رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
•عندما زرت مدرستي القديمة لم يكن الولد الذي يجلس في مكاني يشبهني ومع هذا أحسست أنني أحبه . •فى مدرستي القديمة أيضا وجدت مدرس اللغة العربية والتربية الدينية الذي كنا نميزه بزيه الأزهري الجميل ونحن أطفال .. وجدت النسخة الحديثة منه يرتدى الجينز ويتكلم بالعامية .. وكان أيضا يمسك بأحدث جهاز تليفون محمول في يده .. رحم الله أستاذنا الشيخ على الذي تعلمنا على يديه الكثير .. وكان يرفض لقب " البك " الذي كنا ننادى به المعلمين على أيامنا ويصر على أن نناديه ب " الشيخ على " ولم يحدث أن نادى أحدنا بغير أن يقول له " يا بني " إلا إذا كان غضبه شديدا من أحدنا فكان أقصى بل وأقسى ما يفعله أن ينادى الطالب الذي أغضبه قائلا له " يا هذا " .. للمرة الألف جعل الله مثواك الجنة يا شيخنا الراحل. •ضبطت نفسي متلبسا – أكثر من مرة – بمناداة حفيدتي بإسم أمها .. هل هذا ما يطلقون عليه " الزهايمر " أم أنه حنين إلى الماضي . •الأنثى هى أم بالطبيعة ومنذ مولدها .. أقول ذلك وأنا أشاهد حفيدتى – أو أى طفلة أخرى – وهى تلهو بعرائسها . •لم يعد أمام زوجتي طفلا تطعمه سواي .. فضلا عن مهاتفة بناتنا . •أصبحت أخشى أن أهاتف بعض أصدقائي القدامى .. لأنني وبكل بساطة لا أحب أن أسمع خبر وفاة أحدهم أو وجوده في المستشفى . •لا زلت أرى في أحلامي أنني طفل صغير في المدرسة .. زاد إحساسي هذا عندما لمحت مدرسى العجوز يمر في شارع الحي القديم .. بالرغم من شعره شديد البياض وعصاه التي يتوكأ عليها . •يا إلهي .. لماذا أحبها كل هذا الحب ؟ هل لأنها الأجمل فى الدنيا ؟ الإجابة ببساطة .. لا .. بل لأنها أمي.. هكذا – وبكل بساطة – يجب أن نحب أوطاننا . •دائما ما أتذكر بيت الشعر القائل : من كان في جحر الأفاعي ناشئا ... غلبت عليه طبائع الثعبان أقول ذلك وأنا أسمع عن ذلك الرجل السمج الأصلع وقد وضعته الظروف وحكوماتنا الرشيدة المتعاقبة في السلك الدبلوماسي ليصبح سفيرا .. الغريب أنه لا يزال يجلس على الكرسي الوثير الدوار ويدير السفارة كما كان يفعل فى أقسام الشرطة . •حاولت كثيرا أن أقنع نفسي أنه لم يتغير .. فلم أفلح .. وأخيرا أدركت الحقيقة الساطعة وهى أنني أنا الذي تغير .. لم أعد المدير .. دنيا ! •لا زال وجهها جميلا برغم شحوبه البادى وكميات اللحم التى تكسو جسدها .. حمدت الله أنها لم تشاهدنى بشعرى الأبيض عندما لمحتها تعبر الشارع مع أحفادها. •تأوب طيف من سميرة زائر ..وما الطيف إلا ما تريه الخواطر هذا بيت شعر من قصيدة جميلة كتبها رفيق الزعيم الوطني أحمد عرابي قائد ثورة 1919 الشاعر الثائر محمود سامي البارودي والملقب برب السيف والقلم يعبر عن أسمى المشاعر الإنسانية في افتقاده لإبنته سميرة وكان قد كتبه عندما كان منفيا في " سرنديب " .. سيريلانكا حاليا .. ترى كم إبنة يفتقدها أبوها وهى تعيش معه فى نفس المدينة ؟ •لا أدرى سببا يجعل الراقصة تتلوى غير أنها تعانى من المغص .. وإذا كان الأمر كذلك فلماذا يفعل الشباب مثلها ؟ وهل إذا جلست بجوارك بعد الإنتهاء من "نمرتها" كيف سترى وجهها بعد أن تزول معظم مساحيق التجميل الكثيرة التي " تلطخ " بها وجهها ؟ وأي رائحة غير محببة " ستغزو أنفك " جراء العرق والمجهود الذي بذلته في الرقص ؟ أيها الرجال .. أفيقوا واحمدوا الله على ما ملكت أيمانكم . •وبالمناسبة .. أنصح كل زوج بألا يعيب على ذوق زوجته حيث أنها إختارته هو في بداية الأمر. •عندما ذهبت إلى المستشفى لزيارة صديقي الذي كان في السابق من رجال التعليم .. دخل الطبيب الكبير " الأستاذ " للمرور وبرفقته عدد من الأطباء .. فوجئت بأحد الشباب منهم " نائب " ينحني على رأس صديقي ويقبلها ثم يمسك بيده المغروسة فيها المحاليل – وسط دهشة الموجودين – ويقول أن هذا الرجل معلمه وصاحب فضل عليه .. ولولاه ومن هم مثله لما كان هنا ولهذا سيتابع حالته بنفسه .. صحيح إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا . وإلى اللقاء فى مقالنا القادم بحول الله .
2009
| 10 مايو 2014
وقائع هذه القصة وقعت في مدينة " فينيسيا " الايطالية وتحكي عن طفلة يتيمة الأبوين كانت تبيع المناديل الورقية عندما شاهدت سيدة تجلس في حديقة عامة وقد انخرطت في البكاء ، ابتسمت لها الطفلة وتقدمت اليها بكل براءة ومدت اليها يدها " بباكو مناديل " كي تمسح دموعها .. تقبلت السيدة المناديل شاكرة وأدارت وجهها ناحية حقيبة يدها لتخرج بعض المال لكن عندما رفعت راسها وجدت أن الطفلة قد ابتعدت عنها في هدوء دون أن تحاول الالتفات خلفها انتظارا لطلب ثمن المناديل . أحست المرأة شعورا غريبا جعلها تبتسم فقد أدخلت الطفلة التي لا تعرفها السعادة إلى قلبها وجعلتها تعيد التفكير في مشكلتها التي كانت تعانيها مع زوجها .. وعلى الفور أمسكت تليفونها المحمول وبعثت لزوجها رسالة اعتذار في الوقت الذي كان الزوج يجلس فيه وحيدا في أحد المطاعم .. وما إن تلقى رسالة زوجته حتى فرح بها فرحا كبيرا .. فقفز من مكانه طالبا حسابه .. وفي غمرة سعادته قرر أن يمنح الجرسون بقشيشا كبيرا تعجب له الجرسون لكنه ابتسم . وفي طريق عودته الى بيته مر الجرسون كما تعود كل يوم بميدان " سان ماركو " الشهير في فينيسيا ولم يكن يلفت انتباهه الحمام الكثير في الميدان الذي يلتقط الحب من المارة.. هذه المرة راح يتأمل الحمام في سعادة ويفكر لأول مرة في إطعامه .. ووجد باعة الطعام وكلهن من النساء يجلسن في جانب الميدان فوقف لحظة يتأملهن ثم اتجه الى سيدة عجوز تجلس مبتسمة .. طلب منها بعض الحبوب .. وبعد أن ألقى الحب على الحمام شعر بسعادة غامرة فعاد الى السيدة العجوز وأعطاها مبلغا كبيرا لم تصدق المرأة عينيها وهي تمسكه .. ولكنها ابتسمت قانعة بما رزقها الله وقررت أن تمر في طريقها الى البيت على الجزار الذي لم تتعامل معه منذ فترة طويلة. وفي البيت جلست السيدة العجوز تطبخ اللحم حتى اذا انتهت أفرغته في طبق كبير في الوقت الذي دلفت فيه من الباب حفيدتها التي تشاركها الحياة في ذلك البيت المتواضع . ارتمت الطفلة في حضن جدتها سعيدة بعودتها الى بيتها وبرائحة اللحم الذي ملأت رائحته جنبات البيت .. وعلت الابتسامة وجه الجدة ووجه الحفيدة .. التي لم تكن سوى بائعة المناديل . " للأمانه هذه القصة ليست من تأليفى ولكننى وجدتها جميلة وهادفة فرأيت أن أنقلها للقارئ العربى .. علنا جميعا ندرك أن الخير لابد عائد إلينا طال الزمن أم قصر " وإلى لقاء قادم ومقال جديد بحول الله .
13388
| 30 أبريل 2014
منذ أن أعلنت كولومبيا نبأ وفاة الأديب العالمى ماركيز الحائز على جائزة نوبل فى الآداب فى السابع عشر من أبريل 2014 والأوساط الأدبية فى العالم كله تعيش فى حالة من الحزن الشديد . وقد حصل ماركيز على جائزة نوبل عام 1982 عن روايته الرائعة " مئة عام من العزلة " التى ظهرت إلى الوجود عام 1967 وكانت موضع إهتمام القراء والنقاد أكثر من أى رواية أخرى فى تلك الحقبة الزمنية حيث تمت ترجمتها إلى أكثر من خمس وعشرين لغة وحسب جريدة " نيويورك تايمز " أنه قد وزع منها ما يزيد عن الخمسين مليون نسخة ( وهو رقم أكبر من أى رواية أخرى فى العالم ) ومن المنتظر أن يرتفع هذا الرقم بعد وفاته . ولد ماركيز فى السادس عشر من أبريل عام 1927 ( مواليد برج الحوت ) عام 1927 فى بلدة " أراكاتاكا " الواقعة إلى الشمال من كولومبيا .. إسمه بالكامل جابرييل جارسيا ماركيز ويشتهر بين أصدقائه باسم " جابو " وهو متزوج من سيدة من أصول مصرية تدعى " مرسيدس " وقد ولدت فى مدينة بور سعيد الباسلة ولها اهتمامات بالحضارة المصرية . كان ماركيز يميل إلى العزلة والهدوء طوال حياته الدراسية وعلى الأخص فى المرحلة الثانوية وكتب بعض القصائد التى يمكن أن توصف بأنها ساخرة .. كما كان فنانا بطبعه حيث كان يرسم لوحات يمكن أن نقول أنها كانت هزلية .. ولكونه شخصا جادا على الدوام فقد كان زملاؤه يطلقون عليه لقب " العجوز " وعمل بالصحافة فى 1948 بعد أن أنهى دراسة القانون ولكن العمل بالمحاماه لم يكن يستهويه على الإطلاق . وعن معتقداته السياسية نقول أنه كان دائما ما ينفى عن نفسه أنه شيوعى ولكنه فى الواقع كان يساريا أقرب ما يكون إلى الإشتراكية الفرنسية . وقد كتب ماركيز العديد من الروايات منها " الحب فى زمن الكوليرا " و " رائحة الجوافة " و " خريف البطريرك " .. أما روايته الأشهر بطبيعة الحال فهى " مئة عام من العزلة " 1967 والتى نال عنها جائزة نوبل فى الآداب عام 1982 - كما أسلفنا - فقد فتحت آفاقا جديدة فى فن كتابة الرواية وعلى الأخص بعد ترجمتها عام 1970 وفيها تخيل قرية متناهية فى الصغر ومعزولة إسمها " ماكندو " وسط غابات كولومبيا الإستوائية ولكن مع هذا فقد كانت تحميها ثقافتها وأساطيرها حتى ذهب إليها الأمريكان وحولوا القرية والغابات التى حولها إلى مزارع للموز ومصانع وسط المستنقعات كما أوصلوها بسكك حديدية .. وكان من الضرورى أن يبدأ التحول الإجتماعى العنيف ليمحو كل شئ فى طريقه ويدوس على المعتقدات والمبادئ الأساسية لهذه المجتمعات البدائية حتى قيل بسبب هذا أن ماركيز هو رائد الواقعية السحرية . وفى النهاية نقول أنه يكفى تدليلا على مكانة ماركيز إعلان كولومبيا الحداد الوطنى العام لمدة ثلاثة أيام كما نعاه الرئيس الكولومبى " خوان مانويل سانتوس " وأمر بتنكيس الأعلام على كل المؤسسات العامة والمصالح الحكومية والجامعات والمدارس والسفارات فى جميع أنحاء العالم . ومن رؤساء الدول الذين نعوه الرئيس الفرنسى " فرانسوا أولاند " فى بيان رسمى صادر عن قصر " الأليزيه " والرئيس الأكوادورى " رافائيل كوربا " والرئيس الأمريكى باراك أوباما الذى قال " إن البشرية برحيل ماركيز فقدت واحدا من أعظم الكتاب فى هذا العصر " وكذلك رئيسة البرازيل " ديلما روسيف " التى قالت إن تأثرها بشخصيات رواياته كانت بلا حدود لدرجة أنها أصبحت محفورة فى حياة الملايين من البشر وخاصة فى أمريكا اللاتينية .. هذا فضلا عن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق " بيل كلينتون " الذى قال أنه كان يشعر بالفخر لأنه واحد من أصدقاء ماركيز طوال الأربعين عاما الماضية . ويرى الكثير من النقاد – وأنا منهم – أن ماركيز علامة فارقة فى تاريخ الرواية والأدب من الصعب أن تتكرر إلا كل فترة طويلة من الزمان شأنه فى ذلك شأن أديب نوبل العربى نجيب محفوظ . وداعا جابو وستظل أعمالك الخالدة شاهدة على عظمتك . وإلى اللقاء فى موضوعات أخرى ومقال جديد بحول الله . بقلم : د . مصطفى عابدين شمس الدين E mail : [email protected] [email protected]
926
| 19 أبريل 2014
تطرقنا فى مقالنا السابق إلى أهمية ممارسة الأنشطة الفنية المختلفة التى ترتقى بالذوق العام للإنسان ويكون ذلك مقدمة للإبداع بمختلف أنواعه مثل الموسيقى والرسم والشعر وخلافه .. كما ذكرنا أن الإحساس الإبداعى يبدأ لدى الإنسان مع الشهور الأولى من عمره وأنه يتأثر بالبيئة المحيطة به من مناظر وألوان وإضاءة وجمال .. وإذا كان الإبداع يظهر فى هذه السن المبكرة جدا فلابد أن ترعاه الأسرة وأن ذلك يدخل أيضا فى نطاق مسئولية المدرسة فيما بعد ومسئوليات وزارات التعليم والقائمين عليها وعلى مناهجها فى المراحل اللاحقة . وفى نهاية المقال حذرنا من إغفال ذلك للمردود السلبى ومن ضمنها العنف والإنحراف عن الطريق القويم .. فما هى الأسباب النفسية وكيف ننجو بأولادنا من هذا المصير .. هذا ما سنحاول أن نلقى عليه الضوء فى مقالنا هذا . من المؤكد – كما يقول علماء النفس والإجتماع – أنه من الأهمية بمكان إشباع الحاجات النفسية الأساسية للطفل مثل الشعور بالحب والحرية والإنتماء والمشاركة فى النجاح .. وأن ذلك يمكن تحقيقه بشكل أساسى برعاية المواهب الإبداعية . وعلى العكس فإن أى خلل أو إعاقة للإشباع أو عدم تلبية هذه الإحتياجات تسبب لدى الطفل إحساسا بالحرمان والنقص والدونية وقد يتسبب ذلك أيضا فى أن يكره نفسه ويحقد على الآخرين ويبدأ فى التفكير فى الإنتقام من حوله . وخلافا لذلك .. فإننا لو وضعنا فى الحسبان أن ممارسة " بذور " الإبداع الموجودة لدى كل طفل بالتأكيد ستأخذ بيده نحو الطريق السليم لأدركنا أهمية ذلك .. فلا يمكن مثلا أن نتصور من يقوم بالرسم وهو يتشاجر مع الأطفال الآخرين فى المدرسة .. وهكذا من يعزف الموسيقى أو يتذوق الشعر إلى آخر من يمارس أنواع الفنون المختلفة فإن ذلك يكون مدعاة للإرتقاء بتهذيب نفسه ومن ثم ينعكس ذلك على الطفل نفسه وعلى مجتمعه بالتالى . وفى هذا المقام لا يمكن أن نغفل دور الإعلام وخاصة المرئى منه فى تنمية مشاعر العنف لدى الأطفال ببث البرامج والإعلانات المليئة بمشاهد العنف فضلا عن أفلام الحركة " الأكشن " المبالغ فيها حيث يكون لها تأثير فورى ومباشر على تنمية مشاعر العنف لدى الأطفال إعتمادا على حب الأطفال للتقليد والمحاكاة .. ولو توقف الأمر عند هذا الحد فلربما كان العلاج أكثر سهولة مما يتعمد القائمون على الأفلام والبرامج بالسخرية من الأطفال المبدعين وتصويرهم على أنهم معقدون نفسيا ويتحدثون بما يدل على ذلك خاصة وهم يضعون نظارات طبية سميكة .. وكلام ساذج إلى درجة التفاهة بطريقة تضحك المشاهدين عليهم على عكس أطفال الشقاوة والعنف و" الأكشن " .. فأى مردود نتوقعه من تلك البرامج وهاتيك الإعلانات . ونحن نحذر من أن الأطفال الصغار – إلا فيما ندر – لا يوجد لديهم الضمير بالمعنى المتعارف عليه عند الكبار ولكن يوجد لديهم ما يمكن أن نطلق عليه " الضمير المستعار " بمعنى أن الضمير لدى الصغار يكون وفقا لما يصل إليهم عن طريق الكبار أو ما يستعيرونه منهم وفقا لما يسوقه علماء النفس .. وبناء عليه لا يمكنهم المفاضلة بين الغث والسمين أو الحق والباطل أو الخير والشر أو حتى الحلال والحرام إلا فى حدود غاية فى الضيق وقد يوردهم ذلك مورد التهلكة بالوقوع فى براثن صحبة السوء أو من قد يستغلهم فى غير الطريق القويم .. ومن هنا صرنا نسمع عن جرائم يرتكبها أطفال – ربما تقليدا لما شاهدوه فى التليفزيون – كما أصبحنا نسمع أيضا عن استغلال العصابات وأفراد السوء للأطفال فى تنفيذ جرائمهم والتى قد تصل إلى حد من البشاعة لا نصدق أن من قام بها كانوا أطفالا . وكل هذا يصب فى خانة تشجيع العنف ونبذ المواهب والتى لو تأملنا قليلا لوجدنا أن كلمة المواهب مشتقة من الهبة .. والهبة هى من كرم المولى عز وجل والتى لابد أن تكون مفيدة لنا .. فكيف نرفضها ونتجه وجهة أخرى لا نعلم مدى تأثيرها علينا. وعود على بدء .. فإن تنمية المواهب الإبداعية هى المخرج الوحيد أمامنا للإرتقاء بالذوق العام والحفاظ على القيم الدينية والمجتمعية والتى هى بدورها سبيلنا للتقدم والرقى والنهوض بأطفالنا ليكونوا مواطنين صالحين .. ونعود – كما أسلفنا فى مقالنا السابق – للتأكيد على دور الأسرة والمدرسة والدولة ممثلة فى وزارات التعليم والقائمين على أمور المناهج المدرسية الخاصة بالأنشطة المدرسية التى تعمل على تحفيز النواحى الإبداعية . وإلى موضوع جديد ومقال قادم بحول الله .
961
| 15 أبريل 2014
كنا قد ناقشنا فى مقالينا السابقين موضوع الرقابة وأثرها على الإبداع .. وهو أثر له سلبياته فى تقييد حرية الإبداع كما يرى البعض .. كما أن لها – أى الرقابة – أثار إيجابية فى الحفاظ على هوية الشعوب الثقافية والتقاليد المجتمعية فضلا عن القيم الدينية بطبيعة الحال .. وكنا قد اكتفينا بما كتبناه وناقشناه من خلال السرد والرد على رسائل القراء ولكننى تلقيت مكالمة هاتفية من إحدى قريباتى .. وهى سيدة متوسطة العمر وقد رزقها الله بثلاثة أطفال وقد لاحظت هذه السيدة على إحدى بناتها بوادر فنانة صغيرة تحاول الرسم وقراءة الشعر وتذوقه .. بل أنها حاولت كتابة بعض الأبيات كما تجيد الإستماع إلى الموسيقى وتحاول تعلم العزف .. بينما الطفلين الآخرين لا يتمتعان بنفس هذه المواهب برغم أنهما ولد وبنت .. يعنى المشكلة ليست فى النوع .. وأضافت أن البنات دائما ما يخلقهن الله أرهف حسا وألطف من الصبيان .. ولكن ماذا عن البنت الأخرى التى حاولت هذه الأم جذبها لأن تقوم بما تفعل أختها ولكن ذلك لا يلقى قبولا لديها مهما حاولت . وأنا أقول لهذه الأم أن المسألة ليست نوع الطفل كما قالت هذه الأم – ولد أو بنت – ولكن يتعلق الأمر بالإنسان ذاته الذى خلقه المولى سبحانه وتعالى ومخه مقسم إلى نصفين .. يكون النصف الأيمن منه هو المسئول عن الإبداع والتفكير الإبتكارى وأن نمو ذلك يتأتى من خلال ممارسة الفنون المختلفة مثل الشعر والموسيقى والرسم وغيرها حيث أن الممارسة تساعد على ظهور الموهبة وبالتالى صقلها . وقديما كان يقول أستاذنا الراحل الدكتور صلاح مخيمر والذى كان يُدرس لنا مادة علم النفس فى الجامعة أن الإحساس بالقيم الجمالية تتشكل ركيزتها الأولى فى عامه الأول .. ولا نبالغ لو قلنا فى شهوره الأولى حيث تتشكل قيمة الإحساس بالتذوق الفنى وأن ذلك يكون من العناصر المحيطة بالطفل مثل جمال المكان المتواجد فيه الطفل ( غرفة نومه أو الغرفة التى يلعب فيها ) ودرجة الإضاءة المستخدمة فى هذا المكان .. فضلا عن الألوان المحيطة بالطفل ومدى تأثيرها عليه . ولعل ذلك يقودنا إلى سؤال هام .. وهو إذا كان طفلان قد شبا وتربيا فى نفس البيئة والظروف فلماذا يوجد الحس الفنى والجمالى لدى أحدهما دون الآخر كما فى حالة أطفال هذه السيدة .. والإجابة التى نود أن نتذكرها سويا هى ما سبق أن قلناه آنفا بأن هذا بسبب الفص الأيمن من المخ . ومن منطلق أن الفن والإبداع والتفكير الإبتكارى يشكل وجدان الشعوب ويساعد فى بناء شخصيته السوية التى تتمتع بالتسامح والمحبة وايضا بالنظرة المستقبلية التى تقود إلى التقدم فإننا نود أن يكون ذلك من خلال الأسرة ذاتها من ناحية ومن خلال المجتمع المدرسى من ناحية أخرى . فالأسرة مسئولة عن مراقبة الأطفال والإنتباه إلى مواهبهم المبكرة والعمل على تنميتها وتيسير الأمور لتحقيق هذا الهدف وعدم النظر إلى أن هذه الأمور مضيعة للوقت بل على العكس أن ممارسة الفن من أهم عوامل بناء الشخصية السوية كما أسلفنا . أما المدرسة فدورها عظيم فى العمل على التوقف عن الإعتماد على الحفظ والتلقين فقط لأن ذلك سيكون مرده عقول تفتقد القدرة على الإبداع والتفكير والإبتكار ويجب أن يكون للتربية الفنية والمسرح ومسابقات الشعر والغناء والأنشطة المدرسية بشكل عام دور ملموس فى تنمية الحس الجمالى لدى الأطفال ويتعدى الأمر ذلك إلى تنمية القيم وتعديل السلوكيات بما يتوافق مع الرغبة فى بناء مواطنين صالحين . وتبقى نقطة فى غاية الأهمية وهى دور المسئولين فى وزارات التعليم فى عدم الإكتفاء بالمناهج العقيمة المعمول بها فى الوقت الراهن ومنذ سنوات طويلة والعمل على تطوير مناهج الأنشطة المدرسية كلها بما يتوافق مع روح العصر الحديث وتوفير التقنيات الحديثة التى يستخدمها كل من المدرس والطالب حتى يتمكن كلاهما من المشاركة الإيجابية وتحقيق التطوير المنشود . وأخيرا نقول للجميع فى منظومة الأوطان – الأسرة والمدرسة ووزارة التعليم – أن نتيجة كل ذلك لن يكون سريعا كما نتوقع .. وكما ستكون له نتائج فوريه ملموسة سيتحقق الجزء الأعظم من الفائدة على المدى البعيد . وتبقى كلمة أخيرة وهى أن النتائج السلبية لعدم الإلتفات لما سقناه فى مقالنا هذا يمكن أن يكون سببا فى ظواهر سلبية عديدة مثل العنف وتدنى القيم المجتمعية وغيرها إلا أننا سنتناول هذا فى مقالات أخرى قادمة .. فإلى اللقاء بحول الله.
611
| 08 أبريل 2014
من الواضح أن مقالنا فى الأسبوع الماضى " الرقابة والإبداع " قد نكأ جروحا قديمة لدى الكثير من القراء إذ إنهالت على بريدى الأليكترونى رسائل عديدة أغلبها لا يتفق معى فيما ذهبت إليه واتهمنى البعض منهم بأننى أريد غل أيدى المبدعين وتكبيل أياديهم فى الوقت الذى اتفقت معى فى الرأى قلة قليلة . وقبل أن آتى إلى الرسائل المتعلقة بالموضوع الرئيسى فإننى أشير إلى رسالة للصديق عبد الوهاب عيسى متولى ينبهنى إلى أننى قد أغفلت أن أذكر الرسم والنحت ضمن فنون الإبداع التى جاءت فى مقالى لافتا أنها من أهم وأرقى الفنون .. وهو على حق بطبيعة الحال خاصة وأن تاريخنا منذ فجر التاريخ مسجل على أيدى النحاتين والمثالين الذين صنعت أياديهم ما أبهر العالم بأسره من تماثيل فرعونية ولوحات منحوتة فى الصخر تشهد على عظمة حضارة الأجداد ولولا هؤلاء لإندثرت تلك الحضارات أو على الأقل لما أصبحت معروفة بالشكل الحالى .. وطبعا هناك من أساتذة الفنون الذين يستطيعون تناول هذا الأمر أفضل منى .. وأنا على استعداد لنشر رسائل أى منهم كاملة . وإلى رسائل القراء .. يقول أحمد مغازى أن الرمز ليس مراوغة من المبدع بل هو ضمن أهم الجماليات لأى نص .. وأنا أتفق معه ولكن ليس بشكل مطلق فأحيانا يضطر الكاتب إلى الرمز خوفا من السلطة كما فى " الزوجة الثانية " التى ترمز إلى التحايل والخداع وتحليل الحرام باستخدام رجال الدين ( إمام المسجد ) ورجال السلطة ( شيخ الخفراء ) .. ونفس الرأى ينطبق على " شئ من الخوف " .. لولا الرمز لما خرجت النصوص إلى الضوء أو لما تحولت إلى أفلام . وأنا أضيف فى هذا الصدد أن الجملة التى تحمل معان دفينة من ورائها تكون أجمل من الجملة المباشرة .. وأتذكر أن صديقنا الناقد الأدبى المعروف محمد عبد الرازق كان دائما يقول " الجملة الحُبلى أجمل وأروع من تلك الفارغة " .. وذلك طبعا بما تحمله من معان غير مباشرة شأنها فى ذلك شأن الرمز . ويكتب لى الصديق جمال ناجى من دمنهور قائلا أن كبت المبدع وتكبيله أشبه بحرمانه من الماء والهواء ولابد أن يؤدى ذلك به إلى الموت .. وهو يرى أن الحرية لا تتجزأ فكما نؤمن بالحرية فى السياسة وحرية المعتقدات فيجب أن يمتد مفهوم الحرية ليشمل حرية الإبداع دون حسيب أو رقيب اللهم إلا وازع من الضمير .. وأنا أرد عليه بدورى بأننى لم أقل غير ذلك مع اختلاف الكلمات التى استخدمتها . ويذكرنى رفيق الطفولة والصبا كميل جرجس روفائيل بما كتبه الكاتب المبدع يوسف إدريس " إن كل الحرية المتاحة فى الوطن العربى لا تكفى مبدعا واحدا لممارسة إبداعه بشكل كامل بعيدا عن القيود المتعددة التى يفرضها الإستبداد السياسى والتصلب الفكرى والجمود الإجتماعى والتعصب الدينى " .. وأجدنى أتفق معه بأن ذلك كان صحيحا فقط فى الفترة التى عاش فيها أستاذنا العظيم الراحل يوسف إدريس .. أما الآن فالأمر جد مختلف . وأنا أعتذر مرة أخرى لو أنه فهم مما كتبت أننى مع عودة الرقيب أو ما كان يطلق عليه مقص الرقيب بشكله القديم أو حتى بشكل جديد .. أنا طالبت بأن يكون لدى كل مبدع خطوط عريضة يضعها بنفسه ويلتزم بها ولا يخرج عنها طواعية وذلك من أجل الحفاظ على القيم الدينية والمجتمعية .. يعنى ما طالبت به وبشدة هو الرقيب الداخلى . ولعل السبب فيما ذهبت إليه ذلك الإسفاف الذى بات يحاصرنا ليل نهار خاصة فى الأعمال التليفزيونية وتلك الألفاظ البذيئة التى تجعل وجوه الآباء تحمر خجلا أمام أطفالهم .. أنا هنا أتحدث عن الأسر العادية التى تجتمع أمام التليفزيون بعد يوم عمل للأب ويوم شاق فى المنزل للأم .. ويجلسون مع أطفالهم بعد الإنتهاء من المذاكرة وحل الواجبات لبعض الوقت طلبا للتسلية والترويح عن النفس ليفاجأ الجميع بتلك الفواصل من الردح والألفاظ البذيئة والمشاهد الهابطة .. وعندما تناقشت مع أحد المخرجين من معارفى قال لى ببجاحة يُحسد عليها أنه لا يختلق شيئا من عنده ولكنه ينقل للناس ما يدور فى الواقع .. يعنى سيادته يرفع لواء الواقعية وكأننا شعب من السفهاء عديمى التربية .. والمصيبة الأكبر أن الصحف تفتح لها صفحاتها وأيضا تستضيفهم البرامج الحوارية للتعبير عن آرائهم الغريبة هذه وكأن حياتنا خلت من الأسر المحترمة التى تكدح لتعيش فى احترام وتربى أبناءها على التقاليد والعادات التى تربى عليها أهلهم . أنا هنا أنادى بحذف هذه الألفاظ والمشاهد البذيئة وعدم السماح بعرضها تحت أى ظرف من الظروف بل إنذار القنوات أو المحطات التى تسمح بذلك الإسفاف وتلك الإيحاءات .. صحيح أن الحياة فيها هذا وذاك ولكن لا يمكن أن نسمح للإنحطاط أن يصل إلى بيوتنا ومن يريد أن يتعلم لغة أبناء الشوارع فعليه أن يذهب إليهم ويعيش وسطهم . كلمة أخيرة .. من قال أن الناس الذين يعيشون فى الحوارى الضيقة أو الأحياء الشعبية لا يتمتعون بالأخلاق الكريمة أو أنهم يتحدثون بتلك الطريقة التى تظهرهم بها المسلسلات الهابطة .. أبدا والله فقد خرج منها الكثير من العلماء والأدباء والعظماء على مر السنين وهذا لا ينفى أنهم كأى مجتمع يوجد فيهم جميع الأطياف وليس فقط التدنى وقلة الأدب .. بل والله أكاد أجزم أنه تغلب عليهم الشهامة والخلق الكريم . وفى المقابل ليس كل من يعيش فى الأحياء الراقية أو من هم من المتيسرين ماديا لابد من أن يكونوا متحررين من أى قيد أخلاقى ودائما ما يظهرون فى ملابس فاضحة ويجلسون فى المكاتب الفارهة أو حول حمامات السباحة يعقدون الصفقات المشبوهة أو يعطون الأوامر للمشبوهين ممن يعملون لديهم للفتك بخصومهم . لقد سئم الناس كل هذه الأنماط وكأن المجتمعات خلت من البشر الأسوياء مما يجعلنا نكتفى بهذا القدر فى موضوع الرقابة على الإبداع .. وندعو إلى إعمال الضمير .. يعنى الرقابة الذاتية . وإلى موضوع جديد ولقاء قادم بحول الله . بقلم : د . مصطفى عابدين شمس الدين
927
| 03 أبريل 2014
من الواضح أن مقالنا فى الأسبوع الماضى " الرقابة والإبداع " قد نكأ جروحا قديمة لدى الكثير من القراء إذ إنهالت على بريدى الأليكترونى رسائل عديدة أغلبها لا يتفق معى فيما ذهبت إليه واتهمنى البعض منهم بأننى أريد غل أيدى المبدعين وتكبيل أياديهم فى الوقت الذى اتفقت معى فى الرأى قلة قليلة . وقبل أن آتى إلى الرسائل المتعلقة بالموضوع الرئيسى فإننى أشير إلى رسالة للصديق عبد الوهاب عيسى متولى ينبهنى إلى أننى قد أغفلت أن أذكر الرسم والنحت ضمن فنون الإبداع التى جاءت فى مقالى لافتا أنها من أهم وأرقى الفنون .. وهو على حق بطبيعة الحال خاصة وأن تاريخنا منذ فجر التاريخ مسجل على أيدى النحاتين والمثالين الذين صنعت أياديهم ما أبهر العالم بأسره من تماثيل فرعونية ولوحات منحوتة فى الصخر تشهد على عظمة حضارة الأجداد ولولا هؤلاء لإندثرت تلك الحضارات أو على الأقل لما أصبحت معروفة بالشكل الحالى .. وطبعا هناك من أساتذة الفنون الذين يستطيعون تناول هذا الأمر أفضل منى .. وأنا على استعداد لنشر رسائل أى منهم كاملة . وإلى رسائل القراء .. يقول أحمد مغازى أن الرمز ليس مراوغة من المبدع بل هو ضمن أهم الجماليات لأى نص .. وأنا أتفق معه ولكن ليس بشكل مطلق فأحيانا يضطر الكاتب إلى الرمز خوفا من السلطة كما فى " الزوجة الثانية " التى ترمز إلى التحايل والخداع وتحليل الحرام باستخدام رجال الدين ( إمام المسجد ) ورجال السلطة ( شيخ الخفراء ) .. ونفس الرأى ينطبق على " شئ من الخوف " .. لولا الرمز لما خرجت النصوص إلى الضوء أو لما تحولت إلى أفلام . وأنا أضيف فى هذا الصدد أن الجملة التى تحمل معان دفينة من ورائها تكون أجمل من الجملة المباشرة .. وأتذكر أن صديقنا الناقد الأدبى المعروف محمد عبد الرازق كان دائما يقول " الجملة الحُبلى أجمل وأروع من تلك الفارغة " .. وذلك طبعا بما تحمله من معان غير مباشرة شأنها فى ذلك شأن الرمز . ويكتب لى الصديق جمال ناجى من دمنهور قائلا أن كبت المبدع وتكبيله أشبه بحرمانه من الماء والهواء ولابد أن يؤدى ذلك به إلى الموت .. وهو يرى أن الحرية لا تتجزأ فكما نؤمن بالحرية فى السياسة وحرية المعتقدات فيجب أن يمتد مفهوم الحرية ليشمل حرية الإبداع دون حسيب أو رقيب اللهم إلا وازع من الضمير .. وأنا أرد عليه بدورى بأننى لم أقل غير ذلك مع اختلاف الكلمات التى استخدمتها . ويذكرنى رفيق الطفولة والصبا كميل جرجس روفائيل بما كتبه الكاتب المبدع يوسف إدريس " إن كل الحرية المتاحة فى الوطن العربى لا تكفى مبدعا واحدا لممارسة إبداعه بشكل كامل بعيدا عن القيود المتعددة التى يفرضها الإستبداد السياسى والتصلب الفكرى والجمود الإجتماعى والتعصب الدينى " .. وأجدنى أتفق معه بأن ذلك كان صحيحا فقط فى الفترة التى عاش فيها أستاذنا العظيم الراحل يوسف إدريس .. أما الآن فالأمر جد مختلف . وأنا أعتذر مرة أخرى لو أنه فهم مما كتبت أننى مع عودة الرقيب أو ما كان يطلق عليه مقص الرقيب بشكله القديم أو حتى بشكل جديد .. أنا طالبت بأن يكون لدى كل مبدع خطوط عريضة يضعها بنفسه ويلتزم بها ولا يخرج عنها طواعية وذلك من أجل الحفاظ على القيم الدينية والمجتمعية .. يعنى ما طالبت به وبشدة هو الرقيب الداخلى . ولعل السبب فيما ذهبت إليه ذلك الإسفاف الذى بات يحاصرنا ليل نهار خاصة فى الأعمال التليفزيونية وتلك الألفاظ البذيئة التى تجعل وجوه الآباء تحمر خجلا أمام أطفالهم .. أنا هنا أتحدث عن الأسر العادية التى تجتمع أمام التليفزيون بعد يوم عمل للأب ويوم شاق فى المنزل للأم .. ويجلسون مع أطفالهم بعد الإنتهاء من المذاكرة وحل الواجبات لبعض الوقت طلبا للتسلية والترويح عن النفس ليفاجأ الجميع بتلك الفواصل من الردح والألفظ البذيئة والمشاهد الهابطة .. وعندما تناقشت مع أحد المخرجين من معارفى قال لى ببجاحة يُحسد عليها أنه لا يختلق شيئا من عنده ولكنه ينقل للناس ما يدور فى الواقع .. يعنى سيادته يرفع لواء الواقعية وكأننا شعب من السفهاء عديمى التربية .. والمصيبة الأكبر أن الصحف تفتح لها صفحاتها وأيضا تستضيفهم البرامج الحوارية للتعبير عن آرائهم الغريبة هذه وكأن حياتنا خلت من الأسر المحترمة التى تكدح لتعيش فى احترام وتربى أبناءها على التقاليد والعادات التى تربى عليها أهلهم . أنا هنا أنادى بحذف هذه الألفاظ والمشاهد البذيئة وعدم السماح بعرضها تحت أى ظرف من الظروف بل إنذار القنوات أو المحطات التى تسمح بذلك الإسفاف وتلك الإيحاءات .. صحيح أن الحياة فيها هذا وذاك ولكن لا يمكن أن نسمح للإنحطاط أن يصل إلى بيوتنا ومن يريد أن يتعلم لغة أبناء الشوارع فعليه أن يذهب إليهم ويعيش وسطهم . كلمة أخيرة .. من قال أن الناس الذين يعيشون فى الحوارى الضيقة أو الأحياء الشعبية لا يتمتعون بالأخلاق الكريمة أو أنهم يتحدثون بتلك الطريقة التى تظهرهم بها المسلسلات الهابطة .. أبدا والله فقد خرج منها الكثير من العلماء والأدباء والعظماء على مر السنين وهذا لا ينفى أنهم كأى مجتمع يوجد فيهم جميع الأطياف وليس فقط التدنى وقلة الأدب .. بل والله أكاد أجزم أنه تغلب عليهم الشهامة والخلق الكريم . وفى المقابل ليس كل من يعيش فى الأحياء الراقية أو من هم من المتيسرين ماديا لابد من أن يكونوا متحررين من أى قيد أخلاقى ودائما ما يظهرون فى ملابس فاضحة ويجلسون فى المكاتب الفارهة أو حول حمامات السباحة يعقدون الصفقات المشبوهة أو يعطون الأوامر للمشبوهين ممن يعملون لديهم للفتك بخصومهم . لقد سئم الناس كل هذه الأنماط وكأن المجتمعات خلت من البشر الأسوياء مما يجعلنا نكتفى بهذا القدر فى موضوع الرقابة على الإبداع .. وندعو إلى إعمال الضمير .. يعنى الرقابة الذاتية . وإلى موضوع جديد ولقاء قادم بحول الله . بقلم : د . مصطفى عابدين شمس الدين E mail : [email protected] [email protected]
479
| 02 أبريل 2014
من المسلم به أن الأعمال الإبداعية قادرة على التأثير فى المجتمع سلبا أو إيجابا .. ليس فى وقت خروجها للنور فقط .. بل قد يمتد تأثيرها لسنوات طوال لا يعلمها غير الله .. ولا نكون مبالغين إذا قلنا لأجيال كثيرة تالية . والمقصود بالأعمال الإبداعية هنا هو النصوص الأدبية المكتوبة بكافة أشكالها سواء كانت رواية أو قصة قصيرة أو أقصوصة أو نص مسرحى مكتوب .. وقد يتحول بعض هذه النصوص الأدبية إلى عمل يسمعه أو يشاهده الجمهور مثل التمثيليات والمسلسلات الإذاعية – وإن كانت قد انحسرت فى السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ – وكذلك التمثيليات والمسلسلات التليفزيونية فضلا عن الأفلام السينمائية بطبيعة الحال والتى تعرض فى دور السينما ثم يُعاد عرضها على شاشات التليفزيون لسنوات وسنوات .. ونفس الكلام يُقال عن المسرحيات التى تٌعرض على المسارح ثم تصور وتعرض أيضا على شاشات التليفزيون لسنوات طويلة جدا . وخطورة الأعمال الإبداعية هذه أنها تطرح لجمهور الناس ما بين عالم وجاهل .. وصغير وكبير .. منها ما يحافظ على القيم المجتمعية والدينية وهؤلاء ننحنى لهم احتراما .. ولكن المشكلة تكمن فى أن أغلب القائمين على الأعمال الإبداعية – والمعروضة منها على شاشة السينما والتليفزيون على وجه الخصوص – لا يراعى ذلك ولا يضعه فى الإعتبار أساسا متعللا تارة بالواقعية وتارة أخرى لجذب الجمهور وتارة ثالثة من باب الإستظراف وخفة الظل .. بينما يقف المكسب المادى خلف هؤلاء بالتأكيد . ولا شك أن قبضة الدول الرقابية – كل الدول بغير استثناء – قد خفت إلى حد كبير لدرجة أنها تكاد تكون قد تلاشت تماما ولم يعد لها وجود .. وحتى عندما يحدث تدخل ولو بسيط تقوم الدنيا ولا تقعد بدعوى حرية الإبداع وحقوق المبدعين . ومما يشجع على غلبة هذا الرأى أن بعض النقاد – إن لم يكن معظمهم – يذهبون فى رأيهم إلى أن أى عمل من أعمال الرقابة يمثل إنتقاصا لجماليات العمل الإبداعى وبالتالى حرية المبدع فى توصيل القيمة الكامنة فى العمل والتعبير عنه بل ويتسبب فى خسارة كبيرة متمثلة فى عدم الإستمتاع بالعمل ذاته أو المغزى الكامن وراءه والذى يذهب إليه المبدع .. والمقصود بأعمال الرقابة هنا ليس ما كان شائعا فى القرن الماضى من تدخل الجهات الرقابية والتى كانت بدورها خاضعة للأجهزة الأمنية .. وكان كل هؤلاء يعملون تحت راية سياسية معينة لتوجيه الرأى العام وإخضاعه لما يريدون له أن يكون .. ولكن أن تكون هناك ضوابط يخضع لها الجميع حفاظا على القيم المجتمعية والدينية كما أسلفنا . ونحن بدورنا لا نرغب فى عودة ما كان شائعا فى تلك الأيام حيث كانت كل الأعمال الإبداعية بكافة أشكالها يتم عرضها على الرقيب الذى يجيز هذا ويمنع ذاك أو يتدخل لحذف بعض الجمل أو المشاهد وهو ما كان يعرف فى تلك الآونة بمقص الرقيب وهذا المصطلح الغريب لا يزال يستخدم حتى اليوم على سبيل الفكاهة والدعابة .. وكانت الدول والمجتمعات ترى فى مقص الرقيب هذا أمر لا غنى عنه لكى تستقيم الأمور وتكون الحياة أكثر سعادة وإنتظاما بينما يرى المعارضون لذلك أن ذلك يخلق جوا من الرهبة والخوف بين المبدعين وبالتالى يؤدى إلى موت الرغبة فى الإبداع أو انحسارها .. وحتى لو لم يتدخل الرقيب فإن المبدع سيعمل – وفقا لرأى هؤلاء – بيد مرتعدة خشية مقصه هذا .. بمعنى أن الرقيب سيسيطر على وجدان المبدع خوفا من الوقوع تحت سطوته خاصة إذا ما تزايد القمع الخارجى واتسع مجاله .. وهذا يعنى أن الرقابة الذاتية لدى المبدع ستكون مكبلة فى جميع الأحوال . وقد يلجأ بعض المبدعين إلى المراوغة لخروج أعمالهم إلى النور فيستخدمون ما يمكن أن نطلق عليه عدم المباشرة أو الرمز ولكننى هنا أقصد الرقابة الذاتية هى تلك النابعة من المبدع دون خوف أو وجل من أى مؤثر خارجى سواء كان رقيبا أو غيره اللهم إلا قناعاته الشخصية التى ينشد من ورائها صالح المجتمع الذى يعيش فيه .. ونستطيع أن نطلق عليه هنا الرقيب الداخلى حتى لو خلت الساحة من الرقيب الخارجى والمتمثل فى سلطات الدول وأجهزتها . وأنا هنا مع هذه الرقابة الداخلية أو الذاتية لأن الرقيب الخارجى قد ينخدع بالمراوغة أو الرمز أو خلافه كما أسلفنا ولكن الرقيب الداخلى المتمثل فى ذات المبدع لا يمكن خداعه وإلا أصبح الأمر تعمد يُحاسب عليه المبدع نفسه قبل أن يُحاسبه الآخرون . ونحن نطرح هذه القضية أمام القراء الأعزاء للوقوف على وجهات نظرهم فى هذه القضية الشائكة وفى انتظار تعليقاتكم . وإلى اللقاء فى مقالنا القادم بحول الله . بقلم : د . مصطفى عابدين شمس الدين
1277
| 25 مارس 2014
فى مقالاتنا السابقة تحت نفس العنوان تناولنا كيف يعبر الأطفال عن مشاعرهم وأنه يجب على الأم – أو من يحل محلها سواء كانت الجدة أو إحدى القريبات – أن تكون على درجة كبيرة من الوعى والثقافة بحيث تفهم تلك المشاعر سواء كانت سلبية أم إيجابية وتتعامل معها حيث أن عدم التعامل الصحيح من المحتمل أن يؤدى إلى عواقب وخيمة لا تحمد عقباها .. راجع المقالات الثلاث الأولى . وفى المقال الرابع تناولنا المتغيرات التى حدثت فى المجتمعات نتيجة ضيق المنازل وعدم وجود مربيات مما يدفع الأسر إلى اصطحاب الأطفال معهم فى زياراتهم وكذلك عند استقبال ضيوف فى منازلهم الضيقة مما قد يعرض الأطفال لسماع بعض العبارات الغير مرغوب فيها ومن ثم ترديدها .. وتساءلنا فى نهاية المقال عما يجب عمله للتعامل مع هذه المشكلة . بداية نقول أننا جميعا مسئولون عن وجود هذه المشكلة . الدولة بعدم توفير المساكن الملائمة وسن القوانين التى تساعد على تفاقم أزمات الإسكان مما يدفع الأسر إلى قبول أى مسكن لأنه فى النهاية لابد للشباب أن يتزوج ويعيش . وسائل الإعلام خاصة الفضائيات بإذاعة تلك الإعلانات المسفة والتى تتناول إيحاءات خارجة عن حدود التربية والأدب وعلى سبيل المثال تلك المشروبات التى تؤكد القوة والفتوة وتجعل من الشباب رجالا .. ويبلغ الأمر ذروته فى الإستهزاء بالكبار عندما تنفجر فيهم المقرمشات ويضحك الصغار ويصبح الكبار موضعا للسخرية وكأنهم بذلك يرسخون ويحضون على " اللا قيم " السلبية على عكس ما تنادى به كل الكتب السماوية ومناهج التربية بضرورة توقير الكبار . أما المسلسلات والأفلام – وخاصة من يدعون الواقعية منهم – فإنهم دائما ما يظهرون الصغار وهم يسخرون من الكبار بدعوى الإستظراف وقد يكون ذلك بسبب ضعف سمعهم أو بطء حركتهم أو إنحناء ظهورهم نتيجة التقدم فى العمر وربما كان هذا الرجل الكبير أو تلك السيدة المسنة هما الجد أو الجدة واللذان يتوجب توقيرهما من الآباء أنفسهم ناهيك عن الأبناء والصغار .. وتكون الطامة الكبرى عندما تتم السخرية من المدرسين فى مجريات الأحداث وإظهارهم فى صورة غير حسنة بالمرة وأحيانا يشعر المتفرج بأن هذه المشاهد قد تم إقحامها خصيصا بغرض السخرية من رجال التعليم . أما الآباء أنفسهم فلا يمكن أن نعفيهم من اللوم فى هذا الأمر بالذات إذا ما تحدثوا عن المدرسين بصورة غير لائقة مظهرين بعض السلبيات فى المعلمين أو تضخيم هذه السلبيات .. وقد يتعدى الأمر ذلك بالتهديد بالذهاب إلى المدرسة وتأنيب المعلم أو تأديبه وقد يصل بهم الأمر للتحدث عن النقود التى يدفعونها للمعلم أو المصروفات المدرسية والتى لولاها ما قبض هذا أو ذاك من المدرسين مرتبه .. ومن نافلة القول أنه يتوجب على الكبار عدم التحدث بصورة سلبية عن المدرسين حتى لو وجدت هذه السلبيات بصورة يقينية ويجب ترسيخ مفهوم أن المدرس مثل الوالد وكذلك المدرسة مثل الأم ويجب توقيرهما واحترامهما . والرأى عندى فى هذه القضية الشائكة – كما أنادى دائما – بأن خير الأمور الوسط .. فبالرغم من أن كل الدراسات التربوية تنزع إلى ضرورة تقريب المسافات بين الأهل والأبناء فإنها فى نفس الوقت تنادى بأن تكون هذه العلاقة بعيدة عن الخوف ولكن قائمة على الإحترام المتبادل والصراحة والصداقة فيما بينهما .. يعنى إذا كنا نطلب من الصغار إحترام وتوقير الكبار وعدم مقاطعتهم أو رفع الكلفة معهم خاصة أمام الغرباء .. فيجب أن يكون هذا الإحترام متبادلا ويجب أن يراعى الكبار عدم توبيخ الصغار أو زجرهم أو حتى توجيه كلمات لوم أو عتاب خاصة أمام الغرباء أيضا وأن يتم التعامل مع الصغار على أنهم شخصيات لهم اعتبارها ويجب عدم تهميشها . ويجب أن تكون هذه الضوابط التى ذكرناها جنبا إلى جانب الصداقة التى يجب أن تسود علاقة الكبار بالصغار عن طريق إشراكهم فى بعض الأمور التى تخصهم مثل إختيار ملابسهم أو الوجبات التى يتناولونها خارج المنزل والمطاعم التى يأكلون فيها وكذلك إختيار المتنزهات التى يذهبون إليها ودور السينما أو المسارح التى يرتادونها .. كل ذلك يؤكد على ما ذهبنا إليه فى الفقرة السابقة من أن هؤلاء الصغار شخصيات غير مهمشة ولها إعتبارها . وهنا قد يتساءل البعض عما يجب عمله فى حالة وجود إختلاف فى وجهات النظر .. لو حدث ذلك فإننا نوصى الكبار بالإكتفاء بالنصيحة إلا فى حالة وقوع ضرر على أى من الطرفين .. هنا فقط يجب ألا يتنازل الكبار عن رأيهم بأى حال من الأحوال حتى ولو تم تنفيذ ذلك بالقوة . وقد يسوق البعض سؤالا خاصا بالأبناء الأصغر سنا وإختلاف رأيهم عن الكبار فى إختيار الألعاب عند شرائها .. والإجابة لا تخرج عما ذكرناه فى الفقرة السابقة من ضرورة تقديم النصيحة فى مدى ما تقدمه اللعبة من فوائد فى تعليم اللغات أو المسائل الحسابية البسيطة أو تقوية القدرات الذهنية مع توافر جمال الشكل بها مثل ألعاب الفك والتركيب وغيرها مما قد يٌغرى الصغار بتغيير رأيهم وموافقة الكبار مع الأخذ فى الإعتبار الإصرار على الرأى فقط متى كان فى الألعاب التى يختارها الصغار خطورة عليهم كأن يكون سطحها جارحا أو حوافها حادة أو مدببة مما قد يصيبهم بالجروح أو يسبب الأذى أو أن تكون هذه الألعاب غير قابلة للغسيل متى تراكمت عليها الأتربة جراء الإستعمال .. هنا أيضا لابد من فرض رأى الكبار وعدم الضعف أمام إلحاح الصغار أو حتى بكائهم . سؤال آخر .. وماذاعن الهوايات واختلافها بين الأجيال ؟ والرأى عندى أن ذلك وارد بشكل كبير .. وسنضرب لذلك مثالا شائعا فمعظم الكبار هذه الأيام لا تزال عند الكثير منهم هواية الإسترخاء والإستماع إلى الموسيقى الهادئة الحالمة بينما تميل الأجيال الجديدة فى معظمها إلى الإستماع إلى الموسيقى الصاخبة ذات الصوت العالى .. لا بأس وإن كان يجب على الكبار توضيح أهمية الهدوء والإسترخاء للأعصاب وأثر ذلك على الجسم الإنسانى .. فمنهم من قد يستجيب .. أو حتى يجرب .. والأكثرية سوف ترفض .. لا بأس .. لكل جيل خصائصه وعندما يكبرون قد يغيرون رأيهم . مثال آخر .. عن عادات الكبار ومنها عادة القراءة لدى الكبار وانعدام تلك العادة تقريبا عند الأجيال الجديدة نتيجة طغيان التقنية الحديثة ( راجع مقالاتنا فى هذا الصدد ) .. ونسوق للكبار نفس الرأى السابق من محاولات الجذب والتوضيح وبيان الفوائد وعدم الضغط وفرض الرأى وترك الأمور للأيام .. هذا طبعا بغض النظر عن إعجابنا بمهارات الصغار فى التعامل مع هذه التقنية الحديثة وفى نفس الوقت حسرتنا على فقدان عادة القراءة .. ولكن ما باليد حيلة . وبهذا نأمل أن نكون قد أجبنا على معظم ما وصلنا من أسئلة وما تصورنا أنه قد يطرأ على أذهان بعض القراء الأعزاء .. ونحن نرحب بأى أسئلة أخرى تصلنا وسوف نجيب عليها على الرحب والسعة . وإلى موضوعات جديدة ومقالات قادمة بحول الله . بقلم : د. مصطفى عابدين شمس الدين E mail : [email protected] [email protected]
587
| 17 مارس 2014
تناولنا فى المقالات الثلاث السابقة تحت نفس العنوان كيف يمكن للأم أو من تتصدى للتربية فهم ما يدور فى ذهن صغيرها من ألم أو سرور .. وحاولنا أن نوضح لها كيف تكتشف هذا بنفسها وبالتالى كيف تتعامل معه وأن ذلك مسئوليتها بالكامل وعليها أن تتحمل ما قد يترتب على هذا من معاناة نتيجة فشل الحوار. كان كل ما سبق يتركز حول الأطفال الذين لا يمكنهم التعبير عما بداخلهم .. فماذا عن الأطفال الأكبر سنا والذين يستطيعون التحدث والتعبير بل والنقاش .. هذا ما سنتناوله فى مقالنا هذا . ونود أن نوضح فى البداية حكمة وصدق مقولة سيدنا على بن أبى طالب وبعد نظره فيما ذهب إليه من أننا يجب علينا أن تكون تربيتنا لأولادنا مختلفة عما نشأنا عليه لأنهم خلقوا لزمان غير زماننا .. وبالتالى فإن للحوار بيننا وبين صغارنا آداب يجب أن يراعيها كلا الطرفين .. ولكن العبء كله يقع على عاتق الكبار من حيث التوجيه والمتابعة .. وقبل وبعد كل ذلك القدوة الحسنة . فى الماضى كانت الحياة تمضى بشكل مختلف عما نحن فيه الآن حيث كانت المنازل متوافرة وواسعة وحتى لو لم يكن المنزل مناسبا لعدد أفراد الأسرة واحتياجاتهم فإنه من السهل توفير البديل المناسب .. ومن جانب آخر كانت الأسر حتى الطبقات المتوسطة منهم تستطيع توظيف مربية أو أكثر فى المنزل .. معنى هذا أنه كان هناك حاجز أو فلنقل عدم ألفة زائدة بين الأبوين والأبناء عند الخروج للمناسبات الإجتماعية أو للزيارات العائلية حيث لا يصطحب الأبوان الأطفال تاركين إياهم لبعض الوقت فى رعاية المربيات .. والأمر نفسه عند استقبال ضيوف فى المنزل وكان المسموح فقط هو السلام على الضيوف أو على الأكثر الجلوس لبعض الوقت .. ثم بنظرة واحدة من الأم ينسحب الأبناء كل إلى غرفته ولواحتاج أحدهم لأى شئ فدائما المربية هناك وهى فى معظم الأحوال تكاد تكون عضوا من العائلة وبطول المدة تعرف المطلوب منها تماما خاصة فيما يتعلق بالأبناء .. كان هذا فى الزمن الماضى الجميل .. فماذا عن الآن؟ معظم الأسر من الطبقة المتوسطة – ناهيك عن الفقيرة منها – تقطن فى منازل ضيقة تفى بإحتياجاتهم بالكاد وفى معظم الأحيان لا تفى بالمطلوب بل قد يعيش الأبناء من الجنسين فى غرفة واحدة وفى أحيان أخرى كثيرة لا تجد الكثير من الأسر غير شقة أحادية الغرفة لتسكن فيها الأسرة بالكامل .. نتيجة لذلك إختلف المناخ السائد بين أفراد الأسرة الواحدة حيث أصبح هناك نوع من الألفة الزائدة عن الحد بين الكبار وبعضهم من ناحية وبين الصغار وبعضهم من الجنسين - وهو أمر جد خطير - من ناحية ثانية وبين الصغار والكبار – وهذا هو الأكثر خطورة فى الأمر فيما يتعلق بالموضوع الذى نحن بصدده – من ناحية ثالثة وهو ما سنحاول التركيز عليه هنا . وعلى عكس ما كان يحدث فى الماضى أصبحت الأسر تصطحب صغارها أينما ذهبوا حيث أصبح من الصعب – إن لم يكن من المستحيل – إستخدام مربية يبقى معها الصغار .. والأمر نفسه عندما تستقبل الأسر ضيوفا فليس هناك بد من البقاء مع الكبار .. وبالطبع لا يخلو الأمر من بعض التباسط فى الحديث أو الضحكات التى ولابد أن يسمعها الصغار .. المشكلة الأكبر عندما يزيد الأمر من بعض الكبار باعتبار أن هؤلاء الصغار لا يفهمون بعض الكلمات أو العبارات أو الإيحاءات .. وقد أعجبنى رأى ساقته الدكتوره هبه محمد وجيه قطب أستاذ علم النفس بالجامعة الأمريكية بالقاهرة فى جريدة الأهرام حيث تؤكد أن الأطفال فى شدة الذكاء ويمكنهم تركيب المشاهد والكلمات كتركيب لعبة المكعبات لتكتمل الصورة النهائية لذلك لابد أن يراعى الآباء ما يقال فى أثناء وجود الأطفال لأنه من الطبيعى أن يكرروا ما يُقال أمامهم ولا يستطيع الأهل توبيخهم على ذلك فيما بعد لأن الرد معروف مسبقا من أن هذا أو تلك من الكبار قال أو قالت هذا .. فإن كان هذا القول لا يليق فلماذا قالوه أمامنا ؟ ولماذا سكتم أنتم على ذلك ؟ .. وأنا أتفق مع د. هبه فيما ساقته .. بل وأحييها عليه . خلاصة القول أنه أصبحت هناك ألفة زائدة بين الكبار والصغار لدرجة أن هناك بعض الأسر يسمح فيها الأبوان للصغار بمناداتهم بأسمائهم المجردة .. بل ويعتبرون ذلك نوع من الفرنجة تستحق المباهاة .. وعندما يزيد الأمر عن حده ويستوجب التوقف يصبح ذلك صعبا إن لم يكن مستحيلا. ما هى أسباب تلك المشكلة وما هو الحل المناسب لها ؟ هذا ما سنحاول الإجابة عليه فى مقالنا القادم بحول الله .
679
| 11 مارس 2014
تناولنا فى المقالين السابقين وتحت نفس العنوان كيف يمكن للأم أو من تتصدى لتربية الأطفال سواء كانت الجدة أو إحدى القريبات أو حتى المربية أن تعرف الحالة المزاجية التى يمر بها الطفل وهى تنقسم إلى قسمين رئيسيين هما الإبتسام أو الضحك أو المناغاة فى حالة كون الطفل سعيدا أما البكاء والصراخ أو حتى البكاء المتقطع دون دموع وهو ما يطلق عليه البعض " الزن " .. والأهم هنا هو معرفة سبب البكاء وكيفية التعامل معها كما أوضحنا .. حيث أن الخطر كل الخطر هو عدم معرفة سبب الحالة المزاجية التى يمر بها الطفل وبالتالى تفشل فى الحوار مع طفلها . وفى حالة فشل الأم فى الحوار فقد ينعكس ذلك سلبا على طفلها فيلجأ إلى " الإحتجاج " .. نعم عزيزى القارئ إنك لم تخطئ فى القراءة .. فإن الطفل لديه المقدرة على الإحتجاج وقد يكون ذلك بطرق كثيرة منها مص الأصابع أو التبول اللا إرادى وفى حالات متقدمة يكون الإحتجاج بضرب الأرض بقدميه فى حركات متتابعة أو بخبط رأسه خبطات منتظمة متتالية وكأنه يستغيث طالبا الحوار معه لتفهم سبب معاناته . كل هذا تناولناه بشكل أو بآخر فى مقالينا السابقين ولكن ما نود توضيحه هنا هو أن إحتجاج الطفل قد يتحول إلى لازمة عصبية واللازمة عبارة عن حركات لا إرادية فى عضلات الوجه أو أجزاء أخرى من الجسم غالبا ما تكون الرقبة بالثنى مع أخذ نفس عميق وبلع البلغم باستمرار حتى فى حالة عدم وجوده .. وقد تكون اللازمة بالطقطقة باللسان مع خروج كلمات غالبا ما تكون غير مفهومة .. كما قد تكون اللازمة فى العين مثل رمش العين بشكل سريع متلاحق .. وهناك أشكال أخرى للازمات العصبية أخطرها حدوث صعوبات فى الكلام أو ما يطلق عليه " التهتهة " . ومن نافلة القول أن أى أم لابد أن تدرك أن أى لازمة عصبية تكون بسبب الفشل فى الحوار مع طفلها وبالتالى فإنها أى الأم ترغب فى معرفة طرق التعامل السليم مع هذه المشكلة .. فكيف يكون ذلك ؟ فى البداية يجب أن يكون معلوما أن اللازمة العصبية لا تكون وليدة فترة قصيرة ولكنها نتاج معاناة طويلة للطفل وبالتالى لابد أن تظهر فى مرحلة عمرية لاحقة بحيث يكون الطفل أكثر إدراكا لما يدور حوله وأيضا أكثر تأثرا به ولهذا يجب علينا أن نتعامل مع الأمر بمنتهى الحرص والجدية أيضا . وأول ما يجب علينا عمله هو طلب الرعاية الطبية اللازمة وذلك بزيارة طبيب الأطفال أو طبيب متخصص فى الحالة التى يعانى منها الطفل وذلك للتأكد من عدم وجود مرض عضوى والطبيب هو الذى يستطيع – بالتعاون مع الطبيب النفسى – أن يقرر ما إذا كانت اللازمة العصبية عابرة سرعان ما تزول أو أنه يجب الخضوع لإشراف الطبيب النفسى . أما فى المنزل فيجب العمل على تغيير البيئة المحيطة بالطفل بتخفيف أى ضغوط نفسية قد تكون موجودة وإحاطته بجو من الود والحنان حتى يبدأ فى استعادة ثقته بنفسه . ومن الطرق المعروفة أيضا لاستعادة الطفل ثقته بنفسه هو عدم التعليق السلبى على الطفل واتهامه بأنه لا يعانى من شئ ويتمارض لكسب محبة الكبار وفى بعض البيئات الغير متعلمة قد يلجأ البعض إلى توبيخ الطفل وقد يصل الأمر إلى ضربه حتى يكف عن هذه اللازمة .. وفى هذا الفعل يكمن خطر جسيم لأن ذلك يأتى بأثر عكسى فى المستقبل القريب والبعيد على السواء لأن التوبيخ والإهانة يشعران الطفل بالدونية والجميع يعرف سلبيات ذلك . ويرى الكثير من علماء التربية وعلماء النفس أن اللعب مع الأطفال هو الأسلوب الأمثل لمنحهم السعادة والثقة بالنفس ولهذا الأمر فوائد أخرى عديدة مثل التعليم الضمنى وتنمية حب الإستكشاف ولكن لذلك المقام مقال آخر .. ولكن المهم هنا أن ننبه الأمهات إلى أن اللعب مع صغارنا له فوائد عديدة .. ولا يقاس الأمر بطول الفترة الزمنية التى تقضيها الأم فى اللعب مع طفلها ولكن بالتركيز الذى يشعر به الطفل مما يدخل السرور على قلبه .. وإلتصاقا بذات الموضوع فإنه يتوجب على الأم اختيار الألعاب التى تناسب سن الطفل وأن تتوفر فيها سبل السلامة بصرف النظر عن ثمنها . وفى النهاية نقول أنه يجب على الأم إشعار الطفل بأنه يعيش فى بيئة آمنة ومستقرة وأعود للتأكيد على أن حضن الأم هو أفضل ملاذ لإشعار الطفل بالحب والحنان والإستقرار وبالتالى بعث الثقة بالنفس. وإلى اللقاء فى موضوع جديد ومقال قادم بحول الله .
858
| 04 مارس 2014
بعد نشر مقالنا السابق والذي يحمل نفس العنوان وصلتني عدة رسائل على بريدي الإلكتروني يشكرني فيها أصحابها على تناولي لهذا الموضوع الغاية في الأهمية للأمهات وكل من يتصدى لتربية الأطفال أو العناية بهم .. وكنا باختصار شديد قد تناولنا أسباب بكاء الأطفال على اعتبار أن البكاء – بالإضافة إلى الضحك – هما وسيلتي الأطفال للتعبير عما يجول في خواطرهم .. كما سألني بعض القراء أسئلة تتعلق بذات الموضوع . وسنحاول في مقالنا هذا أن نجيب على هذه الأسئلة وأن نلقى المزيد من الضوء على الموضوع لما لمسناه من شغف البعض للاستزادة من تلك الأسباب والتي نذكر منها " الملل " .. وقد يتعجب البعض متسائلا وهل يصيب الملل الأطفال ؟ والإجابة نعم كبيرة .. في حالة إذا جلس الطفل في نفس الغرفة وعلى ذات المقعد وقد يكون أمام نفس المنظر أو الحائط .. فإن ذلك ولا شك سيصيب الطفل بالسأم والملل ولهذا ينصح بتغيير أماكن جلوس الطفل ولهوه في المنزل كما ينصح بالانتقال خارج دائرة المنزل كلما كان ذلك ممكنا ويفضل الأماكن المفتوحة كالحدائق والمتنزهات .. وهنا يؤكد علماء النفس أن ذلك يساعد الطفل على حب الاستكشاف وبالتالي توسيع مداركه .. ونحن بدورنا نوصى بعدم إهمال ذلك باعتبار أن الأطفال " صغار ولا يفهمون ذلك " .. وهنا يجب أن نخبر الطفل بما نحن بصدد عمله لنجعله سعيدا لا يشعر بالملل بشرط أن يكون ذلك بكلمات سهلة وبسيطة يستطيع فهمها وكل أم تكون قادرة على ذلك أو الإيحاء بالمعنى المراد توصيله كما أسلفنا في مقالنا السابق حيث من الممكن أن تكون اللغة التي تستخدمها الأم هي احتضان طفلها وهى من أكثر أنواع الحوار نجاحا . ومازلنا في الأسباب النفسية لبكاء الطفل وهو الشعور بالوحدة لانشغال الأم في أمر من أمور المنزل وعندما يجد الطفل نفسه وحيدا يراوده الإحساس بعدم الأمان والقلق فيبدأ في البكاء وهنا ننصح الأم بسرعة العودة إلى المكان المتواجد فيه الطفل والتربية عليه حتى يهدأ وحتى نرسخ لديه الإحساس بأن الأم ستكون بجواره على الفور متى افتقدها .. وفى نفس الوقت يجب على الأم تعويد طفلها على ألا تكون معه طول الوقت وأنها قد تكون بعيدة عنه في بعض الأوقات ويفضل أن يكون ذلك في الفترة ما بين بلوغه سن الستة أشهر والتسعة أشهر حيث يدرك الطفل في هذه المرحلة العمرية أن له كيان منفصل . ومن الأسباب الجسدية الأخرى والطريفة لبكاء الأطفال وشعورهم بالضيق الشديد هو نوعية الملابس التي يرتديها الطفل حيث تتجه معظم الأمهات إلى إلباس أطفالهن طبقات متعددة من الملابس بمجرد بدء موسم الشتاء أو أن يكون الطقس باردا لعدة أيام أو حتى ليوم واحد .. وقد تكون بعض هذه الملابس ثقيلة من الصوف أو الألياف الصناعية إلى درجة إحساس الطفل بالحر أو حتى الإحساس بالاختناق والذي يكون مدعاة للبكاء . والتصاقا بهذا الأمر قد يكون جلد الطفل سبب البكاء لسبب فى غاية البساطة والطرافة أيضا وهو احتكاك العلامة التجارية بجلده .. ونعود لنؤكد على ضرورة توصيل معنى فهمنا لمعاناة الطفل حيث سيكون الحوار ناجحا في هذه الحالة . أما عن الوجه الآخر وهو الضحك والابتسام والمناغاة فمن نافلة القول أن هذه الأشياء تدل على السعادة والسرور وتلك بدورها يجب علينا استثمارها ومشاركة أطفالنا فيها الأمر الذي يجعلهم أكثر سعادة وقد تكون هناك لحظات – من فرط جمالها – لا ينساها الإنسان طوال حياته .. وهنا نؤكد أيضا أن الحوار هنا هو الأفضل وهو مما يزيد سعادة الأطفال .. ونعود لنؤكد أيضا على تعريف الطفل بأهمية الحوار الباسم السعيد مع الكبار الذي يرسخ معاني الحب الأسرى . نأمل أن نكون عند حسن ظن القراء الذين بعثوا إلينا بأسئلتهم وتكون إجاباتنا ذات فائدة لكل الأمهات . وإلى اللقاء في موضوع جديد والآثار النفسية التي قد تنجم عن الفشل في الحوار مع الأطفال ومقالنا القادم بحول الله . بقلم : د . مصطفى عابدين شمس الدين E mail : [email protected]
732
| 26 فبراير 2014
مساحة إعلانية
في عالم اليوم المتسارع، أصبحت المعرفة المالية ليست...
2181
| 22 سبتمبر 2025
في قلب الدمار، حيث تختلط أصوات الأطفال بصفير...
801
| 23 سبتمبر 2025
بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى،...
732
| 22 سبتمبر 2025
في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو...
720
| 25 سبتمبر 2025
من يراقب المشهد السياسي اليوم يظن أنه أمام...
699
| 18 سبتمبر 2025
منظومة دراسية منذ القرن الثامن عشر وما زالت...
678
| 18 سبتمبر 2025
يُعدّ وعي المُستثمر بالقواعد والأحكام المنصوص عليها في...
648
| 21 سبتمبر 2025
منذ تولي سعادة الدكتور علي بن سعيد بن...
609
| 18 سبتمبر 2025
يؤكد اهتمام جيل الشباب القطري بالخط العربي؛ تزايد...
501
| 21 سبتمبر 2025
يتداول في هذه الأيام في أغلب دول الخليج...
480
| 21 سبتمبر 2025
لم يَـبْـقَ موضعٌ في القلب العرباوي لم تنل...
465
| 22 سبتمبر 2025
ليستْ مجرد صورةٍ عابرةٍ تلك التي يُنتجها الذكاء...
465
| 22 سبتمبر 2025
مساحة إعلانية