رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
عندما يحلّ العيد يكون مختلفا في نظر السوريين ونظر الشعوب التي تعاني من ظروف غير مستقرة، مقارنة بحلوله في ديار شعوب عربية وإسلامية أخرى، فالأوضاع الإنسانية الصعبة والمؤلمة تفرض نفسها على مزاجهم العام، سواء كان سقوط الضحايا وفقد الأحبة، بسبب القصف المتواصل للمدنيين، حتى قبيل حلول العيد، وموعد هدنة مرتقبة، أوترك الديار والبعد مرابع الأهل والأصحاب نزوحا ولجوءا، أو انعدام الأمن والأمان، وصعوبة الظروف المعيشية، وما يرتبط بذلك من مستجدات راهنة. العيد لدى أهل الشام في ظل أزمتهم المتجددة، جراح تُنكأ وآلام تستيقظ، وآهات تطلق، حتى وإن حاولوا أن يتساموا على جراحهم ويتجلدوا ـ على الأقلّ ـ أمام الصغار من أبنائهم وذويهم، حتى لا يفسدوا عليهم فرحتهم بالمناسبة. قمتُ في جولة سريعة على صفحات مجموعة من السوريين على شبكات التواصل الاجتماعي في يوم وقفة عرفة وصبيحة يوم العيد لمعرفةٍ أكثر دقة للحالة التي تعتري نظرتهم للعيد، وهأنذا أقدمها لكم، بكل ما يعتملها من غصص وآلام وآمال، فالمؤمنون في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم ـ خصوصا في مثل هذه الأوقات ـ "كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر"، كما جاء في الهدي النبوي. ثمة من يعتبر أن العيد لم يحن ميعاده بعد لأنّ "عيدنا يوم ينتقم الله من المجرمين قتلة الأطفال"، وثمة من يعتذر من العيد، ويرى أنه "طالما هناك دموع بأعين السوريين، فالمعذرة من العيد لأنه ليس لنا".وتمتلئ المنشورات والتغريدات بدعوات للمولى عزّ وجل بأن يغيّر الحال لأحسن حال حتى يكون للعيد طعم مختلف عن الحزن والمعاناة، فأحدهم يكتب "نسأل الله عيدا يحلّ دون أن تكون هناك شعوب بأكملها تحت الخيام أو الحصار، أو تنتظر دورها بالموت، ولا تكون زيارة المقابر فيه أول أعمالها"، ويدوّن آخر دعاء جميل جاء فيه: "أسأل الله أن يكون هذا العيد بشارة فرج لكم من كل همّ وحزن؛ وأن يجعله عيدًا مباركًا على كل الناس" وآخر يدعو للشعب المصابر في سوريا وكل بلد يرزح تحت الظلم بـ"بالحرية والكرامة والأمن والأمان"، وأن تكون "الأيام القادمة أفضل من التي ولّت".وتعكس الغربة نفسها على الذين اضطروا لمغادرة بلادهم قسرا، وتلقي المناسبة بظلالها القاسية على قلوبهم الحزينة، فهذا يكتب في تغريدة له: "كلّ الأيام متشابهة بعيدا عن سوريتنا، لا فرح كالفرح فيها، ولا عيد كعيدها"، فيما يعيّد أحدهم على والدته التي تعد أغلى من يفقده المرء، ويحن إليه بقوله: "عيد أضحى مبارك للثوار، ولأمي الحبيبة وأهلي في عيد سادس بعيدا عنهم". ويستحضر السوريون المجازر بحق المدنيين والتي لم تجف دماء العديد منها بعد، ومنها مجزرة السوق الشعبي بسراقب/ريف إدلب فيكتب أحد المتأثرين بالحادثة قائلا: "تصور أنك أنت، أو أحد أبنائك، أو أهلك يجهز ما تيسر للعيد، وبظنك أن سوقا شعبيا قد تتوافر به بعض الحاجات، بسعر أقل في ظل جنون الأسعار... فإذا بك وقد وجدت نفسك فجأة أمام انهمار الموت عبر صواريخ لا ترحم.. ليتحول الكثير منهم إلى أشلاء متناثرة في كل الاتجاهات؟ ترى أي عيد هذا؟ وأي هدنة هذه؟".ويعلّق أحدهم على حضور رأس النظام لصلاة عيد الأضحى في مسجد سعد بن معاذ بداريا بعد أن أجلي ثوارها وسكانها المدنيون عنها مؤخرا، عقب حصار ومكابدة وصبر وجوع لأكثر من ثلاث سنوات، موجِّها الحديث له مباشرة: "بعد أن هجّر النظام (بتشديد الجيم) أهلها الذين كل ذنبهم أنهم خرجوا يطالبون بحريتهم وكرامتهم لن يفيدك هذا الفيلم بشيء..سترحل يعني سترحل". فيما قال آخر بنبرة متهكمة: "كل عام وكل من ينتظر رئيسًا يصلي العيد في الجولان لا قزمًا يصلي بداريا بألف خير". هذه بعض المشاهد التراجيدية والثائرة لواقع السوريين بالعيد الراهن، ولكنهم رغم كل ذلك يواجهون الأعياد في ظل أزمتهم التي مضى عليها أكثر من خمس سنوات بصبر واحتساب، وحالة فرائحية إنسانية وإيمانية راقية، وأمل بغد أفضل.
697
| 14 سبتمبر 2016
تحدثتُ في مقال الأسبوع الماضي عن التقصير الكبير في الاهتمام بالإبداع الطفولي على مستوى الأسر والمؤسسات الأهلية، والجهات الرسمية العربية، ووصفتُ العناية بهذا الجانب في عالمنا العربي بالبضاعة النادرة رغم أهميتها التنموية على المستويات الوطنية. وحتى يؤتي هذا العمل ثماره اليانعة لابد أن يكون جزءا أساسيا في العملية التربوية العربية، ويرتكز على أسس منهجية، ويستند إلى أرضية صلبة، وقواعد علمية متينة، بعيدا عن الارتجال أو الانتقائية، ولعل ما ينبغي الاسترشاد به في هذا المجال ما يلي: ـ الموهبة والإبداع منحة من الله، وكل ميسر لمواهب نظرية أو عملية، وفقا لذلك، كالصوت الجميل والأذن الموسيقية والكتابة الأدبية كالقصة والشعر والرسم والقدرة المتميزة على تعلّم اللغات وغيرها. ـ مهمة الجهات ذات العلاقة بدءا من الأسرة ومرورا بالمدرسة والجهات الإبداعية والثقافية والعلمية الأخرى هي القدرة على تحديد المواهب، والكشف عنها والبدء برعايتها وصقلها، وكلما كانت السن مبكرة كانت القدرة على رعاية هذه المواهب واستثمارها أكبر وأفضل. مع الإشارة إلى أن تنمية المواهب عملية لا تتوقف على مدار العمر، وإن كانت في البدايات أكبر وأهم للوصول إلى مراحل نضج متقدمة.ـ الإبداع لا يعرف سنا معينة، فقد تظهر علاماته منذ الصغر، وبذلك يكون بحكم هذه الموهبة أكثر تميزا بين من هم في عمره، بل ومن هم أكبر منه عمرا، ومعروف أن الصحابي الجليل أسامة بن زيد كان قائدا لجيش فيه كبار الصحابة ممن يكبرونه مكانة في مجالات أخرى وسنا، رغم حداثة عمره وذلك بفضل مواهبه ومهاراته القيادية المتميزة. ـ رعاية المواهب مرحلة لاحقة للكشف عنها وتشتمل على جملة أمور من أهمها التشجيع والحفز المادي والمعنوي، والتدريب النظري والعملي لصقلها وتطويرها وتنميتها، ثم إفساح المجال لها من أجل أخذ دورها في المشاركة المجتمعية، والاعتراف بقدراتها. وعدم الرعاية يؤدي إلى خسارة القيمة التنموية المضافة لأصحاب المواهب بصورة كاملة أو جزئية، لأنه يؤدي إلى وأدها أو ضمورها، أو تأخر ظهورها أو عدم استثمارها بشكل صحيح وكامل.ـ من الأمور المهمة على مستوى التسميات والمصطلحات أن يطلق على الموهوبين اسم المبدعين الواعدين، أو مبدعي المستقبل بدلا من المبدعين الصغار، لأن في الأولى استشرافا لمستقبلهم المليء بالتميز المتوقع، كأن نقول الشاعر الواعد أو إعلامي المستقبل وهكذا.ـ الفقر والكوارث والحروب والأوضاع الاستثنائية، قد تعطي دافعية أكبر للإبداع والتميز، وعلى ذلك شهدنا ظهور مبدعين واعدين في ظل الأزمة السورية، وقبلها في ظل الاحتلال الصهيوني لفلسطين، وحتى في ظل الحصار المتواصل على قطاع غزة. وذلك لأنه يجتمع إلى جانب الموهبة التحدي والدافعية لمواجهة الأوضاع الصعبة، ومعروف أن كثيرا من العظماء والعلماء والموهوبين ولدوا وترعرعوا في بيئات ذات طبيعة صعبة.هذه بعض الملاحظات المهمة للراغبين بتنمية المواهب الإبداعية عن الأطفال والناشئة واستثمار قدراتها الواعدة على أفضل وجه، مع ضرورة الحذر من خطأ مهم يتمثل بتضخيم مواهب الأطفال أحيانا، سواء أكانت مواهب إبداعية حقيقية أو غير حقيقية (إبداع عادي)، ويحصل ذلك نتيجة أمرين، إما سوء تقدير هذه القدرات من قبل المختصين، أو تسليط أضواء الإعلام عليها بصورة مبالغ فيها توصل هذه المواهب وأصحابها من الاعتداد بالنفس إلى درجة الغرور المضرّ تربويا، بحيث تتضخم الأنا النرجسية لدى الطفل، التي يتعالى فيها على من حوله من أقرانه، أو لا تتاح بسببها له فرصة تطوير موهبته وصقلها بالشكل المطلوب.
2872
| 07 سبتمبر 2016
يحدث أن تعمل نسبة معتبرة من الشباب الذين تخرجوا من كليات علمية في حقول عمل إبداعية لا صلة لها بتخصصهم كالإعلام والترجمة والفنون، سواء بصفة كاملة أو جزئية، وتبدع في هذه المجالات، وربما يعود ذلك لعدم وجود من اكتشف ميولهم في سن مبكرة، وبالتالي عدم بروز هذه الموهبة بشكل واضح حتى للشخص نفسه، أو لعدم حصول هذه المواهب على الرعاية المطلوبة لتظهر وتصقل، أو بسبب إجبار الأهل لأبنائهم للتوجه إلى تخصصات معينة تصادم ميل الأبناء وهواياتهم، بحجة أن التخصصات العلمية قد تكون أوفر دخلا أو أكثر وجاهة من التخصصات الإبداعية. والموهبة منحة من الله، تحتاج إلى من يتنبّه إليها منذ نعومة الأظفار، ثم يرعاها ويصقلها لتكون أكثر عطاء وقدرة وتميزا. وعدم القيام بذلك قد يؤدي إلى ضمور هذه المواهب جزئيا أو كليا، أو عدم التميز بالصورة المتوخاة. عند حديثنا عن المواهب لدى الأطفال وأهمية حصولها على الرعاية لتتطور أسرّ زميل مثقف أنه لا يعرف كيف يكتشف مواهب أبنائه، وأنه يريد معرفة مفتاح ذلك ليقوم بواجبه رغم أن أبناءه موزعون بين المرحلة الابتدائية وبداية الإعدادية. خلال نهاية الأسبوع الماضي وطيلة الأسبوع الحالي أتيح لي متابعة فعاليات "مهرجان الإبداع الطفولي" الذي نظّمته مديرية ثقافة الطفل بوزارة الثقافة في الأردن بمشاركة ثماني دول عربية، ولعل أهمية المهرجان تكمن في أنه لفت الانتباه إلى أهمية الإبداع منذ الصغر، وما تحتاجه العملية لتؤتي ثمارها المنشودة، ودورها في تنمية المجتمعات، وتقديم نماذج عملية لهذه المواهب التي أسهمت في هذا المهرجان بشكل متميز، وفي أكثر من جانب. في المهرجان كان هناك تكريم لعدد من الأطفال واليافعين الأردنيين الموهوبين تقديرا لجهودهم، واحدة منهم تعتبر أصغر قاصة في الأردن وقد صدر لها مجموعة قصصية وأخرى قيد الطبع، وأخرى صحفية تعمل مع مواقع داخل وخارج الأردن رغم أن عمر كلّ منهما 14 عاما، كما كانت هناك مسابقة لأدب الطفل للناشئة في مجالات القصة القصيرة والشعر والنص المسرحي والمقالة والخواطر، فضلا عن تقديم مسرحيات من قبل فرق مسرحية من الناشئة كفريق مركز زها الثقافي المسرحي، والمعرض الفني للمكفوفين، وهكذا فإن المهرجان اشتمل على تكريم الإبداع الطفولي حفزا للمتميزين من الأطفال، وأتاح فرصا للمبدعين منهم لينافسوا بمواهبهم، ويزيدون من جودة عطائهم، والثقة بقدراتهم، بمن في ذلك أصحاب الاحتياجات الخاصة منهم، وأبرز مخرجات مواهبهم للجمهور من الأطفال والأسر، وذلك من خلال مشاركاتهم العملية ليتأسوا بهذه التجارب. وعن قرب التقيت عددا من الموهوبين الصغار وحاورتهم وحاورت أسرهم مطولا وقد ترسخ لي بأن وراء هؤلاء الموهوبين أسرا تجتهد بقوة للعناية بمواهبهم عناية فائقة، فمثلا يقرؤون لهم القصص منذ أن تكون أعمارهم سنتين أو ثلاث سنوات، ثم يوفرون لهم الكتب للمطالعة، ثم يلحقونهم بمراكز ثقافية وبدورات مهنية لتنمية المواهب والإبداع لديهم، ويحرصون على حفزهم للاشتراك بالفعاليات المدرسية وغيرها وفي المسابقات الوطنية، ويتابعون مخرجات أعمالهم كطباعة كتبهم أو إقامة معارضهم، ويسهّلون اشتراكهم في الأعمال الإبداعية بصورة تطوعية لاكتساب المهارة والخبرة العملية، فضلا عن دور الجهات الأخرى كالمربين والمدارس، والمدربين والمراكز الثقافية، ودور مؤسسات الإعلام في التعريف بهذه المواهب وتقديمها. مع الإشارة إلى أن دور الأسرة في هذا الجانب هو الطاغي على من سواه. الكشف عن الإبداع منذ السنوات الأولى من العمر للأطفال ورعايته بما يلزم مطلب تنموي مهم للأفراد والمجتمعات، فهو يوفر شخصاً نافعاً مؤثراً، يعمل بجدية وحيوية وحب لعمله، ويبادر لخدمة من حوله وتطوير بلده بحرفية ومهنية، ويقفز بمسارات التطوير والنهوض قفزات مهمة. يبقى القول إن الاهتمام بهذا الجانب على مستوى الأسر والمجتمعات والجهات الرسمية في دولنا العربية مازال بضاعة نادرة جدا رغم أهميته الوطنية.
416
| 31 أغسطس 2016
اهتز العالم على وقع صورة الطفل الحلبي "عمران" التي ظهر فيها داخل سيارة الإسعاف، وهو في حالة ذهول من دون صراخ أو دموع رغم إصابته بجروح، وذلك بعد أن انتشل من بين أنقاض بيته الذي قصف، وحظيت هذه الصورة بمتابعة كبيرة جدا من قبل وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، شرقا وغربا لتعيد تسليط الضوء على الجرائم التي ترتكب بحق المدنيين في سوريا، خصوصا الأطفال والنساء، جراء قصف طيران النظام السوري، وحليفه الدب الروسي. والسؤال الذي يطرح نفسه: لمَ يغيب الإعلام خصوصا وسائله التقليدية عن ملاحقة ومتابعة الجرائم التي ترتكب بحق المدنيين، وبخاصة الأطفال، علما أن "عمران" الحلبي وقبله الطفل " إيلان" ليسا الشاهدين الوحيدين على الجرائم التي ارتكبت - ولا تزال ترتكب - بحق أطفال سوريا بل هناك عشرات آلاف الأطفال قبلهما وبعدهما شهود على وحشية الظلمة والقتلة والغزاة. وأين يكمن الخلل في هذا المعادلة؟! هل في عدم اهتمامنا الكبير في رصد ومتابعة هذه الجرائم ـ وما أكثرها؟ أم في عدم قيامنا بتوثيقها بشكل مهني مؤثر يمكن أن يشد الأنظار؟ أم في عدم القدرة على تسويق الصور المؤثّرة بصورة احترافية، وإتقان تنظيم حملات لمناهضة انتهاك الجرائم بحق المدنيين؟ أم في تجاهل كثير من وسائل الإعلام العربية والدولية لهذه الصور بسبب أولويات أجندة اهتماماتها الإعلامية والسياسية أو المواقف المنحازة لهذا الطرف أو ذاك؟ أو نتيجة تواطئها المريب، وتقديم كل ذلك على الواجب الأخلاقي والإنساني والمهني، وبالتالي عندما يحدث اهتمام طارئ بين فترات متباعدة فقد يكون لأنّ الصورة يصعب تجاهلها من قبل هذه الجهات؟ الجواب على ما سبق هو أن جملة الأسباب التي جرى سردها آنفا توقف هذا الغياب بنسب مختلفة، ولكن تركيزنا ينبغي أن يكون على ما هو تحت أيدينا حتى لا يكون هذا الغياب طويلا، أو الحضور نادرا جدا. وثمة سؤال أخير يطرح نفسه: ما جدوى هذه الصور طالما أنها - على ندرتها - لا تصنع فرقا، فلا هي توقف العنف المتواصل لجرائم الجاني، بل إنها قد لا تشير إلى اسم الفاعل أو تتجاهله عمدا أحيانا، ولا هي تخفف من معاناة الضحايا المغلوبين على أمرهم. قد يكون من نافلة القول على المستويين العربي والدولي أن يتجاهلك الإعلام المعادي لقيم الحرية، والقيم الإنسانية، وكذلك الإعلام المنحاز لبعض الأطراف والدول، بل قد لا يكتفي بذلك بل يعمل على الغمز بمصداقية هذه الصور والتشكيك فيها، وقد لا يكون مستغربا ألا تعطيك بعض الوسائل الإعلامية الاهتمام المرجو بسبب أجنداتها واهتماماتها المختلفة، وقد لا تؤدي إلى تغيير الواقع المأسوي للأطفال والمدنيين الذين تتواصل معاناتهم وتتفاقم منذ خمس سنوات ولكن رغم ذلك فلابد من مواصلة الاهتمام بالصور ذات الطابع الإنساني وتقديمها للعالم بصورة احترافية، لأنها تسعى لتغيير حياة الناس، والدفاع عن حقوقهم المشروعة ومن فوائدها الرئيسة: ـ توثيق جرائم الجناة ومحاسبتهم إن لم يكن عاجلا فليكن آجلا، كما حدث في تجارب الشعوب الأخرى سابقا. ـ كسب تعاطف مزيد من الرأي العام الدولي ضد جرائم النظام السوري والميليشيات الطائفية المتحالفة معه، وتسليط الضوء على جرائم الغزاة الروس وفضحها. ومن ذلك ما نشرته صحيفة "التايمز" البريطانية في تقرير لها مؤخرا والذي ورد فيه: أن روسيا تفوقت على تنظيم الدولة في قتل المدنيين بسوريا في حوالي ثلث الوقت (موسكو مسؤولة عن 514 حالة وفاة من النساء، و716 طفلا، فيما قتل تنظيم الدولة 323 امرأة و368 طفلا). ـ التخفيف من معاناة المدنيين وإن بنسب بسيطة خصوصا عندما يبدو العالم محرجا إزاء فظائع الروس والميليشيات الطائفية فيضطر للضغط عليها وإقامة الهدن وإدخال المساعدات أو تقليص قصفها أو يدعم المعارضين لها. ـ استثمارها للإسهام في توفير الدعم للمساعدات الإنسانية وإقامة المشاريع والخدمات التي تندرج في مجالي الإغاثة والتنمية. ـ إبقاء القضية السورية حاضرة في أذهان المجتمع الدولي والضغط عليه من زاوية الجانب الإنساني لتوفير حلول سياسية لها. وهناك فوائد أخرى لا يتسع المقام لذكرها.
341
| 24 أغسطس 2016
قبل أيام قليلة أعلن موقع "انستجرام" إضافة خدمة التصوير اللحظي تحت مسمى "story"، وهي خدمة جديدة تماثل وربما تسعى لمنافسة خدمة موقع "سناب شات" التي كان يتفرد بها. ولعل ما يلفت الانتباه مقدار الأشخاص الذين باتوا يتعاملون مع هذه بشكل يومي، بتلقائية وحب وشغف، فور الإعلان عن هذه الخدمة، ومن المتوقع بالطبع أن يتسع حجم المقبلين عليها والمتفاعلين معها في الأيام القادمة. ليس جديدا القول بأن شبكات التواصل في زمن الهواتف الذكية والتطبيقات الإلكترونية فرضت نفسها على حياتنا بشكل لم يعد ممكنا الفرار منها، حتى وإن أردنا ذلك، وصارت ظاهرة معولمة يستوي في التعاطي معها الأغنياء والفقراء والصغار والكبار والذكور والإناث، بغض النظر عن النسب وكيفية التعامل..هنا وهناك. ولعل شغف عَالَم البشر وجنونهم المستعر في التعاطي مع مستجداتها وانتشارها في حياتهم بكافة تفاصيلها الاجتماعية والاقتصادية والإعلامية والشخصية بات يغري صناعة تقنيات التواصل والشبكات والأنظمة المرتبطة بها للتنافس وابتكار الجديد، لكسب المزيد من الحصص وجعل منتجاتهم الجديدة جزءا من حاجة الناس وتركيبة حياتهم بما في ذلك الترفيه وصولا للتأثير في تركيبة العادات والسلوك الاجتماعي. قبل أيام أعلنت قناة الجزيرة عن مشروع "مدونات الجزيرة " ولفت انتباهي تأثير شبكات التواصل والتطور الذي لحق بها، فها هم يستفيدون من خدمة التصوير اللحظي عبر انستجرام وسناب شات لما أسموه التدوين الإلكتروني، مستثمرين تعلق الشباب بهذه الخدمة وربما استسهال الحديث مقارنة بالكتابة. لقد فرض التطور في صناعة تقنيات التواصل والإنترنت نفسه بقوة على صناعات كثيرة كالإعلان والخدمات العامة والتسويق والإعلام، وسهّل قيام خدمات العمل عن بعد، ودعم ريادة المبادرات المجتمعية، حتى صار الحضور على شبكات التواصل وعدد المتابعين أمرا يؤخذ بعين الاعتبار في التعريف بالشخص ومقدراته، وأصبح يندرج في تفاصيل السير الذاتية، بل لربما اختير أصحاب الحضور الكبير على هذه الشبكات كنجوم من نجوم المجتمع وسفراء لمبادرات معينة، وربما استكتبوا في صحف ومواقع إلكترونية بسبب هذه الميزة، كونهم سيسهمون في الترويج لهذه الوسيلة الإعلامية أو لمشروع من مشاريعها، بل صار وضع كثير من وسائل الإعلام التقليدية في خطر، وأعاد كثير منها التفكير بعد أن شعرت أن البساط يسحب من تحت رجليها، وصارت تفكر بكيفية استثمار هذا التطور ضمن خدمات وسيلتها والترويج لبرامجها ومنتجاتها، والمزاوجة بينهما، كالمزاوجة بين الشاشة وشبكات التواصل، وإفادة كل (On line)، في (Off line) والعكس بالعكس. لكن الأهم أن هذا التطور المتواصل والمطرد تغلل في عمق حياة الناس عبر العالم شرقا وغربا، وشمالا وجنوبا، شبابا ـ بنسبة أكبر ـ وشيبا، وصار يستنزف أوقاتهم ويستشري في تفاصيل حياتهم، حتى صار مقصودا لذاته، مثل صرعات موضات الألبسة، وأشكال وأنواع منتجات شركات "الماركات" التي تعزز النزعة الاستهلاكية عند البشر، وتحاول غوايتهم بكافة السبل. في عصر العولمة أدركُ تماما أنه ليس من السهولة وربما ليس من الحكمة أيضا الوقوف أمام ظاهرة زحف شبكات التواصل وصناعاتها وخدماتها المتسارعة والمتجددة، ولكن ما هو مفيد ومطلوب هو كيفية ترشيد استخدامنا لها حفاظا على أوقاتنا وصونا لهويتنا الثقافية وسلوكياتنا الاجتماعية، وكيفية استثمار إيجابياتها والتقليل من سلبياتها على واقعنا، وكيفية ابتكار نماذج تراعي خصوصياتنا وخصوصيات أجيالنا.
330
| 15 أغسطس 2016
نتحدث كثيرا عن محورية دور الشباب في البناء والنهوض والتطوير، وفي الثورات وعمليات التغيير..فأين موقع هذه الشريحة الفعلي من أولويات اهتمام مجتمعاتنا العربية التي توصف بالفتيّة، وهل تحظى بما تستحقه على مستوى البناء الثقافي والمعرفي، وتنمية المهارات والإمكانات، وإطلاق المبادرات واستثمار الطاقات. سأتجاوز الحديث عن القطاع الحكومي وواقع حاله لأن الخوض فيه قد يطول، وربما قد يصيب متتبعه بالإحباط واليأس والقنوط، وسأقصره على جهود منظمات المجتمع المدني، والأحزاب، والمؤسسات الإعلامية والشبابية والثقافية والفنية الأهلية والخاصة لأقول إن الأمر ليس بأحسن حالا رغم بعض المبادرات التي تستحق الثناء والتقدير هنا وهناك، ولكنها دون المأمول، وهي لا تتناسب والفراغ الكبير في هذا الفضاء. معروف أن سن الشباب هو الفترة الذهبية لبناء القدرات المعرفية والمهارية، وهنا أتساءل: كم عدد المؤسسات والبرامج العربية التي تعمل في حقل الاستثمار المعرفي، وتتيح للشباب فرصا حقيقية للتدريب وتطوير المهارات، وكم هو المتوافر منها بأسعار معقولة تطيقها هذه الشريحة ومن يعولها، مع ضرورة الإشارة إلى ما يحيط بهذه الصنعة من إشكالات تتصل بضعف المخرجات والقائمين عليها، والدوافع التي ارتبطت بقضايا شكلية ـ لا فعلية في كثير من الأحيان ـ في أذهان المستفيدين، إذ لا يخفى أنها أصبحت ضرورة لابد من إثباتها في السير الذاتية لإيجاد أو تسهيل الحصول على فرص العمل. وقريبا من هذا السياق، معلوم أن لدى الشباب أوقات فراغ لا تتوافر لغيرهم وقدرة على الإسهام في خدمة المجتمع من حولهم بحكم القدرات البدنية والذهنية وروح المبادرة والعطاء، والسؤال الذي يطرح نفسه كم يستفاد من هذا الوقت للصالح العام والإسهام في تنمية ونهضة المجتمعات العربية، والذي تقاس قيمته الاقتصادية بعدد ساعات التطوع التي يقدمونها، لا شك أن تطوع الشباب ثروة كبيرة يتم تضييعها، ومن خلال المتابعة المسحية يتضح بجلاء ندرة المؤسسات المتخصصة في هذا المجال والمشاريع الموجهة لهذا الجانب سواء من قبل المنظمات الشبابية أوالمؤسسات الخيرية، ومن العجيب أن تسوّق الجمعيات المعنية بالشأن الإنساني للمشاريع الخيرية التي ترغب في تنفيذها ولا تسوّق بنفس القدر والاهتمام للعمل التطوعي خصوصا في أوساط الشباب، ولا تستفيد من جهدهم وإمكاناتهم ووقتهم كقيمة مقدرة، كما هو حال التبرعات التي تحصل عليها لتنفيذ المشاريع والخدمات الإنسانية. وإذا كانت نسبة البطالة بين الشباب العربي لا تقل عن 25 ـ 30 في المائة، فإننا لا نكاد نجد من المؤسسات الخيرية ومنظمات المجتمع المدني اهتماما كافيا بالمشاريع الصغيرة المدرة للدخل التي تمكّن من تشغيل الشباب وتخرجهم من مستنقع الفقر ودوامة الحاجة وتضمن لهم الاستقرار من خلال الزواج وبناء الأسر، وتشجيع الشباب على ريادة الأعمال المجتمعية ودعمهم في هذا المجال من خلال التدريب وتطوير القدرات الإبداعية والعملية. وإذا كانت وسائل الإعلام تلعب دورا مهما في حياة الكبار والصغار وتؤثر فيهم سلبا وإيجابا، خصوصا في عهد القنوات الفضائية والشبكات العنكبوتية ومواقع التواصل الاجتماعي فإن نظرة فاحصة للمشهد الإعلامي العربي تكشف عن حجم التفريط بجيل الشباب على هذه الضفة..بدءا من ندرة الفضائيات والمواقع الإلكترونية والصحف والمجلات والصفحات والمنتديات المتخصصة في هذا المجال، ومرورا بضآلة الاهتمام بقضاياه والتركيز عليها في الخطط والبرامج والمساحات الإعلامية ضمن ما هو متوافر من وسائط على الساحة، أو الاقتصار على برامج تهتم بقضايا الفن الهابط والموضة والنزعات الشكلية الضارة والاستهلاكية التافهة وما يسمى ببرامج تلفزيون الواقع، وانتهاء بعدم وضع خطط لاستثمار التطور المتسارع لشبكات الاتصال الاجتماعي والرقمي، وبما يسهم في التنمية الثقافية والمعرفية لهذا الجيل. نريد مزيدا من الجوائز لرعاية مواهب الشباب وتكريم الناشطين منهم، والحملات التوعوية لتعزيز السلوكيات الإيجابية والتفكير الإبداعي في حياتهم، نريد التفكير بأوقاف لرعايتهم واحتضان مشاريعهم، ودعم مبارداتهم، نريد مكتبات ومقاه ثقافية تخصص لهم.. نريد ونريد.. ونريد قبل هذا وبعده أن يكون الشباب شريكا أساسيا في صياغة حاضره واستشراف مستقبله، وإلا فإن مسلسل الخسارة سيتواصل.
803
| 03 أغسطس 2016
هناك جملة أمنيات ترتبط بمجموعة وقائع ومستجدات تابعتها أو اطلعت عليها عن كثب في الآونة الأخيرة، وأعرب عن أملي في أن تتحقق في واقعنا العربي لما لها من انعكاس مؤثّر على حاضر ومستقبل مجتمعاتنا كونها تتعلّق بشرائح الناشئة واليافعين والشباب وأكتفي هنا بالإشارة إلى أمنيتين: ـ خلال هذا الشهر صدرت نتائج الثانوية العامة في أكثر من بلد عربي، وما لفتني أن عددا من الحاصلين على المراكز الأولى أو مراكز متقدمة في سلم التفوق كانوا من الذين يعانون ظروفا صعبة كاللاجئين السوريين في عدد من الدول المجاورة لبلدانهم، أو في قطاع غزة برغم فقد أهليهم، أو تهدم بيوتهم، أو معاناتهم من ظروف صعبة، بسبب عدم توفر الأساسيات لحياتهم.إنها ظاهرة متكررة، وكثيرون من هؤلاء قد لا يتمكنون من متابعة دراستهم الجامعية، أو من دخول الجامعات والكليات التي تليق بهم، بسبب مصاريفها التي لايطيقونها، والعديد منهم أفصح في الحوارات التي أجريت معهم عن رغبتهم بالحصول على منح ليستطيعوا إكمال مشوارهم العلمي وتميّزهم الدراسي. وفي غير التحصيل العلمي نبغت مثل هذه الشرائح التي تعاني ظروفا استثنائية أو تئن تحت وطأة الفقر على مستوى المواهب والابتكار والإبداع، وربما لم تلق الدعم والتشجيع الذي يرعى مواهبهم وينمّيها.والأمنية الأولى التي آمل أن تتجسد على أرض الواقع هي أن تستثمر الأنظمة العربية ـ ولا يقتصر الأمر على الميسورة منها ـ وكذلك المؤسسات الثقافية والجمعيات الخيرية في أصحاب التميز العلمي والإبداعي من هذه الشرائح، وذلك بتخصيص منح دراسية لهم على المستوى الجامعي والدراسات العليا، وإنشاء صناديق خاصة ترعى إبداعهمـ لأنهم ثروة ينبغي أن لايستهان بها. أعرف أن هناك جهودا مبذولة في هذا المجال، ولكنها محدودة ومتواضعة ولا تفي بالاحتياج. ـ قبل أيام شاهدت في إحدى دور السينما فيلم جديد Finding Dory / أو البحث عن دوري، وهو فيلم انيمشن منتج بحرفية عالية، من توزيع والت ديزتي، حظي بمشاهدة عالية وتقييم ممتاز حوالي ١٠/٨ وفق موقع IMDB. يحكي الفيلم قصة مغامرات سمكة صغيرة بعد أن فقدت والديها، وتاهت في أعماق البحار، بسبب فقدانها للذاكرة، إلى أن عثرت عليهما وعلى بيتها الآمن في نهاية المطاف، وبمساعدة أحياء البحر.. الفيلم يلامس هما إنسانيا مرهفا تلتقي فيه جميع المخلوقات، ويقلب كثيرا من مواجع الطفولة المكلومة للشعوب التي تعاني بسبب مآسي الفقد والاختطاف المصاحب للنزوح واللجوء، نتيجة الحروب والفقر المدقع، كما في سوريا والعراق وغيرهما، أو الطفولة التي تصنف في خانة ذوي الاحتياجات الخاصة.وقرأت قبل أيام سيرة كاتب الأطفال البريطاني العالمي "رُولْدْ دال" الذي اشتهر بروايته الثانية للأطفال، وعنوانها "تشارلي ومصنع الشوكلاتة"، حيث بيع منها ملايين النسخ.وتابعت مؤخرا الجدل المحتدم حول على لعبة بوكيمون التي تمزج بين العالمين الحقيقي والافتراضي، والاكتساح الذي حققته عالميا لدى الكبار والصغار، وتعلقهم بها إلى حد الهوس، بغضّ النظر عن سلبياتها، والمحاذير المرتبطة بها. والأمنية الثانية التي آمل تحقيقها هنا هو توفير صناعة راقية في مجالات الثقافة والتربية والإعلام والترفيه الخاصة بأطفالنا العرب، وتأسيس مؤسسات كبيرة تراعي خصوصياتنا الثقافية، وتكون قادرة على جذبهم وتلبية احتياجاتهم من المتجات المختلفة، بدلا من أن نظل نشكو من تعلق أطفالنا بتوافه الأمور، أو نخشى من تعرضهم للوثة المواد التي تصنّع من بيئات غير بيئاتهم، وتغرس قيما وسلوكيات سلبية فيهم. مؤسسات تنتج مواد مطبوعة كالكتب والمجلات، لتعوّد أطفالنا على حب القراءة والاطلاع، وتحوّلها إلى أعمال سينمائية مشوّقة، وتصنّع لهم الألعاب الإلكترونية ومواد الترفيه الأخرى، وتواكب التطورات المتسارعة للتكنولوجيا وتقنيات التواصل، وترعى المواهب وتنمّي مهاراتها المختلفة لدى الأطفال، وتوفر لها المنابر المختلفة التي تكفل حقهم في التعبير عن رأيهم بثقة واقتدار منذ نعومة الأظفار. كلّ تأخر في تحويل هاتين الأمنيتين لواقع ملموس يقابلهما خسارة على حساب أهم شرائح مجتمعاتنا تأثّرا وتأثيرا.
508
| 27 يوليو 2016
ليلة وقوعه المباغت بتركيا أنجحوا الانقلاب منذ أن بدأ الحديث عنه.. وأسقَطوا على الفور الرئيس التركي "أردوغان" في وسائل إعلامهم ومواقع التواصل التي يستخدمونها، وبحّت حناجرهم وهم يجتهدون في التحليلات والتوقعات، مخرجين كل ضغائنهم وشماتتهم، وفي الكشف عن أدق تفاصيل المعلومات "ترتيب لجوء أردوغان لألمانيا..نموذجا"، وسارعوا لتوزيع الحلويات في نواديهم منذ سماعهم بالخبر. ولما صحوا في اليوم التالي على حقيقة انتصار الديمقراطية على الانقلابيين، وتوحد الشعب التركي عن بكرة أبيه ضدهم، أصبح كل ما تم "تمثيلية" محبوكة من تدبير "أردوغان" وحزب "العدالة والتنمية" الحاكم وصار كل من لا يؤمن بذلك "أبلها وساذجا"، بدلا من أن يتواروا خجلا، أو يعتذروا عن أكاذيبهم ومواقفهم الخاطئة المخزية.هذه نماذج مما صدر عن نخب عربية تصف نفسها بالليبرالية والحداثة والعصرنة في أحاديثها وكتاباتها وتحليلاتها، وما صدر في وسائل إعلام تدور في فلك أنظمة انقلابية عربية، أو تتبع لمشاريع طائفية وفئوية في المنطقة.وواضح أن هذه الموقف تتكرر كنسخة طبق الأصل عما تم في مصر بعد انقلاب العسكر على الرئيس الشرعي المنتخب، فكثير من النخب السياسية والدينية والثقافية العربية كما هو معروف اصطفت بكل صفاقة إلى جانب العسكر، لإجهاض عملية ديمقراطية وليدة، كما انحاز إعلاميون لشرعنة الانقلاب.الفرق أن انقلاب العسكر نجح في مصر ولم ينجح في تركيا، وكان السبب المؤثر في الأخيرة هو الرفض الشعبي الكبير واصطفاف الجميع معا: النظام الحاكم (المنتخب) في المعارضة من اليساريين والقوميين والعلمانيين والأقليات القومية في لحظة تاريخية فريدة ضد حكم العسكر.وكان يتوقع من هذه النخب وهذه الوسائل الإعلامية قليلا من الحياء وشرف الخصومة والصدق واحترام عقول الناس، وتعلم شيء من المنطق، ودروسا في أدب الخلاف السياسي من المعارضة التركية. إن نجاح الشعب التركي وأحزابه في مواجهة الانقلاب، وصيانة تجربتهم الديمقراطية، والدفاع عنها زاد من حرج هذه النخب أمام شعوب الأمة، فهو ذكّر بمواقفها السابقة، وكشف أنهم يتحملون جزءا من شرعنة الانقلابات، وعودة العسكر مرة أخرى، وتجميل الصورة القبيحة لهذه العودة، كما جاء ليؤكد أن هذه الشعوب ستسعى لتعرية هذه النخب، وستتجاوز مواقفها اللاأخلاقية.والأهم من ذلك أن ما حدث في تركيا منح الأمل والقوة للشعوب وكل الشرفاء في منظوماتها بإمكانية الانتصار ـ إن عاجلا أم آجلا ـ على البسطار العسكري، وعلى من يريدون تكريس حكم البلاد بالقوة، وإعادة عقارب الزمن نحو الخلف، وأن الربيع العربي حتى لو تأخر قطف ثماره فإن أزهاره لن تموت. وبالوقت نفسه إمكانية تجاوز النخب إن بقيت على مواقفها ولم تبرح نفس مربعها، طالما أنها تتصادم مع رغبات الشعوب.في اللحظات التاريخية المفصلية الفارقة في حياة الأمم.. وبغضّ النظر على تطورات الأمور التي جرت وتجري على الأرض في تركيا ومآلاتها.. أو الاختلاف والاتفاق حول الأشخاص وممارساتهم السياسية..فإن ما يهم هو الانحياز للمبادئ الأخلاقية، والمواقف المبدئية التي تسجل لله وللتاريخ.وهنا كنا نفترض من بعض النخب العربية الانحياز الديمقراطية والخيارات الحرة للشعوب، ضد من الخيارات الأخرى التي تأتي بواسطة الانقلابات، وعلى ظهور الدبابات، أو فرض الخيارات على الشعوب بالحديد والنار والقوة الغاشمة، بعيدا عن قناعاتهم المسبقة أو أهوائهم وتخندقاتهم الطائفية، ومصالحهم الفئوية والحزبية الضيقة.لقد نجح المعارضة التركية ونجح الإعلام التركي في امتحان محاولة الانقلاب التركية، في حين سقطت للأسف كثير من النخب العربية والعديد من قنوات الإعلام العربي في التعاطي معه، رغم أنه يفترض بأن تكون مهمتها التنوير، أو التعامل بحيادية ونزاهة، وبدون أي انحياز على الأقل.
277
| 20 يوليو 2016
الهديّة لها فعل السحر، فكم من صداقة ومحبة جلبت بسبب هدية، وكم من ضعينة ذهبت أو مشكلة دفعت أو حلّت بسببها، وكم خاطر جبر بتقديمها، وكم من سرور أدخل على القلوب بحضورها، وصدق الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم إذ قال: "تهادوا تحابوا". نستحضر الهدايا في الأفراح والمناسبات السعيدة، في الأعياد ومواسم النجاح والأعراس، وعند زيارة المرضى، والتهنئة بالمواليد الجدد، وتدشين المشاريع وغيرها.قد يكون كل ما سبق معروفا ومألوفا .. فما مناسبة الحديث عن الهدية إذن ؟!.. وما الدافع لمعاودة تناولها.. الأمر ببساطة أن ثمة أمور سلبية ترتبط بالهدايا يفترض تجنبها، وأفكار جديدة ومشاريع إبداعية تجعل من الهدايا قيما مضافة.من الأمور التي لطالما أزعجتني في هذا الشأن تكدس الهدايا من باقات وأكاليل الزهور، أو هدايا الشيكولاتة وعلب الحلويات وقوالب الكيك بأحجامها المحتلفة.. ومع عشقي للأزهار ومنظرها الجميل ورائحتها الزكية إلا أنها تذبل بعد أيام قليلة وترمى في سلال النفايات، رغم قيمتها غير القليلة، أما الشيكولاتة وأنواع الحلويات فإن حفظ أغلبها ليس بالأمر اليسير، فضلا عن المصائب التي تسببها خصوصا عند الإكثار من تناولها سواء من قبل الصغار أو الكبار.وكثيرا ما تساءلت في نفسي أليس من الأجدى التفكير بشكل أفضل وطرق مختلفة في مسألة الهدايا المقدمة لتكون أكثر فائدة، وعلى سبيل المثال لم لا يفكر الأصدقاء المشتركون في تقديم هدية مشتركة لأحبابهم وأصدقائهم، بحيث تنفع بشكل أكبر وتدوم لفترة أطول، كالأثاث والمعدات الكهربائية، والمستلزمات الأخرى، بل وما المانع من تقديم الهدية كنقود ليشتري الشخص الذي تقدم له ما يحتاجه أو يحبه لنفسه أو أسرته ومن هم حوله. ولم لا نتعود ونعود أبناءنا على هدايا قيَمية تكون ذات قيمة كالكتب ليتعودوا المطالعة وتتفتح أذهانهم على نوافذ المعرفة والثقافة والتنور، قد يحصل شيء من هذا القبيل، لكنه قليل ونادر.أما الأمور التي استوقفتني مؤخرا في موضوع الهدية إعجابا وتقديرا، فأبناء يهدون والدهم ووالدتهم هدية مميزة في ذكرى زواجهما.. هدية راقت للوالدين جدا، وهي عبارة عن حفر بئر في ثوابهما في دولة إفريقية تعاني من الجفاف كصدقة جارية تكون بركة في حياتهما، ولا ينقطع خيرها وأجرها بعد مماتهما. ومن جملة ما أعجبني في هذا الجانب أن مؤسسة بمناسبة مرور ثلاثة عقود على تأسيسها قامت كتقدير منها لموظفيها وفريق عملها بإهدائهم هدية جماعية مميزة، كانت عبارة عن بناء مسجد في ثوابهم جميعا كصدقة جارية، وقد كتب أحد الموظفين تعليقا عليها بقوله: إنها أعظم هدية تلقاها في حياته.ولا يتوقف أمر تحويل الصدقة الجارية إلى هدية جميلة عند هذا الحد، بل يتعدى إلى تحويله إلى مشروع إنساني مستدام يدخل الفرحة على قلب من يستفيد منه، ومن يهدى إليه.وفي هذا الصدد قامت جمعية خيرية قطرية (قطر الخيرية) مؤخرا بتدشين مشروع أطلقت عليه اسم "هديتي"، ويعد فكرة إبداعية جديدة في الترويج لأعمال الخير والصدقة الجارية، وذلك من خلال مشروع يحوّل الهدية إلى صدقة جارية في ثواب من يحبه المتبرع، ويمكن لأي شخص يرغب في تقديم هدية ثمينة لمن يحبّه بأن يتبرع بقيمة أحد المشاريع الخيرية المحددة، وأن يحصل على مجسم صمم بعناية وقالب لطيف لـ(مسجد، أو بئر، أو نخلة، أو مصحف)، كي يقدمه للشخص المهدى إليه، ليذكِّره بأن الثواب والأجر مستمر في حسابه من هذه الهدية.من المؤكد أن ثمة فرصا لاقتراح مزيد من الأفكار والمشاريع، وعلى الأفراد والمؤسسات التربوية والمنظمات الطوعية وغيرها إعطاء مزيد من الاهتمام لهذا الجانب لكي تحمل الهدايا التي نقدمها أكثر من فرح واحد أو منفعة واحدة بل أفراحا متعددة ومنافع متنوعة، تترك آثارها في حياة الناس، وسعادة في قلوب من تهدى إليهم.
3991
| 13 يوليو 2016
يشعر المرء بفرحة كبيرة وسعادة غامرة عندما يستطيع أن يحرز نجاحا أو يحقق إنجازا أو أمنية عزيزة، على مستوى حياته الخاصة، سواء كان ذلك في مجال التحصيل العلمي أو العملي المهني، أو بلوغ المكانة أو تحصيل الثروة وغيرها، لكن ماذا عنه عندما يكون سببا في إيصال غيره، من أصحاب الحاجة والظروف الخاصة إلى قمم النجاح والإنجاز، وتذليل الصعاب التي قد تكون عائقا في وجوههم؟! ليعيشوا حياة كريمة موفّقة كأقرانهم، ويتركوا بصمة مميزة في حياتهم. الجواب في الدراسة الأمريكية التي أعدها الباحث "ستيفن بوست" وأشار فيها إلى أن الأشخاص الذين يعملون بإخلاص لمنفعة الآخرين وخدمتهم دون مقابل يشعرون بالسعادة الغامرة والصحة، حتى إن فترة حياتهم تصبح أطول.العمل الخيري والإنساني قديما وحديثا استطاع أن يسطّر عددًا معتبرًا من قصص النجاح success-stories، سواء على مستوى الأشخاص أو المشاريع. ووقف وراء هذا النجاح -ولا يزال- محسنون ومتطوعون أو مؤسسات وجمعيات إنسانية ومنظمات مجتمع مدني، ولكنّ قليلًا من هذه القصص ما تمّ تدوينه وتوثيقه، ومن ثم تقديمه وعرضه بأسلوب جميل، لأسباب كثيرة لعلّ أهمها الخشية من الرياء والسُّمعة، والرغبة في إخفاء المعروف طلبا لمزيد من الأجر، أو الإهمال وعدم الاكتراث بهذا الجانب وتأثيراته المهمّة.كثيرة هي قصص النجاح التي أخذ زمام مبادرتها شخص أو فريق عمل من المتطوعين فأحدثت تغييرات مهمة في حياة الأفراد والمجتمعات، وأظهر أثرها فرقًا بيًّنا في مسار ومستقبل حياتهم في مستويات مختلفة، انتشلتهم من قيعان الضياع والتشرد، ووضعتهم على جادة الحياة السليمة، أو أعادت البسمة إلى حياتهم بعد ألم ممضٍ أو يأس وقنوط وإحباط، أو أوجدت حلولا لمشكلات حياتية يعانون منها أو من البيئة المحيطة بهم.أهمية إماطة اللثام عن هذه القصص الناجحة في المجالين التطوعي والخيري الإنساني عظيمة لعدة أسباب:ـ دفع المحسنين وأصحاب المبادرات الإنسانية من المتطوعين لمواصلة جهدهم في مجال خدمة الناس من خلال رؤية ثمرة عملهم، فإذا كان الإنسان يسعد هو وأولاده وذريته بثمرة نجاحه الشخصي ماديا ومعنويا، ويحب أن يرى أثر ذلك عليه، فإنه على نحو متصلٍ يحب أن يرى أثر ذلك على غيره، لما يحققه له ذلك من سعادة روحية وطمأنينة نفسية ورضا داخلي ( وفقا لدراسة ستيفن بوست التي سبق التنويه لها في هذا المقال). ـ حثّ رجال الأعمال وأصحاب الثروات والشركات وشريحة الشباب من المتأخرين عن هذا الركاب الخيّر على أن يحذوا حذو من يسهمون في خدمة مجتمعاتهم، وأن يقبلوا على العمل التطوعي، لما يحدثه من تأثير إيجابي في حياة المبادرين والمستفيدين، والمجتمعات التي يعيشون فيها، كما سبقت الإشارة إلى ذلك. فضلا عمّا يتوجب عليهم في إطار المسؤولية المجتمعية والواجب الديني والأخلاقي.ـ الإسهام في تسويق المشاريع المماثلة من قبل نفس الداعمين أو الكافلين من المحسنين، أو من قبل متبرعين جدد بهدف الإسهام في صنع قصص نجاح مماثلة.ـ نشر هذه القصص يساعد على تبادل وتلاقح الخبرات في مجال العمل الإنساني، فقد تكون ملهمة للمهتمين بتطبيقها في بيئات أخرى، أو البناء عليها لتصميم مشاريع أو مبادرات أخرى، أو تطويرها ليكون نفعها أعمّ وأشمل.ـ توفير نماذج قصصية حقيقية -تراثية وحديثة- لدعم عملية غرس قيم العمل التطوعي لدى الأطفال والناشئة، ونشر ثقافة العمل الخيري والإنساني لدى الشباب وأفراد المجتمع، ونركز هنا على القصص، وما قد يتفرع عنها من أعمال إبداعية أخرى كالدراما والبرامج الوثائقية وغيرها، نظرا إلى الدور التربوي للقصة، مطالعةً ورواية وسردًا، وتأثيرها كوسيلة غير مباشرة ومؤثرة في تحويل القيم إلى أفعال وممارسات سلوكية.بقي أن نقول إن من المهم أن تكون هذه القصص صادقة من واقع الميدان العملي للعمل الإنساني والتطوعي، وأن يتمّ صياغتها بلغة راقية سلسلة، وقوالب تحريرية جذابة، على طريقة القصص الخبرية والسِّيَر، وإخراجها بصورة إبداعية، بعيدا عن الدعاية والتكلّف، لتكون أكثر إمتاعا ومتابعة وتأثيرا، سواء كانت مطبوعة أو مسموعة أو مرئية.
790
| 14 أبريل 2016
عندما سألتُها عن موقف لا تنساه أثناء زيارتها الأولى لأحد ميادين العمل الإنساني حدثتني عن دموع طفل يتيم، كان يبكي من الفرح، لأنها رسمتْ على وجهه الشخصية التي طلبها وهي "سبايدرمان" في حفل ترفيهي أقيم في قسم داخلي للأيتام، وعندما سألته عن سبب الدموع قال: لا أصدق أنني بطل ومغامر مثل سبايدر مان. أفعال بسيطة، لا تكلّف كثيرا، ولكنها تدخل السرور على القلوب، وترسم البسمة على الوجوه، وتجلو الحزن، وتذهِب الهمّ، لذلك فهي في ميزان الحق من أفضل وأعظم الأعمال وأجلّها، كما ورد في الهدي النبوي "من أفضل العمل إدخال السرور على المؤمن تقضي عنه دينًا، تقضي له حاجة، تنفس له كربة"، فكيف إذا كان المستهدف طفلا ويتيما. ولذا لم يكن مستغربا أن تُخلّد قصيدة "البلبل الغريب" الشاعر السوري بدوي الجبل لأنها حوت أبياتا من عيون الشعر العربي تفيض رقة وعذوبة، حينما ابتهل إلى الله كي يصون ضحكة الأطفال في أجواء من السلم، بعيدا عن أي ألم قد ينغّص عليهم حياتهم أو يملؤها بالحزن والأسى والشقاء: ويا ربّ من أجل الطفولة وحدها....أفضْ بركات السِلم شرقا ومغرباوصنْ ضحكة الأطفال يا ربّ إنها..إذا غرّدت في موحش الرمل أعشباوعندما زار وفد قطري الميدان، وتحديدا مدرسة أيتام ببنجلاديش قال أحد أعضاء الوفد إن من أكثر المواقف التي أثّرت في نفسه هي دموع الأطفال الذين تأثروا بموعد رحيل الوفد، وعودتهم إلى قطر، فقد طالبوهم بألا يغادروا وأن يمكثوا معهم. ولأنّ الأطفال هم أكثر الفئات تأثّرا بالنكبات والكوارث والحروب والأوضاع الاستثنائية، خصوصا في منطقتنا على ضوء ما حدث في السنوات الست الأخيرة، فإنّهم الأحق بتخفيف المعاناة، وإعادة البهجة إلى نفوسهم، فضلا عن معاناة الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في الحالات الاعتيادية.ويمكن إعادة الابتسامة إلى شفاههم، والأمل إلى نفوسهم ليس بتقديم المساعدات المالية أو العينية، بل يمكن ذلك من خلال أساليب متعددة، فالكاتب والمؤلف من خلال الحكاية والمسرحية، والفنان من خلال رسم اللوحات والأعمال المسرحية والمسلسلات والأفلام والأناشيد، والمعلم من خلال إقامة الأنشطة والفعاليات المختلفة، ووسائل الإعلام من خلال الإنتاج الإعلامي كالبرامج والمواد الإعلامية التوعوية والترفيهية أو تقدم الدعم النفسي، وتلبية احتياجات ذوي الإعاقة من هذه الشريحة العمرية، وإطلاق المبادرات من منظمات المجتمع المدني والمجموعات التطوعية التي تصب في هذا الاتجاه، وتنظيم الرحلات الميدانية لليافعين والشباب التي تخدم هذا الجانب. ومن النماذج والمبادرات على سبيل المثال لا الحصر ما شاهدته من خلال تقرير متلفز عن معلمة مدرسة في البوسنة قامت بمبادرة لتعليم تلاميذها لغة الإشارة، حتى لا يشعر أحدهم - وهو أصم - بأنه غريب بين رفاقه. وداخل دولة قطر مبادرة "أعطني حريتي" ومن أهدافها منح الكفيف شعور الاستقلالية أثناء وجوده في الأماكن العامة دون الاعتماد على الغير، وتقوم في هذه المرحلة على طباعة قوائم الطعام في المطاعم بطريقة برايل، ليتمكن الكفيف من اختيار ما يريد من طعام وشراب.ويمكن إشراك الأطفال واليافعين منذ نعومة أظفارهم في رسم البسمة على شفاه أقرانهم وإسعادهم، وغرس هذه القيمة في نفوسهم في الصغر ليتربوا على هذه المعاني (الاهتمام بزملائهم وأقرانهم في بلادهم، أو خارجها .
781
| 06 أبريل 2016
في إطار التحضير لمشروع ثقافي يهم العمل التطوعي والمبادرات الشبابية أشارك فيه سألت شابّا متميّزا في هذا المجال، عن الجانب الذي سيركّز عليه مستقبلا، بعد خوضه تجربة ثريّة ومتنوعة في هذا المجال امتدت قرابة عشر سنوات، فقال لي إنه يريد أن ينقل عصارة خبراته المتراكمة إلى المستجدين في هذا المجال، من خلال التدريب ووضع الأدلّة الخاصة بذلك، خصوصا أن هذا المجال لا يزال بكرا فتيا في عالمنا العربي، وربط هذا التفكير الذي يستحوذ عليه بمهارة توافرت لديه ألا وهي نقل وتوصيل المعلومات، والقدرة على إيضاحها للغير بيسر وسهولة، وحبّه للتدريس، معتبرا أنّ ذلك بالإضافة إلى كونه واجبا شرعيا وأخلاقيا ووطنيا، يعدّ اختصارا للوقت والجهد والتكاليف، فما تحصّلَ عليه في سنوات يمكن أن ينقله للمستجدّين في هذا المضمار بزمن قليل (عدة دورات ومناهج نظريّة وأدلة عمليّة).التفكير الناضج للشاب أثار في ذهني موضوع التقصير الواقع في نقل الخبرات والمعارف، خصوصا في المجالات الجديدة والموضوعات العمليّة الحديثة، التي تندرج في إطار الفنون كالإدارة والإعلام وتقنيات الاتصال والتواصل والتربية والدبلوماسية وغيرها، واندثار كثير من الخبرات الكبيرة بموت أصحابها، سواء أكان عدم الانتقال الذي نشير إليه بسبب بخل أصحابها، وحرصهم على الاستئثار بها لتبقى فوائدها المختلفة حكرا عليهم فقط، أو على أولادهم والدائرة الضيقة المقرّبة منهم في أحسن الأحوال، أو بسبب كثرة مشاغلهم، أوغفلتهم عن هذا الأمر أو زهدهم بما عندهم، أو كان عدم الانتقال نتيجة تقصير من حولهم، وزهدهم بخبرة هذه الشخصيات، وعدم إظهار رغبتهم وحرصهم على التحصل عليها بالوسائل المتاحة، أو تهيئة المناخات الملائمة لهذه العملية. في العمل التطوعي الخليجي والعربي يذكر اسم الدكتور عبد الرحمن السميط رحمه الله تعالى الذي توفي قبل أقل من ثلاثة أعوام، كواحد من أعلام هذا المجال، الذي يحفل سجله بإنجازات إنسانية ضخمة في القارة الإفريقية.. فهل تمّ استخلاص تجربته مِن قبل مَن هم حوله، ممن يعتبرونه بمثابة مدرسة أو أستاذ كبير على الأقل؟!.. أتوقع أن تكون الإجابة بالنفي على الأرجح. ولعلّي من هذا المنبر أوجّه دعوة خالصة للطرفين أصحاب الخبرات المتميزة والممتدة من جهة، والأجيال والمؤسسات العلمية والإعلامية والشبابية ومؤسسات المجتمع المدني ذات العلاقة المحيطة بهم من جهة أخرى، لإيلاء هذا الموضوع أهمية خاصة، والقيام بما ينبغي القيام به كيلا تضيع كنوز مهمة، وتنطمر دون فائدة، فيما كان بالإمكان أن تعود بالنفع والخير العميم على المجتمعات والأوطان والأجيال، ويكون لها دور ذو بال في نهضتها وتنميتها والارتقاء بها. ونذكّر بأنّ نقل الخبرات يكون بطرق متعددة، فمن طرف صاحبها يمكن أن يتمّ ذلك بكتابة المذكّرات والسِيَر، التي تتضمن المعارف وطرق تحصيلها، أو من خلال التدريب في الورش والدبلومات العلميّة والمهنيّة المتخصصة، وتخصيص كراسي متخصصة في الجامعات والمراكز العلميّة والبحثيّة، وعلى أصحاب هذه الخبرات ألا يتكتّموا على ما حباهم الله به، لأن هذا واجب شرعي ووطني وأخلاقي، وفضلا عن ذلك هو بركة وسعادة في حياتهم وصدقة جارية بعد مماتهم، وألا يتقاعسوا عن هذا الواجب أو يزهدوا فيه وبأهميته، مهما كانت الدواعي والشواغل، وعليهم أن يستحضروا الدور التنموي المرجو من هذا العمل الجليل. ومن طرف الآخرين المحيطين بأصحاب الخبرات فإن هذا يتم من خلال التواصل مع هذه الشخصيات وإشعارهم بأهمية ما لديهم، وحرصهم على استلهام تجاربهم والإفادة من خبراتهم، ويكون ذلك من خلال طرائق مختلفة منها: المصاحبة والتلقي المباشر، وتنظيم حلقات المحاضرات والورش لهذه الشخصيات، وحشد الناس للاستماع إليها، وتسجيل ذكرياتهم وعرضها في القنوات الإذاعية والتلفزيونية كبرنامج "شاهد على العصر" في قناة الجزيرة، أو من خلال قناة اليوتيوب وغيرها. المعارف والخبرات بضاعة ثمينة، وكنوز عظيمة على مجتمعاتنا أفرادا وحكومات ومنظمات رسمية وأهلية أن تقدرها حقّ قدرها، وعليها وعلينا أن نتذكر حديث رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: (إنّ الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يترك عالما اتخذ الناس رءوسا جهالا..).
474
| 23 مارس 2016
مساحة إعلانية
هناك لحظات في تاريخ الدول لا تمرّ مرور...
11982
| 20 نوفمبر 2025
وفقًا للمؤشرات التقليدية، شهدت أسهم التكنولوجيا هذا العام...
2454
| 16 نوفمبر 2025
في قلب الإيمان، ينشأ صبر عميق يواجه به...
1761
| 21 نوفمبر 2025
شخصيا كنت أتمنى أن تلقى شكاوى كثير من...
1347
| 18 نوفمبر 2025
في لحظة تاريخية، ارتقى شباب المغرب تحت 17...
1140
| 20 نوفمبر 2025
القادة العظام يبقون في أذهان شعوبهم عبر الأزمنة...
1128
| 18 نوفمبر 2025
كنت في زيارة لإحدى المدارس الثانوية للبنين في...
936
| 20 نوفمبر 2025
في عالم يتسارع كل يوم، يصبح الوقوف للحظة...
906
| 20 نوفمبر 2025
الاهتمام باللغة العربية والتربية الإسلامية مطلب تعليمي مجتمعي...
894
| 16 نوفمبر 2025
نعيش في عالم متناقض به أناس يعكسونه. وسأحكي...
804
| 18 نوفمبر 2025
يُعد البيتومين (Bitumen) المكون الأساس في صناعة الأسفلت...
681
| 17 نوفمبر 2025
أقرأ كثيرا عن مواعيد أيام عالمية اعتمدتها منظمة...
642
| 20 نوفمبر 2025
مساحة إعلانية