رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

أيها السوريون لماذا صرتم كالأصلع الذي يتباهى بشعر جاره؟

صدق مالك بن نبي قبل عقود عندما وصف الكثير من العرب بأنهم قابلون للاستعمار، أو بالأحرى لديهم قابلية، لا.. بل استعداد لتمجيد المستعمر. وكي لا نذهب بعيدًا، يكفينا أن ننظر إلى الساحة السورية التي قسمتها الحرب والصراع إلى قسمين: قسم الموالاة المؤيدين للنظام، وقسم المعارضين. لقد بات السوريون يخشى بعضهم بعضا إلى درجة مرضية عز نظريها، فلو نظرت إلى موقف المؤيدين للنظام لوجدت أنهم باتوا يرون في الغازي الروسي مخلصًا ومنقذًا لا يترددون في السجود له لو طلب. والغريب في الأمر أنه حتى كبار المثقفين من جماعة النظام يتحدثون عن روسيا وبوتين بكثير من التطبيل والتزمير والإطراء والتبجيل وأحيانًا العبادة، مع العلم أن وزارة الدفاع الروسية اعترفت باستخدام أكثر من مائتي سلاح جديد على الأرض السورية، ما جعل سوريا تتحول إلى ساحة كبرى لتجريب الأسلحة الروسية الفتاكة، ومنها سلاح يحتوي على المواد المشعة والكيماوية الخطيرة التي ستترك آثارها على الأرض السورية ربما لعشرات أو مئات السنين. فلا ننسى أن ما يسمى بالعنصر البرتقالي الذي استخدمه الأمريكيون في فيتنام أدى إلى ولادة أجنة غريبة، والأخطر من ذلك أن ذلك العنصر الكيماوي الخطير سيبقى داخل التربة في فيتنام لأكثر من ثلاثمائة عام، ما سيلوث الحرث والنسل لردح طويل من الزمن. فهل انتبه السوريون الذين يطبلون ويزمرون للجيش الروسي على الأرض السورية أن هذا الجيش والطائرات لم تكتف بتدمير مدن سورية يعيش على ترابها إخوة سوريون، بل ستترك آثارًا على البيئة لربما عقود وعقود؟ وهذا يعني أن الذين يتغنون بأمجاد الروس في سوريا ربما يصابون بآثار الأسلحة الروسية إن لم يكن اليوم فربما بعد سنوات. وإذا لم تظهر آثارها عليهم، فربما تظهر في ذريتهم بعد أجيال. ولا بد أن تضحك وأنت تستمع إلى أكاديميين وباحثين وإعلاميين تابعين للنظام وهم يدافعون عن روسيا ويتغنون بقوتها وقدرتها على سحق القاصي والداني على الأرض السورية. فلو قلت لأحدهم إن أمريكا وإسرائيل لا تزالان تعبثان بالأرض السورية، لقالوا لك فورًا: "إن روسيا لهما بالمرصاد"، وكأن الروس جاءوا إلى سوريا لمواجهة الأمريكيين والإسرائيليين من أجل عيون المؤيدين للنظام السوري. الكثير من المؤيدين يتحدث عن القوة الروسية كما لو أن روسيا ابنة عمهم اللزم. لقد بات سكان الساحل السوري تحديدًا بسبب قربهم من قاعدة حميميم الروسية هناك، باتوا يعتبرون الوجود الروسي نعمة من الله يحتمون بها ويسجدون لها، حتى لو تسبب الطيران الروسي بسحق ملايين السوريين المعارضين ودمر المدن المجاورة للساحل السوري. وقد رأينا كيف كان يخرج سكان الساحل إلى الشوارع ليحتفلوا بقصف الطائرات الروسية لحلب أو حماة أو تدمر، كما لو أن تلك المدن ليست سورية. وبينما يتباهى مؤيدو النظام السوري بالجبروت الروسي، نرى معارضي النظام يتباهون بالقوة الأمريكية أو أي قوة أخرى تتصدى للنظام، مع العلم أن الثورة السورية لم تر من الأمريكيين وبقية الأصدقاء المزعومين سوى الخذلان والتآمر. ولا بد أن تضحك وأنت تسمع بعض المعارضين السوريين وهم يقولون: "إن روسيا وإيران مجرد أداة في أيدي أمريكا في المنطقة، وأن الروس والإيرانيين ينفذون مشروعًا أمريكيًا، وأن أمريكا تستطيع أن تزيحهم عن الواجهة بجرة قلم". طيب، لو اتفقنا معكم على هذا التخريص، فماذا تستفيدون من هذا الكلام الكوميدي؟ وهل أمريكا في صفكم أو جيبكم؟ وهل تستخدم الروس والإيرانيين في المنطقة من أجل عيونكم، هذا إذا كانت تستخدمهم فعلًا وليست في وارد استنزافهم وربما مواجهتهم لاحقًا؟ لماذا تضخمون قوة أمريكا كما لو أنها في صفكم أو من ذوي القربى أيها المعارضون للنظام؟ كيف تختلفون عن السوريين المؤيدين الذين يتفاخرون بقوة روسيا في سوريا كما لو أن بوتين من مواليد مصياف أو القرداحة مثلًا؟ أيها السوريون الذين تمجدون القوة الأمريكية: إذا كانت أمريكا تستخدم الروس والإيرانيين كأداة في المنطقة كما تزعمون، فأنتم مجرد مناديل كلينكس تمسح بكم أمريكا ما تشاء، تمامًا كما تستخدم روسيا قطعان المؤيدين من ذكور وإناث كخدم وحشم لجنودها في أحسن الأحوال أو كمناديل ورقية في معظم الأحيان. لا بارك الله بالسوري الذي يستقوي بروسيا على أخيه السوري، ولا بارك بالسوري الذي يستقوي بأمريكا على بقية السوريين. صدقوني المؤيد والمعارض بنظر الروس والأمريكيين مجرد أرقام وحثالات، فالقوى الكبرى ليست جمعيات خيرية، بل تدخل هذا البلد أو ذاك كمستعمرين بالدرجة الأولى من أجل مصالحها الخاصة. لا تصدقوا أن الروس والأمريكيين حلفاء لأحد في سوريا، بل هم حلفاء لمصالحهم فقط، فلماذا تستقوون بهم على بعضكم البعض؟ ألا تعلمون أن كل من يؤيد غازيًا ضد أبناء جلدته فهو عميل وخائن حقيقي، ولا تزال الشعوب تتذكر أولئك الذين سهّلوا مهام الغزاة لبلادهم كما فعل أبو رغال قبل مئات السنين؟ أيها المؤيدون الذين تصفقون للغزاة الروس ويا أيها السوريون الذين تصفقون لأي قوة تواجه الروس في سوريا، فلتعلموا أنكم كالأصلع الذي يتفاخر بشعر جاره. [email protected]

1268

| 22 أكتوبر 2017

لماذا دعا ترمب إلى توطين اللاجئين السوريين في البلدان المجاورة؟

قبل أكثر من ثلاث سنوات تقريباً، وقبل أن يتضح مخطط التهجير المنظم للسوريين من بلدهم، قال لي أحد الباحثين السوريين المرموقين إننا مقبلون على ما أسماه بهندسة سكانية ديمغرافية مبرمجة، يشارك فيها النظام السوري نفسه لإفراغ سوريا من سكانها المسلمين وإعادة رسم الخارطة السكانية في سوريا خدمة لمصالح داخلية وخارجية متشابكة. لكن بصراحة ظننت وقتها أن الأخ جورج يهرف بما لا يعرف، أو أنه غارق حتى أذنيه في نظرية المؤامرة، إلا أن الأيام أثبتت أن ما قاله جورج قبل أكثر من ثلاث سنوات أصبح حقيقة تفقأ العيون بشهادة رأس النظام السوري نفسه، وفيما بعد على لسان أحد أشهر ضباط الحرس الجمهوري العميد عصاي زهر الدين. لم نعد بحاجة لبراهين وأدلة كثيرة كي نتأكد من أن جهات عديدة تعمل معاً على تهجير السوريين من بلدهم بتواطؤ لا تخطئه عين من رأس النظام وكبار مسؤوليه. لقد كان أول تلميح صريح للقصة على لسان بشار الأسد نفسه عندما قالها صراحة: إن سوريا ليست لمن يحمل جنسيتها بل لمن يدافع عنها. وبما أن ملايين السوريين نزحوا داخلياً أو لجأوا إلى الخارج خوفاً من البراميل والقصف الأسدي والروسي والإيراني، فهذا يعني في عرف رأس النظام أنهم خونة وعملاء، وبالتالي لم يعد لهم مكاناً في سوريا لسبب بسيط، وهو أنهم لم يتحملوا براميل الأسد، أو أنه كان لزاماً عليهم أن يبقوا في سوريا لحماية عرش النظام المتداعي في دمشق، وبما أنهم تركوا سوريا للحفاظ على حياتهم، فقد أصبحوا غير مرغوب بهم الآن في سوريا، وصارت بيوتهم وأملاكهم حلالاً زلالاً على الميليشيات الأجنبية التي تحمي النظام القادمة من إيران ولبنان والعراق وأفغانستان وكوريا الشمالية وباكستان. وقد لاحظنا أن النظام أوعز لشبيحته وكلابه منذ اليوم الأول بالاستيلاء على أملاك وأرزاق السوريين المعارضين أو حتى الهاربين من جحيم الحرب، فهو لم يكتف بتهجيرهم وتدمير أملاكهم أو مصادرتها، بل عاقبهم بالمنع من العودة إلى وطنهم. ولمن ظن أن تصريح الأسد الأول بأن سوريا لمن يدافع عنها كان عابراً فهو مخطئ، فقد تحدث الأسد لاحقاً إلى صحيفة صربية قائلاً إن سوريا غدت أكثر صفاء، وهو يقصد أن سوريا أصبحت أفضل بعد تهجير نصف سكانها من المسلمين حصراً. ثم وضع الأسد النقاط على الحروف دون أن يرمش له جفن عندما قال إننا ربحنا من الحرب مجتمعاً متجانساً، وهو يقصد بذلك أنه يريد لسوريا الجديدة أن تكون من الموالين فقط، وخاصة أبناء الأقليات، وليذهب نصف الشعب السوري من اللاجئين والنازحين إلى الجحيم. ولم يتأخر الضابط الكبير في الحرس الجمهوري عصام زهر الدين حتى كرر حرفياً وبلغة ليس فيها أي لبس بأن النظام لا يرحب بعودة أي لاجئ سوري. وقد أثار تصريح زهر الدين جدلاً كبيراً عندما هدد ملايين اللاجئين بالقتل إذا فكروا بالعودة إلى سوريا، وبأنه والشبيحة سيحاسبون اللاجئين حتى لو قبلت الدولة بعودتهم. ولو لم يكن لدى زهر الدين الضوء الأخضر لما قال ما قال بشكل صارخ. وحتى عندما تراجع عن تصريحه لاحقاً، فإن السوريين جميعاً باتوا يعرفون أن زهر الدين يمثل وجهة نظر النظام الذي يرفض عودة اللاجئين السوريين كما رفضت إسرائيل عودة اللاجئين الفلسطينيين. والغريب في الأمر أن تصريحات بشار الأسد وزهر الدين تتلاقى بطريقة عجيبة مع تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عندما طلب من الدول التي تستضيف ملايين اللاجئين السوريين بأن تقوم بتوطينهم، مما يعني أن عملية تهجيرهم من سوريا كانت منظمة وممنهجة بالاتفاق مع النظام لتفريغ سوريا من سكانها المسلمين. واضح تماماً أن صمود الأسد حتى الآن ليس بقوة نظامه، بل لأنه على ما يبدو ينفذ مهمة دولية تتمثل في إعادة رسم الخارطة السكانية لسوريا خدمة لمشاريع خارجية كبرى. [email protected]

2119

| 08 أكتوبر 2017

هذا ما أنتجه حكم العصابات في بلادنا

بلادنا تحصد الآن ما زرعه نظام الطوائف والمذاهب والأقليات والعصابات والعشائر والقبائل والأحزاب العنصرية والميليشياوية من قنابل موقوتة بدأت تنفجر الآن على شكل انفصال وتقسيم وتشرذم وتشظٍّ وصراعات أهلية. الكل يريد أن يستقل وينفصل عن الأنظمة الحاكمة. لكن هذا ليس حلاً، فلا يمكن لبلادنا المنكوبة أن تنهض ثانية إلا بأنظمة حكم حديثة، وبعقلية الدولة حصراً. ولا ننسى أن أهم اختراع إنساني على مدى القرون الماضية هو «الدولة»، فهو أفضل اختراع لإدارة شؤون البشر، وخاصة المختلفين طائفياً وعرقياً ومذهبياً وعنصرياً وقبائلياً. البعض يرى أن الحل في سوريا والعراق وليبيا واليمن والصومال وغيرها يكمن في تقسيم البلاد، أو الطلاق بين مكوناتها الطائفية والمذهبية والقومية. وهذا ليس حلاً، بل إمعان في التشظي والتشرذم والتقوقع، بل يخدم استراتيجية من حكمنا بعقلية العصابات. فالكيانات الحديثة ليست كيانات قزمية ضيقة، بل تكتلات ضخمة. فلا محل من الإعراب للكيانات الصغيرة في عالم العملاقة والاتحادات الكبرى. حتى الدول الحقيقية لم تعد قادرة على الصمود في هذا العالم العملاقي، فكيف بدول الطوائف والقبائل والعشائر والعصابات. لاحظوا أنه حتى الدول الغربية الحقيقية انضوت تحت لواء الاتحاد الأوروبي، مع العلم أنها تمتلك كل مقومات الدول الحقيقية، مع ذلك آثرت التكتل تحت لواء تجمعات أضخم وأكبر. فكيف إذاً يطالب البعض في بلادنا المتشظية بتشكيل دول قزمية على أسس طائفية ومذهبية وقومية ضيقة، أو على أساس استئصال الطرف المعارض طائفة كانت أو قبيلة أو مذهباً دينياً؟ الحل في كل البلدان المنكوبة بالصراعات الداخلية لا يكمن في استئصال طرف لآخر، ولا في الطلاق بين الطوائف والمذاهب والأعراق، بل في تحقيق المواطنة الحقيقية، بحيث يصبح الجميع مواطنين متساوين، وليس طائفيين أو مذهبيين أو عشائريين أو قبليين أو عنصريين متناحرين. فإذا تحققت المواطنة لن يعود أحد يتمترس وراء طائفته أو مذهبه أو عرقه، بل تذوب الفروق المذهبية والعشائرية والقبلية والطائفية والمناطقية في مبدأ المواطنة. وهذه عملية قد تبدو صعبة وغير سريعة، لكن إذا توفر العزم والإرادة لدى النخب الحاكمة ستتحقق المواطنة بسرعة بعد الثورات. لكن طالما الأنظمة تتصرف بالبلاد كمزارع خاصة، وتفضل عشيرتها أو طائفتها أو قبيلتها أو جماعتها على بقية الطوائف والمذاهب والجماعات، فاعلم أن الشعب سيتصرف بنفس الطريقة. سيتقوقع على نفسه، وسيتمترس وراء انتماءاته الضيقة تماماً كما يفعل الحاكم الطائفي أو القبلي أو العشائري أو العنصري أو الأمني. بعبارة أخرى، فإن سبب المصيبة في بلادنا هم الحكام، لأنهم القدوة. فعندما يتصرف الحاكم على أساس وطني عام، سيحذو الجميع حذوه. وعندما يهتم بطائفته ويعطيها أعلى المناصب، ويرمي بالفتات لبقية الشعب، فيصبح الجميع يعمل بمبدأ: «كل مين إيدو إلو». إذاً المشكلة في النظام. أمريكا مثلاً عبارة عن شركة مساهمة وليست أمة، لأنها مزيج غريب عجيب من الملل والنحل والطوائف والقوميات والأعراق المختلفة، لكن لا أحد يتمترس وراء عرقه أو طائفته في أمريكا، لأن انتماءه الضيق ذاب في المواطنة. فالجميع ينظر إلى نفسه في أمريكا والغرب المتطور كمواطن، وليس كمسيحي بروتستانتي أو كاثوليكي أو انجليكاني أو كمسلم أو يهودي أو بوذي أو شيعي أو سني أو درزي. لماذا؟ لأنه يحصل على حقوقه كباقي مكونات المجتمع. إن أول شيء يجب فعله في بلادنا المنقسمة على نفسها البدء فوراً في تحقيق مبدأ المواطنة. نعلم أن ذلك ضرب من الأحلام في الوقت الحالي. لكن صدقوني، فقد مرت الأمم المتقدمة بمرحلة التناحر الداخلي قبلنا، وخسرت الملايين من شعوبها جراء التطاحن والاقتتال والحروب الأهلية، لكنها عادت، وبنت دولة المواطنة لتصبح في المقدمة سياسياً وصناعياً وثقافياً واجتماعياً. عندما يصبح لدينا حكام وطنيون يفكرون بالوطن، لا بالطائفة أو العصابة أو الجهاز الأمني، عندئذ ستختفي صراعاتنا وثوراتنا. لاحظوا أن البلدان التي بنت دولة المواطنة لم تشهد ثورات ولا صراعات داخلية منذ زمن بعيد. وقد زاد تماسكها الداخلي بعد الحرب العالمية الثانية. لا مكان لدولة العصابة أو الطائفة أو القبيلة أو القوم أو الدين أو العراق أو الجيش أو الأمن بعد اليوم. وكل من يحاول إعادة تأهيلها فهو يؤسس لحروب وصراعات أهلية جديدة تمتد لعشرات السنين. لا تعيدوا تأهيل حكم العصابات نرجوكم.

2621

| 01 أكتوبر 2017

لا تحلموا بتقسيم سوريا!

لا شك أن التاريخ سيذكر أن سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي الحالي وجون كيري وزير الخارجية الأمريكي السابق في عهد باراك أوباما شكّلا ثنائياً شهيراً لسنوات، فقد كانا أنشط وزيرين دوليين في الأزمة السورية، وقد اجتمعا عشرات لا بل مئات المرات، وكانا يقودان عملياً فريقي الصراع السوري، لافروف كان بمثابة المتحدث الرسمي باسم النظام السوري، بينما كان جون كيري يمثل بطريقة ما قوى المعارضة السورية مع الاعتراف طبعاً أن الجانب الروسي كان أصدق وأوثق في تحالفه مع نظام الأسد من الجانب الأمريكي مع المعارضة. ومن كثرة ما التقى لافروف بكيري أصبح هذا الثنائي أشبه بتوم أند جيري بطلي المسلسل الكرتوني الشهير، إلى حد أن البعض قال ذات يوم ساخراً: " ونحن صغار كنا نشاهد توم أند جيري، وعندما كبرنا صرنا نشاهد لافروف أند كيري". لكن على عكس توم أند جيري اللذين ارتبطا في أذهان العالم بالصراع الأبدي بين القط والفأر، فإن الجميع كان ينظر إلى لافروف وكيري نظرة ريبة وشك، فعلى الرغم من أنهما يمثلان قوتين متصارعتين نظرياً، إلا أنهما كانا في نظر الكثيرين نسخة عن الثنائي الفرنسي البريطاني الشهير سايكس وبيكو اللذين قسّما العالم العربي إلى اثنتين وعشرين دولة عبر الاتفاقية التاريخية الشهيرة المعروفة باسميهما. وقد شك الكثيرون بأن الروس والأمريكيين رغم صراعهما على مناطق النفوذ في العالم، إلا أنهما كانا متفقين على تقاسم النفوذ بسلاسة فيما بينهما في سوريا تحديداً. وقد كان مؤيدو النظام السوري نفسه المتحالفون مع الروس يخشون من ذلك الثنائي الخطير كيري-لافروف، وكان بعضهم يعتقد أنهما يتآمرآن على تقسيم سوريا وغيرها في المنطقة، لا بل إن كثيرين كانوا يعتبرون كيري ولافروف أخطر من سايكس وبيكو، لأنهما سيعيدان تقسيم العالم العربي ليس إلى دول كما فعل سايكس وبيكو البريطاني والفرنسي، بل إلى دويلات وأقاليم وطوائف وملل متناحرة. وأتذكر ذات مرة في محادثة مع أحد مؤيدي النظام السوري أنه قال لي حرفياً: "انتظر ذات يوم تطبيق اتفاق كيري لافروف على الأرض السورية، وعندها سنكتشف أن الروس كانوا متواطئين مع الأمريكيين والإسرائيليين على سوريا وليسوا متحالفين معنا كما يبدون الآن." لكن الآن وبعد أن بدأت أمريكا تخرج من المنطقة شيئاً فشيئاً، يبدو أن اتفاق كيري لافروف كان في واقع الأمر كذبة كبيرة، وكان مظهراً من مظاهر نظرية المؤامرة التي تعشعش في أذهان الكثير من السوريين والعرب. ومن الواضح أن التحالف الدولي الذي شكلته أمريكا من أكثر من ستين دولة لمحاربة داعش في سوريا كان يهدف إلى مساعدة الروس والإيرانيين والنظام السوري على إعادة إحكام السيطرة على سوريا بدل تقاسم النفوذ مع الروس. وقد بدأنا نكتشف في الأيام الأخيرة أن فكرة سوريا المفيدة بدأت تتلاشى بعد أن بات الروس والإيرانيون وقوات النظام السوري تسيطر على المدن الواحدة تلو الأخرى. لقد ظن البعض أن مدينة دير الزور التي تشكل جزءاً مهماً من الشرق السوري ستكون من نصيب أمريكا كونها غنية بالنفط والغاز. لكن الجميع تفاجأ بوصول القوات السورية وحلفائها على حين غرة إلى دير الزور. وبذلك إذا سقطت المدينة في أيدي الروس وحلفائهم، فهذا يعني سقوط فكرة سوريا المفيدة التي كانت تعني عملياً تقسيم سوريا بين القوى المتصارعة عليها. وحتى مدينة الرقة فيما لو انتزعتها القوات الكردية من أيدي الدواعش، فلن تكون من نصيب الأمريكيين ولا الأكراد، لأن الروس وقوات النظام والإيرانيين يبدون مصممين على القضاء على الميليشيات الكردية بعد الانتهاء من داعش. وقد شاهدنا في الأيام الماضية أن الطيران الروسي استهدف ما يسمى قوات سوريا الديمقراطية الكردية حسب الاتهامات الأمريكية. وهذا يعني أن اتفاق كيري لافروف الذي ظن البعض أنه يهدف إلى تقسيم سوريا كان وهماً، بدليل أن الروس يريدون السيطرة مع النظام على كامل الأرض السورية، لا بل إنهم أبدوا معارضة واضحة للاستفتاء الكردي في كردستان العراق. وقد طالب بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي إسرائيل بالتوقف عن دعم الانفصال الكردي وتأييد الحقوق الكردية في سوريا والعراق، واتهمها بالنفاق قائلاً: "أليس من الأفضل أن تعطوا الفلسطينيين حقوقهم في فلسطين بدل دعم الحقوق الكردية في العراق وسوريا؟" هذه التصريحات والمواقف الروسية على الأرض تنسف اتفاق كيري لافروف تمامأ وتجعله في مهب الريح، هذا إذا كان موجوداً أصلاً. ويُحسب للروس أنهم منعوا تقسيم سوريا إذا نجحوا في نهاية المطاف في الحفاظ على وحدة التراب السوري ومنع تقسيم سوريا إلى دويلات طائفية وعرقية ومذهبية.

1745

| 24 سبتمبر 2017

هذه هي سوريا الجديدة إذا سكت السوريون

كل الذي نسمعه ونقرأه عن الحل السياسي في سوريا مجرد مضيعة للوقت وضحك على الذقون، فلا تصدقوا أبدًا أن الأمم المتحدة أو القوى الكبرى يهمها التوصل إلى حلول ترضي الشعوب أو تحقق العدل في البلدان المأزومة. والأنكى من ذلك أن الوسيط الروسي الذي يعمل على الحل السياسي هو أكبر الداعمين للنظام السوري، وهو إلى حد كبير يشبه الوسيط الأمريكي في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فإذا كنتم تتوقعون خيرًا من أمريكا لنصرة الحقوق الفلسطينية، عندئذ توقعوا خيرًا من الروس لنصرة السوريين المعارضين للنظام. كيف تتوقعون من روسيا التي تتفاخر بأنها أطلقت أكثر من مئتي ألف قذيفة على السوريين بأن تكون وسيطًا نزيهًا بين النظام والمعارضة؟ مستحيل. حتى لو أرادت الدول الكبرى الاستقرار في سوريا على الأقل لمصلحة إسرائيل، فلن يحصل السوريون إذا قبلوا بالحل السياسي على أكثر من اتفاق طائف سوري على غرار اتفاق الطائف اللبناني الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية. هذا في أحسن الأحوال، أما في الأحوال العادية فلن يحصلوا على شيء، لأن الذي يحدد مسار الوضع على الأرض هي القوة. من الذي يمتلك القوة على الأرض؟ بالطبع النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون، وبالتالي فهم سيفرضون الحل السياسي المزعوم على كل السوريين إذا سكت السوريون ورضخوا. والأخطر من ذلك أن اتفاق الطائف السوري الذي سيوزع السلطات بين مكونات الشعب السوري، إن حصل، سيكون أسوأ من الطائف اللبناني بكثير، فعندما انتهت الحرب الأهلية اللبنانية بعد ستة عشر عامًا من القتال والدمار، كانت الطوائف والفصائل اللبنانية في وضع متشابه، كلها كانت مستنزفة ولا داعم دوليًا قويًا لأي منها، وبالتالي كان ممكنًا حل المسألة اللبنانية بتوزيع السلطات بين المسيحيين والسنة والشيعة والدروز بسهولة، بينما في سوريا فإن النظام هو الأقوى الآن ليس بفعل قوته الذاتية، بل بفعل الدعم الروسي والإيراني الكبير الذي يحظى به مقابل تسليم ثروات ومقدرات البلد للروس والإيرانيين. وكلنا سمعنا التصريحات الروسية والإيرانية التي قالت: لولانا لسقط النظام خلال أسبوع. لكن مع ذلك، فإن الاحتضان الروسي والإيراني للنظام يجعله الآن الطرف الأقوى في أي مفاوضات لتقاسم السلطة مع أطياف المعارضة التي لا داعم حقيقيًا لها، وقد أصبحت الآن كالأيتام على موائد اللئام. وبالتالي، فإن وضع النظام الآن في سوريا أشبه بوضع حزب الله في لبنان بعد مضي حوالي ثلاثة عقود على اتفاق الطائف، أي بعد أن أصبح الحزب هو الأمر الناهي في كل القضايا السياسية والعسكرية والأمنية في لبنان على اعتبار أنه الفصيل الأقوى في البلاد. أما النظام السوري بفضل الدعم الخارجي فهو الآن أقوى من بقية الفصائل، فما بالك إذا فرض الروس والإيرانيون على السوريين اتفاق طائف سوريًا. بعبارة أخرى فإن الوضع في سوريا سيعود إلى حتى ما قبل المربع الأول، وستكون قوى المعارضة وبقية الشعب السوري الذي ضحى بالغالي والنفيس الخاسر الأكبر من أي اتفاق يبقى فيه النظام محتفظًا بالقوة العسكرية والأمنية في البلاد. كما هو معلوم، لا قيمة لأي تقاسم للسلطة في البلاد العربية إذا بقي الجيش والمخابرات في أيدي طرف معين. انظروا أين أصبح لبنان بعد اتفاق الطائف الذي قسم السلطات بين اللبنانيين. هل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية والرئاسية مستقلة وقادرة على تنفيذ مهامها باستقلالية وحرية، أم إنها باتت مطية للقوة المهيمنة عسكريًا على لبنان ألا وهو حزب الله؟ لا تنسوا أن سعد الحريري زعيم السنة في لبنان الذين حصلوا بموجب اتفاق الطائف على السلطة التنفيذية، أي رئاسة الحكومة، عاش لسنوات وسنوات خارج لبنان لأنه لا يأمن على حياته داخل لبنان. وحدث ولا حرج عن مؤسسة الرئاسة اللبنانية، فهل الرئيس اللبناني الحالي يمثل المسيحيين فعلًا كما نص اتفاق الطائف، أم إنه لم يكن يحلم بالوصول إلى الرئاسة أصلًا لولا تحالفه مع حزب الله الذراع العسكري والأمني الأقوى في لبنان؟ ما قيمة أي اتفاق يقسّم السلطات بين مكونات أي شعب بعد حرب أهلية إذا ظل هناك طرف يمسك بمقاليد القوة العسكرية والأمنية ويبتز الآخرين بها؟ بالمناسبة النظام السوري إذا ظل وضعه على ما هو عليه الآن بعد أي مفاوضات لتقاسم السلطة بين السوريين سيكون في وضع مشابه لوضع حزب الله في لبنان الأمر الناهي في البلاد، وستكون بقية السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية ألاعيب في يديه، حتى لو تم توزيعها بموجب أي اتفاق على بقية مكونات وقوى الشعب السوري. ما قيمة الحكومة السورية ومجلس الشعب والسلطة القضائية في سوريا أمام قوة الجيش والمخابرات؟ لا قيمة لها أبدًا، فهي مجرد عتلات بأيدي القوة الأمنية والعسكرية. لهذا فإن أي اتفاق سوري لا ينص على تحويل الجيش والمخابرات إلى مؤسسات وطنية لكل السوريين، فهذا سيعيدنا إلى ما هو أسوأ من المربع الأول، لأن تلك المؤسسات فيما لو بقيت بأيدي أصحابها الحاليين ستكون أشرس وأسوأ بكثير بعد الاتفاق، لأنها باتت تحظى بمشروعية ومباركة داخلية ودولية، وبالتالي ستتصرف بضراوة وعنجهية أكبر مع الجميع. طبعًا لا أحد ضد أن يكون لسوريا جيش عظيم وأجهزة أمن أعظم، لكن بشرط أن لا تكون محصورة في أيدي طائفة أو جماعة تستخدمها لتركيع السوريين وابتزازههم وحماية مصالح الفاسدين والمجرمين في البلاد. مرحبًا بأجهزة أمنية وجيش سوري عظيم لكل السوريين يحمي مصالح الشعب والوطن، لا مصالح الطغمة الحاكمة وعملائها ومرتزقتها العسكريين والأمنيين.

1710

| 06 سبتمبر 2017

انصروا أنفسكم أولاً ثم فكروا بنصرة الأقصى

"إن عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم المغتصبة أهم وأولى بكثير، من التفاوض على استعادة القدس"، رغم أهميتها الدينية والروحية بالنسبة للفلسطينيين خاصة والمسلمين عامة. هكذا تحدث الدكتور رمضان شلــّح الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية في إحدى مقابلاته قبل سنوات. ولا أعتقد أن شلــّح كان يقلل من أهمية القدس بالنسبة للنضال الفلسطيني، لكنه وجد أن القضايا والحقوق الإنسانية يجب أن تحظى بالأولوية كي يكون أصحابها مستعدين لاحقاً للذود عن المقدسات. ولا أظن أن أحداً يستطيع أن يزايد على الدكتور شلــّح في غيرته على عقيدته ومقدساته. كم تمنيت أن يكون لدى العرب تلك الواقعية التي عبر عنها الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي. أقول هذا الكلام بمناسبة الضجات الكبرى التي يثيرها العرب كلما تعرض أحد الكتاب للعقيدة الإسلامية أو دخلت الشرطة الإسرائيلية إلى المسجد الأقصى أو منعت المصلين من دخوله، فيقيمون الدنيا ولا يقعدونها، كما لو أنهم حلوا كل مشاكلهم الدنيوية، ولم يبق لديهم سوى التفرغ لمقارعة المتطاولين على مقدساتهم. لا أريد طبعاً أن انتقد تلك الحمية والغيرة الروحية العظيمة لدى العرب والمسلمين في العالم على دينهم ورسلهم، خاصة وأن بعضهم أحب من المال والأهل والوالد والولد والنفس، وهذا مقياس صدق الإيمان، لكنني كم أتمنى لو أنهم يوازنون ويوفقون بين "نخوتهم" العقدية وبين تصديهم للطغيان والاستبداد والديكتاتورية الداخلية والخارجية التي يرزحون تحتها من جاكرتا إلى بغداد. جميل جداً أن يثور المسلم عندما يحاول البعض النيل من عقيدته، لكنه جميل أيضاً أن يكون لديه نفس القدر من النخوة والاستبسال في الدفاع عن كرامته ولقمة عيشه وحياته وأوطانه وأبناء جلدته في وجه الأنظمة والقوى التي تسومه يومياً شتى أنواع العذاب والانتهاكات. وإلا لاتهمه البعض بالانفصام والكذب والنفاق. لماذا يثور الملايين ويخرجون إلى الشوارع لاستنكار رسم كاريكاتوري سخيف، ولا يحركون ساكناً ضد كل أنواع القهر والإذلال والقمع ودوس الكرامات التي يتعرضون لها على أيدي أجهزة التنكيل الرسمية في بلادهم؟ لا شك أن الدفاع عن كرامة العقيدة أمر جدير بكل الاحترام، لكن أليس من الغريب أن نتصدى لرسم كرتوني ولا نحس بكل صنوف الظلم والجور التي تحاصرنا داخل أوطاننا من كل حدب وصوب، كما لو أنها قدر محتوم؟ لماذا المقدسات أهم من الحقوق لدينا؟ "أليس لافتاً أن مقدساتنا تتقدم كثيراً في سلوكياتنا على حقوقنا، فلا نعير هذه الأخيرة الأهمية اللازمة، ولا نسعى أو نناضل من أجل تحقيقها أو استردادها؟ هل للشعائر قداسة عندنا أكثر من الحقوق الشخصية، ولماذا؟ أليس للحق في الحياة والحرية والكرامة والعيش الكريم قداسة وأهمية عندنا؟ أليس للأرض، أرض الوطن والأجداد والأحفاد، قيمة واحترام وتقدير؟ إذا كان لكل هذه الحقوق والقيم أهمية وقيمة وتقدير، لماذا لا نشعر بالاستفزاز وبالإهانة عند استباحتها وانتهاكها من قبل الغير، أيا كان؟ لماذا للمورثات أهمية في حياتنا أكثر من المنجزات ؟ لماذا الماضي الغابر يحفّزْنا إلى التحرك أكثر من الحاضر الذي نعيش فيه؟ كاد الاستعمار الداخلي والتدخل الخارجي ينتهي في كل أنحاء العالم إلاّ عندنا، فلماذا نطيق وطأته منذ مئات السنين ولا نناضل لإزالته عن كاهلنا كما سائر الشعوب الحرة ؟ نتهم الغرب بازدواجية المعايير، وهذا طراز من النفاق، فهل كان الغرب لينجح في منافقتنا لو لم نكن نحن ننافق أنفسنا؟ أليس نفاقاً أن ندّعي الغضب عندما يجرّح أحدهم نبياً أو ولياً أو زعيماً، ولا نشعر بالخجل عندما نمارس نحن شتى أنواع الكذب والنفاق والهوان؟" لماذا نتعامى عما يحدث لإخوتنا في العراق وسوريا واليمن، ولا نصرخ على الأقل صوتياً، بينما ننزل إلى الشوارع، ونزبد ونرغي، ونحرق الأعلام والأبنية والصور، ونهدد المسيئين للدين بالويل والثبور وعظائم الأمور، ونطالبهم، صباح مساء، بالاعتذار، لمجرد أنهم قالوا جملة أو جملتين بحق الدين الحنيف؟ أيهما أكثر إلحاحاً الذود عن المقدسات، التي لا يمكن أن يدنسها أو ينال منها رسم كاريكاتوري أو دخول الإسرائيليين إلى الأقصى، أم الحقوق والأوطان المغتصبة والثروات المستباحة من قبل الطغاة المحليين والخارجيين على حد سواء؟ ألم يقدم الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية قضية اللاجئين على قضية القدس لأنها أكثر إلحاحاً وضرورة؟ ألا يقولون في أدبياتنا العامة إن "الكد على العيال أفضل من العبادة على رؤوس الجبال"، أي أن الهم المادي مقدم على الروحي، على الأقل ريثما يتحقق الأول؟ فكيف ننصر الأعظم إذا فشلنا في نصرة الأصغر؟ لا أعتقد أن الأولياء والأنبياء الطاهرين الذين ندافع عنهم ضد المفترين سيكونون ممتنين لنا كثيراً، إذا ما عرفوا أننا نتعامى عن الظلم والطغيان الواقع علينا وعلى أوطاننا وإخوتنا وأهلنا من الطواغيت "الوطنيين" والاستعماريين. كيف سيصدقون أننا نذود عنهم ونحن لسنا قادرين على الذود عن أبسط حقوقنا البشرية؟ متى كان العبيد والأقنان سنداً للبشر كي يكونوا عوناً ونصرة للأنبياء والمرسلين؟ وأعتقد أن أول ما قد يقوله لنا هؤلاء المطهّرون: "دافعوا عن أنفسكم وعن حقوقكم أولاً قبل أن تستلوا سيوفكم الخشبية للهجوم على المفترين علينا، فلسنا بحاجة لصراخ الأذلاء والمستعبدين كي يحمينا من سهام السخفاء والقداحين! ذودوا عن مصالحكم وكراماتكم أولاً إذا كنتم صادقين!"

873

| 27 أغسطس 2017

أيها العرب.. لا تحلموا بتحسين شروط العبودية

من بركات الربيع العربي أنه أثبت لنا بما لا يدع أي مجال للشك بأن مصير الحكام العرب والأنظمة العربية ليس بأيدي شعوبها أبدًا، بل بأيدي كفلائها في الخارج. لقد كنا نعلم أن معظم الأنظمة الحاكمة والحكام العرب مرتبطون بالقوى العظمى، وأن تلك القوى كان لها رأي بوصول هذا الحاكم أو ذاك إلى السلطة في بلاده، لكننا لم نكن ندرك أن الرأي الأول والأخير في تعيين الحكام في بلادنا هو بأيدي القوى الخارجية وليس بأيدي الشعوب ولا القوى الداخلية. لقد اكتشفنا متأخرين أن الشعوب مثل الأطرش في الزفة كما يقول المثل الشعبي، وأن لا حول ولا قوة لها، وهي مغلوبة على أمرها، ولا تستطيع أن تختار حتى مختار القرية، فما بالك زعيم الدولة. لا تحلموا بتغيير أنظمتكم. لا تحلموا بتغيير حكامكم. لا تحلموا بتغيير سياسات بلدانكم. لا تحلموا بتغيير ثقافاتكم ولا حتى تحديث أو تعديل مناهجكم الدراسية ولا الدينية. أنتم مجرد عبيد أيها العرب. نحن نختار لكم كل شيء، وإن حاولتم التمرد على إرادتنا فسنجعلكم تلعنون الساعة التي فكرتم فيها بالتمرد علينا أو بتحسين شروط عبوديتكم. تلك هي الرسالة الدولية للشعوب العربية. وقد وصلت تلك الرسالة القذرة واضحة الآن بعد أن انقشع غبار الثورات العربية وذاب الثلج وبان المرج. حتى لو ضحيتم بالملايين من شعوبكم، وحتى لو تشردتم بالملايين بين لاجئ ونازح. وحتى لو خسرتم ملايين البيوت في أوطانكم، فلا تحلموا بالتغيير إلا بشروطنا. انظروا ماذا قدم السوريون في سبيل التغيير من شهداء وضحايا ولاجئين ونازحين ومعاقين ومدن مدمرة. ماذا حققوا؟ لا شيء أبدًا سوى الخيبة والحسرة. أنتم أيها العرب لستم جبناء كما يعيركم البعض، بل أنتم رمز للتضحية والشهادة في سبيل تحقيق الحرية والكرامة، لكن مع ذلك لن نسمح لكم بجني ثمار تضحياتكم. هكذا يقول لنا ضباع العالم. وفروا شهداءكم وتضحياتكم، فلن تحققوا مرادكم. هل حققت الشعوب العربية أيًا من طموحاتها في بلاد الربيع العربي؟ بالطبع لا. وقد تراوحت خساراتها بين العودة إلى المربع الأول كما في تونس ومصر، أو العودة إلى العصر الحجري كما في سوريا واليمن وليبيا. في تونس عاد النظام القديم لكن بشرعية جديدة لم تكن متوفرة لنظام بن علي، وكأنك يا أبوزيد ما غزيت. لقد عاد النظام القديم بكل أركانه السياسية والأمنية والإعلامية والاقتصادية. لا بل عاد بشكل أكثر شراسة وفجاجة بدعوى أنه جاء هذه المرة عبر صناديق اقتراع حقيقية. وفي مصر، بات الكثيرون يترحمون على نظام مبارك اقتصاديًا وأمنيًا وإعلاميًا وسياسيًا، لا بل إن البعض بات يعتبره عصرًا ذهبيًا. وحدث ولا حرج عن سوريا التي لم يكتف ضباع العالم بتحويلها إلى قاع صفصف وتجريدها من أبسط بنيتها التحتية، بل أصروا على بقاء النظام الذي ثار السوريون لتغييره. وقد لاحظنا في الآونة الأخيرة أن الشرق والغرب بات يؤكد على ضرورة بقاء النظام والرئيس على رأس السلطة وكأنهم يرشون الملح على جروح ملايين السوريين. وبمجرد أن نسمع القوى الدولية والإقليمية والعربية تقول إن الرئيس السوري باق، فهذه وصمة عار في جبين السوريين جميعًا مؤيدين ومعارضين، لأنها تقول للسوريين بصريح الكلام: نحن من نقرر بقاء رئيسكم أو رحيله. كما أنها رسالة واضحة للنظام وللشعب السوري بأنكم جميعًا مجرد أدوات في أيدينا. نحن من نعين هذا الرئيس أو ذاك، ونحن من يتحكم ببقائه أو سقوطه. وفي ليبيا أيضًا لم يكتفوا بتحويل ليبيا إلى ساحة حرب وتصفية حسابات داخلية ودولية، بل راحوا يعيدون كل أشكال النظام القديم. هل ثار الليبيون لاستبدال العقيد القذافي باللواء حفتر؟ لاحظوا الآن أن الجنرال الليبي الجديد يحظى بدعم عربي ودولي لا تخطئه عين. وفي اليمن بات اليمنيون يتحسرون على أيام الشقاء والطغيان الخوالي بعد أن تحول بلدهم إلى ساحة حرب دولية وإقليمية وعربية. لا بل إن ضباع العالم يدعمون النظام الذي ثار عليه الشعب اليمني بطرق مختلفة، فلو كان العالم يريد مساعدة اليمنيين لما سمح ببقاء الرئيس اليمني وأركان نظامه الأمنيين والعسكريين والاقتصاديين داخل اليمن بعد الثورة. هذه القصة القصيرة تلخص لنا الوضع العربي الحزين: "ذات يوم استأجر فلاح بسيط شقة ذات غرفة واحدة من إقطاعي، وعاش في تلك الغرفة الصغيرة مع زوجته وأولاده السبعة. وكانوا يعانون معاناة شديدة من صغر الغرفة. وبعد مدة جاءه الإقطاعي وقال له يا فلاح: عندي عنزتان وديك وقرد لا أجد لهم مكانًا، وأريد منك أن تسكنهم معك في الغرفة، فاضطر الفلاح إلى قبول الطلب مرغمًا، فزادت معاناة العائلة أضعافًا مضاعفة من العنزتين والديك والقرد المزعج الذين حولوا الغرفة إلى كارثة. وبعد مدة عاد الإقطاعي وأخذ العنزتين والقرد والديك، ثم اتصل بالفلاح بعد أيام ليسأله عن حاله: فقال الفلاح: حالنا عال العال، ممتاز، فنحن في نعمة، والبيت كبير ومريح ولا ينقصنا من هذه الدنيا شيء". هذا ما فعلوه مع السوريين والمصريين والليبيين والتونسيين واليمنيين والعراقيين بعد أن ثاروا. لقد سلطوا عليهم كل صنوف العذاب والشقاء والقهر والفقر كي يحنوا إلى أيام الطغيان الخوالي.

1020

| 13 أغسطس 2017

متى يتوقف العرب عن تقديس أوطانهم؟

ما قيمة الوطن بلا مواطن يتمتع بكل ميزات المواطنة؟ أليس الوطن هو مجموع المواطنين الذين يعيشون فيه، أم إنه قطعة أرض؟ ألا يجب أن نتعامل مع مفهوم الوطن بموضوعية وعقلانية بعيدًا عن التقديس الأجوف؟ لماذا لا نسمي الأشياء بمسمياتها بدل التغني بالوطن حتى لو داسنا وشردنا وجعلنا نهيم على وجوهنا في بلاد الله الواسعة بحثًا عن وطن حقيقي؟ لماذا؟ لماذا يتميز العرب عن بقية شعوب الأرض بتلذذهم بالظلم والألم والعذاب والجور والاستغلال الذي يعانونه على أيدي أنظمتهم وحكوماتهم وجلاديهم؟ إنه نوع غريب من المازوخية العجيبة التي تحتاج إلى معالجة نفسية فورية. ولعل شعراءنا وفقهاءنا وبعض أدبائنا أسهموا بطريقة أو بأخرى في ترسيخ هذا الاستمتاع المرضي بالبطش والاضطهاد من باب أن الإنسان يجب أن يتحمل كل أنواع التنكيل التي ينزلها الوطن بساكنيه، حتى لو داسهم ليل نهار، وسامهم سوء العذاب. فالوطن في ثقافتنا العربية المريضة يتقدم على المواطن، والأرض العربية القاحلة الجرداء أهم من الإنسانية، ومسقط الرأس غال حتى لو أطار رؤوسنا، وقدّمنا طعامًا مفرومًا للكلاب والقطط وأسماك البحر! أما آن الأوان لتلك الجوقة العربية الزاعقة التي ترفع سيف الوطنية الصدئ في وجه كل من يحاول أن ينتقد الوطن وحكامه، ويكشف عورات الأوطان وسرطاناتها المتقيحة أن تبلع ألسنتها، وتكف عن المتاجرة بالمشاعر الوطنية «عمّال على بطـال»؟ أليس هناك من لديه الشجاعة لأن يقول لهؤلاء الغوغائيين الذين ينصرون الوطن ظالمًا أو مظلومًا: إن «الوطنية هي الملاذ الأخير للسفلة والأنذال» كما صاح الأديب الإنجليزي صامويل جونسون ذات مرة؟ إلى متى نتشدق ببيت الشعر السخيف: «بلادي وإن جارت على عزيزةٌ * وأهلي وإن ضنوا على كرامُ»؟ أليس مثل هذا الكلام الفارغ هو الذي أسهم في وجود الدولة التسلطية، ومنع تحقيق المواطنة بمفهومها الحديث في العالم العربي، وأعاق تقنين حقوق المواطن وتحديد واجبات الوطن وحكامه؟ إلى متى نردد العبارة المهترئة: «ما أجمل أن يموت الإنسان من أجل وطنه»؟ لماذا لا نقول: «ما أجمل أن يحيا الإنسان من أجل وطنه»؟ لماذا ترتكز ثقافتنا العربية المازوخية على الموت والعذاب لا الحياة والمتعة في جنبات الوطن؟ هل أخطأ أحد الساخرين عندما أعاد كتابة البيت الشهير المذكور آنفًا ليصبح: «بلادي وإن جارت على حقيرةٌ * وأهلي وإن جنوا على لئامُ»؟ متى نتعلم من الأمم الحية التي وضعت الوطن عند حدوده، ولم تعامله كإله يجب تقديسه حتى لو أهانك وأذلك صبح مساء؟ هناك مثل إنجليزي شهير يقول: «إن الوطن حيث القلب». فإذا كنت تعيش وتحب بلدًا ما حتى لو لم تولد به فهو وطنك الحقيقي، وليس مسقط رأسك الذي أخذ على عاتقه تجريدك من آدميتك منذ اللحظة التعيسة الأولى التي خرجت بها من رحم أمك. ما الفائدة أن تعيش في وطنك غريبًا؟ أليست الغربة الداخلية أصعب وأقسى عشرات المرات من الغربة الخارجية؟ لماذا أدرك الغربيون هذه الحقيقة، بينما ما زال بعض مثقفينا الموتورين يؤنبون، ويتطاولون على كل من ينبس ببنت شفة ضد أوطاننا المزعومة؟ إن المواطنة والديمقراطية ومنظومة حقوق الإنسان الحديثة هي التي جعلت المواطن الغربي يعتبر المكان الذي يعشقه هو وطنه الأصلي غير عابئ بالعواطف الوطنية التقليدية السخيفة. للأسف الشديد لقد استطاعت الأيديولوجيات «القومجية» العربية أن تضحك علينا بشعاراتها الكاذبة على مدى أكثر من خمسين عامًا، وأرغمتنا على التظاهر بحب الوطن رغمًا عن أنوفنا، رغم أن أفئدة الملايين في هذا «الوطن العربي» الجريح كانت دائمًا تتوق إلى أوطان خارج «الوطن» لعلها تحقق شيئًا من آدميتها المسلوبة. ليت الشعوب العربية تنبهت إلى مقولة الإمام علي بن أبي طالب «كرّم الله وجهه» عندما قال في عبارته المأثورة الشهيرة: «ليس هناك بلد أحب بك من بلد، خير البلاد ما حملك». ليتها تمسكت بتلك النصيحة العظيمة في وجه حملات المكارثية القومية العربية التي حاولت دائمًا أن تجرّم كل من يتذمر من سياطها «الوطنية» متهمة إياه بالخيانة القومية، مع العلم أن أكثر من خان الأوطان وسلمها للأعداء على أطباق من ذهب هم رافعو الشعارات الوطنية والقومجية البائسة. وكما يقولون: الأمور دائمًا بخواتيمها. ألم تصبح البلدان التي تشدقت على مر الزمان بالوطنية والقومجية الساحقة الماحقة، رمزًا للانهيار سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا، سوريا والعراق وليبيا مثالًا؟ لم تعد العبارات الوطنية «البايخة» تنطلي على أحد. لقد غدت المشاعر الوطنية في «وطننا» العربي، وللأسف الشديد، كالمنتجات الوطنية التي تُعتبر عادة رديئة النوعية. ثم ألم يصبح عدد الذين يريدون هجرة «الوطن» العربي أكبر بعشرات المرات من الذين يريدون البقاء فيه؟ لماذا أصبحت كلمة «وطن» بالنسبة للكثيرين من العرب مفردة بالية؟ لماذا زال البعض يردد مقولة المعتمد بن عباد الشهيرة: «لأن أكون راعي جمال في صحراء إفريقية خير من أن أكون راعي خنازير في بيداء قشتالة»؟ بينما نرى آخرين يتسلحون بالقول الشعبي: «زيوان بلدك ولا قمح الغريب». والزيوان هو نوع من الحبوب السوداء التي تمتزج بحبوب القمح ولا بد من إزالتها عند الطحين. ولا أدري لماذا يُطلب من هذه الملايين العربية المضطهدة والجائعة أن تقبل بزيوان الوطن، بينما تستأثر الطبقات الحاكمة والمتحكمة ومن لف لفها بقمح الأوطان وحتى زيوانه؟ أي مازوخية أسوأ من هذه المازوخية العروبية القبيحة التي تحاول تغطية عين الشمس بغربال؟ ألم ينقطع نتاج أدباء المهجر الذي كان مفعمًا بحب الوطن؟ أين أمثال إيليا أبي ماضي وجبران خليل جبران وشفيق المعلوف وفوزي المعلوف وبدوي الجبل ونسيب عريضة؟ هل مات الأدب المهجري بسبب العولمة وسهولة الاتصال والسفر بين الدول فقط، أم بعدما أصبح العديد من الأوطان العربية طاردًا لمواطنيه؟ لماذا أصبح شعار المغترب العربي «أنا مهاجر يا نيّالي»؟ لماذا «تغرورق» عينا الإنسان العربي بدموع الحزن والأسى عندما يريد أن يعود إلى أرض الوطن؟ ربما لأن المنفى تحول إلى وطن حقيقي والوطن إلى منفى! صدق من قال: بلادنا كريمة إذا أكرمتنا، ولئيمة إذا أهانتنا.

5175

| 30 يوليو 2017

من الذي حمى الدولة السورية من السقوط: الأسد أم إسرائيل؟

لا شك أن الطواغيت العرب وخاصة الذين صنعوا الدولة على مقاسهم، وسموها بأسمائهم أحياناً كسوريا الأسد مثلاً، ربطوا الدولة كلها بمصير الرئيس والنظام، بحيث إذا انهار النظام يجب أن تنهار معه الدولة كلها، لأن الطاغية العربي يعمل على طريقة لويس الرابع عشر الذي قال يوماً: "أنا الدولة والدولة أنا". إما أن يحكم حتى ينتقل من القصر إلى القبر أو أنه إذا اضطر إلى التخلي عن الحكم تحت ظروف معينة فلا بد من الانتقام من الدولة والشعب معاً بتدمير كل مؤسسات الدولة ومقوماتها كما فعل بشار الأسد في سوريا والقذافي في ليبيا وعلي عبدالله صالح في اليمن. وقد لاحظنا في سوريا مثلاً أن النظام أوعز لشبيحته ومؤيديه أن يكتبوا على جدران سوريا شعارهم الفاشي الشهير: "الأسد أو نحرق البلد" ليقولوا للسوريين إما أن تقبلوا بحكم الأسد أو أننا نحرق سوريا الدولة والوطن، لا بل نقوم بتهجير الشعب أيضاً. وهذا ما فعلوه عملياً، فقد دمروا أكثر من نصف البلد، وشردوا أكثر من نصف الشعب، وحطموا غالبية البنية التحتية للبلاد بالقصف الممنهج وخاصة عبر البراميل المتفجرة التي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً ولا حتى على أيدي النازية والفاشية. لقد قالها جنرالات سوريون كبار مرات ومرات إنهم لو وجدوا أنفسهم محاصرين داخل دمشق، فسيحرقون العاصمة عن بكرة أبيها. لكن هناك قوى دولية وإقليمية لا يمكن أن تسمح بسقوط الدولة السورية، ليس من أجل عيون السوريين والحفاظ على دولتهم أو ما تبقى منها، بل لأنه ليس من مصلحة قوى إقليمية ودولية كثيرة القضاء على الدولة السورية، فسوريا ليست ليبيا ولا اليمن البعيد عن إسرائيل، بل إن أمن إسرائيل مرتبط ارتباطاً وثيقاً ببقاء الدولة في الدول المجاورة وخاصة في سوريا. ولوعدنا إلى الوراء سنوات وتابعنا التصريحات الأمريكية تحديداً، لوجدنا أن كبار الاستراتيجيين والمسؤولين الأمريكيين أكدوا مرات ومرات بأنهم لن يسمحوا بسقوط الدولة ولا النظام في سوريا، لكن ليس لأنهم يحبون الشعب السوري ولا يريدونه أن يخسر دولته التي بناها على مدى عقود، بل لأن لا إسرائيل ولا أمريكا يمكن أن تسمح بوجود أفغانستان أو صومال أو ليبيا أخرى على حدود إسرائيل. بعبارة أخرى، فإن الدولة السورية ضرورة وجودية بالنسبة لإسرائيل قبل أن تكون ضرورة للسوريين أو الروس. وقد قالها رامي مخلوف الواجهة الاقتصادية لبشار الأسد في الأسابيع الأولى من الثورة عندما ذكّر إسرائيل بالاتفاق السري بينها وبين نظام الأسد، بأن أمن إسرائيل من أمن النظام. وقد كان مخلوف وقتها صريحاً إلى حد الفضيحة. ورغم كل ما حصل في سوريا من دمار وخراب إلا أن الأمريكيين والروس والإسرائيليين عملوا المستحيل كي لا تنهار الدولة السورية. لكن رب ضارة نافعة للسوريين بعد أن شاهدوا ما حل بالبلدان التي سقطت فيها الدولة كأفغانستان والصومال وليبيا. لا شك أن المصلحة الإسرائيلية والأمريكية بالحفاظ على الدولة السورية صب في نهاية المطاف في مصلحة الشعب السوري تحديداً، خاصة وأن فصائل المعارضة والجماعات التي تقاتل النظام لا تقل قذارة عن النظام في معاداة الدولة واستهدافها، فكما عمل النظام على تدمير البلد، لم تقصّر فصائل المعارضة في استهداف البنية التحتية ولا حتى البنى الحيوية والاستراتيجية في البلد بحجة إيذاء النظام، مع العلم أن المعارض الوطني يعلم علم اليقين أن الدولة شيء والنظام شيء آخر تماماً، حتى لو حاول النظام أن يربط الدولة بالنظام والحاكم كما فعل النظام السوري عندما أطلق اسم "سوريا الأسد" على سوريا. صحيح أن الدولة السورية ارتبطت منذ عام السبعين بنظام البعث الأسدي، لكن هذا لا يعني أن الدولة السورية صناعة أسدية بعثية، بل هي صناعة سورية وطنية ساهم في بنائها العديد من السوريين العظماء والوطنيين كفارس الخوري وأمثاله من السوريين الشرفاء. بعبارة أخرى، لقد فشل الكثير من المعارضين في التمييز بين الثابت والمتحول، فاستهدفوا الدولة على أنها هي والنظام صنوان، دون أن يعلموا أن النظام متحول والدولة ثابتة بغض النظر عن من يحكمها. لا بأس أن يستهدفوا النظام وينتقموا منه على اعتبار أنه مجرد عصابة اغتصبت الدولة، لكن من الخطأ الاستراتيجي أن يستهدفوا الدولة على اعتبار أنها هي والنظام شيء واحد، حتى لو بدت ذلك ظاهرياً. ولا شك أن بعض المغرضين من المعارضين تحجج باستهداف النظام كي يؤذي الدولة، فكان يبرر هجومه على مرافق الدولة ومؤسساتها مدعياً أنها أداة في يد النظام. بكل الأحوال الآن وبعد أن شاهد السوريون ما حل بالبلدان التي سقطت فيها الدولة وتفكك جيشها، عليهم أن يحمدوا ربهم أن الدولة السورية رغم كل الخراب والتدمير الذي لحق بها إلا أنها مازالت موجودة وقابلة للترميم والإصلاح، خاصة وأن قوى المعارضة لم تقدم نموذجاً أفضل من الدولة التعيسة في سوريا. لقد تصرف معظم الفصائل في سوريا في الشمال والجنوب والوسط والشرق والغرب بعقلية العصابات والإقطاعيات والإمارات. وهل ثار السوريون أصلاً على النظام الفاشي ليقسموا بلدهم إلى إمارات ومقاطعات وغنائم بين الفصائل التي تدعي معارضة النظام؟ بالطبع لا. لقد لاحظنا كيف كان كل فصيل يتعامل مع المنطقة التي يسيطر عليها بعقلية العصابة أو الإمارة في أحسن الأحوال على اعتبار أنها غنيمة حرب. وقد شاهدنا أيضاً التناحر الكبير بين تلك الفصائل التي كانت تتنافس على الغنائم دون أي اهتمام ببناء دولة جديدة على أساس المواطنة والكرامة والحرية، أو تقديم نموذج أفضل من نموذج النظام. ولو كان السوريون قد وجدوا خياراً ثالثاً أقرب إلى دولة المواطنة الحديثة فلا شك أنهم كانوا سيركلون ما تبقى من الدولة السورية إلى مزبلة التاريخ، لكنهم وجدوا أنفسهم بين بقايا دولة ولا دولة، فاختاروا بقايا الدولة على اللادولة. كم هم سخفاء أولئك الذين يقولون إن الجيش السوري والنظام حافظا على الدولة السورية! لا أبداً، فلو كان الأمر عائداً للنظام وفصائل المعارضة لما تركوا حجراً على حجر في الدولة السورية. وسيذكر التاريخ أن الذي منع سقوط الدولة السورية ليس النظام ولا جيش النظام ولا حتى حلفاء النظام، فالروس تدخلوا في سوريا بضوء أخضر إسرائيلي وأمريكي. ولو كانت سوريا بعيدة عن إسرائيل لسقطت الدولة منذ الشهر الأول. لكن قرب سوريا من إسرائيل منع سقوط الدولة بأمر إسرائيلي، مع الاعتراف طبعاً أن النوع الوحيد من "الدول" الذي يمكن أن تسمح به إسرائيل على حدودها هو نظام القمع والمخابرات والتشبيح ، فهذا النوع من الدول والأنظمة هو الذي يحميها من الشعوب منذ نصف قرن. [email protected]

1918

| 16 يوليو 2017

من القلوب الإنسانية إلى القلوب الإلكترونية

تكاد لا توجد لغة تضاهي لغتنا الجميلة في التعبير عن العواطف الإنسانية الجياشة تجاه ذوي القربى والوطن. وقد برع شعراء المهجر والأدباء العرب بشكل عام في توظيف تلك المفردات الفريدة في شعرهم العذب وإنتاجهم الأدبي الإنساني، وجعلونا نردد تعابيرهم وأبياتهم الجميلة التي تقطر تشوقًا للقاء الأحباء والعودة إلى الأوطان! وكم تغنى مطربونا ومطرباتنا بالشوق والحنين إلى الأهل والأحبة عشاقًا كانوا أو خلانًا أو أقرباء! ولعل أجمل الأغنيات التي صدح بها صوت أم كلثوم وفريد الأطرش وعبدالحليم حافظ وفيروز ووديع الصافي وغيرهم، هي تلك التي تخاطب الأحبة البعيدين عن عيوننا في ديار المهجر أو الغربة خلف البحار والمحيطات والحدود. من منا لا يتأثر بأغنية فيروز التي تنادي "حبايبنا خلف الجبل البعيد"؟ ألا تقشعر أبداننا عندما نسمع فيروز وهي تهتف لجدتها: "ستي.. ستي يا ستي اشتقت لك يا ستي"؟ ألم يصدح صوت صباح أيضًا في أغنيتها الشهيرة: "ألو بيروت من فضلك يا عيني، اعطيني بيروت عجـل بالخط شويا"؟ ألا نتأثر جميعًا بالصوت الجبلي العظيم وديع الصافي وهو يطلب من "الطير الطاير" أن يسلم له على الأهل وأن يطمئن على "الزرع في موطنا وعن حال السهل"؟ ألا نذرف الدموع ونحن نستمع إلى المطرب العراقي سعدون جابر صاحب البحة الشجية وهو يناشد "الطيور الطايرة" أن تمر بديار "هلي" وأن تسلم عليهم سلامًا دامعًا؟ ألم يبرع فريد الأطرش في أغنيته الشهيرة "أحبابنا يا عين ماهم معانا" التي أعادت وردة الجزائرية إنشادها بإحساس لا يقل عذوبة ورقة؟ ألم تعاتب ميادة الحناوي الأحباب في أغنية "فاتت سنة حتى الجواب منهم ما وصل شي"، يا ترى "مستكترين فينا المراسيل"؟ ومن منا لا يتذكر أبيات الشاعر المهجري رشيد أيوب وهو يقول: "يا ثلج قد هيجت أشجاني.. ذكرتني أهلي وأوطاني.. بـالله قل عني لجيراني.. ما زال يرعى حرمة العهد"؟ ألا تدمع مقلتنا عندما نستمع إلى بيت محمود درويش الشهير "أحن إلى خبز أمي وقهوة أمي"؟ تبًا لك أيتها العولمة ووسائل التواصل الحديثة التي حرمتيننا من أجمل ما في ثقافتنا العربية، ألا وهي مشاعر الشوق والحنين. لم يعد هناك معنى لـ"البُعاد" والفراق والهجران واللقاء ولم الشمل بعدما حولت العولمة هذا العالم إلى قرية صغيرة، وألغت الحدود والمسافات وسهلت الوصل والاتصال بين الناس. لم ولن أنسى المرة الأولى التي تحدثت فيها مع والدي عبر الهاتف من قريتنا في سوريا إلى بيروت. لقد ذهبنا جميعًا إلى مركز البريد والهاتف القابع في زاوية دكان صغير لصاحبه أبي وديع، فتجمهرت عائلتنا حوله وهو يحرّك "مناويل" الهاتف اليدوي كما لو كان يطحن القهوة وهو يصرخ بأعلى صوته "ألو يا بيروت ألو.. ألو". لم أصدق وقتها أنني سأسمع صوت والدي العامل في لبنان عبر ذلك الجهاز الأسود العجيب المعلق على حائط ذلك الدكان العتيق. لكننا بقدرة قادر سمعناه وسمعنا. آه كم كنا نسعد عندما نفتح رسالة قادمة من عمتي المهاجرة في فنزويلا أو من خالي في ليبيا! آه كم كنت أستمتع بالرسائل التي كانت تصلني من الأهل وأنا أدرس في بريطانيا! آه كم كنت أتلهف لوصولها كي أقرأها مرات ومرات! لقد كان أجمل وقت من أوقات اليوم، تلك اللحظات التي أتوجه فيها إلى الركن المخصص للرسائل في الجامعة، فكنت أرنو من بعيد إلى ما يسمونه بعش الحمام الذي يضعون فيه الرسائل الخاصة بكل طالب، لعلني ألمح ظرفًا صغيرًا قادمًا من ربوع الأهل والأصدقاء والأحبة. آه كم كنت أفرح بتلك "المكاتيب" الواصلة بالبريد الجوي فرحة الأطفال بألعاب وثياب العيد! آه كم كنت أرقب ساعي البريد كل صباح من خلال فتحة الباب المخصصة لرمي الرسائل. آه كم كان قلبي يخفق بسرعة البرق انتظارًا لذلك الظرف المـزين باللونين الأزرق والأحمر! آه كم كنت أطير من الفرح عندما "يعلــق" معي خط التليفون من بريطانيا إلى قرية "الثعلة" البعيدة! آه وألف آه! آه كم كنت أستمتع بشريط الكاسيت المرسل من الأهل حيث كان كل واحد منهم يسجل سلامه بالصوت. آه كم كنت أبكي عندما أستمع إلى الأغنية "السويدائية" (نسبة إلى مدينة السويداء السورية) "يا ديرتي.. يا ديرتي وداعًا يا حبيبتي لوما الشقا يا زنبقه ماتطول عنك غيبتي"! لقد ولىّ زمان الوصل بعدما قضت وسائل الاتصال الحديثة من فضائيات وهواتف متحركة وإنترنت وبريد إلكتروني ومواقع تواصل وتوابعه على تلك الثقافة الوصلية والإنسانية الجميلة. لقد انكسرت حدة الشوق والحنين لأحبائنا وأهلنا في المهجر أو الأوطان، وانطفأت جذوة التلاقي بعدما قربت تكنولوجيا الاتصالات الحديثة المسافات وألغت الآهات. لم نعد نتشوق ونحن لوصول رسالة بعد أن أصبح ساعي البريد الإلكتروني يوصل رسائلنا إلى أبعد بقاع الأرض خلال ثوان معدودة. لم نعد نفرح بالرسائل الواردة إلينا عبر الإنترنت، فهي بلا طعم ولا رائحة ومنزوعة العواطف والأشواق وملغومة بالفيروسات القبيحة التي قد تدمر الكمبيوتر وما حمل. ومما زاد الطين بلة أن الإنترنت وفرت خدمة الاتصال بالصوت والصورة مما جعل الناس تتحدث وترى بعضها البعض عن بعد، فتخسر متعة اللقاء والوصال عندما تحين العودة إلى الديار بعد طول غياب. أعرف أناسًا يتصلون مع أبنائهم في أمريكا وأوروبا لساعات وساعات عبر سكايب وغيره من برامج التواصل، حتى أنهم يدعون الكاميرا تصور كل زوايا المنزل على طريقة تلفزيون الواقع. لا بل إن الولد في أمريكا يعرف ماذا ستطبخ أمه اليوم في أي بلد عربي وهو يراها عبر الإنترنت تقطع البصل والبطاطا في المطبخ وتقول له: "تعال تغدا معنا يا حبيبي". ولا أبالغ إذا قلت إن البعض قد مل حتى من الاتصال والحديث إلى الأهل عبر الإنترنت رغم أنهم يعيشون بعيدًا عنهم ألوف الأميال خلف البحار والمحيطات. وأعرف أناسًا لا يفتحون برامج الاتصال كثيرًا خشية أن يدخل على الخط صديق أو قريب يريد المحادثة أو الدردشة من خلف الحدود. وكم يخبرنا الماسنجر بدخول صديق أو قريب على الخط، فنتجاهله أو نكتب ملاحظة تقول إنني بعيد عن الكمبيوتر، ولا أستطيع التحدث معكم الآن. آه كم تغير العالم وغيّر معه حتى عواطفنا ومشاعرنا، وأنا على يقين بأن شعراء المهجر من أمثال إيليا أبي ماضي وجبران خليل جبران وشفيق المعلوف وغيرهم سيتقلبون في قبورهم لو علموا أن العولمة قضت على أدبهم وجعلته هباء منثورًا. لقد جعلتنا وسائل الاتصال الحديثة نزداد تحجرًا والقلوب أقل إنسانية وشوقًا وهيامًا. آه يا أيام التواصل القديمة كم كنت جميلة! [email protected]

1372

| 18 يونيو 2017

وعاظ السلاطين كالسعادين من الشمال إلى اليمين

بما أن الأنظمة العربية، خاصة الجمهوريات أو الجملكيات، أممت كل شيء، وأخضعت كل مناحي الحياة الاجتماعية والسياسية والحزبية والأهلية والاقتصادية والتربوية والفنية والفكرية للأمن السياسي، فلا عجب أن تقوم بإخضاع المؤسسة الدينية لسلطانها، بحيث تصبح تلك المؤسسة مجرد خادم ذليل لدى الحاكم ونظامه. لطالما سمعنا في الماضي عن وعاظ السلاطين، ولا ضير في ذلك، لكن التغول الأمني داخل المؤسسة الدينية في عصر الديكتاتوريات العربية تجاوز مرحلة وعاظ السلاطين بأشواط طويلة. لقد غدت مؤسسة الإفتاء في العديد من الدول العربية أشبه بفروع المخابرات، وغدا العاملون فيها مجرد عناصر أمنية آخر ما يهمهم نشر الدين الحنيف وتوعية الناس أخلاقيًا وروحيًا. لقد أصبحوا بوقًا مفضوحًا للأجهزة الأمنية، خاصة في بلد كسوريا، حيث يصعب التمييز بين الخطاب الأمني والإعلامي الرديء للنظام وبين خطاب المؤسسة الدينية، لا بل إن خطباء المساجد، خاصة خطيب الجامع الأموي الشهير في دمشق، يزايد على فضائيات النظام التعبوية في خطبه الرديئة، فقد وصل به الأمر إلى تمجيد الرئيس الروسي بوتين الذي تقتل طائراته السوريين ليل نهار، كما وصفه بأنه أحد الفاتحين، مع العلم أن وزير الدفاع الروسي اعترف بأن الطائرات الروسية شنت أكثر من سبعة وسبعين ألف غارة جوية على المدن والقرى السورية، ناهيك عن أن روسيا اعترفت على الملأ بأنها استخدمت أكثر من مئتي نوع من الأسلحة الجديدة على الأرض السورية، بحيث تلوثت الأجواء والأراضي السورية بالمواد المشعة لمئات السنين، مع ذلك لم يتورع خطيب الجامع الأموي عن الإطناب في تمجيد الروس. حتى وسائل إعلام النظام تخجل من تمجيد الجيش الروسي ورئيسه بالطريقة نفسها التي مجده فيها مأمون رحمة. لماذا أوغلت الديكتاتوريات في تسييس المؤسسة الدينية، وحولت وظيفة المفتي وخطباء الجوامع إلى مجرد أبواق أمنية مفضوحة؟ أليس من المخجل أن قرار تعيين مفتي الجمهورية والخطباء وطبقة رجال الدين المعتمدة جاء من قبل قسم الأمن السياسي في المخابرات السورية؟ أليس من المضحك أن تصل خطبة الجمعة للخطباء من فروع الأمن في سوريا وغير سوريا طبعًا؟ هل يخطب مأمون رحمة وأمثاله من الخطباء العرب من رؤوسهم، أم مما وصله من فرع الأمن السياسي؟ لاحظوا أيضًا أن منصب مفتي الجمهورية يصدر بمرسوم رئاسي... هل رأيتم مدى أهميته التعبوية والدعائية بالنسبة للأنظمة الديكتاتورية؟ لا عجب إذًا أن المفتي وشلته يلقون علينــا خطبــًا عن عدل سيدنا عمر بن الخطاب، وفي نهـــاية الخطبة يدعون لحـاكم قاتل مجرم لص يسرق قوت الشـــعوب ويشردها ويقتلها بالملايين. وبما أن وظيفة المفتي في الديكتاتوريات العسكرية وظيفة أمنية وسياسية بالدرجة الأولى، فإن كل نظام يختار المفتي الذي يعبر عن توجهاته ومنطلقاته السياسية والحزبية والعقائدية، فإذا كان النظام يدّعي العلمانية والانفلات الاجتماعي مثلًا كالنظام السوري، فيقوم بتعيين "مفتن" مستعد أن يمشي في الشارع عاريًا بحجة أن لا إكراه في الدين، ومستعد أيضًا أن يحلل الخمر والفاحشة بحجة أن "لكم دينكم ولي دين". وقد شاهدناه ذات مرة وهو يتشدق أمام وفد أمريكي في دمشق بليبراليته الإسلامية الصارخة، حيث قال حرفيًا: "لو طلب مني نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أن أكفر بالمسيحية أو اليهودية لكفرت بمحمد". وهي بلا شك رسائل سياسية من النظام للأمريكيين لا علاقة للمفتي الدجال بها أبدًا، بل هو مجرد بوق يوصل رسائل سيده الدينية للغرب كي يرضى عنه ويعتبره متحررًا دينيًا. ومعروف أنه كلما انقلب النظام على الدين لاقى تأييدًا واحتضانًا غربيًا أكثر. لهذا وضع على رأس المؤسسة الدينية مهرجين مستعدين أن يحللوا له كل شيء لإفراغ الدين من مضمونه وتوجيهه لخدمة الأهداف السياسية الدنيئة. وإذا كان بعض الأنظمة العربية يريد أن يوهم الناس بأنه ملتزم جدًا بالدين، وأن كل شيء في البلد يسير حسب التعاليم والقوانين الدينية فيقوم بتعيين "مفتن" يحرّم حتى الاستماع إلى زقزقة العصافير بحجة أنها حرام. وإذا كان النظام يدّعي التعايش ومحاربة الطائفية فيقوم بتعيين "مفتن" يحرّم حتى الحديث عن أي طائفة أو مذهب إسلامي آخر بحجة أن ذلك يثير الفتنة بين المذاهب والطوائف، مع العلم أن النظام نفسه يكون غارقًا في الطائفية والمذهبية حتى أذنيه، لهذا يتحجج بضرورة التعايش بين المذاهب والطوائف لا كي يسود الوئام بين الشعب، بل كي يحمي طائفته ونفسه من أتباع المذهب العام الذين يعاديهم في الباطن. هل إذًا المفتي ورجال الدين في الديكتاتوريات العربية صوت الدين فعلا، أم سوط المخابرات؟ [email protected]

1476

| 04 يونيو 2017

المخابرات العربية ومواقع التواصل الاجتماعي

لا أعتقد أنك ستجد جهازًا سياسيًا أو إعلاميًا أو أمنيًا في الدول التي تحترم نفسها يقوم بمراقبة شبكة الإنترنت ومواقع التواصل بهدف التجسس وتكميم أنفاس الشعب أو ملاحقة الناس بهدف تطويعهم وتركيعهم وتكميم أفواههم أو إيداعهم السجون. لا شك أن الدول الغربية تتابع توجهات الرأي العام في بلادها عبر الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل، لكن ليس لأغراض أمنية قذرة، بل ربما لمعرفة التوجه العام. وغالبًا ما تكون المراقبة لأغراض بحثية واقتصادية وتجارية، ولا بأس في ذلك. أما في بلادنا العربية التعيسة، فالقبضة الأمنية الحقيرة تطال كل شيء، وحتى العالم الافتراضي المفتوح الذي تصعب مراقبته. مع ذلك، لا تتردد معظم الأنظمة العربية في إنشاء أجهزة أمنية خاصة مهمتها متابعة رواد التواصل الاجتماعي لأغراض أمنية بالدرجة الأولى. وعلى عكس كل الأمم، فإن أول كومبيوتر عملاق في بلد مثل تونس أو سوريا قبل الثورة لم يدخل إلى الجامعات، بل دخل إلى فروع الأمن والمخابرات، رغم أن ثمنه كان باهظًا جدًا في ذلك الوقت. لم تفكر تلك الأنظمة المخابراتية البوليسية القذرة في استغلال الاختراعات الإلكترونية في خدمة التربية والعلوم والطب والصحة، بل استغللتها فورًا لأهداف القمع والملاحقة وتكميم الأفواه وضبط الشعوب. الأنظمة المخابراتية استغلت الاختراعات الإلكترونية لأهداف القمع والملاحقةوكلما ظهر نوع جديد من الإعلام الإلكتروني كانت أجهزة الأمن العربية له بالمرصاد كي تضبطه وتقمعه رغم صعوبة المهمة كما أسلفنا. قد يجادل البعض بأن أجهزة الاستخبارات الدولية كلها تراقب مواقع التواصل والإنترنت. وهذا صحيح، لكنها تراقب الحركات والشخصيات المشتبه بانتمائها إلى جماعات إرهابية أو جماعات قد تشكل خطرًا على المجتمع والناس. وهذا عمل تشكر عليه الأجهزة، كما تشكر أيضًا على ملايين الكاميرات التي تنصبها في شوارع المدن الغربية لحماية الأمن والاستقرار وتأمين سلامة الشعوب من اللصوص والمجرمين. أما عندنا فالمراقبة الإلكترونية آخر ما يهمها أمن وسلامة الناس، والميزانيات الضخمة التي ترصدها أجهزة الأمن في العديد من الدول العربية هدفها إحصاء أنفاس الناس والقمع الاجتماعي والسياسي والأمني. وقد نجحت أجهزة المخابرات في معظم الدول العربية في ضبط شبكات التواصل الاجتماعي إلى حد ما وتحجيمها وكبت أنفاس مرتاديها، لهذا مثلًا تكثر الحسابات المفتوحة بأسماء وصور وهمية خوفًا من الملاحقة الأمنية. ويجب الاعتراف بأن هناك ملايين العرب حتى الآن في عصر السماوات المفتوحة يخشون من وضع "لايك" على منشور في فيسبوك أو تويتر أو غيرهما، لأن الثمن سيكون غاليًا. وقد شاهدنا كيف دخل الكثير من السوريين إلى غياهب السجون بسبب فتح حساب على فيسبوك أو لمجرد وضع لايك على بوست لكاتب معارض. ولطالما داهمت أجهزة الأمن الأسدية بيوت السوريين لاعتقال شخص لأنه قام بمشاركة منشور لكاتب معارض أو لا ترضى عنه السلطات. وقد سمعت الكثيرين يقولون لي: نحن نتابع كل منشوراتك على مواقع التواصل لكن لا نستطيع أن نبدي إعجابنا بها أو "تشييرها" لأن ذلك يعرضنا لخطر شديد. ولم تتوقف فروع الأمن الإلكتروني العربية عند ملاحقة رواد مواقع التواصل الاجتماعي، بل شكلوا أقسامًا يعمل فيها ألوف النشطاء الأمنيين للتأثير على الرأي العام ومواجهة الأصوات الحرة الخارجة عن طوق الأنظمة والتي تعبر عن رأيها بلا خوف أو وجل في مواقع التواصل. ويمكن أن نشير إلى مصطلح جديد ظهر مع انطلاق مواقع التواصل الاجتماعي يمكن أن أطلق عليه اسم "كلاب الحراسة الإلكترونية". وهذا النوع من الكلاب صناعة مخابراتية قذرة لحماية الأنظمة والحكومات من آراء وتعليقات مرتادي مواقع التواصل، فقد وظفت أجهزة المخابرات في معظم البلدان العربية ألوف الأشخاص المختصين في الشؤون الإلكترونية لمواجهة التعليقات ووجهات النظر التي قد يبديها مرتادو مواقع التواصل، فإذا هاجم أحدهم سياسة بلد معين، يتصدى له فورًا مجموعة من الأشخاص بأسماء مستعارة، وقد يظن البعض أنهم مواطنون عاديون يعبرون عن آرائهم، لكنهم في الواقع عناصر أمنية مهمتهم إرهاب الكتاب والمعلقين في مواقع التواصل والضغط عليهم وتخويفهم كي لا يكتبوا ضد هذا النظام أو ذاك الزعيم. وإذا كتبت منشورًا ووجدت أن عدد المهاجمين كبير جدًا، فإياك أن تعتقد أنهم أشخاص حقيقيون يعبرون عن وجهة نظرهم، بل هم جوقة مخابراتية بأسماء وحسابات مستعارة تريد توجيه الرأي العام حول قضية معينة باتجاه معين يخدم الخط العام لهذا النظام أو ذاك، ولا يعبر بأي حال من الأحوال عن الرأي العام الحقيقي. لهذا إذا كتبت تغريدة أو منشورًا ولاحظت أنك تتعرض لتعليقات مضادة وشتائم وتهديدات كثيرة، فاعلم أن المهاجمين مأجورون يعملون في أقسام الأمن الإلكتروني التابعة للحكومات وأجهزة الأمن العربية. وهؤلاء لا يعبرون إلا عن الفرع الأمني الذي يعملون فيه أو الجهات التي ينتمون إليها حصرًا. كن حذرًا وأنت تتابع التعليقات والمنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، وشيئًا فشيئًا ستستطيع التمييز بين الحسابات والتعليقات واللغة المخابراتية والحسابات العادية على مواقع التواصل، مع الاعتراف أن المهمة صعبة جدًا، وقد تنطلي عليك الكثير من الحسابات والتعليقات الأمنية المزيفة لردح من الزمن.

3437

| 28 مايو 2017

alsharq
وزارة التربية.. خارج السرب

هناك لحظات في تاريخ الدول لا تمرّ مرور...

12750

| 20 نوفمبر 2025

alsharq
تصحيح السوق أم بداية الانهيار؟

وفقًا للمؤشرات التقليدية، شهدت أسهم التكنولوجيا هذا العام...

2463

| 16 نوفمبر 2025

alsharq
صبر المؤمن على أذى الخلق

في قلب الإيمان، ينشأ صبر عميق يواجه به...

1770

| 21 نوفمبر 2025

alsharq
وزارة التربية والتعليم هل من مستجيب؟

شخصيا كنت أتمنى أن تلقى شكاوى كثير من...

1350

| 18 نوفمبر 2025

alsharq
المغرب يحطم الصعاب

في لحظة تاريخية، ارتقى شباب المغرب تحت 17...

1152

| 20 نوفمبر 2025

alsharq
عمان .. من الإمام المؤسس إلى السلطان| هيثم .. تاريخ مشرق وإنجازات خالدة

القادة العظام يبقون في أذهان شعوبهم عبر الأزمنة...

1134

| 18 نوفمبر 2025

alsharq
حديث مع طالب

كنت في زيارة لإحدى المدارس الثانوية للبنين في...

960

| 20 نوفمبر 2025

alsharq
العزلة ترميم للروح

في عالم يتسارع كل يوم، يصبح الوقوف للحظة...

909

| 20 نوفمبر 2025

alsharq
وزيرة التربية والتعليم.. هذا ما نأمله

الاهتمام باللغة العربية والتربية الإسلامية مطلب تعليمي مجتمعي...

894

| 16 نوفمبر 2025

alsharq
ارفع رأسك!

نعيش في عالم متناقض به أناس يعكسونه. وسأحكي...

804

| 18 نوفمبر 2025

alsharq
إستراتيجية توطين «صناعة البيتومين»

يُعد البيتومين (Bitumen) المكون الأساس في صناعة الأسفلت...

690

| 17 نوفمبر 2025

alsharq
اليوم العالمي الضائع..

أقرأ كثيرا عن مواعيد أيام عالمية اعتمدتها منظمة...

645

| 20 نوفمبر 2025

أخبار محلية