رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
غريب فى بلد غريب أهله غريبى الأطوار شوارعه غريبة المظهر يهيم على وجهه تلفظه الطرقات كما لفظته زوجته التى اكتسحت بلسانها السليط بقايا محبتها من قلبه.. شعر بالحمى تقتات جسده بعنف.. واصل سيره قانطاً إلا من رحمة الله.. داهمته موجة العطاس. فمنذ الصباح الباكر وهو يعانى من حالة زكام حادة.. ضاعفها قلقه وهو يهيم على وجهه على غير هدى. مشتت الذهن كسير القلب حزين الفؤاد ينتابه شعور عميق بالأسف لأنه رضى بالهوان منذ اللحظات الاولى لاقترانه بها. شعر بوطأة الحمى والزكام وأهلكته الحرارة والغبار جلس على عتبة أحد المعارض التجارية.. النهار فى منتصفه.. المتاجر مغلقة.. الشوارع تكاد تخلو من المارة.. الشمس ترسل سياطاً من لهيب حرارتها.. الهواء العاصف المحمل بالأتربة يقتلع أسباب الراحة من نفسه تلثم بشماغه ليتحاشى الغبار وزحف إلى الظل ليتفادى حرارة الشمس.. تمنى قطرة ماء يبل بها ريقه.. تحامل على نفسه.. جر قدميه بضع خطوات ليجد مقهى هندياً.. ارتمى على أقرب كرسي.. وضع ساعديه على المنضدة ودفن رأسه بينهما وانخرط فى ضحك أشبه بالبكاء. لاحظ الهندي حالته.. أحضر له الماء وعلبة المناديل الورقية.. حاول مواساته.. لكن جرحه أعمق من أن يندمل.. بعيون زائغة ونظرات تائهة.. تطلع إلى ما حوله. فوجد الأنظار مصوبة نحوه باستغراب.. طلب فنجان شاي وكاساً من عصير الليمون الساخن وبين ألم الحمى ونوبات الزكام الحادة.. يتسرب إلى ذهنه بعض من شتات الذكريات القديمة.. التى بدت له مثل صورة هلامية.. يحاول جمعها لتنداح على الخاطر جمراً لهيباً ولعنة أزلية رافقت خطواته منذ وطئت قدماه أرض مدينتها المتسربلة بالصمت والهجير.. للذكريات صهيل الدماء إذ اشتعلت فى الأوردة التى يستكين فيها التناقض وتنام الفتنة وللكلمات صليل السيوف إذا احتدمت المعارك التى من يفز فيها خاسر. كان أول السهام التى وجهتها إليه هذا اليوم.. عندما لاحظ صباحاً أن الحليب بدون سكر.. فانهالت عليه تقريعاً ولوماً.. لأنه فى نظرها (شايب وهدار).. قال لها: — أنت امرأة غير متربية. فاضمرتها له حتى اختلقت سبباً لتوجه له سهمها الأخير وصفعتها القوية هذا اليوم هذه ليست صفعتها بل صفعة الزمن الذى غدر به.. ولم يلُم الزمن؟ انها صفعته هو يوجهها إلى نفسه.. لأنه استسلم لإلحاحها يوماً، وتخلى عن قناعات لم يكن ليتخلى عنها لولا شعور بالحب.. تنامى فى نفسه منذ سنوات.. دون أن يدرك أنه يزرع فى أرض يباب.. يصرخ فى واد سحيق.. يحرث فى بحر ليس له قرار.. إنها صفعة الإنسان لنفسه.. وليس له أن يشكو منها أو يلوم غيره بسببها. كان يظن انها ستكون سنده فى قادم أيامه.. ولكن كيف؟ وهى تعامله بهذه القسوة وهو فى كامل قواه.. فكيف ستعامله إذا وهن العظم منه، واشتعل الرأس شيباً؟ إذ نال منه الزمن، وهدت قواه الأيام؟ أسئلة ها هى الاجابة عنها تتضح فى وقت مبكر.. قبل أن يصبح النبات حصرما، وترعد السماء بالويل والثبور، فلا يخفى فى النفس ما الله مبديه. غاثت نفسه فأسرع إلى حوض الغسيل واستفرغ.. آلمته معدته.. لكن ذلك لم ينسه ألم الحمى وإزعاج الزكام.. أشار عليه أحد الهنود أن يذهب إلى المستشفى.. تبرع أحدهم أن يوصله بسيارته لكنه رفض.. وكأنما يعاقب نفسه ليشعر بالمزيد من المعاناة، فهو الوحيد الذى عليه أن يتحمل نتيجة الخطأ الذى ارتكبه عندما اقترن بها.. عليه أن يتحمل المزيد من المعاناة.. فالكبر ينفى خبث الحديد.. كيف يجتمع الجمال والقسوة فى جسد واحد؟ كيف يجتمع الحب والكراهية تحت سقف واحد؟ كيف يجتمع الحب والكراهية تحت سقف واحد؟ كيف تتقاطع الصفات بهذه الحدة والبشاعة؟ وتتنافر الطباع بهذه المرارة والفظاعة؟ لم يتعود الهروب من مشاكله.. لكنه لا يريد المواجهة معها.. لا خوفاً منها، ولكن خوفاً على الأمانة التى تحملها. أيتها النفس المترعة بالعذاب.. ليس فى الدنيا ما هو أسوأ من صفعة الذات عندما يوجهها المرء لنفسه.. أو ظلم الأقرباء عندما يتلقاه الأبرياء.. وإذا كان ظلم ذوى القربى أشد مضاضة على النفس من ضرب الحسام المهند … فإن صفعة الذات أشد قسوة على القلب من انغراس السكين المثلوم فى حناياه. الأيام تمعن فى تأكيد ما كانت ولا تزال تردده عن التناقض بين شخصيتيهما بشكل لا يحتمل الشك.. وهو يدرك الآن أكثر من أى وقت مضى حقيقة ما تردده.. من أن له عالمه الذى لا يمكن أن يتخلى عنه، ولها عالمها الذى لا يمكن أن ينتزعها منه.. وكان يأمل أن تصلح الأيام ما تفسده الظروف وهيهات أن يفلح الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل.. هيهات أن تستيقظ الأحلام من سباتها بعد أن ران عليها ركام الاهمال. أراد الخروج من المقهى فانتبه إلى أنه حافي القدمين.. عاد لينتعل حذاءه.. واصل سبيله على غير هدى.. مثقلاً بالحمى والزكام والمهانة.. اوغل فى سيره تاركاً المدينة ومن فيها وراء ظهره.. وقد طغى عليه الشعور بأنه غريب فى بلد غريب.
903
| 15 مايو 2013
مصر المحروسة تمرّ بظروف غير مستقرّة بعد مرور كل هذه المدّة على انطلاق ثورتها، حيث ما زال الشارع يغلي نتيجة ما تواجهه الجماهير من خيبة أمل في النتائج المنتظرة لثورة علّقت عليها هذه الجماهير آمالاً عريضة، تعرّضت لعراقيل جمّة نتيجة محاولات الاختطاف التي تعرّضت وتتعرّض لها الثورة، من فئات لم يكن لها دور فاعل في هذه الثورة، إضافة لمحاولات فلول العهد البائد للحصول على دور مؤثّر في الحراك السياسي المصري، كأنما المراد هو إجهاض الثورة أو تحويل مسارها إلى اتجاهات لم تكن في الحسبان لدى الثوار.. في ظل هذه الأجواء يواجه الشارع المصري ضغوطاً غير طبيعيّة تدفعه للتعامل مع أي حدث جديد بانفعال يتجاوز الحدود، خاصة أن مَن يحرّك هذا الشارع في الاتجاه الخطأ جهات لا تريد الخير لمصر ولا للعرب. في ظل هذه الظروف ومع كلِّ ما يربط دول الخليج بمصر الشقيقة من علاقات تاريخية.. يبدو جليا أن هناك مَن يسعى لتدمير هذه العلاقات والعبث بإنجازاتها، مما أدى إلى مستوى من الحساسية المفرطة في العلاقات بين دول الخليج ومصر، وتقف بعض وسائل الإعلام المصريّة في خندق تأجيج أي أزمة بين مصر وأي دولة خليجيّة، عن طريق تحريك وتحريض الشارع المصري، من خلال ربط أي حدث عابر بالكرامة التي لا تُهان، والوطنيّة التي لا تمس، والحقوق التي لا تُهدر، وهذا في جوهره استحقاق مشروع لأي شعب، على ألا ينسى مَن يرفعون هذه الشعارات أن دول الخليج لها الحق أيضا في هذا الاستحقاق المشروع، وهذا ما لا تعترف به لا الصحف الصفراء في مصر، ولا قنوات الفتنة المُغرَمة بالتهويل والتزوير والكذب والابتزاز والردح الإعلامي المكشوف، وهو ردح لم يسلم منه أبناء الخليج ولا قياداته ولا رموزه الوطنيّة، وقد وصل إلى درجة الفحش بشكل تأباه الكرامة العربيّة، ويتنافى مع أبسط حقوق الإخاء والمحبة والوفاق. وما من دولة خليجيّة إلا ونالت نصيبها الأوفر من حملات وحفلات الردح الإعلامي الصاخب التي تقدّمها بعض أجهزة الإعلام المصري ظلماً وبهتاناً وإفكاً على رؤوس الأشهاد، حيث يُساء وبشكل سافر إلى شخصيات خليجيّة معروفة، قدّمت لمصر ما لم يقدّمه غيرها من المؤازرة والمساندة في السراء والضراء، وهذا واجبها الذي لا منّة فيه، ولا رجوع عنه. مصر الحضارة.. مصر الحرية.. مصر السلام.. مصر العروبة.. مصر المحبوبة من كل عربي.. كيف ترضى أن يشوّه وجهها الجميل هذا القبح الإعلامي الذي يحرّض الشارع المصري بالأكاذيب، ليغتال جمال عروس النيل وألقها وإنجازها الحضاري على مر التاريخ؟ كيف ترضى لشرذمة من المسيسين والموتورين والمتاجرين بأوطانهم.. أن يعبثوا بأمنها، ويسيئوا إلى علاقاتها مع أشقائها؟ غير مُدركين لما قد ينجم عن ذلك من أضرار سوف تتحمّل مصر أعباءها قبل غيرها، ومصر الحاضر لا تحتاج إلى مزيد من هذه الأعباء، ومع كل المواقف الإيجابيّة لدول الخليج تجاه مصر.. لم تسلم هذه الدول من ألسنة حداد تقطر بذاءة وقبحاً، من تلك الفضائيات التي سخرت نفسها للإساءة لدول الخليج وقياداتها ورموزها الوطنيّة وشعوبها المسالمة. نحن نتفهّم أوضاع مصر الحرجة، وسقطات بعض أبنائها المدانين بالتآمر على الشعب المصري، لكننا لا نفهم كيف يستطيع من عانى قسوة الظلم، أن يمارس الظلم على غيره، وما من ظلم أشد قسوة على القلوب من ظلم الأشقاء لأشقائهم، ولا أشد مضاضة على النفوس من ظلم الإخوة لإخوانهم، وحادثة هنا أو هناك لا يليق أن تنسف سنوات من المحبّة والودّ والوفاق، ويُجيّش لها الشارع ليزيد الطين بَلة، ويزيد الأمور تعقيداً، وإثارة للنفوس المحتقنة بأحداث لا طاقة لمصر على احتمال المزيد منها. إن مَن ينفخ في جمر الخلافات ليذكي نارها، ومن يدق إسفين النزاعات في العلاقات بين مصر ودول الخليج، هم الذين يزرعون هذا الالتباس في العلاقات المصريّة الخليجيّة، دون النظر إلى علاقات النسب والجوار والدين والقضايا والمصالح الاقتصاديّة والسياسيّة المشتركة، ومصر هي بيت العرب، ومن شيم العرب أن يكرموا الضيف، لا أن يقابلوه بفاحش القول والعمل، حتى وإن ارتكبت هذا الفحش فئة قليلة، فالحديث هنا ليس عن واقعة محدّدة، ولكنه عن حالة تتكرّر، ولا بد لها من علاج جذري، وبيد العقلاء وحدهم يمكن القضاء على ما يرتكبه السفهاء، وتدفع ثمنه الشعوب.
684
| 06 مايو 2013
من مقتضيات التنمية في البلاد العربية على امتداد رقعتها الجغرافية الاستعانة بالكفاءات البشرية التي تساعد على دفع عجلة التنمية، والتسريع في تنفيذ مشاريعها المختلفة، ومن هذه الكفاءات: المثقفون والأدباء الذين يعملون في المؤسسات الثقافية والتعليمية من معاهد وكليات وجامعات، وكذلك المؤسسات الإعلامية من إذاعات وتلفزيونات وصحف، وغيرها من مجالات العمل الثقافي الأخرى، ومن هؤلاء شعراء ونقاد وسرديون وكتّاب في الفكر الديني والسياسي والاقتصادي، وهم وإن لم يكونوا ملزمين بالكتابة في مواقعهم الجديدة لكنهم في النهاية لا يمكنهم التخلّي عن كونهم مبدعين في مجال أو أكثر من مجالات الإبداع، وهم بعطاءاتهم الإبداعية إنما يسهمون في إنعاش الحركة الإبداعية في البلاد التي يعملون بها، وربما قدموا لتلك البلاد ما لم يقدمه أبناؤها من إسهامات أدبية وفكرية وثقافية متنوّعة، مما يعني أن الأدب العربي بخاصة، والثقافة العربية بعامة، كل لا يتجزأ ومتّصل ببعضه اتصالا لا يقبل التشكيك أو الجدل، فكل جهد أدبي أو ثقافي عربي، هو ملك العرب بصفة عامة، حتى وإن احتفظ بملامحه الإقليمية، ومؤثراته المحليّة، فالفضاء العربي يمكن أن يستوعب كل المنجزات الإبداعية العربية، ومنها يستمد تألّقه وازدهاره. ومهما قيل عن ضعف بعض المنجز الثقافي لأي كاتب عربي في غير بلاده، بحجة المجاملة، أو غير ذلك من الأسباب، فإنها أسباب لا يمكن الاعتماد عليها عند الرجوع إلى النتائج، فذلك ضعف مقترن بالقدرات الفنية لدى الكاتب في طرحه للشأن العام، أو لدى الناقد في تناوله للأعمال الإبداعية، بمعنى أن هذا المستوى من الإنتاج لا علاقة له ببيئة العمل الجديدة، أو المحيط الاجتماعي الذي انتقل إليه الكاتب، بل هو صفة ملازمة للكاتب سواء كتب في بلاده أو في غير بلاده، وما أكثر الكتّاب المجاملين والمنافقين على امتداد رقعة الوطن العربي الكبير، فهل يؤخذ المحسن بذنب المسيء؟ الكتّاب أو النقاد من ذوي الإنتاج المتواضع موجودون في كل مكان، والكاتب قد يكتب ويجامل دون أن يوجد بين ظهراني البلاد التي يكتب عن أوضاعها، أو عن إنتاج مبدعيها، ومن غير المناسب أن ننكر الجهود التي قدمتها الكفاءات العربية العاملة في بلدان عربية أخرى، كما أنه من غير اللائق التشكيك في تلك الجهود، مهما اقترن الضعف ببعضها، حتى لا نخلط الحابل بالنابل، لنمسي كحاطب ليل. في مجال التعليم والثقافة والأدب والإعلام صحافة. إذاعة. تلفزيون ترك المثقفون والأدباء العرب بصمات مميّزة في البلاد التي عملوا بها، وأسهموا في التأسيس لمستقبل أفضل للتنمية الثقافية والحركة الإبداعية في ربوعها، كما هو الشأن في الحراك التنموي الشامل، دون أن تؤثّر على جهودهم عثرات أصحاب الكفاءات المتواضعة، الذين لا يمثّلون سوى أنفسهم، وهي حالات مع قلتها طبيعية تعبّر عن وضع الإنسان بصفته العامة، ولا يمكن النظر إليها بغير هذا المنظار. إن أي منجز ثقافي في أي بلد عربي، هو من العرب وإلى العرب، ولا يهم بعد ذلك أن يكون المثقف العربي مقيماً في بلاده أو في أي بلد عربي آخر، وإذا كنا ننظر إلى الأدباء العرب في أوربا وأمريكا وآسيا، أنهم مبعث افتخار لنا، فإننا بهذا المقياس ملزمون أن نفتخر أكثر بمثقفينا العرب الذين اختاروا العمل في البلاد العربية بدل الهجرة إلى خارج الوطن العربي، رغم ما قد يتعرضون له في بعض البلدان العربية من معوقات وإحباطات، ليس أكبرها تهمة المجاملة والنفاق وضعف مستوى الإنتاج، وغير ذلك من الأحكام العامة البعيدة عن معاني الأخوة العربية، وكل ما يقال عن التواصل بين المثقفين العرب في جميع الأقطار العربية.
716
| 29 أبريل 2012
المرأة متهمة دائما ودون سبب، وقلما ترى امرأة بارزة في العمل الاجتماعي أو الثقافي إلا وتلاحقها الأقاويل والشكوك والتهم الباطلة التي قد تصل إلى حد استباحة الأعراض والعياذ بالله، مما يتنافى مع تعاليم الدين، وما يدعو له من القيم الاجتماعية النبيلة، وسمو النفس ونبل الأخلاق، والأسوأ هو التعميم في الاحكام عندما تفرض الظروف العملية أو الاجتماعية أو الثقافية وجود المرأة إلى جانب أخيها الرجل، وفي أجواء مكشوفة لا مجال فيها للتشكيك، أو مظنة السوء، أو اللغط المشوب بالاتهامات المبطنة التي ترمي بصاحبها باتجاه الباطل، فليس من الحق في شيء أن تتهم المرأة بسبب ودون سبب في سمعتها التي هي أغلى ما يمكن أن تملكه في مجتمع رجولي لا يرحم، وكأن استباحة أعراض الناس قد أصبح هواية لدى من يفترض فيهم حماية المجتمع، من كل ما يشوب سمعته أو يعطل مساراته التنموية، أو يعرقل طموحات تحقيق التوازن المطلوب بين المرأة والرجل، وضمان واجبات وحقوق الطرفين بالمستوى المطلوب من العدل والمساواة مما ينسجم مع دور وطبيعة المرأة والرجل. وما يساق من تبريرات الحرص على المرأة لا أساس لها، فالمرأة هي الأكثر قدرة على تحديد أهدافها إذا تم تحصينها بالتربية السليمة والعلم النافع والإيمان العميق، ومنحت الثقة المنضبطة التي لا تعرف التسيّب ولا التشدد، وما ينطبق على الفتاة ينطبق أيضا على الفتى فيما يتعلّق بالتحصين التربوي والعلمي والديني، لكن الفتى يحظى بالثقة أكثر من الفتاة، مع أن المخالفات الشبابية ترتكب لدى الفتيان أكثر مما ترتكب لدى الفتيات، وربما بشكل أشد خطورة، نتيجة ما يتمتّع به الفتيان من مناخات للحرية هي في الحقيقه غير متوافرة للفتيات، ومع ذلك لا يخضع الفتى لما تخضع له الفتاة من التشدّد والعنف وانعدام الثقة والتشكيك، من قبل الأهل والمجتمع، وهذا ما يدفع الأخ الأصغر لأن يتحكّم في تصرفات أخته الأكبر منه سنا، لا لشيء إلا لأنه الجنس الأقوى اجتماعيا وإن كان الأضعف تربويا وثقافيا، مما يربك التوازن المطلوب في الحقوق والواجبات بين الطرفين، ويشوّه المسار التربوي بين الإخوة والأخوات في الأسرة الواحدة. والذين يتبنون موقفا متشددا من المرأة لا يختلفون مع أولئك الذين يتبنون موقفا متسيبا معها، فالنتيجة في النهاية واحدة، هي تلاشي الأرضية الصلبة التي يمكن أن تنطلق منها للاسهام في البناء التنموي، وحركة الإصلاح الاجتماعي التي لم تعد وقفا على طرف دون آخر بعد أن حقّقت المرأة هذا المستوى من الوعي نتيجة إنجازاتها العلمية والأدبية الملحوظة، مما يعني توظيف ذلك اقتصاديا لمصلحتها ولمصلحة الاقتصاد الوطني، وما لم تعامل المرأة كأخت للرجل في مجالات فرص العمل والمشاركة في البناء التنموي، وبما يتناسب مع طبيعتها وظروفها ومتطلباتها الاقتصادية، واحتياجاتها الأسرية، فستظل الفجوة قائمة بين حقوق وواجبات المرأة وواقعها المشحون بالشكوك المؤدية للتسلّط والقمع وازدراء المبادرات المبدعة لديها، ما ذلك سوى نتيجة لسلوكيات أسرية واجتماعية تأبى إلا أن تظل المرأة في الظل على الدوام. كثيرون هم أولئك الذين يغردون حول واجبات المرأة الأسرية والاجتماعية، وينسون حقوقها، مما يجعله تغريد أشبة بنعيق الغربان، لأنه يتجاهل إنسانيتها وحقها في الحياة الحرة الكريمة، والبعيدة عن كل منغصات النفس، ومعوقات العمل، وإحباطات الطموحات البناءة، وهي مواقف ناتجة عن الشكوك التي لا تستند إلى دليل، فمن يحمي أخت الرجال من غول التشكيك؟ لا شيء غير الأنظمة الصارمة التي تمنح المرأة من الحقوق بقدر ما عليها من الواجبات، شأنها في ذلك شأن أخيها الرجل، ليصبح الجميع سواسية أمام القوانين والتشريعات العامة، دون تجاهل الوعي العام في إعادة الأمور إلى نصابها فيما يتعلّق بحقوق المرأة. [email protected]
797
| 22 أبريل 2012
بحضور عدد كثيف من علماء اللغة وأعضاء المجامع اللغوية والمهتمين بخدمة وتطوير اللغة العربية، تم في رحاب الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عقد المؤتمر الدولي الأول للغة العربية ومواكبة العصر، وقبل ذلك احتضنت بيروت نشاطا مماثلا حول اللغة العربية، وعما قريب سيكون لقطر دورها في هذا الأمر، وعلى مدى سنوات تواصلت النشاطات المهتمة باللغة العربية دون كلل ولا ملل في جميع الإقطار العربية، وكانت خطوة تعريب التعليم في جامعة قطر من الخطوات الجريئة الرائدة في مجال مواكبة الجامعات العربية لمنجزات العصر وابتكاراته ومخترعاته، التي لا تعجز اللغة العربية عن استيعابها والتعاطي معها بشيء غير قليل من المرونة والتفاعل والتأثر والتأثير، فاللغة العربية مؤهلة للتفاعل مع مستجدات العصر وإنجازاته المختلفة، بما تملكه من إمكانيات لا تملكها الكثير من اللغات الحية من حيث الاشتقاق، وثراء المفردات، والقدرة على الاستيعاب، ومرونة التكيف مع كل ما هو جديد، إضافة لما لها من رصيد حضاري أسهم في تقدم البشرية وازدهارها. ما يؤسف له أن أبناء اللغة العربية والمتحدثين بها من المسئولين في الملتقيات والمؤتمرات والهيئات الأممية.. يترددون في استعمال اللغة العربية ويفضلون استعمال لغة أجنبية أخرى، حيث يميل المشرقيون إلى اللغة الإنجليزية والمغربيون إلى اللغة الفرنسية، وكأن اللغة الأم لا تستوعب أفكارهم، أو كأن التخاطب بها يسيء إليهم، مما دفع ببعض المنظمات الدولية إلى التفكير في إعادة النظر في استخدام اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية المعتمدة لديها، ولماذا تعتمدها مادام أهلها لا يتحدثون بها. قبل سنوات نفذت مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لدول الخليج العربية النسخة العربية من البرنامج الأمريكي "شارع السمسم" باسم "افتح يا سمسم" وبلغة عربية فصيحة ومبسطة بدأ الأطفال يقلدونها ويحاولون التحدث بها، لكن هذا البرنامج توقف، وعاد الاطفال للهجات المحلية، وزاد الأمر سوءا أن هؤلاء الأطفال أصبحوا يتحدثون بلهجاتهم المحلية المشوبة بلكنات أجنبية تقليدا للخادمات اللواتي لم يعد منزل في الخليج يخلو من واحدة منهن أو أكثر، حتى أصبح الطفل الذي يحاول التحدث بالعربية الفصيحة بتأثير من والديه.. محل سخرية واستهزاء أقرانه في المدرسة والمجتمع. الجانب الآخر أن بعض كبار المسئولين العرب لا يقيمون وزنا للغة العربية الفصحي أو على الأقل الفصيحة، فيلجأون إلى الحديث باللهجة العامية المحلية، عندما يخاطبون شعوبهم، وإذا حاول أحدهم استعمال هذه اللغة تمنى مستمعوه أن لا يتحدث، لكثرة ما يرد على لسانه من الأخطاء الفادحة التي تسيء لصاحبها أكثر مما تسيء للغة ذاتها، مما يعني ان اللغة بريئة من كل العيوب التي تلصق بها من قبل بعض المتحذلقين من أبنائها. ثمة أمر لابد من التأكيد عليه وهو أن التوصيات والقرارات التي تتخذ في مثل هذه المؤتمرات والندوات والملتقيات، حتى تلك التي تتوصل إليها مجامع اللغة العربية، تظل حبيسة الأدراج، أو حبيسة أجهزة الحاسوب، ولا تجد طريقها إلى التنفيذ، مما يعني ضرورة اتخاذ قرار سياسي تجمع عليه الدول العربية وتحرص على تنفيذه بشتى الوسائل، لتفعيل تلك القرارات، مع وضع الجزاءات الرادعة لمن يخالفها، استنادا إلى ما ورد في دستور كل دولة عربية من أن لغتها الرئيسة هي اللغة العربية، ليشمل ذلك كافة إداراتها ومؤسساتها بما في ذلك المؤسسات والشركات الأجنبية العاملة فيها، وبغير هذا التوجه الصارم في التعامل مع اللغة العربية، سيزداد الأمر باللغة سوءا مع مرور الزمن. [email protected] خليل إبراهيم الفزيع
2383
| 15 أبريل 2012
ارتبط الأخوان المسلمون بتقاليد أصولية اختلفت من بلد لآخر، لكنهم اجتمعوا على قواعد صارمة في العامل مع الآخرين، وفق منظور إسلامي حاول بعضهم فرضه على مجتمعاتهم بأساليب قسرية تتجاهل سماحة الإسلام، وقدرته على استيعاب معطيات العصر، باعتباره الدين الخاتم والصالح لكل زمان ومكان، وفي خضم ما يمر به عالمنا العربي والإسلامي من مخاضات عسيرة، ظهر بين الأخوان أو انشق عنهم تيار جديد سماه منتسبوه بالتيار التنويري، والأولى أن يسمى التيار التحريضي، وقد ظهر رموز هذا التيار في أكثر من بلد عربي، ومهد لظهور بعض الثورات العربية، أو عجل بها، ولا يزال يسعى بكل ما أوتي من قوة لخلخلة أنظمة عربية مستقرة، وصولا إلى ما وصل إليه الحال في البلدان التي اجتاحها ما سمي بالربيع العربي، وهذا لا يلغي الظروف الموضوعية التي أدت إليها تلك الثورات، لكن من يسمون بالتنويريين من الأخوان المسلمين حاولوا من خلال بعض المؤسسات أو التجمعات أو الملتقيات، زعزعة الأمن في أكثر من بلد عربي، مستغلين رصيدهم الجماهيري الذي كونوه من خلال برامجهم الدينية في الفضائيات العربية، والتي صنعت منهم رموزا لامعة في سماء الفكر الديني، وساعدهم على التغلغل في صفوف الشباب.. ما يعيشه هؤلاء الشباب من ظروف اجتماعية مربكة، كالفقر والبطالة وما تفرزه هذه الظروف من نقمة تولد أمراضا اجتماعية أصبحت مستوطنة في بعض إن لم نقل كل المجتمعات العربية. "التنويريون" الجدد ظهروا للمشاهد العربي كدعاة إصلاح، ولم يدرك أن الهدف من برامجهم التلفزيونية الشهيرة هو تحريض الشعوب العربية ضد حكامها، وقد فاتهم أن ظروفا وأسبابا موضوعية محددة هي التي يمكن أن تولد الثورة، وأن التحريض ليس من هذه الظروف والأسباب، وقد أراد هؤلاء "التنويريون" وضع العربة أمام الحصان، فكانت النتيجة هي السقوط العلني لمواقفهم، وانكشاف ألاعيبهم أمام الجميع، مما أتاح للمناوئين لهم فرصة النيل منهم وبحرفية عالية، لا منفذ للمآخذ عليها، وإذا بأحدهم يتعرض لوقف برامجه الفضائية، وآخر تم الكشف عن مواقفه الزئبقية تجاه بعض الأحداث، وأعلن: (إن الحرية قبل الدين) وآخر كشف عن وجهه القبيح، بعد أن ظهر مجندوه من الشباب بلباس خاص في "ميدان التحرير"، محاولا اختطاف الثورة من أيدي أبنائها، وآخر لازال يحتمي بسلطة الدولة التي آوته ليبث سمومه عبر جوامعها وفضائياتها، ليلتقوا مع من ركب موجة الخطب النارية ضد دولته متسترا بالطائفية البغيضة وبلغة أقرب إلى لغة الحاقدين والموتورين والناقمين على كل شيء، وغيرهم كثيرون يختلفون في الاتجاهات والأساليب، ويلتقون على التحريض والمبالغة والكذب، والاستغلال البشع للدين. كيف تثق الأمة بعلماء من هذا النوع؟ وما هو التنوير الذي يريدون الوصول إليه؟ وأين هي الجماهير التي أوكلت لهم التصرف في شئونها؟ ومن منحهم الوصاية على غيرهم؟. التغيير.. التنوير.. الإصلاح.. عناوين براقة تختفي وراءها نوايا مشبوهة، وقودها ثلة من الموتورين ضد غيرهم، والمرفوضين من مجتمعاتهم، والحاقدين على حكوماتهم، والمشاكسين لأنفسهم قبل غيرهم، وهي فئات يمكن استدراجها بسهولة للعمل التخريبي، لأنها ترى في أولئك "التنويريين" مثلها الأعلى دون أن تدرك أي خطورة يمثلها هؤلاء "التنويريون" على البلاد والعباد، ومع الأسف فإن هذه الممارسات هي التي تفرز اتهام الإصلاحيين الحقيقيين بما ليس فيهم من المثالب والعيوب، أما من يمكن أن نسميهم بالإصلاحيين المزيفين الذين يسمون أنفسهم "التنويريين"، فهم من يجب أن يحذرهم الشباب، فلا المعسول من كلامهم، ولا المنمق من برامجهم الفضائية، ولا دوراتهم التدريبية، ولا خطبهم في الجوامع، ولا شخصياتهم المغلفة بالرزانة المزيفة.. لا شيء من ذلك يؤهلهم لأن يحتلوا منابر الإصلاح ليتحول على أيديهم إلى منابر للتحريض وإشاعة الفوضى، والإفساد في الأرض.
880
| 08 أبريل 2012
(علي عبد الله الفيّاض المقدام الخالدي - نسبة إلى قبيلة بني خالد المولود سنة 1958م بقرية العريش بمنطقة الشمال في دولة قطر. وقد عاش طفولته وشبابه في أسرة أدبية ذات صلة وثيقة بالتراث الشعبي القطري، فوالده الشاعر الشعبي عبد الله الفيّاض المتوفى سنة 1975م، ووالدته راوية للأشعار، والحكايات، والنوادر، واللطائف. كانت بداية عمله في جمع التراث القطري، رغبته في جمع قصائد والده التي فُقدت منذ زمن بعيد، ورغم ذلك استطاع باحثنا العثور على قصائد قليلة لوالده، حيث دوّن القليل منها أثناء حياته، فكانت هذه القصائد بداية اهتمامه بجمع التراث وتحقيقه. وهذه البداية فجرت في نفسه هدفاً حاول تحقيقه - وما يزال - وهو: البحث والتنقيب عن الآثار الشعرية المجهولة والمفقودة لكبار الشعراء؛ ممن آثروا البقاء في منطقة الظل، فضاع شعرهم وضاعت مكانتهم الشعرية. لذلك قام باحثنا وما زال يقوم بالتنقيب عن هذه الآثار التراثية، ومن ثم توثيقها وتحقيقها ودراستها من أجل الحفاظ على تراث الخليج الشعري من ناحية، ومن ناحية أخرى ردّ المكانة الأدبية اللائقة بأصحاب هذا التراث المجهول). بهذا الاستهلال المنقول من مقالة نشرت في مجلة "تراث الإماراتية" عدد 106 يونيو 2008 بقلم أ. د علي إسماعيل، أبدأ كتابتي عن الباحث علي الفياض، وقد راودتني رغبة الكتابة عن هذا الباحث الجاد في التراث الشعبي منذ زمن، حتى تيسرت لي أسباب جديدة دفعتني إلى الإقدام على هذه الخطوة، عندما تعاملت معه مباشرة خلال إشرافه على تحقيق وشرح وطباعة أحد الأعمال الشعرية الشعبية لشاعر كبير من شعراء قطر المعروفين، وليس هذا هو الديوان الأول الذي ينجزه الباحث علي الفياض، فقد سبق أن حقق مجموعة من الأعمال الشعرية الشعبية لعدد من شعراء قطر والخليج، سواء بمفرده أو بالاشتراك مع بعض الباحثين والمحققين المهتمين بهذا التراث، ومنذ بدأ نشاطه في هذا المجال بديوان "الشاعر راشد بن سعد الكواري" عام 1985م، ومرورا بديوان "الشاعر إبراهيم بن محمد الخليفي" عام 1988م، و"الشيلات القطرية" عام 1991م، و"من أفواه الرواة" 1994م، و"من رواة التراث في قطر" عام 2004م، و"ذاكرة الذخيرة" كما يرويها علي بن خميس الحسن المهندي عام 2005م، ومحمد بن عبد الوهاب الفيحاني: حياته وشعره وديوانه 2005م، ووصولا إلى تحقيق وشرح "ديوان ابن دلهم" عام 2012م، إلى جانب عدد من المقالات البحثية المنشورة، وخلال مشواره الطويل مع الشعر الشعبي.. ظل وفيا لهذا الفن الجميل الذي يستهوي الكثيرين من أبناء الخليج، حتى برز فيه عدد لا يستهان به من الشعراء والشاعرات، من مبدعيه ورواته يوم كان النقل الشفاهي هو الوسيلة الوحيدة لتناقله وحفظه بين رجال البادية والحاضرة على السواء قبل أن تعرف المنطقة الطباعة، ووسائل الاتصال الجماهيري عبر الإذاعة والفضائيات، ولاشك أن جمع ما حفظ منه في ذاكرة الرواة أمر لا يتيسر إلا لعاشقي هذا اللون من ألوان الإبداع الشعري، الذي كان يتمتع بشعبية واسعة، وحفاوة بالغة، في زمن ما قبل ظهور النفط في الخليج. ومن يعرف الباحث الفياض يعرف إلمامه بتاريخ الشعر الشعبي في منطقة الخليج، وتاريخ رموزه وأعلامه، وأبرز الوقائع والأحداث التي عبر عنها هذا الشعر، ودوره الكبير في حفظ الكثير من تلك الوقائع والأحداث، وهي التي لولا الشعر الشعبي لما وصلت تفاصيلها إلى الأجيال الجديدة، كما أن الفياض لا يكتفي بالأعمال التي ينجزها في هذا المجال، بل أنه لا يبخل على الناشئين بجهده ومساعدته ورأيه وتوجيهاته لكل من أراد الاستفادة من تجربته العريضة في مجال الشعر الشعبي وتحقيقه وشرحه، فهو واحد من قلائل حفظوا لهذا الشعر مكانته، وأسهموا في بعثه مجددا، ليحقق هذه الانتشار الواسع على امتداد منطقة الخليج والجزيرة العربية. [email protected]
7092
| 01 أبريل 2012
بادئ ذي بدأ أريد أن أمارس حقي في الاعتراض على هذه المصطلحات، أو المسميات التي لا ترقى في حقيقتها العامة إلى مستوى المصطلحات لكثرة استعمالها لحد الابتذال، هذه المسميات سادت ثقافتنا المعاصرة حتى أصبح يرددها الصغير والكبير، المتعلم والأمي، وما أكثر الأميين الذين وإن أجادوا القراءة والكتابة، لكنهم لا يعرفونها حق المعرفة وفرق بين التعلم والمعرفة، لذلك هم يرددون هذه المسميات كما تردد الببغاء ما تسمع من كلام دون فهم، فالعلمانية والليبرالية والأصولية والسلفية كل هذه المسميات أصبحت على كل لسان، وكل واحد يفسرها على هواه، اعتمادا على ما توحي له ثقافته واتجاهاته ومصالحه الشخصية، وبعض هذه المسميات أصبحت تهمة لدى بعض الناس، ومفخرة لدى بعضهم الآخر، وقد ظل أجدادنا وآباؤنا متمسكين بعرى الدين الحنيف دون أن ينجرفوا وراء شيء من هذه المسميات، حتى ابتلينا بالمتشددين وما ارتكبوه من تجاوزات أمنية، وما أحدثته تلك التجاوزات من ردود فعل أفرزت هذه المسميات بكل إيحاءاتها البعيدة عن واقع الأمة ومسار المصلحين من أبنائها في الاتجاه الصحيح، كل بما يراه مناسبا، وهو على أجر إن شاء الله، فإن أخطأ فله أجر المجتهد، إن أصاب فله مثليه. ما يؤسف له أننا أصبحنا نواجه كل من لا نتفق معهم في الرأي بتهم جاهزة لنلصقها به، مع أننا خلقنا مسلمين وسنظل على هذا الدين القويم ما حيينا، ومع ذلك فإنك إن أردت الإصلاح فأقرب تهمة ستوجه لك أنك علماني أو ليبرالي، ولا تسأل عن معنى العلمانية أو الليبرالية لأن من يوجهها لك هو نفسه لا يعرف معناهما، لكنه يعرف مقدار ما يسببه لك ذلك من الأذى عندما تجد نفسك متهما بما ليس لك به علاقة بعد أن ألحق بالعلمانية والليبرالية كل مساوئ العالم ومثالبه، هذا إذا لم يتهمك بالخيانة الوطنية والولاء للأجنبي، والتآمر على الدين، وكأن الإصلاح في حد ذاته اصبح تهمة، مع أن الدين النصيحة، ومن باب النصيحة أن تدعو للإصلاح، لأنك لست صاحب قرار، بل صاحب رأي من حق المجتمع والوطن والأمة وعليك أن تقول رأيك، وتطرح اجتهادك، لتصحيح مسارات التنمية في مجتمعك ووطنك وأمتك، وهذا الحق مقرون بواجب الصدق في الرأي والدقة في الطرح، والسمو في الهدف، والنبل في التعاطي مع الواقع، والحوار بالحكمة والموعظة الحسنة، بعيدا عن الأهواء والغايات والأهداف الشخصية. هكذا تبدو الحياة العامة لدينا وقد اتخمت بهذا الخلط والإقصاء، لكن المصلح الواثق من نفسه ومن موقفه، ودون تعصب أو تشنج أو عناد، لن يقف كثيراً أمام هذه العقبات الكأداء التي يمثلها المتشددون الذين يعتقدون بأنهم وحدهم من يملك الحقيقة،، وأنهم أوصياء الله على خلقه، وقد احتكروا الدين وتعاليمه، فحاربوا الإصلاح لأنه يتعارض مع مصالحهم الذاتية، ومكاسبهم وامتيازاتهم الشخصية التي تدفعهم إلى تكفير من لا يتفق معهم في الرأي، وإن اتفق معهم في العقيدة والمذهب، ومن جانب آخر هناك من يقابل هذا التصنيف بنفس الدرجة من الحدة والرفض مما يعني تساوي الطرفين في سوء التصرف، وسوء السلوك وسوء العاقبة، بدل الحوار والتلاقي على كلمة سواء، تؤدي إلى الحقيقة، وتزيل ما في النفوس من احتقانات هي وليدة العنف والتشدد والغلو، وهذه الحالة من الاتهامات والاتهامات المتبادلة، لا تدل على وعي بأهمية الإصلاح، بل لا تدل على أدنى مستوى من الوعي الوطني أو الديني أو الإنساني. [email protected]
476
| 27 مارس 2012
ثمة فرق بين التسليم بنظرية المؤامرة.. وقراءة الواقع بجدية وعمق، فالتسليم بنظرية المؤامرة يلغي قدرة الإنسان على التمييز بين الأمور، لأنها تعني قبول ما يردده الآخرون، بينما قراءة الواقع تعني الاعتراف بما لا يمكن تجاهله بناء على شواهد لا مجال للتشكيك فيها، ومن ذلك أننا لا نزال نقرأ ونسمع وقائع لا يمكن أخذها إلا في إطارها الصحيح، ومنها هذه المقابلات التي يجود بها كبار المسؤولين الأمريكان على أفراد من بلدان مختلفة، وما يغدقونه عليهم من الألقاب والأوسمة والهدايا، لا لأن أولئك الأفراد من كبار المخترعين، ولا لأنهم من المبدعين المتميزين، ولا لأنهم ممن خدموا العالم في أي فرع من فروع المعرفة الإنسانية، بل لأنهم إما منشقون على حكوماتهم، أو من أدعياء الحرية وحقوق الإنسان، أو من أصحاب المواقف المناوئة الهزيلة التي لا تمثل تيارا فكريا رائدا، ولا إنجازا إنسانيا متميزا، ومعظمهم من المعارضين الذين هربوا من بلدانهم ليمارسوا المعارضة في فنادق (الفايف ستارز) والتنقل بسيارات (الرولز رويس) في عواصم أوروبا وأمريكا، وهدف أمريكا من ذلك كله هو ضمان ولائهم للتبعية الثقافية الأمريكية، ومحاولة ترسيخ وهم كبير عن مبادئ الحرية والديمقراطية في أذهان البسطاء، مع أن الشواهد تثبت أن سياسة أمريكا الخارجية أبعد ما تكون عن هذه المبادئ، فأمريكا التي تطبق هذه المبادئ، وتحرص على حقوق الإنسان داخل حدودها.. هي أمريكا نفسها التي تنتهلك حقوق الإنسان في معظم بلاد العالم، والأكثر من ذلك.. مناصرتها للظلم والعدوان عندما تشهر سلاح حق النقض "الفيتو" في وجه قرارات الإدانة الأممية لشتى أنواع الممارسات غير الإنسانية في العالم، ودولة بهذا التعنت والتجاهل للحقوق، لا يمكن أن تؤتمن على القضايا العادلة للشعوب، كما لا يمكن تفسير فتح أبوابها لتستقبل بالأحضان أولئك المغضوب عليهم والضالين في بلدانهم ومجتمعاتهم وأسرهم لتحتفي بهم وتكرمهم.. ما لم يكن هدفها تهجينهم ليسيروا في ركابها، مسلوبي الإرادة، بعد أن باعوا قيمهم ومجتمعاتهم وأوطانهم بأبخس الأثمان.لقد اتسمت المواقف الأمريكية بالكثير من الازدواجية والتناقض تجاه القضايا الساخنة في العالم، ولم تكن عادلة في مواقفها تجاه دول كثيرة، مما أثار عليها نقمة العالم، وعدم ثقته في سياستها الخارجية، وإدانته الدائمة لتحركاتها العسكرية وتدخلاتها السافرة في الشئون الداخلية لبعض الدول، وفي كتابهما "لماذا يكره العالم أمريكا؟" أورد المؤلفان ضياء الدين سرادار وميريل واين ديفيز مئات الأمثلة التي توضح التدخل العسكري الأمريكي في شؤون بعض الدول، تحت شعارات منها درء الخطر الشيوعي ثم الدفاع عن الديمقراطية، ثم الحرب على الإرهاب، ثم ما تلاها من شعارات لا تعني في حقيقتها سوى مشاريع عسكرية بعيدة المدى للسيطرة على العالم، وفرض نفوذ القطب الواحد، في ظل العولمة وما تعنيه من سيطرة ثقافية واقتصادية وعسكرية.وهذه التدخلات ليست وليدة الحاضر بل تمتد جذورها إلى الحرب العالمية الأولى عندما تدخلت لمناصرة الحلفاء ضد ألمانيا، وغير بعيد عن الأذهان جريمة أمريكا التي لا تغتفر ضد هيروشيما ونجازاكي، والحقيقة أن كل جرائم امريكا لا تغتفر، وهي وإن اختلفت في بعض الجوانب، فإنها ذات وجه قبيح واحد.. وإن نسي العرب شيئا فكيف ينسون موقف أمريكا من قضاياهم العادلة، وفي مقدمتها قضية فلسطين، وما ذكر هنا لا علاقة له بالخضوع لنظرية المؤامرة، لأنه يحدد وقائع لا مجال لنكرانها أو تبرير أهدافها.وهاهي تستقبل في بيتها الأبيض ووزارة خارجيتها أشخاصا من كل العالم، بحجة تكريمهم، وهو تكريم يعني ضمنا تحريضهم على الأوضاع السائدة في بلدانهم، بصرف النظر عن سوء أو عدم سوء تلك الأوضاع، إلى جانب ما ينطوي عليه هذا التصرف من تدخل في الشؤون الداخلية للدول التابعة لها هذه الشخصيات والتي تعتقد بأن أمريكا تريد الخير لها أو لبلدانها، وياله من خير لا يختلف عن العسل الذي يدس فيه السم، وأمريكا خير من يجيد (دس السم في العسل)[email protected]
700
| 18 مارس 2012
في كل مناسبة تتعلق بالكتاب مثل معارض الكتب، وندوات البحث عن مستقبل الكتاب، وحلقات الدراسة حول القراءة، وأسباب تراجع عدد القراء.. يطل برأسه مصطلح "موت الكتاب" الورقي وإمكانيات أن يحل محله الكتاب الإلكتروني في المستقبل، مما يشكل هاجس خوف ملحا لدى الناشرين، وخاصة اولئك الذين تعودوا على التعامل مع الكتاب من وجهة نظر ربحية فقط، حيث يفرضون أسعارهم الباهضة على الكتب، التي تلقى إقبالا ملحوظا من القراء، بينما تباع مثيلاتها من الكتب ذات المواصقات الطباعية المشتركة بأسعار أقل بكثير مما هي عليه تلك الكتب، حتى وإن كانت المواصفات الفنية مشتركة بين الكتابين. فهل ثمة احتمالات لموت الكتاب الورقي واختفائه نهائيا؟ على المدى المنظور لا أرى ذلك ممكنا لعدة أسباب منها أن الكتاب الورقي يحمل صفات وميزات لا تتوافر في غيره من الكتب التي تظهر بوسائل إلكترونية أو غيرها، ومن هذه الصفات أو الميزات دقة الكتاب الورقي كمصدر غير قابل للتحريف، ومنها أيضا سهولة الرجوع إليه والتعاطي معه في أي وقت، بينما يحتاج الكتاب الإلكتروني إلى وسائط ربما لا تتوافر للجميع في كل الأوقات، وفي كل الأماكن، ومنها أيضا العلاقة الوثيقة بين الكتاب وقارئه، من حيث التأثير والتفاعل والحميمية، وتنامي التذوق الفني لدى القارئ، وخاصة بالنسبة للأعمال الإبداعية التي يشترك المتلقي دائما في إعادة صياغتها، مستندا على خلفيته الثقافية واستيعابه وفهمه للنص، ومنها أيضا حرص الناشرين على دعم الكتاب الورقي واستمراره لما يحققه لهم من أرباح مجزية، وكذلك أيضا قدرة السيطرة على الأسعار حين التعامل مع الكتاب الورقي، مما لا يتحقق بشكل دقيق في التعامل مع الكتاب الإلكتروني. لكن ومع كل هذه المعطيات لا بد من الاعتراف بانحسار مد الكتاب الورقي، وهذا مؤشر غير مطمئن للناشرين، وعلى المدى البعيد سيزيد الاعتماد على الوسائل الإلكترونية في التعامل مع الكتاب والاستفادة منه، وقد يأتي زمن يختفي فيه الكتاب الورقي ولكن ليس في المستقبل المنظور، ولا شك أن تسارع حركة التقدُّم العلمي، وتطور وسائط الاتصال، ووسائل المعرفة، كل ذلك سيقرِّب من نهاية الكتاب ولا أقول موته، فالنهاية لا تعني الموت دائما، لكنها قد تعني بداية عودة الظهور بشكل آخر، وهذا ما يعنيه ظهور الكتاب الإلكتروني، انسجاما مع روح العصر، واستجابة لظروف الحياة، وإيقاع الحراك التنموي المتسارع، وتفيد إحصائيات دور مواقع تسويق الكتاب الإلكتروني مثل "أمازن" أن نسبة مبيعاتها في ازدياد مستمر، خاصة مع توافر أجهزة القراءة الإلكترونية، التي بدأت مع جهاز "كندل" وهي حتما لن تنتهي مع "آيباد الجديد"، الذي أدخل "آبل" إلى نادي الأغنياء. ثمة تهديد حقيقي يتعرَّض له الناشرون، هذا التهديد هو الذي دفع دور نشر كبرى في العالم إلى الاهتمام بالكتاب الإلكتروني، كما فعلت "بنجوين" و"ماكميلان" و"هاربر كولينز" و"هاشيت بوك جروب"، عندما حاولت منافسة عملاق الكتب الإلكترونية "أمازون" والدخول معها في حرب الأسعار، وهي حرب وصلت إلى ساحات القضاء في الولايات المتحدة الأمريكية، بما يوحي بأن السيطرة على مبيعات الكتاب الورقي أكثر إمكانية من الكتاب الإلكتروني، والمستثمرون يبحثون دوما عن الأمان لأموالهم. في عالمنا العربي لا تزال دور النشر تتمسَّك بالكتاب الورقي، وستظل على موقفها هذا معتمدة على ضعف القوة الشرائية في البلدان العربية حيث تنعدم قدرة الفرد العربي على شراء أحد أجهزة القراءة الإلكترونية، إلى جانب انتشار الأمية التي تقلل من حركة الإقبال على الكتاب، بل والقراءة بصفة عامة، مما يعيدنا إلى المربع الأول لنطرح نفي السؤال: هل ثمة احتمالات لموت الكتاب الورقي واختفائه نهائيا؟. [email protected] خليل إبراهيم الفزيع
507
| 11 مارس 2012
اعتذر للقارئ الكريم بسبب اختيار هذا العنوان الهزلى لموضوع جاد وخطير، وقديما قيل (وشر البلية ما يضحك) وهو ضحك يشبه البكاء، فما نسمعه ونقرأه ونشاهده من أصوات نشاز حول الأوضاع فى بعض البلاد العربية لا مكان لتفسيره سوى أنه تحريض على زعزعة أمن تلك البلاد، وسعى لاثارة الفتنة بين أبنائها من قبل أشخاص نذروا أنفسهم للفتنة، وباعوا أرواحهم للاثارة، وارتهنوا بأجندة ومخططات ومؤامرات تحاك فى السر والعلن، حولتهم الى (أراجوزات) تحركها أصابع العابثين والموتورين والساعين الى الشر، والوالغين من مستنقعات الفتنة، بما لا طاقة لغيرهم على احتماله، بعد أن تبلدت مشاعرهم الوطنية، وماتت انتماءاتهم الانسانية، ليصبحوا آلات تحركها مصالح الآخرين، ومعاول هدم تستخدمها أيدى المفسدين فى الأرض. وشيوخ أو هكذا يدعون يؤلبون أبناء جلدتهم على دولته، ويكيلون من سييء القول كل ما ضمته قواميس القبح والبذاءة، مهرولين نحو اثبات شراستهم وانحراف تفكيرهم، متوغلين فى دهاليز ظلام معتم من التلاعب بالمشاعر، بالكلام الانشائى الأجوف الذى لا يستند الى وقائع أو أحداث بعينها، لأن سمته التعميم والتضخيم والتضليل المتعمد، وكأن الناس لا عقول لهم، ولا وعى لديهم لكشف خبث طويتهم وسوء نيتهم، ومثل هؤلاء لا تفيد معهم المناصحة، ولا يجدى معهم الاقناع. فضائيات تدس السم فى العسل، وتضخ الأحقاد، وتشوه الحقائق، وتحول الانسجام بين أبناء البلد الواحد، والتلاحم الوطنى بين شعبه وحكومته، الى خلافات طاحنة، تؤدى الى سفك الدماء على أيدى الرعاع والمخدوعين والراكضين حول أوهام وتصورات بعيدة عن الواقع، حول قضايا يمكن حلها بالوفاق والحوار الوطنى على ضوء الدستور، لكن قوى الشر ترفض أن يعود الأمن والسلام للبلاد والعباد، لينصرف الناس للبناء والتعمير، ليحقنوا دماء أبنائهم التى يفرح باراقتها من لا مصلحة لهم فى استتباب الأمن، وعودة الحياة الى مسارها الطبيعى بين المواطنين. وكتاب ومثقفون هكذا يقال عنهم سخروا أفكارهم وأقلامهم لنصرة حاكم ظالم، يقتل شعبه، ويرتكب أبشع الجرائم، ضد مواطنيه، لا فرق لديه بين طفل صغير وشيخ كبير، وامرأة عاجزة، ورجل بريء، وجريمة كل هؤلاء أنهم لا يسبحون بحمده، ولا يركعون تحت أقدامه، ولا يباركون ظلمه وتعسفه، رغم أن كل الدول والمنظمات والهيئات الأممية تدين تصرفه الأرعن، وجنونه الذى ما بعده جنون، وهو سادر فى غيه، دون أن يتعظ بما جرى لغيره من نهايات مأساوية، لا مفر من وقوعه فيها فى نهاية الأمر، فما من ليل حالك، الا ويليه فجر مشرق،. ومؤلفون موتورون من تجار الكلمة، وباعة الأكاذيب ومسوقى ثقافة التهريج، كل همهم هو الاساءة لرموز الأمة وقادتها، ونشر الفضائح المفتعلة عنهم، وتشويه سمعة الأبرياء من الشخصيات العامة، لا لشيء سوى للابتزاز، أو الانجراف وراء الرغبة فى التشفى والانتقام، نتيجة الحسد والغيرة والحقد الدفين، بحثا عن الربح المادى نتيجة تسويق بضاعتهم الرديئة والمخزية، وهم فى حقيقتهم عار على أوطانهم وأمتهم والانسانية بصفة عامة. هذا هو نعيق الغربان، الذى يمارسه أنصار الشيطان، لتخريب الأوطان، بعد أن تلبستهم حالات من الاستهانة بعقول الناس ووعيهم، أو اجتاحتهم صنوف من الغباء المستعصى على العلاج، ولله فى خلقه شئون، ولا حول ولا قوة الا بالله. [email protected]
2561
| 04 مارس 2012
والإنسان يعيش حاضره هو أحد اثنين في غالب الأمر، إما أن يكون غارقا في الماضي ولا يفكر في الحاضر أو المستقبل، أو أن يكون غارقا في الحاضر غير عابئ لا بالماضي ولا بالمستقبل، وقلة أولئك الذين يفكرون في المستقبل بروح يحدوها الأمل، وعلى أساس متين من الثقة بأن هذا المستقبل سيكون أفضل إذا تم العمل على تأسيس قواعد متينة تضمن صلابة البناء والثقة بالآتي. الزمن مثلث متساوي الأضلاع لا يقصر ضلع فيه ولا يزيد على حساب بقية الأضلاع وإلا اختل هذا التساوي وتحول المثلث إلى مسمى آخر، لكن المحافظة على تساوي الأضلاع مهمة صعبة لدى معظم الناس عندما لا تتساوى أضلاعه، فتتحول إحدى زواياه إلى زاوية منفرجة على الماضي أو الحاضر أو المستقبل، أو حادة على أحدهما دون أن النظر بواقعية لما تفرضه الحياة من توازن في تفكير وسلوك الإنسان، فالمشدود إلى الماضي لا يرى ما يحمله الحاضر من معطيات إيجابية جعلت الحياة أسهل في بعض جوانبها، وأصعب في جوانبها الأخرى، وهذه تعقيدات لا مجال للهروب منها إلى زمن آخر، وكذلك الغارق في الحاضر لا يرى ما يحمله الماضي من معطيات إيجابية أثرت على حياته وأثرتها بالكثير من جوانب العطاء الإنساني الرائع الذي أسس لهذا الحاضر بما له وما عليه. لكن أين المستقبل من خريطة تفكير ذلك المشدود للماضي أو الغارق في الحاضر، هذا المستقبل لا يرتكز فقط على المنجز الإيجابي الذاتي، ولكنه يتعدى ذلك إلى منجزات عامة يمكن أن تستفيد منها الأجيال، وهكذا حال الأمم الناهضة التي أسست لمستقبل ضمن لها التواجد الفاعل على المستويين الإقليمي والدولي، بعد أن ضمن لها الرفاهية والحرية والاستقرار والأمن على المستوى المحلي، ولم يكن هذا ليتحقق لولا التفكير الإيجابي في المستقبل، والعمل على تأسيس قواعد صلبه لمستقبل مشرق يستفيد من تجارب الماضي ومعطيات الحاضر، وهذا التواصل بين الأجيال هو الضمانة لردم الهوة السحيقة التي يدركها الجميع بين الماضي والمستقبل، وإذا كان الماضي في حكم التاريخ والمستقبل في حكم الغيب، فإن مهمة الحاضر/ الإنسان على المستوى الفردي، والمجتمع بكل أطيافه، والدولة بكل مؤسساتها.. العمل على بناء المستقبل بما يجعله ضمانة أكيدة لمقومات حياة حرة مستقرة وآمنة، يتمتع فيها الفرد بالرفاهية والمجتمع بالحرية والدولة بالقوة والصلابة، والقدرة على الإسهام في صناعة التاريخ. ما بين الماضي والمستقبل لا بد من جسر الوفاء لذلك الماضي بالاستفادة من منجزاته، والمستقبل بما يحمله من آمال وتطلعات لغد مشرق وجميل، وهذا الجسر من الوفاء يبنيه الحاضر، ويشيده أبناء هذا الحاضر، بكل الإيمان الذي يحملونه في جوانحهم بالغد الأفضل، وبكل العزيمة والإصرار للبناء الذي يضمن ذلك الغد الأفضل، وهذا الجسر من البناء لا يبنى بالنوايا الحسنة، ولكنه يبنى بالتخطيط والتصميم والتضحية، وسلاح ذلك العلم وليس الجهل، والتصميم وليس التخاذل، والبناء وليس الهدم، والمحبة وليس التشاحن والبغضاء والإقصاء المذهبي أو الطائفي أو القبلي. تبني الأمم أمجادها بالعمل وليس بالكسل، ولكنه العمل المبني على رؤية واضحة وتخطيط سليم وعزيمة صادقة لاكتساب القوة في كل المجالات السياسية والاقتصادية والصناعية، وقبل ذلك وبعده قوة إيمان الإنسان برسالته ودوره في بناء نفسه ومجتمعه ووطنه والعالم. فما أحوجنا إلى بناء جسر الوفاء بين الماض والمستقبل! [email protected]
3580
| 26 فبراير 2012
مساحة إعلانية
التوطين أو التقطير ليس مجرد رقم أو نسبة...
1278
| 02 سبتمبر 2025
على رمالها وسواحلها الهادئة كهدوء أهلها الطيبين حيث...
1056
| 08 سبتمبر 2025
في السنوات الأخيرة، غَصَّت الساحة التدريبية بأسماء وشعارات...
885
| 04 سبتمبر 2025
تم إنشاء فكرة الإسكان الحكومي للمواطنين بهدف الدعم...
735
| 07 سبتمبر 2025
يعتبر القرار الذي أصدره حضرة صاحب السمو الشيخ...
627
| 02 سبتمبر 2025
عندما تدار الوظيفة بعقلية التسلط وفرض الأمر الواقع،...
585
| 04 سبتمبر 2025
تتموضع حقوق الملكية الفكرية في قلب الاقتصاد المعرفي...
552
| 08 سبتمبر 2025
غالبية الكتب الفكرية والأدبية والاجتماعية مثل الناس، منها...
513
| 05 سبتمبر 2025
كلما وقعت كارثة طبيعية في أي مكان من...
489
| 03 سبتمبر 2025
العلاقات العامة عالم ديناميكي جميل، متكامل، بعيد عن...
486
| 04 سبتمبر 2025
أتابع دورينا لأرى النتيجة الحقيقية لما يبذل من...
471
| 05 سبتمبر 2025
لا يمكنه السيطرة على انفعالاته؛ وبنبرة تعاطف قالت...
444
| 05 سبتمبر 2025
مساحة إعلانية