رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

خليل الفزيع

خليل الفزيع

مساحة إعلانية

مقالات

903

خليل الفزيع

الغريب

15 مايو 2013 , 12:00ص

غريب فى بلد غريب أهله غريبى الأطوار شوارعه غريبة المظهر يهيم على وجهه تلفظه الطرقات كما لفظته زوجته التى اكتسحت بلسانها السليط بقايا محبتها من قلبه.. شعر بالحمى تقتات جسده بعنف.. واصل سيره قانطاً إلا من رحمة الله.. داهمته موجة العطاس. فمنذ الصباح الباكر وهو يعانى من حالة زكام حادة.. ضاعفها قلقه وهو يهيم على وجهه على غير هدى. مشتت الذهن كسير القلب حزين الفؤاد ينتابه شعور عميق بالأسف لأنه رضى بالهوان منذ اللحظات الاولى لاقترانه بها.

شعر بوطأة الحمى والزكام وأهلكته الحرارة والغبار جلس على عتبة أحد المعارض التجارية.. النهار فى منتصفه.. المتاجر مغلقة.. الشوارع تكاد تخلو من المارة.. الشمس ترسل سياطاً من لهيب حرارتها.. الهواء العاصف المحمل بالأتربة يقتلع أسباب الراحة من نفسه تلثم بشماغه ليتحاشى الغبار وزحف إلى الظل ليتفادى حرارة الشمس.. تمنى قطرة ماء يبل بها ريقه.. تحامل على نفسه.. جر قدميه بضع خطوات ليجد مقهى هندياً.. ارتمى على أقرب كرسي.. وضع ساعديه على المنضدة ودفن رأسه بينهما وانخرط فى ضحك أشبه بالبكاء.

لاحظ الهندي حالته.. أحضر له الماء وعلبة المناديل الورقية.. حاول مواساته.. لكن جرحه أعمق من أن يندمل.. بعيون زائغة ونظرات تائهة.. تطلع إلى ما حوله. فوجد الأنظار مصوبة نحوه باستغراب.. طلب فنجان شاي وكاساً من عصير الليمون الساخن وبين ألم الحمى ونوبات الزكام الحادة.. يتسرب إلى ذهنه بعض من شتات الذكريات القديمة.. التى بدت له مثل صورة هلامية.. يحاول جمعها لتنداح على الخاطر جمراً لهيباً ولعنة أزلية رافقت خطواته منذ وطئت قدماه أرض مدينتها المتسربلة بالصمت والهجير..

للذكريات صهيل الدماء إذ اشتعلت فى الأوردة التى يستكين فيها التناقض وتنام الفتنة وللكلمات صليل السيوف إذا احتدمت المعارك التى من يفز فيها خاسر.

كان أول السهام التى وجهتها إليه هذا اليوم.. عندما لاحظ صباحاً أن الحليب بدون سكر.. فانهالت عليه تقريعاً ولوماً.. لأنه فى نظرها (شايب وهدار)..

قال لها:

 — أنت امرأة غير متربية.

فاضمرتها له حتى اختلقت سبباً لتوجه له سهمها الأخير وصفعتها القوية هذا اليوم هذه ليست صفعتها بل صفعة الزمن الذى غدر به.. ولم يلُم الزمن؟ انها صفعته هو يوجهها إلى نفسه.. لأنه استسلم لإلحاحها يوماً، وتخلى عن قناعات لم يكن ليتخلى عنها لولا شعور بالحب.. تنامى فى نفسه منذ سنوات.. دون أن يدرك أنه يزرع فى أرض يباب.. يصرخ فى واد سحيق.. يحرث فى بحر ليس له قرار.. إنها صفعة الإنسان لنفسه.. وليس له أن يشكو منها أو يلوم غيره بسببها.

كان يظن انها ستكون سنده فى قادم أيامه.. ولكن كيف؟ وهى تعامله بهذه القسوة وهو فى كامل قواه.. فكيف ستعامله إذا وهن العظم منه، واشتعل الرأس شيباً؟ إذ نال منه الزمن، وهدت قواه الأيام؟ أسئلة ها هى الاجابة عنها تتضح فى وقت مبكر.. قبل أن يصبح النبات حصرما، وترعد السماء بالويل والثبور، فلا يخفى فى النفس ما الله مبديه.

غاثت نفسه فأسرع إلى حوض الغسيل واستفرغ.. آلمته معدته.. لكن ذلك لم ينسه ألم الحمى وإزعاج الزكام.. أشار عليه أحد الهنود أن يذهب إلى المستشفى.. تبرع أحدهم أن يوصله بسيارته لكنه رفض.. وكأنما يعاقب نفسه ليشعر بالمزيد من المعاناة، فهو الوحيد الذى عليه أن يتحمل نتيجة الخطأ الذى ارتكبه عندما اقترن بها.. عليه أن يتحمل المزيد من المعاناة.. فالكبر ينفى خبث الحديد..

كيف يجتمع الجمال والقسوة فى جسد واحد؟ كيف يجتمع الحب والكراهية تحت سقف واحد؟

كيف يجتمع الحب والكراهية تحت سقف واحد؟

كيف تتقاطع الصفات بهذه الحدة والبشاعة؟

وتتنافر الطباع بهذه المرارة والفظاعة؟

لم يتعود الهروب من مشاكله.. لكنه لا يريد المواجهة معها.. لا خوفاً منها، ولكن خوفاً على الأمانة التى تحملها.

أيتها النفس المترعة بالعذاب.. ليس فى الدنيا ما هو أسوأ من صفعة الذات عندما يوجهها المرء لنفسه.. أو ظلم الأقرباء عندما يتلقاه الأبرياء.. وإذا كان ظلم ذوى القربى أشد مضاضة على النفس من ضرب الحسام المهند … فإن صفعة الذات أشد قسوة على القلب من انغراس السكين المثلوم فى حناياه.

الأيام تمعن فى تأكيد ما كانت ولا تزال تردده عن التناقض بين شخصيتيهما بشكل لا يحتمل الشك.. وهو يدرك الآن أكثر من أى وقت مضى حقيقة ما تردده.. من أن له عالمه الذى لا يمكن أن يتخلى عنه، ولها عالمها الذى لا يمكن أن ينتزعها منه.. وكان يأمل أن تصلح الأيام ما تفسده الظروف وهيهات أن يفلح الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل.. هيهات أن تستيقظ الأحلام من سباتها بعد أن ران عليها ركام الاهمال.

أراد الخروج من المقهى فانتبه إلى أنه حافي القدمين.. عاد لينتعل حذاءه.. واصل سبيله على غير هدى.. مثقلاً بالحمى والزكام والمهانة.. اوغل فى سيره تاركاً المدينة ومن فيها وراء ظهره.. وقد طغى عليه الشعور بأنه غريب فى بلد غريب.

اقرأ المزيد

alsharq قمَّة المصير المُشترك.. قرارات لا توصيات

هُنا من دوحة الخليج ولؤلؤته التي تتفرَّد بأصالتها وتطوُّرها، أكتبُ لكم، من عاصمة الاستقرار والازدهار، بينما تتسارع الوفود... اقرأ المزيد

21

| 14 سبتمبر 2025

alsharq قطر آمنة ورب يرعاها

الحمد لله على سلامة قطر، قيادة وشعبا من كل شر، والله يحفظنا من كيد الكائدين الحاقدين الحاسدين بعد... اقرأ المزيد

18

| 14 سبتمبر 2025

alsharq إما قطر أو قطر

كنت في ماليزيا لحظة وقوع الاعتداءات الغادرة الإسرائيلية على قطر في مهمة رسمية من عملي للمشاركة في ندوة... اقرأ المزيد

24

| 14 سبتمبر 2025

مساحة إعلانية