رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
فى مقالاتنا السابقة تحت نفس العنوان تناولنا كيف يعبر الأطفال عن مشاعرهم وأنه يجب على الأم – أو من يحل محلها سواء كانت الجدة أو إحدى القريبات – أن تكون على درجة كبيرة من الوعى والثقافة بحيث تفهم تلك المشاعر سواء كانت سلبية أم إيجابية وتتعامل معها حيث أن عدم التعامل الصحيح من المحتمل أن يؤدى إلى عواقب وخيمة لا تحمد عقباها .. راجع المقالات الثلاث الأولى . وفى المقال الرابع تناولنا المتغيرات التى حدثت فى المجتمعات نتيجة ضيق المنازل وعدم وجود مربيات مما يدفع الأسر إلى اصطحاب الأطفال معهم فى زياراتهم وكذلك عند استقبال ضيوف فى منازلهم الضيقة مما قد يعرض الأطفال لسماع بعض العبارات الغير مرغوب فيها ومن ثم ترديدها .. وتساءلنا فى نهاية المقال عما يجب عمله للتعامل مع هذه المشكلة . بداية نقول أننا جميعا مسئولون عن وجود هذه المشكلة . الدولة بعدم توفير المساكن الملائمة وسن القوانين التى تساعد على تفاقم أزمات الإسكان مما يدفع الأسر إلى قبول أى مسكن لأنه فى النهاية لابد للشباب أن يتزوج ويعيش . وسائل الإعلام خاصة الفضائيات بإذاعة تلك الإعلانات المسفة والتى تتناول إيحاءات خارجة عن حدود التربية والأدب وعلى سبيل المثال تلك المشروبات التى تؤكد القوة والفتوة وتجعل من الشباب رجالا .. ويبلغ الأمر ذروته فى الإستهزاء بالكبار عندما تنفجر فيهم المقرمشات ويضحك الصغار ويصبح الكبار موضعا للسخرية وكأنهم بذلك يرسخون ويحضون على " اللا قيم " السلبية على عكس ما تنادى به كل الكتب السماوية ومناهج التربية بضرورة توقير الكبار . أما المسلسلات والأفلام – وخاصة من يدعون الواقعية منهم – فإنهم دائما ما يظهرون الصغار وهم يسخرون من الكبار بدعوى الإستظراف وقد يكون ذلك بسبب ضعف سمعهم أو بطء حركتهم أو إنحناء ظهورهم نتيجة التقدم فى العمر وربما كان هذا الرجل الكبير أو تلك السيدة المسنة هما الجد أو الجدة واللذان يتوجب توقيرهما من الآباء أنفسهم ناهيك عن الأبناء والصغار .. وتكون الطامة الكبرى عندما تتم السخرية من المدرسين فى مجريات الأحداث وإظهارهم فى صورة غير حسنة بالمرة وأحيانا يشعر المتفرج بأن هذه المشاهد قد تم إقحامها خصيصا بغرض السخرية من رجال التعليم . أما الآباء أنفسهم فلا يمكن أن نعفيهم من اللوم فى هذا الأمر بالذات إذا ما تحدثوا عن المدرسين بصورة غير لائقة مظهرين بعض السلبيات فى المعلمين أو تضخيم هذه السلبيات .. وقد يتعدى الأمر ذلك بالتهديد بالذهاب إلى المدرسة وتأنيب المعلم أو تأديبه وقد يصل بهم الأمر للتحدث عن النقود التى يدفعونها للمعلم أو المصروفات المدرسية والتى لولاها ما قبض هذا أو ذاك من المدرسين مرتبه .. ومن نافلة القول أنه يتوجب على الكبار عدم التحدث بصورة سلبية عن المدرسين حتى لو وجدت هذه السلبيات بصورة يقينية ويجب ترسيخ مفهوم أن المدرس مثل الوالد وكذلك المدرسة مثل الأم ويجب توقيرهما واحترامهما . والرأى عندى فى هذه القضية الشائكة – كما أنادى دائما – بأن خير الأمور الوسط .. فبالرغم من أن كل الدراسات التربوية تنزع إلى ضرورة تقريب المسافات بين الأهل والأبناء فإنها فى نفس الوقت تنادى بأن تكون هذه العلاقة بعيدة عن الخوف ولكن قائمة على الإحترام المتبادل والصراحة والصداقة فيما بينهما .. يعنى إذا كنا نطلب من الصغار إحترام وتوقير الكبار وعدم مقاطعتهم أو رفع الكلفة معهم خاصة أمام الغرباء .. فيجب أن يكون هذا الإحترام متبادلا ويجب أن يراعى الكبار عدم توبيخ الصغار أو زجرهم أو حتى توجيه كلمات لوم أو عتاب خاصة أمام الغرباء أيضا وأن يتم التعامل مع الصغار على أنهم شخصيات لهم اعتبارها ويجب عدم تهميشها . ويجب أن تكون هذه الضوابط التى ذكرناها جنبا إلى جانب الصداقة التى يجب أن تسود علاقة الكبار بالصغار عن طريق إشراكهم فى بعض الأمور التى تخصهم مثل إختيار ملابسهم أو الوجبات التى يتناولونها خارج المنزل والمطاعم التى يأكلون فيها وكذلك إختيار المتنزهات التى يذهبون إليها ودور السينما أو المسارح التى يرتادونها .. كل ذلك يؤكد على ما ذهبنا إليه فى الفقرة السابقة من أن هؤلاء الصغار شخصيات غير مهمشة ولها إعتبارها . وهنا قد يتساءل البعض عما يجب عمله فى حالة وجود إختلاف فى وجهات النظر .. لو حدث ذلك فإننا نوصى الكبار بالإكتفاء بالنصيحة إلا فى حالة وقوع ضرر على أى من الطرفين .. هنا فقط يجب ألا يتنازل الكبار عن رأيهم بأى حال من الأحوال حتى ولو تم تنفيذ ذلك بالقوة . وقد يسوق البعض سؤالا خاصا بالأبناء الأصغر سنا وإختلاف رأيهم عن الكبار فى إختيار الألعاب عند شرائها .. والإجابة لا تخرج عما ذكرناه فى الفقرة السابقة من ضرورة تقديم النصيحة فى مدى ما تقدمه اللعبة من فوائد فى تعليم اللغات أو المسائل الحسابية البسيطة أو تقوية القدرات الذهنية مع توافر جمال الشكل بها مثل ألعاب الفك والتركيب وغيرها مما قد يٌغرى الصغار بتغيير رأيهم وموافقة الكبار مع الأخذ فى الإعتبار الإصرار على الرأى فقط متى كان فى الألعاب التى يختارها الصغار خطورة عليهم كأن يكون سطحها جارحا أو حوافها حادة أو مدببة مما قد يصيبهم بالجروح أو يسبب الأذى أو أن تكون هذه الألعاب غير قابلة للغسيل متى تراكمت عليها الأتربة جراء الإستعمال .. هنا أيضا لابد من فرض رأى الكبار وعدم الضعف أمام إلحاح الصغار أو حتى بكائهم . سؤال آخر .. وماذاعن الهوايات واختلافها بين الأجيال ؟ والرأى عندى أن ذلك وارد بشكل كبير .. وسنضرب لذلك مثالا شائعا فمعظم الكبار هذه الأيام لا تزال عند الكثير منهم هواية الإسترخاء والإستماع إلى الموسيقى الهادئة الحالمة بينما تميل الأجيال الجديدة فى معظمها إلى الإستماع إلى الموسيقى الصاخبة ذات الصوت العالى .. لا بأس وإن كان يجب على الكبار توضيح أهمية الهدوء والإسترخاء للأعصاب وأثر ذلك على الجسم الإنسانى .. فمنهم من قد يستجيب .. أو حتى يجرب .. والأكثرية سوف ترفض .. لا بأس .. لكل جيل خصائصه وعندما يكبرون قد يغيرون رأيهم . مثال آخر .. عن عادات الكبار ومنها عادة القراءة لدى الكبار وانعدام تلك العادة تقريبا عند الأجيال الجديدة نتيجة طغيان التقنية الحديثة ( راجع مقالاتنا فى هذا الصدد ) .. ونسوق للكبار نفس الرأى السابق من محاولات الجذب والتوضيح وبيان الفوائد وعدم الضغط وفرض الرأى وترك الأمور للأيام .. هذا طبعا بغض النظر عن إعجابنا بمهارات الصغار فى التعامل مع هذه التقنية الحديثة وفى نفس الوقت حسرتنا على فقدان عادة القراءة .. ولكن ما باليد حيلة . وبهذا نأمل أن نكون قد أجبنا على معظم ما وصلنا من أسئلة وما تصورنا أنه قد يطرأ على أذهان بعض القراء الأعزاء .. ونحن نرحب بأى أسئلة أخرى تصلنا وسوف نجيب عليها على الرحب والسعة . وإلى موضوعات جديدة ومقالات قادمة بحول الله . بقلم : د. مصطفى عابدين شمس الدين E mail : [email protected] [email protected]
في مقابلة في إحدى القنوات الإخبارية ظهرت الأم الشابة التي تتحدث بألم وأسى عن الحالة التي وصلوا إليها... اقرأ المزيد
84
| 01 أكتوبر 2025
في رحاب معهد الدراسات الجنائية التابع للنيابة العامة في دولة قطر، خضتُ تجربة جميلة وجديرة بالتوثيق، إذ قدّمت،... اقرأ المزيد
123
| 01 أكتوبر 2025
في إطار الاهتمام المتنامي الذي توليه الدولة لفئة التدخل المبكر ورعاية الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، جاءت خطوة... اقرأ المزيد
126
| 01 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن نفسه بوضوح. تمرّ في زقاق العمر فتجده واقفًا، يحمل على كتفه صندوقًا ثقيلًا ويعرض بضاعة لا تشبه أي سوق عرفته من قبل. لا يصرخ مثل الباعة العاديين ولا يمد يده نحوك، لكنه يعرف أنك لن تستطيع مقاومته. في طفولتك كان يأتيك خفيفًا، كأنه يوزّع الهدايا مجانًا. يمد يده فتتساقط منها ضحكات بريئة وخطوات صغيرة ودهشة أول مرة ترى المطر. لم تكن تسأله عن السعر، لأنك لم تكن تفهم معنى الثمن. وحين كبُرت، صار أكثر استعجالًا. يقف للحظة عابرة ويفتح صندوقه فتلمع أمامك بضاعة براقة: أحلام متوهجة وصداقات جديدة وطرق كثيرة لا تنتهي. يغمرك بالخيارات حتى تنشغل بجمعها، ولا تنتبه أنه اختفى قبل أن تسأله: كم ستدوم؟ بعد ذلك، يعود إليك بهدوء، كأنه شيخ حكيم يعرف سرّك. يعرض ما لم يخطر لك أن يُباع: خسارات ودروس وحنين. يضع أمامك مرآة صغيرة، تكتشف فيها وجهًا أنهكته الأيام. عندها تدرك أن كل ما أخذته منه في السابق لم يكن بلا مقابل، وأنك دفعت ثمنه من روحك دون أن تدري. والأدهى من ذلك، أنه لا يقبل الاسترجاع. لا تستطيع أن تعيد له طفولتك ولا أن تسترد شغفك الأول. كل ما تملكه منه يصبح ملكك إلى الأبد، حتى الندم. الغريب أنه لا يظلم أحدًا. يقف عند أبواب الجميع ويعرض بضاعته نفسها على كل العابرين. لكننا نحن من نتفاوت: واحد يشتري بتهور وآخر يضيّع اللحظة في التفكير وثالث يتجاهله فيفاجأ أن السوق قد انفض. وفي النهاية، يطوي بضاعته ويمضي كما جاء، بلا وداع وبلا عودة. يتركك تتفقد ما اشتريته منه طوال الطريق، ضحكة عبرت سريعًا وحبًا ترك ندبة وحنينًا يثقل صدرك وحكاية لم تكتمل. تمشي في أثره، تفتش بين الزوايا عن أثر قدميه، لكنك لا تجد سوى تقاويم تتساقط كالأوراق اليابسة، وساعات صامتة تذكرك بأن البائع الذي غادرك لا يعود أبدًا، تمسح العرق عن جبينك وتدرك متأخرًا أنك لم تكن تتعامل مع بائع عادي، بل مع الزمن نفسه وهو يتجول في حياتك ويبيعك أيامك قطعةً قطعة حتى لا يتبقى في صندوقه سوى النهاية.
5154
| 26 سبتمبر 2025
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات لا تحتمل التأجيل ولا المجاملة، لحظات تبدو كأنها قادمة من عمق الذاكرة لتذكره بأن الحياة، مهما تزينت بضحكاتها، تحمل في جيبها دائمًا بذرة الفقد. كنتُ أظن أني تعلّمت لغة الغياب بما يكفي، وأنني امتلكت مناعة ما أمام رحيل الأصدقاء، لكن موتًا آخر جاء هذه المرة أكثر اقترابًا، أكثر إيغالًا في هشاشتي، حتى شعرتُ أن المرآة التي أطل منها على وجهي اليوم ليست إلا ظلًّا لامرأة كانت بالأمس بجانبي. قبل أيام قليلة رحلت صديقتي النبيلة لطيفة الثويني، بعد صراع طويل مع المرض، صراع لم يكن سوى امتحان صعب لجسدها الواهن وإرادتها الصلبة. كانت تقاتل الألم بابتسامة، كأنها تقول لنا جميعًا: لا تسمحوا للوجع أن يسرقكم من أنفسكم. لكن ماذا نفعل حين ينسحب أحدهم فجأة من حياتنا تاركًا وراءه فراغًا يشبه هوة بلا قاع؟ كيف يتهيأ القلب لاستيعاب فكرة أن الصوت الذي كان يجيب مكالماتنا لم يعد موجودًا؟ وأن الضحكة التي كانت تفكّك تعقيدات أيامنا قد صمتت إلى الأبد؟ الموت ليس حدثًا يُحكى، بل تجربة تنغرس في الروح مثل سكين بطيئة، تجبرنا على إعادة النظر في أبسط تفاصيل حياتنا. مع كل رحيل، يتقلص مدى الأمان من حولنا. نشعر أن الموت، ذلك الكائن المتربّص، لم يعد بعيدًا في تخوم الزمن، بل صار يتجوّل بالقرب منا، يختبر خطواتنا، ويتحرّى أعمارنا التي تتقارب مع أعمار الراحلين. وحين يكون الراحل صديقًا يشبهنا في العمر، ويشاركنا تفاصيل جيل واحد، تصبح المسافة بيننا وبين الفناء أقصر وأكثر قسوة. لم يعد الموت حكاية كبار السن، ولا خبرًا يخص آخرين، بل صار جارًا يتلصص علينا من نافذة الجسد والذاكرة. صديقتي الراحلة كانت تمتلك تلك القدرة النادرة على أن تراك من الداخل، وأن تمنحك شعورًا بأنك مفهوم بلا حاجة لتبرير أو تفسير. لهذا بدا غيابها ثقيلاً، ليس لأنها تركت مقعدًا فارغًا وحسب، بل لأنها حملت معها تلك المساحة الآمنة التي يصعب أن تجد بديلًا لها. أفكر الآن في كل ما تركته خلفها من أسئلة. لماذا نُفاجأ بالموت كل مرة وكأنها الأولى؟ أليس من المفترض أن نكون قد اعتدنا حضوره؟ ومع ذلك يظل الموت غريبًا في كل مرة، جديدًا في صدمته، جارحًا في اختباره، وكأنه يفتح جرحًا لم يلتئم أبدًا. هل نحن من نرفض التصالح معه، أم أنه هو الذي يتقن فنّ المداهمة حتى لو كان متوقعًا؟ ما يوجعني أكثر أن رحيلها كان درسًا لا يمكن تجاهله: أن العمر ليس سوى اتفاق مؤقت بين المرء وجسده، وأن الألفة مع الحياة قد تنكسر في لحظة. كل ابتسامة جمعتها بنا، وكل كلمة قالتها في محاولة لتهوين وجعها، تتحول الآن إلى شاهد على شجاعة نادرة. رحيلها يفضح ضعفنا أمام المرض، لكنه في الوقت ذاته يكشف جمال قدرتها على الصمود حتى اللحظة الأخيرة. إنها واحدة من تلك الأرواح التي تترك أثرًا أبعد من وجودها الجسدي. صارت بعد موتها أكثر حضورًا مما كانت عليه في حياتها. حضور من نوع مختلف، يحاورنا في صمت، ويذكّرنا بأن المحبة الحقيقية لا تموت، بل تعيد ترتيب نفسها في قلوبنا. وربما لهذا نشعر أن الغياب ليس غيابًا كاملًا، بل انتقالًا إلى شكل آخر من الوجود، وجود نراه في الذكريات، في نبرة الصوت التي لا تغيب، في اللمسة التي لا تزال عالقة في الذاكرة. أكتب عن لطيفة رحمها الله اليوم ليس لأحكي حكاية موتها، بل لأواجه موتي القادم. كلما فقدت صديقًا أدركت أن حياتي ليست طويلة كما كنت أتوهم، وأنني أسير في الطريق ذاته، بخطوات متفاوتة، لكن النهاية تظل مشتركة. وما بين بداية ونهاية، ليس أمامي إلا أن أعيش بشجاعة، أن أتمسك بالبوح كما كانت تفعل، وأن أبتسم رغم الألم كما كانت تبتسم. نعم.. الحياة ليست سوى فرصة قصيرة لتبادل المحبة، وأن أجمل ما يبقى بعدنا ليس عدد سنواتنا، بل نوع الأثر الذي نتركه في أرواح من أحببنا. هكذا فقط يمكن أن يتحول الموت من وحشة جارحة إلى معنى يفتح فينا شرفة أمل، حتى ونحن نغالب الفقد الثقيل. مثواك الجنة يا صديقتي.
4392
| 29 سبتمبر 2025
في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حفظه الله مشهدا سياسيا قلب المعادلات، الكلمة التي ألقاها سموه لم تكن خطابًا بروتوكوليًا يضاف إلى أرشيف الأمم المتحدة المكدّس، بل كانت كمن يفتح نافذة في قاعة خانقة. قطر لم تطرح نفسها كقوة تبحث عن مكان على الخريطة؛ بل كصوت يذكّر العالم أن الصِغَر في المساحة لا يعني الصِغَر في التأثير. في لحظة، تحوّل المنبر الأممي من مجرد منصة للوعود المكررة والخطابات المعلبة إلى ساحة مواجهة ناعمة: كلمات صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وضعتهم في قفص الاتهام دون أن تمنحهم شرف ذكر أسمائهم. يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودًا ويخططون لاغتيال أعضائها.. اللغة العربية تعرف قوة الضمير، خصوصًا الضمير المستتر الذي لا يُذكر لفظًا لكنه يُفهم معنى. في خطاب الأمير الضمير هنا مستتر كالذي يختبئ خلف الأحداث، يحرّكها في الخفاء، لكنه لا يجرؤ على الظهور علنًا. استخدام هذا الأسلوب لم يكن محض صدفة لغوية، بل ذكاء سياسي وبلاغي رفيع ؛ إذ جعل كل مستمع يربط الجملة مباشرة بالفاعل الحقيقي في ذهنه من دون أن يحتاج إلى تسميته. ذكاء سياسي ولغوي في آن واحد».... هذا الاستخدام ليس صدفة لغوية، بل استراتيجية بلاغية. في الخطاب السياسي، التسمية المباشرة قد تفتح باب الردّ والجدل، بينما ضمير الغائب يُربك الخصم أكثر لأنه يجعله يتساءل: هل يقصدني وحدي؟ أم يقصد غيري معي؟ إنّه كالسهم الذي ينطلق في القاعة فيصيب أكثر من صدر. محكمة علنية بلا أسماء: لقد حول الأمير خطابًا قصيرًا إلى محكمة علنية بلا أسماء، لكنها محكمة يعرف الجميع من هم المتهمون فيها. وهنا تتجلى العبارة الأبلغ، أن الضمير المستتر في النص كان أبلغ حضورًا من أي تصريح مباشر. العالم في مرآة قطر: في النهاية، لم يكن ضمير المستتر في خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله - مجرد أداة لغوية؛ بل كان سلاحًا سياسيًا صامتًا، أشد وقعًا من الضجيج. لقد أجبر العالم على أن يرى نفسه في مرآة قطر. وما بين الغياب والحضور، تجلت الحقيقة أن القيمة تُقاس بجرأة الموقف لا باتساع الأرض، وأن الكلمة حين تُصاغ بذكاء قادرة على أن تهز أركان السياسات الدولية كما تعجز عنها جيوش كاملة. فالمخاطَب يكتشف أن المرآة وُضعت أمامه من دون أن يُذكر اسمه. تلك هي براعة السياسة: أن تُدين خصمك من دون أن تمنحه شرف الذكر.
4236
| 25 سبتمبر 2025