رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

طوفان الأقصى... رسالة سلام وسط أمواج الدماء!

يتغافل الذين لا يملكون ذرة من ضمير وإنسانية عن التاريخ الأسود للجرائم الصهيونية في فلسطين وسوريا ولبنان وبقية المناطق التي دارت فيها معارك العرب القاسية مع الصهاينة. ويتباكى المتغافلون، في ذات الوقت، على أي خسائر تُصيب الصهاينة حينما يحاول الفلسطينيون إثبات وجودهم والدفاع عن حقوقهم الشرعية والإنسانية بالأرض والحياة! ومن منطلق الحقوق الإنسانية والتاريخية يحاول ثُلة من الفلسطينيين إيصال صوتهم لعَالَم مليء بالتناقضات، ومن هذا المنطلق نفذت فصائل المقاومة الفلسطينية عملية «طوفان الأقصى» النموذجية والمفاجئة. انطلقت عملية الطوفان بإطلاق (5000) صاروخ دفعة واحدة من قطاع غزة وبشكل مفاجئ ومباغت على الأراضي المحتلة يوم السابع من تشرين الأول/‏ أكتوبر 2023، الذي سيخلده التاريخ ضمن أيام المقاومة العالمية الخالدة، ولقد أثبتت العملية، أيضا، أكذوبة القبة الحديدية التي يتغنى بها الصهاينة! وأعقب الضربات الصاروخية اقتحام مئات المقاومين لمناطق (غلاف غزة) عبر اقتحامات برية وجوية وبحرية، وسيطروا على ثلاث مدن محتلة منذ العام 1948 في عملية وصفها جيش الاحتلال بأنها لا تشبه أي مواجهات سابقة مع الفصائل الفلسطينية! ومَن يتابع العملية ينبغي عليه الوقوف عند توقيتها الدقيق، الذي وقع فجرا وبأجواء ضبابية، وفي يوم السبت الذي يعتبر من أيام التعطيل اليهودية! وأجبرت العملية رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو للقول: «نحن في حالة حرب، وحماس أطلقت هجوما كبيرا قاتلا ومفاجئا ضد إسرائيل»! وقد اعترفت الصحف «الإسرائيلية» بأن ما حدث «فشل ذريع على المستويات العسكرية والاستخبارية والسياسية الإسرائيلية! وهناك فشل غير مسبوق لا يمكن وصفه وشرحه»! ودفعت «طوفان الأقصى» وزير الأمن القومي «الإسرائيلي» إيتمار بن غفير لإعلان حالة الطوارئ المدنية في كافة الأراضي المحتلة! ولقد تمخض عن العملية مقتل ما لا يقل 1200 «إسرائيلي» وجرح أكثر من 3000 آخرين، وأُسِر خلالها العشرات من الصهاينة، ومن بين القتلى والأسرى العديد من كبار قادة وضباط الجيش والأمن. وقد ارتكبت قوات الاحتلال بالمقابل جرائم انتقامية بشعة بأربعة آلاف طن من المتفجرات بحق المدنيين العزل في غزة، وخلف عدوانها 1450 شهيدا، وإصابة 6049 آخرين، غالبيتهم العظمى من النساء والأطفال وفقا لإحصائية الصحة الفلسطينية، ونزوح نصف مليون مواطن، ورغم ذلك رأينا تجاهلا عالميا شبه تام للهجمات الصهيونية الهمجية! لقد كشف الطوفان الفلسطيني عن الوجه الحقيقي لغالبية دول الغرب التي ناصرت «الإسرائيليين»، وخذلت الفلسطينيين في دلالة على ازدواجية معاييرهم «الإنسانية»! إن المقاومة الفلسطينية قلبت المواجهة إلى حرب شوارع بالداخل الصهيوني في عملية أذهلت الصهاينة وأنصارهم، رغم أن الجيش «الإسرائيلي» هو العاشر بالتصنيف العالمي بحسب تقرير «يو إس نيوز» للعام 2022. وحقيقة فإن تاريخ النضال العربي الصهيوني لم يشهد مثل عملية الطوفان، وهذا يؤكد الإصرار الفلسطيني على تحرير أرضهم المحتلة رغم تجاهل غالبية الدول لقضيتهم العادلة! ومَن يُدقق في عملية «الطوفان» النوعية لرجال المقاومة يجزم بأن المدرسة الفلسطينية وَلاَّدَة بالرجال الذين يمتلكون العقول النادرة، والشجاعة المذهلة التي كَسَرت أسطورة جيش «إسرائيل» الذي لا يُهزم! ‏طوفان الأقصى، وفقا للمنطق العسكري، يعتبر أكبر انتكاسة وهزيمة عملية ومعنوية ونفسية «لإسرائيل» منذ أربعينيات القرن الماضي وحتى اليوم، وهذا هو النصر الحقيقي! وطوفان الأقصى صرخة سلام فلسطينية للعالم الذي يتجاهل حقوقهم، ويبارك «لإسرائيل» قتلهم بحُجة أنهم من «الإرهابيين»، ويفترض بالمجتمع الدولي إعادة النظر في تغافله وتجاهله لحقوق الفلسطينيين. لقد أثبتت ملحمة «طوفان الأقصى» أن الفلسطينيين لا يلتفتون للمُثبطين والمُتخاذلين، وهم رجال يعشقون الشهادة حُبّا بأرضهم ومقدساتهم ومقدسات المسلمين.

1149

| 14 أكتوبر 2023

الكتاب بين الدولة والمجتمع

الكتاب هو المصباح الذي يُنير طريق الإنسانية للوصول إلى قمم النجاح والإبداع والبناء والعطاء والخير والسعادة، وهو من أبرز أدوات القوة للدولة والإنسان. ويُساهم الكتاب مساهمة كبيرة في تنمية عموم الحياة ليس في الجوانب الفكرية للإنسان فحسب بل يُطور الجوانب السياسية والصحية والنفسية والمهنية والإبداعية والرياضية والاستهلاكية، ولهذا فالكتاب هو الحياة، ولا يمكن تصور تطور أي مجتمع وفي ذات الوقت تسعى كيانات معينة فيه للتقليل من قيمة القراءة والكتاب. ولهذا نجد الدول الحكيمة تعتني بالمكتبات العامة حتى في أصغر الأحياء السكنية، وتوفر الكتب في مكتبات ثابتة ومتنقلة وبأسعار شبه مجانية، وتنظم الفعاليات المشجعة على القراءة لبناء الإنسان، وحينما يُبنى الإنسان فكريا وعقليا ستعود ثماره على المجتمع عبر العمل الإيجابي، والالتزام بالأنظمة والقوانين وغيرها من السلوكيات الإيجابية المليئة بالتحضر والوعي. واقعياً هنالك إحصائيات مُحْبِطة تتعلق بمعدلات قراءة الفرد العربي، حيث تؤكد تقارير «التنمية الثقافية العربية» أنها ست دقائق فقط، وكذلك هنالك تقارير تؤكد أن العربي يقرأ أكثر من 35 ساعة سنويا، وهذه النسبة معقولة، وترد على مَن يَدّعون بأن متوسط معدل قراءة العربي لا يتعدى رُبع صفحة سنويا!. وبعيدا عن هذه الإحصائيات يفترض بنا الاهتمام بالقراءة ودعمها، لأن العالم اليوم يُصارع بعضه بالعلوم المتنوعة، والأمة المتميزة هي التي تَجني ثمار تلك العلوم قبل غيرها. والاهتمام بالقراءة لا يعني شراء المكتبات المنزلية الفخمة، وحشوها بآلاف الكتب المغلفة بعناية مذهلة ضمن ظاهرة الترف والتباهي الفارغ، وإنما المقصود كيف نشتري الكتب ونقرأها، ونستخرج منها أهم الثمار تماما مثل الصائغ الماهر الذي يعرف كيف يَخْتَبر سبائك الذهب ويَتفنن بصنعها ليستخرج منها أروع الحُلي. وتقوم القراءة المثمرة على التخطيط النوعي والزمني، وقد يكون معدل قراءة 70 صفحة يوميا من المعدلات الجيدة التي يمكن السيطرة عليها والوفاء بها في غالبية الظروف المحيطة بالإنسان، وبالذات في عصرنا المليء بالمشاغل وتراجع الرغبة في القراءة الطويلة والعلمية والتخصصية، وبالمحصلة نحصل على قراءة منظمة وليست عشوائية. ويمكن الاعتماد حاليا على المكتبات الإلكترونية المتوافرة بالشبكة العنكبوتية (الإنترنت) لتحميل الكتب بسهولة، وهي مجانية، وتضم غالبية الكتب الحديثة والقديمة. إن ذكر القراءة من ضمن الهوايات من المآسي الإنسانية للمجتمعات لأن القراءة ليست هواية، بل القراءة الصحيحة والعلمية والمنظمة هي السبيل الآمن للنجاح وتطوير الذات وبناء الدولة والمجتمع. ومن المؤلم حقا أننا صرنا أمام أجيال غالبيتهم لا ينتمون إلى الكتاب، وربما، جُلّ اهتمامهم هو إنهاء المرحلة الجامعية بالطرق العلمية وغير العلمية، وبعدها ينشغلون بحياة الترف والأهواء بعيدا عن البرامج الهادفة لبناء الفكر الإنساني، وتنمية وتطوير الذات وصولا لمرحلة الإنتاج، والخدمة الحقيقية للوطن. إن الميزان بين الدول التي تهتم بالعمران ولا تهتم ببناء الإنسان تماما مثل الدول التي تشتري أرقى الأجهزة الطبية لمستشفياتها ولكنها لا تمتلك أطباء وخبراء يمكنهم استخدام تلك الأجهزة ونفع الناس بها!. ويمكن القول إنه إن كانت رياضتا المشي والسباحة وغيرهما من الهوايات مفيدة لصحة جسم الإنسان فإن القراءة هي رياضة العقل والفكر، وتساهم في زراعة الثقة بالنفس وعلاج التوتر العصبي وغيره من ضغوطات الحياة المادية المعاصرة وفقا لعدة دراسات علمية في هذا المضمار. ولا ننسى دور الدولة (المدرسة) والأسرة في تنمية فكرة حُبّ القراءة لدى الأطفال حتى تنمو معهم هذه العادة الإيجابية المنتجة. لنركب سفينة الحضارة بالقراءة، والاهتمام بالكتاب والمكتبات الثابتة والمتنقلة والكتب الشعبية الرخيصة، من أجل حاضر مزدهر، وغد أجمل لنهتم بالكتاب والقراءة.

561

| 07 أكتوبر 2023

عرس عراقي ينقلب إلى مأتم!

بعد أن أتممت مقالي لصحيفة الشرق القطرية الغراء، أجبرت على تغييره لبثّ بعض الألم في مقال يتلاءم مع حادثة مؤجعة وقعت بمحافظة نينوى (الموصل) شمالي العراق! بدايات أنباء الفاجعة وصلت لمواقع التواصل الاجتماعي قبل منتصف ليلة الثلاثاء الماضي، 26/09/2023، وخلال بضع دقائق كشفت الأخبار المتوالية والمزعجة من قضاء الحمدانية بالموصل احتراق قاعة للمناسبات خلال احتفالية للزواج. مأساة إنسانية بمعنى الكلمة حينما تنقلب أفراح الأعراس إلى نكبة (ملتهبة) تزهق أرواح العشرات، وتُحطم المئات وهم في قمة الفرح والسعادة. وقد أكدت مديرية صحة المحافظة، بعد ساعات، مقتل 100 شخص، وإصابة أكثر من 200 آخرين غالبيتهم حروقهم شديدة. لقد اعتاد الناس على الاحتفال بالمناسبات الجميلة بعفوية كبيرة، ولكن كيف نُفسر إصرار بعض «المُتهورين» على نشر الفوضى والموت في الأماكن المخصصة للاحتفالات والأفراح؟ وهذه الحوادث تدفعنا للحديث عن بعض العادات المجتمعية القاتلة، ومنها السلوكيات المرافقة لبعض مواكب الزفاف التي لا تلتزم بأنظمة السير، وتنقلب إلى (سيارات سباق) وليس لمجرد موكب للفرح والسرور، وتقلب الفرحة إلى مأساة. ومن العادات القاتلة الأخرى الإصرار على استخدام العيارات النارية، وبأسلحة متوسطة وخفيفة، أثناء الاحتفالات المختلفة وبين جموع المهنئين، وكأن صاحب الدعوة ومَن معه من المستخفين بأرواح المدعوين قد أعلنوا الحرب ضد المجتمع. وقد اعتاد العراقيون على إطلاق النيران العشوائية في غالبية مناسباتهم في عُرف شرس لا ندري من أي «حضارة» وصل إلينا. وسبق لوزارة الصحة العراقية التأكيد أن إطلاق النار العشوائي بالمناسبات تسبب بوقوع أكثر من 60 قتيلًا وعشرات الجرحى خلال عام 2022، وهكذا الحال بالأعوام السابقة. ومن بين العادات المرهقة استخدام الألعاب النارية في الأماكن المغلقة والخيام، كما حصل في الحمدانية، وهذا تلاعب بسلامة الناس ولا علاقة له بالبهجة والسرور. إن المقاطع الأولية لحادثة الحمدانية تُظهر كأن بركانًا ثائرًا يرمي بحممه على الحاضرين، وتُثْبِت استخدام مواد سريعة الاشتعال في بناء القاعة، وإلا لا يمكن تصور انتشار النيران بهذه السرعة المذهلة، والتي لم يتمكن معها غالبية الحضور من الخروج للشارع العام، الذي يبعد عنهم بضعة أمتار، وفي بناية بسيطة خالية من التعقيدات الهندسية. وأظهرت صور ما بعد الحادثة أن (القاعة) تحولت لأكوام حديد ضخمة، وهذا يؤكد أنها مجرد خيمة ثابتة رُتبت لتكون قاعة للاحتفالات بعيدًا عن شروط السلامة، وأبسطها منظومات الإنذار والإطفاء ومخارج الطوارئ. فهل مثل هكذا (قاعة/ خيمة) صالحة لمناسبات تُستخدم فيها، عادة، الشموع والألعاب النارية، وسقفها من ألواح (الآيكوبوند) سريعة الاشتعال، وفقًا للدفاع المدني؟ وقد أكد أحد الناجين، وهو يتحدث عن والدته المفقودة وحاملًا لبقايا ثوبها المحترق، بأن سقف القاعة التهمته النيران في أقل من دقيقة واحدة فقط. فيما أكد آخرون تَفْحُّم غالبية جثث الضحايا! وفتحت الداخلية تحقيقا بالحادث، وأصدرت أوامر قبض بحق تسعة أشخاص بينهم أصحاب القاعة، والأنباء تؤكد فرار بعضهم لجهات مجهولة، والقبض على آخرين. فهل مسؤولية الحادث تقع على الحكومة المحلية أم أصحاب القاعة أم على العابثين بالسلامة من المدعوين؟ إن المسؤولية تقع بالدرجة الأولى على الدفاع المدني والدوائر البلدية بالمحافظة التي أجازت القاعة، ولم تتابع إجراءات السلامة العامة. وبعيدا عن الجهات المسؤولة عن الحادثة يفترض سَن قوانين تُجرم هذه العادات، وتُوقِع على مرتكبيها عقوبات رادعة، وكذلك تطبيق شروط السلامة عند الترخيص للأماكن العامة، ومكافحة الفساد الإداري بحزم حتى لا نكون ثانية أمام مجازر إنسانية تقلب مناسبات الحياة والسعادة إلى مواقف مليئة بالموت والتعاسة.

753

| 30 سبتمبر 2023

الدولة الرسمية والدولة العميقة!

يؤكد علماء الاجتماع والسياسة أن مفهوم (الدولة) من أهم محاور العلوم الاجتماعية بوجه عام، والعلوم السياسية بوجه خاص. وخلال العقود الأخيرة لم يعد الحديث في السياسة والإعلام عن الدولة الظاهرة (العلنية) فقط، وصرنا نسمع بمصطلح الدولة العميقة (الخفية، السرية، الظل). ويقصد بالدولة العميقة (Deep State) وفقا للموسوعة السياسية الدولة غير المرئية والسرية والموازية للحكومة العلنية الشرعية. وبخصوص نشأة مفهوم الدولة العميقة هناك من يدعي بأنه ظهر في عشرينيات القرن الماضي، وهذه الفرضية لا يمكن التسليم بها، لأن كتب التاريخ والسياسة مليئة باللوبيات والجماعات السرية الضاغطة على المفاصل الحيوية لبعض الدول القديمة والحديثة. ورغم أن غالبية تعاريف الدولة العميقة تؤكد أنها تحالفات سرية تتحكم ببعض الدول، ولكن، واقعيا، هنالك العديد من التحالفات العلنية السياسية والاقتصادية التي تحكمت، وتتحكم، في إدارة بعض الدول. وتأتي قوة الكيانات الخفية من قدراتها المالية وعلاقاتها المتشابكة مع أصحاب القرار، وتغولها ببعض الكيانات المدنية والعسكرية والقضائية والتجارية والعشائرية. وليس بالضرورة أن تكون دولة الظل «مدنية» فقد تكون «مسلحة»، وتحتمي بسلاح الدولة الرسمية عبر أذرعها الخاصة وعملائها. ويستخدم رجال الدولة العميقة كذلك المناصب والترغيب والترهيب والعنف، والطرق القانونية وغير القانونية كأدوات لتنفيذ مخططاتهم وصفقاتهم. وحينما تتعارض مصلحة الدولة العميقة مع مصالح الدولة الرسمية يحاول عناصر دولة الظل نشر الفوضى والتخريب لإرباك البلاد. والغريب أن هنالك بعض «الدول» السقيمة لا يمكنها فرض شخصيتها بالمؤسسات الرسمية وبالمقابل نجد أن الدولة العميقة فاعلة وحيوية وتتحكم بمؤسسات الدولة الرسمية الهشة. وهذا يعني أن هذه القوى غير الظاهرة أقوى من القوة الظاهرة (الدولة الرسمية) أحيانا، وقادرة على تنفيذ غالبية مشاريعها بعيدا عن المساءلة والإعلام والأضواء. ولا يمكن تصور دولة رسمية قوية تتغول فيها الدولة العميقة، وبهذا فإن الدول الرصينة لا مكان في ربوعها لدولة الظل، والدول المريضة تمتاز بتغلب الدولة العميقة الخفية على الدولة الرسمية الظاهرة. والتجارب أظهرت أن جماعات دولة الظل لا يمكنهم العيش إلا في أجواء الفتن والحروب والفوضى لأنها البيئة الأنسب لتسويق مشاريعهم التخريبية، وهم حريصون بشدة على نشر الفوضى الأمنية والإدارية والأخلاقية والاقتصادية. ويبدو أن الدولة العميقة «الحديثة» لم تقف عند السياسة والاقتصاد بل دخلت في عدة مجالات وفي مقدمتها الإعلام حيث ساهمت في تلميع صور السياسيين والإعلاميين الذين يسيرون في ركبها وتشويهها لسمعة من يخالفها، وبهذا فإن الدولة العميقة صورة منمقة للفساد الإداري والمالي العالمي. وربما يتبادر إلى ذهن سؤال واقعي ونادر، ألا وهو: هل الدولة العميقة تعمل ضد مصلحة الوطن دائما وتتصف بالصفات السلبية؟ أظن أن بعض تجارب الدول القديمة والحديثة تؤكد بأن هنالك عدة (دول عميقة) هي الداعم الأبرز والمساند الأقوى للدولة الرسمية، وبالذات في الظروف غير الطبيعة ولهذا ربما تكون بعض تجارب حكومات الظل ناجعة وخادمة لسياسات الدولة الداخلية والخارجية. وهذا يعني أن بعض الدول رتبت (دولة ظل) مساندة لها أمام (الدولة الخفية) المعارضة لها، وهذه السياسات تقع في ميادين الحرب والحرب المضادة والحرب النفسية. إن الدولة السليمة هي القادرة على فرض شخصيتها، وتطبيق قراراتها بالأدوات المناسبة وفقا للحالة المراد علاجها وإدارتها. تحتاج الدول الرصينة لتنقية مفاصلها من شوائب الدولة العميقة حتى لا تجد نفسها تدار إما من وراء الستار أو من وراء الحدود وحينها سيخسر الجميع ولا ينفع الندم. يفترض تسليط الضوء على هذه الظواهر المدمرة للوطن وعدم فسح المجال أمامها للتلاعب بمقدرات الوطن والمواطن.

1026

| 23 سبتمبر 2023

صناعة الجهل!

برز في تسعينيات القرن الماضي مصطلح (صناعة الجهل) أو (هندسة الجهل)، (Agnotology)، وهو «(العلم) الذي يُدرّس صناعة ونشر الجهل بطرق علمية رصينة».والجهل ضد العلم، وضد الإنسان والحياة والكون والبناء والخير والتطور والإعمار.والجهل نوعان: بسيط ومركّب. والبسيط هو الذي يدرك الإنسان أثناءه أنه جاهل ويسعى جاهدا للتعلّم لتجاوز مراحل الجهل. والجهل المركّب هو الذي يظن صاحبه بأنه عَالِم ولا يَقبل أن يَتعلّم من الآخرين بل ويُنَصب نفسه مُعَلِما للآخرين بفوقية فارغة ومقيتة. والجهل المركّب يجعل الجاهل يَتصور نفسه أعلم الناس وأذكاهم وأقدرهم على انتقاد أي شيء وبلا ضوابط علمية وأخلاقية، وهذا الوباء منتشر في الميادين الإعلامية والأكاديمية والفكرية والبحثية! وإن أُحْسِن الظن ببعض الجهلة فإنهم يُخَرِّبون من حيث يظنون أنهم يُعمرون، وينشرون الأوبئة والأمراض والضياع من حيث يعتقدون أنهم يزرعون المعافاة والصحة والرشد! وللخلاص من إشكالية الجهل المركّب ينبغي العودة لمراحل البحث العلمي الدقيق وصولا للحقائق الإنسانية والعلمية. ومن أبشع السياسات (سياسة التجهيل) الساعية لاقتلاع الانتماء للعلم والوطن، وتخريب المنظومات الإنسانية ليسهل تمرير المؤامرات الفكرية، ولهذا نجد أن المُخربين يُنفقون مليارات الدولارات لنشر أفكارهم الهدامة بهدوء ومكر ومخاتلة! والجهل المقدس من أشرّ أنواع الجهل، وهو مُحاط بقداسة مزيفة قائمة على تحريف النصوص والمفاهيم الدينية الأصيلة! إن تقديس الناس للمُقَدس حقيقة ليس عيبا، ولكن الغريب أن نجد من يُقدس الخرافات والجهل والخزعبلات، وهنا تكون الآفة القاصمة لظهر المجتمع والدولة! لا تُقدسوا الجهل، واعتزوا بالعلم والعمل حتى تقدموا للإنسانية خير تلك العلوم الأصيلة بعيدا عن (علوم) الجهل والجهلاء! إن محاولات تسفيه قيمة العلم وإبراز النخب المزيفة سياسات خبيثة لا تقل خطورتها عن أي حرب دموية وفيروسية في عالمنا المرعب! وخطورة الجهل لا تكمن بالأفكار المتشددة فقط بل في الانحلالية والتراخي والبهيمية الضاربة للضوابط والأخلاق والعادات والتقاليد الحسنة! ودعاة (علم التجهيل) يهدفون لنشر الشكوك في العقائد الأصيلة، وهدم الروابط المتينة، ونشر الرعب والخوف والفوضى الفكرية والنفسية تحقيقا لغايات إستراتيجية، مدنية وعسكرية، واقتصادية، وأخلاقية بعيدا عن العلوم! وأصحاب المخططات الشريرة يريدون نزع المبادئ والقيم من منابعها الخالصة، فَهُم، كما نزعوا الدسم من الحليب، يريدون نزع الصفاء من الأديان، واجتثاث السلام من النفوس، واقتلاع الخصوبة من الأرض، واستئصال الفطرة من الكون وهكذا فَهُم يحاربون الإنسان والكون في كل شاردة وواردة بحجج منمقة ومليئة بالخداع العلمي إلا أنها في الحقيقة جزء من (علم التجهيل)! إن ضياع الهُوية من أخطر ثمار هذه العمليات الجارية على قدم وساق لنشر الجهل في البيت والمدرسة والجامعة والدواوين والنقابات وفي كافة التجمعات البشرية! وخطورة الجهل المُغَلف لا تقف عند حدود الحاضر بل هي مؤامرة على المستقبل القريب والبعيد، ولهذا صرنا أمام كيانات «علمية» لا تقدم للطلبة والمجتمع والدولة إلا القليل جدا من العلوم الرصينة، وقد نجد بعض الثمار السلبية لتلك الكيانات العليلة بالهروب نحو التطرف ورفض الآخر! ويمكن الوقوف بوجه علوم التجهيل التخريبية عبر الدراسات العميقة والتحليلية لهذه الظاهرة القاتلة، وتشجيع العودة للأصول الفكرية والعلمية، ورفض الأفكار المستوردة السقيمة، وتحذير المواطنين منها! ويكمن العلاج، أيضا، في ضبط البوصلة بين المُتَأثرين بهذه الأفكار المليئة بالجهل ومحبي العلوم الصافية عبر الحوارات العلمية القائمة على قبول الآراء الحكيمة وبيان نقاط الضعف والهزال في آراء المخالفين بموضوعية وهدوء، وكذلك مراقبة ما يُنشر عبر الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) لأنها الباب الأوسع لنشر الجهل! وتذكروا بأن العلم أساس البناء، والجهل أساس الهدْم!

3291

| 16 سبتمبر 2023

السياسة وقوانين السير!

التطور التدريجي للحياة دفع الحكماء للبحث عن سبل التخطيط العمراني الذكي للمدن، ومن ذلك تشييد الطرق الآمنة والمدروسة بعناية من حيث مواصفات التنفيذ والسلامة للتنقل بسلاسة وأمان. ومع التدرج العمراني، وتكاثر المدن، والثورة في عالم السيارات صارت البشرية أمام حوادث مرورية قاتلة ومؤذية دفعت العقلاء للبحث عن قانون ينظم السَّيْر فكانت فكرة ولادة قانون السَّير لتنظيم حركة السيارات والعجلات بمختلف أنواعها وكذلك المشاة تحقيقا للأمان والسلامة العامة للناس والمجتمع والدولة!. وأضيفت للقانون، بمرور الزمن، فقرات جزائية وعقابية للحد من الحوادث القاتلة، ولضبط حركة السَّيْر، والحفاظ على أرواح الناس وممتلكاتهم من عبث العابثين. إن التطور المدهش في محركات السيارات دفع بعض الناس، وبالأخص غالبية الشباب، للظن بأنهم يقودون طائرات على الأرض، وهذا الخلل النفسي والفكري تسبب بارتفاع هائل في حوادث المرور. وأشارت منظمة الصحة العالمية في 25 أيار/ مايو2022 أن حوادث الطرق بالعالم تقتل ما يقرب من (1.3) مليون شخص سنويا، أي أكثر من ضحيتين بالدقيقة!. وأكدت المنظمة أن حوادث الطرق ستتسبب بوفاة (13) مليون شخص، و500 مليون إصابة في العالم بحلول عام 2030 إذا لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة!. ومن هنا رأينا أن الدول الحريصة على مستقبلها ومواطنيها تسارع لتنفيذ الخطط الوطنية الهادفة للحد أو للتقليل من الحوادث المرورية، ومن هذا المنطلق كانت الفكرة القطرية المتعلقة بأنظمة الرادارات المتطورة الراصدة لحركة السَّيْر والمزودة بأحدث التقنيات التي ترصد بدقة ثلاث مخالفات في آن واحد، وهي السرعة، واستخدام الهاتف الجوال أثناء القيادة، وعدم ربط حزام الأمان، وهي من أكبر أسباب حوادث الطرق ليس في قطر فحسب بل في عموم العالم. والملاحظ أن سياسة وزارة الداخلية القطرية، ممثلة بالإدارة العامة للمرور، طَبَّقت القانون بطريقة تجريبية لمدة أسبوع قبل أن يدخل حَيّز التنفيذ في الثالث من أيلول/ سبتمبر 2023. وقد وصلت للمخالفين، خلال الفترة التجريبية للمنظومة الحديثة بعد رصدهم عن طريق الرادارات، رسائل نصية للتنبيه على ارتكاب المخالفات (دون تغريمهم)!. ولا شك أن دولة مثل قطر أنعم الله عليها بالخيرات لا تُفكر بالعوائد المالية لمثل هذه القوانين، وإنما الغاية تحقيق السلامة العامة، ودوام انسيابية السَّيْر بعيدا عن الحوادث المرهقة للدولة والمجتمع!. ولا ننسى أن عشرات آلاف حوادث السَّيْر في الوطن العربي تحصد حياة آلاف الأبرياء والمتسببين سنويا، وهنالك بعض الدول العربية ينعدم فيها تقريبا تطبيق قوانين السَّيْر، فيما تعاني دول أخرى من تهالك الطرقات وغياب الإشارات الضوئية، وأيضا معضلة الاستخفاف بقوانين السَّيْر بل وحتى الاعتداء بالضرب على رجال المرور، وبالمقابل فازت قطر بجائزة المعهد القانوني للطرق السريعة والمواصلات (CIHT) لعام 2019، وجائزة الأمير مايكل للسلامة المرورية لعام 2018!. ولهذا لا خلاف أن المواطن الحكيم يتفهم أهمية السياسات والقوانين المحققة للمصلحة العامة، ومنها قوانين السَّيْر الناشرة للأمان والذوق!. ويمكن بالقوانين الدقيقة والجادة المساهمة في تقليل مخاطر الطرقات وحوادثها التي تنشر الموت والعاهات بسبب طيش بعض الأفراد، ولهذا فإن التعمد في ارتكاب الحوادث الكبرى لا يقل خطورة عن الأعمال التخريبية التي تحصد أرواح الأبرياء!. إن امتثال الأفراد للأنظمة المرورية يُعد من أسباب الحفاظ على هيبة الدولة، وسلامتها، واقتصادها، وحاضرها ومستقبلها، ومن سبل نشر الخير والأمان المجتمعي لأن الطرق ليست مضامير للسباق بل أدوات لتسهيل حركة الناس وكل ما يتعلق بخدمتهم من أجهزة أمنية وخدمية وإنسانية!. حافظوا على الوطن والناس بالامتثال لقوانين السَّيْر الهادفة لبسط الأمن والطمأنينة والسعادة في الدولة والمجتمع!.

924

| 09 سبتمبر 2023

مساحات منصة (X) «تويتر سابقا»: تحت المجهر!

لا يُنكر تغير حياة الناس خلال السنوات الأخيرة في كافة مجالات الحياة الاجتماعية والاستهلاكية والفكرية والعلمية والثقافية وغيرها من المجالات وبالذات ما يتعلق منها بالاتصالات بحيث أصبح عالمنا الشاسع مُجرّد قرية صغيرة! وقد أحدثت مواقع التواصل الاجتماعي بكافة أنواعها ثورة هائلة في عالم التواصل والاتصال، وتُمثل خاصية المساحات النقاشية الصوتية، النخبوية والشعبية، المباشرة على منصة (X)، Twitter سابقا، أبرز تلك الثورات العلمية. وانطلقت خاصية المساحات النقاشية بمنصة (X) في العام 2021 وأصبحت متاحة لجميع حسابات المنصة التي فيها 600 متابع أو أكثر. ووفقا لسياسات المنصة يُمكن لأي مشترك من مشتركيها الانضمام للمساحة والاستماع إليها، والتحدث فيها. ولا يُنكر أن منصة (X) تُعدّ اليوم منبر من لا منبر له وفرصة لإيصال أي حالة سلبية أو إيجابية للمسؤولين والجماهير والعالم. ويُمكن القول بأن أهمية مساحات منصة (X) تختلف تبعا للجهة المُنَظِّمة للمساحة، والموضوع المُناقَش، والشخص المُضِيف (المستقل وغير المستقل)، وبهذا يُمكن، ومن خلال شخصية المُضِيف وأسماء غالبية المتحدثين، تحديد هوية المساحة! ولاحظنا أن الإدارات الذكية للمساحات تحرص على انتقاء الشخصيات المُتحدِّثة بدرجة كبيرة، وهذه نقطة مميزة يفترض عدم التهاون بها لأن المُتَحدّث (السيئ) ربما ينشر الأفكار الهدامة والشاذة المؤذية! وبالمقابل تابعنا كيف أن بعض المُضَيفين يتصورون المساحة وكأنها مَمْلكتهم الخاصة، ويعطون لأنفسهم الحق «الدكتاتوري» في فرض آرائهم وأفكارهم على الآخرين، وهذا قمة التعسف والهزال الفكري والأخلاقي! إن شهوة الكلام غير المنضبط، وربما المنضبط غير المُعْتَرِف بالآخر، واحدة من أكبر سلبيات مساحات منصة (X) وبالذات حينما تكون هذه الصفة الذميمة في مُضَيف المساحة! ومن السلبيات الأخرى التجاوز المبتَذل على الآخرين، والتناقضات الفكرية والعقائدية التي يتطرق إليها بعض أصحاب الحسابات الوَهمية، ونجدهم، غالبا، لا يَحترمون أصحاب الاختصاص، وليس لديهم أي خطوط حمراء في كلامهم، ويَتهجمون على أصحاب الحسابات المعروفة بحُجج واهية، ومنها: (الجرأة الوطنية، والشجاعة في الطروحات والأفكار)! وبالتوازي هنالك ثُلة من الشخصيات المُميزة تَقْبل الرأي الآخر وتسمح بتلاقح الآراء والأفكار خدمة للإنسان والوطن. ومن أكبر مخاطر ومساوئ المساحات (الفوضوية) هو السماح باستمرار نقاشات الذين لا يَمتلكون أدنى مستوى من ثقافة الحوار والنقاش، أو حتى احترام المقابل، وبالتالي تُتهم عموم المساحة بالجهل والهبوط بسبب تلك الشخصيات التي تحاول نشر الجهل والخراب الفكري، ولا تسعى للوصول إلى الحقائق! وفي تقديري يفترض عدم السماح لأصحاب الحسابات المجهولة والشخصيات المُتَخفية بأسماء وهمية أن يتحدثوا أو حتى إدارة المساحات، وإلا سنكون أمام هَشاشة في النقاشات وهبوط في الأفكار والآراء والنتائج! ويمكن الاستفادة من مساحات منصة (X) لتوعية المتابعين بخطورة الإرهاب الفكري والمادي، وأهمية التعايش السلمي المجتمعي، ونشر الثقافة العامة، ومعالجة القضايا الدقيقة والحساسة بشفافية ووضوح بعيدا عن التزمت والتشدد. ونأمل أن تكون المساحات النقاشية مزارع إنسانية لزرع المحبة والتآلف وليس لزرع الكراهية والتناحر؛ ولهذا ينبغي أن يسعى الحكماء وأصحاب الرأي لضبط مساحات السياسيين والإعلاميين والنخب الفكرية والمجتمعية لتكون نبراسا ومشعلا للبناء والعطاء، وعدم السماح لأيّ طرف بتجاوز الأعراف السياسية والمفاهيم الأخلاقية والمجتمعية والمعايير الإنسانية حتى تكون المساحات واحة لتبادل المفاهيم والتواصل بعيدا عن النقاشات الهمجية الجافة! إن وجود الطالحين في المساحات ينبغي ألا يدفع الصالحين للهروب بل للصمود والتحدي العلمي والفكري والأخلاقي حتى يُحققوا أهدافهم الإنسانية النبيلة! مساحات منصة (X) فرصة مميزة لنشر المحبة والأفكار الراقية بين الناس ويفترض بالعقلاء استغلالها من أجل خير الإنسانية في كل مكان.

5394

| 02 سبتمبر 2023

الفساد.. الآفة المُهلكة لمؤسسات الدولة والناس!

يُعرف الفساد، وفقا لقاموس أكسفورد، بأنه انحراف في أداء الوظيفة العامة عبر الرشوة والمحاباة، وعرفه البنك الدولي بأنه إساءة استعمال الوظيفة العامة للكسب الخاص، وهذه التعريفات وغيرها تؤكد على الخراب النفسي والفكري والسلوكي للفاسدين. والملاحظ أن الفساد اليوم لم يَعُدْ بمبالغ زهيدة، وصرنا نسمع بفساد بملايين، وربما بمليارات الدولارات، وهذا يؤكد أن المعضلة متفشية وبحاجة لحلول حاسمة وجذرية. والفساد آفة موجودة في غالبية مجالات العمل العام والخاص، وبالنتيجة صرنا بمواجهة فساد سياسي، واجتماعي، وإداري، واقتصادي، وقضائي، ومدني وعسكري، وداخلي وخارجي، ومحلي وأجنبي. وقد تكون عمليات شراء المناصب والذمم والتلاعب بنتائج الانتخابات، وسرقة المال العام، والاستخدام السيئ للنفوذ والسلطات من أشهر أنواع الفساد السياسي، وهذه لا تتعلق بالأفراد فقط بل ترتبط بغالبية الكيانات السياسية والحزبية والمستقلة. وبالمقابل لا يُمكن تغافل خطورة الفساد المالي والاقتصادي وذلك لأن المال عَصَب الحياة، وهناك نسبة ليست قليلة من البشر تَضْعف أمام مغريات المادة والمال، وعند هذا المنحدر نجد أن الفاسدين يستغلون هذه الثغرات (البشرية) للتشجيع على تمرير الصفقات المليئة بالخراب والمخالفات ولو على حساب سلامة الوطن وصحة الناس. والفساد الاقتصادي يشتمل على الرشوة، والحصول على العمولات، والمساعدة في التهرب الضريبي، والتلاعب بوصولات الشراء وغيرها من صور الفساد. والفساد الاقتصادي لا يمكن أن يكون ما لم يكن هنالك فساد إداري يدفع الموظف لمخالفة القوانين واللوائح الوظيفية ويعمل في الغرف المظلمة لتحقيق مكاسب مالية خاصة. وهذه السلوكيات الوظيفية هي ثمار الفساد الاجتماعي والتلاعب بالقيم المجتمعية التي ربما صارت تتفاخر وتتباهى بالرشوة، وأكل أموال الناس بالباطل بصور متنوعة بعيدا عن القيم الإنسانية والشرعية والقانونية النقية. وهنالك صور من الفساد غير المرئي، ومنها محاربة الكفاءات الوطنية المؤهلة، والواسطة على حساب المؤهلين، والمحسوبية، وهدر الوقت الوظيفي، والتطبيق المزاجي للقوانين والأنظمة الضابطة للعمل وغيرها من عوامل الخراب. وهنالك العديد من العوامل المُشجعة على الفساد، ومنها التدني الفاحش لأجور الموظفين، وضعف الوازع الديني، وهشاشة القوانين، وغياب الرقابة والمتابعة، وإصرار حيتان الفساد على الاستحواذ على المناقصات الكبرى بأي ثمن كان. وصدقا لا يوجد أي مُبرر أخلاقي أو سياسي أو ديني أو فكري أو مجتمعي يمكن أن يبرر السقوط في أوحال الفساد، ولكن المسألة تؤكد الاستخفاف بالقوانين، وهنا تبدأ مرحلة السقوط الشاقولي للمسؤول الفاسد والموظف. وأتصور أن الفساد السياسي والقضائي والرقابي أخطر أنواع الفساد، ويمكن عبر ضبط الإدارة السياسية والقضائية والرقابية ضبط، أو على الأقل، التقليل من كافة أنواع الفساد الأخرى، وإلا فإننا سنكون عند نقطة الدمار الشامل للوطن والناس. إن علاج آفة الفساد المتنوع والمتشعب والعريض والطويل يمكن أن يكون بمنظومة قانونية لا تُجامل الفاسدين، ولا تسمح بأي شكل من التلاعب بالأنظمة والقوانين، وتُقلِم أظافر الفاسدين بعقوبات قاسية لا تكتفي بإعادة الأموال المسروقة بل يفترض أن تصل الأحكام، وبالذات في القضايا الكبرى، لدرجة الخيانة العظمى، لأن مَنْ لا يُؤتمن على أموال الدولة لا يُؤتمن على سلامتها، ومُسْتعد أن يبيع كل ما يملك من معلومات (حساسة) لأجل المال. ويفترض أن تكون العقوبة أشد للموظفين في الدول التي يتمتع الموظف فيها بدخل متميز وامتيازات راقية، وعمليا لا يمكن للقوانين منفردة أن تنهي آفة الفساد المتنوع، ويفترض بأفراد المجتمع أن يمتنعوا عن تشجيع هذه الظاهرة، ويساهموا في التبليغ عن الفاسدين وصولا إلى مرحلة جفافها في ميادين العمل والحياة. سعادة الدولة والناس وسلامتهما تكون بالقوانين الناظمة للحياة.

3348

| 26 أغسطس 2023

الشباب العربي... وقوارب الموت!

يحتفل العالم سنويا باليوم العالمي للشباب في 12 من آب/ أغسطس، والاحتفال بالشباب ليس حدثا عبثيا، ولا مُجرّد مناسبة عابرة كونهم الأساس المتين والحصن الحصين لأوطاننا. والشباب هُم الطاقة المُتنامية للحياة، وبهم تُبنى الأوطان، وبسواعدهم تُصان الأعراض، وبعقولهم تُحرس البلدان وبهمتهم تُعمّر الأرض. وبهذه المناسبة نتساءل: هل المطلوب من المجتمع والدولة والعائلة في يوم الشباب العالمي أن يقدّموا التهاني والتبريكات لشبابنا وشابّاتنا، والاحتفال بيومهم بقوالب الحلوى والهدايا الرمزية البسيطة، وبيانات التهنئة الرسمية المطرزة بالوعود والمشاريع (التنموية)؟ أتصوّر أن اقتصار الأمر على هذه الفعاليات الثانوية، رغم أهمّيّتها، تقزيم للشباب ولدورهم الحيوي. وأظنّ أن القضيّة الأكبر تتعلّق بضرورة معرفة مشاكل الشباب وطموحاتهم والتحديات التي تواجههم، وكيفيّة مساندتهم للوصول إلى أهدافهم وهي بالنتيجة تَصبّ في مصلحة الوطن والناس. وهنالك في وطننا العربي عشرات المعضلات المرهقة لشبابنا وشابّاتنا، وقد تكون آمال الشباب الزاهية وطموحاتهم المتنامية من أكبر عوامل توليد الإشكاليات، وتفريخ (الرهاب من المستقبل)! وهذا التخوّف يمكن معالجته بالتثقيف المنزلي والرسمي (المدرسي والجامعي) وزراعة الثقة بنفوس الشباب.وتُعدّ البطالة من أبرز المشاكل المتنامية، وعلاجها يتلخّص بتوفير فرص عمل للشباب في القطاعين العامّ والخاصّ، وبتقديم القروض المالية (بدون فائدة) وبآجال معقولة لمشاريعهم الخاصّة. والخطوات السابقة المقترحة لمكافحة البطالة يمكن استخدامها لمعالجة آفة الفقر المُتنامية في غالبية البلدان العربية. ومن المعضلات المعقّدة قضيّة الهجرة إلى الخارج، ولا ندري كيف يمكن تفسير مجازفة آلاف الشباب سنويا بعبور البحار والمحيطات المُميتة للهروب إلى أوروبا؟ ويَتوجّب، على الدول العربية، تطوير الخطط الوطنية الاستراتيجية لاحتواء الشباب وترتيب الأرضية الصالحة للمحافظة على انتمائهم لأوطانهم وجعلهم أدوات بناء وعطاء، وتمنعهم، حقيقة، من التفكير بالهجرة القاتلة والهروب للمنافي المهلكة. وبالتوازي قد تكون الفتن الفكرية والعقائدية والثقافية المواجهة للشباب أخطر من الآفات المادّية والماليّة، ومن أشدّها دعوات هدم المنظومات الأُسرية والأخلاقية! وعلاج هذه المعضلة يكون بخطّة دقيقة تشارك فيها وزارات التربية والتعليم والأوقاف والثقافة والإعلام، وتسعى لبيان خطورة هذه الأفكار الهدّامة على كيان الدولة والمجتمع، والسعي لتوعية عموم المواطنين، والشباب خصوصا، بنقاط الخراب الموجودة في هذه الآفات المستوردة القاتلة. ومن المعضلات الكبرى آفة تجاهل الشباب لقيمة الوقت! وهذه الآفة تتطلّب حملة وطنية لبناء أندية ثقافية ورياضية ومجتمعية في غالبيّة الأحياء السكنية، ويكون الاشتراك فيها بأجور رمزية ولتكون بمثابة الديوان المجتمعي العامّ الناشر للخير والمحبّة والصحّة والتعليم وكلّ ما يتعلّق بالإنسان والحياة. وهذه الأندية ستعالج تدريجيا آفات رفقاء السوء والمخدّرات والأمُيّة الحضارية وبقية التحديات! ومن المشاكل المُستجدّة عزوف الشباب عن الزواج لارتفاع التكاليف نتيجة المهور العالية والأعراف والتقاليد المليئة بالتبذير والبذّخ! وهذه المعضلة يمكن معالجتها عبر الأندية الثقافية المقترحة آنفا في المدن، والتثقيف بضرورة تقليل المصاريف الخيالية، والتركيز على الصرفيات المهمّة وترك الكماليات الهامشية. هذه المقترحات ليست صعبة التطبيق ولكنّها بحاجة إلى إرادات شعبية ورسمية ومجتمعية لبذرها في أرجاء أوطاننا. والتجارب الإنسانية أثبتت أن هذه الآفات المجتمعية لا تقلّ خطورتها على مجتمعاتنا من كوارث الحروب والأوبئة والأعمال التخريبية الإرهابية. لنضع أيدينا بأيدي الشباب، ولنكون عونا لهم ليقتنعوا قناعة كافية أن الهجرة والتراخي محاولات للهروب والتخدير الفكري وليست محاولات للنجاح والتطوّر، وليؤمنوا أيضا بأنّنا معهم لبناء حاضرهم ومستقبلهم. لا تُضَيّقوا على الشباب وتدفعونهم لركوب قوارب الموت بحثا عن ملاذات أفضل! الشباب عماد الوطن ودعمهم في الجوانب الفكرية والعقائدية والجسدية والنفسية والعملية، الآنية والمستقبلية، مسؤولية الجميع.

1221

| 19 أغسطس 2023

(مجتمع الميم) وسياسات هدم الأُسرة!

هنالك مصطلحات جديدة وغريبة ومنحرفة ومتداولة منذ عدّة سنوات تتعلّق بالخراب الفكري والإنساني المتنامي، ومنها ما يسمّى (مجتمع الميم)، وهو اصطلاح (هابط) يشير إلى مثليي الجنس، ومزدوجي التوجّه الجنسي، وللمتحوّلين جنسيًا. ويبدو أن سبب تسميته (مجتمع الميم) لأن المصطلحات «مثلي، مزدوج، متحوّل ومتحيّر» جميعها تبدأ بحرف الميم! ويُحارِب (المجتمع الميمي) المُنْحَرِف الفطرة الإنسانية، والقوانين السماوية والأرضية، ومحاولات دعمه، سياسيا وفكريا وقانونيا، بمثابة إعلان حرب ضروس ضدّ الأُسرة التي هي الأساس المتين للمجتمعات، ومَن يحاول هدمها فإنه يقصد هدم المجتمع والحاضر والمستقبل وحتّى الماضي، ومَن يحاول بناءها يسعى لبناء الحاضر والمستقبل والمحافظة على الماضي. ولم نسمع على مرّ العصور حربا طاحنة، وهجمات شرسة على كيان الأُسَر عموما والشباب خصوصا مثل التي تحاول القوى المضطربة أن تشنها وتشجّع عليها في عصرنا الحاضر. وحروب دعم الشواذ لم تنفّذ بفوهات البنادق والمدافع ولا بالصواريخ العابرة للقارّات لدك حصون الأُسرة بل بالسياسات الناعمة الهادئة والهادفة لتفتيت كيان الأُسَر والمجتمعات وبالمحصّلة الدول. وفعاليات الجماعات المنحرفة لم تتوقّف منذ سنوات، وقبل أيّام، الأحد 6/‏8/‏2023، ورغم الطقس غير المناسب، توافد (الشاذّون) من عدّة بلدان إلى أمستردام، لإحياء عرض (مهرجان الفَخْر) في قنوات المدينة الشهيرة، والذي يُعدّ من أهمّ مهرجانات (مجتمع الميم) العالمية! ولا ندري بماذا يفتخر هؤلاء المنحرفون في مهرجانهم؟! وهنالك، منذ نهاية العام 2008، محاولات أوروبية مستمرّة لتقنين (حقوق الشواذ) وكأنها حالة إنسانية طبيعية! وقد واجهت هذه المحاولات رفضا صريحا من الدول العربية والإسلامية وغيرها، ولهذا فإن هذه القوانين لم ترَ النور إلا في الدول الداعمة لما يسمّى بحقوق المثليين! وقد صَمدت الدول الواعية التي تحترم ذاتها، وتحترم الإنسان والأُسرة والمجتمع، أمام هذه الدعوات المنافية للقيم النبيلة لأن الدولة التي لا تحترم الإنسان لا تقوم لها قائمة! وعند محاولتنا دراسة حيثيّات هذه الإشكاليات الفكرية والنفسية والقانونية والإنسانية والأخلاقية بعيون أبناء هذا العصر فإن الفكر يذهب مباشرة للتلاعب بقوانين حقوق الإنسان. ومن هنا أعلنت نحو (37) دولة عن دعمها لعائلات المثليين، وقال ممثّل أستراليا في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتّحدة في يوم 21/‏6/‏2023 «يجب أن يكون هذا الدعم شاملا لجميع التكوينات الأُسرية، بما في ذلك عائلات المثليين»! وقد وقفت العديد من الدول العربية وغيرها ضدّ هذه السياسات الشرّيرة والشاذّة، وأكدت ضرورة حماية (الأُسرة التقليدية) داخل الهيئات الأممية والعلاقات الدولية! إن ظهور بعض المسؤولين الغربيين وَهُم يدعون لدعم المثلية لا علاقة له بالرقيّ، ولا بالحضارة، ولا بحقوق الإنسان وإنّما هي دعوة للهبوط والبهيمية والتخريب العلني والمباشر للنوع الإنساني وبالنتيجة خراب المجتمعات والدول! وبهذا فنحن أمام توجّه سياسي دولي ضاغط لبثّ سمومه عبر بوّابات حقوق الإنسان، وبالتالي فإن الدعوات للمثلية هي سياسات خبيثة تهدف لضرب أساس المجتمعات الإنسانية (الأُسرة) ليسهل السيطرة على المجتمعات والدول! ولا يمكن القبول بهذه الدعوات المنحرفة وذلك لأننا أمام محاولات لنقل أزمة التفكّك الأُسري التي تعيشها غالبيّة العوائل في أوروبا وأمريكا لصفوف مجتمعاتنا؛ ومن هنا تأتي أهمية السياسات الرشيدة في مواجهة هذه الآفات الأخلاقية والإنسانية والتربوية! حافظوا على الأُسرة فهي الأساس المتين للمجتمع المترابط المتكاتف!

1572

| 12 أغسطس 2023

السياسة والأخلاق!

تكلّم الفلاسفة وعلماء السياسة، قديمًا وحديثًا، عن علاقة السياسة بالأخلاق، وربّما، صار من المُتعارف عليه أن السياسة «العبقرية» هي السياسة الخالية من الأخلاق، أو بعبارة مُنمّقة ودبلوماسية هي التي تتجاهل الأخلاق وتلتمس المصالح فقط! وتأكيدًا لثمار هذه الفلسفة المُفزِعة السائدة قال رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ونستون تشرشل (1940 – 1945): رأيت في أحد المقابر ضريحا كُتِب على شاهده: هنا يرقد الزعيم السياسي والرجل الصادق... فتعجّبت كيف يُدفن الاثنان في قبر واحد! ولكن بالمقابل هنالك مَن يؤمن أن العمل السياسي المرموق يمكن أن يَصْمُد ويتغلب على مؤامرات الأشرار أو الفارغين من الأخلاق والمبادئ. والأخلاق جزء من السلوكيات الدبلوماسية التي تكشف الوجه الحقيقي للدولة والحكومة والمسؤول وحتّى المواطنين، وليست مُجرّد سلوكيات فردية تتعلّق بالمسؤول الفلاني. وبهذا فإن السياسة المُؤطّرة بالأخلاق تُكافح لزرع الثقة والسلام والتعايش والالتزام والمحبّة والتلاحم بمفاصل الدولة وبين المواطنين، ومع الدول الأخرى! واتفق الحاقدون على الأوطان والإنسان على العمل الجاد الهادف لابتذال المبادئ والقيم النقية وجعلها مُجرّد عبارات فارغة لا أثر لها في الفكر الإنساني والسلوكيات الحياتية والمجتمعية! وبخلاف ذلك فإن السياسات الغوغائية الداعرة تُبدّد الجهود النبيلة الشريفة وتسعى لنشر الفوضى الفكرية والأخلاقية في ربوع الدولة والمجتمع، وتهدف لتدمير الوطن وقتل ضمائر الناس وحاضرهم ومستقبلهم، وحتّى ماضيهم، بينما السياسات الحكيمة تغرس السلوكيات الصالحة والأخلاق المضيئة لبناء الفكر الصحيح، وحماية المجتمع! ويسعى المعطّلون لقدرات الإنسان والحالمون بالفوضى الأخلاقية لدوام الحالة الغامضة والتيه والتعاسة، وهم أخطر الأشرار على مستقبل الأوطان ويتوجّب الحذر منهم والتحذير من مخطّطاتهم الشريرة السلبية! ولا يمكن للشعوب التي لا تُقدِّس المنظومة الأخلاقية أن تطلب من الحاكم والحكومة تطبيقها، ولهذا فإن الشعوب التي تضيّع تراثها وتفقد ثقتها بنفسها هي شعوب ميتة وإن كانت فوق الأرض. والسياسات الحكيمة لا تحارب الأخلاق لأنها حينئذ ستنقلب إلى نظم همجية وملاجئ للمكر والخداع! ويؤكّد التدقيق العميق أن التغافل عن الأخلاق في إدارة الدولة بداية انهيار الحكومات والدول، والأخلاق المقصودة ليست فضائل تجميلية تكميلية بل مبادئ جوهرية رصينة في سلوكيات الدول والحكومات والأفراد، والحفاظ على مكانة وسمعة الوطن قضيّة حياة أو موت وليست نزهة ترفيهية اختيارية. إن امتصاص حقوق الناس وسحق حياتهم وآمالهم وأعصابهم بوعود مُزيّفة هي سياسات لا أخلاقية خبيثة لا تقود لبناء الإنسان وإنّما هي مراحل أوّلية لخراب قادم أساسه نفاد صبر المواطن نتيجة الوعود الوهمية (البعيدة عن أخلاق المسؤولية الصادقة) وبالتالي قد تذهب الأمور إلى نهايات مهلكة للوطن والناس! وهذه السياسات الهابطة مؤامرات تخريبية تستّرت خلف ستار الحريات وحقوق الإنسان وتطبيق القانون ولكنّ الحقيقة أنها مجرّد ستائر للتمويه وتنفيذ المؤامرات المهلكة للوطن والإنسان. ومهما حاولت قوى الخراب إبراز عضلاتها بالباطل والدعوة للانحلال يفترض بقوى البناء ألا تنسحب وألا تتراجع ليقينها الثابت أن البناء مقدّم على الهدم، والصحّة مقدّمة على المرض، والنور مقدّم على الظلمة، والسلام مقدّم على الحرب، والنظام مقدّم على الفوضى، والحياة مقدّمة على الموت! والدول الشاذّة التي تشتغل بالقضايا الثانوية وتهمل القضايا الكبرى الضرورية لا يُمكنها أن تقف بوجه التحديات المحلّية والأجنبية، وستكون عُرْضة للضياع والفشل عند أبسط الاختبارات السياسية والأمنية والمجتمعية! لنسارع ونشدّ الأحزمة لدعم القيم الأخلاقية النبيلة وفي مقدّمتها الأمانة والصدق والوفاء بالوعود والعهود وغيرها من الصفات التي يفترض وجودها عند المسؤولين والمواطنين لبناء المجتمعات الإنسانية والأوطان. ويبقى القانون العادل هو الضابط والضامن لأخلاقيات وسلوكيات العامّة والخاصّة، ومِن عنده تكون البداية والنهاية!

2610

| 05 أغسطس 2023

آفة التملق السياسي المُدمّرة!

التملّق آفة (إنسانية) موجودة على مرّ العصور. ومعنى التملّق لشخص ما، وفقا لقواميس اللغة: تودّد إليه، وليَّن كلامَه، وتذلّل، وأبدى له من الودّ ما ليس في قلبه، وتضرّع له فوق ما ينبغي! وهذه العلّة المجتمعية بارزة بوضوح ولا يُمكن تغافلها إلا من المتملّقين أنفسهم؛ وعليه فنحن نتحدّث عن عاهة قائمة في غالبية المجتمعات الإنسانية، ولدى نسبة معيّنة، لا يمكن تحديدها، من الناس. وتزداد نسبة التملّق حينما تنحدر المجتمعات في ظلمات الجهل الفكري والإنساني، وتقلّ هذه النسبة حينما ترتقي المجتمعات في سلالم الفكر والعلوم الإنسانية المتنوّعة. والتملّق له أساليب متنوّعة تبعا لقدرات المُتملِّق الذاتيّة، وهي تبدأ بالمديح الكاذب، والكلام المعسول، والنصيحة المزيّفة، وقلب الحقائق والوقائع، وغيرها من الطرق الملتوية المليئة بالغشّ والخداع! ويفترض هنا التنبيه إلى الفرق بين التملّق والمدح البنّاء، الهادف لدعم المسؤولين والعاملين لخدمة الوطن والمجتمع. وينبغي على القوى الفاعلة دعم العاملين ومناصرتهم ولو بالكلمة للوصول إلى مرحلة النضج والتكامل، وهذا لا علاقة له بالتملّق إطلاقا. والتملّق عموما مرض فكري ونفسي خفيّ، ويمكننا تحديد أطراف آفة التملّق وهم: المريض (المُتَمَلِّق)، والمُتملَّق له، والمجتمع. أمّا المُتملِّق (المريض) على استعداد لتقبل كافّة صور الخنوع والخضوع والذلّ والهوان! والمُتملَّق له هو الطرف المُسْتَفاد منه ماليا أو سلطويا، وهو أشرّ من المتملِّق نفسه لأنّه قَبِل لنفسه أن يكون بمقام وهمي ومزيّف! أما الركن الثالث وهو المجتمع فيقع عليه الثقل الأكبر لأنّه، غالبا، يُداهن كلا من المُتملِّق والمُتلَّق له، ولا يساهم في معالجة هذه الظاهرة القاتلة! ورغم كلّ الأضرار التي تُخلّفها سياسة التملّق في الجوانب الإنسانية والمجتمعية إلا أن أخطر أنواع التملّق هو التملّق السياسي. ويقصد بالتملّق السياسي هو تقرب المتملِّق إلى مسؤول أو زعيم حزب بقصد الاستفادة مادّيا ومعنويا، وهذه ظاهرة منتشرة في الدول الهزيلة القائمة على العلاقات وليس على الكفاءات العلمية والعملية! والمسؤول الناجح، أيّ مسؤول، يفترض به أن ينقي فريقه من الشخصيات المتملِّقة والوصوليّة، لأنّ هذا النوع من الأشخاص يشبه الأدغال في الحقول والتي تسحب مياه الريّ، وتساهم في تبخير المياه، وتخريب حركة النقل المائيّ، وبالمقابل فإنّ الشخص التملِّق يُجفف عوامل النجاح في عمل المسؤول، ويساهم في جفاف سمعة المسؤول بين المواطنين، ويعرقل العمل الجاد للوصول إلى ما فيه خير الوطن والناس! إن المُتملِّق السياسيّ شخص أناني وصولي وانتهازي وفوضوي وقاطع للخير ومانع للنجاح لأنه خال من القيم النبيلة وناقم على كل مَن يعمل بجد وصدق وإخلاص! والمتملِّق السياسي لا يقلّ خطورة عن أيّ خائن يعمل لمصلحة الأعداء، فالأوّل يعمل وفقا لأجندة شخصية خاصّة، والخائن يعمل لأجندات شخصية خارجية وكلاهما يساهمان في تدمير سياسات الدول والأحزاب والمؤسسات المتنوعة. ومن هنا فإن المسؤولية العظمى تقع على عاتق المسؤول في كيفيّة اختيار فريقه الخاصّ، وقبول نصيحة ورأي الموظّف النقي الهادف لتطوير العمل وإلا فإن التآكل سيصل إلى مقعده وسمعته، وحينها لا يمكن تصحيح تلك الأخطاء المهلكة التي سَبّبها النُصح المزيّف والخداع الوطني نتيجة التملِّق العامّ! والمسؤول الحصيف هو الذي يُميّز بين الشخص المتملِّق والإنسان المحبّ، وهذه تأتي بالمراس والتجارب ومراحل تنفيذ المهام المختلفة! والعلاج الأفضل للتملّق السياسيّ يكون باقتلاع المتملِّقين من العمل والقرار، تماما مثل اقتلاع الخونة والعملاء من الدولة والمجتمع. ومعلوم أن قائد الأحرار حرّ، وقائد المتلوّنين خانع ذليل، والقيادات التي تبني سياساتها على الرجال الأنقياء الأوفياء هي بلا شكّ قيادات ذكية واعية وموفّقة.

3597

| 29 يوليو 2023

alsharq
TOT... السلعة الرائجة

كثير من المراكز التدريبية اليوم وجدت سلعة سهلة...

5388

| 06 أكتوبر 2025

alsharq
استيراد المعرفة المعلبة... ضبط البوصلة المحلية على عاتق من؟

في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ...

4887

| 02 أكتوبر 2025

alsharq
الإقامة الدائمة: مفتاح قطر لتحقيق نمو مستدام

تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في...

4308

| 05 أكتوبر 2025

alsharq
العدالة التحفيزية لقانون الموارد البشرية

حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم...

2640

| 09 أكتوبر 2025

alsharq
الذاكرة الرقمية القطرية.. بين الأرشفة والذكاء الاصطناعي

في زمن تتسابق فيه الأمم على رقمنة ذاكرتها...

1866

| 07 أكتوبر 2025

alsharq
بكم نكون.. ولا نكون إلا بكم

لم يكن الإنسان يوماً عنصراً مكمّلاً في معادلة...

1536

| 08 أكتوبر 2025

1419

| 08 أكتوبر 2025

alsharq
حماس ونتنياهو.. معركة الفِخاخ

في الوقت الذي كان العالم يترقب رد حركة...

1023

| 05 أكتوبر 2025

alsharq
الوضع ما يطمن

لسنا متشائمين ولا سلبيين في أفكارنا وتوقعاتنا ولكن...

906

| 03 أكتوبر 2025

alsharq
تعلّم كيف تقول لا دون أن تفقد نفسك

كم مرة قلت «نعم» في العمل بينما في...

798

| 02 أكتوبر 2025

alsharq
هل قوانين العمل الخاصة بالقطريين في القطاعين العام والخاص متوافقة؟

التوطين بحاجة لمراجعة القوانين في القطــــاع الخـــــاص.. هل...

798

| 05 أكتوبر 2025

alsharq
لا يستحق منك دقيقة واحدة

المحاولات التي تتكرر؛ بحثا عن نتيجة مُرضية تُسعد...

759

| 07 أكتوبر 2025

أخبار محلية