رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

الطعن في قرارات سحب الجنسية وكفالة حق التقاضي

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); صدر الشهر الماضي عن الدائرة الإدارية الأولى بمحكمة التمييز الكويتية حكمًا قضائيًا يحق لنا أن نصفه بـ"التاريخي"، لكونه عزز حق التقاضي المكفول دستوريًا، وأكد اختصاص القضاء في إلغاء القرار الصادر بإسقاط الجنسية عن المواطن أو سحبها منه، وذلك على الرغم من أن قانون دائرة المنازعات الإدارية الكويتي نص صراحة على عدم اختصاص المحكمة في مسائل الجنسية، كما أبعد عن مجال اختصاصها أعمال السيادة. وقبل التعليق على الحكم المذكور، من الفائدة أن نبين بأن أوروبا شهدت في النصف الأول من القرن العشرين ترحيلا جماعيا وحرمانا غير عادل من المواطنة وتمييزا لأسباب عرقية لمئات الألوف من الأشخاص، والتي تعد الأضخم في تاريخ أوروبا. هذه المأساة الإنسانية كانت وراء تقرير مبدأ "عدم تجريد المواطن من جنسيته تعسفًا" في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي أصبح نبراسًا انتهجت بنهجه مواثيق واتفاقيات عالمية وإقليمية أخرى تعنى بحقوق الإنسان. إسقاط الجنسية أو سحبها عن المواطن لم يعد مأساة خجل منها التاريخ في عهد الظلمات، فطوى صفحته سريعًا. تجريد المواطن من جنسيته للأسف الشديد عقوبة لا تزال تمارس في محيطنا دون ضمانات أو شفافية أو الحق في التقاضي أمام قضاء محايد ينظر في قرار سحب الجنسية ليرى إن وافق القانون، أو أن التجرد تم تعسفًا. وعودة إلى حكم محكمة التمييز الكويتية، نبين بأن الوقائع التي صدر الحكم بناء عليها تمثلت في أن أحد المواطنين الكويتيين الذي سبق أن اكتسب والده الجنسية الكويتية في عام 1962، وولد هو كويتيًا بعدها في عام 1965 وتزوج بامرأة كويتية وأنجب منها بنين وبنات كويتيين، صدر في حقه مرسوم في عام 2014 يقضي بسحب الجنسية الكويتية منه وممن كسبها معه بطريق التبعية. اتجه هذا الشخص متظلمًا للإدارة المعنية، ولكنه لم يتلق أي رد. وعدم الرد على التظلمات للأسف الشديد يُفهم منه أحيانًا أن الجهة المعنية لا تريد أن يُستغل ردها على التظلم ضدها في المستقبل إما إعلاميا أو قضائيًا، وقد يفهم منه أيضا أن الإدارة في موقف ضعيف لا تمتلك حياله السند القانوني المناسب فتتبع سياسية "التطنيش"، لاسيما وأنها تعلم بأن قراراتها محصنة ولا معقب عليها. كما قد يفهم من عدم الرد على التظلم بأن الإدارة لا تهتم بمعاناة هذا المتظلم، وما نجم عن قرارها في شأنه من مأساة له ولعائلته. وإسقاط الجنسية أو سحبها عن المواطن كارثة لا يمكن أن توصف أو يعطى لها صورة تقريبية تحدد درجة قساوتها إلا صورة ذلك الشخص الذي احتل وطنه وأبعد عنه ليبقى بلا وطن وبلا حماية. فسحب الجنسية عن المواطن كسحب الحياة منه، وفي أغلب دول الخليج العربي فقدان الجنسية سبب في فقدان الوظيفة، أي لقمة العيش. كما أن فقدان الجنسية يعد سببًا في استرجاع الدولة للقرض أو لتسوية منحة الأرض الذي بني عليها، أي بلا مأوى. علاوة على فقدان العديد من الحقوق الأساسية كالتعليم والرعاية الصحية، بل إن الأمر قد يصل إلى الحرمان من الإقامة على وجه الأرض التي كانت له وطنًا وأصبح اليوم غريبًا عنها بقرار محصن عن نظر القضاء. هذا الشخص الذي سحبت منه الجنسية لجأ إلى محكمة أول درجة لتنصفه، ولكن للأسف حكمت المحكمة بعدم اختصاصها ولائيًا بنظر الدعوى، فلم يقبل الحكم فولى وجهه نحو محكمة الاستئناف، لكنها قضت بتأييد الحكم المستأنف، أي أنها قضت كذلك بأن المحكمة غير مختصة ولائيًا بنظر الدعوى. ما حدا بالشخص المسحوبة جنسيته أن يتعلق بآخر أمل قضائي لديه في حياته الدنيا، فرفع دعواه أمام محكمة التمييز فأصدرت الحكم الذي نحن بصدده، والذي وصفناه بـ"التاريخي". وبينت محكمة التمييز في حكمها أن حق التقاضي مكفول للناس كافة، فلكل ذي شأن الحق في أن يلجأ إلى قاضيه الطبيعي للطعن في القرارات الإدارية النهائية، فالأصل أن تخضع أعمال وقرارات الإدارة لرقابة القضاء ويمنع تحصينها، فإن جاء القانون ومنع القضاء من نظر هذا الأمر فهو استثناء لا يجوز التوسع في تفسيره أو القياس عليه. ورأت محكمة التمييز في حكمها أن قانون دائرة المنازعات الإدارية الكويتي، أكد الأصل وهو إخضاع القرارات الإدارية لولاية المحاكم، وأنه إذ استثنى بعض القرارات من نظر القضاء ومنها القرارات الصادرة في مسائل الجنسية، فإن هذا الاستثناء يجب أن يكون في أضيق الحدود، وأن يقتصر فقط على القرارات الصادرة بمنح الجنسية أو رفض منحها. وهذا الاستثناء يمكن تبريره بكونه يتعلق بكيان الدولة وحقها في اختيار من يتمتع بجنسيتها في ضوء ما تراه وتقدره، غير أنه لا مبرر لاستثناء القرارات الصادرة بسحب الجنسية أو إسقاطها. استندت المحكمة إلى الدستور الكويتي، وهو كالعديد من الدساتير نص صراحة على أن الجنسية يحددها القانون ولا يجوز إسقاط الجنسية أو سحبها إلا في حدود القانون، وهو أمرٌ لا يتحقق إلا بالرقابة القضائية على عمل الإدارة. ومن جانب آخر، بيّن حكم محكمة التمييز الكويتية بأنه لا محل للقول بأن القرار الصادر بسحب الجنسية يعد عملًا من أعمال السيادة التي لا يجوز للمحاكم نظرها. فمع غياب تعريف تشريعي لأعمال السيادة، تكون المحاكم هي المختصة بتقرير ما يعد من أعمال السيادة من عدمه. وقد جرى قضاء المحكمة بأن أعمال السيادة هي القرارات التي تصدرها الحكومة باعتبارها سلطة حكم وليس سلطة إدارة، أما القرارات التي تصدرها بصفتها سلطة إدارة ومنها قرارات إسقاط أو سحب الجنسية، فإنها يجب أن تصدر في إطار القانون المنظم لها، وتلتزم الإدارة بضوابطه وحدوده وتخضع بالتالي لرقابة القضاء. وبالتالي قضت محكمة التمييز الكويتية بقبول الطعن شكلًا وتمييز الحكم المطعون فيه وباختصاص المحكمة في نظر القرارات الصادرة بإسقاط أو سحب الجنسية. هذا الحكم التاريخي لمحكمة التمييز الكويتية يجب أن يكون منهاجًا لجميع المحاكم في دول مجلس التعاون الخليجي، فتحصين القرارات الصادرة في مسائل الجنسية لم ينفرد به المشرع الكويتي فحسب، بل ذهب إليه المشرع في دول خليجية أخرى. فالمادة (11) من قانون السلطة القضائية القطري نصت صراحة على عدم اختصاص المحاكم بشكل مباشر أو غير مباشر في مسائل الجنسية، والمادة (4) من قانون الجنسية العمانية الجديد نص صراحة أيضا على أن "لا تختص المحاكم بالنظر في مسائل الجنسية والمنازعات المتعلقة بها". إن تحصين أعمال الإدارة وقراراتها أمر تجاوزته دول العالم ونصت بعض دساتيرها صراحة على عدم تحصين قرارات الحكومة تحقيقًا لكفالة حق التقاضي وترسيخًا لدولة المؤسسات والقانون. والله من وراء القصد.

3879

| 13 أبريل 2016

المحكمة الدستورية وشرط المواطنة

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); إن اشتراط المواطنة فيمن يتقلد القضاء عموماً، عنصر هام للغاية لتفعيل مبدأ استقلال القضاء وعدم التأثير على القضاة. فغير المواطن في الغالب لم يترك بلده إلا للحاجة ولتحسين وضعه المعيشي، وهو مرتبط بالدولة التي أتى للعمل فيها بعقد مؤقت، وللتأثير عليه قد يُغرى بالتمديد، وقد يهدد بعدم التجديد. هذا من جانب، ومن جانب آخر، إن كان القضاء يشكل في العموم مظهراً من مظاهر السيادة للدولة، فإن القضاء الدستوري ذروة سنام النظام القضائي والتصاقه بالسيادة أعمق وإحاطته به أوسع، إذ تعرض عليه تشريعات الدولة فتبطل لعدم دستوريتها أو تستمر لتوافقها مع دستور الدولة. وقد تكون إحالة التشريع ناجمة عن خلاف بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، وقد يكون موضوع النزاع متعلقاً بنظام الحكم، أو بحقوق المواطنين أو حرياتهم أو باختصاصات سلطة من السلطات العامة، وهي أمور في المجمل مرتبطة بالسيادة. لذا تذهب العديد من الدساتير إلى النص صراحة في صلب الدستور على اشتراط المواطنة فيمن يتم اختياره لعضوية المحكمة الدستورية، فالمادة (174)/1 من دستور جنوب إفريقيا لعام 1996 تنص على أنه يجب "أن يكون الشخص المعين في المحكمة الدستورية من مواطني جنوب إفريقيا..".. والمادة (119) دستور الاتحاد الروسي لعام 1993 تنص على أنه "يجب أن يكون القضاة من مواطني الاتحاد الروسي" وهو يسري على جميع القضاة فيها ومنهم قضاة المحكمة الدستورية. ولأهمية هذا المنصب لا تكتفي بعض الدساتير باشتراط المواطنة فحسب، بل تؤكد على ألا يحمل القاضي في المحكمة الدستورية جنسية دولة أخرى، فالمادة (152) من الدستور السوري لعام 2012، على سبيل المثال، تنص على أنه "لا يجوز لمن يحمل جنسية أخرى، إضافة إلى الجنسية العربية السورية أن يتولى مناصب رئيس الجمهورية أو نائبه أو رئيس مجلس الوزراء أو نوابه أو الوزراء أو عضوية مجلس الشعب أو عضوية المحكمة الدستورية العليا". والمادة (61) من الدستور الأردني لعام 1952 تنص على أن يشترط في عضو المحكمة الدستورية أن يكون أردنياً، ولا يحمل جنسية دولة أخرى. بل نجد من الدساتير ما لا يكتفي باشتراط المواطنة أو عدم ازدواج الجنسية لتولي منصب القضاء في المحكمة الدستورية، بل يؤكد أيضاً أن تكون هذه الجنسية التي يحملها المواطن هي بصفةٍ أصلية أو أن يكون الشخص مواطناً ولد على أرض الوطن، أو أن يتمتع بالحقوق السياسية كحق الترشيح وحق الانتخاب وهو أمر تقره الدول للمواطنين بصفة أصلية. ففي دستور كولومبيا لعام 1991، على سبيل المثال، تنص المادة (147) منه على أنه كي يكون الشخص قاضياً في المحكمة الدستورية أو محكمة العدل العليا أو مجلس الدولة ينبغي "أن يكون كولومبياً بالولادة".. وفي الإكوادور تنص المادة (433) من دستورها لسنة 2008 بأن يكون من يتم تعيينه عضواً في المحكمة الدستورية مواطناً إكوادورياً متمتعاً بحقوقه السياسية. وفي مقابل هذا التوجه نجد دساتير دول أخرى لم تنص صراحة على شرط الجنسية فيمن يتم اختياره عضواً في المحكمة الدستورية، إذ قد يكون هذا الشرط من الشروط التقليدية البديهية التي يؤكد عليها القانون العادي في بعض الدول فيمن يتولى منصب القضاء لكونه من الوظائف السيادية التي لا يتقلدها إلا المواطنون. أو قد يجيز القانون استثناءً أن يتقلد هذا المنصب قضاة أو قانونيون مؤهلون من جنسيات أخرى بسبب قلة عدد سكان الدولة وعدم توافر المؤهلين من أبنائها. ومن أمثلة الدول التي لم تنص دساتيرها صراحة على شرط الجنسية في عضو المحكمة الدستورية دستور دولة الكويت الذي ترك تقرير اشتراطه من عدمه للمشرع العادي، فلما صدر قانون إنشاء المحكمة الدستورية قصر العضوية فيها على الكويتيين من مستشاري محكمة التمييز ومحكمة الاستئناف. وقد قيل في تبرير اشتراط المشرع الكويتي للعنصر الوطني في العضوية، بأنه قد روعي في تشكيل المحكمة الدستورية الجانب السياسي في مهمتها، والأصداء السياسية التي قد تترتب على أحكامها. وفي دولة قطر ترك المشرع شرط الجنسية للقواعد العامة، فوفقاً لها يجوز عند عدم توافر شروط العضوية في المواطن القطري أن يكون من يتولى القضاء من مواطني الدول العربية، وقد يبرر ذلك برغبة المشرع في عدم التضييق من دائرة الاختيار. كما قد يبرر عدم اشتراط الجنسية القطرية في عضو المحكمة الدستورية بأن فيه إفساحاً لأن تضم هذه الأخيرة بعض ذوي الخبرة في المنازعات الدستورية من مواطني الدول التي سبقت دولة قطر في إنشاء القضاء الدستوري. فمتى ترى المحكمة القطرية النور؟ هذا والله من وراء القصد.

1405

| 17 مارس 2015

المباغتة في إصدار تشريعات الحقوق وحق المعارضة في إيقافها

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); قبل أيام معدودة قامت المحكمة العليا في كينيا بتعليق ثماني مواد من قانون الأمن الوطني الجديد مؤقتًا حتى تنظر في الالتماسات المقدمة من المعارضة بشأن انتهاك هذه المواد للحريات العامة. والمواد التي أثارت المعارضة وترى فيها انتهاكًا خطيرًا للدستور وأنها تحول كينيا من دولة مؤسسات وقانون إلى دولة بوليسية، تتمثل في تلك التي تطيل فترة احتجاز المشتبه بهم في أعمال إرهابية لمدة تصل إلى سنة دون توجيه تهمة إليهم، وتلك التي تسهل مراقبة الاتصالات وتفرض عقوبة بالسجن لنشر مقال يمكن أن يؤثر في سير عملية التحقيقات. كما أن من المواد التي تم تعليقها تلك التي تفرض عقوبات قاسية لكل من وجد معه سلاحٌ في دار للعبادة ويدان في جريمة إرهاب، وتلك التي تعرض أصحاب المباني والمؤسسات أو المسؤولين عن الأماكن العامة لعقوبات صارمة إن فشلوا في منع دخول الأسلحة لهذه الأماكن. القانون الجديد تمت الموافقة والتصديق عليه في فترة تقل عن أسبوعين، ولم يمنح لأعضاء البرلمان ولا للرأي العام وقتٌ كافٍ لمناقشته. وإمكانية الحكومة الاستعجال في إصدار التشريع في فترة قياسية أو المباغتة في إصداره، قد يعد "تكتيكًا" من قبلها لتمرير بعض التشريعات التي قد تواجه معارضة شديدة تمنع صدورها لو تم التمهل بها، ويزداد الأمر سوءًا إن كان التشريع يتعلق بتنظيم ممارسة حق من الحقوق. وهو أمر يجب أن ينتبه له المشرع الدستوري، فينص على منع الاستعجال في إصدار التشريعات الأساسية ذات العلاقة بالحريات العامة. فالدستور التونسي الجديد (2014) على سبيل المثال، أكد أن الحريات وحقوق الإنسان تصدر في شكل قانون أساسي، وبين أن مشروع القانون الأساسي لا يعرض على مداولة الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب إلا بعد مضي خمسة عشر يومًا من إحالته على اللجنة المختصة. إن إمكانية اللجوء إلى المحكمة العليا مباشرة لإبطال قانون صدر بسبب انتهاكه للحقوق والحريات العامة، دون أن تكون هناك قضية معروضة في المحكمة الدنيا يعد ضمانة مهمة جدًا في منع انحراف المشرع عند تنظيمه لهذه الحقوق. فالفقرة 3/ب من المادة (165) من الدستور الكيني لعام 2010 تجعل من صلاحية المحكمة العليا البت فيما إذا كان قد تم الحرمان من حق أو حرية أساسية أو تعرض أي منهما للانتهاك أو التعدي أو التهديد. إن مما يضعف من فاعلية الحماية التي توفرها المحاكم العليا أو الدستورية للحريات في بعض الدول هو جعل اللجوء المباشر لهذه المحاكم يكون فقط للسلطات التي أسهمت أصلًا في وضع التشريع، أو تجعل لجوء البرلمان إليها يكون بقرار يصدر من أغلبية أعضاء البرلمان مما يحرم المعارضة لكونها لن تتمكن من الوصول إلى الأغلبية المطلوبة. كما أن في كثير من دولنا العربية ليس للأفراد حق اللجوء لهذه المحاكم إلا من خلال أسلوب الدفع الفرعي. أي يجب أن تكون هناك دعوى منظورة في محكمة دنيا، ويدفع الشخص أمام قاضيها بأن القانون الذي سوف يطبق عليه غير دستوري، وحينها إن وجد القاضي جدية ما دَفع به يمنحه فرصة اللجوء إلى المحكمة الدستورية لتنظر في أمره. ولا شك أن الأمر يزداد سوءًا إن كان اللجوء إلى المحكمة الدنيا من الأساس محظورًا والباب مغلقًا بسبب تحصين المشرع لبعض القرارات واستثنائها من نظر القضاء. والله من وراء القصد.

528

| 06 يناير 2015

ضمانات منع انحراف القانون عند تنظيمه للحقوق

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); تخصص الدساتير في الغالب باباً ضمن أبوابها للحقوق والحريات العامة، فالدستور القطري، على سبيل المثال، خصص الباب الثالث منه للحقوق والواجبات العامة، والدستور البرازيلي أطلق على الباب الثاني منه مسمى "الحقوق والضمانات الأساسية"، ودستور جنوب إفريقيا ضمن الحقوق الباب الثاني الذي عنونه بـ"وثيقة الحقوق". ووجود هذه الحقوق ضمن الدستور الذي هو أسمى وأعلى وثيقة تشريعية في النظام القانوني لكل دولة، يدل على أهمية هذه الحقوق لدى شعب وحكومة هذه الدولة. ولكن ليس بالضرورة أن يكون هذا صحيحاً، إذ تبقى مواد الدستور مجرد حبر على ورق في دولة اللاقانون ودولة اللاحرية. وتؤكد الدساتير في الغالب على كفالة الحريات وترسيخ المبادئ الجوهرية بصياغة محكمة دون الاسترسال أو الخوض في التفصيلات الدقيقة التي تتركها لأدوات تشريعية أدنى منها، كالقانون كي ينظمها. وهنا تكمن المشكلة، إذ قد ينحرف المشرع العادي عند تنظيمه الحق، فيقيده بدلاً من أن ينظمه، ويخرج عن تلبية قصد المشرع الدستوري إلى تلبية قصد السلطة الحاكمة. لذا نجد بعض الدساتير قد أدرك هذه المشكلة، فنراه يحيط كفالة الحق قدر الإمكان بالضمانات الضرورية دون ترك تفصيلاته الجوهرية للقانون، فالدستور المصري الجديد على سبيل المثال لم يذهب في كفالته لحرية الصحافة إلى ما ذهب إليه بعض الدساتير بتقرير حكم موجز بسيط لا يتعدى السطر الواحد ينص على أن "حرية الصحافة مكفولة وفقا لأحكام القانون"، بل على خلاف ذلك جاءت مواد الدستور المصري بصياغة أشمل وبضمانات أوسع تكفل حرية الصحافة والطباعة والنشر الورقي والمرئي والمسموع والإلكتروني، وتقرر أن للمصريين من أشخاص طبيعية واعتبارية، عامة وخاصة حق ملكية وإصدار الصحف وإنشاء وسائل الإعلام المرئية والمسموعة ووسائط الإعلام الرقمي. وأن الصحف تصدر بمجرد الإخطار. وأنه يحظر بأي وجه فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام المصرية أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها، لكن يجوز استثناء فرض رقابة محددة عليها في زمن الحرب والتعبئة العامة فقط. وأنه لا يجوز إيقاع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية، أما الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو بالتمييز بين المواطنين أو بالطعن في أعراض الأفراد، فيحدد عقوباتها القانون. وأن الدولة تلتزم بضمان استقلال المؤسسات الصحفية ووسائل الإعلام المملوكة لها، بما يكفل حيادها وتعبيرها عن كل الآراء والاتجاهات السياسية والفكرية والمصالح الاجتماعية ويضمن المساواة وتكافؤ الفرص في مخاطبة الرأي العام. كما نجد بعض الدساتير في سبيل منع القانون من الانحراف عند تنظيمه للحقوق يضع بعض المبادئ الجوهرية التي يجب أن يلتزم بها المشرع العادي، فدستور تونس الجديد (2014) ينص مثلاً على ألا توضع الضوابط المتعلقة بالحقوق والحريات العامة إلا لضرورة تقتضيها دولة مدنية ديمقراطية وبهدف حماية حقوق الغير أو لمقتضيات الأمن العام أو الدفاع الوطني أو الصحة العامة أو الآداب العامة، وذلك مع احترام التناسب بين هذه الضوابط وموجباتها، وأن تتكفل الهيئات القضائية بحماية الحقوق والحريات من أي انتهاك، وأن أي تعديل يجب ألا ينال من مكتسبات حقوق الإنسان وحرياته المضمونة في الدستور. وهذان مثالان قد يساهمان في منع القانون من الانحراف عن قصد المشرع الدستوري عند تنظيمه للحقوق، ولا شك أن الضمانة الأكبر هي أن يوضع القانون من قبل ممثلي الشعب ليكون معبراً عن ضمير المجتمع، وهو أمر يفتقده القانون في الدول ذات المجالس المعينة. والله من وراء القصد.

1145

| 30 ديسمبر 2014

صوت الشعب ليس بجريمة

في يوم الخميس 11 ديسمبر صدق مجلس النواب في البرلمان الإسباني على مشروع قانون الأمن العام الذي أثار عاصفة عاتية من الانتقادات من قبل أحزاب المعارضة ومجموعات حقوق الإنسان، والتي دعت من خلال مواقعها الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي إلى وقفات ومسيرات احتجاجية شهدتها فعلاً يوم السبت الماضي عدة مدن إسبانية. مشروع القانون الذي أطلق عليه المحتجون مسمى "قانون تكميم الأفواه، أو قانون الإسكات" يشمل غرامات باهظة ضد من يتظاهر بالقرب من مبنى البرلمان أو المنشآت الاستراتيجية، وضد من يمنع السلطة من إخلاء الساحات التي تشهدها تلك المظاهرات، أو يوجه الإهانة لها في تلك الأثناء، أو ينشر صورًا لرجال الشرطة مما يعرض سلامتهم للخطر. الحزب الشعبي المحافظ - الذي يمتلك الأغلبية في البرلمان الذي صدق على مشروع القانون وينتمي له رئيس مجلس الوزراء الإسباني - أصدر منذ توليه السلطة في 2011 سلسلة من الإجراءات التقشفية وتخفيض النفقات في مجالي التعليم والصحة لتجاوز الأزمة المالية، مما أثار غضب الشارع في تلك الفترة، فطوق المحتجون الغاضبون البرلمان ودخل بعضهم في مواجهات دامية مع رجال الشرطة. يرى هذا الحزب أن القانون وضع لضمان سلامة المواطنين والمنشآت الحيوية، بينما يرى المحتجون الذين وضع بعضهم الشريط اللاصق على فمه تعبيرًا عن قمع السلطات للكلمة، يرى هؤلاء أن القانون الجديد يعد انتهاكًا لحرية التعبير والتجمع وضربة للحقوق المدنية والسياسية، وأنه لم يوضع لضمان سلامة المواطنين كما تزعم الحكومة، بل لقمع صوت الشعب المُنكِر لسياسات الحكومة منذ توليها السلطة. (المتظاهرون ليسوا مجرمين)، (صوت الشعب ليس بجريمة)، و(لماذا يُطلب من الناس السكوت في حين أن أول ما يطلقه الإنسان عند ولادته هو الصراخ؟) كانت هذه بعض الشعارات التي أطلقتها المسيرة الغاضبة. ويعد الشعار أبرز الأدوات المستخدمة في المسيرات والمظاهرات، إنه وقود التظاهر، وكلما كان معبرًا وبكلمات قليلة كان دافعًا إلى التعبئة واستمرارية التظاهر وصموده وانتشاره، إنه السلاح الوحيد الذي يحمله المتظاهرون السلميون، ولا يحتاج حمله إلى ترخيص. ترى ما الذي يجعل بعض الدول الغربية تعدل من تشريعاتها نحو المزيد من تقييد الحريات، هل وضعت تلك التشريعات في زمن الترف الديمقراطي، ولم تعد صالحةً لدول تربط الحزام وتكتم أنفاسها لتتجاوز أزمتها المالية. في تشريعاتنا العربية لا تقتصر عقوبة مخالفة قوانين التظاهر والمسيرات على الغرامة بل تقترن بالحبس أيضًا، ونادرًا ما نشاهد في محيطنا القريب وقفات احتجاجية ضد قانون أو تشريع سوف يصدر!، هل يعود ذلك إلى غياب منظمات المجتمع المدني الحقيقية والأحزاب السياسية الحقيقة!، مما يغيب معها الوعي بخطورة مثل تلك التشريعات؟ أم أن الوضع الاقتصادي الجيد الذي تعيشه بعض شعوب المنطقة يساهم في تخديرها عن تشريعات قد تُودي بحياتهم في المستقبل! أم لأن ليس للشعب دور في وضع القانون من الأساس فيؤدي ذلك إلى ضعف اهتمامه به. بقي أن نقول إنه مهما حملت قوانين التظاهر والمسيرات من عقوبات صارمة، فإنها تصبح عديمة الفائدة إن عم الغضب الشعب كله، فالقانون ضمير المجتمع، وبقاؤه مرهون برضاه عنه. والله من وراء القصد. googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3');

874

| 23 ديسمبر 2014

قانون أسرار الدولة، وحق الحصول على المعلومات

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); في الأسبوع الماضي تناقل الإعلام خبر الوقفات الاحتجاجية التي شهدتها اليابان قبيل سويعات فقط من موعد دخول قانون أسرار الدولة حيز النفاذ،هذا القانون يسمح- كما يرى واضعوه- بالتعاون وتبادل المعلومات الحساسة مع الدول الأخرى لاسيَّما أمريكا وإقامة علاقات أكثر صلابة في المجال الأمني. بينما يرى المحتجون في هذا القانون ضربة قاسية للديمقراطية، يحول الدستور الياباني إلى مجرد أوراق عديمة الفائدة،فمن خلال هذا القانون ستنكمش حرية الإعلام والرأي والبحث العلمي، وسينتهك حق الشعب في المعرفة وفي الحصول على المعلومات، وسوف تحرم الصحافة من التحقيق في الأخطاء التي ترتكب من قبل الجهات الرسمية.فهذا القانون علاوة على ما يقرره من عقوبات قاسية بشأن من يسرب هذه المعلومات أو في شأن من ينشرها، يمنح مسؤولي الوزارات والهيئات أمر تصنيف ما يدخل تحت مفهوم أسرار الدولة من معلومات في مجالات الدفاع ومكافحة الإرهاب والتجسس والدبلوماسية، وهنا تكمن الخطورة إذ يؤدي ذلك إلى التوسع في مفهوم أسرار الدولة مما يؤدي إلى توسيع دائرة التجريم. وبعيدًا عن اليابان واحتجاجات شعبها ضد قانون أسرار الدولة، ومع غيبة النص على الحق في الحصول على المعلومات في أغلب الدساتير العربية، نجد أحدث دستورين صدرا في عام 2014 في الوطن العربي وهما الدستور التونسي والدستور المصري ينصان على هذا الحق صراحة، فالفقرة الأولى من المادة (23) من دستور تونس تنص على أن "تضمن الدولة الحق في الإعلام والحق في النفاذ إلى المعلومة"، والفقرة الأولى من المادة (68) من الدستور المصري تنص على أن "المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق ملك للشعب، والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة حق تكفله الدولة لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية، وينظم القانون ضوابط الحصول عليها وإتاحتها وسريتها وقواعد إيداعها وحفظها والتظلم من رفض إعطائها، كما يحدد عقوبة حجب المعلومات أو إعطاء معلومات مغلوطة عمدًا". ولا شك في أن من حق الدولة أن تحجب بعض المعلومات والأسرار الأمنية محافظة على سلامة المجتمع، وأن تنص قوانين العقوبات فيها على عقوبات مغلظة في حق من يفشي أسرار الدفاع عن الدولة، لكن في الوقت ذاته لا يكون ذلك غطاءً تشريعيًا للتستر على عمليات الفساد الإداري والمالي للمسؤولين وإساءة استغلال السلطة التي لا محالة تعرض أمن الدولة الاقتصادي لكارثة أكبر. ومن جانب آخر فإن أي قانون يصبح أكثر خطورة على الحريات عندما تكون مواده غير محكمة، أو أحكامه غير واضحة، مما يتيح التوسع في تطبيقه وفي تفسيره بشكل قد لا يخلو من العشوائية، ناهيك عما تسببه العقوبات الواردة فيه إلى خوف أي موظف أو مسؤول حتى من الحديث عن موضوعات بعيدة عن الحظر وذلك لتجنب الوقوع في دائرة المحظور، مما ينعكس سلبًا على تفعيل الرقابة على أعمال السلطة لاسيَّما من منظمات المجتمع المدني. وفي الختام أتمنى ألا نستورد قانون أسرار الدولة من اليابان، رغم أن الكثير من مسؤولينا وموظفينا ليس بحاجة لمثل هذا القانون لمنع أية معلومة مهما كانت بعيدًا عن السرية. والله من وراء القصد.

1229

| 16 ديسمبر 2014

لماذا نخشى المجلس المنتخب؟

من الأمور التي يثيرها البعض في معرض خشيته من مجلس الشورى القطري المنتخب، تجربة مجلس الأمة الكويتي وحالة التأزيم السياسي المستمر والمتواصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، فيحاول تعسفاً تحميل البرلمان الكويتي مسؤولية بطء التنمية، لذا يدعو إلى عدم خوض تجربة مماثلة قد توصلنا إلى وضع مماثل. ورغم أن هذا القول لا ينطلي إلا على البسطاء، إلا أن من الفائدة القيام بتفنيده. ذلك أن من يستحضر هنا التجربة الكويتية حسب رأينا إما أن تكون له مآرب أخرى، أو أنه لم يقرأ الدستور القطري، أو لم يدرك حقيقة تشكيل هذا المجلس، ولا حقيقة صلاحياته!، وهو أمر يجعل المقارنة بين المجلسين القطري والكويتي في غاية التباين!، فبشأن التشكيل على سبيل المثال، فإن مجلس الأمة الكويتي يتألف من أعضاء منتخبين عددهم خمسون عضواً، ومن الوزراء وهم أعضاء بحكم مناصبهم، ونسبة هؤلاء لا تشكل عائقاً أمام الوصول للأغلبية المطلوبة لاتخاذ القرارات المهمة كفرض تشريع ما، أو سحب الثقة من وزير ما. أما تشكيل مجلس الشورى القطري فيتألف من 45 عضواً ثلاثون منهم منتخبون وخمسة عشر يعينهم الأمير وهو من يملك إعفاءهم، وهذا الثلث المعين يشكل في الواقع العملي نسبة معرقلة لعمل مجلس الشورى إنْ لم تكن نسبة معيقة لدوره، لكون الأغلبية المطلوبة لاتخاذ القرارات المهمة هي أغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس! والتباين في القوة بين المجلسين لا يقتصر على التشكيل فحسب بل يبرز كذلك في شأن صلاحيات كلٍ منهما! ففي الرقابة على أعمال الحكومة على سبيل المثال لا يمكن لمجلس الشورى القطري أن يستجوب رئيس مجلس الوزراء، ولا يمكنه أن يطلب عدم التعاون معه، في حين يتمكن مجلس الأمة الكويتي من ذلك. كما لا يُمكن، من جانب آخر، أن تثار مسألة استجواب أحد الوزراء إلا بموافقة ثلث أعضاء مجلس الشورى في الوضع القطري، بخلاف الوضع في الكويت إذ يستطيع أي عضو من أعضاء مجلس الأمة منفرداً أن يوجه استجواباً لأي وزير (انظر المادة "100" دستور الكويت). أما بشأن سحب الثقة من وزير ما فلا يمكن في قطر أن يتم ذلك إلا بموافقة ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس الشورى أي ثلاثون عضواً، وهي أغلبية شبه مستحيلة التحقق في الواقع العملي لوجود الثلث المعين، في حين أن الأغلبية المطلوبة لسحب الثقة من أي وزير في الحالة الكويتية هي أغلبية الأعضاء المنتخبين أي أن الأعضاء بحكم مناصبهم لا يشتركون في التصويت (انظر المادة "101" دستور الكويت) وهي بالتالي أغلبية يمكن أن تتحقق في الواقع العملي.   لذلك كله فإننا نقول لمن يثير الحالة الكويتية ويخشى أن يؤدي وجود المجلس القطري المنتخب إلى مصادمات وتأزيم سياسي ينعكس على التنمية: اطمئن فإن واضعي الدستور القطري قد كفوك العناء ونزعوا فتيل ما تخشاه. ورغم محدودية دور مجلس الشورى المنتخب والمرتقب الذي أثرناه في الفقرات السابقة، فإن ذلك لا يعني إطلاقاً عدم المطالبة به أو عدم الحث على الدعوة لانتخاب أعضاءه. فهو بلا ريب أفضل من المجلس الحالي المعين إذ سيصبح للشعب دور في انتخاب ثلثي المجلس، وهؤلاء المنتخبون سيستمدون قوتهم في أداء عملهم من قوة الشعب، ولن يكونوا أسرى لمن عينهم. كما أن عضويتهم مؤقتة بأربع سنوات تجرى قبل انتهائها انتخابات جديدة قد تأتي بدماء جديدة، تحمل طموحات وأفكار ورؤى الزمن الجديد الذي انتخبوا فيه، وهو خلاف المجلس المعين الذي يبقى فيه العضو إلى أمد غير مسمى يتجمد فيه فكره وفاعليته وحماسه إن لم تكن حركته أيضاً. أما بشأن الصلاحيات الأخرى فإن المجلس المعين وبخلاف المجلس المنتخب، لا يملك حق الاستجواب أو حق سحب الثقة من أي وزير، كما لا يملك حق اقتراح القوانين، علاوة على أنه لا يملك إلا رؤية باب المشروعات الرئيسة العامة من مشروع الموازنة العامة. بالتالي يعتبر المجلس المرتقب أفضل، شيئاً ما، من المجلس المعين ويحقق غرض التدرج نحو امتلاك المجلس يوماً ما صلاحيات برلمانية أوسع. علاوة على أن إجراء الانتخابات والجو الذي تحيا فيه ودوريتها، وعلنية جلسات مجلس الشورى ووجود أعضاء منتخبين سوف ينعكس لا محالة إيجاباً على حرية التعبير وقد يحرك مياه الرقابة والشفافية الراكدة. إن الذي يتخذ من الوضع الكويتي شماعةً يُعلق عليها رغبته في سد أي منفذ للمشاركة الشعبية ولو كان كخرم الإبرة، ويود تأجيل الدعوة لانتخابات مجلس الشورى يجب أن يدرك جيداً بأنه يضرب المصداقية في مقتل. ففي الأول من نوفمبر عام 2011 ألقى سمو الأمير خطابه السنوي في افتتاح دور انعقاد مجلس الشورى جاء فيه: "...إني أعلن من على منصة هذا المجلس أننا قررنا أن تجري انتخابات مجلس الشورى في النصف الثاني من العام 2013. نحن نعلم أن هذه الخطوات كلها خطوات ضرورية لبناء دولة قطر الحديثة والإنسان القطري القادر على خوض تحديات العصر وبناء الوطن. ونحن على ثقة أنكم ستكونون على قدر المسؤولية". إن الدعوة لإبقاء الحال على ما هو عليه وعدم الثقة بالشعب لا شك بأنه يخالف قناعات سمو الأمير التي عبر عنها في هذا الخطاب، وفي خطابات عديدة ذكرنا بعضها في المقال السابق، ونذكر هنا كلمة سموه قبل أيام قليلة مضت في افتتاح منتدى الدوحة ومؤتمر إثراء المستقبل بتاريخ (20 مايو 2013) والتي جاء فيها: "...إنني على يقين بأن من يرفض الإصلاح والتغيير ولا يستوعب حقائق العصر ومتطلبات المجتمعات الحديثة سوف تغيره ضرورات التاريخ ومسيرة الزمن...".، وكأن كلمة سموه جاءت هؤلاء. ومن جانب آخر لا يمكن أن يكون عدم استكمال التشريعات الخاصة بمجلس الشورى سبباً في تأخر إجراء الانتخابات إلى الآن. ذلك أن الصحف المحلية زفت لنا قبل عام من الآن وبالتحديد في تاريخ 7 يونيو 2012 موافقة مجلس الوزراء الموقر في اجتماعه الأسبوعي على اتخاذ الإجراءات اللازمة لاستصدار مشروع قانون بنظام انتخاب أعضاء مجلس الشورى، بعد أن وافق مجلس الشورى عليه قبل أربع سنوات من تاريخه رفعه إليه! (أي بتاريخ 19 مايو 2008) في هذا الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء المنعقد بتاريخ 6 يونيو 2012 تمت الموافقة أيضاً على مشروع مرسوم بتحديد الدوائر الانتخابية لمجلس الشورى وبيان مناطق كل دائرة وعدد الأعضاء الذين يتم انتخابهم عن كل منها، والموافقة على مشروع قرار أميري بشأن إنشاء وتشكيل لجنة تحديد العنوان الدائم للناخب وتحديد اختصاصاتها والإجراءات التي تتبع أمامها، وأخيراً الموافقة على مشروع قرار وزير الداخلية بنظام الاقتراع بسفارات الدولة بالخارج لانتخاب أعضاء مجلس الشورى. جميع مشروعات الأدوات التشريعية السابقة والمرتبطة بانتخابات مجلس الشورى قد استكملت وأعلن عن الموافقة عليها قبل عام من الآن فلم تبق حجة أو سبباً لتأجيل الانتخابات أو للتمديد للمجلس المعين! والله من وراء القصد.

2887

| 05 يونيو 2013

انتخابات مجلس الشورى 2013

أسابيع قليلة تفصلنا عن 30 يونيو 2013 الموعد الذي حدده القرار الأميري رقم (18) لسنة 2010 لتنتهي معه مدة مجلس الشورى المعين، فهل سيجدد له؟ أم سنشهد انتخابات مجلس الشورى بعد كل هذه السنوات من النص عليها! المادة (46) من النظام الأساس المؤقت المعدل (1972) أكدت قبل أربعين عاماً على أن ينشأ مجلس يتم تشكيله بالانتخاب العام السري المباشر بعد انتهاء مدة المجلس الأول والذي قدر ابتداءً أن يبقى معيناً لمدة سنة واحدة وفقاً للمادة (45) من النظام الأساس المؤقت، لكن ما إن اقتربت هذه السنة على الانتهاء عام 1973 حتى أُجري تعديل على هذه المادة مُد به عمر المجلس ليصبح 3 سنوات، وتكرر هذا الأمر ثانيةً فما أن اقتربت هذه السنوات الثلاث على الانتهاء عام 1975 إلا والمشرع يعاجل المواطنين بمد مدة المجلس المعين ويجعل عمره ست سنوات. أعقب هذين التعديلين قرارات أميرية متتابعة تطيل مدة المجلس دون إجراء تعديل على المادة (45) من النظام الأساس المؤقت المعدل، مستفيدةً في ذلك مما قررته هذه المادة بأنه "يجوز مد هذه المدة إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك". فصدرت قرارات المد في عام 1982 وعام 1986 وعام 1990 وعام 1995 وعام 1998 وعام 2004 وعام 2005 وعام 2007 وعام 2008، وأخيراً عام 2010 بمد مدة مجلس الشورى كذلك لغاية 30 يونيو 2013. ورغم كثرة هذه القرارات وتتابعها إلا أن أيٍ منها لم يوضح ما هي المصلحة العامة التي اقتضت التمديد.        في يوم 16 نوفمبر عام 1998 ألقى سمو الأمير خطاباً في افتتاح الدور العادي السابع والعشرين لمجلس الشورى جاء فيه "أنه آن الأوان لتطوير نظامنا الدستوري" وأن هذا الهدف "لا بد أن يساهم في تعزيز قدرة سلطات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية على أداء مهماتها بكفاءة وفاعلية، ومن شأنه أن يرفع مستوى الأداء الحكومي ويزيد من قدرته على القيام بما هو مطلوب ومنشود في تقديم الخدمات العامة، ودفع عملية التنمية وخدمة الوطن والمواطن، إضافة إلى تعميق تجربتنا في تعزيز المشاركة الشعبية وتنشيط دورها في رسم سياسات الدولة وحسن تنفيذها"، و "من أجل تحقيق هذا قررنا بعون الله تشكيل لجنة من أهل الكفاءة والاختصاص لوضع دستور دائم للبلاد، يكون بنوده الأساسية تشكيل برلمان منتخب عن طريق الاقتراع الشعبي المباشر، لنتوج به سعينا نحو تكريس المشاركة الشعبية كأساس للحكم..".. وفي 18 نوفمبر 2003 وعند افتتاح دور الانعقاد العادي 32 لمجلس الشورى ألقى سمو الأمير خطاباً جاء فيه: "إن الحدث الأهم على الساحة الداخلية، منذ أن التقينا في العام الماضي، هو الاستفتاء على مشروع الدستور الدائم الذي نال موافقة شعبية واسعة، تؤكد أن أحكامه جاءت ملبية لرغبات وتطلعات شعبنا في إقامة دولة المؤسسات المبنية على مبدأ الفصل بين السلطات، والتي تعتبر المشاركة الشعبية، ممثلة في مجلس الشورى المنتخب ركناً ركيناً فيها، كما تؤكد قناعة شعبنا بالمبادئ والأسس التي تضمنها ذلك الدستور". وفي 5 أبريل 2004 وعند افتتاح منتدى الدوحة الرابع للديمقراطية والتجارة الحرة بين سمو الأمير في خطابه: "إن قطر قطعت خلال السنوات الماضية شوطاً على الطريق نحو تعزيز المشاركة الشعبية، وهو ما تجسد في أبريل المنصرم من خلال الاستفتاء على مقترح الدستور الدائم، الذي جاءت مواده لتكفل الحقوق، وتصون الحريات، وتبنى دولة المؤسسات وحكم القانون، وتمهد عن قريب لإجراء انتخابات برلمانية يشارك من خلالها المواطنون في تشكيل مجلس للشورى، يساعد على الارتقاء بمجمل العمل العام". من خلال سلسلة الخطابات الأميرية أعلاه يظهر بكل وضوح بأنه آن الأوان في عام 1998 (تاريخ الخطاب الأميري الأول) لوضع دستور "يكون بنوده الأساسية تشكيل مجلس منتخب عن طريق الاقتراع الشعبي"، وأن سمو الأمير يرى بأن المشاركة الشعبية وإقامة دولة المؤسسات المبنية على مبدأ الفصل بين السلطات لا يمثل رغبات وتطلعات سمو الأمير فحسب بل رغبات وتطلعات الشعب القطري أيضا، وأنه يرى بأن المشاركة الشعبية متمثلة في مجلس الشورى المنتخب يعد الركن الركين للدستور الجديد، وأنه قريباً (وقد ألقي هذا الخطاب في 2004) سوف تجرى انتخابات برلمانية يشارك خلالها المواطنون في تشكيل مجلس الشورى المنتخب. إن قناعة سمو الأمير بالديمقراطية والمجلس المنتخب والمشاركة الشعبية في اتخاذ القرار السياسي لم يفصح عنها داخلياً فحسب، بل نقلها سموه إلى المناقشة العامة لدورة 59 للجمعية العامة للأمم المتحدة في 11 سبتمبر 2004 إذ بين في خطابه أمامها أن "الإصلاح السياسي ومشاركة المواطن في صنع القرار لم تعد قضية اختيارية نأخذ أو لا نأخذ بها، وإنما باتت ضرورة، ولا أبالغ إذا ما قلت أنها تصل حتى إلى درجة الحتمية، بعد ما أظهرته المسيرة الطويلة للعلاقات الدولية من أن الدول التي أنجزت اقتصادياً كانت هي الأكثر حرصاً على تطبيق الديمقراطية، سواءً كانت من بلدان الشمال أو الجنوب". فالإصلاح السياسي ومشاركة المواطنين في صنع القرار كما يرى سمو الأمير لم تعد قضية للنقاش، ولم تعد مسألة اختيارية للأخذ بها أو عدم الأخذ بها، بل هي مسألة إلزامية وحتمية وإن غيابها هو سبب المعاناة الاقتصادية والاجتماعية القاسية التي تتكابدها الدول التي تفتقر إلى ذلك. الدستور الذي آن أوان وضعه في 1998 شكلت لجنة لإعداد مشروعه في عام 1999، وأخذت هذه اللجنة ثلاث سنوات لإنجاز عملها وتسليمه عام 2002، ليبقى حبيس الأدراج لمدة تقترب على السنة حتى يدعى المواطنين للاستفتاء عليه في 2003، ثم يبقى حبيس الأدراج ثانيةً ولمدة تتجاوز السنة لكي يصدر عام 2004، ثم يبقى حبيس الأدراج ثالثةً ولمدة سنة لكي يُنشر في عام 2005، وليخرج أخيراً إلى النور بعد سبع سنوات من تاريخ البشارة به عام 1998. ورغم هذا السنوات السبع العجاف فإن هذا المخلوق لم يخرج إلى النور بكامل جسده بل بقى ثلث مواده المتعلق بالمجلس المنتخب داخل الرحم المظلم وفقاً للمادة (150) من هذا الدستور. وقد مضت سبع سنوات أخرى على تاريخ بدء العمل بالدستور. هذا الثلث من الدستور ما زال مُغيباً! هذا الثلث هو الجزء الأهم الذي يميز هذا الدستور عن النظام الأساس المؤقت المعدل، والذي وصفه سمو الأمير في خطاباته أعلاه بأنه "الركن الركين" لهذا الدستور "وبنوده الأساسية".        وأخيراً في مطلع شهر نوفمبر من عام 2011 أعلن سمو الأمير في خطاب افتتاح دور الانعقاد الأربعين لمجلس الشورى القطري من على منصة هذا المجلس بأنه قرر أن تجرى انتخابات مجلس الشورى في النصف الثاني من عام 2013. وها نحن قد أوشكنا على الانتهاء من النصف الأول من عام 2013! فهل سيشهد النصف المتبقي من هذا العام انتخابات مجلس الشورى؟ إلى الآن لم يصدر قانون نظام انتخاب مجلس الشورى! ولم تُعد جداول الناخبين! ولم يصدر مرسوم الدوائر الانتخابية! وقد أوشك الصيف على الاقتراب. نتمنى أن يشهد النصف المقبل من هذا العام انتخابات المجلس، وإن لم يتحقق ذلك، فإنه يحق لنا أن نسأل عن المسؤول عن تأجيل تطلعات سمو الأمير وما يؤمن به وما يسعى إليه والذي صرح عنه في خطاباته سابقة الذكر، وأن نسأل عن المسؤول عن تأجيل تطلعات ورغبات الشعب القطري التي نقلها سموه إلى العلن؟ هذا والله من وراء القصد.

1058

| 14 مايو 2013

تحديد الحد الأعلى لسن الملك

تذهب العديد من الدساتير إلى اشتراط سن محددة يجب أن يبلغها المرشح لرئاسة الدولة أو للحكم، فعلى سبيل المثال، تشترط دساتير كل من النمسا والبرازيل والهند وأمريكا ألا تقل سن المرشح عن 35 سنة، ويشترط دستور ألمانيا وتركيا ومصر بعد الثورة ألا تقل سنه عن 40 سنة ميلادية. إلا أننا لا نكاد نجد مثالاً على دستور يشترط الحد الأعلى لسن المرشح، بحيث يستبعد من تجاوزه عن دائرة المنافسة أو الترشيح لمنصب الرئاسة. ويعود سبب ذلك وفقاً لوجهة نظري إلى أمرين، أولهما أن هذه الدول إما أن تكون ذات أنظمة جمهورية حقيقية، أو ذات أنظمة ملكية دستورية. ففي الدول الجمهورية الحقيقية يعود عدم اشترط الحد الأعلى لسن الحاكم إلى تقيد فترة الرئاسة، فهي إما أن تكون لفترة واحدة فقط كتركيا على سبيل المثال، إذ ينتخب الرئيس لمدة سبع سنوات، أو تكون لفترة محددة يمكن أن يعاد انتخاب الرئيس فيها لمدة أخرى واحدة كحد أقصى كالولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي لا يمكن للشخص في هذه الجمهوريات أن يحكم مدى الحياة. وهنا يجب أن نأخذ بعين الاعتبار كذلك أن عملية الترشيح للرئاسة يسبقها التوافق أو التنافس مبدئياً في دائرة الحزب قبل أن يتقدم أي منهم بمرشحه للرئاسة مما يجعل الرهان يقتصر على الجياد القوية والتي يتوقع فوزها، لذا نادراً ما يتقدم للمنافسة شخص يتجاوز السبعين من عمره. ففي أمريكا على سبيل المثال ومنذ نشأتها عام 1789 أي على مدار أكثر من مائتين وعشرين سنة وضمن قائمة بلغت 44 رئيساً لا نجد إلا رونالد ريجان من كان عمره يقترب من السبعين، وأغلب الرؤساء كانوا في الخمسينيات من أعمارهم عند ترشحهم للرئاسة، وتركوا البيت الأبيض قبل أن يصلوا إلى الخامسة والستين.  أما في الدول الملكية الدستورية، فالملك لا يتولى سلطات حقيقية وجوهرية تؤثر في شؤون الدولة والحكم، فهو مجرد رمز يسود ولا يحكم ويتولى في الغالب وظائف شرفية واحتفالية. لذا فموضوع تحديد حد أعلى لسن الملك في الأنظمة الملكية الدستورية ليس ذا أهمية كبيرة، فلا نستغرب إذن أن تستمر إليزابيث الثانية ملكة على بريطانيا رغم بلوغها السابعة والثمانين من العمر.   لكن لا شك أن الوضع في دول مجلس التعاون الخليجي مختلف تماماً عن الملكيات الدستورية، فالملك أو السلطان أو الأمير يتولى سلطات حقيقية ويمارس صلاحيات جوهرية وينفرد في اتخاذ قرارات دستورية مهمة وذات تأثير كبير في شؤون البلاد والعباد، لذا لا بد من إعادة النظر في ترك فضاء السن مفتوحاً. ولا نتحدث هنا عن توقيت فترة حكم الملك بمدد قصيرة كأربع أو خمس أو سبع سنوات كالأنظمة الجمهورية، إنما المقصد ينصرف إلى وضع حد أعلى لسن المرشح لولاية العهد وحد أعلى لسن الحاكم. إن الدراسات العلمية تثبت أن الشخص كلما تقدم في السن قل نشاطه وضعفت مناعته وكان عرضة لأمراض القلب وللجلطات والنزلات الشعبية وانخفاض نسبة الأوكسجين في الدم، وربما أصيب بالاكتئاب والزهايمر ومرض باركنسون وغيرها. كما أن الشخص في مرحلة الشيخوخة يكثر اعتماده على الآخرين، وكل ذلك بلا شك يؤثر تأثيراً بليغاً على ممارسة اختصاصاته. لذا نقترح أن يدرج في دساتير دول مجلس التعاون الخليجي نص يحدد الحد الأعلى لسن ولي العهد وحد أعلى لمباشرة الحاكم لاختصاصاته، كأن يكون هذا النص على سبيل المثال كما يلي: "لا تتجاوز سن ولي العهد عند تعيينه ستين عاماً ميلادية، وإذا بلغ ولي العهد سن الخامسة والسبعين دون أن يؤول الحكم إليه يفقد منصبه وتبدأ مباشرة إجراءات تعيين ولي عهد جديد للبلاد وفقاً لأحكام هذا الدستور. يعلن خلو منصب الملك عند وفاته أو إصابته بعجز كلي يمنعه من ممارسة مهامه أو عند بلوغه سن الخامسة والسبعين من عمره، وينادى بولي العهد ملكاً للبلاد وفقاً للأحكام والإجراءات الواردة في هذا الدستور".

524

| 19 فبراير 2013

دستور قطر لعام 1953

عند البحث في التشريعات القطرية الصادرة في عقد الخمسينيات من القرن الماضي نصادف عبارة "دستور قطر لعام 1953" وهو الذي صدرت بموجبه لائحة ضريبة دخل قطر لعام 1954، ورغم نشر هذه اللائحة في جريدة الخليج قبل إنشاء الجريدة الرسمية لدولة قطر عام 1961وأعيد نشرها في مجموعة تشريعات قطر،إلا أن دستور قطر لعام 1953 لم ينشر في مجموعة التشريعات القطرية. وبالعودة إلى الوثائق البريطانية المتعلقة بقطر لعام 1953 لم أتوصل إلا إلى وثيقة الموازنة التقديرية لقطر. ولولا أن لائحة ضريبة دخل قطر لعام 1954 أشارت إلى المادة (82) من دستور قطر لعام 1953 لرجحت أن المقصود بهذا الدستور هو تلك الوثيقة الخاصة بالموازنة، إلا أن وثيقة الموازنة هذه ليس بها مواداً، ولا تصل بنود أي باب من أبوابها إلى 82 بنداً، لذا يبقى مصطلح "دستور قطر لعام 1953" مجهولاً بالنسبة لي. ومن جانب آخر، كانت هناك محاولة لوضع دستور لقطر في عام 1958 وضع مسودته البريطاني هانكوكHancock، ووجدتها مرفقة في رسالة بروس Burrows بتاريخ 23 يوليو 1958، وتقترح مسودة الدستور هذه تأليف مجلس يترأسه الحاكم أو من يمثله، ويكون في عضويته وزراء المعارف والصحة والأشغال العامة والداخلية، ويضم المجلس أيضاً أمينا عاما، ومقررا، ثم وضحت مسودة هذا الدستور أدوار كل من الأمين العام والمقرر والوزراء. ويتضح من هذه الوثيقة أن مقترحها يهدف إلى ضبط الإنفاق العام في الدولة. ويبدو أن هذا المقترح لم يؤخذ به. وفي 1962 تم إصدار قانون رقم (1) لسنة 1962 بتنظيم الإدارة العليا للأداة الحكومية، والذي اشتمل على قواعد تنظم المجال السياسي والإداري للدولة، وكثيراً ما كان المشرع يستند على هذا القانون في ديباجة القوانين التي صدرت لاحقاً. كما يلاحظ أن بعض مواد هذا القانون هي الأساس التاريخي لعدد من مواد النظام الأساسي المؤقت للحكم (دستور 1970) الذي صدر فيما بعد، لذا يمكن اعتباره وثيقة دستورية مبدئية لقطر في عقد الستينيات. أما أول وثيقة دستورية شاملة تضم موادا تتعلق بنظام الحكم والسلطات العامة والحقوق والحريات العامة والمبادئ الأساسية للدولة فقد صدرت في مطلع السبعينيات من القرن الماضي قبل استقلال قطر وأخذت مسمى النظام الأساسي المؤقت، وضع هذا الدستور ليتناسب مع ما كانت تهدف الدولة إليه من الانضمام إلى اتحاد الإمارات العربية، حيث تولدت فكرة الاتحاد بين إمارات الخليج المحمية من قبل بريطانيا بعد إعلان هذه الأخيرة على لسان وزير خارجيتها (هارود ويلسون) في يناير من عام 1968 عزمها على إنهاء وجودها في شرقي قناة السويس. ومع استقلال دولة قطر في 3/9/1971 وعدولها عن الانضمام إلى الاتحاد، كانت هناك ضرورة ملحة لتعديل النظام الأساسي المؤقت ليتناسب مع الأوضاع الجديدة فصدر في 19/4/1972 النظام الأساسي المؤقت المعدل (دستور 1972). والذي لا تزال مواده الخاصة بمجلس الشورى المعين تنبض بالحياة، رغم إلغاء النظام الأساسي بصدور الدستور الدائم لدولة قطر. وعودة لدستور قطر لعام 1953، نتمنى من القراء أو الباحثين ممن لديه أي نسخة منه أو أي معلومات عنه أن يفيدنا.  

7456

| 12 فبراير 2013

أهل الحل والعقد في البلاد!

نصت المادة (9) من الدستور الدائم للدولة على أن "يعين الأمير ولي العهد بأمر أميري، وذلك بعد التشاور مع العائلة الحاكمة وأهل الحل والعقد في البلاد..". وقد أثار أحدهم في شبكة التواصل الاجتماعي "تويتر" سؤالاً حول "أهل الحل والعقد في البلاد"، فأحالت لي إحدى طالباتي هذا السؤال.        وللإجابة عنه لا بد لنا من الرجوع أولاً إلى الأصل التاريخي للمادة (9) المذكورة وهي المادة (21) من النظام الأساسي المؤقت المعدل (دستور 1972) والتي كانت تنص قبل تعديل 1995 على أن "حكم الدولة وراثي في أسرة آل ثاني، ويعين ولي العهد خلال سنة على الأكثر من تاريخ صدور هذا النظام الأساسي المؤقت، ويكون تعيينه بأمر أميري بعد التشاور مع أهل الحل والعقد في البلاد وموافقة أغلبيتهم على التعيين".        وبمقارنة المادتين السابقتين نجد ثلاث ملاحظات هامة: أولها أن من صاغ النظام الأساسي المؤقت المعدل؛ وأحسبه المرحوم حسن كامل؛ كان على فهم وإدراك للمقصود بأهل الحل والعقد وفقاً لما رآه أهل العلم ممن صنف وألف في السياسة الشرعية والإمامة، فلم يجعل دور أهل الحل والعقد استشارياً بحتاً، بل اشترط كما ورد في المادة (21) السابقة "موافقة أغلبيتهم على التعيين". وهذا ما لم يؤخذ به في الدستور الحالي. وثانيها، أن من صاغ المادة (21) من النظام الأساسي المؤقت المعدل لم تغب عن ذهنه حادثة "مبايعة أولي الحل والعقد في قطر الصادرة بتاريخ 24 من أكتوبر 1960"، والتي أنهت خلافاً حول ولاية العهد أثير في السنوات الأخيرة من خمسينيات القرن الماضي، لذا عند صياغته لهذه المادة كانت أمام عينه تجربة حية. وهي قد تتفق مع ما ذهب إليه بعض أهل العلم من إدخال الأمراء والعلماء والوجهاء في مفهوم أهل الحل والعقد لكونهم من ذوي الشوكة (أي لمنزلتهم ومكانتهم واستقلالهم عن الخضوع للخليفة - نفاقاً أو احتراساً وخوفاً -، فهم أهل تأثير على من خلفهم من الأفراد، وفي موافقتهم على من عهد إليه الخليفة استقرار للمجتمع ورضا من قبل عامة المسلمين). ثالثها، أن انتقال الحكم كأصلٍ عام من الأمير إلى الابن الذي يسميه ولياً للعهد أمر قد استقر، لذا أكد عليه الدستور الحالي في المادة (8) منه، وهو أمر لم يكن كل من النظام الأساسي المؤقت المعدل (1972) عند وضعه والنظام الأساسي المؤقت (1970) ينصان عليه. فكانت لموافقة أغلبية أهل الحل والعقد وفقاً لتجربة 1960 أهمية في تلك الأثناء. ومما سبق نجد أن من صاغوا مسودة دستورنا الحالي لم يوفقوا في نقل عبارة "أهل الحل والعقد" التي كانت المادة (21) من النظام المؤقت المعدل تنص عليها، لم يوفقوا في زجها في المادة (9) من دستورنا الحالي، لاختلاف الظروف بين الأمس واليوم ولكونهم أفقدوا هذه العبارة جوهرها ومعناها.  والله من وراء القصد.  

2268

| 05 فبراير 2013

alsharq
جريمة صامتة.. الاتّجار بالمعرفة

نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما...

6600

| 27 أكتوبر 2025

alsharq
من يُعلن حالة الطوارئ المجتمعية؟

في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم،...

6480

| 24 أكتوبر 2025

alsharq
غياب الروح القتالية

تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...

3189

| 23 أكتوبر 2025

alsharq
طيورٌ من حديد

المسيرات اليوم تملأ السماء، تحلّق بأجنحةٍ معدنيةٍ تلمع...

2451

| 28 أكتوبر 2025

alsharq
النظام المروري.. قوانين متقدمة وتحديات قائمة

القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى،...

1884

| 23 أكتوبر 2025

alsharq
الدوحة عاصمة لا غنى عنها عند قادة العالم وصُناع القرار

جاء لقاء حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن...

1683

| 26 أكتوبر 2025

alsharq
الدوحة عاصمة الرياضة العالمية

على مدى العقد الماضي أثبتت دولة قطر أنها...

1428

| 27 أكتوبر 2025

alsharq
منْ ملأ ليله بالمزاح فلا ينتظر الصّباح

النّهضة هي مرحلة تحوّل فكري وثقافي كبير وتمتاز...

1047

| 24 أكتوبر 2025

alsharq
كريمٌ يُميت السر.. فيُحيي المروءة

في زمنٍ تاهت فيه الحدود بين ما يُقال...

999

| 24 أكتوبر 2025

alsharq
التوظيف السياسي للتصوف

لا بد عند الحديث عن التصوف أن نوضح...

984

| 27 أكتوبر 2025

alsharq
فاتورة الهواء التي أسقطت «أبو العبد» أرضًا

“أبو العبد” زلمة عصامي ربّى أبناءه الاثني عشر...

921

| 27 أكتوبر 2025

alsharq
توطين الذكاء الاصطناعي في القطاع الصحي القطري

يشهد قطاع الرعاية الصحية في قطر ثورة رقمية...

906

| 23 أكتوبر 2025

أخبار محلية