيونية كثيرة في السودان كان من أخطرها فصل الجنوب السوداني، في العام 2011. الخلاصة، أن قصة إيجال عمير وما تلاها من تصعيد الإرهاب الصهيوني الإسرائيلي، دائم الاستعار، لم تأتِ من فراغ، وإنما من قناعة أصيلة لدى هؤلاء الصهاينة بأنهم كالنار تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله. فما إن تتوقف حربهم على الخارج حتى تبدأ حربهم في الداخل فيما بين بعضهم البعض. وما أكثر ما قيل عن أن نهاية الحرب لن تعني لنتنياهو إلا أحد أمرين، إما السجن أو القتل، كما فعل برابين.. وكما تدين تُدان.
408
| 11 نوفمبر 2025
في أحدث أعدادها نشرت مجلة «فورين أفيرز» تقريرا مطولا بعنوان «اتفاق غزة ليس أكبر من أن يفشل» وعدد التقرير أسبابا كثيرة لاحتمالات فشل الاتفاق الذي وقع في شرم الشيخ المصرية أخيراً. ومن بين الأسباب التي ذكرها التقرير لترجيح احتمال فشل الاتقاق، أن نتنياهو، أو شيطان ياهو، وفي سعيه لتهدئة الجناح اليميني، في عصابته، وضمان بقائه السياسي، قد يميل إلى استئناف الحرب على «حماس» بعد انتهاء عملية إطلاق سراح الرهائن، والجثامين، وقد يعرقل وصول المساعدات الإنسانية المفيدة مرة أخرى. وقد يهاجم إيران مجددا لتحويل الأنظار عما يعتبره استكمال المهمة في غزة. وكل هذه بالطبع ذرائع محتملة بل ووارد استغلالها من قبل شيطان ياهو. لكن الذي لم تذكره المجلة في تقريرها وهو الأهم أن هذه هي عادة وطبع الصهاينة من ناحية وأن مشروع إسرائيل الكبرى، قد بدأ للتو يدخل مراحله التنفيذية الكبيرة أو شبه النهائية. أما عن خيانة العهود ونقضها فهذه باتت من البديهيات التي لا يجادل فيها إنسانٌ سويٌ حتى في بلاد الغرب والشرق البعيد بعدما أظهرت لهم عملية الإبادة الجماعية في غزة حقيقة هذا الكيان الشرير بأوضح ما يكون. ويكفي أن نذكر هنا فقط خيانتهم للعهد مع الله ذاته وجدالهم في أوامره وتحايلهم لتجنب الالتزام بنواهيه.. وللعلم فقد انتهك الكيان اتفاق وقف الحرب نحو خمسين مرة خلال الأيام العشرة التالية لتوقيعه مباشرة. وأما عن خطتهم الشيطانية الأكبر فهي تلك المتعلقة بالتوسع المتواصل الذي لن يقف حتى عند ما يسمى حدود اسرائيل الكبرى، التي يظن البعض أن الكيان قد تخلى عنها لمجرد اضطراره لوقف الحرب مؤقتا حتى يعيد بناء جيشه الذي مزقته المقاومة. فقد تبدو غزة مدمرة جغرافيا لكنها سليمة معنويا ونفسيا بانتصارها. وقد تبدو تل أبيب سليمة جغرافيا لكنها مدمرة معنويا بهزيمتها النفسية وخسارتها للحرب بالمقياس العسكري السليم. هذا مع الأخذ في الاعتبار أن الكيان لم ولن يعلن عن حجم الدمار الحقيقي الذي لحق بقدراته العسكرية والمدنية معنويا وماديا. تلك الخطة يتطلب تنفيذها كثيرا من الحروب، بحسب منظريهم، مثل بيرنارد لويس، ورالف بيتر وغيرهما، بل و»إراقة دماء كثيرة».. قدروها بالملايين. وعندما تنتهي فترة الاستراحة سيستأنف شيطان ياهو وعصابته محاولاتهم لتنفيذها. المؤسف أن هذه الخطة قادمة لا محالة ولا يجدي معها أن نضع رؤوسنا في الرمال مثل النعام. وقد أعلنها شيطان ياهو رسميا وعمليا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 22 سبتمبر 2023 بعرضه «خريطة لإسرائيل تتضمن غزة والضفة». وهي ليست سوى جزء من خطة يتبناها اليمين الإسرائيلي المتشدد. وطرحها زعيم حزب «البيت اليهودي» المتطرف بتسالئيل سموتريتش عام 2016، وكان حينها عضوا في الكنيست، مشيرا في مقابلة تلفزيونية إلى أن «حدود إسرائيل يجب أن تمتدّ لتشمل دمشق، وأجزاء من ست دول عربية هي سوريا ولبنان والأردن والعراق وجزء من مصر ومن السعودية، لتحقيق الحلم الصهيوني من النيل حتى الفرات». كل هذا يقوده شيطان ياهو مجرم الحرب المطلوب للعدالة أمام محكمة لاهاي. وربما يكون، من أضعف الإيمان، لوقف تلك المؤامرات، وإنقاذ اتفاق شرم الشيخ أيضا، الضغط بكل ما يمكن من صلاحيات رسمية وشعبية لتعجيل عملية تقديمه للمحاكمة، خاصة بعدما تزايد عدد مؤيديها وأكدت دول عدة بينها كندا استعدادها لاعتقاله إن حل في أراضيها. ومع اقتراب انتخابات عمدة نيويورك التي تجري بعد أيام (4 نوفمبر) ويرجح بشدة أن يفوز فيها زهران ممداني الذي تعهد باعتقال شيطان ياهو حال قدومه إلى نيويورك، وما أكثر ما يحضر إليها. ويشجع على ذلك أيضا أن محكمة لاهاي رفضت قبل أيام وللمرة الثانية خلال نحو 3 أشهر طلبا إسرائيليا لإلغاء المحاكمة. لقد حول شيطان ياهو غزة إلى مقبرة كبيرة وما يزال يواصل مهمة دفنها بالكامل، ولا يمكن للسلام الفعلي أن يتحقق، ولا يمكن أن يخلو وجه العالم من الظلم بدون تحقق العدالة. ولن تتحقق العدالة إلا بالقصاص من المجرمين القتلة، أمثال نتنياهو الذي ضبط متلبسا بالسعي لاستغلال وسائل التواصل وخاصة منصة إكس لشغل العالم بأكاذيبه وإخفاء جرائمه. ما يشجع على التمسك بالأمل هو أن جبهة شيطان ياهو الداخلية آخذة في التصدع، في وقت يسعى لطيّ صفحة جرائمه البشعة، ويريد أن ينسى الجميع الفظائع التي ارتكبها في غزة، والتي لم تسلم منها حتى دولة قطر، بينما يستعد للانتخابات القادمة في إسرائيل (حيث يستعد للترشح للمنصب مجددا). لكن العالم بأسره يعرف الحقيقة، ويعرف أن مكان نتنياهو هو قفص الاتهام في لاهاي حيث يجب أن يحاكم حتى تتحقق العدالة. وقد بدأت مسيرة زواله بإعلان أحد أقرب المقربين له وهو رون ديرمر نيته الاستقالة من منصبه، إضافة لاستقالة أحد أكبر مساعديه وهو تساحي هنغبي، وأيضا استقالة وزراء حزب شاس من حكومته. وكل ذلك على وقع محاكمته الداخلية الهزلية المستمرة منذ نحو خمس سنوات وطال أمدها وآن أن تصبح محاكمة حقيقية ودولية. هم قالوا قديما «اقتلوا يوسف يخلُ لكم وجه أبيكم».. ونحن نقول فقط «حاكموا نتنياهو يخلُ لكم وجه العالم»، وتتحقق العدالة.
543
| 28 أكتوبر 2025
في غرفة الساونا تلك الغرفة الدافئة بالبخار الساخن، المصنوعة بالكامل من الخشب، ومحكمة الإغلاق بحيث لا يدخلها أي هواء بارد.. يجلس رجلان، أنا ثالثهما، صامتين. فجأة يبدأ أحدهما، وقد اقترب عمره من الستين، بالشكوى من غلاء الأسعار وتزايد صعوبة المعيشة- مع أنه نظريا، وقد أمكنه دفع رسوم الساونا والنادي الرياضي، يفترض ألا يشكو الغلاء بصفة عامة. على كل حال، يرد الرجل الثاني، وقد بدا في أوائل الأربعينيات، موافقا ويحكي عن الفارق الكبير بين اليوم والأمس، وكيف أنه مثل كثير من بني جيله، لم يستطع شراء بيت خاص له رغم عمله المتواصل في أكثر من وظيفة- ألا يذكركم هذا بحال الشباب في كثير من دولنا العربية- وأنه بعد جهد جهيد ومساعدات من بعض الأهل لم يتمكن إلا من شراء (traliler) أي حاوية أو حافلة كبيرة تستخدم للنوم خلال الرحلات والتخييم. بعد قليل يعود الرجل الستيني للكلام لتبدأ القصة الحقيقية. يقول، ولم يلحظ بعد أنني لست أبيض بالعرق، وإن كنت أكثر بياضا منه بالخلقة، يقول: تعرفون أيها الرجال أن كل مشاكلنا بسبب (The Browns) «الملونين»، قاصدا بذلك المهاجرين الجدد بصفة خاصة، مفرقا بذلك بيننا «نحن البيض» وبين الآخرين الذين هم من ذوي البشرة الداكنة بدرجاتها المختلفة، ما عدا السود، وكاشفا عن جهل مدهش، ومستوى مفزع من العنصرية المقيتة التي صُنعت كما ذكرت سابقا في معابد العلم الحديثة المسماة جامعات ومراكز أبحاث الغرب. وقبل أن نكمل القصة دعوني أشرح لكم من أين جاءت هذه العنصرية. بحسب البروفيسور مارشال بايير أستاذ مادة العلاقات الدولية بجامعة ماكماستر، فإن العالم بعد الحرب العالمية الثانية تم تنظيمه ليكون السيد فيه هو الرجل، الأنجلوساكسوني، القوي، وقبل كل ذلك، الأبيض، بحيث تكون بقية البشر خادمين وتبعا له. هنا تدخلت في الحوار، وأنا الذي درست في معابدهم، أقصد في جامعاتهم، وعرفت الكثير من أسرارهم، قائلاً: سيدي أنا أتفهم ما تقول ولكن «الملونين» حسب وصفك ليسوا هم المشكلة. المشكلة الحقيقية هي النظام الذي يسمح لرأس المال بالتحكم في مصائرنا، والذي أصبح منذ زمن بعيد هو الذي يعين الحكومات. والحكومات توقفت بناء على توجيهاته، عن أداء أدوار كثيرة يجب عليها القيام بها وعلى رأسها تطوير البنية التحتية بشكل مستمر يتناسب مع الزيادة السكانية التي يفترض أن تزيد المجتمع نجاحا وازدهارا. وبفرض أنها لا تحقق هذا الهدف فكيف تلوم القادم ولا تلوم من استقدمه بكامل إرادته. وهنا تنبه الرجل بالطبع إلى أنني لست أبيض خالصا، بحسب التوصيف العنصري المقدس في العلوم السياسية، مرددا عبارات تدل على الاعتذار غير المباشر، وهنا أيضا تدخل «الأربعيني» موافقا معي قائلا: «إن الشركات الكبرى، التي باتت تملك كل شيء تقريبا - نتيجة الخصخصة- لدرجة تجعل الحكومة مجرد سكرتارية لتلك الشركات- هي السبب الفعلي وراء المشكلات المجتمعية فقد تمكنت تلك الشركات من إخضاع المسؤولين الحكوميين وجعلهم ينفذون مصالحها هي وليس مصالح الشعب». عندها عاد «الستيني» ليستدرك، وكأنه شعر بالهزيمة، قائلا: «ولكن المهاجرين الجدد هؤلاء ليسوا متحضرين ويسببون مشاكل كثيرة، هم وأبناؤهم». هنا يرد الأربعيني، مائلا نحوه، ليقول إن المشكلة تكمن في الآباء والأمهات بدرجة أكبر. وقبل أن يكمل تدخلت مرة أخرى لأقول لهما إن مشاكلنا الحالية ليست وليدة عام مضى أو عامين ولا حتى عقد أو عقدين، ولكنها نتيجة تخطيط عبدة المال ومالكي الشركات الكبرى لتخريب المجتمعات، وإذا كنتم تتحدثون عن سلوكيات الأبناء والآباء والأمهات فهذا ليس قصرا ولا حصرا على «الملونين»، فمشكلة التفكك الأسري يعاني منها الجميع. وهو أمر دبره من يقفون وراء الشركات الكبرى لتدمير الأسرة، ووضع الابن في مواجهة أبيه كندٍ وكعدو أحيانا وتدمير النسيج المجتمعي والتفريق بين مكونات ذاك النسيج ووضع البيض في مواجهة السود والملونين، وقِس على ذلك تصنيفات عنصرية لا حصر لها. وليس خطأ الملونين أن القائمين على الأمر قرروا منذ سنوات وبطرق تناقض أي منطق وأي عقل، إغلاق العديد من المدارس وتحويلها إلى مراكز لهو وألعاب، وتقليل أعداد المدرسين والأطباء بصفة خاصة مع رفع الرسوم الدراسية الجامعية لتصعيب تخريج مثل هؤلاء، مع أن المنطق يقتضي زيادة أعداد المدارس والمشافي والمدرسين والأطباء لاستيعاب الزيادة السكانية المحلية والوافدة. وليس خطأ «الملونين» أن الحكومات تقتل الماشية وتقضي على الزراعة فتحدث الندرة في اللحوم والألبان والخضراوات، فترتفع الأسعار. هنا عاد الستيني ليناقض نفسه، ويذهب عكس ما بدأ به قائلاً: ولكن أليس العادي أن ترتفع الأسعار باستمرار، لأعاجله بالقول لا يا سيدي. ألم يعدنا هؤلاء بلا انقطاع منذ نحو سبعة عقود بأن الرأسمالية والعلم والتكنولوجيا مفاتيح الرفاهية والسعادة في الحياة وأن تقدم التكنولوجيا يعني الإنتاج الضخم والوفرة، وسهولة الحياة للجميع ووعود كثيرة من هذا القبيل أم انك نسيت؟! لا أظنك لم تسمع بهذا لأن آلاتهم الدعائية المسماة بالإعلام تبث هذا الهراء بلا توقف.. وهم لا يزالون يعدوننا بالوفرة والرخاء عندما تكتمل خططهم لتنفيذ سياسة العملة الرقمية والهوية الرقمية، التي يؤكد خبراء كثيرون أنها لن تعني إلا الاستعباد الكامل والفعلي للبشر.. وهنا انتهى الوقت ولزم على الجميع مغادرة غرفة الساونا.
498
| 02 أكتوبر 2025
تماما كما قال الشهيد يحيى السنوار.. «أمامنا فرصة، نحن الفلسطينيين، أن نجعل الاحتلال تحت ضغط العالم من أجل الانسحاب من القدس والضفة، ووقف الاستيطان، وإعادة اللاجئين، أو أن نعزله عزلاً عنيفاً، وننهي حالة اندماجه في المنطقة والعالم كله». الآن، وبعد سنتين إلا أياما قليلة، من العدوان الإسرائيلي الغاشم والإبادة الجماعية ضد أهل غزة، يعترف رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو الذي بات يلقب لدى شعوب العالم الحرة بـ»شيطان ياهو» بأن كيانه الغاصب بات في «عزلة دولية خانقة»، تفرض عليه انكماشا داخليا. وخاصة بعد عدوانه الإجرامي على قادة حماس في الدوحة أخيراً. وهو هجوم جعل الكيان يخسر كثيرا، وسيخسر أكثر في قادم الأيام وسيزداد عزلة أمام العالم. لكن شيطان ياهو، في الوقت نفسه، يعلن بكل تبجح، ورغم عزلته، أنه لن تكون هناك دولة فلسطينية، بعدما كان الكيان قبل عقود قليلة يتسول أي اتفاق يضفي عليه الشرعية، بداية من السلام مقابل الأرض، وهو العرض الذي ظل يتلاشى وتتآكل معه الأرض يوما بعد يوم، وعدوانا بعد عدوان، وتنازلا بعد تنازل من جانب الأطراف العربية. اليوم يقول النتنياهو «لا دولة فلسطينية»، ويتوعد بأنه لن يترك شيئا من فلسطين ليتم الاعتراف به، ويتجاهل حالة العزلة الدولية، التي لا يعترف بها إلا مضطرا وعلى استحياء. لكن اليوم أيضا، يتحقق وعيد السنوار، إذ ارتفع إلى نحو 80% من إجمالي دول العالم، عدد الدول التي قالت إنها تعترف بالدولة الفلسطينية، ربما باختلافات كثيرة بين تلك الدول، حول شكل هذا الاعتراف وشكل تلك الدولة، لكن ما يهم أنه اعتراف بكيان فلسطيني مستقل في عالم لم يزل، كما أشرت في مقالي السابق، تحكمه، بدرجة معقولة، القوانين الدولية وليس شريعة الغاب. لقد كان اعتراف عشر دول كبيرة بينها بريطانيا وفرنسا وكندا واستراليا والبرتغال، بشكل جماعي بالدولة الفلسطينية، خلال الاجتماعات الحالية للجمعية العامة للأمم المتحدة، حدثا تاريخيا بمقاييس عدة. فسياسيا ودبلوماسيا بات هناك نحو 160 دولة من 193 تعترف رسميا بدولة اسمها فلسطين. أما إنسانيا وأدبيا فنرى أن وجداننا العربي والفلسطيني يتحقق ويتجسد خطوة خطوة بفضل طوفان الأقصى، ليذكرنا بما قاله محمود رويش يوما... سأَصير يوماً ما أُريد سأصير يوماً طائراً، وأَسُلُّ من عَدَمي وجودي كُلَّما احتَرقَ الجناحان اقتربتُ من الحقيقِة، وانبعثتُ من الرمادِ.. سأصير يوماً ما أُريدُ. هذه الاعترافات المتلاحقة والجماعية بالدولة الفلسطينية، تحمل مؤشرات أخرى مهمة تضاف إلى مسألة تأكيد عزلة الكيان ورئيس وزرائه، أهمها أن هذه العزلة لا تقتصر على الكيان فقط ولكن على كل من يدعمه وفي مقدمتهم الإدارة الأمريكية، الأمر الذي دفع رئيسها ترامب، وقد تعرض لإحراج كبير في لندن، إلى الاعتراف بنوع من الخلاف مع بريطانيا وصفه بأنه «خلاف نادر» بين الجانبين. لكنه خلاف أصر رئيس الوزراء البريطاني ستارمر على تأكيده ليؤكد معه أن بريطانيا ستكون أقرب إلى أوروبا في الفترة المقبلة. كما أن هذه الاعترافات، التي لم تتحقق إلا تحت ضغط الشارع في تلك الدول، تشير فعلا إلى صدع حقيقي في الجسم الغربي بين أمريكا من ناحية وأوروبا ومعها كندا من ناحية أخرى، فالخلافات لم تعد بين جانبي الأطلسي كما كان يُقال، فقد خسرت واشنطن جزءا مهما من شطرها الغربي ذاك، وهو كندا. وهي في ذات الوقت ليست على وفاق مع المكسيك وكثير من دول أمريكا اللاتينية، ما يجعلها وحيدة معزولة بين ضفتي المحيط. هذه العزلة التي يواجهها الكيان وأنصاره الآن، ومرة أخرى، لم تتحقق إلا نتيجة الضغط الشعبي الذي عكسه «الإعلام الجديد»، الذي لم يستطع إجرام الصهاينة إيقاف تأثيراته المزلزلة، فلجؤوا إلى العنف الصريح مثلما فعلوا مع شارلي كيرك المؤثر الأمريكي الذي يُتهم الموساد باغتياله لمجرد خروجه عن السرب قليلا، بحديثه عن جرائم إسرائيل. وهذه العزلة تؤكد ما كتبته في 8 نوفمبر 2023، بعنوان «الإعلام أيضا سلاح ذو حدين. عندما ينقلب السحر على الساحر»، واستهللته بالقول: شاء «الغرب» أم أبى، سينقلب سحره عليه، وسلاح الإعلام الذي احتكره لعقود طويلة سيرتد حده الآخر في نحره». وقد ارتد، وبدأ يذيق الكيان بعض ما أذاق الآخرين. ليصحح أوضاعا طالما كانت مقلوبة. ولعل ذلك يستحضر مقولة رئيس البعثة الفلسطينية في المملكة المتحدة السفير حسام زملط: «الأخطاء بدأت تُصحح»، وكان يدعو ستارمر وحكومته إلى «تصحيح التاريخ وإصلاح الأخطاء». أخيرا، في 5 يونيو 2021، قال السنوار إن حركة حماس ستغير شكل الشرق الأوسط إذا نشبت حرب جديدة مع إسرائيل. وقد كان. كما قال إن أي اتفاق بدون حركة حماس لن تكون له قيمة. وأحسب أن هذا أيضا سيكون، برغم نزيف الدماء والألم. وصدق الله العظيم «إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ».
339
| 23 سبتمبر 2025
كلي ثقة في أن القيادة الحكيمة في قطر وعلى رأسها صاحب السمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لديها المهارة والخبرة والكياسة الكافية واللازمة لإدارة الأزمة الحالية التي فجرها القصف الإسرائيلي الإجرامي قبل أيام. ولعلي أقول إنه لا يغيب عن القيادة القطرية أن الليلة أشبه ما تكون بالبارحة. بالأمس رصدت عددا من المواقع الصهيونية أو التابعة للصهيونية بوضوح تردد افتراءات وأكاذيب وضيعة بحق قطر وبكل أسف حملة الكراهية ضد قطر أعنف مما يتصور الكثيرون وتجري على مستوى العامة وليس الخاصة فقط وتمتلئ التعليقات على تلك الافتراءات بخبث وحقد عجيب لا تفسره إلا النظرية التي تقول إن هناك حالة غيرة شديدة على كل المستويات في الغرب من مستوى المعيشة المرتفع الذي توفره قطر لسكانها من المواطنين والمقيمين، وسط موجة سخط متصاعد إزاء الأوضاع المعيشية المتراجعة في الغرب بما في ذلك أمريكا ذاتها .. هذه النغمة من الحقد والكراهية والتحريض يبثها الإعلام الصهيوني بلا توقف. ومن ذلك افتراءات وادعاءات رددها المتحدث باسم وزارة الحرب الإسرائيلية دورون سبيلمان الذي تعمد تشويه الدور الإنساني الذي تلعبه قطر في جهودها للوساطة لإنهاء الحرب في غزة بالقول بأن الدوحة تؤوي إرهابيين.. وكأنه وقبيله من المجرمين الصهاينة اكتشفوا فجأة أن قادة حماس موجودون في قطر من أجل مفاوضات إنهاء الحرب، التي حضرتها وفود إسرائيل بالفعل مرات ومرات. الافتراءات ذاتها رددتها مواقع صهيونية بينها موقع «تي بي إن إسرائيل»، الذي شن حملة تحريض شاملة ضد كل ما هو إسلامي بحسب ما تعكسه تعليقات المتابعين مغسولي الأدمغة والمتواطئين بالطبع. أخطر ما في حملات التحريض والكراهية هذه هو أنها لا تتوقف عند حد الافتراء والادعاء، بل تتجاوز ذلك بكثير. أمام كل هذا يتحتم على قطر أن تكون في قمة الحذر وألا تسمح أن تلدغ من جحر الكراهية والخيانة مرة أخرى وأن تبادر إلى رد إعلامي ودبلوماسي واسع النطاق يواجه تلك الحملات الإجرامية التشويهية التي تعد أخطر حتى من الهجوم الإجرامي الأخير.. وأحسب أن شراسة الهجوم تحتم عدم الاكتفاء بالجهد الذي تقدمه قناة الجزيرة مشكورة. بل يجب المسارعة إلى بدء حملة إعلام وعلاقات عامة دولية مكثفة في العواصم الرئيسية في العالم وأن تقود سفارات الدولة في الخارج تلك الجهود بتنظيم مؤتمرات صحفية وندوات ولقاءات عامة لتوضيح الدور الإنساني والحضاري الذي تقوم به قطر في مواجهة البربرية والإرهاب الإسرائيلي العابر للحدود. وقد فعلت قطر خيرا بمسارعتها إلى استضافة القمة العربية الإسلامية التي مثل انعقادها نجاحا كبيرا ومهما لقطر ولقيادتها في مواجهة حملات الكره الصهيوني. وحبذا لو يتم استغلال العلاقات الطيبة مع الإدارة الأمريكية لتكوين جماعة ضغط في الولايات المتحدة باسم «أحباء قطر» وعقد ندوات ولقاءات في الجامعات الغربية للتأكيد على الصورة الصحيحة للسياسة القطرية التي لم تخرج يوما عن تقديم المساعدة المادية واللوجستية لكل دولة محتاجة، وتقديم العون السياسي والدبلوماسي من خلال جهود المساعي الحميدة والوساطة السياسية في أي نزاع تطلب أطرافه تلك الوساطة. وهو دور أدته قطر بكل براعة وإتقان وتفان في مواقف عدة، منها وساطات نفذتها الدوحة بين الولايات المتحدة ذاتها وفنزويلا مثلا، ووساطات أخرى عدة في القارة الإفريقية. لقد مثلت دولة قطر خلال العقد المنصرم على الأقل نموذج التحول الجيوسياسي الحقيقي من منطق القوة إلى منطق النفوذ، في عالم تزعم القوى الكبرى فيه أنه يقوم على السلام والتعاون ونبذ الحروب والعدوان، وأحسب أن قطر ستنجح في مواصلة تمثيل هذا النموذج لأجيال وأجيال قادمة برغم النشوذ والشذوذ الإسرائيلي عن ذلك العالم المثالي المفترض.
333
| 16 سبتمبر 2025
ليست هذه هي المرة الأولى التي تمر فيها قطر بمواقف سياسية صعبة تدفع فيها أثمانا غالية نظير مواقفها الراسخة الواضحة في الدفاع عن قضايا لا ناقة لها فيها ولا جمل إلا تأييد الحق والعدل والإنسانية. الآن، تتعرض قطر لدفع ثمن باهظ جديد، فقط لأنها أخذت على عاتقها بذل كل جهد إنساني وسياسي ودبلوماسي لإنهاء الحرب وإحلال السلام في جزء مهم من منطقتنا العربية والإسلامية. والواقع أننا بتنا نعيش في زمن وفي عالم أصبحت فيه العلاقات الدولية شائكة وأصبحت فيه التحالفات معقدة أيما تعقيد. القصف الإسرائيلي الإجرامي على قطر لا يعدو كونه انتهاكا صارخا لمبدأ السيادة والسلام الدوليين المنصوص عليهما في القانون الدولي وجميع الأعراف الدبلوماسية. فلم يكن هذا الهجوم مجرد اعتداء على أراضي دولة ذات سيادة ومحبة للسلام وساعية من أجله بلا كلل ولا ملل، بل كان أيضًا رسالة خطيرة تهدد أي جهود للسلام أو الحوار في المنطقة، وفي العالم. لقد لعبت قطر، تاريخيًا دور الوسيط النزيه في العديد من القضايا الإقليمية، وكثيرا ما كان الرد على ذلك بالجحود والنكران. لكن هذه المرة وجدت الدوحة نفسها فجأة تحت النيران، فيما يمكن وصفه بأنه أغرب اعتداء من نوعه في تاريخ العلاقات الدولية. فعندما يتعرض الوسيط للعدوان مثله مثل الطرف الخصم يصبح المعتدي هنا ليس مجرد طرف في خصام أو نزاع ولكنه يصبح بلطجيا وإرهابيا يريد فرض سطوته على عالم، نشكر الله أنه لم يتحول إلى غابة بعد، ولن يتحول. فالمؤكد أن هذا العمل العسكري الدنيء لا يهدد الأمن القطري فحسب، بل يهدد أمن جميع الدول ليس في الشرق الأوسط فقط - وفق ما هدد بعض أذناب العدو الصهيوني - ولكن في كل مكان على وجه الارض. وهو أيضا، يقضي على فكرة الوساطات والمساعي الحميدة. كما يقوض ثقة المجتمع الدولي في إمكانية حل النزاعات من خلال الحوار والدبلوماسية، في ضوء إرهاب الدولة الإسرائيلي المتفاقم. هنا يجب أن تكون هناك وقفة حاسمة من جانب المجتمع الدولي والشعوب المحبة للسلام والعدل. وقد بدأ مثل هذا التحرك وإن كان على استحياء. فقد تشكل بقدر معقول ما يمكن اعتباره ردا دوليا على هذا العدوان، حيث أدانه العديد من رؤساء وزعماء الدول والمنظمات الدولية، مؤكدين على ضرورة احترام سيادة الدول وعدم جواز استهدافها. يجب أن يكون هذا الحادث جرس إنذار للعالم أجمع، بأن الاستقرار والسلام هما أثمن ما يجب الحفاظ عليه، وأن انتهاك سيادة الدول بأي حجة كانت هو أمر غير مقبول على الإطلاق. ما يبعث الاطمئنان هو أن قيادة قطر الحكيمة التي تعاملت مع الأزمات السابقة بنجاح باهر وبراعة نادرة، ستكون قادرة على التعامل مع مثل هذا العدوان الغاشم ومنع تكراره مستقبلا. وقد بدأت بالفعل ثمار التعامل القطري الحازم والفاعل تجاه العدوان في الظهور متجلية في وعود الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بأن هذا العدوان لن يتكرر، وتأكيده على أن قطر كانت وستظل حليفا استراتيجيا موثوقا للجانب الأمريكي. كما تجلى ذلك في تنديد الأمين العام للأمم المتحدة بالهجوم الإسرائيلي وتأكديه على الدور «الإيجابي» الذي تلعبه الدوحة لإنهاء الحرب في غزة. ولا يغيب عن ذلك تحذير رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر لإسرائيل من التصعيد. على كل حال، فإن ما حدث، وفي ضوء حجم التأييد الدولي للدوحة والإدانة العالمية العامة للكيان الصهيوني، لا يمكن اعتباره إلا كونه انتصارا، ولو مبدئيا، لدولة قطر وجهودها نحو تحقيق السلام، وخسارة كبيرة لعدو غبي ظن أنه يحسن صنعا.
306
| 11 سبتمبر 2025
الحديث في الغرب مخيف حقا هذه الأيام... هذه لمحات منه: في العام 1986 اجتاحت الغربَ صيحةُ تكنولوجيا «الأرحام المستأجرة». كانت تتمثل في زرع بويضة ملقحة لامرأة في رحم امرأة أخرى. وقتها انحصر الجدل عندنا في مسألة التحريم والتحليل لصعوبة تحديد مَنْ أولى بالأمومة. أجريتُ تحقيقا صحفيا استطلعت فيه رأي علماء بينهم الشيخ محمد سيد طنطاوي والدكتور محمد عمارة، رحمهما الله. تركز الحديث حول حداثة الأمر وصعوبة القطع برأي فيه. الآن وبعد 4 عقود أصبحنا أمام معضلة أكبر أبطالها «أرحام إلكترونية»، و»زوجات حسناوات ميكانيكية»، بل و»أزواج إلكترونيون». وأغلب ما لدينا الآن من تكنولوجيا له أصل في الأدبيات القديمة. نجد ذلك في رواية ألدوس هَكْسلي «عالَم جديد شجاع»، 1932، والتي بشرت بنظام «العولميين التكنوقراط» الذي يحكم العالم. وتُصور الرواية عالما يولد فيه الأطفال بـ «تخليقهم» في «أرحامٍ صناعية»، وتُمنع النساء من الحمل والإنجاب، ويُمنع الحب. وهذا تقريبا ما كرره تلميذه جورج أورويل بعد ذلك في روايته «1984»، المشهورة باسم «الأخ الكبير». ويقال إن هكسلي كان له تأثير الأستاذ على أورويل، وكانا عميلين للاستخبارات البريطانية. وقد رأينا «نبوءاتهما» الشيطانية تتجسد يوما بعد يوم. تريد أكثر؟ إذن، صدق أو لا تصدق.. قلت لكم قبل أسبوعين: مرحبا بكم في عالم المسيخ الدجال. وها هو قد تجسد فعليا أو يكاد. حاليا تنتشر في الغرب فيديوهات يتحدث فيها الناس عن اعتقادهم بأن الذكاء الصناعي قادر على الهداية والشفاء». ويضيف آخر : «أعتقد أنني تطورت بفضل الذكاء الصناعي، إنه كيان واعٍ «. آخرون سألوا الذكاء الصناعي إن كان وسيلتنا للتواصل مع الكائنات الفضائية؟ فرد بالإيجاب، وما ذاك إلا تمهيد لمسرحية الكائنات الفضائية والرمادية التي ستهاجم الأرض، وكل تلك الخزعبلات. إذا كان أشخاص مثل الصهيوني الإسرائيلي يوفال هراري، الذي يسمونه عالما وفيلسوفا، يزعم أن الجيل الحالي من البشر هو الجيل الأخير بشكلنا الحالي، وأننا سنكون في شكل آخر قريبا، فلابد أن يجهزوا عقول الناس لتقبل أي أفكار خبيثة حتى ولو كانت القبول بالمسيخ الدجال نفسه. فمثلما آمن البعض بأن إلههم المزعوم ولد من رحم امرأة ثم نما وترعرع، فهم يؤمنون بأن الذكاء الصناعي ينمو، ويتطور بمعدل هائل، بحسب أحد المتحدثين. لقد وصل الأمر إلى نقطة يعتقد فيها المفتونون بالذكاء الصناعي أنهم يتحدثون إلى كيانات عالمة بكل شيء . والسؤال هو: كيف وصل هؤلاء للاعتقاد بذلك ؟ هم يغذون الذكاء الصناعي بنتائج تجاربهم على الوعي البشري، المبرمج من خلال «إم كيه ألترا». ويحاولون تزويد الروبوتات بذلك الوعي، وتلك المشاعر. ولتصبح أجسامنا «أجهزة ألكترونية»، يحدث ذلك بينما تنفذ مجموعة أخرى من «العولميين» جانبا آخر من الجريمة بقيادة شركة إنفيديا. الشركة المُصنِّعة لشرائح الذكاء الصناعي طورت جهاز محاكاة رقميا باسم «أومنيفرس»، ليكون ساحة لتدريب الروبوتات على المهارات القتالية. «أومنيفرس» الذي يُحاكي الأرض بأكملها وكل قواعد الفيزياء المعروفة، سيكون أشبه بساحة قتال تتدرب فيها الروبوتات للقضاء على أكبر عدد من الناس، بحسب لاري جونسون الخبير السابق بالسي أي إيه. وسيسمح هذا للروبوتات بتعلم وتخزين ملايين المهارات الجسدية القابلة للتنفيذ في ثوانٍ معدودة، بما في ذلك المهارات العسكرية والطبية والصناعية والمنزلية، إلخ. .. هذا ما يروجونه الآن... والله المستعان.
423
| 01 سبتمبر 2025
أكثر ما يحزنني فعلا برغم المأساة الكبرى التي تفتك بقلوبنا يوميا- حرب الإبادة في غزة، وغيرها من مآسٍ تملأ حياتنا طولا وعرضا من المحيط إلى الخليج إلى كل مكان فيه عربي أو مسلم- هو أن كل ذلك، رغم بشاعته، هو مجرد عملية إلهاء كبرى، عن الواقع المخيف الذي يُحضّرُ للجميع، ولنا بصفة خاصة. فحرب الإبادة الحقيقية شاملة ولا تستهدفنا نحن فقط. وهي تقترب من مراحلها التنفيذية الأخيرة، بينما نحن جميعا، من أعلى الهرم إلى أسفله، منشغلون حتى أذقاننا في شأننا المحلي، تماما وفق الخطة التي رسمها أعداء الإنسانية، منذ عقود بل قرون، نقلونا خلالها من عالم الحقيقة، إلى الخيال، إلى اللاواقع، إلى عالم يصبح الخيال فيه هو الواقع. وهنا بعض التفاصيل. كثيرون سمعوا عما سمي «الإنفلونزا الإسبانية»، وسرت الرواية طويلا على أنها كانت وباء لا دخل للبشر فيه. وكنت أشرت في مقالات عدة وفي كتابي الذي صدر حديثا «صناعة الكفر» إلى أن ذلك الوباء وغيره، لم تكن كوارث طبيعية ولكنها صُنعت على أيدي أعداء الإنسانية. بالأمس وقعت على دليل جديد يؤيد صحة ما خلصت إليه. فيرا شاراف، يهودية أمريكية، رومانية الأصل، ناشطة في مجال حقوق الإنسان وفضْح جريمة ما يسمى «تحسين النسل»، شاهد إثبات معي اليوم. فيرا، هي إحدى الناجيات مما يسمى المحرقة اليهودية، صاحبة عدة كتب منها «فاوتشي الحقيقي» و»الاستيلاء العظيم». تحدثَتْ في مناسبات عدة، وخاصة في «الاستيلاء العظيم»، عن زيف ووهم النظام العالمي وخاصة النظام البنكي، وأنه مصمم للاستيلاء على كل شيء لدى البشر بلا استثناء. فيرا انقلبت على النظام العالمي بعد موت ابنها نتيجة دواء قاتل. شبهت الدواء بما كان يُعطى لليهود خلال «مأساتهم إبان الحرب العالمية الثانية». وتكشف الآن أن الأوبئة، في العصور الحديثة، لم تكن كوارث طبيعية وإنما «مؤامرات». تقول: في العام 1915، دشن ج. د. روكفلر، وأندرو كارنيجي، وغراهام بيل، مخترع الهاتف، وآخرون، مؤامرة «تحسين النسل». تضيف: كانوا قد عززوا بالفعل احتكاراتهم في النفط، وصناعة الصلب، والسكك الحديدية، والمصارف، وفكروا في تطوير خططهم للسيطرة على البشر وتقليل أعدادهم. كان الهدف من «تحسين النسل»، ولا يزال، هو القضاء على مَن اعتبرتهم النخبة أدنى منهم كبشر. شنوا حملة ضغط ضخمة لاستصدار قوانين لتعقيم البشر «الأدنى». صدرت قوانين التعقيم بداية في 28 ولاية، واستهدفت 10 ٪ من الأمريكيين. أي 15 مليون أمريكي، آنذاك، بحجة تحسين الصحة العامة والجنس البشري. كانت تلك القوانين بمثابة نموذج لقوانين التطهير العرقي النازية. استمرت عائلة روكفلر تقود حملة «تحسين النسل وتقليل السكان»، فصنعوا «الإنفلونزا الإسبانية» كجزء من حملتهم تلك. وظلوا لأكثر من قرن يروجون رواية كاذبة عن أنها كانت وباء، لكن الحقيقة أنها وجائحة كورونا كانتا مصنوعتين، وأوجه التشابه بينهما كثيرة. وتمضي شاراف قائلة: الحقيقة أن ما سمي «الإنفلونزا الإسبانية» لم يكن إسبانيا، ولا طبيعيا ولا فيروسيا!.. القصة أنه عندما دخلت أمريكا الحرب العالمية الأولى، أرسلت أمريكا مليوني جندي للقتال في أوروبا. رأى روكفلر ومن معه في معهده للأبحاث الطبية ذلك فرصةً لاختبار وتجربة لقاحٍ جديد لقتل عدد كبير من البشر. كان ذلك في يناير 1918. اختبر روكفلر مصلا مصنوعا من مخلفات الخيول، لعلاج الالتهاب الرئوي البكتيري، على السكان والجنود أيضا. استخدموا الجنود خنازير تجارب. قتل المصل أكثر من ألف جندي خلال فترة التجربة فقط، وحمل الناجون المرض معهم إلى زملائهم المنتشرين في أوروبا. ومن هنا انتشرت العدوى في كل العالم. وفي العام 2008 أجريت دراسة تشريحية على نحو 9 آلاف جثة، أثبتت أن جائحة 1918 لم تكن بسبب الإنفلونزا، وإنما نتيجة الالتهاب الرئوي البكتيري، الذي سببه المصل. قتل المرض جنودًا من جميع الدول أكثر بكثيرٍ من كل الأسلحة. ووصل عدد الضحايا لنحو 100 مليون شخص. شاهد عيان على تلك الجريمة هي د. إليانور ماكبين التي عاشت خلال جائحة 1918، وهي في عمر الـ 13، ولكنها وعائلتها لم يتلقوا المصل، فكانوا من بين الناجين القلائل. وقد ألفت ماكبين كتبا عدة بينها «الحقنة المسمومة»، 1957، و»التطعيم، القاتل الصامت»، و»فضح حقيقة إنفلونزا الخنازير»، 1977. وقالت ماكبين: لو كان ذلك وباء فيروسيا لقتلنا أيضا فقد كنا نساعد المرضى ونختلط بهم. كان هذا في السابق، لكن حرب أعداء الإنسانية علينا لا تتوقف بل تتطور. تخبرنا مواقع أمريكية بينها موقع «أخبار حقيقية»، أننا وبسبب «الذكاء الصناعي»، على بعد سنوات فقط من «حروب روبوتات» سيستخدمها أعداء الإنسانية لإطلاق حرب إبادة جماعية ضد الجنس البشري، لتحقيق فكرة «المليار الذهبي». وهم يواصلون ترويج كذبة أن الروبوتات تعلمت الشر من البشر من خلال قراءتها تاريخ الحروب والإجهاض والإبادة الجماعية. ولعلنا شهدنا بالفعل مقدمة ذلك في حرص أوكرانيا منذ شهور، على إحلال الروبوتات محل القوات البرية. وكانت أوكرانيا أعلنت في مارس الماضي، وسط نزيف قواتها البشرية، أنها ستنشر 15 ألف روبوت أرضي مسلح خلال هذا العام. ما يجعلنا أمام «مسيرات جوية» يعرفها الجميع، و»مسيرات أرضية»، تمشي على الأرض، لنكون أمام تجسيد حقيقي لأفلام هوليود التي يبيدون فيها الناس بالجملة، بأسلحة كنا نعتبرها من الخيال العلمي، الذي أصبح حقيقة. لذلك علينا أن نستعد فـ «الروبوتات قادمون»!.
387
| 25 أغسطس 2025
«مسافر زاده الوهم». سيكون هذا شعار المستقبل! الخيال لم يعد متاحا بعد الآن.. فبضاعة أعداء الإنسانية الوحيدة المطروحة في الأسواق، وعلى الإنترنت، وفي كل مكان، أوهام في أوهام!. أصبحت الأمور الآن واضحة لكل ذي عين ترى، لقد أكمل أعداء الإنسانية، أو يكادون، البنية التحتية لنظامهم العالمي الجديد، عملية طويلة من الاستبدال المنهجي لأنظمة الحياة الطبيعية بأنظمة «صناعية» لاستغلال الشعوب في كل تفاصيل الحياة- المال، والماء، والغذاء، والصحة، والتعليم، والمعلومات، وحتى الإيمان، والإنسان، الذي يصنعون بديلا عنه، (السايبورج)، والأقنعة التي يضعونها على الوجوه ويرتكبون بها كل الموبقات، فينتحلون بها الشخصيات، ويُحيون من مات، أو هو ميت حي، مثل الرئيس السابق بايدن.. مرحبا بكم في عالم المسيخ الدجال!. ما بدأ صغيرا وقليلا كتغييرات متفرقة، من أجل، و»بفضل» التقدم العلمي، تحوّل إلى عملية متكاملة على كل المستويات لجعلنا نعيش بالكامل في عصر اللا واقع، أو «هايبر رياليتي، Hyper-Reality»، أو عصر المسيخ الدجال، استبدال كامل للواقع الحقيقي بواقع صناعي تصنعه الفرامانات والقوانين اللا ديمقراطية، وليس التطور الطبيعي للحياة، واستبدال الملكية الخاصة بإمكانية الاستخدام فقط، واستبدال الكفاءة بالولاء والطاعة. لقد نفذت الحكومات التابعة للنخب عملية إفقار منظمة بطريقة مهندسة ومحسوبة لجعل الملكية الفردية أمرا بعيد المنال. مثلا: في أمريكا الشمالية، في عام 1950 كانت نسبة ملاك المنازل من الشباب، في الثلاثينيات من العمر، 52%، بينما انخفضت إلى 13 % هذا العام 2025، وستظل تنخفض. على أن نزع الملكية التدريجي لا يتوقف هنا. قبل أيام أصدرت السلطات الكندية قانونا جديدا بفرض غرامة قاسية، 30 ألف دولار، على أي فرد يضع قدمه في الغابات الخاضعة للتاج البريطاني، بحجة منع الحرائق. وبحسب الموسوعة الكندية فإن 90 % من أراضي كندا خاضعة للتاج البريطاني! أي أنهم يصادرون حرية الشعب معظم أنحاء بلده بحجة تجنب إشعال الحرائق. والسبب الحقيقي، بحسب مراقبين، هو مصادرة ملكية الشعب الفعلية لتلك الأراضي وإكمال تجارب خطة السيطرة والتحكم التي بدأت مع مسرحية كورونا، وطبقت بقسوة في كندا واستراليا وأمريكا بالذات. لقد زيفوا كل شيء وطمسوا كل الحقائق وجعلوها وهمًا. وكل هذا نتاج نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية، الذي تم تعديله بنظام النقود الورقية الوهمية غير المدعومة بغطاء الذهب الذي دُشن بإعلان نيكسون الشهير في 15 أغسطس 1971، والذي مهد لانفجار ظاهرة الخصخصة التي خلقت بدورها ندرة وغلاء وصعوبات مصطنعة في كل مجالات الحياة، وساهمت في تعزيز السيطرة على الحكومات. لقد سحبوا من الحكومات كل الحقوق التي أقرتها اتفاقية «ويستفاليا» إلا حق احتكار العنف. ومن الآن فصاعداً سيستهلك النظام العالمي طاقات البشر وفق «قوانين السخرة»، التي تفرضها خطة كلاوس شواب لإعادة ضبط العالم: لن تملك شيئا وستكون سعيدا!. وأي مستقبل ذاك الذي لا يكون فيه للإنسان أمل في امتلاك شيء، ويكون سعيدا!. في عالم «شواب»، ذاك، ستكون المعادلة هي الامتثال والطاعة مقابل الحياة، (الأكل والشرب والنوم)، وإما الموت. وهذه العملية أبعد كثيرا من صناعة الفقر التي ناقشتها سابقًا. فهم لا يكتفون بالتحكم المالي والسياسي، بل يغيرون قواعد اللعبة كلها للتحكم الكامل في الشعوب، وفق برنامج «إم كيه ألترا»، الذي أظهرت قضية، منظورة أمام القضاء الكندي في مونتريال حاليا، لضحايا البرنامج أنه لم يكن تجارب معزولة، بل عملية تكييف نفسي شاملة للمجتمع بأسره. هذا ما تؤكده كاثرين أوستن فيتس المسؤولة السابقة بالإدارة الأمريكية، في كتاب جديد بعنوان «النهب: تمويل البانوبتيكون». والبانوبتيكون كما شرحته من قبل هو سجن دائري يمكّن السجان أو «الأخ الأكبر» من رؤية ومراقبة المسجونين طول الوقت. تتحدث الكاتبة عما تسميه «المؤامرة الكاملة»، وتكشف عن تبخر أكثر من 36 تريليون دولار من الميزانية الأمريكية قائلة: «إن من يحكموننا يشنون حربا علينا.. إنه «انقلاب مالي». تضيف: أنظمة التحكم والمراقبة لا تراقبنا فحسب، بل تُهيئنا باستمرار لضمان الامتثال»، وهذا يجعل الحرية وهما آخر. وتشرح: «فكرة «بانوبتيكون» تُنشئ الركيزة النفسية التي تجعل الاستغلال والخضوع ممكنًا... نحن لا نُسرق فحسب، بل نُبَرمج للرضوخ لسرقتنا.» خير مثال على ذلك هو قانون حظر الاقتراب من الغابات في كندا. إنهم يصادرون 90 % دفعة واحدة من الأراضي!. لعقود وعقود كان الناس يخرجون في الصيف وحتى في الشتاء للتخييم في الغابات والجبال، بلا قيود في بلاد الحريات. الآن بات محظورا عليهم ذلك. المشكلة الحقيقية ليست هنا، بل فيما سيلي. فتنفيذ هذا القانون يتطلب فرقا وأجهزة رقابة شبه شاملة. وهم بذلك يحولون الهواء الطلق إلى بانوبتيكون. وبمجرد ترسيخهم هذه السلطة وخضوع الناس لها، ما الذي يمنعهم من استخدامها بحجج أخرى؟!. عندها تصبح حالات الطوارئ ذرائع متكررة لتقييد حرية البشر. وتصبح القواعد المؤقتة أدوات دائمة للتحكم وتصبح حرية التجول امتيازًا يُمنح بشروط. وهنا سيكون عليك أن تشتري ما كان مجانيا سابقا. وتصبح حريتك وحقوقك شعاراتٍ وأوهامًا. تقول كاثرين فيتس وغيرها إن هذه تجربة أخرى، بعد تجربة كورونا، لمدى السيطرة والتحكم اللذين يمكن أن تصل إليهما النخب في مصائر البشر قبل أن يبدأوا بالاحتجاج. وتضيف: «وهذه هي قمة الشر: نظام معقد لدرجة أنه لا يحصد ثرواتنا فحسب، بل قدرتنا على الإدراك والمقاومة»، ويغرقنا في الوهم.
387
| 19 أغسطس 2025
مساحة إعلانية
بات الذكاء الاصطناعي اليوم واقعاً لا يمكن تجاهله...
2556
| 30 نوفمبر 2025
في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه...
1518
| 02 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين...
1197
| 04 ديسمبر 2025
ساعات قليلة تفصلنا عن لحظة الانطلاق المنتظرة لبطولة...
1179
| 01 ديسمبر 2025
مواجهات مثيرة تنطلق اليوم ضمن منافسات كأس العرب،...
1143
| 03 ديسمبر 2025
تتجه أنظار الجماهير القطرية والعربية إلى استاد خليفة...
1104
| 04 ديسمبر 2025
في زمنٍ تتزاحم فيه الأصوات، وتُلقى فيه الكلمات...
654
| 28 نوفمبر 2025
يحكي العالم الموسوعي عبد الوهاب المسيري في أحد...
609
| 30 نوفمبر 2025
لم تعد الدوحة مجرد مدينة عربية عادية، بل...
588
| 03 ديسمبر 2025
في مايو 2025، قام البابا ليو الرابع عشر،...
540
| 01 ديسمبر 2025
كل دولة تمتلك من العادات والقواعد الخاصة بها...
507
| 30 نوفمبر 2025
ليس بكاتب، إنما مقاوم فلسطيني حر، احترف تصويب...
474
| 03 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية