رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
هناك مصطلحات سورية كثيرة نرددها ببغائياً مع أنها قد لا تعني شيئاً على أرض الواقع، وهي مجرد كليشيهات لغوية لا أكثر ولا أقل. ماذا تعني كلمة "سوري" مثلاً؟ ماذا يعني مصطلح "الشعب السوري"؟ ماذا تعني "الثورة السورية"؟ ماذا تعني كلمة "السوريون"؟ ماذا يعني "النظام السوري" أو "الحكومة السورية"؟ هل هناك نظام سوري فعلاً إلا بالاسم فقط؟ بصراحة ومن خلال التجربة على أرض الواقع سنجد للأسف أنها مجرد كلمات جردها النظام الأسدي البعثي من معانيها. سأسأل بعض الأسئلة البسيطة، وإذا جاءت الأجوبة عليها بالإيجاب سأعترف عندئذ أنني مخطئ في التشكيك بالمفردات والمصطلحات "السورية" التي أوردتها أعلاه، لكني واثق أن غالبية السوريين إما أنها ستجيب بالنفي أو أنها ستهرش رؤوسها طويلاً قبل الإجابة عليها، أو أنها ستكتفي بالصمت لأنها ستخجل من الإجابة أصلاً.
سأسأل أولاً: هل هناك رابط يربط السوريين في الداخل والخارج غير الاسم فقط؟ هل هو أكثر من توصيف لجنسيتك على الهوية أو على جواز السفر؟ هل له أي معنى فعلاً على أرض الواقع؟ صحيح أن سوريا بلد متعدد الطوائف والمذاهب والأعراق والأديان، وهذا بحد ذاته ثروة كبيرة تضيف لأي بلد التنوع الجميل وتصنع منه "موزاييكاً" بديعاً، لكن هل سوريا فعلاً موازييك متماسك بديع؟ أم إن النظام حولها إلى قطع متناثرة ومبعثرة؟ هل الاختلاف في اللهجات أو الدين أو اللباس أو العادات كان فعلاً نوعاً من التنوع الجميل في سوريا، أم إن النظام جعلها عائقاً خطيراً دفع المختلفين إلى النفور والارتياب والشك ببعضهم البعض بطريقة مرعبة، وكأنهم أبناء ثقافات متصارعة ومختلفة، مع العلم أن المسافة بين مدينة وأخرى وقرية وأخرى في سوريا لا تزيد على بضعة كيلو مترات في بعض الأحيان؟ ما الذي يجمع بين هؤلاء الجيران المتباعدين ثقافياً ودينياً ولغوياً سوى الجنسية المكتوبة على الهوية؟ أرجو ألا يتهمني أحد بأنني أدعو إلى التقسيم والتجزئة، لا لا مطلقاً، بل أحاول هنا أن أسأل أسئلة تحتاج إلى إجابات قاطعة.
ما الذي يجمع بين ابن حلب الشمال وبين ابن درعا أو السويداء الجنوب؟ هل حاول النظام ردم الهوة بين الشمال والجنوب، أم زادها اتساعاً؟ هل الشعارات اللفظية التي كنا نسمعها في بداية الثورة في هذه المدينة أو تلك: "يا حلب أو يا حمص أو يا حماة حنا معاكي للموت" هل كانت فعلاً تعني ما تعني؟ أم إنها "خُلبية" مثل كل الكليشيهات التي صنعها النظام البعثي ولم تكن في الواقع إلا حبراً على ورق؟ دعكم من درعا وحلب حيث المسافة بين المدينتين شاسعة جداً، فالأولى في أقصى الجنوب والثانية في أقصى الشمال؟ لنأخذ مدن الجنوب كدرعا والسويداء؟ ما الذي يجمع بينهما مع أن المسافة بين المحافظتين لا تزيد على خمسة عشر كيلو متراً في بعض المناطق؟ كم هي المسافة بين قرية "عرى" في السويداء وقرية "بصرى الشام" في درعا؟ ضربة حجر. مع ذلك لماذا ثارت درعا على النظام وبقيت السويداء على الحياد؟ لماذا لم يتكاتف أهل السهل والجبل، أو أهل حوران للخروج صفاً واحداً في وجه النظام الفاشي؟ لماذا ثار جانب وصمت الآخر وكأن لا شيء يعنيه؟ لن أقول إن هذا وطني وهذا خائن على الطريقة البعثية، بل فقط أتساءل: لماذا ذهب كل طرف في اتجاه مع أنهم أبناء منطقة واحدة وأصحاب هموم وقضايا واحدة؟ لماذا كان التشكيك والارتياب سيد الموقف بين الجيران؟
لماذا ثار أهل حمص وفقدوا مدينتهم جراء الدمار وهجروها بمئات الألوف، بينما بقي جيرانهم أهل حماة صامتين، مع أنهم من دين واحد ومذهب واحد؟
هل يعقل أن السوريين في الساحل السوري وفي دمشق ذاتها كانوا يخرجون إلى الشوارع ويرقصون ويشربون الكحول ابتهاجاً بسقوط القذائف والبراميل والصواريخ الكيميائية على أهل غوطة دمشق أو على قرى حلب وإدلب؟ هل يعقل أن بعض سكان دمشق كانوا يسهرون حتى الصباح ويدخنون الشيشة بينما جيرانهم على بعد ضربة حجر في داريا والغوطة الشرقية كانون يموتون تحت القصف ويغرقون تحت حطام منازلهم؟
هل كان سكان حلب الغربية يتعاطفون مع سكان حلب الشرقية وهم أبناء مدينة واحدة، أم كان يبتهجون لكوارث بعضهم البعض؟
وكي لا نذهب بعيداً إلى الوراء، تعالوا ننظر إلى ردود أفعال السوريين في الداخل والخارج تجاه الكارثة الإنسانية في إدلب؟ ماذا فعل ملايين السوريين الذين لجؤوا إلى الدول المجاورة أو إلى أوروبا على الأقل وجدانياً تعاطفاً مع أهل إدلب وبقية السوريين الذين لجؤوا إليها من بقية المحافظات السورية وعددهم يزيد على خمسة ملايين سوري؟ لماذا بدأ بعض السوريون يخرجون إلى بعض المدن السورية الآن رافعين شعار "بدنا نعيش" من أجل تخفيض الأسعار وتأمين المازوت والغاز، بينما أشقاؤهم في إدلب يموتون تحت الأنقاض وينامون في البراري دون أدنى مستلزمات الحياة؟
ماذا فعل هذا النظام الصهيوني بسوريا والسوريين على مدى خمسين عاماً؟ كيف له أن يرفع شعارات الوحدة العربية والقومية بينما فشل في توحيد السوريين وإنتاج شعب واحد يمكن أن نسميه الشعب السوري؟ هل هو نظام سوري فعلاً؟ كيف تكون قومياً إذا لم تكن بالأصل وطنياً سورياً؟ كيف تدعو إلى توحيد العرب إذا كنت تدق الأسافين منذ عقود بين السوريين أنفسهم؟
لقد اشتغل النظام مثلاً على تعميق الهوة بين أهل درعا وأهل السويداء من خلال تأليبهم على بعضهم البعض، فكانت المخابرات العسكرية تخطف أشخاصاً من درعا وتتهم أهل السويداء والعكس كي ينشغل أهل حوران فيما بينهم. وكان رئيس المخابرات السورية في السويداء يقول للشباب يجب أن تلتحقوا بالجيش فوراً لأن أهل درعا إرهابيون إسلاميون. وقبل ذلك روجت المخابرات لفيديو يظهر فيه شيخ من درعا تطاول فيه على أعراض نساء السويداء لتعميق الشرخ بين أهالي المحافظتين ومنع أي تنسيق أو تكاتف بينهم ضد النظام.
لم يعمل ذلك النظام العصابة على بناء مواطنة في سورية بحدودها الجيوسياسية، لم يلتق يوماً السوريون على هدف واحد، فقد قسمها الفرنسيون طائفياً ومذهبياً، وجاء حزب البعث ليقسمها إلى مناضلين وعملاء، ثم كرّس حافظ الأسد التقسيم المناطقي وتجنب التقسيم الطائفي رغم تكريسه لحكم الطائفة وسيطرتها على الدولة. وحين جاءت الثورة وبدت ملامح مواطنة وتوحد الهدف كان لا بد من تخويف الأقليات بالأكثرية ثم توصيف الأكثرية بالقاعدة والتكفير والإرهاب، وهكذا انتهينا للتقسيم المجتمعي الذي سيفضي إلى جداران نفسية أقوى من الجدران الاسمنتية بمرات ومرات.
شو يعني "سوريا"؟
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
2655
| 05 ديسمبر 2025
بات الذكاء الاصطناعي اليوم واقعاً لا يمكن تجاهله في ميادين العمل القانوني، حيث بدأت العديد من مكاتب المحاماة في مختلف الدول تستعين بتطبيقاته. غير أن هذه الاستعانة قد تثير، في بعض الأحيان، إشكالات قانونية حول مدى الاستخدام المنضبط لهذه التقنيات، ولا سيما عند الاعتماد على مخرجاتها دون التحقق من صحتها ودقتها، وهو ما تجلى بوضوح في حكم حديث صادر عن محكمة قطر الدولية، حيث تصدت فيه المحكمة لهذه المسألة للمرة الأولى في نطاق قضائها. فقد صدر مؤخراً حكم عن الدائرة الابتدائية بالمحكمة المدنية والتجارية لمركز قطر للمال، (المعروفة رسمياً باسم محكمة قطر الدولية)، في القضية رقم: [2025] QIC (F) 57 بتاريخ 9 نوفمبر 2025، بشأن الاستخدام غير المنضبط وسوء توظيف أدوات الذكاء الاصطناعي في العمل القانوني. وقد ورد في حيثيات الحكم أن أحد المترافعين أمام المحكمة، وهو محامٍ يعمل لدى أحد مكاتب المحاماة المقيدة خارج دولة قطر، كما هو واضح في الحكم، قد استند في دفاعه إلى أحكام وسوابق قضائية نسبها إلى المحكمة المدنية والتجارية لمركز قطر للمال. غير أن المحكمة، وبعد أن باشرت فحص المستندات والتحقق من الوقائع، تبين لها أن تلك السوابق لا وجود لها في سجلاتها الرسمية، ولم تصدر عن أي من دوائرها، وأن ما استند إليه المترافع إنما كان من مخرجات غير دقيقة صادرة عن أحد تطبيقات الذكاء الاصطناعي المدمجة في أحد محركات البحث الإلكترونية المعروفة، والتي عرضت أحكاما وسوابق قضائية وهمية لا أصل لها في الواقع أو في القضاء.وقد بينت المحكمة في حيثيات حكمها أن السلوك الذي صدر عن المحامي، وإن بدا في ظاهره خطأ غير مقصود، إلا أنه في جوهره يرقى إلى السلوك العمدي لما انطوى عليه من تقديم معلومات غير صحيحة تمثل ازدراء للمحكمة. وقد أشارت المحكمة إلى أنه كان بوسع المحامي أن يتحقق من صحة السوابق والأحكام القضائية التي استند إليها لو أنه بذل العناية الواجبة والتزم بأدنى متطلبات التحقق المهني، لا سيما وأن جميع أحكام المحكمة متاحة ومتوفرة عبر موقعها الإلكتروني الرسمي. وانتهت المحكمة إلى أن ما صدر عن المحامي يُشكل مخالفة صريحة لأحكام المادة (35.2.5) من القواعد والإجراءات المتبعة أمام المحكمة المدنية والتجارية لمركز قطر للمال لسنة 2025، والتي نصت على أن إعطاء معلومات خاطئة أو مضللة يُعد مخالفة تستوجب المساءلة والجزاء. كما أوضحت المحكمة أن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، بوجه عام، في ميدان التقاضي هو أمر مرحب به لما يوفره من نفقات على أطراف الدعوى، ويُسهم في رفع كفاءة الأداء متى تم في إطاره المنضبط وتحت رقابة بشرية واعية. إذ إن الاعتماد عليه دون تحقق أو مراجعة دقيقة قد يفضي إلى نتائج غير محمودة. وقد أشارت المحكمة إلى أنها المرة الأولى التي يُستأنس فيها أمامها بأحكام منسوبة إليها لم تصدر عنها في الأصل، غير أنها أوضحت في الوقت ذاته أنّ مثل هذه الظاهرة قد ظهرت في عدد من الدول على خلفية التوسع في استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في المجال القانوني. وفي هذا الإطار، أشارت المحكمة إلى ما قضت به محكمة بولاية نيويورك في قضية Mata v. Avianca Inc (2023)، إذ تبين أن أحد المحامين قدم مذكرات قانونية اشتملت على أحكام وسوابق مختلقة تولدت عن استخدام غير دقيق لتقنيات الذكاء الاصطناعي. كما أشارت المحكمة إلى حكم آخر صادر عن محكمة بالمملكة المتحدة في قضية Ayinde v. Haringey (2025)، والذي أكد على وجوب المراجعة البشرية الدقيقة لأي نص قانوني أو سابقة قضائية يُنتجها الذكاء الاصطناعي قبل الاستناد إليها أمام القضاء، باعتبار ذلك التزاماً مهنياً وأخلاقياً لا يجوز التهاون فيه.كما لفتت المحكمة إلى أن ظواهر مماثلة قد لوحظت في بعض القضايا المنظورة أمام المحاكم في كندا وأستراليا، ويُظهر ذلك اتساع نطاق هذه الظاهرة وضرورة إحاطتها بضوابط مهنية دقيقة تكفل صون نزاهة الممارسة القانونية واستقلالها. وقد بينت المحكمة أنها بصدد إصدار توجيه إجرائي يقضي بأن الاستناد والإشارة إلى أي قضية أو مرجع أمام المحكمة في المستقبل دون التحقق من صحته أو من مصدره يُعد مخالفة تستوجب الجزاء، وقد يمتد أثرها إلى إعلان اسم المحامي ومكتبه في قرار المحكمة. وفي تقديرنا، يُعد هذا التوجه خطوة تُعزز مبادئ الشفافية، وتُكرس الانضباط المهني، وتُسهم في ردع أي ممارسات قد تمس بنزاهة الإجراءات القضائية وسلامة العمل القانوني. وفي الختام، نرى أن حكم محكمة قطر الدولية يُشكل رسالة مفادها أن الذكاء الاصطناعي سلاح ذو حدين، فإن أُحسن توظيفه كان عوناً في البحث والتحليل والاستدلال، أما إذا أُطلق دون رقابة أو وعي مهني، فقد يُقوض نزاهة التقاضي بين الخصوم ويُعد مساساً بمكانة المحكمة ووقارها.
2610
| 30 نوفمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين برحيل معالي الأستاذ الدكتور الشيخ محمد بن علي العقلا، أحد أشهر من تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، والحق أنني ما رأيت أحدًا أجمعت القلوب على حبه في المدينة المنورة لتواضعه ودماثة أخلاقه، كما أجمعت على حب الفقيد الراحل، تغمده الله بواسع رحماته، وأسكنه روضات جناته، اللهم آمين. ولد الشيخ العقلا عليه الرحمة في مكة المكرمة عام 1378 في أسرة تميمية النسب، قصيمية الأصل، برز فيها عدد من الأجلاء الذين تولوا المناصب الرفيعة في المملكة العربية السعودية منذ تأسيس الدولة. وقد تولى الشيخ محمد بن علي نفسه عمادة كلية الشريعة بجامعة أم القرى، ثم تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1428، فكان مكتبه عامرا بالضيوف والمراجعين مفتوحًا للجميع وجواله بالمثل، وكان دأبه الرد على الرسائل في حال لم يتمكن من إجابة الاتصالات لأشغاله الكثيرة، ويشارك في الوقت نفسه جميع الناس في مناسباتهم أفراحهم وأتراحهم. خرجنا ونحن طلاب مع فضيلته في رحلة إلى بر المدينة مع إمام الحرم النبوي وقاضي المدينة العلامة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ وعميد كلية أصول الدين الشيخ عبد العزيز بن صالح الطويان ونائب رئيس الجامعة الشيخ أحمد كاتب وغيرهم، فكان رحمه الله آية في التواضع وهضم الذات وكسر البروتوكول حتى أذاب سائر الحواجز بين جميع المشاركين في تلك الرحلة. عرف رحمه الله بقضاء حوائج الناس مع ابتسامة لا تفارق محياه، وقد دخلت شخصيا مكتبه رحمه الله تعالى لحاجة ما، فاتصل مباشرة بالشخص المسؤول وطلب الإسراع في تخليص الأمر الخاص بي، فكان لذلك وقع طيب في نفسي وزملائي من حولي. ومن مآثره الحسان التي طالما تحدث بها طلاب الجامعة الإسلامية أن أحد طلاب الجامعة الإسلامية الأفارقة اتصل بالشيخ في منتصف الليل وطلب منه أن يتدخل لإدخال زوجته الحامل إلى المستشفى، وكانت في حال المخاض، فحضر الشيخ نفسه إليه ونقله وزوجته إلى المستشفى، وبذل جاهه في سبيل تيسير إدخال المرأة لتنال الرعاية اللازمة. شرفنا رحمه الله وأجزل مثوبته بالزيارة إلى قطر مع أهل بيته، وكانت زيارة كبيرة على القلب وتركت فينا أسنى الأثر، ودعونا فضيلته للمشاركة بمؤتمر دولي أقامته جامعة الزيتونة عندما كنت مبتعثًا من الدولة إليها لكتابة أطروحة الدكتوراه مع عضويتي بوحدة السنة والسيرة في الزيتونة، فكانت رسالته الصوتية وشكره أكبر داعم لنا، وشارك يومها من المملكة معالي وزير التعليم الأسبق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الوالد الشيخ عبدالله بن صالح العبيد بورقة علمية بعنوان «جهود المملكة العربية السعودية في خدمة السنة النبوية» ومعالي الوالد الشيخ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، العضو السابق بهيئة كبار العلماء في المملكة، وقد قرأنا عليه أثناء وجوده في تونس من كتاب الوقف في مختصر الشيخ خليل، واستفدنا من عقله وعلمه وأدبه. وخلال وجودنا بالمدينة أقيمت ندوة لصاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد آل سعود حضرها أمير المدينة يومها الأمير المحبوب عبد العزيز بن ماجد وعلماء المدينة وكبار مسؤوليها، وحينما حضرنا جعلني بعض المرافقين للشيخ العقلا بجوار المستشارين بالديوان الملكي، كما جعلوا الشيخ جاسم بن محمد الجابر بجوار أعضاء مجلس الشورى. وفي بعض الفصول الدراسية زاملنا ابنه الدكتور عقيل ابن الشيخ محمد بن علي العقلا فكان كأبيه في الأدب ودماثة الأخلاق والسعي في تلبية حاجات زملائه. ودعانا مرة معالي الشيخ العلامة سعد بن ناصر الشثري في الحرم المكي لتناول العشاء في مجلس الوجيه القطان بمكة، وتعرفنا يومها على رئيس هيئات مكة المكرمة الشيخ فراج بن علي العقلا، الأخ الأكبر للشيخ محمد، فكان سلام الناس عليه دليلا واضحا على منزلته في قلوبهم، وقد دعانا إلى زيارة مجلسه، جزاه الله خيرا. صادق العزاء وجميل السلوان نزجيها إلى أسرة الشيخ ومحبيه وطلابه وعموم أهلنا الكرام في المملكة العربية السعودية، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، اللهم تقبله في العلماء الأتقياء الأنقياء العاملين الصالحين من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
1596
| 04 ديسمبر 2025