رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
هُنا من دوحة الخليج ولؤلؤته التي تتفرَّد بأصالتها وتطوُّرها، أكتبُ لكم، من عاصمة الاستقرار والازدهار، بينما تتسارع الوفود القادمة للمُشاركة في الاجتماع الوزاري رفيع المستوى لوزراء خارجية الدول العربية والإسلامية، استعدادًا للقمة العربية الإسلامية الاستثنائية المُرتقبة على مستوى القادة؛ للرد على العدوان الصهيوني الغاشم والجبان، والذي حاول- بكل فشل- استهداف قيادات الشعب الفلسطيني، وتحديدًا الوفد السياسي المُفاوِض لإنهاء حرب الإبادة التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة. * تجتمعُ الأُمَّة العربية والإسلامية في قطر، كعبة المضيوم، من أجل بناء موقف مُوَحَّد، يضع حدًا لغطرسة كيان الاحتلال البربري، الذي يعيث في المنطقة فسادًا وإفسادًا، مُستعينًا بكل أسف بحليفه الأمريكي الذي لم يعُد خافيًا على أحد مدى تواطئه فيما يجري بإقليمنا المُلتهب من أحداث كبرى. تلتئم هذه القمَّة الاستثنائيةُ، في أعقاب عدوانٍ غير مسبوقٍ على دولة خليجية وعربية وإسلامية، لم تكن يومًا في حالة حرب مع هذا الكيان الخسيس، رغم- بلا شك- الموقف المُناهِض لجرائم الاحتلال، لكنَّ الدوحة لم تكن يومًا سوى رسول سلام، ووسيط نزيه، يُكرِّس كل إمكانياته الدبلوماسية من أجل نزع فتيل الأزمات عن منطقتنا، التي ابتُليَت بهذا السرطان الخبيث المُسمّى «إسرائيل». * أنظار العالم اليوم كُلها مُتَّجِهة صوب قطر، بعد أن شنَّ الاحتلال الصهيوني عدوانه الآثم على الدوحة يوم الثلاثاء الماضي، وبعد أن أصدر مجلس الأمن الدولي بيانًا أدان بالإجماع هذا العدوان، وشدَّد على دعم سيادة قطر، كما أعرب عن «أسفه البالغ» لسقوط مدنيين ضحايا جراء العدوان، وهو ما يُؤكد مكانة قطر العالمية ودورها الفاعل على الساحة الدولية والأُممية. وقبل ذلك، أعرب العديد من دول العالم في قاراته المُختلفة، عن إدانتهم الشديدة لهذا العدوان الذي يُمثِّل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، واعتداءً سافرًا على السيادة القطرية. كُل ذلك يؤكد أنَّنا أمام لحظة تاريخية ومفصلية في معركتنا مع هذا العدو الصهيوني الوحشي، ذلك الكيان المارِق الذي يتحدّى كل القوانين والشرائع والأعراف الدولية، ويدوس بقدميه على المواثيق والقرارات الأممية؛ بما فيها القرار الخاص بتأسيسه المزعوم. وهذه اللحظة تتطلب من جميع الدول التي ستجتمع يوم الإثنين، هنا في الدوحة، أن تتخذ قرارات على مستوى القمَّة المنعقدة، وبما يتماشى مع حجم الجُرم الصهيوني الذي اقترفه مجرم الحرب بنيامين نتنياهو، وضمان تنفيذ هذه القرارات لدعم حقوق الشعب الفلسطيني كاملةً، ومحاسبة الكيان الصهيوني على جرائمه في كل بقعة حول العالم، وتقديم كبار مسؤوليه المتطرفين: نتنياهو وبن غفير وسموتريش وغيرهم للعدالة الدولية، ومحاكمتهم بارتكاب جرائم إبادة وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ليكونوا عبرة لكل مُجرم سفّاح في هذا الكيان الدموي. * ومن هذا المنطلق، فإننا نأمل أن تتمخض عن القمَّة العربية الإسلامية الاستثنائية، حزمة قرارات- لا توصيات ولا مُطالبات- تتضمن إعلان قطع العلاقات كاملة مع هذا الكيان المُجرم المُعتدي على أمن الخليج وأمن الدول العربية والإسلامية، والانسحاب مما يُسمى بـ»اتفاقات إبراهيم»، وطرد وسحب السفراء في الدول التي تُقيم علاقات دبلوماسية. إلى جانب فرض عقوبات اقتصادية على الكيان الصهيوني، تتضمن منع أي شركة دولية تعمل في دولة الاحتلال أو مُموَّلة من استثمارات إسرائيلية، من العمل في الدول العربية والإسلامية، وتفعيل لجنة المقاطعة العربية لإسرائيل، لضمان التزام الدول، وتوسيع نطاق عمل هذه اللجنة ليشمل التعاون مع مختلف دول العالم المؤمِنة بالعدالة. كما نأمل أن تتخذ القمة قرارًا بالإجماع لغلق المجال الجوي أمام جميع الطائرات الإسرائيلية، وعدم السماح لأي سفن بحرية تجارية مُتَّجِهة إلى إسرائيل، بالرسو في الموانئ العربية والإسلامية. * ويُعوَّل على هذه القمَّة أن تدعم جهود إعلان الدولة الفلسطينية المُستقلة على حدود يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشريف، وضمان حقوق الشعب الفلسطيني، وأهمها: حق العودة، وإطلاق سراح جميع الأسرى في سجون الاحتلال، ومنح الدولة الفلسطينية كافة الحقوق للتصرُّف في مواردها الاقتصادية والطبيعية. كما نأمل من هذه القمَّة أن يتضمن البيان الختامي التأكيد على حق الشعب الفلسطيني في مقاومة المُحتل، وهو حق يكفله القانون الدولي، ومخاطبة مجلس الأمن الدولي لإجبار إسرائيل على الانسحاب الفوري من قطاع غزة وإنهاء حرب الإبادة، ووقف مخطط التهجير القسري واقتلاع سكان فلسطين من أرضهم، في ظل ما يجري بالضفة الغربية المحتلة أو في القدس، فضلًا عن قطاع غزة. * ولا شك أنَّ المطالبة بإنشاء صندوق مالي تنموي لدعم بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية وتحقيق الرخاء للشعب الفلسطيني، يمثل أولوية قصوى، نأمل أن يتضمنه البيان الختامي للقمَّة. كما نأمل العمل على إطلاق صندوق وقفي إسلامي لحماية المسجد الأقصى المبارك، وشراء الأراضي المحيطة به، لمنع مُخطط هدمه وتخريبه. إنَّنا لسنا أمام قمَّة اعتيادية ولا اجتماع يُصنَّف على أنَّه ردة فعل تجاه العدوان على قطر؛ بل إنها قمَّة المصير المُشترك، ليس فقط للدول العربية أو الإسلامية، ولكن المصير المُشترك للإنسانية، المصير المُشترك للعدالة، المصير المُشترك للحق في العيش الكريم والاستقرار والسلام؛ امتثالًا لقوله تعالى: «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا».
354
| 14 سبتمبر 2025
googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); أدركَ الفلسطينيون في السَّنوات الأخيرة أنَّ عليهم أنْ يتحرَّكوا شمالاً وغرباً؛ بحثاً عن الدَّعم لقضيَّتهم العادلة.. أدْرَكوا ذلك بَعْد أنْ شعروا بأن إخوانَهم العَرَب انشغلوا عن "قضيَّتهم المركزيَّة" بحُروب داخليَّة مَفْروضة عليهم من وَرَاء البحار، يخُوْضونها بهمَّة وعُنفوان رغم عبثيَّة تلك الحروب، واستنزافها لمواردهم في غَيْر طائل، ودُون جدوى.... تجرَّع الفلسطينيون الحقيقة المرَّة؛ وهي: أنَّ أشقاءهم العرب في حالة من التشرْذُم، ومُنهكون جرَّاء الاقتتال الدَّاخلي، والانزلاق إلى دوَّامة الخسران والتيه في صَحَراء العُنف الطَّائفي، والمذهبي، والإثني.وهُم في هَذَا الوَضْع المُزري أضعف من إنقاذ أنفسهم، ناهيك عن إغاثة فلسطين، أو التجاوب مع صَرْخة الأقصى "الجريح" التي يتردَّد صَداها في الأفق مع كلِّ اعتداء إسرائيلي جديد: "واعرباه!!".تركوا المحتلَّ يعيثُ فساداً في أرض فلسطين، وأخلوا الساحة للعدو ليتمدَّد كَيْفما شاء؛ يتوسَّع في بناء المُستوطنات، ويدنس باحةَ الأقصى المقدَّس، دُوْن خوف أو وَجَل؛ لعلمه أنَّ العرب مُنشغلون عنه بصراعاتهم الداخليَّة، وفي تصفية حساباتهم فيما بينهم.وكذلك أدرك الفلسطينيون أنَّ انتظارهم سيطول فيما لو جَلَسوا على قارعة رصيف الأحداث، في انتظار "جودو" العربي؛ لذا بادروا بالتحرُّك تارة صَوْب الأمم المتحدة والمنظَّمات الدوليَّة، وتارات أُخَر نحو الشمال والغرب، يُخاطبون الضَّمائر الحيَّة بلغة عَدَالة القضيَّة التي لا تقبل التشكيك، ولا تحتملُ الجَدَل، بل واضحة وُضُوح الشَّمس في رابعة النهار.وقبل أيامٍ، جاء اعترافُ السويد رسميًّا بالدولة الفلسطينيَّة لتصبح بذلك أول دولة من غرب أوروبا يكون لها قصب السبق في هذا الأمر؛ مما يُشكل نصراً سياسيًّا وقانونيًّا للقضية الفلسطينية العادلة، ويُمثل قوَّة دفع إضافية لمسيرة التحرُّر الفلسطيني.ويُمكن النظر إلى اعتراف السويد بالدولة الفلسطينية باعتباره إحدى ثمار التحرُّك الفلسطيني من جهة، ودليلًا على يقظة ضمير أبناء هذه الدولة الإسكندنافية، الذين لم يرضخوا للوعيد الإسرائيلي، ولم تُرهبهم نبرة واشنطن "الاستعلائية"!لقد ظلَّ الغرب -لأكثر من خمسين عاماً- أسرى عُقدة "الشعور بالذنب" التي تم نسجها كأسطورة مؤسسية؛ وهي: العداء للسامية، وجَرَى تحت تلك الذريعة تخويف أمم، وتخوين أخرى؛ حتى باتت "بُعبع" يقض مضاجع الدول الغربية.واستغلَّ اللوبي الصهيوني تلك الأسطوانة أبشع استغلال، وجعلها وسيلة للابتزاز الرخيص؛ لدرجة أن أحداً لم يعد يجرؤ على انتقاد الممارسات الوحشية للمحتل؛ خوفا من "إلصاق" التهمة الجاهزة التي يُلفقها الصهاينة بـ"العداء للسامية".ومن المُفارقات العجيبة أنَّ الفلسطينيين هُم الساميون أنفسهم، بينما الطبقة الحاكمة في إسرائيل هي من يهود غرب أوروبا "الإشكناز"، والذين لا يمتُّون بصلة للسامية إلا من خلال "الأسطورة" والادعاء الأجوف. إذن فضحايا اللاسامية (في الأصل) هم الفلسطينيون وليس الصهاينة.واستفاد الفلسطينيون من مُعطيات الثورة التكنولوجية في مجال وسائل التواصل والإعلام لإيصال صَوْت قضيتهم إلى الضَّمائر الحيَّة في العالم أجمع، كما ساهمت تلك الوسائل في رَصْد عنجهية واستبداد المحتل، وتعامله الوحشي مع أصحاب الأرض؛ حيث أصبح الجميع يُشاهد جنود الاحتلال وهم يُمارسون أفظع الممارسات ضد شعب أعزل. وأصبح الكل يُتابع ممارساته الغاشمة -والمنفلتة- في بناء المستوطنات في الضفة الغربية، وتهجير أهالي القدس، وعرقلة مُحادثات السلام.كلُّ ذلك خلق وعياً جديداً لدى الأوروبيين، أقرب إلى الواقع، وبعيدًا عن التحيز بفعل قوة اللوبي الصهيوني، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، وألمانيا، وبريطانيا، وفرنسا. وهذا الوعي نتاجُ مُشاهدة واقعية للحقائق لجيل جديد مُتحرِّر من "عُقدة الذنب" المتراكمة جراء فظائع الحرب العالمية الثانية، وما ارتُكب خلالها من مذابح بحق اليهود وغيرهم.. جيلٌ جديد يرى بأم عينه الجُندي الإسرائيلي المدجَّج بالسلاح يقتل الطفل مُحمد الدرة في مشهد يتكرَّر كلَّ يوم.لسنا بصدد إنكار محارق اليهود "الهولوكست"، أو تجاهل فظائع النازية بحق اليهود، ولكن لا يُمكن ابتزاز العالم وممارسة أبشع أنواع التمييز العنصري والاستعمار الاستيطاني باسم الضحايا؛ ليدفع الشعب الفلسطيني الثمن غالياً، على جرائم لم يرتكبها. وإنْ كانتْ الصهيونية العالمية قد تاجرت بذلك، واستفادت من تعويضات "الهولوكست" في بناء الكيان الصهيوني، فارضةً على العالم الغربي غضَّ الطرف عن جرائمها المتكررة خلال الستين عاما الأخيرة، والتي نتج عنها اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، والتنكيل بهم، والقذف بهم إلى دياسبورا المنافي.أخذ هذا الوعي الجديد -في تشكُّله- بعدالة القضية الفلسطينية، مُعبرًا عن نفسه في شكل تعاطف شعبي مع القضية؛ وهو ما يمكن أن ندلل عليه بتلك المظاهرات الحاشدة التي انطلقتْ من لندن -وغيرها من العواصم الأوروبية- إبان الحرب على غزة، والتي رُفعت فيها شعارات تُدين الكيان الصهيوني الغاصب؛ بعد ممارساته التعسفية ضد الفلسطينيين.ورغم أنَّ الاعتراف بدولة فلسطين آخذٌ في التنامي -حيث أقرَّت 135 دولة حتى الآن للفلسطينيين أحقية تقرير المصير؛ بينها سبع دول من أوروبا الشرقية، إلى جانب العديد من دول أمريكا اللاتينية- ألا أنَّ اعتراف السويد له طعمٌ آخر؛ باعتبارها أول دولة من أوروبا الغربية تُقدم على تلك الخطوة؛ مما يُنبئ بأن دولا غربية قد تحذو حذوها. وفي الأذهان التصويت الرمزي في مجلس العموم البريطاني قبل أسابيع، والذي اعترف فيه أيضًا بدولة فلسطين.... اتخذتْ السويد تلك الخطوة الجريئة في وقت تَلبَّد فيه أفق الحلِّ السياسي للقضية الفلسطينية جرَّاء التعنت الإسرائيلي المعهود إزاء كلِّ مبادرة سلمية، وآخرها: مُحاولات جون كيري وزير الخارجية الأمريكي التي وأدها نتنياهو بعنجهيته وشروطه "التعجيزية".خُطوة السويد ستشجِّع حتمًا الكثيرَ من الدُّول التي تقف في المنطقة الرمادية من الانحياز إلى الحق، والاعتراف بالدولة الفلسطينية، بعد أنْ قدَّمت أستوكهولم مثالا حيًّا للتحرر من السطوة الصهيو-أمريكية، ومَنْ يدري: فقد تُثبت الأيام القادمات أنَّ اللوبي الصهيوني قد يكون مجرَّد "نمر من ورق..."!وعمليًّا.. قد لا يُسفر اعتراف السويد عن إقامة الدولة الفلسطينية غداً، ولكن لا يُمكن إغفال أهميته في تحريك رَوَاكد تلك القضية المركزية لنا -عربًا ومُسلمين- فالاعتراف بمثابة وثبة في طريق الألف خُطوة نحو النصر، وإقامة دولة فلسطينية مُستقلة.
1275
| 05 نوفمبر 2014
googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); رغم قناعتي بأنّ شبح الحرب الباردة لا يمكن أن يعود بمثل ما كان عليه الحال قبل عشرين عاماً؛ إلا أنّ روسيا تبدو الآن غير مستعدة للتهاون أو التنازل عن مجالها الحيوي.. بينما يسعى الغرب إلى اختراقه عبر إحدى جمهوريات الاتحاد السوفيتي -سابقا- وهي أوكرانيا.وما نراه الآن من توترات بين الغرب وروسيا؛ من المستبعد أن يصل إلى حد المواجهة العسكرية المكشوفة، رغم أنّ التصعيد المتبادل يوحي بذلك.لقد تغيّر العالم كثيراً بعد الخامس والعشرين من ديسمبر من العام واحد وتسعين وتسعمائة وألف؛ وهو تاريخ انهيار الاتحاد السوفيتي وتفككه إلى جمهوريات متعددة، وليس من الصدفة أنّه وخلال ذات العام، دكّت الترسانة المسلحة للولايات المتحدة أرض العراق بأقوى القنابل في التاريخ، وأكثر الصواريخ فعالية تدميرية في العالم.. أطلقتها للمرة الأولى؛ ليكون العراق مسرح تجربتها الدامي بعد أن أوقعت آلاف الضحايا، وألحقت دمارًا واسعًا وغير مسبوق في التاريخ، ويرجع السبب في ذلك إلى أنّ أمريكا حوّلت بوصلة ترسانتها التسليحيّة المتقدّمة والتي كانت مصوبة تجاه روسيا وأوروبا الشرقية (فيما يُعرف بحرب النجوم) إلى العراق؛ التي لا تضاهى مساحتها ولا إمكاناتها بولاية كاليفورنيا!نستطيع القول: إنّ العراق - صاحب أقدم حضارة في التاريخ البشري- هو أول من دفع ثمن انفراد القطب الواحد بالهيمنة على العالم؛ ليكون مسرحًا لحرب شهدت استخدام أحدث الترسانات الناجمة عن سباق تسلح محموم، وحرب باردة؛ استخدمت فيها مختلف أنواع الأسلحة الثقيلة والناعمة بين أعتى قوتين عسكريتين في العالم.فصل مرعب في التاريخ استمر لأكثر من عقدين، أطلق عليه الياباني المتأمرك فوكوياما "نهاية التاريخ"، ولم يكن يدرك حينها أنّ درس التاريخ الأول هو أنّ حتى أكبر الإمبراطوريات تشيخ وتتلاشى قوتها؛ لتبدأ قوى أخرى في الصعود.. هكذا هي دورة التاريخ، وقد أشار إليها ابن خلدون في مقدمته الخالدة قبل قرون خلت؛ في قلعته بصحراء الجزائر.وعندما أجزم بصعوبة عودة الحرب الباردة بصورتها القديمة؛ إنّما استند على أنّ المعطيات اختلفت، وكذلك اللاعبون، وقواعد اللعبة.. مما يضعف احتمالية أن تخيّم أجواء الحرب الباردة على سماء العالم مجددًا؛ على الرغم مما يبدو على السطح من توتر بين الشرق الروسي والغرب الأمريكي..الاقتصاد الأمريكي اليوم مثقل بالديون، ومن المفارقات أن جزءًا غير يسير من هذه الديون - أكثر من 136 مليار دولار- من روسيا مقابل سندات مالية.إضافة إلى تريليونات الدولارات المدينة بها أمريكا للكثير من دول العالم، وتقف عاجزة اليوم عن دفع فوائدها.حاول الرئيس الأمريكي باراك أوباما مؤخراً، التقليل من قدرات روسيا وهو يصف النظام العالمي الجديد، مستبعدًا فرضية نشوء حرب باردة جديدة، حيث يرى أن روسيا - خلافًا للاتحاد السوفيتي - لا تقود مجموعة من الدول، كما أنّها ليس لها أيديولوجية عالمية كما كانت في السابق..وهنا نلاحظ أن كلام أوباما يحمل الكثير من الصحة لأنّ روسيا اليوم تعتمد على الخطاب القومي النهضوي، إلا أن هذا لا ينفي الطموح الروسي في أن تستعيد روسيا أمجادها السابقة.. وهذا لسان حال الرئيس الروسي بوتن يعبر عن ذلك بالقول: "نسعى سعيًا حثيثًا لنصبح قادة في العالم".ومن المؤكد أنّ روسيا استعادت الكثير من عافيتها، وعناصر قوتها كدولة عظمى، بل أصبحت تقابل الغرب بالكثير من الندية ودخلت معه في تحالفات اقتصادية وتوافقات بعد أن تبنت اقتصاد السوق والمبادئ الرأسمالية، وتخلت عن الايدولوجيا الشيوعية.وفي الوقت الذي يقوم فيه بوتن باستعادة مكانة بلاده واستعراض قوتها كدولة عظمى، ينحسر الدور الأمريكي على الساحة الدولية.. فهاهو أوباما يخسر في سوريا، ويسجل فشلا ذريعًا في التدخل هناك على الرغم مما أثاره من زوبعة الصيف الماضي. وعلى النقيض من ذلك أثبتت روسيا أنّها غير مستعدة للتخلي عن حلفائها مهما كان الثمن.وفيما تعلن الولايات المتحدة قرب موعد انسحابها من أفغانستان بعد أن انسحبت من العراق، وظهر عجزها جليًا في عدم القدرة على ضغط إسرائيل للتوصل لحل في الشرق الأوسط.. تزداد أمورها تعقيدًا، مما ينذر بأفول نجم القطب الأمريكي بعد عقدين من الهيمنة، كان العرب فيها – للأسف - من أكبر الخاسرين.. بعد غزو العراق دون شرعية دولية، وتدمير جيشه الوطني ليدخل في دوامة الحرب الأهلية والفقر والجوع بعد أن وعده بوش الابن بالديمقراطية والورود والسلام والحلم الأمريكي الذي تحول إلى كابوس يقض مضاجع بلاد الرافدين بالسيارات المفخخة والحروب بالوكالة..ومن ثمّ جاء الدور على سوريا التي لا تزال ترزح تحت وطأة الدمار والخراب والموت، بأسلحة شتى.واليوم تتجه أعين الشر إلى جيش مصر، الجيش الوحيد المتماسك الباقي في المنطقة والذي تعد له سيناريوهات لتدميره من خلال إشغاله بحروب داخلية تستنزفه سنوات، لتكون الكفة العسكرية راجحة لصالح إسرائيل..وبالتوازي مع ذلك، يتم دعم القوى غير العربية في المنطقة لتكون لها الغلبة، وهي إيران وتركيا وإسرائيل ضمن مخطط استراتيجي مرسوم ببراعة، ويجري تنفيذه بدقة، لتغييب العرب عن السيطرة على منطقتهم وتسليم مقدراتها إلى الآخر.والمتأمل في تجربة القطب الأحادي الأمريكي خلال ربع القرن المنصرم، يجد أن العرب على الرغم مما قدموه من دعم كبير للأمريكان، إلا أنهم لم يحصدوا سوى الخراب، وكل هذه السياسات نجحت في إيصال العالم العربي إلى حالة من التشرذم والتخلف والبؤس إلا من رحم ربي.وتستميت أمريكا في تثبيت غرس إسرائيل في قلب العالم العربي، رغم أنه حل غير واقعي من الأساس، وكما قال المؤرخ البريطاني آرنولد توينبي "هؤلاء اليهود ستبتلعهم الصحراء العربية"، ويدرك الإسرائيليون في أعماقهم تلك الحقيقة، إلا أنهم يحاولون الالتفاف عليهم استقواء بالحليف الأمريكي.والشاهد أن بناء الصف العربي، كفيل بإحداث توازنات تجعل من العرب قوة إقليمية ضاربة تمتلك زمام الأمور في منطقتها، وتجاوز حالة الفراغ السياسي الذي استغلته قوى إقليمية أخرى للتغول على أمننا العربي.وقد يقول قائل: ما مصلحتنا كعرب في اشتعال التوترات بين الغرب وروسيا، نقول: إننا أفضل وضعًا في ظل وجود توازن بين القوتين العظميين، لأننا جربنا الاستفراد الأمريكي بالعالم، وقاسينا ويلاته ونحن أكثر منطقة في العالم دفعت ثمن القطب الواحد.. واليوم علينا أن نستفيد من هذه التناقضات بين القوتين واستثمارها لصالح قضايانا.. وقبل ذلك لابد لنا من صياغة مشروعنا الخاص وإعطائه الأولوية والتحرك من خلاله..عندها سيحترمنا العالم.
4429
| 07 أبريل 2014
1353
| 17 مارس 2014
مساحة إعلانية
كثير من المراكز التدريبية اليوم وجدت سلعة سهلة...
5355
| 06 أكتوبر 2025
في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ...
4743
| 02 أكتوبر 2025
تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في...
4197
| 05 أكتوبر 2025
في زمن تتسابق فيه الأمم على رقمنة ذاكرتها...
1806
| 07 أكتوبر 2025
لم يكن الإنسان يوماً عنصراً مكمّلاً في معادلة...
1494
| 08 أكتوبر 2025
قبل كل شيء.. شكراً سمو الأمير المفدى وإن...
1338
| 08 أكتوبر 2025
في الوقت الذي كان العالم يترقب رد حركة...
1017
| 05 أكتوبر 2025
لسنا متشائمين ولا سلبيين في أفكارنا وتوقعاتنا ولكن...
906
| 03 أكتوبر 2025
التوطين بحاجة لمراجعة القوانين في القطــــاع الخـــــاص.. هل...
795
| 05 أكتوبر 2025
كم مرة قلت «نعم» في العمل بينما في...
783
| 02 أكتوبر 2025
المحاولات التي تتكرر؛ بحثا عن نتيجة مُرضية تُسعد...
729
| 07 أكتوبر 2025
الإنسان لم يُخلق ليعيش وحيداً. فمنذ فجر التاريخ،...
720
| 06 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية