رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

الثورة المصرية .. على باب وزارة الداخلية

لا تزال فعاليات الثورة المصرية متوقفة منذ بدايتها وحتى الآن، أمام أبواب وزارة الداخلية المصرية سواء على صعيد المظاهرات أو المواقف من الحريات، كما تظل الوزارة بوزيرها –أيا كان اسمه-وسلوك ضباطها وجنودها محل هجوم وإدانة واستنكار من القوى السياسية الحاكمة والمعارضة على حد سواء . يتغير الوزير تلو الآخر -ولكل منهم رؤية ومنهج - لكن حال النقد على حالها، وإذ حاول كل وزير أن يغير شيئا على صعيد سمعة الوزارة أو منهجها أو يظهر أنها تغيرت بعد الثورة، فالبادي أن الأمور تعود سيرتها الأولى من قبل الإعلام والرأي العام والأحزاب مع أول مظاهرات تجرى، ومصر لم تتوقف فيها المظاهرات على مدار العامين، بما جعل الأمور تدور في حلقة مفرغة. لقد جرت مناقشات في مجلس الشورى حول حالات العنف والقتل التي جرت خلال الأحداث التي شهدتها البلاد مؤخرا من بورسعيد إلى قصر الاتحادية إلى المواقع والمدن الأخرى، فانطلق الهجوم من كل الأحزاب على وزارة الداخلية وممارساتها، ولم يكن هناك من يحاول الموازنة بين وقائع العنف من الداخلية ووقائع العنف في الهجوم على أفرادها ومقراتها، إلا القليل - يعد على أصابع اليد – وهو ما أظهر عمق استمرار الاحتقان بين القوى السياسية بكافة أطيافها بما في ذلك الحزب الحاكم.. ووزارة الداخلية. ولعل ذلك هو ما دفع المتحدث في الجلسة نيابة عن وزير الداخلية يذكر الحضور بطريقة مهذبة بأن الوزارة تتعرض لهجوم حاد من الآخرين بسبب مواجهتها المظاهرات التي كان مقررا لها الهجوم على مجلس الشورى نفسه. وزارة الداخلية تبدو في وضع لا تحسد عليه. فهي من ناحية الموقع والجغرافيا تكاد تسد على مقرها كل المنافذ، إذ جرى سد كل الشوارع التي تزحف منها المظاهرات – وما تزال-بحوائط من الكتل الأسمنتية . وهي إذا قاومت الفوضى وأعمال البلطجة وتصدت لأعمال اقتحام أقسام الشرطة وقصر الاتحادية باتت مدانة تحت شعارات أنها لم تتغير وأنها تمارس العنف ضد متظاهرين سلميين. وهي إذا عادت لموقف المتفرج هنا أو هناك –كما كان الحال عليه بعد الثورة-جرى الهجوم عليها باعتبارها لا تؤدي دورها، ويصل الأمر حد الهجوم عليها باعتبارها مناوئة للنظام الحالي ولا يزال فلول النظام السابق يتحكمون بها. وحين تقرر قيادتها عدم تسليح المتصدين من ضباطها وجنودها للتظاهرات، إلا بالغازات المسيلة للدموع دون طلقات الرصاص يتعرض الضباط والجنود لهجمات بالأسلحة النارية، فتظهر حالات احتجاج من هؤلاء ضد قيادات الوزارة بسبب عدم كفاية التسليح بما يجعل البلطجية وممارسي العنف المسلح في غاية الاطمئنان حين إطلاق الرصاص على الشرطة. وعلى الصعيد الشعبي، فالرغبة معلنة وواسعة بطلب تحقيق الأمن وإنهاء فوضى قطع الطرق وخطوط المترو والقطارات عبر قيام الشرطة بأداء مهامها، لكن التخوف معلن أيضاً من عودة الشرطة إلى أساليبها في السطوة والاستبداد والفساد . والساسة في البلاد ينشدون تغيير سلوك الشرطة وأن تتحول إلى الاهتمام بالأمن الجنائي، بينما الحدث السياسي يفرض نفسه على أسوار الوزارة وفي كل مكان من منشآت الدولة تتولى حراسته. حال الموقف من وزارة الداخلية يلخص أوضاع كل الوزارات أو يلخص أحوال مصر كلها. الثورة لا تزال واقفة على باب وزارة الداخلية عمليا وسياسيا. لكن الغريب أن الأمور لا تتحرك للأمام كثيرا دون أن يبدو انزعاج حقيقي لدى أطراف محددة، وكأن هناك من هو راض باستمرار الوضع الراهن.

390

| 15 فبراير 2013

خطوط حمراء لنجاد في القاهرة

حدد المصريون للحكم في بلادهم ولإيران ومن يحكمها - من مرشد ورئيس - خطوطا حمراء لا يمكن السماح بتجاوزها في علاقات البلدين بل وفي علاقات إيران بالدول العربية الإسلامية وقضاياها. هذا هو الأهم في زيارة أحمدي نجاد للقاهرة، إذ أن قوى مجتمعية ذات وزن ونفوذ كبير على رأسها الأزهر الشريف ذهبت وإلى أبعد مدى في وضع محددات للعلاقات بين مصر وإيران، في حالة مستجدة في حدوثها وفي طبيعة تلك المحددات التي أخذت منحى عقائدي محدد وأخذت طابع التعبير عن كل الموقف العربي والإسلامي من قضايا الأمة، وشملت إعلان مواقف قاطعه من تعامل الحكم الإيراني مع السنة في داخل إيران وإلى درجة طرح قضية الأحواز المحتلة إيرانيا منذ ما يقرب من القرن. كان حكم مبارك متوقف عن إقامة أي نمط من العلاقات مع إيران تحت أسباب لم يكن بينها ما هو عقائدي بالدرجة الأولى، كما لم يجر حديث من قوى مصرية ذات حيثية مرجعية عن الخطوط الحمراء أمام إيران في مواجهة بلدان ومجتمعات الأمة، وكان قرار العلاقات بين مصر وإيران مجرد قرار تصنعه دوائر الحكم ووزارة الخارجية المصرية دون مشاركة الشعب أو القوى المجتمعية بأي موقف واضح ومباشر في تحديد خطوط ودوائر تلك العلاقات ومحدداتها، بل كان ما يسمع من الساسة الرسميين والإعلام الحكومي عن أسباب ما عليه تلك العلاقات، مجرد أمور هامشية على رأسها تسمية أحد شوارع طهران باسم خالد الإسلامبولي قاتل السادات. وهو ما كان يتيح للنظام والإعلام الإيراني أن يتحدث عن موقف من إيران تفرضه أميركا والغرب على نظام الحكم في مصر، وأن يطيل الإطناب في أن الشعب المصري لا يرغب في الخلاف مع إيران. والآن إذ زار نجاد القاهرة ضمن فعاليات مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي وجرت تلبية طلباته في اللقاءات والزيارات للمساجد والهيئات، فقد جاءت المحددات التي أعلنتها القوى المجتمعية في مصر لتضع خطوطا حمراء جاءت جامعه لكل الموقف العربي والإسلامي من السلوك والدور الإيراني. تلك المحددات وردت في لقاءات شيخ الأزهر مع نجاد وظهرت جلية في مواقف التشكيلة السلفية المصرية، وفي مواقف وتصرفات شعبية أخرى وصلت حد إهانة نجاد حين واجه ما واجهه الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش في بغداد. في لقاء نجاد بشيخ الأزهر حوى البيان الصادر عن الأزهر محددات ومواقف قاطعه من السلوك والدور الإيراني في المنطقة العربية ومن المسلمين إذ شدد البيان على ضرورة احترام إيران للبحرين وعدم التدخل في شؤون دول الخليج ووقف نزيف الدم في سوريا، ووصل الأمر حد الحديث المباشر الواضح عن أهل السنة في إيران وحقوقهم وبخاصة في الأحواز وشدد البيان على وقف المد الشيعي والمطالبة بإصدار فتاوى تحرم وتجرم سب الصحابة رضوان الله عليهم. وقد وجدت مواقف تيارات وطيف الحركة السلفية وجود نجاد الفرصة الأهم في تحديد موقف عقائدي أشد من إيران. وهكذا إذ رسم نجاد صورة ذهنية للزيارة وأتى للقاهرة مندفعا متصورا أنه سينجح في الغزو وتغيير الصورة الذهنية لدى المصريين بشأن جرائم إيران، وأنه سيحقق هدف إيران في شق الصف العربي أكثر وأن مصر سيجري إدخالها في شقاق مع دول الخليج، فإذا بالنتيجة معاكسا كليا، سواء لأن ما جرى وسع تعبئة المجتمع المصري ضد إيران أو لأنه حدد الخطوط الحمراء التي لا يستطيع أي حاكم الخروج عليها، أو لأن نجاد ووجه في مصر بما لم يواجه به في أي دولة أخرى في العالم.

392

| 08 فبراير 2013

أخيرا.. ظهر اللهو الخفي!

أصدر النائب العام المصري قرارا بطلب القبض والتحقيق مع جماعات "بلاك بلوك"، باعتبارها حركة إرهابية، إثر وقائع وأحاديث إعلامية شملتها بلاغات قدمت له حول نشاطات مسلحه لتلك الجماعة، التي أعلنت عن نفسها وسط أحداث العنف التي شهدتها مظاهرات جبهة الإنقاذ في ذكرى ثورة يناير للتأكيد على ما لم يتحقق من أهداف ومطالب الثورة.وهكذا شهدت مصر أول واقعة اتهام وتصنيف لحركة أو تنظيم أو جماعة، بأنها حركة إرهابية. قرار النائب العام بتجريم نشاط بلاك بوك جاء وسط تطور آخر لافت في المظاهرات، إذ بدأت قوات الجيش والشرطة تواجه نمطا آخر جديدا من العنف والبلطجة ضد المؤسسات العامة والخاصة، بدافع التخريب والسرقة. لقد لمس الجميع أن الأحداث حملت متغيرا، إذ لم تعد أعمال العنف والبلطجة موجهة ضد أقسام الشرطة ومديريات الأمن، بل صارت موجهة أيضاً ضد مقرات إدارة المحافظات ومقرات إقامة المحافظين ومجمعات المحاكم التابعة لوزارة العدل والطرق العامة وخطوط مترو الأنفاق..الخ.. وكان الأكثر بروزا في أعمال المكافحة لتلك الجرائم؛ ما جرى من إلقاء القبض على نحو 20 لصا مسلحا اقتحموا أحد الفنادق الكبرى في القاهرة - قرب ميدان التحرير – خلال انشغال الشرطة بمواجهة المتظاهرين في نفس لحظة هجوم اللصوص. لقد جاء الإعلان عن تجريم نشاط ووجود البلاك بوك وحالة المواجهة مع ظاهرة البلطجة والسرقة والتخريب لمؤسسات الدولة والأفراد،وسط دوامة أحداث خطيرة شهدتها مصر،لعل أكثرها تأثيرا على الأوضاع العامة في البلاد ما جرى في محافظات القناة الثلاث،وهو ما حدا بالرئيس المصري إلى فرض حالة الطوارئ لمدة شهر في تلك المحافظات لمواجهة أحداث القتل والتدمير والتخريب،بعد أن أخذت أحداث العنف، منحى استخدام السلاح بكثافة وعلى نحو لم يعرف من قبل. قرارات الرئيس مثلت إعلانا بان القيادة السياسية باتت تستشعر حالة الخطر على الدولة والمجتمع،خاصة وقد أطلق البعض شعارات غريبة -وسط تلك الدوامة -أكثرها لفتا للأنظار تكرر الإعلان عن استقلال محافظاتهم عن مصر،وهى شعارات عالجها الشعب المصري بخفة الدم حين بدأت أول حالاتها في مدينة المحلة الكبرى منذ فترة - إذ أصبحت تلك الحالة مثار تهكم على صفحات التواصل الاجتماعي حول تأشيرات الدخول وسعر تغيير العملة المحلاوية بالجنيه المصري - لكن تكرار ظهورها في عدة محافظات بات مسألة تؤرق صاحب القرار بسبب مخاطرها المستقبلية. وفي كل ذلك، يبقى أخطر ما يجري هو ذاك الإعلان عن تشكل مجموعات مسلحة ذات أهداف سياسية، وعن أن تلك المجموعات كانت تشارك في الأحداث من فترة دون إعلان عن نفسها، وهو ما دفع الكثيرين للحديث عن صحة ما تردد عن وجود طرف ثالث استخدم العنف بالسلاح ضد كل الأطراف لاحداث أوسع درجات الفوضى،وأن هذا الطرف وصل الآن إلى درجة من القوة – بسبب المناخ السياسي – مكنته أن يعلن نفسه. وقد تأكد البعد السياسي حين اشتمل الإعلان على أن اتجاه استخدام السلاح سيكون في اتجاه الإخوان المسلمين بحجة مواجهة ميليشياتهم ووزارة الداخلية كتهديد وتحذير من الانصياع لحكم الإخوان! هل ظهر اللهو الخفي..أخيرا؟ وهل في ظهوره ما يمثل عنوانا وغطاء قد يسمح لمن يريد ممارسة العنف من الداخل أو الخارج،أن يفعل ما يريد دون أن يوجه إليه أي اتهام؟ وكيف يحصل هؤلاء على السلاح،على الأقل ماليا؟وكيف لم تكتشفهم أجهزة الدولة من قبل؟ وهل تجرى مراجعة كثير من القضايا السابقة التي قيدت ضد مجهول؟!

469

| 01 فبراير 2013

حرب الأفكار في الإعلام المصري !

حملت صور مظاهرات ومعارك الثورة المصرية رسالة ضمنية بمصداقية الإعلام الناقل لها، وقابلها المتلقي المصري بحالة موازية من الاندماج والتوحد مع الحدث والوقائع حتى صار الإعلام عنوانا للحقيقة، وهو ما جاء بديلا لحالة التلقي السلبي التي تعامل بها الإنسان المصري مع الإعلام الباهت الساكت الذي ساد عبر سنوات الفساد والديكتاتورية بما جعل الناس تقول عن ما ينشر "دا كلام جرائد "،أي كلام لا صدقية له.غير أن هذا الإعلام تحول من بعد إلى وضعية وحالة مناقضة يصعب حتى على الخبير الإعلامي أن يصفها بدقة.شهد ويشهد الإعلام المصري نمطا من الاختلاف والتناقض والاقتتال اللفظي حول رواية الوقائع والأحداث التي تلت أيام الثورة، وليس فقط جول دلالاتها أو زوايا النظر لها كل واقعة أو حدث صارت له روايات متناقضة حتى صار المشاهد يجد نفسه في موقع التشويش أكثر كلما تابع الإعلام أكثر.فهو حين يتنقل بين الفضائيات أو الصحف يجد رواية مختلفة لما سمعه عن نفس الحادث في الفضائية أو الصحيفة التي تركها منذ دقائق.أحد الناس قال لي "أي حدث تتابعه فأنت تعرف مسبقا أن قناة...أو صحيفة...،ستحمله للإخوان أو الإسلاميين " وإذا ذهبت لأخرى.".ستجد أن البلطجة هي المتهمة في كل حدث " وهكذا نحن لا نعرف الفاعل أبدا، وكلما طالعنا الإعلام أكثر أصابنا التشوش أكثر.والإعلام المصري صار يشهد حروبا فكرية إيديولوجية، حتى صارت المحطات الفضائية والصحف مصنفة تصنيفا فكريا خالصا.كان المواطن المصري يصنف الصحف والفضائيات قبل الثورة في صنفين، فتلك ناطقة باسم الحكم تبرر أفعاله وتمجد أقواله، على طول الخط، وتلك تعارضه وتنتقده على طول الخط.الآن يجري التصنيف على أساس أن تلك الفضائية أو الصحيفة تدافع عن الفلول أو عن الليبراليين أو عن الإسلاميين.هي حرب أفكار وليست خدمة إعلامية تحترم حق المشاهد في المعرفة، وهي حالة إعلامية ضحيتها الحقيقة، إذ يجري التشويش بأعلى قدر من الهمة والنشاط على الحقيقة،فما تقوله إحدى وسائل الإعلام عن ذات الواقعة هو باطل باطل عند الأخرى.هنا يذهب المشاهد وعقله ضحية كل هذا الشجار الحادث.أحد المشاهدين قال لي إن كثيرا مما يجري في الإعلام يؤدي إلى تشتيت العقل، وأن الرواية الرسمية للأحداث تكاد تكون غائبة، وإن اختلف الحال وظهر مسؤول يروي الواقعة يجري الهجوم على روايته فورا، مهما كان صدقها،ولذا لم تعد هناك مرجعية أبدا للوقائع، وإن هذه الحالة هي أحد أسباب نزوله بنفسه لمشاهدة ما يجري أو سؤال شهود العيان، وأنه اكتشف أن كثيرين صاروا يفعلون ما يفعل.وقال لي آخر، إن المشكلة أنه صار يتابع من دافع القلق الذي ينتابه لا من دافع الرغبة في المعرفة فقط، وأنه صار يركز على الصور والفيديوهات أكثر مما يسمع وفي بعض الأحيان يغلق الصوت ليرى فقط، ويكون صورة للحدث بنفسه!وهكذا تتحول حرية الإعلام القادمة بعد الثورة، من حرية في خدمة المشاهد والوصول إلى الحقائق وفق أدوات مهنية، إلى حرية الإعلاميين في طرح أفكارهم والتمتع بممارسة صراعاتهم الإيديولوجية والفكرية والمهنية وربما الشخصية أيضا، وكل ذلك يجري على حساب الحقيقة ودون احترام لعقل المشاهد.بعض من خبراء الإعلام يرون أنها مرحلة قد ينتج عنها دفع المشاهدين للتخلي عن منطق السلبية والجلوس في مقاعد التلقي، إلى حالة المشاركة السياسية لمعرفة وصناعة الوقائع على الأرض.لكن هناك من يرى أن بعض الإعلام المصري يفقد مصداقيته في أعين المتابعين ويمارس حرب الأفكار ضد المشاهدين،لا ضد الإعلاميين وبعضهم البعض فقط، بما يدفع الكثيرين إلى حالة العزوف عن المشاهدة أو القراءة، إلا في حالات الكوارث الطبيعية!

386

| 18 يناير 2013

مؤتمر لنصرة الأحواز في مصر

آخر تجليات الثورة المصرية، أن تشهد مصر انعقاد مؤتمر وندوات بحثية لنصرة أهل الأحواز التي احتلتها إيران عقب الحرب العالمية الأولى وتحديدا في عام 1925.لم يكن ممكنا انعقاد مثل هذا المؤتمر لولا الحريات التي أتت بها ثورة يناير،غير أن للثورتين السورية والعراقية فضلا آخر في انعقاده، فكلاهما جاء كاشفا لما تقوم به إيران من أعمال احتلال ومساندة لنظم طائفية معادية لمصالح شعوبها الوطنية،وكلاهما حمل إعلانا بمواجهة المحاولات الإيرانية المتواصلة للسيطرة على الإقليم وتفكيك دوله ومجتمعاته. يحمل المؤتمر دلالات التحرر العربي من قيود الديكتاتورية، كما يحمل معنى إصرار ثورات الربيع العربي على مواجهة مشكلات وقضايا لم يكن مسموحا ولا ممكنا تناولها من قبل أو الدفاع عنها، وهنا تأتي قضية الأحواز العربية المحتلة إيرانيا، حالة فارقة في تحديد مواقف وأدوار جديدة لتلك الثورات.هي تجرؤ على فتح ملفات كان الكل تصور أنها أغلقت للأبد، بعدما ظل النظام الرسمي العربي صامتا عنها. لكن لإيران دورا في فتح مثل هذا الملف أيضا.لقد استنفرت إيران قوى دولية وإقليمية وعربية رسمية وشعبية،ودفعتها للتعامل معها بمنطق العداء والصراع المباشر وبصوت عال.لقد استنفرت إيران القوى الشعبية العربية،بعدما وقفت داعمة لنظام بشار الأسد، ومساندة له وهو يقتل شعبه ويدمر وطنه، وبعدما فعلت نفس الأمر في العراق مع المالكي.جاء الدور الإيراني في سوريا والعراق مختلفا على نحو كبير عن تلك الصورة التي بدا عليها الدور الإيراني في لبنان وفي التعامل مع فصائل المقاومة الفلسطينية.وقد استنفرت إيران الموقف التركي ضدها،إذ وجدت تركيا نفسها في وضع من يحاط في مجالها الحيوي في الإقليم من قبل الجهد والدور والنفوذ الإيراني.وها نحن نرى تركيا داعمة للثورة السورية والشعب السوري في مواجهة الدور الإيراني المساند للأسد، كما نرى تركيا في صف الشعب العراقي الذي تقف إيران ضده عبر مساندتها لنظام طائفي فاسد في هذا البلد. واستنفرت إيران دول الخليج، بفعل إصرارها على احتلال الجزر الإماراتية من جهة، وبسبب دورها في البحرين وتصريحات مسؤوليها بابتلاع هذا البلد كله.وجدت حكومات الخليج نفسها في وضع لا تهدد فيه بالقوة العسكرية الإيرانية، فقط، بل صارت دولها مهددة بالابتلاع كلها.واستنفرت إيران القوى الدولية ضدها، حين دخلت في حالة صراع على المصالح والنفوذ في دائرة متوسعة دوما. استنفرت إيران قوى رسمية وشعبية ودولية وإقليمية ضدها، فكان من الطبيعي أن تجرى تحركات لمواجهتها ووقف إستراتيجيتها الساعية للهيمنة والسيطرة. غير أن مساندة قضية الأحواز وأهلها جاء نقلة جديدة في تلك المواجهة.فهو إقرار بحق الشعب العربي هناك في التحرر وإنهاء احتلال مسكوت عنه حتى تحول إلى محاولة تذويب للهوية وإنهاء للغة العربية،بل هو تحول إلى نمط من التطهير العرقي هناك.وهو تصحيح لخطأ دولي إذ جرى انتزاع الأحواز ومنحها لإيران من قبل بريطانيا خلال الصراع الحربي بين بريطانيا والدولة العثمانية من جهة،وبين بريطانيا والغرب،وروسيا بعد الثورة الاشتراكية من جهة أخرى،وهو كذلك تصحيح لخطأ النظام الرسمي العربي الذي ظل صامتا من يوم تشكله في أربعينات القرن الماضي وحتى الآن. مؤتمر نصرة الأحواز بالقاهرة،إعلان بأن للشعوب خياراتها،وأن الشعوب تدافع عن قضاياها ومصالحها وأن طال الزمن،دون التزام بالأطر الرسمية العربية التي أضاعت كثير من قضايا الأمة. هو مؤتمر لنصرة شعب قام بنحو 20 انتفاضة وثورة منذ احتلال بلاده، وهو إعلان بأن مرور نحو القرن على الاحتلال لا تمنح للمحتل حق..ولا تضيع على الشعوب حقوقها أبدا.

390

| 11 يناير 2013

الرئيس المصري وخيارات يوليو 52 !

جاء خطاب الرئيس المصري د.محمد مرسي أمام مجلس الشورى ليعيد إحياء فكرة الخيارات ومفترق الطرق الذي تعيشه مصر منذ ثورة يناير 2011 في علاقاتها الخارجية. أيقظ الخطاب مجددا تلك الفكرة التي تلح على العقل بأن الرئيس والدولة تعيش حالة الخيارات التي عاشتها مصر في عام 1952، وأن تلك الخيارات لم تتبلور بعد في الخطاب الرسمي على نحو محدد! الرئيس المصري تحدث عن خيارات السياسة الخارجية فوضع العلاقات مع أوروبا والولايات المتحدة في آخر السطر ودون ذكر اسم الولايات المتحدة. هو حدد الدوائر التي تتحرك السياسة الخارجية المصرية ضمن أولوياتها فذكر الأشقاء العرب أولا، وقال إن مصر اتخذت خطوات جادة لتقوية علاقاتها بالشرق فوضعها في المرتبة الثانية دون أن يحدد ما يقصده بالشرق،هل هو الشرق العربي أم أن الشرق يمتد إلى روسيا والصين والهند واليابان وغيرها أيضا وهو وضع السعي لبناء علاقة إستراتيجية مع إفريقيا خاصة دول حوض النيل في الدائرة الثالثة من اهتمام السياسة الخارجية المصرية لكنه وصفها بالعلاقات الإستراتيجية رغم وضعها في المرتبة الثالثة. بعدها تحدث عن أن مصر ستعزز علاقاتها بالدول الرائدة في أمريكا الجنوبية ووضعها في الدائرة الرابعة فحدد دائرة تتعلق بدول العالم الثالث أو النامي، أما العلاقات مع أوروبا وأمريكا الشمالية فوضعها الرئيس مرسى في آخر سطر دوائر حركة السياسة الخارجية المصرية ودون أن ينطق اسم الولايات المتحدة. تلك لغة جديدة وتحديد أكثر وضوحا لدوائر حركة السياسة الخارجية المصرية بالاختلاف مع لغة ودوائر حركة السياسة الخارجية في زمن الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك. وتلك بداية للإفصاح أكثر في مرحلة تالية عن توجهات أكثر تحديدا خاصة وأن الرئيس رفع من سقف الخطاب الوطني فقال بوضوح أن مصر لن تخضع أبداً ولن تركع بفضل الله دون أن يحدد الجهة التي يتحدث عنها أو دون أن يذكر الجهة التي تحاول إخضاع مصر وتركيعها وهو ما طرح تساؤلات لدى البعض عن ما إذا كان الرئيس المصري يرد على ما قاله الرئيس الأمريكي أوباما حين تحدث أن مصر ليست حليفا وأنها ليست عدوا. لكن اللافت أن الرئيس المصري لم يتحدث عن العلاقات الإسلامية لمصر ضمن تلك الدوائر والاتجاهات بما يطرح تساؤلات كثيرة حول ما إذا كان الرئيس يراعي طبيعة التخوفات في الخارج والداخل بشأن توجهات السياسة الخارجية المصرية في ظل أول رئيس قادم للحكم من جماعة الإخوان المسلمين أم أن الرئيس اعتبر أن الدائرة الإسلامية لا تحتاج إلى ذكرها أو توضع في ترتيب جدول الاهتمامات الإستراتيجية. على كل لم يكن الخيار الخارجي هو المطروح وحده في هذا الخطاب بل كانت الديمقراطية وحرية الإعلام محورا من محاور تحديد التوجهات أو إيضاح نوايا وأفكار الرئيس. فهو شدد على الحوار الداخلي أو الحوار الوطني وعلى خيار الديمقراطية بطبيعة الحال لكنه شدد على حرية الإعلام مضيفا حديث آخر حول جماعات المصالح والتمويل الفاسد للإعلام. وهو ما يدفع للحديث عن رسالة مباشرة من الرئيس لوسائل الإعلام تأتي أهميتها من الهجوم الضاري الذي تشنه الفضائيات الخاصة المملوكة لرجال أعمال مصريين على الرئيس والحركة الإسلامية ومن أن هذا التشديد جاء مع بدء تغيير نمط الإشراف الحكومي على الإعلام بعد إقرار الدستور وإلغاء وزارة الإعلام وتشكيل مفوضية للصحافة وأخرى للإعلام. الرئيس مال إلى البدء في تحديد الخيارات بعد مرحلة لم يكن واضحا فيها توجهات الدولة المصرية في مختلف المجالات وهي حالة تذكرنا بالخيارات التي وضعت فيها مصر بعد عام 1952 حين حدث التغيير في رأس هرم السلطة وجرى التحول رويدا رويدا على صعيد وضوح دوائر السياسات الخارجية والداخلية. وفي ذلك بدا لافتا حديث الرئيس عن أن امن مصر لا يقف عند حدودها وهو ما يفتح الطريق لإعادة تعريف الأمن القومي المصري أو لإعادته مجددا لدوائر أوسع من تلك التي وصل إليها نظام مبارك في تراجعاته المتواصلة.

505

| 04 يناير 2013

نتيجة الاستفتاء :لا للفوضى !

جرت المعركة السياسية والجماهيرية في الاستفتاء المصري، بين نعم لإقراره، ولا المتشددة في رفضه، وظهرت النتائج لتقول إن الشعب انتصر لنعم ورفض لا.غير أن التصويت "بنعم" حمل معنى من معاني كلمة "لا" وإن جاء مختلفا عما استهدفه من سعي لعدم إقرار الدستور. كلمة "نعم" حملت في طياتها رفضا لاستمرار حالة الفوضى، وكان معناها الحقيقي "لا للفوضى" وأن الثورة المصرية لا يمكن أن تعود للخلف، بل يجب أن تتحرك للأمام على صعيد بناء المؤسسات والدخول في جدول أعمال تنفيذ مطالب الثورة وتجسيد نتائجها في حياة المصريين عمليا.لقد صوت المصريون "بنعم"،دون أن يقتصر المعنى على تحقيق الاستقرار على ما هو قائم،وإنما المعنى أن نتحرك خطوة لإكمال ما بقي غائبا من سلطات الدولة والإسراع في إجراءات انتخاب مجلس نواب جديد –الشعب سابقا-والقفز في خطوات نقل ما ورد في الدستور من معان عامة إلى حقائق وحقوق بشأن العدل الاجتماعي وإعادة توزيع الدخل الوطني على أسس جديدة وإنفاذ الرعاية الصحية وتحقيق التنمية وإصدار القوانين التي تحقق حرية إصدار الصحف وتأسيس الأحزاب بالإخطار..الخ. التصويت بنعم حمل معنى "لا" أخرى موجهة للخارج. فخطورة أعمال الفوضى والحرق والتخريب والقتل التي جرت خلال مأساة الإعلان الدستوري، لم تتوقف عند حدود تهديد أمن البلاد واستقراره وقطع الطريق على تمتع الدولة المصرية بمشروعية كاملة، ولكن امتدت تأثيراتها إلى مواقف الخارج، إذ اعتبرت بعض الدول والمؤسسات أن البلاد ذاهبة إلى طريق مسدود، فصدرت قرارات بوقف إلغاء ديون ألمانية على مصر،وتأخير النظر في إسقاط ديون أمريكية، كما امتد تأثير الفوضى الداخلية ليلقي بظلاله على ملف استعادة أموال مبارك من سويسرا واستعادة رجل الأعمال المصري الهارب إلى إسبانيا حسين سالم. نعم للدستور ترسل إشارة للخارج بأنه تعجل في قراءة الوضع في مصر، ولتقول إن الشعب لن يسمح للفوضى في الداخل أن تحول الدولة المصرية من دولة قوية إلى دولة فاشلة، بما يدفع الخارج إلى التملص من وعوده في إسقاط الديون أو في وقف أو تعطيل إجراءات إعادة الأموال المنهوبة إلى مصر. وتصويت المصريين بنعم للدستور،هو إعلان بموقف وقرار شعبي بالتحول من حالة التفرغ للتظاهر والتخندق إلى معسكرات متناحرة باسم استكمال الثورة،وإلقاء بالكرة في ملعب القيادة والنخب،وتأكيد على انتظار الشعب تحقيق مطالب الثورة،التي طال الوقت في انتظارها بسبب صراعات ومشاكسات النخب مع بعضها البعض. وهذا التصويت صار يطرح أسئلة متكاثرة حول وعي النخب وعلامات استفهام حول دورها.في الأسئلة الشعبية للنخبة،يسأل الناس: متى عودة المثقفين للشعور بأحوال المواطنين،ومتى يميز هؤلاء بين قضايا تخصهم ونفوذهم ومصالحهم وقضايا حالية تتعلق بقوت الناس اليومي في ظل استمرار الاضطراب الاقتصادي وتصاعد التوتر الاجتماعي بسبب تنامي معدلات الفقر والعوز وشدة الحاجة. أما علامات الاستفهام حول مدى إدراك النخبة ووعيها،فهو ناتج عن سلوكها الذي أدخل البلاد في دورة جهنمية،نصفها الأول يتعلق بإحباط التعافي السياسي وتعميق الاضطراب الاقتصادي والمؤسسي بسبب الصراعات التي يجري تسعيرها بين الناس،ونصفها الثاني يتعلق بنتائج تلك الحالة واستجلابها –أو إتاحتها الفرص -لردود فعل سياسية واقتصادية من الخارج، تعلن عدم المساندة وتوقف تطوير العلاقات الاقتصادية،ليصبح الاضطراب في الداخل جزء من صناعة الحصار من الخارج. الشعب إذن كان أكثر إدراكا ووعيا بمخاطر عدم إقرار الدستور،إذ لا تتحمل البلاد استمرار حالة الفراغ التشريعي واستمرار التوتر السياسي الحاد،وهو أصدر قراره بالسير للأمام،بما يتطلب من النخبة أن تغير من سلوكها السياسي الصراعي،وأن تشعر بمسؤوليتها تجاه الشعب والمجتمع والدولة.وفي ذلك يبدو الحوار الوطني هو بوابة الخروج من تلك الدورة الجهنمية،شرط أن يتحول من حوار بين المعارضة والرئيس إلى حوار بين مختلف القوى والتيارات الفكرية والسياسية في المجتمع.فالحوار بين حكم ومعارضة هو حوار يجري في الأغلب حول أنصبة الحكم،أما الحوار بين القوى والتيارات في المجتمع فهو يجري حول ثوابت المصالح القومية العليا وكيفية مواجهة المخاطر وكيفية صناعة المستقبل.

386

| 27 ديسمبر 2012

هذا الشعب.. غريب جداً

عاد الشعب المصري في يوم الاستفتاء على الدستور، ليعلن مرة أخرى أنه صاحب قرار خاص عميق لا يتقرر بناء على رأي أحد غيره هو.. لا النخبة ولا الإعلام ولا الحكم. خرج الشعب المصري ليعلن مجددا أن كل محاولات إثارة العنف والبلطجة لتخويفه وكل هذا السيل الإعلامي المخوف والمهول من الدماء التي ستسيل ومثل تلك الدعوات المطالبة بالمقاطعة، لا تعنيه في شيء. هكذا وقع الشعب المصري في سجل التحضر والتحدي والقدرة على اتخاذ القرار الخاص العميق، تماما كما فعل خلال الاستفتاء الأول بعد الثورة وخلال الانتخابات البرلمانية، إذ هزم بالصفوف الطويلة من النساء وكبار السن قبل الشباب كل هؤلاء الذين خوفوه. هذا السلوك الغريب ليس جديدا. فمنذ بداية ثورة يناير والكل في حيرة من أمره بشأن ردود فعل الشعب المصري ومسلكه الجمعي في التعامل مع الأزمات، والمؤثرات التي تحدد هذا السلوك. إذ جاءت جميع قراراته وكأنها تأبى أن تكون متأثرة لا بالحملات الإعلامية ولا بالتحركات التي تقودها النخب السياسية، فحيث كانت هناك خطط إعلامية وسياسية تحرك وتضغط وتخوف، يفاجئ الشعب الجميع بقرار خاص به تماما. نستطيع أن نقول إن جوانب السلوك الجمعي التي أظهرها الشعب في ثورة يناير، لم يكن لنا أن نتعرف عليها على هذا النحو إلا من خلال حدث كبير كهذا، إلا أن كل ردود الأفعال التي يقوم بها الشعب المصري في كل ما سبق جاءت لافتة للغاية، وكذلك كل ما جرى بعد الثورة. يبدو الشعب المصري وكأنه مهموم ومنغمس في السعي وراء لقمة العيش لا يأبه بأي شيء آخر، حتى تحدث المثقفون عن حالة استسلام للحاكم، لكن الشعب سرعان ما كان يفاجئ الجميع في لحظة واحدة ودون سابق إنذار، بحراك واسع وغير محدود، لكنه محسوب بدقة! هذا ما عشته شخصيا في شوارع القاهرة، في رد فعل الشعب المصري بعد النكسة حين خرج الشعب يقول لعبد الناصر لا تتنحى، ولكن نفس هذا الشعب هو من خرج احتجاجا ورفضا لأحكام الطيران، التي كانت موجهة مباشرة ضد من تسببوا في وقوع النكسة. وهنا كان اللافت الأهم أن الشعب قدر خطواته بحسابات دقيقة لإدراكه أن البلاد تعيش في حالة حرب، وأن الاحتجاج والضغط لا يعني ولوج أعمال العنف والاضطراب التي تؤثر على عملية الاستعداد لتحرير الأرض. انتهت الأحداث في الحالتين ليعود كل مصري إلى حياته العملية في اليوم التالي وكأن لا شيء حدث. وحيث ثار الطلاب على السادات خلال مظاهرات عامي 72 و73، قرر الشعب أن تقف الأمور عند حد سلوك الطلاب وتعبيرهم عن رفض استمرار حالة اللاسلم واللاحرب، وكان حس الشعب راقيا ومحددا بدقة، وكأنه يعلم أن الحرب على الأبواب وأن المطلوب فقط هو توجيه إنذار للحاكم والمسؤولين، أو تهديد بإخراج كارت أحمر. وحين انتهت الحرب، ووعد السادات بالسير بسرعة لتحسين الأوضاع المعيشية وأسرف في الوعود وقتها، ثم عاد ليصدر قرارات زيادة الأسعار في 17 يناير 1977، أخرج الشعب الكارت الأحمر مرة أخرى. كنا نحن العاملين في الحقل السياسي نعقد دورة اجتماعات مكثفة في ذات اليوم نشكو جميعا من الإحباط الشديد لعدم صدور رد فعل شعبي ونتبارى في التنظير حول أسباب همود حركة الشعب، فإذا بمن يحضر لاهثا ليبلغنا أن المظاهرات اندلعت في الشوارع تهتف ضد زيادات الأسعار. خرج الكارت الأحمر واكتفى الشعب بذلك وجلس ينتظر استجابة الحاكم، وكان الشعب يقول إنه يدرك أن البلاد عاشت حالة الحرب ولذا يضغط ولا يقدم على ثورة، ويطلب أن تتوزع الأعباء على كل المجتمع لا على الفقراء فقط. وقد ظلت الأحداث تراوح مكانها في شد وجذب، حتى جاءت ثورة يناير بكل محاولات إخراجها عن سلميتها فكان الشعب أوعى من الجميع. قدم الشهداء بالمئات دون أن يرفع السلاح، وتكرر المشهد فلم يستجب لدعويين للعصيان المدني ولم ينجر للعنف والقتل وظل يقدم الشهداء من محمد محمود إلى مجلس الوزراء إلى بورسعيد إلى قصر الاتحادية، دون أن يرد إلا بالحشود الجماهيرية التي تثبت أنها السلاح الأقوى من كل سلاح. هذا شعب غريب حقا..

424

| 20 ديسمبر 2012

تخندق الساسة: فهل يتقاتل المجتمع؟

المشهد المصري يعلن بكل وضوح وإصرار ،أن الساسة في مصر لم ينقسموا فقط بل تخندقوا في معسكرين، وأصبح المرور من معسكر لآخر مستبعدا في الأزمة الحالية، وهو ما صار يطرح التساؤل الأهم والأخطر ، وهو: هل تحول انقسام وتخندق السياسيين إلى انقسام وتخندق مجتمعي . أهمية السؤال تأتي من تحول انقسام وتخندق الساسة إلى عنف في الشوارع ، حتى إن هناك من حذر من احتمالات دخول مصر إلى جهنم الحرب الأهلية. مظاهر تخندق الساسة بدأت بالانقسام إلى معسكرين ، أولهم سمى نفسه بالقوى المدنية_ وأطلق عليه خصومه – القوى العلمانية) ، وثانيهم سمى نفسه بالقوى الإسلامية (وأطلق عليه خصومه –القوى الدينية)، وهكذا جرى الصراع متصاعدا تحت رايات مختلفة مرفوعة فوق كل خندق. القوى المدنية انسحبت من الجمعية التأسيسية واندفعت إلى تشكيل جبهة الإنقاذ الوطني، وأعلنت رفض الحوار مع الرئيس المصري، ووصلت الشعارات التي رفعها بعض رموز المنتمين لها وكثير من الأنصار حد المطالبة والسعي والضغط لإسقاط الرئيس المنتخب. والقوى الإسلامية، لم تتوقف أو تكترس بضغوط القوى المدنية المنسحبة من الجمعية التأسيسية، في آخر مراحل عملها، فأكملت نقاش الدستور وأقرته ودفعت به للرئيس ليصدر قراره الفوري بتحديد موعد الاستفتاء عليه. وكان الأشد بروزا في مشاهد التخندق، أن القوى الإسلامية اتهمت القوى المدنية بالتورط في مؤامرة لإطاحة الرئيس ،بالتحالف مع فلول النظام السابق ،ووصل الأمر حد تقديم بلاغات للقضاء تطلب التحقيق في تلك الاتهامات التي طالت رموز جبهة الإنقاذ . ورغم التخندق وضراوة الصراع بين الساسة ،فالأمر لا يخيف كثيرا ،إذ الأحزاب السياسية يمكن لها أن تصعد وتسخن مواقفها وتعود من بعد لتقلل التصعيد وتبرد المواقف سعيا إلى تحقيق مكاسب عبر التوافق أو الحلول الوسط المؤقتة، حيث بعض من التصعيد والتسخين يدخل في باب المناورة والضغط من أجل المساومة مع الطرف الآخر .غير أن المشكلة التي واجهتها مصر خلال الأيام الماضية ،تمثلت في الزج بالجمهور العام في صراعات عنف وصل حد الاشتباك والاقتتال وحرق المقرات وحصار مؤسسات الدولة والتهديد باقتحامها، وأن هناك من الساسة من دخل على خط رفض القضاة للاعتداء على استقلالهم ،وصار يدفع بهم إلى حالة الصراع مع رئاسة الجمهورية وحشد قوتهم وجرهم في الصراع الجاري بين القوى السياسية حول الدستور ،بما صار يهدد بصراع بين أجهزة الدولة المختلفة يضعف تماسكها وأداءها . وكان الأخطر أن صدرت مناشدات للقوات المسلحة هي الأخرى للانحياز إلى موقف التيارات المدنية في الصراع وفق مقولة إن موقفهم هو موقف الشعب وأن الجيش يجب أن ينحاز للشعب. وهكذا تعددت مشاهد انقسام المجتمع ومؤسسات الدولة ،حتى وصل الأمر إلى حديث طائفي جلي من بعض الإعلاميين حين وضعوا المسيحيين في طرف القوى المدنية في مواجهة القوى الإسلامية ،خلال أحداث "الاقتتال" أمام القصر الجمهوري. الخطر الحقيقي في الأزمات الحادة ،لا يحدث حين يختلف أو ينقسم أو يتصارع الساسة –فتلك هي السياسة والمنافسة وتلك هي الديموقراطية التعددية – ولكن حين يجري الزج بالمجتمع في الخلاف والصراع ويلهب عقله وعواطفه على أساس سياسي حزبي، وتدفع مجموعات وكتل جماهيرية إلى الاقتتال مع بعضها البعض .هنا يمكن القول أو التحذير بأن الأمور ذاهبة باتجاه اقتتال أهلي ، وهو ما دفع الكثير من المراقبين لإطلاق التحذير وإبداء التخوفات بشأن لبننة أو عرقنة أو صوملة مصر، إذا جرى التمادي في تصعيد المواقف والتحركات المتضادة ، في الأزمة الراهنة. لكن معظم المراقبين يرون أن مثل تلك التخوفات مستبعدة، بسبب تداخل وتماسك النسيج المجتمعي ، وبحكم طبيعة الدولة المركزية وتراثها التاريخي في مصر ، ولعدم وجود تمايز طائفي أو عرقي على أساس جغرافي ، وإن كان الكثيرون يرون أن الخطر موجودا بصيغ أخرى ،إذ يتخوف هؤلاء من نتائج ضعف الدولة المركزية عبر دفعها للانشغال والتركيز على مخاطر تجرى في مركز الدولة بما ينهكها، ويضعف قدراتها ودورها في بعض الأطراف ويمنح الفرصة للتفكك والاضطراب، خاصة سيناء .كما يتخوف البعض من دخول البلاد حالة الفوضى والاضطراب الأمني والاجتماعي من جديد ، لتعيش البلاد مشاهد ما جرى في مؤامرة إدخال البلاد في الفوضى كمحاولة من نظام مبارك لإجهاض الثورة .

434

| 13 ديسمبر 2012

معركة الدستور أم معركة الثورة ؟

كل الخلافات صبت في قضية صياغة وإقرار الدستور، حتى أصبح الدستور هو الثورة.. والثورة هي الدستور. بدأت القصة فور أن أصبح نجاح الثورة المصرية واقعا وحقيقة ثابتة بإعلان تخلي مبارك عن السلطة، إذ اندلعت معركة الدستور بين قوى الثورة المتوحدة حتى لحظة الفرح الشعبي غير المسبوق، وانقسمت البلاد إلى تيارين، أحدهما: تيار ضم في صفوفه القوميين واليساريين والليبراليين، أعلن أنه ينشد ولوج البلاد فورا نحو كتابة الدستور قبل أي خطوات أخرى، والثاني: التيار الذي ضم الأحزاب والجماعات الإسلامية، الذي أعلن في المقابل أنه ينشد السير نحو بناء مؤسسات منتخبة (مجلسي الشعب والشورى والرئيس الجديد) لتضع تلك المؤسسات الجديدة المنتخبة مهمة كتابة الدستور على رأس جدول أعمالها. واحتدم الخلاف إلى درجة تنظيم استفتاء شعبي في مطلع الثورة وجاءت نتيجته لمصلحة رؤية الإسلاميين وكان جوهره هو الإقرار بجدول أعمال المرحلة الانتقالية، وعلى رأسها تشكيل جمعية تأسيسية لوضع الدستور، من قبل مجلسي الشعب والشورى المنتخبين. لم تحل المشكلة رغم الاستفتاء، وما حدث أن التيار الأول غير أسلوب حركته دون أن يتخلى عن هدفه، فجرت لقاءات وصياغات تحت عناوين مختلفة، كان أبرزها ما قام به كل من الدكتور يحيى الجمل والدكتور علي السلمي والمجلس الرئاسي، لوضع صيغ لما سمي بالمبادئ فوق الدستورية، وهو ما فهمه دعاة صياغة الدستور من خلال هيئة منتخبة بأنه التفاف من نخبة ضيقة على إرادة الشعب، على اعتبار هي أن الشعب اختار عبر الاستفتاء أن يترك أمر الدستور كاملا لهيئة منتخبة من ممثلي الشعب المنتخبين، وهكذا تواصل الخلاف وتحول إلى صراع، في داخل الجمعية التأسيسية المنتخبة، ومن خارجها، حتى جرى حل الجمعية التأسيسية الأولى لوضع الدستور، وكادت الثانية أن تلقى نفس المصير فكان أن بادر رئيس الجمهورية المنتخب إلى تحصينها ومنع حلها، بما صنع أزمة جديدة جوهرها كتابة وإقرار الدستور. الآن تبدو معركة الدستور في طريقها للحسم لمصلحة الاتجاه الإسلامي، إذ انتهت الجمعية التأسيسية (المحصنة بقرار رئاسي) من صياغة الدستور، وأعلن الرئيس عن دعوة الشعب للاستفتاء عليه في 15 ديسمبر الحالي، غير أن الاتجاه الليبرالي اليساري القومي – المدني- أعلن أن الدستور لا يمثل إلا الاتجاه الثاني، وأنه استبعد فعليا من صياغة الدستور، وتراوحت ردود الفعل بين منع الوصول إلى يوم الاستفتاء عبر إعلان العصيان المدني، أو من خلال تعويق انعقاد الاستفتاء برفض القضاة – الذين علقوا عملهم – الإشراف على إجرائه، وهناك من طرح المقاطعة، فضلا عن دعوة للتصويت بلا على الدستور، بما يفتح الطريق أمام تشكيل لجنة أخرى لصياغته من جديد. هي إذن معركة مستعرة منذ لحظة مغادرة مبارك وإسقاط نظامه، غير أن السؤال الحائر فيها، لا يتعلق بتحديد أطرافها، ولا بفهم المرامي والأهداف من هذا الصراع. السؤال الحائر في عموم البلاد يجري حول جوهر الخلاف الذي وصل بعلاقات قوى الثورة إلى تلك الدرجة؟! الإسلاميون يرون أنها معركة حول الهوية وأن الدستور الحالي لم يختلف في صياغته فعليا، إلا على نقطة أو بند الشريعة، بل حتى هذا قد جرت حوله تسوية تحافظ على هوية مصر. والتيار الآخر يرى أن المعركة تتعلق بانفراد التيار الإسلامي بوضع الدستور من حيث المبدأ، وبأن الحريات قد أضيرت في نصوص الدستور، وأن الأبعاد الاجتماعية جاءت فضفاضة ولا تحقق أحد أهم مبادئ الثورة، وهو العدالة الاجتماعية. إلى أين تسير الأمور إذن؟ هناك ثلاثة احتمالات، أولها: ألا ينعقد الاستفتاء من الأصل بفعل ضغوط داخلية أو خارجية، وهنا لاشك أن الثورة والقوى والتيارات الفكرية والسياسية، ستدخل في اختبار خطير للغاية. وثاني الاحتمالات: أن ينعقد الاستفتاء ويصبح الدستور كامل الشرعية والصلاحية إذا خرجت النتائج تقول نعم، وهنا تصبح شرعية الحكم أوسع وغلبة أصحاب تلك الرؤية أعمق في داخل المجتمع. وثالث الاحتمالات: أن يقول الشعب: لا للدستور لتتواصل المعركة حول الدستور وتظل مصر تعيش في أزمة الحلقة المفرغة للمرحلة الانتقالية، وهو ما سيكون له تداعيات شعبية ومجتمعية على الحكم والدولة والثورة. مصر إذن في انتظار حدث فارق في عمر الثورة.

459

| 06 ديسمبر 2012

خيار بين أزمتين

حين انتهت إلى الفشل، محاولة تغيير النائب العام المصري عبر مخرج غير صراعي، بإصدار الرئيس محمد مرسي قرارا بتعيينه سفيرا لدى الفاتيكان، بات ضروريا وطبيعيا أن تجري الإقالة بطريقة لا يمكن التراجع عنها أو الطعن عليها، خاصة وأن التراجع في المحاولة الأولى جاء مصحوبا بعملية حشد وتعبئة ضد الرئاسة وقراراتها، بما شكل "ميلادا جديدا" لبؤرة الثورة المضادة. وتظهر الأحداث التي جرت مؤخرا، أن الإقدام على إصدار الإعلان الدستوري جاء وسط موازنة بين أزمتين، واختيار إحداهما. في الأزمة الأولى، التي لم تعد أبعادها سرا، كان كل ما تحقق من تغييرات بعد الثورة قد أصبح مهددا، إذ صار معلوما أن مجلس الشورى أصبح في طريقه للحل، وكذلك الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، وأن هناك من كان يرتب لأزمة دستورية ولحالة انهيار للنظام من خلال الطعن على انتخابات الرئاسة هي الأخرى، تحت عناوين عديدة منها أن الانتخابات قد زورت لمصلحة الإخوان وأن الرئيس خرج من السجن بعد اقتحامه خلال ثورة يناير دون حكم قضائي ولا تحقيقات في عملية الاقتحام، وأنه ينتمي لجماعة محظورة لم توفق أوضاعها وفق قانون الجمعيات، ليصبح المنصب الوحيد الباقي في الدولة في مهب الريح. ووصل الحال، أن قيل بطريقة أو بأخرى أن إجراءات قد أعدت لعزل الرئيس قضائيا. وفي الأزمة الثانية،لاشك كان صانع القرار يدرك ما ستتجه إليه الأمور بعد إصداره إعلانا دستوريا جديدا، سواء لأن إقالة النائب العام نتيجتها صارت معروفة – من خلال المحاولة السابقة- أو لأن هناك قوى لا تزال لا تعترف حتى الآن بنتائج الانتخابات الرئاسية أو لأن الإعلام لا يزال واقعا تحت سيطرة القوى المعارضة. وبطبيعة الحال، لعلم صانع القرار أن قطع الطريق على ما وصف بأنه محاولة انقلابية -على الديمقراطية والثورة - سينتج عنه بالضرورة تحرك تلك القوى ودخولها في المواجهة فورا. هنا اختار صانع القرار –على ما يبدو-الدخول في الأزمة الثانية تفاديا للأزمة الأولى، مع الاستعداد لمواجهة المترتبات. فالملاحظ أن الإعلان الدستوري جاء صدوره مفاجئا أو على طريقة الصدمة، إذ كان الرئيس قد اجتمع مع رموز القوى السياسية المعارضة وناقشها في الكثير من القضايا خاصة أزمة الجمعية التأسيسية، دون أن يطرح عليهم أن إعلانا دستوريا قادما بعد أيام. وأن الإعلان جاء مفتوحا على إمكانية الوصول إلى تسوية بشأنه من خلال التراجع عن "التشدد " الوارد في الصلاحيات الممنوحة للرئيس. كما أن استعدادا لدعمه جماهيريا كان جاهزا، كما ظهر من تحرك جمهور من الإسلاميين إلى مقر النائب العام الجديد فور صدور قرار تعيينه. وإذ جرى صدور الإعلان فجأة، فقد جرى تحرك القوى الرافضة على نحو غير مخطط، وإن عادت لتنظيم صفوفها، فقد نسيت أن تحسب توازنات القوى، فكان طبيعيا أن ينجح خيار الرئيس بين الأزمتين. في توازنات القوى نحن أمام أربع قوى. أولها: الجمهور الإسلامي المنظم المنضبط الذي تمرس على حسم عمليات إظهار توازنات القوى منذ بداية الثورة. وثانيها: قوة النظام ممثلة في مؤسسة الرئاسة ومشروعيتها الجماهيرية ومؤسسات الدولة التي أصبحت تحت إدارة الرئيس فتغير ولاؤها على نحو ليس بالقليل، مقارنة بدورها خلال حكم المجلس العسكري. وثالثها: قوة الجمهور العام، الذي يمثل الاحتياطي الاستراتيجي لحسم أي صراع بين القوى السياسية. والرابعة: هي قوة الجمهور المنظم خلف المعارضة، وهو لم يثبت فعالية قوة الحشد منذ بداية الثورة. في ظل تلك الموازنة، أصبحت قوة الجمهور الإسلامي مضافة لقوة النظام السياسي ولم ينحاز الجمهور العام للمعارضين وتحالفهم. هذا ما حسم الأمر لمصلحة اختيار الرئيس، خاصة حين جرى تفادي تصعيد الأزمة مع السلطة القضائية بما منع احتشاد القضاة خلف الرافضين للإعلان الدستوري، وكذا حين جرى إلغاء تظاهرة التيارات الإسلامية لدعم الرئيس، حتى لا تساهم في توتير المجتمع واشتداد قلقه. غير أن هناك أمورا أخرى لا تزال عالقة. فهناك أن الأزمة شكلت أرضية صراعية ضد التصويت بالإيجاب على الدستور الجديد. وأن سهاما وجهت للحركة الإسلامية للتأثير في نتائجها التصويتية في الانتخابات التشريعية القادمة، وأن هناك حالة عنف ستظل قائمة في المجتمع.

429

| 29 نوفمبر 2012

ارتباك وتحديات ما بعد ثورة يناير

الآن انفتحت قضية استمرارية ثورة يناير في مصر حتى تحقيق كامل أهدافها، وأصبحت الأكثر إثارة للحوار والنقاش من غيرها، لقد انتهت المرحلة التي كانت نتائجها غير متوقعة حتى من القائمين عليها، ودخلت الثورة الآن مرحلة جديدة لم يكن هناك تفكير فيها من الأصل، وتلك إحدى السمات الخاصة جدا والغريبة لتلك الثورة. لقد انتهت المرحلة الأولى إلى مغادرة مبارك وتحول الحزب الوطني إلى حالة هلامية مضطربة مطاردة، وجرت الاستجابة لمطلب حل مجلسي الشعب والشورى وبدأت إجراءات تعديلات الدستور بعد تشكيل لجنة جديدة نالت رضا الرأي العام بحكم رئاسة المستشار طارق البشري لها، وأصبحت مطاردة الفساد حالة عامة على صعيد مؤسسات الدولة خاصة النائب العام، بما أوصل ثلاث وزراء وأمين تنظيم الحزب الوطني إلى السجن، وصل الأمر حد إصدار قرار بالتحفظ على أموال الرئيس السابق حسني مبارك وزوجته وأولاده وزوجاتهم، كما تجري مطاردة الفساد على يد المواطنين الذين صاروا يواجهون الفساد حتى درجة التطرف في المطاردة، وجرت عملية تغيير في حكومة الدكتور أحمد شفيق كانت حلما، إذ دخل الوزارة بعض من رموز أحزاب المعارضة. . إلخ. انتهت ملامح وربما أهداف المرحلة الأولى أو تحققت شعاراتها، ودخلت أوضاع الثورة إلى حالة جديدة على صعيد أهدافها وطبيعة قواها، السؤال المحوري الآن هو إلى أين وكيف ومن مع من، ومن أبعد عن من؟ في المرحلة الجديدة تبدو قوى الثورة قد وصلت إلى حد تلمس المصالح السياسية الخاصة لبعض أطرافها بالاختلاف مع بعضها البعض " وفي ذلك هي تدخل مرحلة تحول مهمة ومؤثرة على فكرها حتى وإن لم يتأثر نشاطها الآن بشكل ظاهر، وإن كان الأمر وصل الأمر حد مطالبة بعض القوى المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإطالة الفترة الانتقالية من ستة أشهر إلى سنة، حتى تتمكن التيارات السياسية الجديدة -التي ولدت أو قويت خلال الأعمال الثورية في ميدان التحرير -من الوصول إلى الجمهور العام وبلورة عوامل قوتها الجماهيرية، وقيل مباشرة إنها تندفع إلى هذا القول خوفا من أن تستولي على الحكم الجماعة الأكثر تنظيما في الساحة السياسية المصرية، أي الإخوان المسلمون، وفي ذلك يجرى تلمس حدوث تغيير في العلاقات والتحالفات بين الأطراف التي تشاركت في صنع وقيادة الحالة الجماهيرية في ميدان التحرير. وفي المرحلة الجديدة بدا أن أسلوب الضغط السياسي والجماهيري واتجاهه وحالته –الذي ميز هذه الثورة- بدا يشهد تغييرا، الآن تجرى حالة من التضاغط بين المتظاهرين والقائمين على الحكم الآن، إذ يفهم من مظاهرات الجمعة قبل الماضية أننا لم نكن فقط أمام جمعة الاحتفال والفرح فقط، بل كنا أمام استكمال حالة الضغط وإن بشكل دبلوماسي لاستكمال مهام التغيير، وهنا بات يطرح تساؤل حول مدى استمرارية ذات الأسلوب في الوقت الذي يكاد المتظاهرين لا يجدون أهدافا كبرى للحشد، وقد لاحظ المتابعون أن قسما من قوى تلك التحركات كان اعتزم ترتيب تظاهرة في يوم الثلاثاء الماضي، إلا أن قسما آخر رفض الفكرة، وهو ما طرح حالة جديدة من حالات طريقة اتخاذ القرار، إذ كانت الدعوة لتلك المظاهرة قد صدرت بالفعل، لكنها انتهى إلى عدم النفاذ والتطبيق ولم تخرج المظاهرة. وفي المرحلة الجديدة أيضا، باتت التمايزات تتضح أكثر في داخل مجموعات الشباب الذين كانوا الدافع والمحرك ووقود تلك الثورة، إذ صارت تتبلور في داخلهم وعلى نحو متسارع مجموعات سياسية في صورة أحزاب، حتى ظهر حتى الآن ستة أحزاب، وهو أمر يحمل دلالات متعددة منها، إن النظام السياسي الجديد (القادم) صارت تظهر ملامحه من الآن، وأن الأحزاب القديمة صار يظهر في مواجهتها أحزاب جديدة تحمل زخما سياسيا وجماهيريا كبيرا، إلا أن الأهم هو أننا أمام تحول جديد، إذ المجموعات التي كانت حالة هلامية خلال أحداث ميدان التحرير، صارت تتضح ملامحها الفكرية والسياسية المختلفة أو التعددية، وبطبيعة الحال تمايزاتها مع بعضها البعض، وهو عكس ما كان من قبل، بما وضع النظام السابق في أزمة حين أراد التعامل معهم ولم يكن يعرف ماذا هم عليه. وقد لاحظ المتابعون أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة وإن ظل على تصرفه الذي يحترم حقوق المواطنين في التظاهر والاعتصام، إلا أنه شدد على خطورة حالة الفوضى والتوتر في البلاد وتعطيل العمل في المؤسسات العامة، واعتبر استمرار تلك الحالة أحد مهددات الأمن القومي لمصر. والأهم أن دخلت الثورة حالة جديدة غريبة، إذ لم يعد أحد يعرف من قام بالثورة ومن دعمها ومن يساندها أو من الأصيل في فعلها ومن هو غير الأصيل، وفي ذلك بدا احتمالية حدوث ارتباك وربما اضطراب في متابعة الجمهور لفعاليات ما هو قادم. أحد أهم الإشكاليات التي تواجهها ثورة يناير وثوارها –حسب اللفظ المتداول- أن الجمهور العام المؤيد للثورة قد أصبح الآن لا يعرف من هو الأصيل في فهم تلك الثورة ومن هو الذي ادعى وركب الموجة، حتى سادت تعبيرات مثل سرقة الثورة وتعطيلها والاستيلاء عليها. . إلخ. لقد حدث تماهٍ سريع بين جهاز الدولة القديم وشعارات تلك الثورة، كما تماهى معها قدر واسع من المثقفين والصحفيين وكثير من البيروقراطيين، وقد جرى هذا التغيير من حالة الرفض إلى التماهي في صورة أشبه بالانقلاب، إذ أصبح الكل مؤيدا لتلك الثورة ورافعا للشعارات التي رفعتها هي ذاتها ومدافعا عن المواقف ذاتها، بما خلط الأوراق، إذ الكثير من هؤلاء كان حتى ليلة سابقة لهذا الانقلاب في موضع المشهر والناقد لها والعامل على إجهاضها، لقد انضم إلى شعاراتها قطاع طامع في الحصول على مواقع أو ميزات في الوضع الجديد الذي يجري ترتيبه، وربما هناك من وجد فيها فرصة لإطاحة من كان يناصبه العداء.. إلخ. وزاد من تأثير مخاطر تلك الحالة أن تنحى مبارك جاء وكأنه نهاية المطاف بسبب صعوبة تحقيق الهدف وهو ما جعل الرأي العام يندفع للاتجاه الآخر ويشعر بالرضا. لقد شعر الرأي العام بالرضا على اعتبار أنه أطاح بالرئيس السابق حسني ومبارك وشعر بالرضا أكثر بعد أن بدأت الأجهزة القضائية رحلة مطاردة ثرواته. الآن صارت الفعاليات تجري بلا أهداف كبيرة واسعة يمكن الحشد حولها إذ تجري المطالبة الآن بمحاكمة بعض الرموز الباقية من النظام وعلى رأسها صفوت الشريف وزكريا عزمي والدكتور أحمد فتحي سرور، ولإقالة حكومة د. أحمد شفيق.. إلخ وهي في مجملها مطالبات لا تقدم تحديا كبيرا ويمكن تحقيقها أو ربما هي في الطريق للتحقيق حتى إن البعض صار يقول إن ثمة أجندة مشتركة بين القرار من أعلى والضغوط في الشارع. التماهي الذي حدث قام بالأساس على فكرة خلط الأوراق، واستثمار الحدث بأكثر منه حالة حقيقية من حالات "الانضمام للثورة"، كما أن من انضم إليها ممثلو قطاع واسع –يفوق قدرة وطاقات الكوادر الحالية- ولذا أصبحت الأوراق والخطوط والمواقع في حالة تداخل حقيقي، يكاد يهدد بفقد الاتجاه أو هو يكاد يدفع بالأمور إلى وضع وحالة الارتباك. الأوضاع في تلك الحالة الجديدة باتت تتطلب وعيا بالمرحلة حتى يمكن تخطيها، وهنا يبدو "الثوار" في مأزق متعدد الأوجه والأبعاد. هناك أولا أن الأطراف المشاركة من قبل لم تعد على نفس المواقف من القضايا التالية، وإذا كانت قضية الديمقراطية واستحقاقاتها مثلت محورا للالتقاء بلا أدنى اختلاف بين كل الأطراف التي تعايشت في ميدان التحرير، فلاشك أن الموقف من قضايا السياسة الخارجية (العلاقات العربية-الموقف من إسرائيل وأمريكا وغيرها-لا يوجد حوله نمط من الإجماع عند كل الفرقاء، كما أن الخلاف حول السياسة الخارجية مع بدء التحضير للانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة سيفعل فعله في تفتيت حالة التحالف والتوافق التي كانت متحققة بالفعل. أمر السياسة الخارجية عند الإخوان لن يكون هو ذات الموقف لدى البرادعي وأسامة الغزالي حرب أو عند الوفد والتجمع من الأحزاب القديمة إلخ. وهناك ثانيا أن القضايا التالية لعملية التغيير لعملية الإطاحة الأولى لا تتعلق بأشخاص بل بمفاهيم وفلسفة الحكم والمجتمع وفي ذلك يندر تحقيق الإجماع السياسي والجماهيري. هنا نحن في مأزق حقيقي، الثورة المصرية تلك هي حالة خاصة للغاية من زاوية عدم إعلانها عن وجود قيادة معلنة لها، ومن زاوية ظروف بدئها، إذ لم يكن واردا فيها –حقيقة-ما وصلت إليه فعليا. وهي اعتمدت حالة جماهيرية متوحدة في نطاق جغرافي موحد يحافظ على التماسك لكن طريقتها وأسلوبها لم يحمل فكرة الخطط المسبقة المعدة للتغيير الشامل، إذ حتى الانقلابات تحمل طابعا تخطيطيا مسبقا، فما بالنا بالثورات التي هي فعل واسع وعميق ومعقد، بطبيعته يتطلب هذا النمط الأرقى من الفكر والتخطيط. التغيير القادم ما بعد إطاحة حسني مبارك يتعلق بتغيير لطبيعة نظامه لا شخوص قيادة نظامه، وهو أمر يتطلب الاتفاق على فلسفة جديدة، لا يجري الاتفاق عليها من خلال الحركة ولا البرامج، باعتبارها نمطا فكريا مسبق أو سابق للحركة، هكذا كانت التغييرات في أوروبا وليدة نهضة فلسفية وعلمية واقتصادية، جاء التغيير تتويجا لها. ثمة مأزق من نوع آخر، وهو حقيقي وبالغ الخطر والتأثير. في الواقع العملي الراهن، تجني مصر كوارث نظام مبارك وقبله السادات ليس على الصعد التي تجري على الألسنة بها فقط وهي صحيحة مثل كامب ديفيد وغياب الحريات وانتشار الفساد، بل الأخطر أن نظامي الحكم هذين قد أعادا تشكيل وهيكلة المجتمع (فئاته وفكره وثقافته وتقاليده) على نحو كبير ويكاد يكون شاملا، بما يتطلب سنوات طوال ومفاهيم وفلسفة محددة وطريقة للتغيير، عميقة. ثمة أمران يمكن الإشارة لهما هنا لتتضح بعض ملامح المأزق، الأمر الأول يتعلق بما حدث من تغير في التركيب الاجتماعي للمجتمع حقيقة وعلى نحو شامل. الأمر الخطر في المجتمع.

421

| 26 فبراير 2012

alsharq
السفر في منتصف العام الدراسي... قرار عائلي أم مخاطرة تعليمية

في منتصف العام الدراسي، تأتي الإجازات القصيرة كاستراحة...

1968

| 24 ديسمبر 2025

alsharq
قمة جماهيرية منتظرة

حين تُذكر قمم الكرة القطرية، يتقدّم اسم العربي...

1272

| 28 ديسمبر 2025

alsharq
الانتماء والولاء للوطن

في هذا اليوم المجيد من أيام الوطن، الثامن...

1137

| 22 ديسمبر 2025

alsharq
الملاعب تشتعل عربياً

تستضيف المملكة المغربية نهائيات كأس الأمم الإفريقية في...

1074

| 26 ديسمبر 2025

alsharq
محكمة الاستثمار تنتصر للعدالة بمواجهة الشروط الجاهزة

أرست محكمة الاستثمار والتجارة مبدأ جديدا بشأن العدالة...

990

| 24 ديسمبر 2025

alsharq
بكم تحلو.. وبتوجهاتكم تزدهر.. وبتوجيهاتكم تنتصر

-قطر نظمت فأبدعت.. واستضافت فأبهرت - «كأس العرب»...

852

| 25 ديسمبر 2025

alsharq
التاريخ منطلقٌ وليس مهجعًا

«فنّ التّأريخ فنّ عزيز المذهب جمّ الفوائد شريف...

726

| 21 ديسمبر 2025

alsharq
لماذا قطر؟

لماذا تقاعست دول عربية وإسلامية عن إنجاز مثل...

663

| 24 ديسمبر 2025

alsharq
مشــروع أمـــة تنهــض بــه دولــة

-قطر تضيء شعلة اللغة العربيةلتنير مستقبل الأجيال -معجم...

645

| 23 ديسمبر 2025

alsharq
احتفالات باليوم الوطني القطري

انتهت الاحتفالات الرسمية باليوم الوطني بحفل عسكري رمزي...

558

| 23 ديسمبر 2025

alsharq
معجم الدوحة التاريخي للغة العربية… مشروع لغوي قطري يضيء دروب اللغة والهوية

منذ القدم، شكّلت اللغة العربية روح الحضارة العربية...

528

| 26 ديسمبر 2025

alsharq
التحول الرقمي عامل رئيسي للتنمية والازدهار

في عالم اليوم، يعد التحول الرقمي أحد المحاور...

510

| 23 ديسمبر 2025

أخبار محلية