رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

أن تكون عربياً

أن تكون عربياً يعني أن تكون عطوفاً.. رحوماً.. مهتماً بالقضايا المعاصرة.. مشفقاً على غيرك.. قلقا حول مصيرك.. فخوراً بما صبرت عليه وبما ستصبر عليه! أن تكون عربياً يعني أن تشعر بإخوتك وانتمائك بشكل أو بآخر بأفراد الدول العربية جميعهم، وإن تخالفت حكومة دولتك مع دولة أحد منهم (وما أكثر وقوع هذه الحالة!). أن تكون عربياً معناه أن تشعر بذاك الحبل الخفي بينك وبين أبناء الدول العربية، فتقول للعراقي عندما تراه في لندن: (يؤسفني ما حصل في العراق). وتقول للسوري عندما تركب سيارته في برلين: (لقد زرت سوريا وأنا صغير.. وأحببتها). وتقابل اليمني في السوق فتشد على يده محبة وتقديراً. وتعمل مع الليبي وتواسيه رغم أنك حتى الآن لا تفهم على وجه التأكيد ماذا حصل ويحصل في طرابلس! أن تكون عربياً يعني أن تفهم الحرب والسلام حتى وإن لم تعش الحرب فعلاً! لأنك منذ وُلدت وفي فمك ملعقة السلام وسكينة الحرب. تُصبح على أخبار الحرب والمقاومة، وتُمسي على أمنيات الهدنات والسلام. أن تكون عربياً يعني ألا تُصدم من الحرب الروسية الأوكرانية وألا تتعجب منها، وإن كانت أسباب قيامها وحيثياتها ووقت انتهائها من حكايات المجالس والمقاهي في الدول العربية، فكل عربي محلل سياسي نظراً للخبرات الطويلة في الحرب والسلام في هذه المنطقة من العالم! أن تكون عربياً يعني ألا تستغرب من نفاق وردة فعل العالم- خاصة الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية- اتجاه الحرب في أوكرانيا بالمقارنة بالحرب في سوريا أو العراق أو اليمن أو أفغانستان. فمن يُقتل في أوكرانيا أوروبيين.. بيض.. شقر.. مسيحين.. ومن يُقتل في سوريا والعراق واليمن وأفغانستان.. ليسوا كذلك! وهم في النهاية بعيدون عن العين وبعيدون عن القلب! أن تكون عربياً يعني أن تعرف ماذا يعني أن تكون عربياً! أن تعرف بأن الرجل الأبيض مُقدر أكثر منك في بلدك وبلده! أن تعرف بأن العالم ينظر إلى الحروب في البلدان العربية "كنزاعات" لا حروب، وكفترات هدنات لا سلام دائم. أن تعرف بأن الإعلام المستقل والمحايد الذي تتشدق به الدول الغربية يُصبح "أقل" استقلالاً وأقل حياداً عندما يتعلق الأمر بالحرب في دولة أوروبية! أن تكون عربياً يعني أن تعرف أنك تعيش في منطقة صراعات داخلية وخارجية.. كل طرف فيها لا يهتم بالضحايا والكوارث الناتجة عن هذه الصراعات بقدر اهتمامهم بالغنائم الناتجة عنها! أن تكون عربياً يعني أن تصبر وتصبر وتصبر حتى لا يتحمل الصبر صبرك! وبعد كل ذلك يتم مطالبتك بأن تكون إنساناً وأن تشعر "بغيرك" كما تشعر بنفسك!

1076

| 29 مارس 2022

تحت رحمة اللوغاريتمات

أصبحنا على زمن إلكتروني. كل ما نريده على مسافة ضغطة زر منا. إن كنا نريد مصادقة أحد، فسنبعث له طلب صداقة على الفيسبوك. وإن كنا نريد أن نعبر عن آرائنا أو أن نشكو خدمة شركة ما، فسنغرد في تويتر. وإن كنا نريد شراء شيء، فسنطلبه من أمازون. وإن كنا نريد معرفة هوية رئيس موزمبيق، فسنسأل جوجل. وإن كنا نريد السفر، فسنبحث عن وجهتنا في صور انستجرام، من ثم سنسافر، ونحمّل صورنا في حساباتنا، وإلا.. هل سنكون قد سافرنا فعلاً؟! يبدو جميع ما قلته بديهي وسهل، فنحن في وقت نستغرب فيه من كون شخص ما غير نشط في مواقع التواصل الاجتماعي، بل ونتعجب إن لم يمتلك حسابا على هذه المواقع! غافلين لفكرة وضعنا لجميع معلوماتنا على الانترنت-وإن لم يكن في موقع واحد-مثل أسامينا وهوياتنا وأرقامنا وصورنا وبطاقاتنا الائتمانية ومزاجنا وغيرها من المعلومات الكثيرة التي تطلبها معظم المواقع الإلكترونية ومن ضمنها جوجل! جوجل مثلاً، يعرف ما نرغب في شرائه وما نبحث عنه، ويعرف ممثلينا المفضلين وقراءاتنا اليومية والمعلومات التي نريد معرفتها، وكله ليس وليد الصدفة بل بسبب تراكم تاريخ بحثنا لديه مما جعل لوغاريتمات جوجل تعرف ما نريد البحث عنه، فتبرزه عند قيامنا بأي بحث، وتجعل ما عداه في الصفحات الأخيرة التي كلنا نعرف بأنه ليست لدينا الطاقة للوصول إليها! قوة هذه اللوغاريتمات هي ما تجعل شركات التقنية الكبيرة المتسيدة لمواقع التواصل الاجتماعي والانترنت أكبر وأغنى، بل وذات تأثير كبير على المجتمعات وحتى الدول، ففي عام ٢٠١٦، كان لإعلانات الفيسبوك دور كبير في فوز دونالد ترامب في رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية بعد تصيد اللوغاريتمات للناخبين وتغذيتهم بالإعلانات التي كانت أغلبها كاذبة ومخادعة كما تم تصوير هذه العملية في الوثائقي (THE SOCIAL DELIMMA). مازلنا اليوم تحت رحمة أهواء الشركات الكبرى مثل ميتا وألفابيت وأمازون وتويتر وأبل ومحاولتهم لتسييرنا واستمالتنا وفق رغباتهم. ففي ٢٠٢١، قامت فيسبوك بإزالة المنشورات حول فلسطين إبان الاعتداءات الإسرائيلية على غزة والفلسطينيين. والآن تقوم ميتا بالتركيز على المنشورات حول أوكرانيا بل وتعزز المنشورات التي تدعو إلى العنف ضد الجنود الروس! نحن تحت رحمة من لا يرحم، ولا يكون له أن يرحم لأنه وُضع من قبل شركات عملاقة، هدفها الربح أولاً وأخيراً، لا سعادة الانسان وانتصاره في هذه الحياة. وقد لا يكون في استطاعتنا كبح هذه الشركات في المستقبل القريب، ولكننا نستطيع ألا نتبرع بكافة معلوماتنا لها. ونقدر على رفض الآراء الواحدة التي قد تحاول فرضها علينا، إن فقط، حاولنا أكثر!

1474

| 22 مارس 2022

ماذا حصل لك؟

من الأمور التي نادراً ما نتحدث عنها في مجتمعاتنا العربية هي الصحة النفسية. وإن تناولناها فإننا نمسك قشورها فقط ونترك ما عداها. فالكثير منا تتعدى تابوهات الحديث لدينا الجنس والدين والسياسة إلى الصحة النفسية! هذا الفيل الكبير في الغرفة الذي نعرف وجوده بيننا دون أن نتطرق إليه ولا إلى صدماتنا النفسية (TRAUMA)! في كتابهم (WHAT HAPPENED TO YOU) يعالج الدكتور بروس بيري وأوبرا وينفري، موضوع الصحة النفسية والصدمات النفسية للإنسان وخاصة في الأطفال، الذين يكبرون وتظل بل وقد تكبر معهم صدماتهم النفسية. وهذه الصدمات قد تُشكل شخصية الانسان وتلعب دوراً كبيراً في حاضره ومستقبله بعد أن استولت على الماضي. وبسبب ذلك، يجب ألا تترك الصدمات النفسية خاصة بعد أن يعي الانسان وجودها بلا علاج. والصدمات النفسية تختلف من شخص لآخر، كل وفق بيئته وعائلته وظروفه ومواقفه وغيرها من العوامل الكثيرة. فقد يتعرض انسان لصدمة نفسية من موقف واحد مؤذ، وقد يتعرض آخر لصدمة نفسية بعد تكرر موقف مؤذ في حياته وهكذا. يختلف الحال من شخص لآخر. وبسبب ذلك، يُفضل الدكتور بروس بيري سؤال شخص منغلق على نفسه- مثلاً -: ماذا حصل لك في حياتك حتى أصبحت هكذا؟ (WHAT HAPPENED TO YOU?) على سؤال الشخص نفسه: ما خطبك؟ (WHAT IS WRONG WITH YOU?). وهو السؤال الذي اعتدنا سؤاله عندما نرى شخصا مختلفا عنا في المزاج أو الذائقة أو الأسلوب أو التفكير أو غيره. يحكي الواقع حصول صدمة نفسية أو أكثر للأغلبية إن لم يكن الجميع سواء أكانت الصدمة موت شخص عزيز أو هجران أب أو مرض صديق أو تحمل مسؤولية كبيرة في سن صغيرة أو غيرها من المواقف المؤذية أو الكبيرة على الانسان، في وقت لم يستطع تحملها أو استيعابها مما سبب له صدمة أبقت آثارها في نفسه وحياته. هذه الصدمات النفسية سيبين أثرها في العمل كأن لا يكون في مقدور الانسان العمل بعيداً عن عائلته لأنه يشعر بأنه المسؤول عنهم، أو قد يكون أثرها في العلاقات، حيث لا يستطيع المرء - بوعي أو لا وعي منه - أن يستمر في علاقة صحية لأنه شهد على علاقة والديه الفاشلة وطلاقهم. يتناول بروس بيري وأوبرا وينفري في كتابهما، علاج الصدمة النفسية عبر عدة طرق: أولها، العلاج بالأدوية الموصوفة من قبل دكتور نفسي (وهذا هو الطريق المألوف للأسف). ثانياً، العلاج عن طريق العلاج السلوكي المعرفي. ثالثاً، عبر الاتصال بالناس والعيش ضمن جماعات محبة ومساندة. رابعاً، العلاج عن طريق إيجاد التناغم وتنظيم النفس عبر أفعال أو أعمال تنظم سلوك الانسان وحياته مثل الكتابة أو الرسم أو المشي أو أي فعل آخر يجعله غير خاضع لآثار صدمته النفسية. تحسن الوضع اليوم عما مضى، أصبح الحديث عن الصحة النفسية أسهل من الحديث عنه قبل عشرين سنة، ولكننا ما زلنا في البداية، وأمامنا الكثير مما يلزم إنجازه وفعله والتحدث عنه حتى نعيش حياة أفضل وأسعد في ظل صحة نفسية متوازنة وسليمة. فلنبدأ الآن.

2559

| 15 مارس 2022

جوهر السعادة

الفكرة التي يقضي الكثير من الناس حياتهم دون معرفتها هي أن السعادة ليست المصب ولا النهاية، هي المنبع والبداية، وأن السعادة ليست وجهة ولا رحلة، هي جزء من الوجهة وجزء من الرحلة. السعادة شعور من جزءين، الجزء الأول يبدأ من داخل الانسان، من قناعته ومن اكتفائه ورضاه بنفسه وبما هو فيه. هذا الجزء من السعادة هو الأول والأهم و الأبقى. هو إحساس الشخص برضاه عن نفسه في عالمه وبين ناسه وبيئته دون سخط على الدنيا والناس والقدر، ودون أن يقارن نفسه بمن هم أفضل منه حالاً أو مالاً أو نسباً أو حسباً. يصل المرء إلى هذا الإحساس عبر استسلامه للواقع وتسليمه لتدبيرات الرب.. فكل انسان وُلد في بيئة ولعائلة لم يخترها، وعليه أن يُسَلِم بذلك، فإن لم تعجبه هذه المسلمات، فليغيرها بلا سخط أو غضب أو عجلة على قدر كُتب قبل أن يُولد من بطن أمه. ففي التسليم بالواقع.. سعادة، وأيضاً في تغيير الواقع بحب.. سعادة، لأن السعادة مكانها القلب، محفوفة بالإيمان.. بل و يمكن اختصارها بالركن السادس من الإيمان في الدين الإسلامي.. الإيمان بالقدر خيره وشره. الجزء الثاني من السعادة، يتمثل في العالم الخارجي.. في انغماس الانسان في عمله الذي يحبه أو أي فعل آخر يحب القيام به، كالرسم أو الكتابة أو الطبخ أو النحت أو ممارسة الرياضة أو قضاء الوقت مع العائلة أو المشاركة في الألعاب أو غيرها من الأفعال التي يستمتع الانسان بالقيام بها. الانغماس بفعل يحبه الانسان، يقيم في داخله شعورا بالمتعة واللذة المتدفقة في عروقه. هذا الإحساس المتدفق، كتب عنه الدكتور ميهالي شكزينتميهالي في كتابه (FLOW) الذي يتناول فيه كيفية عيش كل تجربة إلى حدودها القصوى، وعبر ذلك يحس الانسان بتدفق حلاوة الدنيا في داخله. وتجميع الانسان لأكبر عدد من هذه اللحظات متدفقة المشاعر، يجعل الانسان راضيا و سعيدا بشكل عام في حياته.. لأن هذه هي السعادة.. مجموع لحظات في حياة الانسان لا لحظة نهائية في آخر حياته أو وقت تقاعده. وبين المسافة من لحظات تدفق السعادة وحتى اللحظات التي تتبعها، يحيا الانسان بوقود السعادة التي بداخله وبرضاه عن نفسه وعن حاله حتى يشعر بلحظات السعادة الخارجية. ويستمر تنقله في حياته مرتاحاً بين هذه وتلك، ففي كلٍ منهما، جزء من جوهر السعادة.

3725

| 08 مارس 2022

الفنان الكامن

لطالما آمنت بأن في داخل كل انسان فنانا صغيرا. قد يطلق الانسان العنان للفنان بداخله، فيُنميه ويلهمه ويعلمه ويربيه وينعشه ويقويه، وقد ينساه ويهمله ويهمشه ويتركه أو حتى يعمل على تدميره بشكل متعمد! تشاركني الكاتبة جوليا كاميرون رؤيتي هذه في كتابها طريق الفنان (THE ARTIST’S WAY) الذي تتناول فيه تجربتها في تعليم «إطلاق الإبداع» لمجموعة كبيرة من الطلاب على مدى السنين. وفي دورتها الإبداعية التي جمعتها في كتابها، كانت جوليا تُعلم طلابها كيفية إخراج ما فيهم من إبداع إلى الملأ. فالإبداع موجود في داخل كل انسان، وعليه فقط أن يخرجه إلى العالم. الانسان الراغب في نشر رواية، هو كاتب في الأصل، ولكنه لم يبدأ في كتابة روايته حتى الآن! الانسان الذي يحلم بإخراج فيلم قصير، هو مخرج في الأساس، ولكنه قد يكون لم يتعلم حتى الآن أساسيات الإخراج، أو أنه يخاف أن يصنع فيلما ويفشل!تذكر جوليا في كتابها بعض الطرق التي يستطيع كل انسان استخدامها في إخراج الفنان من داخله. ومن هذه الطرق، صفحات الصباح. وهي ثلاث صفحات-على الأقل-يجب على كل انسان كتابتها في بداية يومه. وفيها يكتب المرء كل ما يخطر على باله حتى يفرغ كل ما في عقله، ويتركه جاهزاً لتوالد الأفكار الفنانة والطاقة الإبداعية. ومن هذه الطرق أيضاً، «مواعيد الفنان». وتقصد جوليا بها، الساعة أو الساعات التي يجب على كل فنان أن يخبئها لنفسه في كل أسبوع. فيذهب مع نفسه إلى السينما، أو يخرج لشرب القهوة أو للمشي في الحديقة أو لسماع الأغاني في السيارة. ويجب أن يكون هذا الموعد محددا في كل أسبوع. وفيه يقضي الفنان بعض الوقت مع نفسه فتتجدد روحه وينتعش فنه. وتُضيف جوليا بأنه على كل فنان أن يجد جماعته ويجلس معهم لمشاركة الأفكار وللإفادة والاستفادة. فيمكن للرسامين مشاركة بعضهم البعض المعلومات حول أنواع الألوان التي يمكن شراؤها، ويكون للبستانيين التباحث حول أفضل طرق الري وأماكن المشاتل في كل مدينة.قصة كل فنان تبدأ مع نفسه، مع كفاحه وإصراره وتحدي نفسه حتى يقوم بالعمل الذي يجعله ينتقل من الحياة مع الفنان المحصور بداخله إلى الفنان القائم بخارجه. ولا أحد يريد أن يحيا حياة ليست له. ولهذا انتقل باسم يوسف من الجراحة إلى الكوميديا، ولهذا هام الطبيب مصطفى محمود بالفلسفة وتثقيف الناس حول الدين والحياة. جميعهم وجدوا الإبداع بداخلهم وشاركوا به العالم. وهذه وظيفة الفنان الأولى والأخيرة.

3590

| 01 مارس 2022

بطُ وبجعات

سأل الناقد جورج براندز، الكاتب والشاعر الدنماركي الكبير هانز كريستان اندرسن ذات مرة عما إذا كان قد فكر في كتابة قصة حياته، فأجابه أندرسن بأنه سبق له أن كتب قصة حياته في "حكاية فرخ البط القبيح". وتدور حكاية فرخ البط القبيح، حول فرخ بط وُلد في مزرعة، فرفضته وتقززت منه وتنمرت عليه بقية البط التي رأت أنه بشع وكبير الحجم، فبدأ فرخ البط رحلته في التنقل بين الحيوانات باحثاً عمن يحبه ويقبله كما هو، فكان الرفض يقابله من كل جهة، حتى خرج من المزرعة، ولكن الحال لم يكن أفضل في العالم الخارجي، فاضطر إلى العيش وحيداً إلى أن كبر وسئم الحياة، وقرر بعدما رأى سرب بجعات جميلة تحط على بحيرة قريبة منه، أن ينضم إليها، فعلى الأقل إن رفضته أو هاجمته ستكون نهايته على يد مخلوقات بديعة. اقترب البط القبيح من البجعات فابتهجت لرؤيته ورحبت به على عكس توقعاته. وتحت تأثير الصدمة، نظر البط إلى انعكاسه على وجه البحيرة، فتفاجأ بأنه بجعة بيضاء جميلة، لقد كان بجعة بيضاء جميلة طوال هذا الوقت دون أن يعي ذلك. ففرد جناحيه وطار مع السرب.. طار مع عائلته الجديدة. لم ولن تكن قصة فرخ البط القبيح قصة هانز كريستان اندرسن وحسب، هي قصة كل إنسان ذبل وكُسر وتعذب بين جماعة لم تحبه ولم تشجعه، هي قصة كل إنسان أخفى فنه أو علمه أو هواياته كيلا ترفضه عائلته أو أصدقائه أو بيئته، هي قصة كل إنسان مختلف ظن أن اختلافه "علة" لا (تفرد) بين أهله وناسه ومن حوله. قرأنا هذه القصة كثيراً وتوجعنا من حدوثها مراراً و تكراراً، ظن البعض بأنهم لم يكونوا أبداً فرخ البط القبيح، لتأتي نهاية حياتهم ويعوا بأنهم كانوا طوال الوقت ذاك البط القبيح الذي لم يكن قبيحاً أبداً ولكنه كان بجعة لم تجد العائلة التي تحبها وتشجعها في حياتها. يحيا البط الوسيم وتحيا البجعات المليحة، فلا وجود لفروخ البط القبيحة، هناك أناس مختلفون عنا وأناس يشبهوننا، هناك أناس سيتقبلوننا كما نحن وأناس سيرفضوننا لأننا نحن، هنالك ناس سيحبوننا ويكونون عائلتنا المختارة التي تشجعنا وتتمنى فوزنا في هذه الدنيا وهناك أناس قد يقفون ضدنا ويكرهون وجودنا، يقع علينا حمل البحث عن عوائلنا وأحبائنا وجماعتنا التي سننمو في ظلهم وبصحبتهم.. فهم من سيساعدوننا على إخراج أجنحتنا ويسعدون بالطيران معنا.

4595

| 22 فبراير 2022

قصة الحذاء الأحمر

يحكي الكاتب هانز كريستان اندرسن قصة فتاة صغيرة، هامت بحذاء أحمر لامع أعجبها أكثر من الحذاء بني اللون التي كانت ترتديه. فاستبدلت حذاءها بالحذاء الأحمر، وخرجت به للعالم. وعندها بدأت الفتاة بالحركة، والرقص.. لساعات.. لأيام.. لأسابيع.. لم تستطع الفتاة التوقف عن الرقص. فرقصت حتى دمت ساقاها وتقرحت. وعرفت بأنها ستموت إن لم تتوقف عن الرقص، فطلبت من حطاب أن يقطع رجليها كي تتوقف. قطع الحطاب رجلي الفتاة، فتوقفت عن الرقص وماتت. هذه القصة الكئيبة والحزينة، هي قصة عاشها وسيعيشها البعض. البعض ممن رفض حياتهم وأغرته حياة أخرى أجمل وأفضل وأسعد من تلك التي عاشها وسيعيشها. البعض ممن انساق وراء خدعة العشب دائماً أكثر اخضراراً في الجانب الآخر من السياج (THE GRASS IS ALWAYS GREENER ON THE OTHER SIDE). فولجوا إلى تلك الحياة "الأجمل" "الأسعد" "الأفضل". أجبروا واقعهم على الوجود في هذه الحياة والتركز فيها. فضغطوا على أنفسهم، وأحرقوا جميع أوراقهم، ولعبوا دوراً ليس بدورهم وعاشوا واقعاً ليس بواقعهم، لا يشبههم ولا يشبهونه. وخلال كل ذلك، فقدوا أنفسهم.. الفتاة لم ترض بحذائها البني المريح. واندفعت خلف الأحمر الأخاذ. واستمتعت به قليلاً. دارت ورقصت به للحظات، ثم أوجعها الرقص والدوران. آلمتها رحلة الحذاء الأحمر. لم تستطع عليها ولم تقدر على التأقلم معها. الحياة عبارة عن مجموعة أحذية. نستطيع اختيار منها ما نشاء من الأحجام والألوان والأشكال. لا بأس إن لم نرض بالأحذية التي اُختيرت لنا أو تلك التي اخترناها ثم غيرنا من رأينا. العبرة في اختيار ما يناسبنا ويناسب بيئتنا سواء أكان ذلك على المستوى القريب أو البعيد. ما نختاره من حياة يجب أن يكون نابعاً من قرار نملكه واقتناعنا به لا قرار اُتخذ بالنيابة عنا و بالرغم عنا، أو قرار غُررنا به! فعندما نختار حياة لا تناسبنا، سنتعب ونهلك وتفرغ طاقتنا في دور كان من المفترض به أن يكملنا لا أن يجعلنا ناقصين من الداخل والخارج! الفتاة في قصة اندرسن، لم تعرف بأن اللون البني قد ينتج عن طريق مزج اللون الأحمر والأخضر.. لم تعرف بأنها كان لها أن ترقص وتسعد في حذاء آخر غير الأحمر اللامع. فلكل شخص خيار واختيار، ولكل انسان دور يلعبه في هذه الحياة، كل ما عليه فعله هو أن يعرف ما دوره وما اختياراته.. قبل أن يختار.

20675

| 15 فبراير 2022

السعادة الحقيقية

يتناول فيلم (BAD THERAPY) قصة عائلة سعيدة عبارة عن زوجين محبين يربيان ابنة شقية بعض الشيء كبقية الأطفال. تُقنع الزوجة نفسها بعد حوارها مع صديقة لها بأنها وزوجها بحاجة إلى الذهاب إلى طبيبة نفسية لحل مشاكل مثل المال وعدم إحساس الزوجة بالاكتفاء في حياتها. يطاوعها زوجها ويذهبان للطبيبة النفسية، ليبدأ بعدها الفيلم وتبدأ معه المشاكل الفعلية!.هذا الفيلم ليس دعوة إلى ترك أو عدم الأخذ بالعلاج النفسي، فالكثير يحتاج ويساعده الطب النفسي، ولكنها دعوة إلى عدم إصلاح غير المكسور كما يقولون! (IF IT AIN’T BROKE, DON’T FIX IT!). وفيه أيضاً رسالة إلى النظر داخل النفس البشرية ومعرفة كوامنها وما يسعدها ويكملها ويُرغبها بالحياة! فالزوجة في الفيلم لم ترغب في تدمير حياتها. كيف لشخص يبحث عن دماره الذاتي أن يذهب إلى طبيب نفسي؟! كل ما أرادته الزوجة هو إضافة عنصر ما لا تعرف كنهه أو حقيقته، ليُكمل حياتها! كانت تريد أن تجعل حياتها الجميلة.. أجمل! وأن تجعل علاقتها الممتازة مع زوجها وابنتها.. أفضل! وفي خضم كل ذلك، نسيت أنها سعيدة، وأنها تملك جميع أسباب السعادة في متناول يدها!. في أحيان كثيرة، تأخذنا الحياة بمشاغلها ومسائلها، فننسى أننا سعداء ومكتفون بحياتنا وأنفسنا. ننسى أننا نعمل في وظيفة نحبها فيما غيرنا مجبور على وظيفة يكرهها. ننسى أن لنا عائلات نبادلهم الحب، وعلى بعد خطوة أو اتصال منا بينما يعيش البعض حياته وحيدا بلا انسان يسمعه أو يساعده في حياته. ننسى أن لنا بيتا يحفظنا بينما يصارع غيرنا يومياً باحثاً عن مأوى أو ملجأ! ننسى أننا سعداء قائمون جالسون بصحة يفتقدها غيرنا! ننسى أننا نعيش حياة سعيدة تكفينا ولا ينقصها شيء! جميعنا عرضة لأن ننسى كم هي ثرية حياتنا بصحتنا وعوائلنا ووظائفنا التي نحبها وتعيلنا، ولكن الأهم من ذلك ألا نجحد ما نحن فيه من نعم عندما نشعر بنقص في حياتنا في لحظات شحيحة نشعر بأنها تدوم عمراً! كأن نشعر بأننا محبطون عندما تمر العطلة الصيفية دون أن نستطيع السفر لعدم تمكننا من أخذ إجازة من العمل! أو أن نشعر بأننا بائسون عندما نشتري سيارة على قد حالنا بدلا من شراء سيارة الأحلام! استسلامنا لهذه اللحظات الصغيرة المارة في حياتنا قد يقلب دنيانا السعيدة إلى دنيا تعيسة دون أن نشعر! وننسى بالفعل إن كانت تعاستنا حقيقية أم لا!. السعادة الحقيقية تكمن في داخلنا. في اكتفائنا بأنفسنا وحياتنا، أما التعاسة الحقيقية فهي امتلاك كل شيء، وعدم الاكتفاء رغم ذلك! والخيار لنا في النهاية بين هذه وتلك.

6006

| 08 فبراير 2022

اهتداءات

نقرأ لنتعلم ولنهتدِ ولنتثقف ولنخرج من تحت جلدنا إلى مكان أوسع وأجمل، به نكون ما نريد أو مالا نريد! نسأل لنأخذ الرأي ولنفهم ولنبحث ولنسمع من غيرنا ما لم تقله قلوبنا أو ما همست به عقولنا ورفضناه! نمارس الرياضة كي نُريح أنفسنا من العضو الوحيد من أجسادنا الذي يتحرك بلا رياضة.. عقلنا! نعمل كي نغذي جيوبنا وعوائلنا وغرورنا.. ملاحقين المال والسمعة والنفوذ.. مُفنين أعمارنا في محاولة إثبات قيمتنا لأناس نعرفهم وأناس لا نعرفهم! نبحث عن المال لأننا نرى صور السعادة التي يمكن شراؤها في انستجرام، ونبحث عن النفوذ لأننا نقرأ أسماء المشاهير في الصحف اليومية، ونبحث عن السمعة لأن.. «الصيت ولا الغنى»! ننام كي نرتاح من واقعنا السعيد والحزين. لا تصدقوا من يقول بأن السعيد لا ينام، فالبديل عن النوم هو الجنون! نكبر لأن ما يجري حولنا لا يمكن لطفل أن يتحمله أو لشاب أن يتجمل أمامه. نشيخ لأن الدنيا لا تقبل الوقوف بالزمن ولا المكان، ولهذا تتعرى الجبال وتُزهر الأنهار! نكتب لأن البوح للورق أسهل وأخف علينا من التلميح بآلامنا لإنسان قد يفهم ومن ثم يتجاهل ما فهمه لئلا يعكر مزاجه ويثقل لسانه ببضع عبارات مواساة! نرسم لأن الدنيا أجمل على القماش. ونلون القماش كي نصبح نحن أجمل ما الدنيا! نحب لأن هذه هي فطرتنا وما خُلقنا من أجله. ألم يُخلق آدم ليعبد الله ويحبه؟ نسافر لنفارق ولنجتمع مع أحبتنا أو مع أنفسنا.. ففي تغيير المكان انتعاش للعقل وهدوء ومراجعة للنفس. نلعب كيلا يبتلعنا ثقل الوجود اليومي. نهتم لأن عدم الاكتراث يعني عدم الحياة.. وعدم الموت أيضاً! نداوي لأننا تعبين ونعرف أثر الجرح أكثر من المجروحين! نغني كي يعلو صوتنا على نشاز الدنيا، وندوزن آلاتنا الموسيقية كي نشعر ببعض السيطرة حول ما يجري حولنا، فلربما حرف دو يجعل غداً أهون، ولربما حرف صول يجعل ما بعد الغد أيسر أكثر وأكثر! نرقص لأن الرقص أكثر فعل يعبر عن الحياة، و يجذب أجمل ما فيها، ولأننا بلا الرقص والموسيقا، كتل جامدة، لن تقبل بنا سوى متاحف العقل المملة! نتعبّد لئلا يكون كل هذا بلا سبب!

6140

| 01 فبراير 2022

سنوات الكورونا

في ٢٠٢٠، توقف العالم.. حرفياً.. بسبب مرض كورونا (كوفيدـ١٩). أُغلقت المطاعم والمقاهي والمدارس. حطت الطائرات. خلت الشوارع من الناس والسيارات المتحركة. أُلغيت البطولات والمسابقات. عُلق تصوير الأفلام والمسلسلات. ازدحمت المستشفيات. مرض البعض وتوفي البعض الآخر. توقف الناس عن الحركة، وعُطلت الأعمال إلى درجة صدور تقارير بانخفاض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون واستعادة الطبيعة لبعض عافيتها!. ولم تكن سنة ٢٠٢١، مختلفة كثيراً عن سابقتها سوى في تقليل عدد الإغلاقات العامة في المدن وتوزيع لقاح كورونا. كانت الأيام سواء في ٢٠٢٠ وفي ٢٠٢١، هذا ما أكدت عليه أفلام نيتفلكس الساخرة (DEATH TO 2020) و(DEATH TO 2021). وما لا نستطيع الضحك عليه، هو تأثيرات هذه الأعوام علينا، ومنها نشر دراسة في (JOURNAL OF CLINICAL MEDICINE) بسبتمبر ٢٠٢١، تُفيد بتراجع كبير في عمل ذاكرة الانسان خلال جائحة كورونا. وكان السبب هو تشابه الأيام بالنسبة لنا خلال السنتين الماضيتين مما أضعف الذاكرة. وذاكرة الانسان وفق كتاب (خطايا الذاكرة السبع) للكاتب دانيال شاكتر، تحتاج إلى التفرقة بين الأيام كي تتم تقوية الذاكرة وتحفيزها. ها نحن وصلنا بأعجوبة إلى عام ٢٠٢٢. مما يدعونا إلى الرجوع إلى ما قبلها، كي نحرص على أن يكون هذا العام مختلفا عما سبقه. ويكون ذلك بفهم سنة ٢٠٢٠ أولاً. السنة التي خسر فيها البعض أناسا يبادلونهم الحب. وفقد فيها البعض عمله. وكان فيها من بدأ عملاً خاصاً به ونجح في ذلك. وكان فيها من اكتشف هوايات عجيبة، أو تعرف على أصدقاء جدد. سنة ٢٠٢٠، كانت سنة التعلم لنا جميعاً. أتت بعدها سنة ٢٠٢١، سنة التطبيق. حاولنا فيها أن نطبق ما تعلمناه خلال ٢٠٢٠، من ممارسة أعمالنا أو اهتماماتنا الحديثة، وحتى المحافظة على سلامتنا النفسية وعلاقاتنا الاجتماعية. فلتكن ٢٠٢٢ إذاً، سنة التخطي والتأقلم. فلنستمر في تطبيق ما تعلمناه في ٢٠٢٠، ولنحاول التأقلم مع العالم الجديد من حولنا، بكل أوضاعه وقوانينه الجديدة، وتغييراتنا الشخصية. فالعالم الآن يتجه إلى محاولة التأقلم مع مرض كورونا واعتباره كالانفلونزا الموسمية مع الحفاظ على أخذ الاحتياطات والإجراءات الاحترازية منه. انتهت سنة ٢٠٢٠ وسنة ٢٠٢١، وسينتهي عام ٢٠٢٢ دون أن نشعر. كل ما علينا فعله هو ألا نجعل ٢٠٢٢ عاماً مشابهاً لما سبقه، وأن نطبق ما تعلمناه خلال محنتنا العالمية، وأن نحاول تخطي ما عشناه والتكيّف في العام الجديد!.

6995

| 25 يناير 2022

كما نحن

نحن، جيل التسعينات، ممن قضى طفولته متابعاً لأفلام هوليود، كنا، بناتاً وأولاداً، نشاهد سندريلا وباتمان، وشاهدنا في مراهقتنا (TWILIGHIT) و(DIE HARD)، وفي شبابنا التصقنا بالشاشات، لنشاهد (TITANIC) و(THE NOTEBOOK) و(MISSION IMPOSSIBLE). شاهدنا كيف يكون أبطال الأفلام جميلين وبأبهى الصور ودائماً بيض البشرة. وكيف تفوز البطلة بقلب البطل بحسنها وفطنتها. وكيف يسلب البطل عقل البطلة بقوته وأمواله الكثيرة. وكيف يتغلبون على أقسى الظروف وإن تكالب الناس عليهم ووقف العالم في وجههم. شاهدنا كل ذلك وصدقناه، حتى عندما يبتلع جسد البطل عشرات الرصاصات ويحيا! وعندما تفقد البطلة ذاكرتها، وتسترجعها، فتعود لحضن حبيبها!. كبرنا على هذه الأفلام، وحلمنا أن نصبح مثل هؤلاء الأبطال، جميلين، رشيقين، أغنياء، ممتعين، سعيدين، خفيفي الظل، مميزين ومختلفين! المضحك في الأمر هو أن معظم هؤلاء الممثلين والممثلات، يتشابهون في الأشكال والأفعال والأقوال والأفكار. كيف إذاً انخدعنا بتميزهم وتفردهم وجميع الممثلين والممثلات سواء؟. أعود بذاكرتي إلى هذه الأفلام وحتى بعض المسلسلات وأتعجب كيف أنها رسمت لجيل كامل وجهاً واحداً وجسداً مثالياً ومستقبلا باهرا وواقعا غنيا وعائلة محبة وأصدقاء لا محدودين، يجب على الانسان أن يملكهم ليسعد في حياته! وبالتالي يكون أي نقص في هذا الخيال - الواجب تحوله إلى واقع - يعني فشل الانسان وإخفاقه! شهدنا في العشر سنوات الماضية تحولاً كبيراً في مسلسلات وأفلام هوليود. صعدت خلالها أسماء عظيمة مثل AVA DUVERNAY و SHONDA RHIMES. وصلتنا عبرهن قصص الأميرات اللواتي لم يحتجن إلى إنقاذ. وقصص الرجال الباحثين عن هدف أسمى في الحياة غير المال والصيت والقوة. رأينا على الشاشة أخيراً، أناساً يشبهوننا في الشخصية والجمال واللون والوزن والطول. بل وأحببناهم! وأكد ذلك تقريرUCLA الذي وجد أن الأفلام ذات طاقم الممثلين المنوعين بالعرق واللون وغيره، يتابعونها مشاهدون أكثر من الأفلام ذات الطاقم غير المنوع! الانسان يميل إلى ما يشبهه، إلى ما يمثله، إلى ما يدله على حقيقته، لا ما يحاول تغيير حقيقته، وإن كان بلا قصد!. في النهاية تُصنع الأفلام لتؤثر إيجابياً على الناس، لا لتوهمهم أو تزرع فكرة مثالية في رأسهم حول ما يجب أن تكون أشكالهم وما يجب أن يصبحوا عليه. نحن خُلقنا لنكون كما نحن، لا لنكون الحسناء أو الوسيم الذي اختاره منتج هذا الفيلم أو ذاك!.

7142

| 18 يناير 2022

كيف تعيش لعمر المائة؟

لطالما بحث العلماء وسُحر الأدباء بموضوع العمر السعيد المديد، ومن منا لا يشتهي عمراً أبدياً يصيب ويخطئ فيه، حتى يُتاح له تصحيح أخطائه والوصول إلى كامل إمكانياته؟، هذا كان موضوع بحث الكاتب الأمريكي دان بويتنر في كتابه (حل المناطق الزرقاء)، الذي تحدث فيه عن خمس مناطق في العالم تتركز فيها مجموعات كبيرة ممن تزيد أعمارهم على التسعين عاماً، يعيشونها بهمة ورضا، وكأنهم شباب بلا أمراض مزمنة ومنهكة،هذه المناطق هي آيكاريا في اليونان، وآوكيناوا في اليابان وأوقلياسترا في سردينيا ولوما لندا في كاليفورنيا وشبه جزيرة نيقويا في كوستاريكا. يعيش الناس في هذه المناطق عمراً سعيداً وطويلاً وفق ما رآه دان بويتنر وفريق البحث الذي صاحبه في رحلاته إلى هذه المناطق من العالم، وقد لاحظوا عوامل مشتركة فيما بينهم، تزيد من عمرهم وعمر سعادتهم. أولها هي الحركة، يشترك المعمرون فيما بينهم بأنهم يتحركون طوال الوقت، يتنقلون بالمشي لا السيارات ووسائل المواصلات العامة، يطبخون طعامهم، يصلحون ما يقدرون عليه بأيديهم، يزرعون حدائقهم.. وهكذا.. يقومون بكل شيء بأنفسهم دون أن يعتمدوا على غيرهم أو على الآلات. ثانياً، لحياتهم معنى، أي ما يسميه اليابانيون بالإيكيغاي. يستيقظون الصباح لسبب معين، إما الاهتمام بعائلتهم أو أصدقائهم أو الذهاب لعمل يحبونه أو للقيام بهواية تسعدهم، وتضيف البهجة لحياتهم. ثالثاً، تخفيف توتر وأعباء الحياة عبر الانفصال عن الواقع يومياً، إما عبر الصلاة أو الخروج مع الأصدقاء أو أخذ قيلولة بعد العمل. رابعاً، الأكل الصحي، جميعهم يأكلون طعاماً من بيئتهم ويعتمدون على الخضراوات والفواكه في حميتهم الغذائية، تاركين اللحوم للمناسبات الاجتماعية، بالإضافة إلى تبنيهم لقاعدة الأكل حتى تمتلئ ٨٠ ٪ من مساحة المعدة فقط، وتركهم لباقي ٢٠٪ من المعدة خالية. أخيراً، جميع المعمرين غير وحيدين، إما لديهم عائلة تحبهم وتهتم بهم ويهتمون بها، أو لديهم أصدقاء يبادلونهم العناية والاهتمام، وقد أثبتت الكثير من الدراسات العلمية أن الإنسان الذي يمتلك علاقات اجتماعية صحيّة - العبرة بنوعية العلاقات لا عددها - يعيش لمدة أطول من الإنسان الذي يعيش لوحده وبوحده. أسباب العمر الطويل والسعيد ليست مستحيلة، ونستطيع تبنيها على مستوى الدول والمدن كما تم النجاح في تبنيها في أماكن أخرى حول العالم مثل منطقة شمال كاريليا في فنلندا، والتي كانت فيما مضى مركزاً لأعلى نسبة أمراض قلب في العالم، ومن بعد جهد وعمل خمس سنوات في محاولة تغيير حياة الناس هناك، نزلت نسبة الموت بالسكتة القلبية بين الرجال بمقدار ٢٥ ٪، ونسبة الموت بسرطان الرئة بقدر ١٠ ٪، وتشجع بقية الفنلنديين هذه التغييرات، فارتفع متوسط عمر الفنلنديين بشكل عام بما يقارب عشر سنوات. هذه التغييرات ليست عصيبة على مستوى الأفراد أيضاً، كل ما علينا فعله هو أن نولي حياتنا اهتماماً أكبر، وأن نهتم بتفاصيلها.. ابتداء بكم حركتنا وجودة غذائنا ونوعية علاقاتنا.. عندها سنعيش عمراً أسعد وأطول بكامل قوانا العقلية والجسدية، ومن يستطيع القول إننا لا يمكننا الوصول لقمة المائة؟.

7696

| 11 يناير 2022

alsharq
بائع متجول

يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن...

6120

| 26 سبتمبر 2025

alsharq
في وداع لطيفة

هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات...

4479

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
الكلمات قد تخدع.. لكن الجسد يفضح

في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه،...

3342

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
الفن ضد الدمار

تواجه المجتمعات الخارجة من النزاعات المسلحة تحديات متعددة،...

1605

| 26 سبتمبر 2025

alsharq
ماذا يعني سقوط الفاشر السودانية بيد قوات الدعم السريع؟

بعض الجراح تُنسي غيرها، ليس بالضرورة أن تكون...

1332

| 28 سبتمبر 2025

alsharq
فلسطين والكيان والأمم المتحدة

أُنّشِئت الأمم المتحدة في العام ١٩٤٥م بعد الحرب...

1197

| 28 سبتمبر 2025

alsharq
حين يُستَبدل ميزان الحق بمقام الأشخاص

‏من أخطر ما يُبتلى به التفكير البشري أن...

1059

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
استيراد المعرفة المعلبة... ضبط البوصلة المحلية على عاتق من؟

في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ...

987

| 02 أكتوبر 2025

alsharq
إعطاء من لا يملك لمن لا يستحق

منذ أكثر من مائة عام ارتُكبت واحدة من...

873

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
النسيان نعمة أم نقمة؟

في لحظة صفاء مع النفس، يطلّ النسيان عليَّ...

828

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
تعلّم كيف تقول لا دون أن تفقد نفسك

كم مرة قلت «نعم» في العمل بينما في...

654

| 02 أكتوبر 2025

alsharq
خطاب عربي يكسر الصمت العالمي!

لم تكن كلمة سموّ الأمير تميم بن حمد...

630

| 26 سبتمبر 2025

أخبار محلية