رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
منع الأمريكيون سقوط النظام، لأنهم يريدونه أن يستمر في مهمته التاريخية النظام كان على وشك السقوط لولا التدخل الروسي المدعوم أمريكياً واشنطن اتفقت مع الروس على إنقاذ النظام بشهادة وزارة الدفاع الأمريكية كلنا يتذكر التصريحات الأمريكية النارية ضد النظام السوري منذ نهاية العام ٢٠١١ وما تلاه، وقد كان الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما سباقاً إلى نزع الشرعية من بشار الأسد عندما قال حرفياً إن نظام الأسد فقد شرعيته تماماً بسبب جرائمه التاريخية بحق السوريين. وقد كانت واشنطن على وشك تلقين النظام درساً قاسياً بعد استخدامه السلاح الكيماوي، وكانت حاملات الطائرات الأمريكية وقتها على أهبة الاستعداد لقصف مواقع الأسد، لكن الوساطة الروسية أحبطت الهجوم الأمريكي بعد أن تعهدت موسكو بتجريد النظام من ترسانته الكيماوية بدل معاقبته عسكرياً. وقد استمرت واشنطن في شيطنة النظام السوري وعزله سياسياً ودبلوماسياً من خلال ما سمي وقتها بمجموعة "أصدقاء سوريا"، حتى أن أمريكا استضافت مكتباً للمعارضة في العاصمة واشنطن وفرضت قيوداً على تحركات وسفير النظام لدى الأمم المتحدة. لكن أوباما على ما يبدو انقلب على سياساته السورية مائة وثمانين درجة عندما اعتبر في إحدى مقابلاته أن قوى المعارضة السورية غير مؤهلة وهي مجرد ثلة من المزارعين والفلاحين والأطباء والعمال. وقد بدا واضحاً وقتها أن أمريكا بدأت تتملص من تعهداتها السابقة حيال النظام السوري. وقد غسل أوباما يديه من الثورة السورية تماماً بعد إبرام الاتفاق النووي مع إيران، حيث على ما يبدو قد باع سوريا للإيرانيين مقابل الاتفاق النووي. وقد ذكر أحد مستشارية لاحقاً أن أوباما أخبر إدارته بأن تنسى الملف السوري تماماً وألا تذكره أمامه مطلقاً. وبعد الاتفاق النووي مع إيران تقدمت أمريكا خطوة أخرى باتجاه النظام السوري عندما اتفقت مع الروس في خطوة غير متوقعة مطلقاً في أواخر ٢٠١٥ على التعاون مع موسكو للتدخل في سوريا لحماية النظام. لقد انتهت وقتها كل التصريحات والتهديدات الأمريكية التي كانت تطالب بتغيير النظام وبدأ الحديث الآن عن إعادة تأهيل النظام وتقويته ومساعدته على استعادة الأراضي التي سيطرت عليها فصائل المعارضة. وفعلاً بعد اجتماع قصير في الجمعية العامة للأمم المتحدة بين أوباما وبوتين عام ٢٠١٥ أعلنت روسيا أنها ستتدخل عسكرياً في سوريا على نطاق واسع لمحاربة داعش، مع العلم أن هدفها الرئيس لم يكن له علاقة بداعش بل بالقضاء على فصائل المعارضة السورية عسكرياً. وقد أثبتت الأيام أن الروس حاربوا كل فصائل المعارضة ولم يقتربوا من داعش إلا بشكل سطحي. ما الذي كانت تريده أمريكا من سوريا يا ترى؟ كلنا يعلم أن واشنطن كانت على علم بكل شاردة وواردة تخص الثورة السورية، ولم تستطع أي جهة في العالم أن تتدخل في المسألة السورية من دون ضوء أخضر أمريكي وإسرائيلي. ولم تدخل بندقية واحدة إلى سوريا إلا بعلم ومراقبة من الأمريكيين. ولا ننسى أن واشنطن استخدمت تركيا كممر إلى الأراضي السورية تماماً كما استخدمت باكستان للعبور إلى أفغانستان. وقد ذكر الضباط السوريون الذين كانوا ينسقون مع الأمريكيين في شمال سوريا أن مجلس إدارة الثورة السورية كان في واقع الأمر بإدارة الاستخبارات الأمريكية التي كانت تتحكم بكل القوى الغربية والإقليمية والعربية المتورطة في الملف السوري. بعبارة أخرى فإن الأمريكيين كانوا يديرون اللعبة السورية من المقعد الخلفي، وليس صحيحاً مطلقاً أن أمريكا كانت بعيدة عن المسألة السورية. والسؤال المحوري، لماذا سمحت واشنطن للقاصي والداني بمن فيهم الدواعش لضرب النظام وإضعافه واستهداف قواته وترسانته العسكرية والتغلغل في سوريا ومساعدة قوات المعارضة على الاستيلاء على أكثر من سبعين بالمائة من الأراضي؟ لماذا فعلت كل ذلك ثم عندما أوشكت قوى المعارضة على الاقتراب من دمشق وأصبح النظام على كف عفريت، اتفقت مع الروس على إنقاذه بشهادة وزارة الدفاع الأمريكية؟ وقد اعترف أندرو إيكسوم مساعد نائب وزير الدفاع الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط في خطاب له أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي أن الأمريكيين شعروا بالخطر عندما أيقنوا أن النظام أصبح على وشك السقوط وأن سقوطه سيشكل خطراً على أمن إسرائيل، فما كان منهم إلا التنسيق مع الروس للتدخل فوراً لحماية الأسد ودعمه عسكرياً في وجه قوى المعارضة التي أصبحت على أسوار القصر الجمهوري. وقد اعترف وزير الخارجية الأمريكي لافروف نفسه بأن النظام كان فعلاً على وشك السقوط خلال أسبوعين لولا التدخل الروسي المدعوم أمريكياً. من سوء حظ السوريين أن الروس والأمريكيين في صراع حقيقي في كل أنحاء العالم، لكن أمن إسرائيل دفعهم إلى التحالف لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية لحماية أمن إسرائيل. ولا يمكن ذلك إلا من خلال إعادة الشرعية للنظام واستعادة أنفاسه عسكرياً. وهذا ما يحصل منذ التدخل الروسي عام ٢٠١٥. واضح تماماً بعد تسع سنوات على الثورة أن الهدف من اللعبة الأمريكية في سوريا لم يكن النظام بل سوريا وطناً وشعباً، فقد تم تهجير نصف الشعب السوري وتحطيم الجيش وتدمير سوريا، بينما منع الأمريكيون سقوط النظام، لأنهم يريدونه أن يستمر في مهمته التاريخية ككلب حراسة لإسرائيل وككلب صيد ينهش لحوم السوريين على حطام بلد كان اسمه سوريا. هذا هو النصر الذي يتفاخر به الأسد ضد الصهيونية والامبريالية الأمريكية، مع العلم أن الذي يحميه حتى هذه اللحظة لا الروسي ولا الإيراني، بل أسياده الصهاينة في تل أبيب والإمبرياليون في واشنطن كي يستمر في دوره الوظيفي التخريبي، وليكون قائد الفوضى الهلاكة في المنطقة بامتياز. [email protected]
3965
| 15 مارس 2020
هناك مصطلحات سورية كثيرة نرددها ببغائياً مع أنها قد لا تعني شيئاً على أرض الواقع، وهي مجرد كليشيهات لغوية لا أكثر ولا أقل. ماذا تعني كلمة "سوري" مثلاً؟ ماذا يعني مصطلح "الشعب السوري"؟ ماذا تعني "الثورة السورية"؟ ماذا تعني كلمة "السوريون"؟ ماذا يعني "النظام السوري" أو "الحكومة السورية"؟ هل هناك نظام سوري فعلاً إلا بالاسم فقط؟ بصراحة ومن خلال التجربة على أرض الواقع سنجد للأسف أنها مجرد كلمات جردها النظام الأسدي البعثي من معانيها. سأسأل بعض الأسئلة البسيطة، وإذا جاءت الأجوبة عليها بالإيجاب سأعترف عندئذ أنني مخطئ في التشكيك بالمفردات والمصطلحات "السورية" التي أوردتها أعلاه، لكني واثق أن غالبية السوريين إما أنها ستجيب بالنفي أو أنها ستهرش رؤوسها طويلاً قبل الإجابة عليها، أو أنها ستكتفي بالصمت لأنها ستخجل من الإجابة أصلاً. سأسأل أولاً: هل هناك رابط يربط السوريين في الداخل والخارج غير الاسم فقط؟ هل هو أكثر من توصيف لجنسيتك على الهوية أو على جواز السفر؟ هل له أي معنى فعلاً على أرض الواقع؟ صحيح أن سوريا بلد متعدد الطوائف والمذاهب والأعراق والأديان، وهذا بحد ذاته ثروة كبيرة تضيف لأي بلد التنوع الجميل وتصنع منه "موزاييكاً" بديعاً، لكن هل سوريا فعلاً موازييك متماسك بديع؟ أم إن النظام حولها إلى قطع متناثرة ومبعثرة؟ هل الاختلاف في اللهجات أو الدين أو اللباس أو العادات كان فعلاً نوعاً من التنوع الجميل في سوريا، أم إن النظام جعلها عائقاً خطيراً دفع المختلفين إلى النفور والارتياب والشك ببعضهم البعض بطريقة مرعبة، وكأنهم أبناء ثقافات متصارعة ومختلفة، مع العلم أن المسافة بين مدينة وأخرى وقرية وأخرى في سوريا لا تزيد على بضعة كيلو مترات في بعض الأحيان؟ ما الذي يجمع بين هؤلاء الجيران المتباعدين ثقافياً ودينياً ولغوياً سوى الجنسية المكتوبة على الهوية؟ أرجو ألا يتهمني أحد بأنني أدعو إلى التقسيم والتجزئة، لا لا مطلقاً، بل أحاول هنا أن أسأل أسئلة تحتاج إلى إجابات قاطعة. ما الذي يجمع بين ابن حلب الشمال وبين ابن درعا أو السويداء الجنوب؟ هل حاول النظام ردم الهوة بين الشمال والجنوب، أم زادها اتساعاً؟ هل الشعارات اللفظية التي كنا نسمعها في بداية الثورة في هذه المدينة أو تلك: "يا حلب أو يا حمص أو يا حماة حنا معاكي للموت" هل كانت فعلاً تعني ما تعني؟ أم إنها "خُلبية" مثل كل الكليشيهات التي صنعها النظام البعثي ولم تكن في الواقع إلا حبراً على ورق؟ دعكم من درعا وحلب حيث المسافة بين المدينتين شاسعة جداً، فالأولى في أقصى الجنوب والثانية في أقصى الشمال؟ لنأخذ مدن الجنوب كدرعا والسويداء؟ ما الذي يجمع بينهما مع أن المسافة بين المحافظتين لا تزيد على خمسة عشر كيلو متراً في بعض المناطق؟ كم هي المسافة بين قرية "عرى" في السويداء وقرية "بصرى الشام" في درعا؟ ضربة حجر. مع ذلك لماذا ثارت درعا على النظام وبقيت السويداء على الحياد؟ لماذا لم يتكاتف أهل السهل والجبل، أو أهل حوران للخروج صفاً واحداً في وجه النظام الفاشي؟ لماذا ثار جانب وصمت الآخر وكأن لا شيء يعنيه؟ لن أقول إن هذا وطني وهذا خائن على الطريقة البعثية، بل فقط أتساءل: لماذا ذهب كل طرف في اتجاه مع أنهم أبناء منطقة واحدة وأصحاب هموم وقضايا واحدة؟ لماذا كان التشكيك والارتياب سيد الموقف بين الجيران؟ لماذا ثار أهل حمص وفقدوا مدينتهم جراء الدمار وهجروها بمئات الألوف، بينما بقي جيرانهم أهل حماة صامتين، مع أنهم من دين واحد ومذهب واحد؟ هل يعقل أن السوريين في الساحل السوري وفي دمشق ذاتها كانوا يخرجون إلى الشوارع ويرقصون ويشربون الكحول ابتهاجاً بسقوط القذائف والبراميل والصواريخ الكيميائية على أهل غوطة دمشق أو على قرى حلب وإدلب؟ هل يعقل أن بعض سكان دمشق كانوا يسهرون حتى الصباح ويدخنون الشيشة بينما جيرانهم على بعد ضربة حجر في داريا والغوطة الشرقية كانون يموتون تحت القصف ويغرقون تحت حطام منازلهم؟ هل كان سكان حلب الغربية يتعاطفون مع سكان حلب الشرقية وهم أبناء مدينة واحدة، أم كان يبتهجون لكوارث بعضهم البعض؟ وكي لا نذهب بعيداً إلى الوراء، تعالوا ننظر إلى ردود أفعال السوريين في الداخل والخارج تجاه الكارثة الإنسانية في إدلب؟ ماذا فعل ملايين السوريين الذين لجؤوا إلى الدول المجاورة أو إلى أوروبا على الأقل وجدانياً تعاطفاً مع أهل إدلب وبقية السوريين الذين لجؤوا إليها من بقية المحافظات السورية وعددهم يزيد على خمسة ملايين سوري؟ لماذا بدأ بعض السوريون يخرجون إلى بعض المدن السورية الآن رافعين شعار "بدنا نعيش" من أجل تخفيض الأسعار وتأمين المازوت والغاز، بينما أشقاؤهم في إدلب يموتون تحت الأنقاض وينامون في البراري دون أدنى مستلزمات الحياة؟ ماذا فعل هذا النظام الصهيوني بسوريا والسوريين على مدى خمسين عاماً؟ كيف له أن يرفع شعارات الوحدة العربية والقومية بينما فشل في توحيد السوريين وإنتاج شعب واحد يمكن أن نسميه الشعب السوري؟ هل هو نظام سوري فعلاً؟ كيف تكون قومياً إذا لم تكن بالأصل وطنياً سورياً؟ كيف تدعو إلى توحيد العرب إذا كنت تدق الأسافين منذ عقود بين السوريين أنفسهم؟ لقد اشتغل النظام مثلاً على تعميق الهوة بين أهل درعا وأهل السويداء من خلال تأليبهم على بعضهم البعض، فكانت المخابرات العسكرية تخطف أشخاصاً من درعا وتتهم أهل السويداء والعكس كي ينشغل أهل حوران فيما بينهم. وكان رئيس المخابرات السورية في السويداء يقول للشباب يجب أن تلتحقوا بالجيش فوراً لأن أهل درعا إرهابيون إسلاميون. وقبل ذلك روجت المخابرات لفيديو يظهر فيه شيخ من درعا تطاول فيه على أعراض نساء السويداء لتعميق الشرخ بين أهالي المحافظتين ومنع أي تنسيق أو تكاتف بينهم ضد النظام. لم يعمل ذلك النظام العصابة على بناء مواطنة في سورية بحدودها الجيوسياسية، لم يلتق يوماً السوريون على هدف واحد، فقد قسمها الفرنسيون طائفياً ومذهبياً، وجاء حزب البعث ليقسمها إلى مناضلين وعملاء، ثم كرّس حافظ الأسد التقسيم المناطقي وتجنب التقسيم الطائفي رغم تكريسه لحكم الطائفة وسيطرتها على الدولة. وحين جاءت الثورة وبدت ملامح مواطنة وتوحد الهدف كان لا بد من تخويف الأقليات بالأكثرية ثم توصيف الأكثرية بالقاعدة والتكفير والإرهاب، وهكذا انتهينا للتقسيم المجتمعي الذي سيفضي إلى جداران نفسية أقوى من الجدران الاسمنتية بمرات ومرات. شو يعني "سوريا"؟ [email protected]
3711
| 26 يناير 2020
النفاق العلماني والتنويري والليبرالي ينسحب على شخصيات كبيرة ذائعة الصيت فوجئت بانقلاب بعض الأكاديميين الذين درسوا في أعرق الجامعات الغربية إلى طائفيين منغلقين الربيع العربي أزال الأقنعة عن الكثير من الوجوه الثقافية والفكرية والسياسية العربية من فضائل الربيع العربي القليلة أنه أزال الأقنعة عن الكثير من الوجوه الثقافية والفكرية والسياسية العربية، فقد "سقط القناع عن القناع"، كما قال الراحل محمود درويش يوماً، فبان الاعورار والعور والعورات وأوراق الشجيرات التي تستر بها الكثيرون من المدعين والمنافقين والكذابين. فكم أمطرنا مدعو العلمانية والليبرالية مثلاً بوابل من المقالات والتنظيرات اللامتناهية. وكم شنوا الحملة تلو الأخرى على بقية التيارات والكثير من الأنظمة السياسية، إلى حد أننا كدنا أن نصدقهم، بعد أن بدوا لنا، في كتاباتهم، كما لو أنهم رسل الحضارة والتنوير وتحرير العقول. لكن، كما قال الرئيس الأمريكي الراحل إبراهام لينكولن لأحد وزرائه:" يمكنك أن تكذب على بعض الناس طوال الوقت، ويمكنك أن تكذب على كل الناس بعض الوقت، ولكن لا يمكنك أن تكذب على كل الناس كل الوقت". فلما جد الجد، واندلعت الثورات، وحدث الفرز الحقيقي، لم يعد بإمكان أحد التلطي وراء أقنعته المزيفة وواجهاته الثقافية والفكرية المفبركة، فسقط جدار الكذب والتدليس، وانكشف المستور. لنتذكر كم قرأنا من المقالات على مدى الأعوام الماضية لأشخاص تلطوا وراء قناع الليبرالية والعلمانية والديمقراطية. ومن شدة حماسهم لتلك التيارات، ظننا، وكل الظن إثم في هذه الحالة، أنهم قادمون إلى عالمنا لتحريره من الجهل والخزعبلات والطغيان والشمولية والديكتاتورية لكثرة ما حثونا على التخلي عن عقائدنا القديمة، الدينية منها والسياسية كونها السبب الرئيس في تأخر مجتمعاتنا وتخلفها. فكم رأينا هؤلاء المدّعين وهم يهاجمون مثلاً الإسلاميين "الظلاميين" كما كانوا يسمونهم. وكم نادوا بالليبرالية والعلمانية والتحضر. لكن ما أن سقط أول "هُبل" عربي حتى راحت تتكشف عوراتهم. وبدلاً من التهليل لبدء سقوط الديكتاتوريات التي طالما تظاهروا بأنهم ضدها ومع تخليص الشعوب من ويلاتها، راحوا يتململون في أماكنهم خوفاً على مستقبلهم، لا بل زادوا من هجماتهم على الإسلاميين الذين أخذوا يكتسحون صناديق الاقتراع في العديد من البلدان العربية. لماذا أيها العلمانيون والتنويريون المزعومون؟ ألم تصدعوا رؤوسنا بالديمقراطية وضرورة حسمها عبر صناديق الاقتراع؟ لماذا لا تجارون رغبة الشعوب الثائرة وخياراتها؟ لماذا تريدون فرض توجهاتكم على الشعوب؟ لماذا بدأتم تترحمون على الطواغيت الساقطين والمتساقطين؟ ألم تزعموا يوماً أنكم ضد الطغيان؟ لقد عرفت يوماً كاتباً ظنناه لكثرة ما كتب في الديمقراطية أنه جان جاك روسو العرب، فإذ به مجرد مخبر صغير وتابع ذليل لأحد الطواغيت الساقطين، بدليل أنه شعر بأن الأرض تزلزلت تحت أقدامه عندما سقط رئيسه. ومما فضحه، وفضح أمثاله أكثر، أنه، ما أن رأى بصيص أمل لعودة أحد ذيول النظام الساقط إلى الساحة السياسية حتى راح يدافع عن ذلك الذيل بقوة منقطعة النظير، لعل الديكتاتورية التي عاش في كنفها يوماً تعود. لم يكن ذلك الكاتب وأمثاله لا ليبراليين ولا علمانيين ولا تنويريين ولا "ضرّاب السخن"، بل مجرد كتبة مزيفين متدثرين بأقنعة الليبرالية والعلمانية والتنوير المزعوم؟ وفي بلد آخر كان أحدهم يمطرنا يومياً تقريباً بمدرار من المقالات التنويرية والعلمانية والليبرالية العتيدة، إلى حد أنه كاد أن يحصل على لقب "جاك بيرك" العرب أو ابن رشد عصره. لكن ما أن اندلعت الثورة في بلاده، وحدث الفرز الاجتماعي والشعبي والثقافي والسياسي، حتى راح ذلك العلماني الكاذب يتلطى وراء جدران طائفته. لقد سقط صاحبنا فوراً من عالم التنوير والحضارة العالمية والعلمانية والليبرالية التي كان يتظاهر بها إلى حضن الطائفة الضيق جداً، فراح يزيد من هجماته المسعورة على التيارات الشعبية الجارفة كالتيار الإسلامي وغيره، مما فضحه وفضح طائفيته البغيضة أكثر فأكثر. لقد كان ذلك المدّعي وغيره، يعيّر الإسلاميين مثلاً بأنهم متعصبون ومنغلقون وظلاميون، فإذا به أكثر تعصباً لطائفته من عتاة التكفيريين. وحدث ولا حرج عن انغلاقه الشديد الذي لا يريد الانفتاح على السواد الأعظم من المجتمعات العربية ألا وهم المسلمون. أين تنويركم يا سيادة العلماني الفظيع؟ أين العالم الواسع الذي كنتم تنادون به وتتشدقون ببنائه؟ لماذا لجأتم فوراً إلى جحر الطائفية عند أول هزة شعبية؟ أليس من المفترض أن تنحازوا إلى جانب الشعوب المظلومة التي ادعيتم زوراً وبهتاناً أنكم مظلومون مثلها؟ لماذا انحزتم للطواغيت الذين اهتزت الأرض تحتهم لمجرد أنكم تنتمون معهم إلى نفس المذهب؟ كيف تختلفون عن المذهبين الآخرين أيها العلمانيون المدّعون؟ لماذا أصبح الفائزون في الانتخابات الديمقراطية الجديدة مرفوضين لمجرد أنهم من غير طائفتكم أيها الليبراليون الكاذبون؟ قال ليبرالي قال. كم قد فوجئت عندما رأيت أحد الأكاديميين الذين درسوا في أعرق الجامعات الغربية ينقلبون فوراً إلى طائفيين منغلقين صغار عندما اهتز، تحت ضربات الثوار، النظام الذي يناصرونه على أسس طائفية. أهذه الإنسانية الشكسبيرية التي درستموها في الأدب؟ أين تبخر الأدب الإنساني العظيم الذي قرأتموه في أشعار "ويردزويرث" وروايات "جيمس جويس"؟ ما أبشع بعض اليساريين الذين أمضوا أعواماً في زنازين الطغاة، ولما ثار الشعب على أولئك الطواغيت، راح أولئك اليساريون ينحازون لهم، لا لشيء إلا لأن التيار الذي بدأ يقوى في وجه الطغاة هو تيار إسلامي يختلف معهم مذهبياً وطائفياً. وينسحب النفاق العلماني والتنويري والليبرالي على شخصيات كبيرة ذائعة الصيت كنا نعتقد أنها نظيفة من النزعات الطائفية والمذهبية الضيقة، فإذا بها في حضيض السلفية الطائفية، فالثورات لا تكون ثورات حقيقية، في رأي تلك الشرذمة العلمانية المدعية، إلا إذا كانت من لون مذهبي أو طائفي سياسي معين. أما الديمقراطية التي تفرز إسلاميين فليست ديمقراطية برأيهم، مع العلم أن الشعوب اختارت يوماً النازيين بطريقة ديمقراطية، فما بالك أن تختار الإسلاميين المنبثقين من رحم الأمة، بغض النظر عن اختلافنا أو اتفاقنا معهم ومع توجهاتهم. وكي لا أبدو كما لو أنني أصولي، لا بد من التنبيه إلى أنني أختلف مع الأحزاب الدينية كثيراً جداً، لكن لا بد من احترام فوزها في أي انتخابات ديمقراطية، وإلا كنا منافقين وأفاقين كأولئك الليبراليين والعلمانيين والتنويريين المزعومين المفضوحين. [email protected]
2176
| 12 يناير 2020
كي لا يأخذنا الحقد واليأس والتضليل بعيداً عن الحقيقة، لابد أن نضع النقاط على الحروف، ليس تبرئة لطرف ضد طرف في المسألة السورية، بل كي نفهم الواقع بشكل دقيق، لقد لاحظنا منذ بداية الثورة أن هناك ميلاً لدى غالبية السوريين المعارضين للنظام لتصوير أنفسهم دون غيرهم على أنهم ضحية المؤامرات الدولية، وأن العالم أجمع في الشرق والغرب متحالف مع النظام ضد الثورة والمعارضة، وقد امتلأت شبكات التواصل الاجتماعي بمنشورات وتعليقات منذ سنوات، وكلها تتحدث عن التآمر الدولي والعربي مع النظام ضد الثورة. ولطالما قرأنا مقالات وكتابات تتحدث بإسهاب عن الحماية الإسرائيلية لنظام الأسد، وأن النظام لولا الغطاء الإسرائيلي لكان قد سقط منذ الأيام الأولى للحراك في سوريا قبل أكثر من ثماني سنوات. ولطالما قرأنا وسمعنا أن أمريكا وإسرائيل والغرب عموماً هم الذين طلبوا من الروس والإيرانيين التدخل في سوريا لحماية النظام من السقوط بعد أن اعترف الروس أنفسهم بأنه كان على وشك السقوط الكامل فعلاً لولا تدخلهم، ولا شك مطلقاً أن التدخل الروسي والإيراني المدعوم أمريكياً أعاد الحياة للنظام المتهاوي وقضى على معظم الفصائل التي كانت تقاتله في أكثر من منطقة بسوريا. ولا شك أن الروس قلبوا المعادلة على الأرض لصالح النظام باستخدام القوة الجوية العاتية التي دمرت البلاد وشردت العباد. ولا يمكننا هنا أيضاً أن نبرئ هذا النظام الفاشي من التآمر مع الروس والإيرانيين وكل داعميهم الأمريكيين والأوروبيين والإسرائيليين على الثورة السورية والشعب السوري وعلى سوريا ذاتها، لكن هذه الحقائق الدامغة يجب ألا تعمينا أيضاً عن أن نفس القوى التي وقفت إلى جانب النظام وقلبت الأوضاع لصالحه منذ التدخل الروسي عام ٢٠١٥ هي نفسها من تآمر على النظام أيضاً في المقام الأول، وهي من أوصلته الآن إلى الحضيض، وهناك آلاف الأمثلة التي تؤكد ذلك. دعونا نسلم بأن هناك غطاء دولياً يحمي النظام منذ وصول حافظ الأسد إلى السلطة عام ١٩٧٠، وأن حتى إسرائيل التي يشيع النظام في إعلامه بأنها عدوته الأولى، ما زالت تحميه من السقوط في الدوائر الأمريكية. وكلنا يعلم أن إسرائيل لو كانت تريد إسقاط النظام فعلاً لاستغلت انهيار الجيش السوري قبل الغزو الروسي لسوريا وسحبت البساط من تحت النظام وأنهته إلى غير رجعة دون أن تطلق عليه رصاصة واحدة، لكنها لم تفعل، لا بل قامت بتسليم المنطقة الجنوبية التي كانت تديرها مع قوى المعارضة للنظام والروس، وأعادت العمل بالمعاهدات الدولية القديمة التي كان النظام بموجبها يحمي الحدود الإسرائيلية. ولا ننسى أن إسرائيل وأمريكا منعتا تسليم قوى المعارضة صاروخاً واحداً مضاداً للطائرات كي يبقى الأسد مسيطراً على الجو وقادراً على حرق الأخضر واليابس عبر البراميل المتفجرة، هذه حقائق لا يمكن التعامي عنها مطلقاً، وقد سمعنا وزير الدفاع الإسرائيلي ليبرمان وقتها يوكد أن التنسيق بين الروس والإسرائيليين جار على قدم وساق في سوريا على مدار الساعة. وهو ما يؤكد أن الأمريكيين والإسرائيليين يباركون إعادة الحياة للنظام. وقد ظهرت وثائق أمريكية مؤخراً تؤكد أن الرئيس الأمريكي وقتها أوباما هو الذي ضغط على الرئيس الروسي بوتين كي يتدخل في سوريا للقضاء على المعارضة وإعادة السيطرة للنظام، ونحن نعلم أيضاً أن كل ما حصل من وحشية روسية وإيرانية وأسدية بعد التدخل الروسي في سوريا كان كله بضوء أخضر من أمريكا والغرب والعرب عموماً. لا شك في ذلك. لكن ذلك يجب ألا يُنسينا أيضاً أن نفس القوى التي ساعدت النظام بعد التدخل الروسي هي من زلزلت الأرض تحته قبل التدخل، وهي التي أوصلته الآن إلى هذا الوضع المزري الذي أصبح فيه الرئيس السوري خامس أقوى رئيس في سوريا، وأصبح فيه الجيش السوري مجرد تابع للقاعدة الروسية في حميميم والميليشيات الإيرانية المنشرة في كل البقاع السورية. صحيح أن ضباع العالم أحيوا النظام وأضعفوا قوى المعارضة، لكن كيف ننسى أن كل الجماعات والأسلحة التي حرقت جيش النظام وقتلت منه مئات الألوف كانت كلها بدعم أمريكي وإسرائيلي وغربي وعربي عموماً؟ لماذا نسينا أن الاستخبارات الأمريكية كانت تدير كل الفصائل والعمليات العسكرية ضد النظام شمال سوريا؟ ألم يقل بعض المعارضين السوريين إنهم كانوا يجلسون على طاولة يترأسها ضابط استخبارات أمريكي وإلى جانبه ضباط أوروبيون من أكثر من دولة أورةبية لتخطيط وتوجيه العمليات ضد النظام السوري؟ لماذا دخلت شاحنات الأسلحة الرهيبة إلى سوريا بمباركة الأمريكي والإسرائيلي، أليس لدك قوات النظام وإضعافها وإنهاكها؟ ألم تعترف روسيا أن قوى المعارضة مدعومة من أمريكا والعرب كادت أن تسقط النظام قبل التدخل الروسي بعد أن استولت على ثمانين بالمائة من سوريا وبعد أن قتلت عشرات الألوف من جنوده، ودمرت ترسانته العسكرية ومواقعه الاستراتيجية؟ هل كانت هذه مجرد مداعبات للنظام أم كانت ضربة نجلاء لجيشه وهيبته وقواته ومكانته؟ ألم يصبح النظام بعد التدخل الدولي مجرد أداة في أيدي اللاعبين الكبار في سوريا؟ هل ما زال يدير الدفة في البلاد، أم صار تابعاً ذليلاً لمن حموه؟ هل ما زال يسيطر على سوريا؟ هل ستعود «سوريا الأسد» التي كانت؟ ماذا بقي من جيشه؟ ماذا بقي من أنيابه؟ ماذا بقي من الليرة السورية ومن الخزانة؟ ماذا بقي من اقتصاده؟ ماذا بقي من هيبته؟ لا يمكن لأمريكا وإسرائيل أن تفعلا بالنظام ما فعلتا لو كان فعلاً وحشهما المدلل، فلا أحد يربي وحشاً كي يكسر رجله ويفقأ عينه ويهشم رأسه ويبقر بطنه، لكن أمريكا وإسرائيل كسرتا أنياب الوحش، ودقتا رأسه، وأشبعتاه ركلاً وسحلاً، بحيث فقد معظم أنيابه وصار وحشاً ذليلاً يتوسل ويتسول الحماية من القاصي والداني. لم يعد النظام ذلك اللاعب القوي على الساحتين العربية والإقليمية، بل تحول إلى ملعب، أو كرة قدم تتقاذفها الأرجل، ولم يعد يملك من أمره شيئاً. ما هو موقف الأسد عندما يرى رؤساء روسيا وتركيا وإيران يجتمعون كل فترة لتقرير مصير بلده ونظامه؟ قد يقول البعض: إن هذا النظام منذ وصوله إلى السلطة عام ١٩٧٠ كان نظاماً وظيفياً خادماً أميناً للمشروع الصهيوني في المنطقة، وأنه ينفذ المخطط الصهيوني في سوريا والمنطقة بإخلاص، ولا شك في ذلك، لكنه انكشف الآن تماماً بعد أن فضحه مشغلوه وجعلوه يبدو في عيون السوريين والعرب كوحش في خدمة أسياده في واشنطن وتل أبيب وموسكو، لا بل بات الآن وحشاً يد هزيلاً لا يقوى على الصيد لأسياده. نعم كان هذا النظام خنجراً صهيونياً مسموماً في جسد سوريا والمنطقة، ولا شك في ذلك، نعم كان أداة قذرة في مشاريع الآخرين، لكنه فقد الآن ورقة التوت التي كان يغطي بها عوراته الكثيرة وقد لعبوا به كرة قدم كما لعبوا ببقية الأطراف. ربما يمكننا القول إن السياسة الأمريكية كانت واضحة، ولكن الغالبية لم تستطع قراءتها كما يجب، فالأمريكان أرادوا إذلال الأسد قدر الإمكان حتى تتم عملية سحب كل الخيرات السورية أو أهمها إن صح التعبير تحت مظلتهم، وهي ملفات بغاية الأهمية يبدو أن تحقيقها بعد سقوط الأسد كان أمراً غير مفضل، فأبقوه في السلطة وكأنه رهينة لا رئيس، وتركوا المعارضة أيضا معلقة بحبال الآمال، وهي حبال أيضا ترفض واشنطن قطعها، بل ربما سيأتي يوم وتقوم الولايات المتحدة بتثبت تلك الأوتاد، وقطع حبال الأسد. صدقوني، لولا الموقف الأمريكي الرافض للأسد اليوم، لم تكونوا لتروا لا أستانا ولا سوتشي ولا لجنة دستورية ولا ولا ولا، كل هذه المسارات موجودة لأن أمريكا لم تعط الضوء الأخضر لتعويم الأسد، وفي ذات الوقت موقفها هذا يجعل المعارضة السورية حية ترزق، ولولا هذا الموقف لكانت الأحوال اليوم خلافا على ما هي عليه بالمطلق. بعبارة أخرى، من الخطأ القول إن اللعبة الكبرى كانت فقط تستهدف قوى المعارضة والثورة فقط، لا أبداً، بل كانت تستهدف سوريا كلها، شعباً ومعارضة وثورة وثروات ونظاماً. [email protected]
2154
| 15 ديسمبر 2019
ليس هناك استعمار جيد واستعمار سيء على مدى التاريخ، فالمستعمر مستعمر سواء أكان أمريكياً أو أوروبياً أو روسياً أو صينياً، فالمستعمرون ليسوا جمعيات خيرية، بل وحوش تحاول السيطرة على ثروات الآخرين عبر تصدير فائض القوة إلى الخارج. وكلما وجدت دولة ما عبر التاريخ قوة إضافية لديها تعمل فوراً على استثمارها خارجياً على شكل تدخل في شؤون البلدان الأخرى لاستغلالها واستعمارها. والصين ليست استثناء، فقبل مدة عقدت جامعة شنغهاي الصينية مؤتمراً تحت عنوان "الدور الرسالي المستقبلي للصين". بعبارة أخرى، فإن الصينيين بدأوا يفكرون بعقلية استعمارية واضحة، فهم يرون أن من حقهم استثمار قوتهم المتنامية خارج بلدهم. والمقصود بالدور الرسالي طبعاً أن لدى الصين رسالة استعمارية مثل كل القوى الكبرى، فانتظروها. واليوم لم يعد خافياً على أحد كيف أن الصين بدأت استعمارها لبلدان كثيرة في آسيا وأفريقيا بشكل ناعم عبر استراتيجية القروض الميسرة. تقوم لعبة القروض الصينية على استهداف البلدان المنهارة أو الفقيرة أو المحتاجة للسيولة المالية لتنفيذ مشاريعها الإنمائية، فتهرع الصين لعرض خدماتها المالية، فتغري البلدان المحتاجة بالقروض الميسرة، لكن بعد أن تنتهي البدان المدينة من إنجاز مشاريعها تجد نفسها مفلسة وغير قادرة على تسديد ديون التنين الصيني، فتقترح الصين فوراً أن تضع يدها على تلك المشاريع التي بنتها تلك البلدان بالمال الصيني، لاسترجاع أموالها، وشيئاً فشيئاً، تجد الدول المدينة نفسها تحت استعمار صيني من نوع جديد ناعم مبدئياً، لكنه مع الوقت سيصبح استعماراً كامل الأوصاف بعد أن تكون الصين قد سيطرت على الاقتصاد والمال والمشاريع في البلدان الفقيرة. تقدم الصين ديونها بشروط أفضل كثيراً مما تقدمه الدول الأخرى، حسب تقرير لموقع عربي بوست، وخاصة الولايات المتحدة، وتواصل الصين تقديم قروض ميسرة لمصر بطريقة تثير الريبة لدى البعض. وتأتي تلك القروض في ظلِّ تزايد الاستثمارات الصينية في مصر بوتيرة متسارعة. ومن الواضح أن الصين تقرض الدول النامية أكثر مما تفعل الولايات المتحدة. هذا الكرم الصيني لا يقتصر على مصر، بل يشمل دولاً عديدة في العالم الثالث. وقد أشار تقرير صادر عن البنك الدولي أن الصين تمنح قروضاً مالية للدول الأخرى، خصوصاً النامية، تفوق كثيراً ما تقدمه أمريكا، إذ وصل مجموع القروض التي قدَّمتها الصين لدول أخرى بين عامي 2014 و2017 إلى أكثر من 394.6 مليار دولار، في حين وصل مجموع القروض الأمريكية خلال نفس المدة إلى 354.3 مليار دولار، لذلك ليس غريباً أن نجد بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) يعلن في أواخر شهر مارس/آذار من العام الجاري، أن حجم القروض الجديدة باليوان بلغ 885.8 مليار يوان ما يوازي 131 مليار دولار، بزيادة 46.5 مليار يوان على أساس سنوي. ويعود تفوق الصين في تقديم تلك القروض إلى أن نسبة الفائدة التي تفرضها بكين على الدول الأخرى تعد أقل إذا ما قورنت بغيرها، إذ تتراوح بين 10 و15% خلال خمس سنوات (أي ما يتراوح بين 2 إلى 3% سنوياً)، بينما تصل الفوائد التي تفرضها أمريكا على قروضها للدول الأخرى إلى 25% (5% على أساس سنوي). الكرم الصيني ليس بريئاً، كما ورد في التقرير المذكور. هل ستعيد مع مصر تجربة سريلانكا وجيبوتي؟ ففي إطار ما يُسمَّى بمبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها الصين، اقترضت سريلانكا نحو 8 مليارات دولار في عهد الرئيس السابق ماهيندرا راجاباكسا، للإنفاق على مشاريع تطوير البنى التحتية بالبلاد، بما في ذلك تطوير ميناء هامبانتوتا، ولكن سريلانكا عجزت عن دفع الديون المتراكمة للصين، ثم وافقت كولومبو عام 2017 على منح بكين 70% من حصة الميناء في عقد انتفاع لمدة 99 سنة. وتعاد الكرة مرة أخرى مع جيبوتي، حيث أقرضت البنوك الصينية جيبوتي أكثر من 1.4 مليار دولار في عامي 2016 و2017، أي أكثر من 75% من ناتجها المحلي الإجمالي، كما مولت عدداً من مشروعات البنية التحتية، بالإضافة إلى خط السكك الحديدية، يتوجه من جيبوتي إلى أديس أبابا عاصمة إثيوبيا، كما أن الصين بنت منطقة التجارة الحرة الجديدة في ميناء دوراليه، بالأموال والقوة البشرية الصينية، والمزمع تشغيله في مشروع مشترك. واللافت أن الصين قامت بالفعل ببناء قاعدة عسكرية في ميناء دوراليه، في إشارة إلى سيطرة تامة على الميناء، ولكن بشكل غير رسمي. واللافت أيضاً أن المقرضين الصينيين استأثروا بحصة تزيد على 40% من تمويلات مشاريع البنية التحتية في دول جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا في العام 2017، بحسب ما تقول مؤسسة ماكنزي العالمية. واستأثرت كلّ من كينيا ونيجيريا، بنحو 40% من حجم الإقراض البالغ 19 بليون دولار، لتمويل مشاريع في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى منذ العام 2014 ولكن ما هدف الصين من منح الأفارقة كل هذه الأموال؟ "إنهم يحولون إفريقيا إلى قارة صينية، وهم يستغلون الأفارقة مثلما فعل الأوروبيون في عصور الاستعمار". لم تكن هذه كلمات باحث غربي، بل كان بحثاً علمياً قام به زعيم إفريقي هو ميشال ساتا رئيس زامبيا السابق قبل أن يصبح رئيساً للبلاد، إذ قال في ورقة قدَّمها في جامعة هارفارد الأمريكية إن الاستغلال الاستعماري الأوروبي مقارنة بالاستغلال الصيني يبدو حميداً، لأنه على الرغم من أن الاستغلال التجاري كان بنفس السوء، فإن الوكلاء الاستعماريين الأوروبيين استثمروا أيضاً في خدمات البنية التحتية الاجتماعية والاقتصادية، بحسب ما نقلت عنه فوربس الأمريكية. وأضاف أن الاستثمار الصيني يركز على الخروج من إفريقيا بأكبر قدر من الأموال، دون أي اعتبار لرفاهية السكان المحليين. وأفادت دراسة أجرتها "وكالة ماكنزي الأمريكية"، أن الصين تسعى من خلال تلك الاستثمارات المالية التي تقوم بها في إفريقيا إلى الحصول على الموارد النفطية والمعدنية التي تمتلكها بعض الدول الإفريقية، كنيجيريا والجزائر والكونغو وغيرها من الدول الإفريقية، واستدلَّت على ذلك بأن 90% من صادرات الدول الإفريقية تجاه الصين تخص فقط النفط والمعادن والغاز. وقد بدأت الصين فعلاً تنتقل من الاستعمار المالي إلى الاستعمار العسكري، حيث باتت الآن تبني قاعدة عسكرية حول كل بئر نفط في إفريقيا وآسيا، مما يجعلها نسخة طبق الأصل عن المستعمر الأمريكي، فعلى سبيل المثال الولايات المتحدة الأمريكية لديها قواعد عسكرية كثيرة جداً حول دول العالم، حيث تقدر بما يقارب 32 قاعدة عسكرية في دول غير الولايات المتحدة الأمريكية، بداعي السيطرة على الدول، وإذا نظرنا إلى الصين الآن نجد أنها تهدف إلى نفس الأمر. انتظروا المستعمر الأصفر الذي ربما سيجعلكم تترحمون على المستعمر الأبيض. [email protected]
2027
| 08 ديسمبر 2019
مهمة الروس في ليبيا لا تختلف مطلقاً عن مهمتهم في سوريا الرهان الروسي على حفتر فاشل لأن الرجل بلغ من العمر عتياً رغم أن وسائل الإعلام العربية والدولية لا تغطي التغلغل الروسي المتصاعد في ليبيا، إلا أن ذلك لا ينفي أن الروس بدأوا يغزون ليبيا فعلياً كما يؤكد أشرف الشح مستشار المجلس الأعلى للدولة في ليبيا. وقد اعترف الشح على قناة الجزيرة بأن حكومة الوفاق ألقت القبض على عناصر روس تابعين لشركة المرتزقة الروسية سيئة الصيت "فاغنر". وقد اعترفوا بمدى التغلغل والدور الروسي القذر في البلاد. وزادت سمعة هذه الشركة الشيطانية سوءاً قبل أيام عندما قطع مرتزقتها رأس شاب سوري ثم لعبوا كرة قدم، وهو فعل لم يقدم عليه حتى الدواعش. وقد أصبحت "فاغنر" المرادف الروسي لشركة "بلاك ووتر" الأمريكية صاحبة المهمات القذرة. لكن بينما الشركة الأمريكية شركة خاصة تستأجرها الدول، فإن الشركة الروسية تتبع للرئيس الروسي مباشرة، أي أنها من صناعة الكرملين نفسه. ويبدو أن تلك الشركة بدأت تنشط في ليبيا بشكل رهيب تمهيداً لغزو روسي كامل الأوصاف كما يؤكد الليبيون. وعلى الرغم بأن الروس يقدمون أنفسهم في كل مكان يتدخلون فيه على أنهم ينظفون الساحات بعد التخريب الأمريكي، ويحاولون الظهور بمظهر المصلح بين الفصائل المتصارعة إن كان في سوريا أو ليبيا أو غيرهما، إلا أنهم في واقع الأمر قوة استعمارية امبريالية صاعدة بدأت تنافس بقية ضباع العالم على احتلال الدول ونهب خيراتها وتحويلها إلى محميات روسية كما فعل بوتين في سوريا. وهناك لوحة على مدخل مطار حميميم السوري كتب عليها " لا حدود لروسيا العظمى" وعليها توقيع بوتين نفسه. ولا شك أن مهمة الروس في ليبيا لا تختلف مطلقاً عن مهمتهم في سوريا، فكما استغلوا الكارثة السورية لاحتلال سوريا والهيمنة على ثرواتها، ها هم يخططون للأمر نفسه في ليبيا بمساعدة الجنرال الليبي خليفة حفتر الذي تحول إلى صورة طبق الأصل عن طرطور الشام بشار الأسد، فحفتر مستعد أن يبيع ليبيا والليبيين ويدمر البلد ويقتل العباد مقابل الوصول إلى رئاسة ليبيا تماماً كما فعل نظيره في الشام، فقد باع سوريا للروس والإيرانيين والصينيين مقابل الكرسي. وقد وجدت موسكو في الجنرال حفتر الشريك الذي يمكن التعويل عليه والذي كانت تفتقده في ليبيا ما بعد القذافي. وتؤكد الزيارتان اللتان قام بهما للعاصمة الروسية في حزيران/ يونيو وتشرين الثاني/نوفمبر 2016، ثم ظهوره على متن حاملة الطائرات أميرال كوزنيتسوف ـ التي كانت تعبر قبالة المياه الليبية في كانون الثاني/يناير 2017ـ الاهتمام الذي يوليه الكرملين لرجل له ميل سياسي عسكري محبب جدا لدى موسكو. كما أخذ موقف الكرملين منذ مايو /أيار2016 منحى أكثر نشاطاً حيث قامت روسيا بطبع أحد عشر مليار دينار ليبي لصالح حكومة طبرق مما أثار احتجاجات البنك الليبي المركزي المتواجد بطرابلس حيث تقيم حكومة الوحدة الوطنية المعترف بها من طرف المجتمع الدولي. ولا يقتصر التدخل الروسي النشط في ليبيا على مرتزقة فاغنر التي كشف عنها تقرير بلومبرغ بوصول تقريبا 300 مرتزق برئاسة يفغيني بريجوزين، المقرّب من الرئيس الروسي، إلى قاعدة أمامية في ليبيا لدعم قائد مُسمى الجيش الليبي، وإدارة حربه والذي تعثرت قواته في ضواحي العاصمة منذ أبريل 2019، بل تفاقمت مظاهر التوّرط فيما ذكرته صحيفة "ذي تليغراف" البريطانية بتزويد القوّات المهاجمة بالذخائر والقذائف والدبابات والطائرات المسيرة. والأخطر بث عناصر مرتبطة بالمخابرات العسكرية الروسية للعمل بإدارة الهجوم من قاعدة الرجمة في شرق ليبيا. وذكرت نيويورك تايمز الأمريكية، في تقرير نشرته في عددها ليوم 5 تشرين الثاني/نوفمبر، أن "نحو 200 مقاتل روسي وصلوا إلى ليبيا خلال الأسابيع الماضية لمساندة (حفتر)، في إطار حملة من جانب الكرملين لتأكيد النفوذ بمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا". وقد أثبتت الدلائل أن مشاركة مرتزقة "فاغنر" في القتال ضد حكومة الوفاق يتجاوز مسألة تدريب قوات حفتر وتزويدها بأسلحة متوسطة وثقيلة، فهؤلاء المرتزقة أصبحوا يلعبون أدواراً أكبر في قيادة العمليات ضد حكومة الوفاق، وقد أكدت الوفاق عثورَها على وثائق وخطط عسكرية مكتوبة باللغة الروسية بخط اليد، إضافة إلى ظهور صور شخصية وهواتف نقالة وبطاقات ائتمان لمرتزقة من شركة "فاغنر" الأمنية الروسية. ومن أشكال الدعم الروسي المختلفة كذلك لحفتر، دعمه إعلاميًا، إذ دشن مالك "فاغنر" حملة أطلق عليها اسم "الشركة" تنفذ خطة إعلامية للتعامل مع الملف الليبي، تقوم تلك الخطة على الاعتماد على دعاية مدفوعة الأجر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تهدف إلى زيادة شعبية قوات حفتر، وكذلك تقديم خدمات الاستشارات السياسية لحفتر. ويلعب مرتزقة "فاغنر" كذراع خلفي لروسيا، ويشاركون في القتال وفي تهريب البشر وبيع النفط وتجارة المخدرات والعمل مع التنظيمات الإرهابية، ويشكل هؤلاء خطورة على النفط الليبي والهجرة غير الشرعية وتنامي "داعش" في ليبيا، وقد يكون حفتر وعدهم بالنفط الليبي والموارد الطبيعة واقامة قاعدة عسكرية روسية على الأراضي الليبية. هل ينجح الغزو الروسي في ليبيا كما نجح في سوريا حتى الآن، أم أن الوضع مختلف في ليبيا، وأن الرهان الروسي على حفتر رهان فاشل، لأن الرجل بلغ من العمر عتيا وشارف على الثمانين من العمر؟ وبالمقابل، لا يمكن للروس تنصيب سيف الإسلام القذافي رئيساً لليبيا، لأن عليه عقوبات دولية. ويتساءل الليبيون: هل يجرؤ خليفة حفتر في ليبيا على الاستعانة بالروس وبمرتزقة فاغنر لولا الموافقة الأمريكية؟ وهل روسيا تخوض حروب أمريكا بالوكالة وهي ليست سوى بلطجي مستأجر؟ أم على الليبيين أن يخشوا من الغزو الروسي الذي وصفه مسؤول ليبي بأنه بلا قيم وأن الوحشية الأمريكية على بشاعتها لا تنافس الدب الروسي في الهمجية والبربرية؟. [email protected]
1345
| 01 ديسمبر 2019
الحكومات الأوروبية والأمريكية تمارس أعلى درجات الديمقراطية مع مواطنيها داخل بلدانها الزعيم العربي أكثر ديمقراطية مع الأجانب ألف مرة مما هو مع شعبه نحن الشعب العربي نبدو أكثر كرماً ولطفاً مع الأجنبي مما نحن مع بعضنا البعض لا أحد يستطيع أن ينكر أبداً أن الحكومات الأوروبية والأمريكية تمارس أعلى درجات الديمقراطية مع مواطنيها داخل بلدانها. وهذا واضح للعيان في حالات كثيرة. ولا شك أن العديد منا سمع عن الجهود الجبارة التي تبذلها تلك الحكومات لإنقاذ حياة مواطن غربي اختطف في بلد ما أو تعرض لمكروه، فترى السفارات الغربية تتأهب بكل طاقمها من أجل هذه المهمة وتمارس ضغوطاً كبيرة على المسؤولين في أي بلد كي يتدخلوا من أجل ذلك. ولا تتردد الحكومة الأمريكية أحيانا في إرسال الوحدات العسكرية والطائرات للمساعدة في تخليص مواطن ظل طريقه في الجبال أو الغابات والأدغال، لا بل هي مستعدة أحيانا أن تغامر عسكرياً لإنقاذ أرواح مواطنيها المحتجزين في أي مكان من العالم. صحيح أن المستعمر البريطاني مثلا مارس أبشع أنواع العنصرية في تعامله مع الشعوب التي استعمرها. وصحيح أيضاً أن شاعراً إنكليزياً متطرفاً مثل روديارد كيبلنغ شاعر الامبراطورية كان يعتبر كلبه أطهر من العبيد الأفارقة الذين كانوا يخدمون في منزله في إحدى المستعمرات البريطانية في القارة السوداء. ولا أحد يستطيع أن ينكر حقارة الاستعمار الغربي من فرنسي وبرتغالي وهولندي في تعامله مع شعوب البلدان التي استعمرها، فقد كان هذا الاستعمار أسفل من السفالة ذاتها، وكلنا يتذكر همجية ونذالة وبشاعة المستعمرين من خلال كتب التاريخ. لكن يجب ألا ننسى أيضا أن هذا المستعمر اللعين كان غاية في اللطف مع مواطنيه داخل بلاده، وبالتالي وطنياً إلى أبعد الحدود، فقد كان يستعبد الآخرين ويمتهن كراماتهم وينهب خيراتهم لا لشيء إلا لإسعاد مواطنيه في الداخل وتحسين أوضاعهم. وإذا نظرنا إلى واقع العلاقات الدولية الحالية نرى أنها لا تختلف بأي حال من الأحوال عما كان عليه الوضع أيام الاستعمار القديم، فالغرب الديمقراطي حتى النخاع يتصرف الآن مع بقية دول العالم بنفس الطريقة البشعة التي كان يتصرف بها المستعمر مع مستعمراته، حتى أن البعض يرى في التعامل الأمريكي الحالي مع العرب نموذجا أسوأ بكثير من تعامل الاستعمار البريطاني مع الهند مثلا، فقد ضربت أمريكا مثلاً صارخاً في الاستخفاف بكرامة الشعوب الأخرى، ولعلنا نرى كيف أن الإدارة الأمريكية تعامل العرب والمسلمين كأتباع إن لم نقل كأنعام وعبيد ضاربة عرض الحائط بكل القيم الديمقراطية التي تمارسها في الداخل، فلم يتردد المخطط الاستراتيجي الأمريكي الشهير بريجنسكي ذات مرة في وصفنا ووصف بعض المناطق الآسيوية بأننا ننتمي إلى فئة البرابرة. وقد يتساءل البعض حائرين من هذه الازدواجية الصارخة في طريقة التعامل الغربي مع الداخل والخارج. كيف يمكن أن يكون الرئيس الأمريكي أو رئيس الوزراء البريطاني وأمثالهما من القادة الغربيين، كيف يمكن أن يكونوا ديمقراطيين ومتسامحين مع مواطنيهم إلى أقصى درجة ويطبقون المعايير الديمقراطية بحذافيرها من احترام للحريات ومراعاة للحقوق، بينما يدوسون في الوقت نفسه على كرامات وحريات وحقوق الشعوب الأخرى بطريقة مهينة للغاية دون أي تردد أو وخز للضمير؟ لماذا يخشى الزعيم الغربي من مجرد دعوى قضائية بسيطة قد يرفعها مواطن ضد الحكومة، بينما يضرب عرض الحائط بكل الاحتجاجات الدولية الشعبية منها والرسمية ضد سياسة بلده؟ لماذا يلتزم القائد الغربي بأبسط قواعد التصرف مع مواطنيه بينما ينتهك كل القوانين والأعراف والقيم والنواميس الدولية الأخرى حينما يتعلق الأمر ببلدان وأقوام أخرى؟ لقد حاولت ونقبت كثيراً كي أجد جواباً شافياً لهذه الأحجية أو المعضلة الأخلاقية المعقدة ولعلني نجحت في إيجاد الحل، لقد توصلت إلى نتيجة مفادها أن الزعيم الغربي يتعامل مع شعبه بنفس الطريقة التي يتعامل بها الوحش المفترس في الغابة مع الحيوانات الأخرى. لا شك أنكم شاهدتم كيف يتعامل الأسد والنمر والفهد والضبع والذئب وغيرهم من الحيوانات الكاسرة مع بقية الحيوانات، فالضباع مستعدة أن تصطاد الغزال وحمار الوحش والجواميس وغيرها من الحيوانات كي تأكل وتُطعم أبناءها. إنه لمنظر عجيب أن ترى النمر يمزق أشلاء الأرانب والغزلان ثم بعد لحظات قليلة تراه يداعب أبناءه الصغار بحنو وعطف ودماثة عز نظيرها، وكذلك الأمر بالنسبة لللبوة، فهي تطارد الحيوانات الضعيفة بشراسة وهمجية لا مثيل لها، لكنها تعود بعد قليل إلى صغارها وهي تحمل الفريسة بكل تواضع وحنان كي يسدوا رمقهم، فالحيوانات المفترسة تبدو في غاية الديمقراطية والتسامح مع جرائها والمقربين منها من الحيوانات الضارية الأخرى، لكنها في غاية التسلط والديكتاتورية والعدوان والقمع والبطش مع الحيوانات المغلوبة على أمرها. وهكذا الأمر بالنسبة للديمقراطيات الغربية، فهي “بالفطرة الديمقراطية” نعامة مع شعوبها وعلى الشعوب الأخرى أسود. بعبارة أخرى، فإن الديمقراطية تبقى شأنا داخلياً صرفاً في مجتمعي الإنسان والحيوان.، ولا ديمقراطية أبداً في العلاقات الخارجية أو الدولية. وهذا ما لم نفهمه نحن العرب حتى الآن، لهذا ترانا نسير عكس التيار حكاما وشعوبا، فالزعيم العربي في بعض الأحيان أكثر ديمقراطية مع الأجانب ألف مرة مما هو مع شعبه، فهو يتواضع ويتسامح ويلين مع الغير حتى لو باع الوطن أحياناً، أما مع شعبه فهو أشرس الشرسين يبطش ويقمع ويضطهد ويصادر ويدوس الأخضر واليابس، وحتى نحن الشعب العربي نبدو أحيانا أكثر كرماً ولطفاً وكياسة مع الأجنبي مما نحن مع بعضنا البعض، وليتنا نتعلم نحن العرب أصول الديمقراطية من الحيوانات الكاسرة فنهتم ببعضنا البعض وندافع عن مصالحنا الخاصة حتى لو تجنينا على الآخرين، لكن واأسفاه! فنحن كواسر على بعضنا وأرانب مع الغير على عكس كل النواميس الإنسانية والحيوانية. [email protected]
1491
| 10 نوفمبر 2019
الإنسان العربي يزعق بأعلى صوته مستخدماً عبارات تهز الجبال أصحاب الأصوات العالية قلما يـُقدمون على أفعال فهم أضعف وأعجز من أن يترجموا انفعالهم محزن أن نرى العرب يطلقون منذ عقود تصريحات مليئة بالعنف والتهديدات الصاخبة هناك مثل إنجليزي شهير يقول: احمل عصا غليظة، وتكلم بلطف. دائماً أتذكر هذا المثل عندما أنظر إلى الطريقة التي يتحدث بها العرب في السياسة والإعلام والمجتمع، فهم غالباً ما يتحدثون بأصوات عالية للغاية، بينما لو نظرنا إلى الطريقة التي يتكلم بها الأقوياء كالأمريكيين والأوروبيين على شاشات التلفزيون، والإذاعات، والمناسبات العامة، لوجدناها غاية في اللطف، والرقة، والتحضر، والهدوء، فقلما تشاهد زعيماً، أو مسؤولاً أمريكياً، أو أوروبياً يتحدث بصوت عالٍ، أو لهجة حادة، أو عبارات هادرة، فمن عادة الغربيين أن يتحدثوا بنبرة خفيفة جداً، مما يجعلك تـُشفق عليهم لشدة وداعتهم، ولطفهم. واللافت في الأمر أن المسؤول الغربي يطلق أخطر التصريحات والتهديدات بلهجة خافتة جداً، بحيث يصعب علينا، نحن العرب، أن نتبين فيما إذا كان ذلك المسؤول يهدد فعلاً، أو يتوعد، أو سيحرق الأرض تحت أرجلنا. وكثيراً ما كنت أتعجب وأنا أرى هذا السياسي الغربي أو ذاك يقول أعنف الأشياء، وأكثرها صرامة، وفتكاً ببرودة شديدة، بحيث قد لا تأخذه على محمل الجد، أو قد لا تصدق أنه غاضب، أو منفعل، إلا ما ندر. على العكس من ذلك، نجد الإنسان العربي، زعيماً كان أو مسؤولاً، أو خطيباً، أو معلقاً، يزعق بأعلى صوته مستخدماً عبارات تهز الجبال من شدة عنفوانها وثقل وقعها، حتى لو كان الأمر لا يحتاج إلى حدة، أو صوت عالٍ، أو انفعال. لكن المضحك في الأمر أن أصحاب الأصوات العالية قلما يـُقدمون على أفعال عنيفة، أو رهيبة، فهم أضعف، وأعجز من أن يترجموا انفعالهم، أو جبروتهم الصوتي الفظيع إلى أفعال قوية، وربما يعبرون عن عجزهم ووهنهم من خلال العبارات الرنانة والطنانة، والنبرات الحادة، والصوت الجهوري الصاعق الذي لا يصعق إلا طبلات الأذن. بعبارة أخرى فهم أشبه بالرصاص الذي يستخدمونه في معسكرات التدريب ويسمونه بـ"الخلــّبي"، أي الذي يحدث صوتاً قوياً، لكنه لا يقتل ذبابة. من المحزن جداً أن نرى العرب، ومنذ عقود، يطلقون تصريحات مليئة بالعنف، والغضب، والتهديدات الصاخبة، التي لو تحققت على أرض الواقع، لتحررت كل الأراضي العربية والإسلامية المحتلة، ولربما سيطرنا على العالم من أقاصي الصين حتى تشيلي، أبعد نقطة على كوكب الأرض. فلو استمعت مثلاً للخطباء، من طنجة إلى جاكرتا، لوجدتهم يطلقون دعوات وصرخات قد تزلزل الأرض، وتجعل أعداء الأمتين العربية والإسلامية يختبئون في أقرب جحر خوفاً على حياتهم من صواريخنا الكلامية العابرة للقارات. فقلما يطلق هؤلاء الهادرون الهائجون جملة دون أن يفخخوها بقنابل وصواعق صوتية مزلزلة ضد الأعداء، فعبارات "الموت" و"الهلاك" و"الإبادة" و"السحق والمحق" تكاد تكون لوازم موسيقية لا بد، ولا غنى عنها في خطبهم النارية، بحيث قد لا تكتمل خطبة عصماء من دونها. هل أخطأ عبد الله القصيمي عندما وصف العرب بأنهم "ظاهرة صوتية" لا أكثر ولا أقل؟ بالطبع لا. فنحن فنانون في إطلاق العيارات الصوتية الثقيلة، بينما، في الواقع، يقصفنا الأعداء بالعيارات النارية الحقيقية دون أي تهديد أو وعيد، هذا فيما عناترتنا لا يملون من إطلاق القنابل الكلامية الهلامية. آه كم كان الشاعر العظيم نزار قباني على حق عندما قال: إذا خسرنا الحرب، لا غرابة لأننا ندخلها بكل ما يملكه الشرقي من مواهب الخطابة بالعنتريات التي ما قتلت ذبابة السر في مأساتنا صراخنا أضخم من أصواتنا وسيفنا.. أطول من قاماتنا.. يوجعني أن أسمع الأنباء في الصباح يوجعني.. أن أسمع النباح... وبنفس منطق نزار قباني يقول الصينيون في أمثالهم المأثورة: "الكلاب التي تنبح كثيراً لا تعض". والعكس صحيح. فالغربيون يتكلمون بأصوات منخفضة جداً، لكنهم يفعلون بنا الأفاعيل، وهم يهمسون. فبدلاً من أن نزبد، ونرغي، ونهدد العالم بخطباتنا وعنترياتنا الصوتية المهترئة، علينا أن نعدّ لهم ما استطعنا من قوة. وعندما تتوفر لنا أسباب تلك القوة، لا أعتقد أننا سنرفع أصواتنا كثيراًً لتكون تعويضاً عن عجزنا وخيبتنا وإحباطنا، ولن نتوعد أحداً بعظائم الأمور، بل سنضرب الأعداء دون إطلاق رصاصة صوتية واحدة. وكما يقول المثل الانجليزي الشهير: فلنبحث عن عصا غليظة أولاًً، ومن ثم سنتكلم بلطف، بشكل أوتوماتيكي، فالانتقام، بكل الأحوال، كما يقول الانجليز أيضاً،"أكلة يجب أن تؤكل باردة." [email protected]
9394
| 03 نوفمبر 2019
من أكبر الأكاذيب التي سجلها التاريخ ما يسمى بحركات المقاومة. ولعل أكثر الحركات التي تغنت بها الشعوب هي حركة المقاومة الفيتنامية، التي تفاخرت ذات يوم بأنها هزمت الأمريكيين في فيتنام لتصبح رمزاً للمقاومة في كل أنحاء العالم. هل كانت هناك فعلاً حركات مقاومة عبر التاريخ حتى في فيتنام؟ أم كانت مجرد أدوات في أيدي جهة ما ضد جهة أخرى؟ هل كان الفيتناميون ليقاوموا أمريكا لو لم يكن وقتها هناك حرب باردة بين روسيا وأمريكا والصين؟ هل كان الفيتناميون لينتصروا دون الدعم السوفياتي والصيني المغرض؟ وهل كان الاحتلال السوفيتي أفضل من الأمريكي؟ متى كانت الدول أو القوى العظمى التي تتظاهر بدعم هذه الحركة أو تلك مجرد جمعية خيرية تقدم الدعم للشعوب وحركات التحرر كي تنعتق من نير المستعمر أو المحتل؟ ما فائدة أن تحرر حركات المقاومة بلدانها من مستعمر لتسلمها لمستعمر آخر ساهم في دعمها؟ هل هذه فعلاً حركات مقاومة أم ثلة من المرتزقة أو بنادق للإيجار؟ هل يا ترى قدمت أمريكا السلاح والدعم ومليارات الدولارات للمجاهدين الأفغان لطرد المحتل السوفياتي من أجل تحرير أفغانستان وتأمين الحرية والكرامة لشعبها، أم لأن السوفيات كانوا يهددون مصالح أمريكا في ذلك الجزء من العالم؟ دعونا نتذكر أنه عندما دخلت الدبابات السوفياتية إلى أفغانستان اتصل مستشار الأمن القومي الأمريكي وقتها بريجنسكي بالرئيس الأمريكي كارتر وقال له حرفياً: "خبر مفرح يا سيدي. الآن قد بدأت فيتنام الاتحاد السوفياتي"، وكأن بريجنسكي يقول: "كما أنتم دعمتم الفيتناميين ضد الوجود الأمريكي في فيتنام، ها نحن سندعم المجاهدين الأفغان ضد الاحتلال السوفياتي لأفغانستان." لاحظوا أن المقاومين الفيتناميين والمجاهدين الأفغان المزعومين لم يكونوا سوى أدوات، الفيتناميون في أيدي السوفياتي والصيني، والأفغان في أيدي الأمريكي. لاحظوا أيضاً أن الأمريكيين الذين دعموا الأفغان ضد السوفيات عادوا واحتلوا أفغانستان بحجة محاربة تنظيم القاعدة وعاثوا خراباً ودماراً في البلاد. لا بل شحنوا ألوف المجاهدين الأفغان القدامى إلى معسكر غوانتانامو كإرهابيين. هل يستطيع أحد أن ينكر أن الجهاد أصبح منذ الغزو السوفياتي لأفغانستان أشبه بحروب المرتزقة؟ فمن المعلوم أن "المجاهدين" الأفغان لم يجاهدوا بأي حال من الأحوال لتحرير بلدهم من ربقة المحتل السوفياتي بقدر ما كانوا ينفذون مهمة عسكرية (دون أن يدروا) نيابة عن الذين كانوا يمولونهم، ويزودونهم بالعتاد، وعلى رأس هؤلاء كانت تقف وكالة الاستخبارات الأمريكية وبعض الدول العربية التي دفعت أكثر من اثنين وعشرين مليار دولار كأتعاب لـ"المجاهدين"، لا لتحرير أفغانستان طبعاً، بل لدحر السوفيات الذين كانوا يشكلون باحتلالهم لأفغانستان خطراً على المصالح الأمريكية في المنطقة، وخاصة على الطرق المؤدية إلى نفط بحر قزوين. وبما أن العملية بأكملها لم تكن مقاومة، بل مجرد حرب مدفوعة الثمن، أو بالأحرى حرب بالوكالة لصالح جهات خارجية، انتهى الجهاد الأفغاني إلى حرب عصابات بين "المجاهدين" الذين حولوا البلاد إلى مسرح للاقتتال الداخلي على الغنائم. وقد عانت أفغانستان بعد خروج الغازي السوفياتي على أيدي "المجاهدين" أكثر مما عانت أيام الاحتلال. فلو كان "المجاهدون" يجاهدون فعلاً من أجل بلدهم لنهضت أفغانستان بعد التحرير. غير أن العكس قد حصل. لكن بعض "المجاهدين" العرب لم يعوا الدرس الأفغاني تماماً، فراحوا يكررون الخطأ نفسه. ألم تحاك حركات المقاومة العربية التي تملأ الساحة ضجيجاً منذ العقدين الماضيين من القرن الماضي النموذج الأفغاني، حتى لو اختلفت الطرق والأساليب والداعمون. لنكن صريحين: ألا تخدم الكثير من حركات المقاومة العربية أجندات خارجية لا تخفى على أحد؟ هل كان لتلك الحركات أن تزدهر وتتصاعد لولا أن هناك أيادي خارجية تمدها بالدعم المالي والإعلامي والمعنوي، بما فيها حركات المقاومة اللبنانية والفلسطينية؟ هل أخطأ أحد الساخرين عندما قال إن العرب نوعان، الأول "يناضل" نيابة عن المشروع الأمريكي الإسرائيلي، والثاني نيابة عن القوى الأجنبية المعادية للمشروع الأمريكي؟ أي أننا مجرد أدوات لا أكثر ولا أقل، حتى لو صدم هذا الكلام بعض المكابرين. لا أعتقد أن هناك مشروع مقاومة عربي خالص حتى الآن، بل مجرد مقاومة بالوكالة. لقد ظن الكثيرون ذات يوم، وكل الظن إثم هنا، إن هناك حركات "جهادية" في العراق مثلاً، ثم تبين لنا أن معظمها مخترقة من العديد من أجهزة المخابرات العربية والدولية. وكل واحدة منها تعمل بمقدار. ولعل أكثر ما يثير السخرية وربما الضحك أن بعض تلك الحركات تعمل بتوجيهات مباشرة أو غير مباشرة من أنظمة لا تطيق سماع كلمة "إسلاميين"، مع ذلك فقد اقتضت الضرورات إباحة المحظورات لغايات لا علاقة لها أبداً بـ"الجهاد". ما حدا أحسن من حدا، فقد استوت الأنظمة الإسلاموية مع الأنظمة العلمانية في المتاجرة بـ"الجهاديين". فبما أن الجهاد أصبح سلعة فلا بأس أن يشتريها ويبيعها الجميع على مختلف مشاربهم. ربما استفاد المتاجرون الجدد من أولئك الذين تاجروا بـ"المجاهدين" في أفغانستان.، وخاصة في سوريا التي تحولت إلى ساحة لفصائل إجرامية لا علاقة لها لا بالإسلام ولا بالله. ويتساءل كثيرون كيف لحركات المقاومة العربية أن تستعين بالإيراني الذي يتفاخر باحتلال أربع عواصم عربية كي يساعدها على تحرير القدس من إسرائيل التي تحتل عاصمة عربية واحدة؟ وحتى لو تمكنت إيران وحركات المقاومة من تحرير القدس لا سمح الله، ماذا سيكون مصير المدينة المقدسة: هل ستعود إلى أهلها أم سيضيفها الإيراني إلى العواصم الأربع العربية التي يسيطر عليها؟ هل في لبنان حركة مقاومة لبنانية، أم مجرد أدوات إيرانية؟ ألم يقل كبارهم إنهم بالدرجة الأولي جنود في جيش ولي الفقيه الإيراني، وليسوا مقاومين وطنيين لبنانيين؟ لقد بات الملايين يقرفون من سماع كلمة "مقاومة" بعد أن صارت مرادفة للمرتزقة والحروب بالوكالة في حالتنا العربية. هل تعلمون أيضاً أن الفيتناميين الذين تفاخروا ذات يوم بطرد الاحتلال الأمريكي صاروا يتوسلون الأمريكي كي يجلب مصانعه إلى فيتنام لتشغيل الفيتناميين؟ هل تعلم أن فيتنام صارت من أكبر المراكز في العالم لصناعة الأحذية والمشروبات والألبسة الأمريكية؟. [email protected]
2266
| 13 أكتوبر 2019
عنجر قرية لبنانية تقع في قضاء زحلة في محافظة البقاع، تبعد عن العاصمة بيروت 60 كلم وهي في منتصف الطريق تقريباً بين بيروت ودمشق مع قربها من دمشق أكثر. وقد اكتسبت شهرتها ودخلت التاريخ ليس لأنها مدينة سياحية، بل لأنها كانت مقر الحاكم العسكري السوري أيام الاحتلال السوري للبنان. ومن أشهر الضباط السوريين الذين ارتبط اسمهم بعنجر اللواء غازي كنعان رئيس جهاز الأمن والاستطلاع الذي حكم لبنان منذ عام ألف وتسعمائة واثنين وثمانين حتى ألفين وواحد، وكان الحاكم بأمره طبعاً نيابة عن حافظ الأسد في دمشق. وكانت قرية عنجر محجاً للساسة اللبنانيين الذين كان معظمهم يعمل بوظيفة مخبر لدى البلاط الكنعاني. كانوا يتقاطرون زرافات زرافات إلى عنجر لتقديم فروض الطاعة والولاء، ولطالما كانوا يحملون الهدايا الثمينة للوالي السوري من الذهب وملايين الدولارات من أجل الوصول إلى منصب في بيروت أو لتمرير صفقة تجارية. كيف لا وقد كان غازي كنعان صانع الملوك في لبنان، فهو الذي يختار أعضاء مجلس النواب والوزراء والحكومة بعجرها وبجرها، وزيارة عنجر كانت ممراً إلزاميا للكثيرين لدخول النيابة أو الوزارة أو حتى الرئاسة. وهو الذي كان يُعز من يشاء ويهين من يشاء بوصفه ملك لبنان المتوج بالبسطار العسكري. ومن مآثره الشهيرة الإطاحة بميشيل عون الرئيس اللبناني الحالي الذي كان وقتها قائد الجيش اللبناني رئيس الحكومة العسكرية عام ألف وتسعمائة وتسعين. لقد كانت عنجر وزوارها حسب كاتب لبناني "صفحات مذلة في تاريخنا السياسي الحديث حيث ضابط مخابرات سوري واحد أحد هو الحاكم والمتحكم بمصير الوطن. بدأ النظام السوري يتدخل في السياسة اللبنانية من أعلى المستويات إلى أصغرها، يتدخلون مع وزير الخارجية وفي نفس الوقت مع عريف في الدرك. أصبح غازي كنعان الحاكم الفعلي للبنان، انتخبوا إلياس الهراوي رئيساً للجمهورية ومن ثم إميل لحود، وكان الرجلان مجرد دميتين بيد كنعان". ثم جاء بعد كنعان ضابط سوري شهير آخر إلى عنجر وهو رستم غزالي الذي سار على خطى سلفه، لا بل زايد عليه أحياناً في اضطهاد اللبنانيين شعباً وقيادة، ومارس أسوأ أنواع الفساد والإفساد. وقد وصل به الأمر إلى التدخل في الجامعات اللبنانية والحصول على شهادات دكتوراه له ولأقاربه، ناهيك عن نهب بعض البنوك اللبنانية. وقد كان أبوعبدو ككنعان صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في لبنان. وقد انتهى الرجلان قتلاً، حيث اغتالهما نظام الأسد لاحقاً لأسباب مختلفة. وكما لكل شيء نهاية، فلقد كان اغتيال رئيس وزراء لبنان عام ٢٠٠٥ بداية النهاية ونقطة التحول الكبرى في مسيرة انهيار النظام السوري، ففي ذلك العام جاءت الأوامر الدولية بطرد الجيش السوري من لبنان ليبدأ التطور الدارويني المعكوس في مسيرة النظام، فبعد عشر سنوات تقريباً، اضطر النظام الفاشي إلى رهن سوريا لروسيا لحماية العرش الأسدي من السقوط، فتدخـّل الروس في سوريا في الخامس عشر من سبتمبر سنة ألفين وخمسة عشر من خلال قاعدتهم العسكرية بالساحل السوري بقرية حميميم، لتتحول هذه القاعدة إلى عنجر روسية في سوريا تتحكم بكل مفاصل الدولة السورية تماماً كما كانت عنجر السورية تتحكم بكل مفاصل الدولة اللبنانية لبنان. سبحان مغير الأحوال، ذهب كنعان وغزالي وجامع جامع وجاء سيرجي وميخالوف وقسطنطين، لكن هذه المرة ليفعلوا بسوريا وقيادتها ما فعله كنعان وغزالي وجامع بلبنان ذات يوم. ومنذ دخولهم إلى سوريا ها هم يتعاملون مع القيادة السورية كما تعاملت القيادة السورية مع لبنان. وكلنا شاهد الرئيس السوري مشحوناً بطائرة بضائع إلى موسكو لمقابلة الرئيس الروسي بطريقة سرية، وتابعنا الأسد وهو يجلس كتلميذ نجيب أمام بوتين كما كان يؤتى بالرئيس اللبناني ليجلسوه أمام غازي كنعان ورستم غزالي. وكلنا شاهد كيف يستدعي الروس بشار الأسد إلى قاعدة حميميم لإعطائه التعليمات والإرشادات وتلقي الأوامر والإملاءات من الأسياد. وعندما زار وزير الدفاع الروسي سوريا لم يعلم بشار بالزيارة إلا عندما استدعاه شويغو إلى القاعدة الروسية. وقد شاهدنا جميعاً بشار وهو يقول لوزير الدفاع الروسي: يا لها من مفاجأة كبرى، لم أعلم أنني سأقابلك شخصياً. لاحظوا أن كبار المسؤولين الروس، يأنفون، ولا يتنازلون وكما ولاة بلاط عنجر سابقاً، بزيارة الأسد الصغير في مقره بدمشق بل يستدعونه إلى حميميم. هذا ما فعله بوتين. وقد عمد الإعلام الروسي وقتها إلى إظهار الأسد بمظهر الطرطور، حيث أوقفه جندي روسي عندما حاول السير مع بوتين إلى المنصة التي كان سيلقي بوتين منها خطابه أمام القوات الروسية في القاعدة فالأعراف لا تسمح لتابع أن يمشي بموازاة سيـّده، فما بالكم بقيصر من ناطور لإحدى مزارعه. وفي لقطة أخرى أكثر إذلالاً شاهدنا الوريث الصغير وهو يقف مع ضباط روس صغار وراء الخط الأصفر، بينما كان بوتين يلقي خطابه، وكأن الرئيس السوري واحد من حاشية الرئيس الروسي ومرافقيه، علماً بأن القاعدة الروسية تقع على أرض سورية ذات سيادة. هل تختلف معاملة غازي كنعان ورستم غزالي للمسؤولين اللبنانيين في عنجر عن معاملة الروس للقيادة السورية في حميميم؟ ربما كان كنعان وغزالة أرأف بالساسة اللبنانيين من المسؤولين الروس في تعاملهم مع النظام السوري. وكما كان الضباط السوريون يتدخلون في كل شاردة وواردة في لبنان، ها هم الروس وقد أصبحوا يتحكمون في كل تفاصيل الدولة السورية عسكرياً وأمنياً وسياسياً واجتماعياً. وإذا أراد مسؤول سوري أن يترقى في وظيفته الآن فلا بد من المرور عبر الروسي والإيراني وليس عبر دوائر النظام. واليوم يتسابق الضباط والمسؤولون السوريون للحصول على رضا الروسي والإيراني تماماً كما كان يفعل المسؤولون اللبنانيون أمام كنعان وغزالة وجامع ذات يوم. إنها أحكام الحياة ودروسها القاسية وقوانينها الصارمة التي تحكم الكون ولا ترحم أحداً من الأنام، ومنها ما يقول على سبيل المثال، لو دامت لغيرك ما آلت إليك، وكما تدين تدان، وبالكيل الذي تكيل تُكال، وطبعاً فهذا الغلام، ليس منها باستثناء، فها هم الروس يكيلون له بذات الكيل و"السطل"، ويسقونه من ذات كأس المر والعلقم والمهانات الذي أذاق به شعب ونُخـَب لبنان. [email protected]
1762
| 08 سبتمبر 2019
الروس دخلوا سوريا بشعار محاربة الإرهاب والقضاء على داعش فعلها الأمريكيون في العراق وكررتها روسيا في سوريا والشعارات لا تطابق الواقع لم تتصرف روسيا بعقلية الدب الروسي المعهودة في سوريا بل تصرفت في واقع الأمر بعقلية الثعلب، ونجحت نجاحاً باهراً في خداع قوى المعارضة السورية كلها، بالإضافة طبعاً إلى خداع الفصائل المسلحة وكل من يساندها من السوريين وغير السوريين. دعونا أولاً نتذكر الشعار الذي رفعته روسيا في أواخر شهر سبتمبر /أيلول عام ٢٠١٥ قبيل غزوها لسوريا. لقد ملأ الروس الدنيا ضجيجاً وقتها بضرورة التدخل في سوريا للقضاء على داعش حصراً كأكبر خطر إرهابي يهدد العالم. ولا شك أن الجميع وقتها كان سيرحب بهذه الخطوة الروسية، خاصة وأن الشعار الذي رفعه الروس شعار جذاب جداً، ألا وهو القضاء على الإرهاب. لكن كم من الجرائم البشعة وكم من المخططات الشريرة مرت على الشعوب تحت هذا الشعار الكاذب؟ لقد فعلها الأمريكيون من قبل مرات ومرات في العراق وأفغانستان، حيث رفعوا شعار محاربة الإرهاب بينما كان الهدف استعمارياً بامتياز لنهب ثروات العراق والسيطرة على أفغانستان الممر المهم إلى نفط وغاز بحر قزوين. وقد سخرت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس ذات يوم من الذين انخدعوا بالشعارات الأمريكية عندما قالت: "إنه النفط يا غبي". ما حد أحسن من حد، صاح الروس، لماذا لا نرفع شعار القضاء على الإرهاب في سوريا للتغطية على الغزو الروسي الاستعماري الذي لا يختلف مطلقاً عن الغزو الروسي لأفغانستان أو الغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان؟ لاحظوا أن الروس لم يتحدثوا ولم يهددوا مطلقاً بمهاجمة قوى المعارضة السورية عندما تدخلوا في سوريا، بل أعلنوا فقط أنهم سيستهدفون الدواعش، لكن مرت الأيام والأسابيع فلم يطلق الروس طلقة واحدة على الدواعش، إلا ربما لذر الرماد في العيون والضحك على الذقون، بينما راحوا يعملون عسكرياً وسياسياً على طرد كل فصائل المعارضة من المناطق التي تسيطر عليها وإعادتها إلى النظام. لقد كان القضاء على داعش كما كان بالنسبة لكل الذين تدخلوا في سوريا مجرد ستار أو شعار زائف لتحقيق أهداف أخرى تماماً. والسؤال الكبير: كيف يمكن أن نصدق أن روسيا تريد القضاء على الدواعش في سوريا إذا كانت روسيا من أكثر الدول التي شحنت الدواعش إلى سوريا؟ جدير بالذكر أن الروس وكلوا شخصية كبيرة من أصول شرق أوسطية من قبل لشحن الدواعش الشيشانيين إلى سوريا. وكان ينسق عملياته من دمشق. تصوروا. يتظاهرون بمحاربة الدواعش، بينما هم أكبر المتاجرين بهم لأغراض قذرة. وعندما بدأت روسيا تكشر عن أنيابها فعلاً في سوريا بعد أن صارت قواتها في سوريا بدأت تطرح مشاريع سياسية عبر مؤتمرات شهيرة في أستانا وسوتشي للقضاء تماماً على مقررات مؤتمر جنيف الدولي. وقد نجحت تماماً. من مازال يتذكر جنيف بعد أن مررت روسيا كل مخططاتها عبر استانا وسوتشي؟ ولعل أشهر شعار رفعته روسيا في سوريا شعار: "خفض التصعيد"، وهو في ظاهره شعار براق جذاب نفهم منه إعادة الأمن والأمان والاستقرار لسوريا والسوريين بعد سنوات من الصراع الدامي، لكن شيئاً فشيئاً بدأنا نكتشف أن الهدف الرئيس مما يسمى بخفض التصعيد هو القضاء على كل فصائل المعارضة السورية التي تواجه النظام عسكرياً. فجأة اختفى جيش الإسلام الذي كان ظاهرياً يحاصر دمشق بعتاد عسكري قادر أن يحرر سوريا كلها. كيف؟ طبعاً بجهود روسية عسكرية وسياسية، ثم سقطت درعا بين ليلة وضحاها بموجب خفض التصعيد وتم شحن مقاتليها إلى إدلب، لكن ليس لحمايتهم، بل للقضاء عليهم لاحقاً بعد تنظيف سوريا من كل فصائل المعارضة. انظروا الآن لمصير الفصائل التي ضحك عليها الروس وشحنوها إلى إدلب أين هي؟ لقد كانت إدلب بموجب لعبة خفض التصعيد المحشر الكبير لكل فصائل المعارضة كي يتم القضاء عليها دفعة واحدة. وهذا ما يحصل الآن. وكان جديراً بالمقاتلين الذين قبلوا بالذهاب إلى إدلب وقتها أن يرددوا: "أكلت يوم أكل الثور الأبيض"، أي بعد خروجهم من ريف دمشق ودرعا وباقي المناطق. قد يقول البعض طبعاً إن المعارضة السورية التي قبلت بالخطط الروسية ومؤتمراتها، كمؤتمري أستانا وسوتشي، وما تبعها مما يسمى بعملية خفض التصعيد في مناطق الصراع بين النظام وقوات المعارضة، ربما لم تنخدع بالمخططات الروسية، بل كان مغلوباً على أمرها بفعل الوحشية الروسية أولاً، وثانياً بفعل ضغوط الدول الضامنة للاتفاقات وخاصة تركيا. وهذا طبعاً عذر أقبح من ذنب. لهذا نقول أخيراً على ضوء الخديعة الروسية الكبرى في سوريا: احذروا دائماً الشعارات والأسماء البراقة، فالأسماء والشعارات التي تطلقها الدول على مشاريعها السياسية قد تكون خادعة إلى حد كبير...لا تصدقوا الأسماء والتوصيفات الإعلامية لهذا المشروع أو ذاك، فكلها تبدو جذابة، بينما في الواقع قد تكون كالأفاعي ناعمة الملمس لكن العطب في أنيابها. فقط قارنوا أخيراً بين ما رفعته روسيا في الخامس عشر من سبتمبر عام ألفين وخمسة عشر من شعارات، وما فعلته في سوريا حتى الآن. وأخيراً للذين قبلوا بالمبادرات الروسية من قوى المعارضة والدول الضامنة كتركيا نقول: تعيشوا وتأكلوا غيرها!. [email protected]
1289
| 25 أغسطس 2019
ثمة هواجس وشكوك ووساوس تتناهب دواخل السوريين اليوم وهم يتابعون الأطوار الماراثونية لتشكيل والتئام ما تسمى اللجنة الدستورية المزمع إنشاؤها لمناقشة-على أساس- الدستور السوري العتيد المرتقب، مستذكرين بألم ومرارة مسرحية تعديل الدستور الهزلية في صيف العام 2000 لتنصيب الفتى التحفة وأعجوبة الزمان ملكاً ووريثاً مطوباً ومدموغاً "أولبراتياً" للمزرعة الأسدية-المخلوفية أو ما كان يعرف سابقاً، قبل "النكبة"، باسم سوريا، فمنذ مؤتمر جنيف قبل سنوات طوال وهم يتحدثون ويتناقشون ويتصارعون و"يتباكسون" ويختلفون على وضع دستور جديد لسوريا، وما زالوا مختلفين، مرة على بعض البنود، ومرة على أعضاء اللجنة الدستورية، ومرة على صلاحيات الرئيس الموسعة التي جعلت من "الأسدين" (المؤسس ووريث المزرعة)، أكثر صلاحية ونفوذاً وقوة من نابليون بونابرت وإمبراطور اليابان والشاهنشاه أيام العز والجاه. ومن الواضح أن المتلاعبين بمصير سوريا وشعبها سيظلون يماطلون ويضحكون على السوريين بلعبة الدستور السخيفة حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً. طبعاً ونحن نتابع فصول هذه المسرحية الممجوجة يتبادر إلى أذهاننا أمران صارخان، ونتساءل ونحن نرى هذه الجلبة والصراع المحلي والدولي على الدستور الجديد: لماذا يا ترى استغرق تعديل الدستور السوري بضع دقائق في مجلس الشعب بعد وفاة حافظ الأسد للسماح لبشار "الولد" المهرّج القاصر المعاق أن يصبح رئيساً لسوريا؟ لماذا لم نسمع أي اعتراضات أو خلافات أو ضجة أو مماحكات؟ لماذا مر الأمر بلمح البصر وبدقائق معدودات أسدل الستار مسرحية التوريث؟ بالمناسبة نحن لا نحاول إهانة بشار الأسد بوصفه بالولد عندما تم تعديل الدستور من أجل وصوله إلى الرئاسة، لا أبداً، فقد كان بشار وقتها حسب الدستور السوري غير مؤهل لأن يصبح رئيساً بسبب صغر سنه، وبالتالي كان غير بالغ سياسياً عندما أصبح رئيساً وذلك حسب بنود الدستور السوري الذي وضعه أبوه المؤسس حافظ الأسد. لكن الأهم هنا أنه تم تعديل الدستور السوري من أجل عيني طبيب العيون كما لو كنت تعدل رقماً بقلم رصاص على "شقفة" ورقة. تعالوا نقارن الآن عملية تعديل الدستور السوري في مجلس الشعب من أجل بشار بعملية تعديل الدستور السوري من أجل سوريا وشعبها. من أجل بشار جرى التعديل بكل يسر وسهولة، أما من أجل السوريين والوطن فما زال الدستور يواجه ألف عثرة وعثرة منذ بداية الثورة. الأمر مختلف هذه المرة عن مسرحية مجلس الشعب، فالشعب دفع تضحيات لم يدفعها أي شعب في العالم من ملايين الشهداء والمشردين واللاجئين من أجل دستور يخدم مصالحه لا مصالح الطغمة الحاكمة، لهذا ما زال النظام وكفلاؤه الروس يماطلون مع القوى السورية المطالبة بدستور جديد من أجل سوريا وشعبها. لكن السؤال الأهم في هذه اللعبة الدستورية: ما فائدة أن يتم وضع دستور جديد لسوريا حتى لو كان في صالح الشعب لا في صالح النظام؟ هل قامت الثورة أصلاً من أجل دستور جديد؟ لا نعتقد مطلقاً، فالدستور السوري القديم يصلح لأن يحكم سويسرا بعد تعديل بعض المواد البسيطة الخاصة بصلاحيات رئيس الجمهورية وأجهزة الأمن. بعبارة أخرى، المشكلة ليست في الدستور، بل في تطبيق مواده وبنوده. متى عمل النظام أصلاً بالدستور إلا حينما احتاجه لتعديل مادة تسمح لبشار الأسد بالوصول إلى سدة الرئاسة؟ السوريون جميعاً يعلمون أن الدستور مجرد كراس لا قيمة له، لأن النظام يحكم سوريا منذ عقود بقوانين الطوارئ، وبالتالي يستطيع أي عنصر أمن بحاجة لعشرين عاماً لأن يصبح حماراً، يستطيع أن يدوس الدستور وكل القوانين الدستورية بمباركة من رئيس الجمهورية الذي أعطى للمخابرات التي تحمي نظامه صلاحيات أسطورية، ومنع أي جهة مدنية أو قضائية أن تقاضيها، وبالتالي صار عنصر الأمن أقوى من أي دستور. وكي لا نطيل في الشرح، فإن الدستور السوري حسب محمد الماغوط قد أكله الحمار "الأمني" دون أن يدري أنه دستور ربما، أو يؤكل حتى، وذلك منذ زمن بعيد منذ فقدت سوريا عذريتها وكرامتها على يد الأسدين المؤسس والوريث، فلماذا إذاً كل هذه الضجة حول الدستور الجديد؟ لو كان الدستور الجديد مهماً فعلاً، لما عمل المحتلون الروس والإيرانيون والأمريكيون والإسرائيليون على إعادة تأهيل النظام وأجهزته الأمنية. ما فائدة الدستور حتى لو كان نسخة عن جمهورية أفلاطون إذا كان النظام وكفلاؤه يريدون إعادة سوريا والسوريين إلى تحت أحذية أجهزة المخابرات وكلابها ووحوشها؟ إن سوريا الجديدة التي يتحدثون عنها أصبحت معروفة الملامح بعد التغييرات والتعينات الأمنية الأخيرة التي جرت بمباركة روسية وأمريكية وإسرائيلية وإيرانية والتي أحيطت بهالة وتغطية إعلامية نادرة تأكيداً لدورها وأهميتها بالمرحلة القادمة واستمراريتها ما ينسق ويلغي أي دور وجدوى ومعنى للدستور العتيد ما يؤكد أنه لا يبدو أنه سيكون هناك أي نية لتغيير النظام أو تركيبته أو عقليته بوجود تلك الأسماء والأجهزة القدرية التي لم يكن لها من شغل سوى الدوس على الدستور وانتهاكه آناء الليل وأطراف النهار حتى تحولت سوريا إلى جزر أمنية وإقطاعات مافيوزية يتناهبها ويتقاسمها هؤلاء ويوزعون مواردها وثرواتها فيما بينهم، بدليل أن كل القيادات الأمنية الجديدة هي من صلب النظام ومن قرية واحدة مثلاً قرية "جنينة رسلان" العلوية بالدريكيش قضاء طرطوس، فيها اثنان من مدراء الإدارات الأقوى في سوريا. ما فائدة أن تستبدل السفاح الطائفي التاريخي جميل الحسن رئيس المخابرات الجوية بنائبه العلوي غسان إسماعيل الذي تتلمذ على يديه وساعده على مدى عقود في كل مهماته الإجرامية؟ ما فائدة استبدال عليشة بعلوش، و"أبو جعفر بأبو حيدر"؟ وحتى القيادات الأمنية السنية الجديدة لا يمكن التعويل عليها، فهي غالباً تزايد على الضباط العلويين في البطش والإجرام كي تثبت كفاءتها أمام القيادة الطائفية. قبل سنوات سألت مسؤولاً سورياً كبيراً في عز الثورة: "هل نحن مقبلون على سوريا ديمقراطية جديدة بعد الثورة وبعد كل هذه التضحيات التاريخية؟ هل سيحكمنا الدستور والقانون بدل رجل الأمن الطائفي؟" فرد ضاحكاً: " شوف يا حبيبي. لقد كانت هذه الفورة درساً رائعاً للمخابرات السورية، فقد تعلمت منها الكثير الكثير، وأصبحت أكثر قدرة وكفاءة على ضبط سوريا والسيطرة عليها وعلى السوريين". يعني كل ما عاناه السوريون على أيدي هذه الأجهزة المغولية الوحشية القذرة على مدى عقود كان مجرد مقبلات. ثم يأتي بعض المغفلين ليراهن على دستور جديد. لا يفل الحديد إلا الحديد. لن "يشيل الدستور العتيد الزير من البير"، ولا يعول عليه في أية عملية تغيير، ولا معنى لأي دستور قادم دون ثقافة دستورية، ودولة وأجهزة تحترم القانون وتصون الدستور، وآليات ومؤسسات رقابية تتابع الانتهاكات وتحاسب المرتكبين والمنتهكين، وطالما بقي نفس هذا النهج الفاشي البربري الوحشي الإقصائي ونفس هؤلاء الذين داسوا على القانون والدستور لعقود ولعقود فلا معنى، حقيقة، ولا قيمة، بالمآل، لأي قانون ودستور. وسلامتكم! [email protected]
1757
| 18 أغسطس 2019
مساحة إعلانية
حينَ شقَّ الاستعمار جسدَ الأمة بخطوطٍ من حديد...
3918
| 04 نوفمبر 2025
اطلعت على الكثير من التعليقات حول موضوع المقال...
2280
| 03 نوفمبر 2025
8 آلاف مشارك بينهم رؤساء دولوحكومات وقادة منظمات...
2160
| 04 نوفمبر 2025
في السودان الجريح، لا تشتعل النيران في أطراف...
1827
| 05 نوفمبر 2025
من الطرائف العجيبة أن تجد اسمك يتصدر أجندة...
1317
| 04 نوفمبر 2025
تُعدّ الكفالات البنكية بمختلف أنواعها مثل ضمان العطاء...
1008
| 04 نوفمبر 2025
عندما صنّف المفكر خالد محمد خالد كتابه المثير...
987
| 09 نوفمبر 2025
مضامين ومواقف تشخص مكامن الخلل.. شكّل خطاب حضرة...
975
| 05 نوفمبر 2025
تشهد الصالات الرياضية إقبالا متزايدا من الجمهور نظرا...
975
| 10 نوفمبر 2025
أصدر مصرف قطر المركزي في التاسع والعشرين من...
972
| 05 نوفمبر 2025
تسعى قطر جاهدة لتثبيت وقف اطلاق النار في...
879
| 03 نوفمبر 2025
ليس مطلوباً منا نحن المسلمين المبالغة في مسألة...
879
| 06 نوفمبر 2025
مساحة إعلانية