رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
قال سبحانه: "مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الله وَمَن يُؤْمِن بـالله يَهْدِ قَلْبَهُ والله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم "فما من مؤمن أصابته مصيبة فعلم أنها بقضاء الله، وقدره فصبر، واحتسب، واستسلم لقضاء الله، إلا هدى الله قلبه، وعوضه عما فاته من الدنيا. قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: يَهْدِ قَلْبَهُ لِلْيَقِينِ فَيَعْلَمُ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُوفي تفسير قوله تعالى: {وبشر المخبتين} جاء عن سفيان قوله: "المطمئنين الراضين بقضائه، المستسلمين له".وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو فيقول: " اللهم إني أسألك الرضا بالقضاء " اخرجه أحمدفلئن كان الصبر هو أن يحبس نفسه، ويمنعها من التسخط، ويحبس لسانه، ويمنعه من التشكي، ويحبس جوارحه، ويمنعها من المحرمات. فإن الرضا هو فوق حالة الصبر، فيكون بعد القضاء مطمئنًا منشرح الصدر لما نزل به. ويالروعة القلب المؤمن الصادق النقي المستسلم لأمر ربه. يتلقى قضاءه فيصبر. ويكظم ألمه ويكتمه. وترشف دمعاته على خده من شدة المصيبة. لكنه لايقول سخطا أو يفعل تبرما.بل يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه. وأنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا. فيسكن للقضاء. ويهدىء نفسه ويرضيها بأمر الله سبحانه. ويطمئنها بالثواب والعقبى الحسنة.رأى علي بن أبى طالب رضي الله عنه أحد المبتلين فقال له: "يا عدي إنه من رضي بقضاء الله جرى عليه فكان له أجر، ومن لم يرض بقضاء الله جرى عليه فحبط عمله".وعن أبي مجلز أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "ما أبالي على أي حال أصبحت على ما أحب أو على ما أكره؛ لأني لا أدري الخير فيما أحب أو فيما أكره".روى مسلم في صحيحه مِن حَدِيثِ أم سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ الله: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ اللهمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أَخْلَفَ الله لَهُ خَيْرًا مِنْهَا، قَالَتْ: فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ: أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ؟ أَوَّلُ بَيْتٍ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، ثم إني قُلْتُهَا فَأَخْلَفَ الله لِي رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم"وعن أَبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "وَارْضَ بِمَا قَسَمَ الله لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ" الترمذي.إن مجرد شعور الإنسان بالضيق وعدم التحمل، وتمنيه أن ما وقع به من الشدة لم يكن وقع. كل هذا لا ينافي الصبر، مادام لم يعص ربه بقول أو فعل.وأما الراضي. فلا يجد ذلك الضيق والألم ؛ لأنه يتقلب فيما يختاره الله بنفس راضية مطمئنة. فيكون الأمران عنده سواء بالنسبة لقضاء الله وقدره، وإن كان قد يحزن من المصيبة ؛ فالكل عنده سواء لتمام رضاه بربه سبحانه وتعالىوعلامة الرضا أمران: عدم الندم على الماضي كما في الحديث "إِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ الله وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ"مسلموان يعلم أن الخيرة فيما اختاره الله، " وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ "والوصول لدرجة الرضا ممكن وإن كان مجهدا ويحتاج إلى قدرة قلبية خاصة. يمن الله بها على عباده المقربين الصالحين.ولقد علّمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن السعي والمجاهدة لنيل الدرجات هو السبيل إليها فيقول: "من تصبر صبره الله". وكذلك من جاهد نفسه لينال درجة الرضا رضاه الله سبحانه ولذلك فعلى المؤمن لينال تلك المرتبة أن يعلم أمورا: منها أن الله سبحانه لن يختار لعبد ه المؤمن إلا الخير كما في الحديث "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير" اخرجه مسلم ومنها أن يعلم أن ماأصابه سبب لتكفير خطاياه وذنوبه كما في الحديث. " لا يزال الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى الله وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ" رواه الترمذيومنها أن يعلم لطف الله سبحانه به وأنه قد ابتلاه بما يقدر عليه . ويعلم أن الله سبحانه قد ابتلاه ليقربه إليه بذكره ودعائه ورجائه. وزيادة ثوابه وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ، وَإِنَّ الله إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ " رواه الترمذي.وقدم سعد بن أبي وقاص إلى مكة، وكان قد كُفَّ بصره، فجاءه الناس يهرعون إليه، كل واحد يسأله أن يدعو له، فيدعو لهذا ولهذا، وكان مجاب الدعوة. قال عبد الله بن السائب: فأتيته وأنا غلام، فتعرفت عليه فعرفني وقال: أنت قارئ أهل مكة؟ قلت: نعم.. فقلت له: يا عم، أنت تدعو للناس فلو دعوت لنفسك، فردَّ الله عليك بصرك. فتبسم وقال: يا بُني قضاء الله سبحانه عندي أحسن من بصري.
4674
| 23 يونيو 2016
قال تعالى: (فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون) وقال سبحانه وتعالى: (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد) وقال عز وجل: (و الله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئًا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون) وأخبرسبحانه أن رضاه تبارك وتعالى في شكره فقال تعالى: (إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم) وأخبر سبحانه وتعالى إنما يعبد ه من شكره فمن لم يشكره لم يكن من أهل عبادته، فقال تعالى: (واشكروا لله إن كنتم إياه تعبد ون) وأثنى الله سبحانه وتعالى على أول رسول بعثه إلى أهل الأرض بالشكر فقال: (ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبد ًا شكورًا). ووصف الله تعالى الشاكرين بأنهم قليل من عباده فقال تعالى: (وقليل من عبادي الشكور). وأخرج البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قام من الليل حتى تفطرت قدماه، فقيل له: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: (أفلا أكون عبد ًا شكورًا؟). وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: (و الله إني لأحبك فلا تنس أن تقول دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)وأخبرنا المصطفى صلى الله عليه وسلم أن الشكر يحفظ النعم وذلك لما رواه الإمام مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها). وقال صلى الله عليه وسلم: (ما أنعم الله على عبد نعمة فحمد الله عليها، إلا كان ذلك الحمد أفضل من تلك النعمة). والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليتخذ أحدكم قلبًا شاكرًا ولسانًا ذاكرًا وزوجة مؤمنة تعينه على أمر الآخرة). وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته قبضتم ولد عبد ي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبد ي؟ فيقولون: حمدك واسترجع فيقول الله: ابنوا لعبد ي بيتًا في الجنة وسموه بيت الحمد). وعن صهيب بن سنان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له)، وحقيقة الشكر ظهور أثر نعمة الله على لسان عبد ه: ثناء واعترافًا وعلى قلبه: شهودًا ومحبة، وعلى جوارحه: انقيادًا وطاعة. الحمد لله كلمة كل شاكر قال سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: الحمد لله كلمة كل شاكر وأن آدم عليه السلام قال حين عطس: الحمد لله. وقال الله لنوح عليه السلام: (فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين).وقال إبراهيم عليه السلام: (الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق). وقال سليمان وداود عليهما السلام: (وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين). وقال لنبيه عليه الصلاة والسلام: (وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدًا).وقال أهل الجنة: (الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن). الشكر بالقلب واللسان والجوارح أما الشكر بالقلب فهو أن يقصد الخير ويضمره للخلق كافة وأما باللسان: فهو إظهارالشكر لله بالتحميد. وأما بالجوارح: فهو استعمال نعم الله عز وجل في طاعته والتوقي من الاستعانة بها على معصيته فمن شكر العينين أن تستر كل عيب تراه لمسلم ومن شكر الأذنين أن تستر كل عيب تسمعه فهذا يدخل في جملة شكر هذه الأعضاء.
945
| 22 يونيو 2016
التواضع صفة محمودة تدل على طهارة النفس، وتدعو إلى المودة والمحبة، والمساواة بين الناس، والتواضع يقوي الترابط بين الناس، ويمحو الحسد والبغضاء والكراهية من قلوب الناس، وفوق هذا كله فإن التواضع يؤدي إلى رضا الله تعالى، فمن تواضع لله رفعه، ومن تكبر خفضه الله.وسئل الفضيل بن عياض عن التواضع؟ فقال: يخضع للحق وينقاد له ويقبله ممن قاله، ولو سمعه من صبي قَبِلَهُ، ولو سمعه من أجهل الناس قَبِلَهُ. وقال إبراهيم بن شيبان: الشرف في التواضع، والعز في التقوى، والحرية في القناعة. الكبر صفة الأرازل: -الكبر صفة الأرازل، يسلب المرء الفضائل ويكسبه الرذائل، وهو مرض خبيث يصيب القلوب، وضعف شديد في النفوس، يفرق الكلمة ويزيل الألفة.إن الكبر داء مهلك، ما فشا في أسرة إلا فرق جمعها وشتت شملها، وما انتشر في أمة إلا كان نذير خرابها ودمارها.أما التواضع: فهو من صفات المؤمنين، وخلق من أخلاق عباده الصالحين إن الإنسان حين يخلو قلبه من الشعور بالخالق القاهر سبحانه وتعالى، تأخذه الخيلاء بما عنده من ثراء أو سلطان أو قوة أو جمال، ولو تذكر أن ما به من نعمة فمن الله، وأنه ضعيف أمام حول الله لما تكبر.إن التواضع أدب مع الله، وأدب مع الناس، وأدب نفسي، وأدب اجتماعي، وما من إنسان يترك التواضع ويتخايل ويتعاجب فهو إنسان صغير، إنه صغير القلب، صغير الإهتمامات، يبغضه الله لبطره، ونسيان نعمته، ويبغضه الناس لكبره وتعاليه. جاء في الحديث الشريف: (من تواضع لله رفعه). فهو في نفسه حقير، وعند الناس كبير. ومن تكبر وضعه اله، فهو في نفسه كبير، وعند الناس حقير. الكبر من الكبائر: -ذكر الإمام الذهبي رحمه الله أن الكبر من الكبائر واستدل بآيات وأحاديث عديدة، ثم قال: وَأَشَرُّ الكبر من يتكبر على العباد بعلمه فإن هذا لم ينفعه علمه. ومن طلب العلم للفخر والرياسة وَبَطرَ على المسلمين وتحامق عليهم وازدارهم فهذا من أكبر الكبر، ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر. وقد عَدَّهُ الإمام ابن حجر رحمه الله أيضًا من الكبائر وجعل معه العُجْبَ والخيلاء النبي صلى الله عليه وسلم يحث على التواضع: -جاءت أحاديث عن النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم تحث على التواضع، من هذه الأحاديث ما جاء عن ركب المصري قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (طوبى لمن تواضع في غير منقصة وَذَلَّ في نفسه من غير مسألة، وأنفق مالًا جمعه في غير معصية، ورحم أهل الذل والمسكنة، وخالط أهل الفقه والحكمة. طوبى لمن طاب كسبه وَصَلَحَتْ سريرته، وَكَرُمَتْ علانيته، وعزل عن الناس شره. طوبى لمن عمل بعلمه، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله أوحى إلى أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبد ًا بعفو إلا عزًا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر كَبَّهُ الله لوجهه في النار).
2240
| 21 يونيو 2016
التقوى لغة: فهي مأخوذة من الوقاية وما يحمي به الإنسان نفسه.والتقوى اصطلاحًا: أن تجعل ما بينك وبين ما حرم الله حاجبًا وحاجزًا.وقال الإمام على بن أبي طالب رضي الله عنه: التقوى هي الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والقناعة بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل.وقال ابن عباس رضي الله عنهما: المتقون: الذين يحذرون من الله وعقوبته.وقال طلق بن حبيب: التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله، تخاف عقاب الله.وقال ابن مسعود في قوله تعالى: (اتَّقُواْ الله حَقَّ تُقَاتِهِ) قال: أن يُطاع فلا يُعصى، ويذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر"، فاحرص يا أخي الكريم على تقوى الله عز وجل فهو سبحانه أهل أن يُخشى ويُجل، ويعظم في صدرك.فالتقوى: هي جعل النفس في وقاية، أي أن يجدك الله في مواضع الطاعة له ويفتقدك في كل مواضع المعصية له.فالتقوى: اسم جامع لطاعة الله والعمل بها في ما أمر به أو نهى عنه، فإذا انتهى المؤمن عما نهاه الله وعمل بما أمره الله فقد أطاع الله وأتقاهفالتقوى: مفتاح كل خير في الدنيا والآخرة وعنوان السعادة، والعبد أحوج ما يكون إلى لزوم التقوى في جميع أحواله ولا يصلح حاله ويتيسر أمره إلا بذلك، والتارك للتقوى متعسر عليه أمره وفاقد للسعادة في الدنيا والفلاح في الآخرة.وتقوى العبد لربه: أن يجعل بينه وبين ما يخشاه من غضبه وسخطه وقاية تقيه من ذلك بفعل طاعته واجتناب معاصيه.فالمتقون هم: أهل الفضائل يسعون لكسب مرضاة ألله وتجنب سخطه في الدنيا والآخرة لما فيه مصلحة للإنسان والإنسانية.جوهر التقوى وحقيقتها فإن تقوى الله هي أساس كل صلاح، وسلوان كل كفاح،(وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ الله) تقوم التقوى في حقيقتها وجوهرها على استحضار القلب لعظمة الله تعالى واستشعار هيبته وجلاله وكبريائه والخشية لمقامه والخوف من حسابه وعقابه، وإذا كان هذا معنىالتقوى فإن نطاقها لا ينحصر في اجتناب الكبائر فحسب، بل إنه يمتد ليشمل كل ما فيه معنى المخالفة لأوامر الله حتى لو كان من اللمم أو الصغائر.وقد فهم الصحابة رضوان الله عليهم ذلك فقال قائلهم: لا تنظر إلى صغر الذنب ولكن أنظر لمن عصيت، بل إنهم جعلوا من تمام معناها أن تتضمن الورع عن بعض ما هو طيب أو حلال، حذرًا من مقاربة الحرام، وفي ذلك يقول أبو الدرداء رضي الله عنه: تمامالتقوى أن يتقى العبد الله حتى يتقيه من مثقال ذرة، وحتى يترك بعض ما يرى أنه حلال، خشية أن يكون حرامًا.عن النعمان بن بشير رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله يقول: (الحلال بين، والحرام بين، وبينهما مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس. فمن اتقى الشبهات، فقد استبرأ لدينه وعرضه. ومن وقع في الشبهات، وقع في الحرام كالراعي حول الحمى، يوشك أن يرتع فيه. ألا وإن لكل ملك حمى. ألا، وإن حمى الله محارمه. ألا، وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله. وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا، وهي القلب). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرًا مما به بأس) وللتقوى مكانة عالية في دين الإسلام لا يدانيها في المنزلة سوى ألإيمان بـالله وبرسوله وهي أساس قبول الأعمال عند الله سبحانه (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ الله أَتْقَاكُمْ إِنَّ الله عَلِيمٌ خَبِيرٌ)
76213
| 20 يونيو 2016
ثانيًا: الاستغفار في السنة النبوية: وردت أحاديث كثيرة في السنة النبوية المطهرة يبين لنا فيها المصطفى - صلى الله عليه وسلم- فضل الاستغفار وأنه صلوات الله عليه وسلامه كان دائم التوبة والاستغفار مع أنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ومنها: عن الأغر المزني - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنه ليجان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة))، قال الإمام النووي - رحمه الله-: قوله - صلى الله عليه وسلم-: ((إنه ليجان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة))قال أهل اللغة: الغين بالغين المعجمة والغيم بمعنى والمراد هنا ما يتغشى القلب قال: القاضي قيل المراد الفترات والغفلات عن الذكر الذي كان شأنه الدوام عليه، فإذا فتر عنه أو غفل عد ذلك ذنبًا واستغفر منه، قال: وقيل هو همه بسبب أمته وما اطلع عليه من أحوالها بعده فيستغفر لهم وقيل سببه اشتغاله بالنظر في مصالح أمته وأمورهم ومحاربة العدو ومداراته وتأليف المؤلفة ونحو ذلك فيشتغل بذلك من عظيم مقامه فيراه ذنبا بالنسبة إلى عظيم منزلته وأن كانت هذه الأمور من أعظم الطاعات وأفضل الأعمال فهي نزول عن عال درجته ورفيع مقامه من حضوره مع الله - تعالى- ومشاهدته ومراقبته وفراغه مما سواه فيستغفر لذلك وقيل يحتمل أن هذا الغين هو السكينة التي تغشى قلبه لقوله - تعالى- فانزل السكينة عليهم ويكون استغفاره إظهارا للعبودية والافتقار وملازمة الخشوع وشكرًا لما أولاه.وعن الزهري قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن قال: قال أبو هريرة، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((و الله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة))، وعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من أكثر من الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب)).وعن عبد الله بن بسر - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: ((طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارًا))، وعن عكرمة- رضي الله عنه- قال: قال أبو هريرة- رضي الله عنه-: "إني لأستغفر الله - عز وجل - وأتوب إليه كل يوم اثني عشر ألف مرة، وذلك على قدر ديتي". وعن أبى هريرة - رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: ((و الله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة))، وعن الزبير - رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أحب أن تسره صحيفته فليكثر فيها من الاستغفار))، وعن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: ((قال الله- تبارك وتعالى-: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة))، وعن أبى هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يحكي عن ربه - عز وجل- قال: ((أذنب عبد ذنبًا، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال- تبارك وتعالى-: أذنب عبد ي ذنبًا، فعلم أن له ربًا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال- تبارك وتعالى-: عبد ي أذنب ذنبًا فعلم أن له ربًا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال- تبارك وتعالى-: أذنب عبد ي ذنبًا فعلم أن له ربًا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب واعمل ما شئت فقد غفرت لك)).
7548
| 19 يونيو 2016
3- أن الله - عز وجل - يغفر لمن استغفر: ومن فضائل الاستغفار أن الله - عز وجل- يغفر لمن استغفره قال - تعالى-: (وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ الله يَجِدِ الله غَفُورًا رَّحِيمًا).4- الاستغفار يجلب الخيرات والبركات ويدفع البلاء:ومن فضائل الاستغفار أنه يجلب الخيرات والبركات للعبد ويدفع عنه البلاء يقول الله - تعالى-: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا * مَّا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا)"أي إذا تبتم إلى الله واستغفرتموه وأطعتموه، كثر الرزق عليكم، وأسقاكم من بركات السماء، وأنبت لكم من بركات الأرض، وأنبت لكم الزرع، وأدر لكم الضرع، وأمدكم بأموال وبنين، أي: أعطاكم الأموال والأولاد، وجعل لكم جنات فيها أنواع الثمار، وخللها بالأنهار الجارية بينها، وفي هذا دلالة على عظم فوائد الاستغفار وكثرة خيراته وتعدد ثمراته. وهذه الثمرات المذكورة هنا هي مما يناله العبد في دنياه من الخيرات العميمة والعطايا الكريمة والثمرات المتنوعة، وأما ما يناله المستغفرون يوم القيامة من الثواب الجزيل والأجر العظيم والرحمة والمغفرة والعتق من النار والسلامة من العذاب، فأمر لا يحصيه إلا الله تعالى.قال الإمام ابن كثير - رحمه الله-: "(فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا) أي: ارجعوا إليه وارجعوا عما أنتم فيه وتوبوا إليه من قريب، فإنه من تاب إليه تاب عليه، ولو كانت ذنوبه مهما كانت في الكفر والشرك، ولهذا قال: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا) أي: متواصلة الأمطار، ولهذا تستحب قراءة هذه السورة في صلاة الاستسقاء لأجل هذه الآية، وهكذا روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: أنه صعد المنبر ليستسقي، فلم يزد على الاستغفار، وقرأ الآيات في الاستغفار، وقوله: (وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) أي: إذا تبتم إلى الله واستغفرتموه وأطعتموه، كثر الرزق عليكم، وأسقاكم من بركات السماء، وأنبت لكم من بركات الأرض، وأنبت لكم الزرع، وَأَدَرَّ لكم الضرع، وأمدكم بأموال وبنين، أي: أعطاكم الأموال والأولاد، وجعل لكم جنات فيها أنواع الثمار، وخللها بالأنهار الجارية بينها.هذا مقام الدعوة بالترغيب، ثم عدل بهم إلى دعوتهم بالترهيب فقال: (مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا) أي: عظمة قال ابن عباس، ومجاهد، والضحاك، وقال ابن عباس: لا تعظمون الله حق عظمته، أي: لا تخافون من بأسه ونقمته، (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا) قيل: معناه من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة، قاله ابن عباس، وعكرمة، وقتادة، ويحيى بن رافع، والسدي، وابن زيد.5- الاستغفار من موجبات رحمته - سبحانه وتعالى-:ومن فضائل الاستغفار أنه من موجبات رحمته - تعالى-، قال - جل وعلا-: (لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ الله لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).6- الاستغفار من مبعدات العذاب: وهو أيضًا من مبعدات عذابه، أليس هو القائل: (وَما كانَ الله مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)؟، عن ابن عباس - رضي الله عنهما- قال: كان المشركون يطوفون بالبيت ويقولون لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، فيقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((قد، قد، ويقولون: اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك، تملكه وما ملك))، ويقولون غفرانك غفرانك، فأنزل الله: (وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) الآية، قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: "كان فيهم أمانان النبي - صلى الله عليه وسلم - والاستغفار فذهب النبي - صلى الله عليه وسلم - وبقي الاستغفار".7- الاستغفار يجلب القوة والخير:ومن فضائل الاستغفار أنه من الوسائل الجالبة للخير العميم والمتاع الحسن خاصة عند اقترانه بالتوبة، يقول الله- تبارك وتعالى-: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعًا حَسَنًا إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ)، قال العلامة الشنقيطي - رحمه الله -: "قوله - تعالى-: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً)، هذه الآية الكريمة تدل على أن الاستغفار والتوبة إلى الله - تعالى- من الذنوب سبب لأن يمتع الله من فعل ذلك متاعًا حسنًا إلى أجل مسمى؛ لأنه رتب ذلك على الاستغفار والتوبة ترتيب الجزاء على شرطه، والظاهر أن المراد بالمتاع الحسن: سعة الرزق، ورغد العيش، والعافية في الدنيا، وأن المراد بالأجل المسمى: الموت،ويدل لذلك قوله - تعالى- في هذه السورة الكريمة عن نبيه هود عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ) [11/52]، وقوله - تعالى-عن "نوح": (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) [71/10-12]، وقوله - تعالى -: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) الآية[16/97]، وقوله: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) الآية [7/96]، وقوله: (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ والإنجيل وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) [5/66]، وقوله (وَمَنْ يَتَّقِ الله يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) [65/2، 3]، إلى غير ذلك من الآيات.
1658
| 18 يونيو 2016
قال أبو موسى - رضي الله عنه-: "كان لنا أمانان، ذهب أحدهما وهو كون الرسول فينا، وبقي الاستغفار معنا، فإذا ذهب هلكنا. قال تعالى: (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان معذبهم وهم يستغفرون).كثير من الناس في هذه الأيام التي نعيشها يبحث عن أمن وأمان له من هذه الفتن والمحن والابتلاءات التي نعيشها، ومن أعظم وسائل الأمن الاستغفار، فبالاستغفار تغفر الخطايا والذنوب، وبالاستغفار تكون البركة في الأرزاق.فتعالوا بنا في هذه المقالة المتواضعة نتعرف على فضائل الاستغفار في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وحال السلف الصالح رضوان الله عليهم مع هذه العبادة العظيمة.أولًا: الاستغفار في القرآن الكريم:إن المتأمل والمتدبر لآيات القرآن الكريم يجد أن المولى - سبحانه وتعالى- قد بين لنا فضل ومكانة الاستغفار في مواضع كثيرة من كتابه العزيز ومنها:1- أن الله - عز وجل - أمر عباده بالاستغفار:من فضائل الاستغفار أن الله - عز وجل - أمر عباده به في آيات كثيرة من القرآن الكريم ومنها: قوله - تعالى -: (وَاسْتَغْفِرُواْ الله إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، وقوله - تعالى -: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ)، (وَاسْتَغْفِرُوا الله) أمرهم بالاستغفار في مواطن مظنة القبول، وأماكن الرحمة، وهو طلب الغفران من الله باللسان مع التوبة بالقلب؛ إذالاستغفار باللسان دون التوبة بالقلب غير نافع، وأمروا بالاستغفار، وإن كان فيهم من لم يذنب، كمن بلغ قبيل الإحرام ولم يقارف ذنبًا وأحرم، فيكون الاستغفار من مثل هذا لأجل أنه ربما صدر منه تقصير في أداء الواجبات والاحتراز من المحظورات، وظاهر هذا الأمر أنه ليس طلب غفران من ذنب خاص، بل طلب غفران الذنوب، وقيل: إنه أمر بطلب غفران خاص، والتقدير: واستغفروا الله مما كان من مخالفتكم في الوقوف والإفاضة، فإنه غفور لكم، رحيم فيما فرطتم فيه في حلكم وإحرامكم، وفي سفركم ومقامكم. وفي الأمر بالاستغفار عقب الإفاضة، أو معها، دليل على أن ذلك الوقت، وذلك المكان المفاض منه، والمذهوب إليه من أزمان الإجابة وأماكنها، والرحمة والمغفرة.2- أن الله - عز وجل- مدح أهله:ومن فضائل الاستغفار أن الله - عز وجل- مدح أهله وأثنى عليهم في مواضع كثيرة من كتابه العزيز ومنها: قوله - تعالى-: (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ)، قال الإمام ابن كثير -رحمه الله-: قوله: (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ)، دَلّ على فضيلة الاستغفار وقت الأسحار، وقد قيل: أن يعقوب - عليه السلام -، لما قال لبنيه (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي) إنه أخرهم إلى وقت السحر.وقال - تعالى-: (وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)، (وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) وصفهم بأنهم يحيون جُل الليل متهجدين، فإذا أسحروا أخذوا في الاستغفار من رؤية أعمالهم.والسَحر: السدس الأخير من الليل، وفي بناء الفعل على الضمير إشعار بأنهم الأحقاء بأن يُوصفوا بالاستغفار، كأنهم المختصون به، لاستدامتهم له، وإطنابهم فيه. قال إنس بن مالك - رضي الله عنه -: أمرنا أن نستغفر بالسحر سبعين استغفارة.وقال سفيان الثوري - رحمه الله -: بلغني أنه إذا كان أول الليل نادي مناد ليقيم القانتون فيقومون كذلك يصلون إلى السحر فإذا كان عند السحر نادي مناد: أين المستغفرون فيستغفر أولئك ويقوم آخرون فيصلون فيلحقون بهم فإذا طلع الفجر نادي مناد: ألا ليقم الغافلون فيقومون من فرشهم كالموتى نشروا من قبورهم.3- أن الاستغفار من صفات المتقين: ومن فضائل الاستغفار أنه من صفات المتقين كما أخبر - سبحانه وتعالى- في قوله - جل وعلا-: (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ والله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ الله فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ الله وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ).قال الإمام القرطبي - رحمه الله-: قال علماؤنا: الاستغفار المطلوب هو الذي يحل عقد الإصرار ويثبت معناه في الجنان، لا التلفظ باللسان، فأما من قال بلسانه: أستغفر الله، وقلبه مصر على معصيته فاستغفاره ذلك يحتاج إلى استغفار، وصغيرته لاحقة بالكبائر، وروي عن الحسن البصري أنه قال: استغفارنا يحتاج إلى استغفار، ثم قال الإمام القرطبي - رحمه الله-: هذا يقوله في زمانه، فكيف في زماننا هذا الذي يرى فيه الإنسان مكبا على الظلم! حريصًا عليه لا يقلع، والسُّبْحة في يده زاعمًا أنه يستغفر الله من ذنبه وذلك استهزاء منه واستخفاف، وفي التنزيل: (وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ الله هُزُوًا).
2316
| 17 يونيو 2016
قال تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) وقال تعالى: (وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينًا وهو عند الله عظيم). وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصمت، إلا إذا كان الكلام خيرا، قال صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بـالله واليوم الآخر، فليقل خيرا أو ليصمت) وقال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: (دلني على عمل يدخلني الجنة، قال: أمسك عليك هذا، وأشار إلى لسانه فأعاد عليه، فقال: ثكلتك أمك هل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم)، والمراد بحصائد الألسنة جزاء الكلام المحرم وعقوباته، فإن الإنسان يزرع بقوله وعمله الحسنات والسيئات ثم يحصد يوم القيامة ما رزع، فمن زرع خيرا من قول أو عمل حصد الكرامة، ومن زرع شرا من قول أو عمل حصد الندامة.ومعصية القول باللسان يدخل فيها الشرك، وهو أعظم الذنوب عند الله، ويدخل فيها القول على الله بلا علم وهو قرين الشرك، ويدخل فيها شهادة الزور التي عدلت الإشراك بـالله، ويدخل فيها السحر والقذف، ويدخل فيها الكذب والغيبة والنميمة، وفي: (الصحيحين) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها، يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب) وأخرجه الترمذي ولفظه: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسا يهوي بها سبعين خريفا في النار).لقد كان خوف السلف الصالح من آفات اللسان، كان ابن عباس رضي الله عنهما يأخذ بلسانه وهو يقول: ويحك قل خيرا تغنم، أو اسكت عن سوء تسلم، وإلا أنك ستندم. فقيل له: يا ابن عباس! لم تقول هذا؟ قال: إنه بلغني أن الإنسان ليس على شيء من جسده أشد حنقا أو غيظا منه على لسانه، إلا من قال به خيرًا، أو أملى به خيرًا. وقال الحسن: اللسان أمير البدن، فإذا جنى على الأعضاء شيئا جنت، وإذا عف عفت. إن الإكثار من الكلام الذي لا حاجة إليه يوجب قساوة القلب، كما روى الترمذي من حديث ابن عمر مرفوعا: (لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله، فإن كثرة الكلام بغر ذكر الله قسوة للقلب، وإن أبعد الناس عن الله القلب القاسي). وقال عمر رضي الله عنه: من كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه، ومن كثرت ذنوبه كانت النار أولى به. واللسان ترجمان القلب والمعبر عنه وقد أمرنا باستقامة القلب واللسان، قال صلى الله عليه وسلم: (لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه).إن آفات اللسان كثيرة ومتنوعة: فالآفة الأولى: الكلام فيما لا يعني، وفي الحديث الصحيح: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه).الآفة الثانية: الخوض في الباطل، وهو الكلام في المعاصي، والتحدث عنها بما يروجها بين الناس، ويشيع الفاحشة بينهم، ومن ذلك ما يقع في المجتمع من المخالفات التي يرتكبها بعض الأفراد، فإن التحدث عنها في المجالس يفرح الأشرار والمنافقين، ويشيع الفاحشة في المؤمنين وقد قال الله تعالى: (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلم). الآفة الثالثة: التكلم بالفحش والسب والبذاءة والشتم، فإن بعض الناس يعتاد النطق بلعن الأشخاص والأماكن والدواب، فيكون النطق باللعنة أسهل الألفاظ عليه، وربما يواجه بها صديقه وصاحبه والعزيز عليه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن المسلم كقتله) وقال عليه الصلاة والسلام: (ليس المؤمن بالطعان واللعان ولا الفاحش ولا البذيء)، وقد لعنت امرأة ناقة لها فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأخذ ما عليها وتركها، وقال: (لا تصحبنا ناقة ملعونة)، وبعض الناس حينما يكون بينه وبين أخيه المسلم منازعة أو مشادة، فإنه يطلق لسانه عليه بالسب والشتم والتعيير، ورميه بما ليس فيه من قبيح الخصال، ولا يدري هذا المسكين أنه إنما يجني على نفسه ويحملها أوزار ما يقول.الآفة الرابعة: من آفات اللسان: كثرة المزاح فإن الإفراط في المزاح والمداومة عليه منهي عنهما، لأنه يسقط الوقار، ويوجب الضغائن والأحقاد، أما المزاح اليسير النزيه فإنه لا بأس به، لأن فيه انبساطا وطيب نفس، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقا.الآفة الخامسة: الاستهزاء والسخرية بالناس، وتتبع عثراتهم، والبحث عن عوراتهم وانتقاصهم. قال تعالى: (ويل لكل همزة لمزة) يعني الذي يزدري الناس وينقصهم قيل: الهمز بالقول، واللمز بالفعل، توعده الله بالويل وهو كلمة عذاب، أو واد في جهنم نعوذ بـالله من ذلك.الآفة السادسة والسابعة: الغيبة والنميمة، هما من كبائر الذنوب، والغيبة: ذكرك أخاك حال غيبته بما كره، والنميمة: نقل الحديث بين الناس على وجه الإفساد، وقد شبه الله المغتاب بآكل الميتة، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن النمام يعذب في قبره. وأخبر أن النمام لا يدخل الجنة يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل الجنة نمام)، والنمام يفسد بين الناس، ويزرع في القلوب الأحقاد والأضغان، ويهدم البيوت، ويخرب الأوطان، وقد قال تعالى: (ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم مناع للخير معتد أثيم).
7394
| 16 يونيو 2016
قد أجمع العلماء على أن كل ما يؤدي إلى الضرر ويوقع في المهالك يجب اجتنابه، وفعله محرم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار).وكثيرة هي الأضرار الناجمة عن تعاطي التدخين، فمنها ضياع المال وإنفاقه في وجه غير مشروع وصرفه في المحرم، فلو فُرض أن إنسانًا بدأ في التدخين من سن الخامسة عشرة إلى أن بلغ ستين سنة، وأن متوسط تدخينه في اليوم عشرون سيجارة، فإن مجموع ما دخنه يتجاوز ستة عشر ألف علبة سجائر، قيمتها واحد وثمانون ألف ريال، فمن هذا يتبين أن المدخن العادي يصرفُ هذا المبلغ الضخم في جلب الضرر لنفسه، ويزيد المبلغ كثيرًا عند أولئك الذين يتعاطون التدخين بشراهة وبكمية أكبر.وقد أثبت الأطباء وأعلنوا مرارًا أن التدخين مضر بالبدن منهك للصحة، وأنه يقتل ما يقارب ثلاثة ملايين إنسان في كل عام، وهو سبب رئيس للإصابة بعدة أمراض، منها: سرطان الرئة والتهابها، وسرطان الحنجرة، وضيق التنفس، وزيادة سرعة ضربات القلب، وارتفاع ضغط الدم، وزيادة معدل الإصابة بتصلب الشرايين، وفقدان الشهية، ومحو الشعور بالجوع، والأرق الطويل، وضعف الإبصار، وغير ذلك من الأمراض الأخرى. وإنه لا يَسَعُ العاقل وهو يسمع أن واحدًا فقط من هذه الأمراض سببه التدخين إلا أن يعزم على تركه ويُقلع عنه بالكلية.ثم إن أضرار التدخين لا تقتصر على المدخن نفسه، بل إنها تعم كل من حوله، وأقربهم الملكان اللذان عن يمينه وشماله، وقد جاء في الحديث عنه أنه قال: (إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم).ثم كيف يليق بعاقل أن ينفخ الدخان في وجوه من حوله، وينفثه بحضرة من هم أكبر منه سنًا وأعلى قدرًا؟! بل كيف يرضى بنفثه في وجوه من يجلسون من أبنائه وبناته وزوجته، ويكدّر عليهم صفو جلستهم.ومن الدراسات المتعلقة بأضرار التدخين ما ثبت من أن المدخن للسيجارةِ الواحدةِ إذا جلس معه شخص أثناء تدخينه فإنه يدخن معه نصف السيجارة، ويلحقه ضرر بجلوسه معه.إذًا ليست هناك نتائج وفوائد إيجابية يجنيها المدخن من تعاطيه التدخين، بل مفاسدُ وأضرار كثيرة، والمدخن يعرف هذا لكنه قد يكابر ويعاند، والشجاع مَنْ يتخذ قراره الأصوب في الامتناع عن التدخين والإقلاع عنه إلى غير رجعة، حتى لا يلحقه الأذى والإثم والضرر في دينه وصحته وماله، فهل ترضى أيها المدخن بأن تودِع النار في صدرك بثمن تدفعه مقدمًا، وأن تشرب نارًا وتدفع مقابل ذلك ريالًا؟! إنه ما دام قد ثبت أنالتدخين من أعظم ما يجلب الأمراض للجسد، وأن البعض يسميه بالانتحار البطيء، فإني أخشى أن تكون ممن قتل نفسَه، ودخل في قوله: (ومن تحسى سمًا فقتل نفسه ـ أي: من شرب وتجرع سمًا ـ فسُمُّه في يده يتحسَّاه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا).
291
| 15 يونيو 2016
خامسًا: بذل المعروف ومساعدة الآخرين: ومن آداب الطريق بذل المعروف للناس كافة قدر المستطاع، فإن الناس قد يحتاجون إلى بعض المساعدة منك، فلا ينبغي لك ـ من منطلق إيماني ـ أن تقصر في ذلك أو تعرض عنه، إذ إن المسلم لا يتخلى عن أخيه المسلم، وبذل المعروف سمة من سمات المؤمن الصادق.وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلًا في ذلك بقوله: (وتعين الرجل على دابته تحمله عليها أو ترفع له متاعه عليها صدقة). وبقوله صلى الله عليه وسلم: (من كان له فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له). وكم من مرة ترى شخصًا يحتاج إلى مساعدة في سيارته، أو في حمله، أو إرشاده إلى مبتغى، أو في دفع شرير عنه أو نحو ذلك فلا تكونن في ذلك؟! من المقصرين.وهب أنك كنت مكانه ـ وكثيرًا ما يحدث هذا ـ فكما تحب أن يعينك الناس فأعنهم قدر المستطاع والجهد والطاقة..(فالمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه). سادسًا: الاحسان إلى الطريق ومرافقه: ومن آداب الطريق أن نحسن استخدامه واستخدام مرافقه الملحقة به...فليس لأحد أن يضيق الطريق على المسلمين بأخذ جزء منه لاستعماله الشخصي كأنه تملكه دونهم.وهذا ما يفعله بعض الباعة الثابتين أو المتجولين.أو ما يفعله بعض أصحاب البيوت حيث يخصون أنفسهم دون سواهم ببعض جوانب من الطريق فيضيقونه على الآخرين.أو ما يفعله بعض السائقين الذين إما أن يقفوا بسياراتهم للحديث وسط الطريق فيقطعوا السبيل، أو يسيرون بصورة مواكب متراصة بطيئة، أو يتسابقون فوق الطريق بشكل خطر ومزعج.فكل ذلك ولا شك مما يأباه الطبع السليم والأدب الإسلامي القويم.ومن سوء استخدام الطريق سوء استخدام مرافقه الملحقة به كالأرصفة والمواقف والاستراحات التي تكون على طرق السفر.وعهدنا بالمسلمين أنهم كانوا سباقين لإنشاء المساجد والأسبلة والاستراحات وتمهيدالطريق وتوسعته وتوفير الخدمات الضرورية فيه... ومن يقرأ تاريخ المسلمين يجد من ذلك عجبًا عجبًا...وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام في السفر تنحى عن الطريقومال عنه فلم ينم فيه... ونهى أصحابه عن ذلك.سابعًا: غض البصر في الطريق الحرام: ومن الآداب الإسلامية في الطريق غض البصر عن العورات والنساء وأبواب البيوت والنوافذ.فللنساء حق في الطريق، ونحن مطالبون بغض أبصارنا عنهن، وكفها عن الإمتداد إليهن، حتى وإن خالفهن الهدي النبوي والتشريع السماوي بحفظ أنفسهن وستر أجسادهن، فإن ذلك لا يبيح لنا النظر إليهن لقوله تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) وكذلك يكون غض البصر عما في داخل البيوت أو وراء النوافذ أو خلف الحواجز، إلا ما وقع عليه البصر فجأة لأول مرة، أو ما كان مضطرًا إليه السائق في استبيان طريقه.قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا على لا تتبع النظرة، فإن لك الأولى وليست لك الآخرة) ثامنًا: قمع المنكر ونصرة الحق في الطريق: ومن آداب الطريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.وهذا يتعلق بكثير من المنكرات الظاهرة في الطريق، وبمجالات الخير المفتوحة فيها وبحب الخير للجميع، والسعي نحو إصلاح الأخطاء الاجتماعية والسلوكية والأخلاقية في المجتمع.
604
| 14 يونيو 2016
قد فاق الإسلام بآدابه وتشريعاته التي خص بها الطريق، والتي أمر المسلمين بالتخلق بها، فاق كل التشريعات السابقة، وفتح المجال لاستحداث آداب جديدة متطورة، مع تطور الطرق وتعدد أنواعها واختلاف أساليب الاستفادة منها.والآداب الشرعية لمستخدمي الطريق متعددة متنوعة تتناول جوانب كثيرة ومنها:أولا: التواضع أثناء المشي في الطريق وسلوكه: وذلك لأن الطريق مجمع للبشر، وملتقى للناس، فقد يوسوس الشيطان للبعض أن يتكبر على الآخرين ويزدريهم، ظنًا منه أنه خير منهم لما له، أو لمنصبه أو لشكله، أو لمركوبه من سيارة أو غيرها.وقد وصف الله عباده المؤمنين الصالحين بقوله (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا) ومعنى ذلك: يمشون بسكينة ووقار وتواضع، فلا كبر ولا خيلاء، ولا تعالي ولا افتخار في مشيتهم، خاصة.وذكر الله سبحانه في وصايا لقمان لابنه قوله: (وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا) ومشي المرح يدل على الكبر والتعالي والخيلاء والصلف...وعلى العكس من ذلك فإن الإسلام استحسن أن يتعامل المسلم مع إخوانه في الطريق وغيره بالابتسامة الحلوة، المعبرة عن المحبة الصادقة.قال صلى الله عليه وسلم: (إن تبسمك في وجه أخيك صدقة) ومن التواضع في الطريق أن لا يرى المسلم نفسه أحق به من غيره أيًا كان هذا الغير، وبالتالي فلا يزحم فيه أحدًا ولا يزجره عنه أو يبعده من أجل مروره فيه. ثانيًا: ذكر الله في الطريق: ومع التواضع للخلق لا ينسى المسلم وهو يمر في الطريق ماشيًا أو راكبًا أو مسافرًا أو في بلده أن يذكر الله سبحانه، منشغلًا بذكره عما يلفت أنظار الآخرين من بهرج أو مناظر.قال الإمام النووي رحمه الله: باب الذكر في الطريق. روينا في كتاب ابن السني عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من قوم جلسوا مجلسًا لم يذكروا الله عز وجل فيه إلا كانت عليهم ترة، وما سلك رجل طريقًا لم يذكر الله عز وجل فيه إلا كانت عليه ترة) والترة النقص والتبعة...ويلحق بذكر الله في الطريق أن يعرض الإنسان المسلم عما قد يعترضه فيه من جهل بعض الجهلة أو حُمق بعض الحمقى، كما قال سبحانه:(وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا). كما يلحق بهذا الأدب أن يلقى المسلم ـ مع الإبتسامة في وجوه الآخرين ـ التحية على سالكي الطريق الآخرين ابتدءًا، ويرد تحيتهم بأحسن منها، على أن يكون السلام في حالتيه عامًا لجميع المسلمين، فالسلام سنة في الطريق "على من عرفت ومن لم تعرف" كما جاءت بذلك نصوص صريحة...ثالثًا: كف الأذى ورفعه: وبما أن الطريق مرفق مشترك بين الجميع فإن أهم الآداب التي جاء النص صريحا عليها: كف الأذى وذلك في الحديث الجامع لمعظم آداب الطريق.فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والجلوس في الطرقات. قالوا: يا رسول الله ما لنا من مجالسنا بدٌ نتحدث فيها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه. قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله. قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).وكف الأذى الوارد في الحديث يصدق على أمور كثيرة منها: عدم إلقاء القاذورات والأوساخ والفضلات في الطريق، خاصة وقد ورد عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:رابعًا: إماطة الأذى عن الطريق صدقة: ومن آداب الطريق في الإسلام ليس فقط أن يكف المرء أذاه، بل إن يعين ويشارك في إماطة أذى غيره عن الطريق، فذلك شعبة من شعب الإيمان، لما فيه من دلالة على حب الخير للمسلمين ومسلك عملي في ذلك.قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وسبعون، أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من شعب الإيمان) بل جاء في بعض الأحاديث أن ذلك من أسباب دخول الجنة.عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نزع رجل لم يعمل خيرًا قط غصن شوك عن الطريق إما كان في شجرة فقطعه وألقاه، وإما كان موضوعًا فأماطه، فشكر الله له بها فأدخله الجنة) وفي صحيح مسلم أن أبا برزة قال: قلت يا نبي الله علمني شيئًا انتفع به قال: (اعزل الأذى عن طريق المسلمين) وإماطة الأذى عن طريق المسلمين قد تكون بالنفس كما مر في الأحاديث السابقة.أو قد تكون بإخطار الجهات المسؤولة عن ذلك فالدال على الخير كفاعله.
45646
| 13 يونيو 2016
الخلق الحسن من خصال التقوى ولا تتم التقوى إلا به وإنما أفرده النبي صلى الله عليه وسلم بالذكر للحاجة إلى بيانه فإن كثيرا من الناس يظن أن التقوى هي القيام بحق اللهدون حقوق عباده لذلك يقصر كثير من الصالحين في حقوق الخلق أو يهملونها بالكلية لاشتغالهم بحقوق الله فجمع النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ في وصيته بين حق اللهوحق عباده. وقد تكاثرت النصوص على فضل حسن الخلق والأمر به كما قال تعالى: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا). وقال تعالى: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاس). وجماع حسن الخلق بذل الندى وكف الأذى كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (البر حسن الخلق). رواه مسلم. وقال ابن المبارك: (هو بسط الوجه وبذل المعروف وكف الأذى). وقال الشعبي: (حسن الخلق البذل والعطية والبشر الحسن). ولحسن الخلق أنواع كثيرة تعود إلى معناه منها: التواضع والجود والحلم والأناة والرفق والوفاء والصدق والنصيحة وأداء الأمانة والستر والإصلاح والرحمة وبر الوالدين والصلة والشجاعة والإيثار والعفو والبشر وطيب الكلام والعدل. ولحسن الخلق فوائد جمة ومزايا عظيمة: دخول الجنة وتثقيل ميزان العبد وكمال الإيمان وقرب المجلس من رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة وبلوغ منزلة رفيعة في الدين وزيادة العمر وبسط الرزق وكشف الكرب واندفاع النقم وكسب محبة الخلق في الدنيا. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا ما ترك خيرا إلا تمثل به وما ترك سوءا إلا هجره وكان قدوة حسنة في جميع أبواب الخير وخصال الإيمان كما قال: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق). وقال إنس (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا) متفق عليه. وقد أثنى عليه الله سبحانه بقوله (وأنك لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ). وكان يتمثل أخلاق القرآن الفاضلة كما قالت عائشة واصفة خلق رسول اللهصلى الله عليه وسلم: (كان خلقه القرآن). وكان كلامه وألفاظه من أطيب الكلام كما قال عبد الله بن عمرو بن العاص: (لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا) متفق عليه. وكان رفيقا بأهله وولده كما قال صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي). رواه الترمذي. وكان رفيقا بخادمه كما قال إنس: (خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين والله ما قال لي أفا قط ولا قال لي لشيء لم فعلت كذا وهلا فعلت كذا). رواه مسلم. وكان حليما بأصحابه وكان متواضعا غاية التواضع وكان زاهدا في حطام الدنيا لا ينازع الناس في دنياهم وحظوظهم وكان متفانيا في هداية الخلق لربهم وكان رفيقا عادلا مع الكفار وكان رفيقا في إرشاد الجاهل والفاسق والتائب إلا إذا اقتضت المصلحة في التعنيف عنف وكان لا يغضب لنفسه فإذا انتهكت محارم الله غضب لله ونصرة لدينه والحاصل أنالله حباه وجبله ووفقه لمكارم الأخلاق ومحاسن الصفات فينبغي للمسلمين أن يتخذوا حياته وشمائله وفضائله مدرسة وقدوة حسنة للتربية على حسن الخلق ونشرها في الأجيال والمراكز التعليمية والدورات التدريبية. فأسأل الله أن يرزقنا الإخلاص في محبته واتباعه في هديه ظاهرا وباطنا ونصرة دينه والاجتهاد في نشر سنته.
2478
| 12 يونيو 2016
مساحة إعلانية
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما...
6600
| 27 أكتوبر 2025
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم،...
6480
| 24 أكتوبر 2025
تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...
3189
| 23 أكتوبر 2025
المسيرات اليوم تملأ السماء، تحلّق بأجنحةٍ معدنيةٍ تلمع...
2415
| 28 أكتوبر 2025
القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى،...
1884
| 23 أكتوبر 2025
جاء لقاء حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن...
1683
| 26 أكتوبر 2025
على مدى العقد الماضي أثبتت دولة قطر أنها...
1428
| 27 أكتوبر 2025
النّهضة هي مرحلة تحوّل فكري وثقافي كبير وتمتاز...
1047
| 24 أكتوبر 2025
في زمنٍ تاهت فيه الحدود بين ما يُقال...
999
| 24 أكتوبر 2025
لا بد عند الحديث عن التصوف أن نوضح...
984
| 27 أكتوبر 2025
“أبو العبد” زلمة عصامي ربّى أبناءه الاثني عشر...
921
| 27 أكتوبر 2025
يشهد قطاع الرعاية الصحية في قطر ثورة رقمية...
906
| 23 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية