رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يحاول العرب منذ القدم التمسك بالأعراف والتقاليد من أجل بناء مجتمع متماسك، يقوم على تعزيز الروابط الاجتماعية، فوجدت الأسرة التي تنحدر من العائلة والعائلة التي تمثل جزءاً من القبيلة الواحدة التي تعزز الروابط فيما بينها من خلال توحيد الأفكار المتبناة، ومن ثم جاءت الدولة التي يجتمع بها القاصي والداني لنجتمع تحت شعار واحد. إن الأمور مع الوقت تختلف بين ما نود لها أن تكون وما تصير عليه، فنحن نعلم أنه لا يمكننا التحكم بمجمل التفاصيل، ولكن على الأقل كان الأمل في أن نسير في الاتجاه الصحيح لأي قصة اجتماعية مرت بنا، تكونت الأسرة وكبر الأبناء والبنات، تزوجوا وانجبوا الأحفاد، الذين بدورهم كبروا ليكونوا جزءاً من هذه العائلة، هذه العائلة التي من المفترض أن تكون حلقة من التواصل، ولكن للأسف هجرت المنازل وهجرت مجموعات الواتس آب التي جمعتهم في يوم من الأيام، تبدلت الأمور وأصبح الجميع يبحث له عن مخرج بطريقة لبقه اجتماعياً. إن المرحلة التي وصلنا إليها قد تكون المرحلة الانتقالية بين فكرة أن البيت العود هو المكان الأول والأخير لحياة الأسرة، وبين فكرة أن الذهاب لبيت الجد والجدة ما هو إلا مضيعة للوقت وسبب في زيادة الأعباء الأسرية، فالبعض لا يزور البيت العود إلا من باب الواجب الاجتماعي سواء من أجل مباركة لتخرج أو تقديم واجب المواساة في حال المرض، هل يعقل أن فكرة قضاء الوقت والتمتع بصحبة أهل الزوج أو الأهل أصبح واجباً اجتماعياً يتطلب الجهد؟. كان الجميع يتشارك الأحاديث والمعلومات، كنا جزءاً من المعلومة أيضاً، كبرنا على هذا الاعتقاد أننا نمثل النواة أحياناً فيما يقال وينقل، إلى أن وصلنا إلى مرحلة أصبح فيها ما يقال ما هو إلا عملية نقل للمعلومة مع زيادة في التفاصيل لتتناسب مع الشكل العام للقصة، ومع الوقت أصبحنا خارج القصة، مجرد متفرجين على الأحداث من حولنا، وهذا الأمر يحدث بعد مرور فترة من الزمن يصبح فيها الشاب من ابن إلى شخص متزوج ومن ثم إلى أب وبعدها إلى رب أسرة يود أن يستقل بحياته الأسرية، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا ماذا عن الجد والجدة؟ ماذا عن البيت "العود" الذي كان في يوم من الأيام مكان التجمع وأصل كل الأحداث، الذي للأسف تم هجره كما تم هجر العديد من المناسبات الاجتماعية القائمة على وصل القريب. إن البعض يقوم بأقل جهد ليثبت صدق رغبته في الوصل ولكن القليل من الشيء يمثل اللاشيء، "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الرَّحِمُ مُعلَّقة بالعرشِ، تقولُ: من وَصَلَني وَصَلَهُ اللهُ، ومن قطعني قَطَعَهُ الله". [email protected] @shaikhahamadq
2350
| 30 مارس 2021
استوصوا خيراً بأمهاتكم، فالبر لا يكون عن طريق تواجد مادي فقط دون الالتفات لرغباتهن على المستوى المعنوي والفكري والثقافي، فالابنة بعد سن معينة للأسف تنظر لأمها كشخص منفصل عنها حين تكون في عمر قريب منها، أو تنظر لها كعبء إضافي حين تكون في سن كبيرة لا تسمح لها بالوصول فكرياً للمواضيع والنقاشات الفكرية المطروحة، والغريب في الأمر أن الابنة لا تحاول الوصول بهذه الأم لهذه الأفكار لكى تتمكن من التماشي معها بل تتركها في عزلتها لتكبر المسافة الفكرية بينهما. تقول المفكرة سمية الناصر في هذا السياق: "المرأة الكبيرة في السن مظلومة نظراً لعدم وجود شخص يخاطبها يتكلم معها أو يجاري أفكارها وشعورها"، إن المرحلة العمرية التي تمر بها الأم لا يمكن لأحد أن يتماشى معها أو يستجيب لها إلا ابنتها، فالصديقات مشغولات طول الأسبوع فيما عدا يوم أو يومين ولدقائق معدودة، ولكن البنت هي الشخص الذي تحتاجه الأم ليكون لها سنداً وعوناً على مجابهة متغيرات الوقت. وقد لاحظت في أكثر من جلسة مع البنت والأم أن البنت لا تسمح لأمها بالحديث بل هي الشخص المتحدث الأوحد، وحين تحاول الأم أن تستفسر عن موضوع نجد البنت تعمد إلى التجاهل أو تغيير الموضوع، وهو أمر لاحظته في أكثر من جلسة للأسف، وكأنها أصبحت كائناً خارج إطار الزمن. نصيحتي أن تحاول البنت إيجاد الرابط المشترك بينها وبين أمها، وذلك لتكون المواضيع مشتركة، وستجد البنت أن هذه الأم هي الصديقة المثلى التي تحاول أن تجدها طوال عمرها، فهي الصديقة التي ستستمع بكافة عواطفها ومشاعرها، وستمنحك النصيحة الصادقة التي لا يمكنك إيجادها عند غيرها، كما أن الأحاديث معها والخروج في نزهات هي بر وسعادة للطرفين فلما نبخل على أنفسنا من تحصيل هذا الأجر الكبير؟. أذكر قصة قالتها لي إحدى صديقاتي عن أمها فتقول: "لاحظت في الفترة الأخيرة أن أمي أصبحت سريعة التعصب ونتيجة لأسباب تافهة"، فسألتها: "أخبريني كيف أمك تقضي يومها؟"، استغربت من السؤال فهي في تصورها أن هذه الأم ستصبح شخصاً غاضباً متوتراً بدون سبب أو لأسباب عضوية كمرض لا سمح الله، والسبب الأخير قد يكون صحيحاً ولكن الأمر لا يبدو كذلك، أعدت السؤال عليها، "كيف تقضي أمك يومها؟"، قالت: أمي ربة منزل تنام فترة الصباح وتستيقظ قبل الظهر وتجلس في الصالة السفلية في الدور الأرضي، ومن ثم نأتي أنا وأخوتي وأخواتي نسلم عليها ونذهب للنوم لحين فترة المغرب وبعدها نستيقظ منا الذي يخرج ومنا الذي يجلس في الصالة، سألت هل تجلسون معها في الصالة السفلية أجابت: لا! بل في الطابق الأول مع بعضنا البعض، فنحن لا نحبذ الجلوس في الدور الأرضي، مما يعني أن الأم تجلس فترة تتجاوز الـ ٦ ساعات لوحدها في الصالة السفلية منتظرة لأحدهم أن يتكرم عليها بالجلوس معها مع سماعها لأصواتهم من ضحك وسوالف في الطابق الأول، والأم بطبعها شخص عذار نادر اللوم لذا نجدها تحاول أن توضح لهم رغبتها في أن يجلسوا معها من خلال التعبير عن الغضب والتوتر، أخبرتها أمك تحتاج لك وهي تحتاج لشخص يشاركها يومها اجلسوا معاها تحدثوا، اذكروا لها قصصكم اليومية حتى وإن كانت مواضيع عابرة فهي تود أن تكون جزءاً من يومكم. إن التواجد مع الأم بشكل يومي أو شبه يومي أمر مهم جداً، وليس بالضرورة أن يكون التواجد جسدياً، بل إن التواصل الهاتفي اليومي أمر مهم مع أهمية الإشارة لضرورة أن يكون هذا التواصل ليس للاطمئنان فقط: "ألو يمه أنتي بخير؟"، وبعد أن تطمئن عليها تغلق الهاتف، لا بل يجب أن يتجاوزه لأحاديث ومواضيع على المستوى الفكري والاجتماعي، والأمر مشابه حين تقوم البنت بزيارة أمها نجد البعض للأسف حاضراً بجسده، تأتي البنت لتلقى الأحاديث على أمها دون التوقف لسماع رأيها، وحين تحاول الأم التعقيب أو فتح موضوع مختلف، تقوم البنت بالسيطرة على سياق الحديث مما يخلف شخصاً صامتاً مستغرباً وبعدها تتحول الأم لشخص عصبي أو مخذول. امنحوا هذه الأم التي ربت وتعبت كافة مشاعركم من اهتمام ورعاية فهي في يوم من الأيام منحتكم جل وقتها، وسهرت على راحتكم وما زالت هي الشخص الوحيد الذي لا يمكن له أن يخذلك أو يتأخر عنك. إضاءة: - إن والديك أحسنا إليك في ضعفك وربياك حتى بلغت أشدك أتقلب لهما ظهرك عند حاجتهما إليك فأحسن إلى من أحسن إليك. - ما تفعله مع والديك سوف يفعله معك أبناؤك فيما بعد، فما الطريقة التي تحب أن يعاملك بها أولادك في الكبر؟. - بر الوالدين ليس شعارات ترفع إنّما هو تطبيق عملي. * أشير للابنة ولكني أقصد في ذلك الابن أيضاً
5736
| 23 مارس 2021
لن تجد نعمة الحب غير المشروط إلا في حدود العائلة من أم وأب وأخ وأخت هؤلاء هم عماد أي إنسان في هذه الحياة، هم من تستطيع أن تلجأ لهم فتجدهم في انتظارك، هم من يعبرون لك بالأفعال والأقوال. أكتب هذا المقال بعد أن قرأت خبرا عن منح لقب البطل الخارق لأب أفغاني كان يذهب بابنته كل يوم مسافة ١١ كيلو بالدراجة وذلك لتتلقى التعليم في احدى المدارس، بالإضافة إلى انتظارها يومياً مدة ٤ ساعات قبل أن يعود بها للبيت. وهو أمر لم أجده جديداً أو مستغرباً، فأنا كوني فتاة قطرية من عائلة متمسكة بالدين والعادات والتقاليد منحت هذا النوع من التفاني والحب من جانب جميع أفراد عائلتي، وقد برز هذا الحب في مجال التعليم نظراً لكونه مجالا مهما في حياة الفرد، فوجدتهم بجانبي طوال سنوات دراستي فقد اصطحبني أبي بسيارته خلال رحلتي التعليمية من أول ابتدائي إلى ختام المرحلة الثانوية. ومن ثم جاء الدور على أمي لكي أستكمل معها الرحلة خلال الفترة الجامعية نظراً لكون دخول الامهات في مناطق الانتظار أسهل فقد خصصت جامعة قطر مناطق للانتظار مكيفة ومجهزة خلال الفترة التى درست فيها وهي بداية الألفية، كانت تلك الصالات تضج بعدد من الأمهات اللائي يقضين الوقت في تبادل الأحاديث أو قراءة القرآن. وإنني أحمد الله على كوني كبرت في ظل مثل هذه العائلة التي نقلتني من حياة إلى حياة أخرى دون الحاجة لكلمة امتنان واحدة، ويؤسفني ما أراه الآن من الأجيال الحديثة وطريقة استغلالهم لهذه اللحظات. إن التعليم إحدى ركائز الحياة التي نحياها وهو يعد أداة مهمة نستطيع من خلالها تقويم السلوكيات المختلفة والمختلة التي قد تطرأ على الأسرة خلال نموها. فمثلاً خلال رحلة الصباح للمدرسة يتمكن الوالدان من الالتقاء بأبنائهما على طاولة الإفطار لتبادل الأحاديث والنصائح السريعة، ومن ثم تأتي رحلة الطريق الذي يمتد من ١٥ دقيقة الى نصف ساعة في بعض الأيام وهو وقت يستطيع من خلاله الآباء تقويم السلوكيات ونقل معارفهم لابنائهم، وهذا الأمر نجده سهل التكرار في رحلة العودة من المدرسة وخلال جلسة الغداء. إن رحلة واحدة من ذهاب أو إياب خلال اليوم أو اليومين كفيلة بتقريب أواصر المودة بين أفراد العائلة، المشاغل لا تتوقف أو تقل لكن هذه اللحظات إن مضت دون استغلال سيندم الوالدان على التفريط بها. وإنني أرى تقصيراً من الجيل الجديد من الآباء لا نعلم له سبباً وقد نرجعه إلى كبر الفجوة التكنولوجية والثقافية بين الآباء والابناء. لكن يبقى الحب غير المشروط الذي يوليه الآباء لابنائهم أمرا لا يمكن التشكيك به. وأتمنى ألا يتم اللجوء للفكر الجندري الذي يطمح إلى تهميش الدور الأبوي وجعله في اطار سلبي خارج الدور الأسري المنوط به. فالأب هو الأمن والأمان والحماية والاستقرار، وبدونه لا يمكن للأسرة أو المجتمع أن يكون مستقراً متماسكاً. أشهر ما قيل عن الأب: أب واحد خير من عشرة مربين (جان جاك روسو). لا يغفو قلب الأب، إلا بعد أن تغفو جميع القلوب (ريشيليو). [email protected] @shaikhahamadq
2286
| 16 مارس 2021
إضاءة: هل يمكنك أن تتخيل وجودك في مكان ما دون هاتفك الجوال؟ حين أكتب أو أقرأ، أو حتى حين أحادث أحدهم في مجلس ما لا أحبذ أن يكون الهاتف أمامي، حيث ينتابني شعور التشتيت من تلك الشاشة السوداء. أشعر مؤخراً بوجود مسافة بيني وبين أي شخص أقابله أو أجلس معه، وكأنه يحيط ذاته بهالة مغلفة من المكالمات والرسائل النصية، ناهيك عن تنبيهات التواصل الاجتماعي والعالم الخارجي. الجميع يعيش في قوقعة الشاشة السوداء، مما يخلق تلك المسافة بينه وبين الآخرين حتى وإن تواجدوا في نفس المكان، أشعر أن هنالك مسافة تفصلنا، وذلك لأن الشخص الذي أمامنا يكون مرتبطا بهذه الشاشة السوداء أكثر من ارتباطه بالموجودين، لذا نلاحظه مهما انغمس في أحاديث مع الموجودين يبقى هنالك جزء منه خارج هذا العالم والمكان، أمر كهذا لم يكن يحدث سابقاً إلا مع المصابين بالشرود الذهني. قبل الطفرة التكنولوجية كنا نجد الجميع حاضراً بجسده وعقله وجميع حواسه في الاجتماعات والمناسبات الاجتماعية، يشارك الجميع في الأحاديث والمناقشات ليكون بحضوره جزءاً من الجلسة، أما بوجود هذه الهواتف نجد لكل شخص لحظات شرود مختلفة فهو لا يستمع لك لأكثر من ١٠ ثوان وإن أكمل دقيقة تركيز معك فأنت إما أن تكون شخصية مثيرة للاهتمام أو أنه يحتاج منك مصلحة ما. فأنا حين أحدث أخي أو أختي وهم يعتبرون الأشخاص الأكثر قرباً لي، أجد نفسي بين خيارين إما أن أتوقف بين دقيقة والثانية نظراً لكثرة التنبيهات التي تردهم، أو أن أستمر في الحديث بالرغم من أن الشخص الذي أمامي قد لا يستمع لربع أو نصف الحديث الذي ذكرته. ولكن ما هو الناتج الذي يمكن أن نتوقعه بعد مرور أكثر من خمسة أو عشرة أعوام على نمط الحياة هذا. ببساطة أستطيع أن أتنبأ بأن الحديث بين الأشخاص سيتوقف، لن تجد شخصا يستمع إليك خارج إطار الحاجة، لذا ستنوء بذاتك لتكتشف أنه قد يمر عليك يوم كامل دون أن تتمكن من اخبار أحد بآخر مستجدات يومك. قد تحتاج الى أن تخبره في رسالة نصية أو عبر أي من وسائل التواصل الاجتماعي ولكن لن تجده حاضراً في نفس اللحظة لتتصل عليه هاتفياً أو لتلتقي به وتخبره بمستجدات يومك، ستصبح الأحاديث المسموعة أمرا خارج الموضة، ستبدو اللقاءات الاجتماعية أمرا قديما لن نلتقي إلا في مكان يوفر لك أجواء تسمح بالتصوير وتقديم ما هو جديد، مكان يسمح لك باستخدام هذا الهاتف أكثر من لحظات جلوسك واستماعك للشخص الذي أمامك. إن هذا الأمر قد يؤدي بنا لفقدان القدرة على الحديث على ربط الأحداث، فنعمة الكلام هي نعمة تساعدك على تشغيل خلايا المخ وربط المواضيع بعضها ببعض للتمكن من الخروج بجملة مفيدة، هذه الممارسة إن قل مستواها على مدار الأعوام القادمة سنجد انتشارا أكبر للأمراض التي تصيب الجهاز العصبي بالخمول والتخدر نتيجة تلقيه لعدد من المعلومات دون القدرة على التفاعل. كم منا قد أخجل أمه أو أباه بالرد على رسالة أو الاطلاع على تنبيه ما، بينما من تعب في التربية يتحدث عن موضوع قد يبدو لك غير مهم ولكنه مهم في نظرهم ويحتاج خلال هذه اللحظة الى استماعك وحضورك الجسدي والذهني الكامل. إن الزيارات العائلية التي تقوم بها بين الحين والآخر وأنت محمل بكم هائل من المسجات التي تود الرد عليها في حضورهم هي زيارات خواء، لا قيمة لها إلا أن تشعرهم بصغر حجمهم وقلة اهتمامك بهم. إنني أنقل لكم تجربة عشتها في عالم النساء، ولا أستطيع أن أعممها على عالم الرجال، ولكني أستطيع أن أقول إن الرجال قد يكونون أوفر حظاً منا، فهم ما زالوا يتجهون للاتصالات واللقاءات أكثر من النساء اللاتي ستجد إحداهن ما زال لديها هاتف يرن. أصبح رنين الهاتف مرتبطا بشخص أو شخصين في اليوم الواحد، فهن يستخدمن الرسائل الصوتية بدل المكالمات والصور التفاعلية بدل اللقاءات، وحتى إن كن متواجدات في نفس المقهى ونفس الطاولة ستجدهن طول الوقت يستعرضن أمورا موجودة على تلك الشاشات السوداء. يقول تشارلز بوكوفسكي: الهاتف صنع للحالات الطارئة فحسب، هؤلاء البشر ليسوا حالات طارئة، إنهم كوارث. [email protected] @shaikhahamadq
1688
| 23 فبراير 2021
استيقظت صباحاً على نبأ وفاة زميل لي في مقر عمله، ولم يكن شخصاً عادياً، فهو الرجل الذي ينظم جميع أعمال وفعاليات وأنشطة المؤسسة، فهو الدينامو، ونقطة الوصل بين تقاطعات الإدارات المختلفة، إنه الجوكر الذي يوجد للمشكلة الواحدة مائة حل، لم يكن يعجزه نوع أو طبيعة المناسبة، مهما كان كبر حجمها أو عدد الحضور أو المستوى الرفيع للحضور، كان من النوع الذي يقال عنه مستعد دائماً وابداً، ولم يكن من النوع الذي يهمل في نفسه أو منزله فقد كان من الرجال القلائل أو كما يقال الآن بين جيلنا رجل من رجال الزمن الجميل، الذين مهما تكالبت عليهم الصعاب نجدهم ملتزمين بموعدهم مع عائلاتهم، متواجدين صباحاً للتأكد من وصول أبنائه مقر المدرسة، ونهاية اليوم المدرسي لضمان إيصالها سالمين للمنزل، هذا غير الرحلة الممتعة من المدرسة للمنزل، والتي كانت لا تتم بدون أحاديث أو نكت عن ماذا وكيف ولماذا. إنه شخص استثنائي ليس في مقر عمله فقط بل في منزله أيضاً، فهو الزوج المحب والحنون، السند لزوجته وعائلته، فهو يأبى أن يقلل من أعبائه الكثيرة لكي لا يشعرهم بنوع من التقصير المادي، ولكي لا يقل المستوى المعيشي مهما كانت الظروف، لذلك حين سمعت خبر وفاته توقعت الكثير من القليل، حزنت في البدء كثيراً وهممت أتواصل مع أخته التي كانت صديقة مقربة لي، والذي عرفته من جميع الانباء أنه توفي وهو يشرف على التحضير لاحد المعارض الهامة في الدولة، وهو معرض تم الإعداد له منذ أكثر من ثلاثة أشهر، وذلك من خلال عملية تسويق مكثفة لاستقطاب أكبر عدد من المشاركين في المعرض بهدف زيادة القيمة السوقية للمعرض، فأي معرض لا يمكن أن ينجح دون العدد الكافي من المشاركين ممن له صفات معينة تساهم في رفع قيمته واستهداف عدد من الحضور والزوار لضمان نجاحه. وفي هذا الرجل المعطاء وهو في أوج عطائه فقد كان مستوى الضغط عاليا قبل افتتاح المعرض بيوم واحد، حيث تم ارسال كافة الدعوات للشخصيات الهامة، وتم تأكيد عدد منها، ولم يتبق على الافتتاح سوى ست ساعات، والذي حدث لم يكن أحد يتوقعه، نظراً لكمية العمل الواجب انجازه، كان الرجل يقف بنفسه على كل مهمة ووظيفة لاتمامها بالشكل المناسب، وكان هذا الأمر سببا في نسيان المتوفى لتناول حبة تقليل ضغط الدم. ونظراً للتوتر الذي يقابل تنفيذ مثل هذه المعارض مما تسبب في ارتفاع ضغطه وتوقف قلبه خلال احدى المهمات. توقف قلبه عن العمل، توقفت الرئتان، ضاق مستوى التنفس، شعر بأن الدنيا تدور به، حاول أن يصرخ على أحدهم، يستنجد به لينقذه ليصل اليه قبل أن يقبض الموت على روحه، لم يكن أحد موجودا، فالجميع كان في فترة استراحة مدتها ساعة لتناول وجبة الغداء الا هو أبى أن يأخذ قسطاً من الراحة وحاول بكل جهد أن يتم بعض الأعمال المعلقة. وُجد ممدداً على أرض المعرض، لافظاً أنفاسه الأخيرة بوحدة ووحشة، اطلقت زوجته صرخة سمعها كل من كان موجوداً وهبوا للنجدة ولكن لم يكن هنالك مجال للنجدة، طلب أحدهم سيارة الاسعاف لتقله الى المستشفى ومن ثم الى مثواه الأخير، ثم تم اعلان الوفاة. لم يتغير أي شيء، تم افتتاح المعرض في موعده، المدعوون جاءوا من كل مكان، تبادل الجميع التهاني على الافتتاح في الوقت الذي كان أهله يصلون عليه صلاة المودع، بكت زوجته وكادت أن تصاب بانهيار عصبي، أمه بكت وصرخت امسكوا بها فهو ابنها البكر الطفل الأول الذي معه شعرت كيف للفؤاد أن يتحرك خارج الجسد، والتي كل فترة ظهيرة من العزاء تجول في الطرقات لتعرف كيف هي درجة الحرارة وتدعي وهي تتجول "برداً على جسد ابني، يارب" فقد كانت درجة الحرارة لا تطاق. الأهل بكوا، تألموا، اعتصر الألم قلوبهم، وكاد أن يفتك بهم، ولكن ركب الحياة لم يتوقف، لم تتوقف الأعمال عن اتمامها فحين يموت أحد يوجد له بديل في مجال الأعمال بشكل فوري، وذلك حتى لا تتأثر صناعة المال، نحن في زمن لا يمكن ألا يكون لنا بديل، قد يوجد البديل في نفس الوقت الذي نقبل به بشروط الوظيفة. إضاءة مارسوا حياتكم وكأنه لا يوجد لغد غد، استشعروا قيمة اللحظة في ذاتها، لا تتوقعوا الكثير من البعض، فالأحبة يرحلون، والإخوة ينسون، والأهل ينشغلون، لا يبقى لك إلا ذاتك في أشد الصعاب واخفها، تذكر أن الله وحده هو السبيل والغاية. [email protected] @shaikhahamadq
2211
| 16 فبراير 2021
نحن بلا شك نعيش فترة زمنية لم تمر على البشرية من قبلنا، والأسباب عديدة منها تغير العادات والتقاليد وتغير الممارسات والمواضيع. في هذا السياق قد تكثر وتتوسع، ولكني أود أن ألقي الضوء على ظاهرة انتشرت موخراً ترتبط بالتعبير عن شعور الشكر أو المحبة، وهي إرسال هدية مرتبطة بمناسبة زواج أو استقبال مولود أو بمناسبة عيد ميلاد. والهدية معروف بأنها عنوان ودليل المتحابين، ولكن في ظل هذه الظروف الشائكة التي نعيشها نلاحظ انتشار أكبر لمفهوم (المواجيب) والمقصود بها توجيب الشخص بمعنى إرسال هدية أو عربون محبة ومشاركتهم الفرحة. وهو أمر محمود بين المسلمين والعرب، ولكن ما لفت انتباهي هو ارتفاع أسعار باقات الورد في زماننا هذا، سابقاً كانت الباقة تعتمد في تنسيقها على عدد حبات الورد المستخدم، ومنه يتم قياس القيمة الكلية فمثلاً لنفترض أنك تود إرسال 20 وردة من نوع الجوري وقيمة الوردة الواحدة كما هو متعارف عليه 10 ريالات، ستكون القيمة الكلية 200 ريال قطري، وذلك شامل حساب النباتات الخضراء التي سيتم استخدامها خلال عملية التنسيق، بالإضافة إلى تكلفة اليد العاملة والتغليف، حيث إن سعر 10 ريالات هو سعر عالٍ لحبة واحدة، حيث إن القيمة السوقية لهذه الوردة بسعر الجملة لا يتجاوز 4 ريالات، لذلك يكون من المفهوم أن يتم بيعها بزيادة لتحقيق هامش ربح مناسب. لكن للأسف ليس هذا ما يحدث في محلات تنسيق الزهور، فقد أصبح تسعير الباقة يعتمد على عوامل خارج إطار عدد حبات الورد المستخدم! وهو أمر جديد وغير مسبوق في هذا المجال، فيتم احتساب قيمة الوردة، مضافاً إليها قيمة الأوراق الخضراء، مضافاً إليها حجم الباقة (وهو أمر مضمن ويمكن التحكم بها من خلال قص النباتات أو تركها بحجمها الطبيعي)، مضافاً لها قيمة اليد العاملة والإجار وهلم جره.... وكأنهم للأسف لم يكتفوا ببيع قيمة الوردة مضافاً إليها هوامش الربح، بل يجب أن يتم اقتصاص هامش الربح بشكل مضاعف. وبعض الباقات مع التنسيق وكافة الاضافات قد تصل إلى قيمة تتجاوز الألف ريال. و بالرغم من ملاحظة العامة والمتسوقين لهذا الارتفاع غير المسبوق لهدايا الزهور، لم نجد وقفة جادة من قبل الأفراد أو الحكومة، وهو أمر أعزيه إلى عدة عوامل؛ منها عدم وجود جهة تسعير مقننة لهذا النشاط، حيث إنه يعتمد على الذوق العام، كما نرى ولا أعتقد أن حماية المستهلك تستطيع تقنين هذه الأنشطة إلا من خلال توحيد تسعير الزهور بأنواعها المختلفة، بالإضافة إلى توحيد أسعار التنسيق وعدم جعلها عشوائية كما هو حاصل الآن. [email protected] @shaikhahamadq
2975
| 09 فبراير 2021
ما الذي يبعث فيك الرغبة في أن تقوم برحلة ما؟ هل الرغبة في الاطلاع على مستجدات الحياة كاستكشاف أماكن ووجهات جديدة أم العثور على مكان للاستجمام؟، كلا الأمرين لا يمكن لهما أن يكتملا بلا عنصر واحد وهو الرفقة، الحاجة إلى شخص تتشارك معه الحياة على مستوى أخلاقي وفكري. والأمر في هذا لا يقتصر على عنصر السفر، بل يمتد لأشياء أخرى، مثل الذهاب في رحلة بحرية قصيرة، أو لشراء بعض المقتضيات، أو الالتقاء لتناول كوب قهوة، إن جميع أمور الحياة لا يمكن أن نحياها كما نأمل من دون ذاك الصاحب الذي يقابلنا على الجانب الآخر من الطاولة، واختيارك للرفيق ينعكس على باقي الرحلة، فوجوده هو ما يقرر جمال الرحلة من رتابتها. إلا أن أهم رحلة تحتاج إلى اختيار رفيق فيها هي رحلة الحياة، الرحلة الممتدة بطول عمرك، وهي رحلة تمر بالعديد من العثرات والتغيرات، لذا تحتاج لرفيق ليس كأي رفيق، بل تحتاج إلى رفيق للروح، لأن كل شيء قابل للتجاوز إلا وحشة الروح وشعور الكسر الذي قد ينالها، ويحضرني شعور جلال الدين الرومي حين التقى للمرة الأولى بشمس التربيزي وشعوره بأن هنالك روحاً في جسد آخر تتشارك معه المشاعر والأحاسيس، ولا يمكن أن نطلق عليها حباً أو عشقاً، لأن العشق يكون بين امرأة ورجل، وهذا الأمر لا ينطبق هنا، بل كان هنالك شيء لا يمكن أن تلامسه المادة الصرفة بل الشعور الموجود في أعمق نقطة في جسد الإنسان وهي الروح، حيث قال الرومي: "ما أجملك من شمس لا نهاية لها". وفي المقابل هنالك بعض الصحبات التي تجر المشقة على صاحبها كما حدث مع الأديب الإنجليزي أوسكار وايلد من سجن جراء تعرضه لفضيحة الشرف، بالإضافة إلى إعلان إفلاسه بسبب العلاقة التي ربطته بصديقه ألفريد دوجلاس، التى ذكرها كثيراً في رسائله المبعوثة من السجن، وفحواها كله يتمثل في لوم نفسه على تلك الرفقة التي كانت سبباً في تخلفه عن فنه وسبباً في إعلان إفلاسه نتيجة الزيادة الكبيرة في نفقاته. ومن ضمن الجمل التي ذكرها: "لقد كانت هناك منذ البداية، ثغرة واسعة بيني وبينك، كنت كسولاً في مدرستك، وأسوأ من كسول في جامعتك، ولم تتمكن من إدراك أن الفنان الذي هو من نوع خاص، كما كنت أنا، يحتاج إلى جو عقلي خاص، وصحبة فكرية، وعزلة ينعم فيها بالهدوء والاطمئنان". إن الأصحاب عنصر أساسي في أي رحلة كما يحدث معك في بداية دخولك للجامعة، بعض الرفقة تتخلف عنك، والبعض يستمر معك لا يعني هذا أن المتخلفين سيئون، ولكنه يعني أن المرحلة القادمة لا يمكن لها أن تصلح وتستقر في حال التشبث بهم، فبعض العلاقات يمكننا أن نستمر فيها لكن هذا لا يعني أن نجعلهم أولوية في قرارات حياتنا، حيث إن تخلفهم لا يعني الفشل في حد ذاته بل قد يعني أنهم اختاروا طريقاً آخر للمضي في حياتهم. أما في رحلة الحب، قد تختلف كافة الوجهات والرحلات، وتبقى الروح عاملاً مشتركاً بين شخصين. نقطة: وإني لأرى جمع الوجهات سيان متى ما شاركتني الرحلة. [email protected] @shaikhahamadq
4371
| 02 فبراير 2021
هل مررت بلحظة ما شعرت بها أنك لا تعلم الى أين أنت متجه؟ أن تكون في طريق لا تعلم الى أين قد يؤدي بك في النهاية، ولكن بالرغم من ذلك تستمر في المضي قدماً، لأنه ليس لديك خيار آخر سوى التنفس والاستمرار بالتحرك، ذاك أن خيار التوقف غير موجود لدى كثير منا، لكون حركتنا مرتبطة بالساعة التي خلقت لحظة ولادتنا، فالساعة لا تتوقف وكذلك يوم أي انسان لا يتوقف إلا بموته أو سقوطه مغشياً عليه. إن هذا النظام الذي نسير عليه، والذي يحتاج لحركة مستمرة، يتطلب في المقابل تلبية عدد من الاحتياجات الغذائية والجسدية وكذلك النفسية والروحية، أن تكون مستيقظاً بمعدل ١٦ ساعة في اليوم أمر جلل، سواء كان لك هدف سامٍ في حياتك أم كنت تعيش هذه الحياة بشكل عشوائي، فالأمر سيان. فأنت لديك احتياجات غذائية يومية لابد لك من اتمامها بالاضافة الى رغبات جسدية تحاول تلبيتها، منها ممارسة الرياضة وغيرها من الأنشطة، بالاضافة الى الاحتياجات النفسية والروحية التي يتجاهلها العديد منا، ولكن لا يمكنك المضي قدماً دون أن توفرها لذاتك، وقد تختلف استجابتنا لهذه الاحتياجات النفسية باختلاف المواقف وضغوط الحياة والأيام، ولكن من المهم أن نستجيب، لأن عواقب عدم الاستجابة على فكرنا وروحنا قد تكون كبيرة. فنجد البعض يتجه لخلوة خاصة بعيداً عن الجميع، فالشخص مهما كثرت ارتباطاته اليومية لابد أن يكون له لحظات خاصة، لحظات يحاول فيها التجاوز عن بعض الأمور المعلقة والتي تؤرق صبحه ومساه. ويحضرني في هذا الموضوع قصة حدثت لأحد معارفي وهي أم لعائلة متوسطة الحجم قيل عنها بأنها لا تلبث أن تخرج وتتسوق وتمارس أنشطة أحياناً تكون بعيدة عن عائلتها، وهو في عرفنا وعاداتنا للأسف أمر غير مقبول، وكأن أي أم ما هي إلا أداة تربية مكلفة بالجلوس في المنزل طوال فترة حياتها للعناية بهؤلاء الابناء ولا يحق لها الخروج مع الأصدقاء للتنفيس عن نفسها. فكان الاتهام الموجه لها يقول: "هي أم مهملة دائمة الخروج!" ولكن لحظة هل قارنت ساعات خروج هذه الأم مع ساعات وجودها مع ابنائها أم هو مجرد اتهام وكفى؟. إن تفسيري لهذه الممارسات يتمثل في كونها عنصرا لتلبية احتياج نفسي وروحي للتنفيس عن الذات ومحاولة لملمة هذه الذات المبعثرة وارجاع الأمور لنصابها، فكل فرد منا يمر بأمور مماثلة منها ضغوط نفسية أو اجتماعية تحتاج منا أن نجابهها، ولا يمكننا مجابهتها ونحن مثقلون بكل تلك الضغوط، لا بد لنا من التنفيس وإخراج هذه الضغوط من حياتنا سواء بزيارة صديقة والتحدث معها أو من خلال القيام بنزهة في الهواء الطلق الى آخره من الانشطة التي يمكن أن تعيد لذاتنا نصابها. وهو أمر شبيه لما كتبته الممثلة “ليف أولمن” في مذكراتها بقولها: “ضميري يعذبني لأني أم فاشلة لأني أم مقصرة، أشرب القهوة مع إحدى الجارات وأنتحل الأعذار لكل ما أفعل لأني أعرف أنها لن تفهم مطلقاً لماذا أجد ذلك مهما بالنسبة إلي”. للأسف البعض يبدأ قصصه عن الآخرين بأفكار مسبقة عن نياتهم ورغباتهم من وراء الفعل هذا أو ذاك، مما يدعو المستمع للتساؤل عن القدرة الجبارة لديهم لقراءة أفكار الآخرين، وكأنهم امتلكوا فجأة قدرة ميل جيبسون الخارقة في قراءة أفكار النساء في فيلمه “ما الذي تريده النساء”. فتتحول القصة أو “السالفة” من موضوع متسلسل الى تحليل لكل تصرف وتنبؤ بالمستقبل. والأمر يستدعي الاستغراب مما آل اليه أمر المسلمين في مجتمعاتنا المنغلقة، والتي تبحث عن المعلومة الجديدة على حساب المصداقية، بل إن أصحاب التأويلات يجدون العديد من المستمعين وأصحاب التأييد لهذه القصص. متناسين أن لكل شخص نية لا يعلمها إلا هو ومن خلقه، ومهما تحدثنا تبقى أحاديثنا مجرد تأويلات لا تسمن ولا تغني من جوع، بل تزيد من حجم الغيبة التي يقع بها المتحدث. سيئ النية يجد دوما أسبابا سيئة للأعمال الحسنة توماس فولر [email protected] @shaikhahamadq
1878
| 26 يناير 2021
لا أعلم من أين للبعض القدرة على كشف الآخرين بكلمة أو نظرة، خلقت في هذه الحياة كورقة بيضاء و توقعت في المقابل أن جميع الأوجه التي أقابلها ماهي إلا انعكاس للصفاء الذي أراه من حولي. وحتى حين حذرني البعض ظننت أن توجيهاتهم ماهي إلا إنعكاس لما يدور في أذهانهم فقط، بينما العالم من حولي يتكون من حائط أبيض يمكنني تلوينه بالطريقة التي أفكر بها. ويا لهذه الفكرة من خطأ، فقد اكتشفت في عقدي ليس الأول ولا الثاني، بل في الثالث أن كل الأمور التى تدور من حولي هي تدور لهدف أو سبب محدد، ولا يمكن لها أن تدور لترسم نقطة بيضاء على حائطي بل لترسم شتى الألوان المقبولة وغير المقبولة في عرف الأخلاق. لذا كان على بعد مضي كل هذه السنوات أن أعيد التفكير ليس مرة بل مائة في جميع العلاقات التى تربطني بمن حولي، أصبح جل اهتمامي ليس نوع العلاقة بل الطريقة التى تدار بها هذه العلاقة؛ هل يمكننا أن نصل إلى مرحلة فاصلة نحدد فيها مصير الآخرين في حياتنا. ولكن لحظة! من أنا لأحدد مصير مئات العلاقات التي تربطني بالمجتمع! هل أنا (معصوم) من الخطأ بالطبع لا، فأنا بشر خلقت لأخطِئ ويُخْطَأ عليّ. وهذا جزء من دائرة الحياة التي من خلالها نقابل جميع الأنواع والأعراق لنتعرف على أولئك الذين يشبهوننا ويشاركوننا حلو الحياة وفي المقابل نتعلم ونستكشف النقيض ونتعلم كيف نتقبله. حين ذكر رسول الله في الحديث: (لا يلدغ مؤمن من جحر مرتين)، يقصد به في المعنى *ضرورة أن يتنبه المرء للأمور من حوله وألا يكرر نفس الخطأ بنفس السذاجة التى وقع فيها في المرة الأولى، فالشخص النبيه الذي يعرف بكوامن وغوامض الأمور يصبح حذر مما سيقع، وأما الشخص المستهتر بما يدور من حوله فقد يتأذى من نفس الموقف الواحد مراراً. وهي حكمة من أصدق الناس وأكثر الناس الذين لا يلتفتون لمساوئ الخلق لكونها عاملاً بسيطاً في دائرة العلاقات البشرية، ولكنه ينبه المسلمين في كل بقاع الأرض لأهمية ألا تغلب عليهم الطيبة، ويكونوا سذجاً، بل يجب أن يتنبهوا في جميع أمور حياتهم المهنية أو الاجتماعية على حد سواء. إلا أن اليقظة المستمرة قد تكون ذات سلعة غالية وتسبب إرهاقا نفسيا وذهنيا لا يحمد عقباه، لذا وجب أن نفرق بين الأصحاب والأغراب، فلا يمكننا أن نكون بنفس مستوى اليقظة مع الأغراب ومع أولئك المتواجدين بشكل دائم، ولا تفصلنا عنهم مسافة كبيرة، وقد يكون وجودهم القريب يأخذنا على حين غفلة إدراكنا. لذا في نفس السياق ذكر جعفر بن محمد* بالقول: "إذا بلغك عن أخيك الشيء تنكره، فالتمس له عذرًا واحدًا إلى سبعين عذرًا، فإن أصبته، وإلا، قل: لعل له عذرًا لا أعرفه". نحن لا نتوقع من الجميع النبل أو مكارم الأخلاق، بل نتوقع القليل منهم ونسعى لسد الهفوات بما تبقى من مكارم الأخلاق لدينا. إن التسامح مرحلة مهمة في كينونة الإنسان، بل قد نطلق عليها لقب "جوهرية" فهي الحد الفاصل بين التوقف عند نقطة محددة أو الانتقال وتجاوز النهر للضفة الثانية؛ الأرض الجديدة التى تغسل شوائبك وتخلصك من الأفكار المكررة التى تدور في رأسك يوماً بعد يوم. نحن نحتاج للتسامح لأن الآخرين ليسوا معصومين، ولأن المشاعر تتغير في مرحلة ما قد تعود وقد لا تعود، لأن الآخرين يصلون لمرحلة النضج الذهني والنفسي بمراحل مختلفة وبطرق فريدة، لأن الجميع يحاول أن يعيش في لحظة ما ويجبر نفسه على التلون، التأقلم والاستجابة لمتغيرات الحياة بطريقته الفريدة. فكلنا نحاول أن ننتصر على هذا العالم بطريقة ما ! * شرح المعنى العام لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم من موقع إسلام ويب رابط: https://www.islamweb.net/ar/fatwa/74303/ *مرجع قول جعفر بن محمد رابط: https://www.islamweb.net/ar/fatwa/45706/ [email protected] @shaikhahamadq
2289
| 19 يناير 2021
هل يمكننا اعتباطاً اعتبار أن الضحك أو الابتسام في وجه من لا تحب ذوق؟ أم نفاق؟ بما أننا في عصر الحياة المصطنعة، في المرحلة التكنولوجية التي لا نميز بها الواقع بين الصورة واللحظة، فليس من المستبعد أن تكون الحقيقة كامنة في ما نراه لا ما هو كائن. وليس علينا اعتباطاً اعتبار أن الابتسام في وجه من لا تحب ( نفاقاً ) بل هو الحقيقة المطلقة إلى أن يتم التصريح بغير ذلك في حضرة الشخص المُبتسم له. إن النهضة الصناعية جلبت معها العديد من المفاهيم التي ترتكز على المصلحة في سبيل تحقيق الغايات على نقيض ما كان متعارفا عليه سابقاً من أهمية إيثار الأخلاق أو ما يعرف بمصطلح النبل في سبيل تقويم المجتمع وجعله متماسكاً في وجه العوامل الخارجية كالعدو والمجتمعات الأخرى، إن العدو أحد أهم العوامل سابقاً في جعل أي جماعة تتفق أو تشكل مجتمعاً متماسكاً قادرا على مجابهة الأطماع الخارجية. فحين تم إسقاط جسر برلين عام 1989م قال المستشار الألماني ألكسندر أرباتوف موجهاً كلامه للحكومة الأمريكية ودول أوروبا: ( سنقدّم لكم أسوأ خدمة، سنحرمكم من العدو! ). فالعدو حين يكون واضحاً، يمكننا اتخاذ التدابير اللازمة التي من شأنها تحقيق الأمان النفسي والوجداني للفرد. إلا أنه حين لا يكون هنالك عدو لا يمكننا بأي ثمن تحديد الوجهات التي سنتحرك إليها وبالتالي العقبات التي سنتجنبها، إن عدم اليقين يبعث إلى التصرفات العشوائية. لذا نجد انتشار عدد من المفاهيم المجتمعية التي لم تكن مقبولة فيما قبل النهضة الصناعية، والتي تصب جميعها في تقديس العمل والصناعة والسعي إلى تذليل كافة الصعوبات في سبيل قوامه الأولى. لذا سيكون من الطبيعي أن تكون الأخلاق أحد تلك الأمور التي من الواجب تذليلها للوصول إلى مكانة مرموقة في هذا المجتمع الصناعي. إن الذوق في السابق كان مرتكزاً على ما يتم تبادله بين الطبقة المجتمعية نفسها، لا بين طبقة أعلى وطبقة في مستوى أقل فلا يمكن للنبلاء أن يقال إنهم يتحلون بالذوق تجاه الفئة العاملة من المزارعين بل كان يعتبر هذا التصرف عطفاً من جانب الشخص النبيل على المزارع. أما اليوم فلا يمكن تصنيف ما يقوم به النبيل في مفهوم (العطف) بل لم تعد هنالك مستويات فاصلة بين الفئتين. لذا نجد أن ما يقوم به الاثنان تجاه بعضهما من أخلاق ينم عن الذوق وليس هنالك أمر يجبرهم على التصنع. ونظراً لاختفاء الطبقية، ظهر لنا عامل آخر يجعل الأشخاص يقومون على تفضيل المصلحة في جميع التعاملات، ومن هنا يمكننا القول: إن حس المجاملة أصبح ضرورة في سبيل تذليل أي عقبات تقوم على المصلحة في هذا العصر. يقول أبوالطيب المتنبي: ولما رأيت الجهل في الناس فاشياً تجاهلت حتى قيل إني جاهلٌ فوا عجبا كم يدّعي الفضل ناقص و واسفا كم يظهر النقص فاضل [email protected] @shaikhahamadq
3183
| 11 يناير 2021
مساحة إعلانية
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن...
5871
| 26 سبتمبر 2025
في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو...
5595
| 25 سبتمبر 2025
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات...
4461
| 29 سبتمبر 2025
في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه،...
3318
| 29 سبتمبر 2025
تواجه المجتمعات الخارجة من النزاعات المسلحة تحديات متعددة،...
1596
| 26 سبتمبر 2025
بعض الجراح تُنسي غيرها، ليس بالضرورة أن تكون...
1314
| 28 سبتمبر 2025
أُنّشِئت الأمم المتحدة في العام ١٩٤٥م بعد الحرب...
1185
| 28 سبتمبر 2025
من أخطر ما يُبتلى به التفكير البشري أن...
1053
| 29 سبتمبر 2025
منذ أكثر من مائة عام ارتُكبت واحدة من...
834
| 30 سبتمبر 2025
• كلنا، مواطنين ومقيمين، والعالم يدرك مكانة قطر...
831
| 25 سبتمبر 2025
تعكس الأجندة الحافلة بالنشاط المكثف لوفد دولة قطر...
831
| 25 سبتمبر 2025
في لحظة صفاء مع النفس، يطلّ النسيان عليَّ...
819
| 30 سبتمبر 2025
مساحة إعلانية