رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كنا قد ناقشنا فى مقالينا السابقين موضوع الرقابة وأثرها على الإبداع .. وهو أثر له سلبياته فى تقييد حرية الإبداع كما يرى البعض .. كما أن لها – أى الرقابة – أثار إيجابية فى الحفاظ على هوية الشعوب الثقافية والتقاليد المجتمعية فضلا عن القيم الدينية بطبيعة الحال .. وكنا قد اكتفينا بما كتبناه وناقشناه من خلال السرد والرد على رسائل القراء ولكننى تلقيت مكالمة هاتفية من إحدى قريباتى .. وهى سيدة متوسطة العمر وقد رزقها الله بثلاثة أطفال وقد لاحظت هذه السيدة على إحدى بناتها بوادر فنانة صغيرة تحاول الرسم وقراءة الشعر وتذوقه .. بل أنها حاولت كتابة بعض الأبيات كما تجيد الإستماع إلى الموسيقى وتحاول تعلم العزف .. بينما الطفلين الآخرين لا يتمتعان بنفس هذه المواهب برغم أنهما ولد وبنت .. يعنى المشكلة ليست فى النوع .. وأضافت أن البنات دائما ما يخلقهن الله أرهف حسا وألطف من الصبيان .. ولكن ماذا عن البنت الأخرى التى حاولت هذه الأم جذبها لأن تقوم بما تفعل أختها ولكن ذلك لا يلقى قبولا لديها مهما حاولت .
وأنا أقول لهذه الأم أن المسألة ليست نوع الطفل كما قالت هذه الأم – ولد أو بنت – ولكن يتعلق الأمر بالإنسان ذاته الذى خلقه المولى سبحانه وتعالى ومخه مقسم إلى نصفين .. يكون النصف الأيمن منه هو المسئول عن الإبداع والتفكير الإبتكارى وأن نمو ذلك يتأتى من خلال ممارسة الفنون المختلفة مثل الشعر والموسيقى والرسم وغيرها حيث أن الممارسة تساعد على ظهور الموهبة وبالتالى صقلها .
وقديما كان يقول أستاذنا الراحل الدكتور صلاح مخيمر والذى كان يُدرس لنا مادة علم النفس فى الجامعة أن الإحساس بالقيم الجمالية تتشكل ركيزتها الأولى فى عامه الأول .. ولا نبالغ لو قلنا فى شهوره الأولى حيث تتشكل قيمة الإحساس بالتذوق الفنى وأن ذلك يكون من العناصر المحيطة بالطفل مثل جمال المكان المتواجد فيه الطفل ( غرفة نومه أو الغرفة التى يلعب فيها ) ودرجة الإضاءة المستخدمة فى هذا المكان .. فضلا عن الألوان المحيطة بالطفل ومدى تأثيرها عليه .
ولعل ذلك يقودنا إلى سؤال هام .. وهو إذا كان طفلان قد شبا وتربيا فى نفس البيئة والظروف فلماذا يوجد الحس الفنى والجمالى لدى أحدهما دون الآخر كما فى حالة أطفال هذه السيدة .. والإجابة التى نود أن نتذكرها سويا هى ما سبق أن قلناه آنفا بأن هذا بسبب الفص الأيمن من المخ .
ومن منطلق أن الفن والإبداع والتفكير الإبتكارى يشكل وجدان الشعوب ويساعد فى بناء شخصيته السوية التى تتمتع بالتسامح والمحبة وايضا بالنظرة المستقبلية التى تقود إلى التقدم فإننا نود أن يكون ذلك من خلال الأسرة ذاتها من ناحية ومن خلال المجتمع المدرسى من ناحية أخرى .
فالأسرة مسئولة عن مراقبة الأطفال والإنتباه إلى مواهبهم المبكرة والعمل على تنميتها وتيسير الأمور لتحقيق هذا الهدف وعدم النظر إلى أن هذه الأمور مضيعة للوقت بل على العكس أن ممارسة الفن من أهم عوامل بناء الشخصية السوية كما أسلفنا .
أما المدرسة فدورها عظيم فى العمل على التوقف عن الإعتماد على الحفظ والتلقين فقط لأن ذلك سيكون مرده عقول تفتقد القدرة على الإبداع والتفكير والإبتكار ويجب أن يكون للتربية الفنية والمسرح ومسابقات الشعر والغناء والأنشطة المدرسية بشكل عام دور ملموس فى تنمية الحس الجمالى لدى الأطفال ويتعدى الأمر ذلك إلى تنمية القيم وتعديل السلوكيات بما يتوافق مع الرغبة فى بناء مواطنين صالحين .
وتبقى نقطة فى غاية الأهمية وهى دور المسئولين فى وزارات التعليم فى عدم الإكتفاء بالمناهج العقيمة المعمول بها فى الوقت الراهن ومنذ سنوات طويلة والعمل على تطوير مناهج الأنشطة المدرسية كلها بما يتوافق مع روح العصر الحديث وتوفير التقنيات الحديثة التى يستخدمها كل من المدرس والطالب حتى يتمكن كلاهما من المشاركة الإيجابية وتحقيق التطوير المنشود .
وأخيرا نقول للجميع فى منظومة الأوطان – الأسرة والمدرسة ووزارة التعليم – أن نتيجة كل ذلك لن يكون سريعا كما نتوقع .. وكما ستكون له نتائج فوريه ملموسة سيتحقق الجزء الأعظم من الفائدة على المدى البعيد .
وتبقى كلمة أخيرة وهى أن النتائج السلبية لعدم الإلتفات لما سقناه فى مقالنا هذا يمكن أن يكون سببا فى ظواهر سلبية عديدة مثل العنف وتدنى القيم المجتمعية وغيرها إلا أننا سنتناول هذا فى مقالات أخرى قادمة .. فإلى اللقاء بحول الله.
إذا كنت قد زرت الكويت أو قطر الاسبوع الماضي عليك ان تتأكد أين انت بالضبط ؟ وفي اي... اقرأ المزيد
231
| 01 أكتوبر 2025
من النادر أن يُقدِم بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، المعروف بعناده وصلفه السياسي، على خطوة تُحسب في خانة... اقرأ المزيد
189
| 01 أكتوبر 2025
في مقابلة في إحدى القنوات الإخبارية ظهرت الأم الشابة التي تتحدث بألم وأسى عن الحالة التي وصلوا إليها... اقرأ المزيد
135
| 01 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حفظه الله مشهدا سياسيا قلب المعادلات، الكلمة التي ألقاها سموه لم تكن خطابًا بروتوكوليًا يضاف إلى أرشيف الأمم المتحدة المكدّس، بل كانت كمن يفتح نافذة في قاعة خانقة. قطر لم تطرح نفسها كقوة تبحث عن مكان على الخريطة؛ بل كصوت يذكّر العالم أن الصِغَر في المساحة لا يعني الصِغَر في التأثير. في لحظة، تحوّل المنبر الأممي من مجرد منصة للوعود المكررة والخطابات المعلبة إلى ساحة مواجهة ناعمة: كلمات صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وضعتهم في قفص الاتهام دون أن تمنحهم شرف ذكر أسمائهم. يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودًا ويخططون لاغتيال أعضائها.. اللغة العربية تعرف قوة الضمير، خصوصًا الضمير المستتر الذي لا يُذكر لفظًا لكنه يُفهم معنى. في خطاب الأمير الضمير هنا مستتر كالذي يختبئ خلف الأحداث، يحرّكها في الخفاء، لكنه لا يجرؤ على الظهور علنًا. استخدام هذا الأسلوب لم يكن محض صدفة لغوية، بل ذكاء سياسي وبلاغي رفيع ؛ إذ جعل كل مستمع يربط الجملة مباشرة بالفاعل الحقيقي في ذهنه من دون أن يحتاج إلى تسميته. ذكاء سياسي ولغوي في آن واحد».... هذا الاستخدام ليس صدفة لغوية، بل استراتيجية بلاغية. في الخطاب السياسي، التسمية المباشرة قد تفتح باب الردّ والجدل، بينما ضمير الغائب يُربك الخصم أكثر لأنه يجعله يتساءل: هل يقصدني وحدي؟ أم يقصد غيري معي؟ إنّه كالسهم الذي ينطلق في القاعة فيصيب أكثر من صدر. محكمة علنية بلا أسماء: لقد حول الأمير خطابًا قصيرًا إلى محكمة علنية بلا أسماء، لكنها محكمة يعرف الجميع من هم المتهمون فيها. وهنا تتجلى العبارة الأبلغ، أن الضمير المستتر في النص كان أبلغ حضورًا من أي تصريح مباشر. العالم في مرآة قطر: في النهاية، لم يكن ضمير المستتر في خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله - مجرد أداة لغوية؛ بل كان سلاحًا سياسيًا صامتًا، أشد وقعًا من الضجيج. لقد أجبر العالم على أن يرى نفسه في مرآة قطر. وما بين الغياب والحضور، تجلت الحقيقة أن القيمة تُقاس بجرأة الموقف لا باتساع الأرض، وأن الكلمة حين تُصاغ بذكاء قادرة على أن تهز أركان السياسات الدولية كما تعجز عنها جيوش كاملة. فالمخاطَب يكتشف أن المرآة وُضعت أمامه من دون أن يُذكر اسمه. تلك هي براعة السياسة: أن تُدين خصمك من دون أن تمنحه شرف الذكر.
5568
| 25 سبتمبر 2025
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن نفسه بوضوح. تمرّ في زقاق العمر فتجده واقفًا، يحمل على كتفه صندوقًا ثقيلًا ويعرض بضاعة لا تشبه أي سوق عرفته من قبل. لا يصرخ مثل الباعة العاديين ولا يمد يده نحوك، لكنه يعرف أنك لن تستطيع مقاومته. في طفولتك كان يأتيك خفيفًا، كأنه يوزّع الهدايا مجانًا. يمد يده فتتساقط منها ضحكات بريئة وخطوات صغيرة ودهشة أول مرة ترى المطر. لم تكن تسأله عن السعر، لأنك لم تكن تفهم معنى الثمن. وحين كبُرت، صار أكثر استعجالًا. يقف للحظة عابرة ويفتح صندوقه فتلمع أمامك بضاعة براقة: أحلام متوهجة وصداقات جديدة وطرق كثيرة لا تنتهي. يغمرك بالخيارات حتى تنشغل بجمعها، ولا تنتبه أنه اختفى قبل أن تسأله: كم ستدوم؟ بعد ذلك، يعود إليك بهدوء، كأنه شيخ حكيم يعرف سرّك. يعرض ما لم يخطر لك أن يُباع: خسارات ودروس وحنين. يضع أمامك مرآة صغيرة، تكتشف فيها وجهًا أنهكته الأيام. عندها تدرك أن كل ما أخذته منه في السابق لم يكن بلا مقابل، وأنك دفعت ثمنه من روحك دون أن تدري. والأدهى من ذلك، أنه لا يقبل الاسترجاع. لا تستطيع أن تعيد له طفولتك ولا أن تسترد شغفك الأول. كل ما تملكه منه يصبح ملكك إلى الأبد، حتى الندم. الغريب أنه لا يظلم أحدًا. يقف عند أبواب الجميع ويعرض بضاعته نفسها على كل العابرين. لكننا نحن من نتفاوت: واحد يشتري بتهور وآخر يضيّع اللحظة في التفكير وثالث يتجاهله فيفاجأ أن السوق قد انفض. وفي النهاية، يطوي بضاعته ويمضي كما جاء، بلا وداع وبلا عودة. يتركك تتفقد ما اشتريته منه طوال الطريق، ضحكة عبرت سريعًا وحبًا ترك ندبة وحنينًا يثقل صدرك وحكاية لم تكتمل. تمشي في أثره، تفتش بين الزوايا عن أثر قدميه، لكنك لا تجد سوى تقاويم تتساقط كالأوراق اليابسة، وساعات صامتة تذكرك بأن البائع الذي غادرك لا يعود أبدًا، تمسح العرق عن جبينك وتدرك متأخرًا أنك لم تكن تتعامل مع بائع عادي، بل مع الزمن نفسه وهو يتجول في حياتك ويبيعك أيامك قطعةً قطعة حتى لا يتبقى في صندوقه سوى النهاية.
5409
| 26 سبتمبر 2025
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات لا تحتمل التأجيل ولا المجاملة، لحظات تبدو كأنها قادمة من عمق الذاكرة لتذكره بأن الحياة، مهما تزينت بضحكاتها، تحمل في جيبها دائمًا بذرة الفقد. كنتُ أظن أني تعلّمت لغة الغياب بما يكفي، وأنني امتلكت مناعة ما أمام رحيل الأصدقاء، لكن موتًا آخر جاء هذه المرة أكثر اقترابًا، أكثر إيغالًا في هشاشتي، حتى شعرتُ أن المرآة التي أطل منها على وجهي اليوم ليست إلا ظلًّا لامرأة كانت بالأمس بجانبي. قبل أيام قليلة رحلت صديقتي النبيلة لطيفة الثويني، بعد صراع طويل مع المرض، صراع لم يكن سوى امتحان صعب لجسدها الواهن وإرادتها الصلبة. كانت تقاتل الألم بابتسامة، كأنها تقول لنا جميعًا: لا تسمحوا للوجع أن يسرقكم من أنفسكم. لكن ماذا نفعل حين ينسحب أحدهم فجأة من حياتنا تاركًا وراءه فراغًا يشبه هوة بلا قاع؟ كيف يتهيأ القلب لاستيعاب فكرة أن الصوت الذي كان يجيب مكالماتنا لم يعد موجودًا؟ وأن الضحكة التي كانت تفكّك تعقيدات أيامنا قد صمتت إلى الأبد؟ الموت ليس حدثًا يُحكى، بل تجربة تنغرس في الروح مثل سكين بطيئة، تجبرنا على إعادة النظر في أبسط تفاصيل حياتنا. مع كل رحيل، يتقلص مدى الأمان من حولنا. نشعر أن الموت، ذلك الكائن المتربّص، لم يعد بعيدًا في تخوم الزمن، بل صار يتجوّل بالقرب منا، يختبر خطواتنا، ويتحرّى أعمارنا التي تتقارب مع أعمار الراحلين. وحين يكون الراحل صديقًا يشبهنا في العمر، ويشاركنا تفاصيل جيل واحد، تصبح المسافة بيننا وبين الفناء أقصر وأكثر قسوة. لم يعد الموت حكاية كبار السن، ولا خبرًا يخص آخرين، بل صار جارًا يتلصص علينا من نافذة الجسد والذاكرة. صديقتي الراحلة كانت تمتلك تلك القدرة النادرة على أن تراك من الداخل، وأن تمنحك شعورًا بأنك مفهوم بلا حاجة لتبرير أو تفسير. لهذا بدا غيابها ثقيلاً، ليس لأنها تركت مقعدًا فارغًا وحسب، بل لأنها حملت معها تلك المساحة الآمنة التي يصعب أن تجد بديلًا لها. أفكر الآن في كل ما تركته خلفها من أسئلة. لماذا نُفاجأ بالموت كل مرة وكأنها الأولى؟ أليس من المفترض أن نكون قد اعتدنا حضوره؟ ومع ذلك يظل الموت غريبًا في كل مرة، جديدًا في صدمته، جارحًا في اختباره، وكأنه يفتح جرحًا لم يلتئم أبدًا. هل نحن من نرفض التصالح معه، أم أنه هو الذي يتقن فنّ المداهمة حتى لو كان متوقعًا؟ ما يوجعني أكثر أن رحيلها كان درسًا لا يمكن تجاهله: أن العمر ليس سوى اتفاق مؤقت بين المرء وجسده، وأن الألفة مع الحياة قد تنكسر في لحظة. كل ابتسامة جمعتها بنا، وكل كلمة قالتها في محاولة لتهوين وجعها، تتحول الآن إلى شاهد على شجاعة نادرة. رحيلها يفضح ضعفنا أمام المرض، لكنه في الوقت ذاته يكشف جمال قدرتها على الصمود حتى اللحظة الأخيرة. إنها واحدة من تلك الأرواح التي تترك أثرًا أبعد من وجودها الجسدي. صارت بعد موتها أكثر حضورًا مما كانت عليه في حياتها. حضور من نوع مختلف، يحاورنا في صمت، ويذكّرنا بأن المحبة الحقيقية لا تموت، بل تعيد ترتيب نفسها في قلوبنا. وربما لهذا نشعر أن الغياب ليس غيابًا كاملًا، بل انتقالًا إلى شكل آخر من الوجود، وجود نراه في الذكريات، في نبرة الصوت التي لا تغيب، في اللمسة التي لا تزال عالقة في الذاكرة. أكتب عن لطيفة رحمها الله اليوم ليس لأحكي حكاية موتها، بل لأواجه موتي القادم. كلما فقدت صديقًا أدركت أن حياتي ليست طويلة كما كنت أتوهم، وأنني أسير في الطريق ذاته، بخطوات متفاوتة، لكن النهاية تظل مشتركة. وما بين بداية ونهاية، ليس أمامي إلا أن أعيش بشجاعة، أن أتمسك بالبوح كما كانت تفعل، وأن أبتسم رغم الألم كما كانت تبتسم. نعم.. الحياة ليست سوى فرصة قصيرة لتبادل المحبة، وأن أجمل ما يبقى بعدنا ليس عدد سنواتنا، بل نوع الأثر الذي نتركه في أرواح من أحببنا. هكذا فقط يمكن أن يتحول الموت من وحشة جارحة إلى معنى يفتح فينا شرفة أمل، حتى ونحن نغالب الفقد الثقيل. مثواك الجنة يا صديقتي.
4434
| 29 سبتمبر 2025