رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

الموهبة تعلو ولا يُعْلى عليها

​قرأت تقريرا لصحفية خليجية حول النساء الخليجيات اللواتي اقتحمن مجالات المال والأعمال، جاء فيه أن نحو 5000 منهن يبصمن أو يستخدمن الأختام على الأوراق الرسمية، لأنهن لا يعرفن القراءة والكتابة، ولا شك أن التقرير رغم نغمة السخرية فيه، سيخرس أولئك الذين يعتقدون أن المرأة لا تحسن سوى الإنفاق والتبذير وإعداد السلطة بالخس والجرجير، فها هي، وبدون شهادات تقتحم مجالات كان يحتكرها الرياييل وصارت تكتنز الدنانير والريالات والدراهم والدلالير (وهذه جمع تكسير للدولار الذي يقوم بكسر ظهور العديد من الشعوب). في أمريكا حصل خريج جامعي طالع فريش من الفرن، على أول فرصة وظيفية له كمساعد محاسب في شركة تجارية، وكلفوه في اليوم الأول بتنظيف المكاتب، فدخل مكتب المدير محتجاً: أنا جامعي فكيف تطلبون مني أداء عمل لا صلة له بمجال تخصصي، هنا اعتذر له المدير قائلاً: معليش يا ابني نسيت أنهم لا يدرسونكم أشياء أساسية في الجامعة، ثم أمسك المدير بالمكنسة الكهربائية وشرع في تنظيف المكتب والممر القريب منه، وأمسك بفوطة ومسح الطاولات، ثم التفت إلى الشاب قائلاً: شفت شلون.. بقليل من التدريب تستطيع أن تفعل كل شيء، ما أراد ذلك المدير ان يثبته لهذا الموظف الجامعي الجديد هو أن الجامعة في حقيقة الأمر لا تهيئك لأداء أي وظيفة، وحتى لو درست أحد العلوم التطبيقية (طب بشري وهندسة وبيطرة إلخ) فإنك تتعلم أصول المهنة بعد التخرج، وهناك مهارات ضرورية ينبغي على كل انسان سوي ان يكون ملما بها. وشخصياً لم أدرس الإعلام ولا الصحافة، ولكنني ظللت أعمل في هذين المجالين معظم سنوات حياتي، وحصلت على فرص مهنية طيبة (بدون واسطة) لم تتهيأ للكثيرين ممن درسوا الإعلام وحصلوا فيه على شهادات طنانة ورنانة. (وبالتأكيد فإن أول من وضعوا أصول علم/ فن الإعلام كمنهج أكاديمي لم يدرسوا الإعلام بل مارسوه فقط، تماما كما أن أول شخص في تاريخ البشرية نال الدكتوراه، منحه إياها أشخاص لم يكونوا يحملون تلك الدرجة، ولكنهم كانوا حتما أكثر علما منه ويتحلون بالتواضع). أبي بدأ حياته العملية عاملاً بسيطاً (بحارا) في النقل النهري (البواخر النيلية)، وكان أمياً بجدارة، أي أنه لم يكن يعرف حتى كيف يكتب اسمه المكون من أربعة حروف، ولكنه كان يملك عقلية تجارية، فاستغل عمله الذي كان يتطلب السفر ما بين جنوب السودان ووسطه، للمتاجرة في سلع بسيطة، ولكن أساسية، بل كان يعبر الحدود إلى يوغندا ويأتي ببضائع لم تكن تتوافر في سوق السودان الأوسط، ثم دخل مجال المطاعم حتى امتلك يوماً ما نحو ستة مطاعم، ولولا أن المرض أقعده عن إدارتها فأفلست المطاعم الواحد تلو الآخر، لكان اسم عباس اليوم في شهرة ماكونالدز، ولعاش أبو الجعافر في السودان معززاً مكرما تخطب الحكومة وده كي يتبرع لهذا المشروع أو ذاك و"أرفض". أقصد أن أقول إن كون أولئك النسوة أميات لا يعني بالضرورة أنهن فاشلات كسيدات أعمال، كما أن كون رجل الأعمال جامعياً ودرس إدارة الأعمال في القطب الشمالي، لا يعني أنه سينجح، وبعبارة أخرى فإن الاستعداد الذهني والفطري وامتلاك الرؤية والشجاعة في اتخاذ القرار، والاستعداد للمخاطرة هي الذخيرة الأساسية لرجل أو سيدة الأعمال، وهذه أشياء لا توفرها الجامعات، وما يؤكد صدق كلامي هذا هو أن جميع رجال الأعمال الذين كونوا ثروات في الأزمنة الصعبة كانوا أميين أو أنصاف أميين، ونجحوا لأنهم يملكون الأدوات آنفة الذكر واستعانوا لاحقا بالمتعلمين المتخصصين. نعم، العلم يعزز فرص النجاح في كل مجال، ولكن هناك علوماً غير موجودة في الكتب والمدارس، وكم من شاب درس في جامعات الغرب وعاد متحمساً ليقنع الوالد بأن أساليبه التي جمع بها الملايين بدائية وغير علمية، ولابد من تغييرات ثورية وإعادة هيكلة للشركة، وخلال سنة ينسف الولد بـ "العلم الحديث" ما بناه أبوه في خمسين سنة بالـ "بصمة".

2232

| 28 ديسمبر 2022

بعد الطيور والنعاج جاء دور الأزواج

أبدأ بتوضيح أنني اليوم أخاطب الرجال فقط، أي أن هذا المقال لا يخص النساء من قريب أو بعيد، وأبدأ بطرح السؤال التالي على كل رجل متزوج: هل تعاني بين الحين والآخر من نوبات صداع خفيفة مصحوبة بإرهاق ووهن / فتور عام؟ وقد ترتفع درجة حرارة جسمك قليلاً؟، هل يهتز ساقاك أثناء المشي أو يربط لسانك وتعجز عن الكككككلام لبضع ثوان؟، هل تغشاك نوبات من الاكتئاب والتوتر والقلق ولو على فترات متقطعة؟، هل تعاني من عدم القدرة على تذكُّر أمور مهمة أو أحداث وقعت قبل فترة قصيرة؟.. إذا كنت تعاني من مثل تلك الأعراض، فأمامك واحد من أمرين: عدم النوم في غرفة واحدة مع زوجتك، أو أن تنتقل إلى البيت المجاور لبيتك الحالي، أو فندق أبو نجمتين، وكي لا يتهمني أحد بـ»خراب البيوت»، لابد لي أن أؤكد بشدة وبقوة، أن هذا الكلام ليس من عندي، وبالتالي أرجو من أم الجعافر ألا تقوم بأي رد فعل طائش يهدد حياتي وسلامتي، أو يزعزع العلاقات التاريخية بيننا، وعليها أن تستهدف الدكتور البريطاني هنري ويلكنسون، الذي قال إن الزوجات يفرزن أثناء النوم فيرومونات pheromones، وأنه إذا استنشق الرجل تلك «الشيء»- وهو بالمناسبة غير الهرمونات، أصيب بجنون الأزواج، وهو الموديل البشري لجنون البقر والطيور والحمير، (تذكرون كيف ظهر فيروس يحمل اسما جميلا «كورونا» قبل سنتين، فاحتارت منظمة الصحة العالمية، لأنها سبق أن «دبّست» الصينيين والتايلنديين والبرازيليين في فيروسات تسبب أمراضا وبائية، وهكذا وعندما ظهر فيروس كورونا القاتل، زعمت في بادئ الأمر أنه ينتقل من البعير إلى الناس. فهمتها؟ عليك نور، يعني نحن إرهابيون وبما أننا أهل النوق والإبل والهجن فلابد أن يتم اتهام حيواناتنا أيضا بأنها شريرة). أعود إلى استعراض ما قاله الباحث الطبي البريطاني ويلكنسون: إذا شعر الزوج – فوق كل الأعراض أعلاه، بدوران في الرأس وأخرج زبداً من فمه، وبدأت عيناه في الزوغان أو سقط على الأرض بدون سابق إنذار، أو عانى من آلام في المعدة، فليس أمامه من سبيل سوى هجر الزوجة نهائياً، (هذه مسألة حياة أو موت ولا مجال فيها للمجاملات)، أو الاحتفاظ بها شريطة أن تضع رأسها داخل كيس بلاستيك قبل النوم كي لا تنتقل الفيرومونات منها إليه! وحتى لا يتخذ الأزواج ذوو العيون الزائغة أصلاً مرض جنون الأزواج ذريعة للحصول على زوجة بديلة من الموديلات الجديدة الـ «فُل أوبشن»، لابد من التنبيه إلى أن أي زوجة جديدة كانت أم قديمة تفرز الفيرومونات، وربما كانت قوة «البث والنفث» عند الزوجة الجديدة – إذا كانت شابة – أقوى مقارنة بالزوجة «القديمة». ويا فرحة ما تَمت، فهذا المرض لم يظهر حتى الآن إلا في الولايات المتحدة، ولحسن حظنا فإن السلطات الأمريكية لم تزعم بعد أن العرب والمسلمين هم الذين تسببوا فيه، وربما أحجموا عن اتهامنا لأن المرض يوفر لهم الأعذار للخيانة الزوجية، فعندما تشكو فاليري جونز زوجها إلى القاضي بتهمة أنه ضبط متلبساً بعلاقة غير شرعية مع باتريشيا فولكنر، فإن الزوج يبلغ القاضي أن زوجته حاملة لفيروس جنون الأزواج، وأنها عندما تشخر وهي نائمة تتطاير الفيرومونات من خياشيمها وتملأ الغرفة مما يسبب له متلازمة زوغان العين. وقد يقول قائل: بلاش الزواج من أصله إذا كان يسبب نظير جنون البقر! ولكن هناك مشكلة فالدراسات العلمية تؤكد أن العزاب أقصر أعماراً من المتزوجين، بمعنى أن الزواج يؤدي إلى تحسن ملموس في الصحة الجسمانية والنفسية!! والحل؟ الحل هو أن تتفادى مرض كروزفيلد جيكوب وهو جنون البقر البشري بتفادي أكل اللحوم، لأن أكل اللحوم يزيد من احتمالات الإصابة بجنون الأزواج، وبعبارة أخرى بلاش كبسة «بالمرة»، فالعنصر الأساسي فيها هو اللحم، لأن كلام الخواجة ويلكنسون يعني أن أي حالة اعتداء زوج على زوجته في المنطقة بالعض أو الرفس تكون ناجمة عن ذلك المرض الذي تلعب فيه الكبسة والكوارع دوراً محورياً!.

1632

| 21 ديسمبر 2022

وأدمنت الكأس ثم صرت أعاني من أعراض الانسحاب

والكأس الذي أدمنت الرشف منه حلال، ومن الشاكلة التي قال عنها عباس محمود العقاد بعد أن ذاق محتواه: وبي سكر تملكني/ وأعجب كيف بي سكر/ رددت الخمر عن شفتي لعل جمالك الخمر/ نعم، أنت الرحيق لنا/ وأنت النوّر والعطر/ وأنت السحر مقتدرا/ وهل غير الهوى سحر وأصل الحكاية هو أن علاقتي بالرياضة عموما فاترة كما علاقتي بعلم الرياضيات، ولم يحدث ان دخلت ملعبا لكرة القدم (استاد) او حتى شاهدت مباراة كاملة على شاشة طوال نحو أربعين سنة، وفي كل مجتمع هناك من يسمون بـ "كُتّاب سيناريوهات القيامة doomsday scenarists"، ومع اقتراب موعد انطلاق منافسات مونديال قطر تبارى هؤلاء لإطلاق نظرياتهم: كل واحد يلزم بيته خلال المونديال لأن حركة المرور ستكون خانقة!! سارعوا لتخزين المواد الغذائية لأن مليون ونيف ضيف قادمون وسيقضون على الأخضر واليابس!! واملأوا ثلاجات بيوتكم بأوعية بلاستيكية تحوي وقود سياراتكم لأن الاصطفاف امام محطات البترول سيكون بالأيام. وجاء اليوم الموعود، فإذا بالدوحة تتوشح بالحرير والضياء والورود، وإذا بنوافير الفرح تتفجر في أرجائها، وكانت زلزلة أخرجت فيها قطر حمما حميمة نزلت بردا وعطرا على النفوس، وتفشى في شوارع الدوحة فيروس "كيوبيد22" فانتشر الحب والمرح شديد العدوى، فعجت الشوارع وضجت بمئات الآلاف، وجوههم على اختلاف ألوانها وأشكالها يعلوها الِبشر، وعيونهم عطشى لامتصاص الجمال والبهاء والألق "قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق". والكأس الذي نهلت منه حد الثمالة وأدمنته طوال ثلاثين يوم متتالية هو قناة الكأس، التي كنت أعلم بوجودها وأنها معنية بالنشاط الرياضي، دون أن يتسنى لي متابعة ما تبثه، ثم كان المونديال، بمبارياته وفعالياتها المصاحبة التي جعلت الدوحة في حالة عرس بهيج، يتعذر الاندماج والاندغام في مجرياته على الطبيعة خلال اليوم الواحد، فقامت قناة الكأس بحل هذا الإشكال، فقد كانت شاشتها تفتح عديد النوافذ وتنقلك على بساط ريحها وبرشاقة من درب لوسيل الى حديقة البدع ثم البيت العربي ثم سوق واقف ثم مشيرب ثم كتارا و(هل رأى الحب كتارا مثلنا؟) ثم الميناء القديم ثم درب الساعي ثم اللؤلؤة ثم غيرها وغيرها، وذكرتني قناة الكأس بما قاله الشاعر عندما انبهر بعد ظهور المذياع (الراديو): يطوي بك الدنيا وإنك هاهنا/ لم تنتقل وكأن رأسك يحلم من كل أرجاء البلاد حديثه / وبكل ألسنة يتكلم نعم فقد كان كوادر قناة الكأس فرسان الميدان الإعلامي، فطوال أمد المونديال كانوا موزعين على مختلف المواقع والساحات والميادين المعدة للجماهير داخل الدوحة، وعقب كل مباراة كانت الكاميرا تنتقل حسب مقتضى الحال الى الاكوادور والدنمارك وفرنسا وبريطانيا واسبانيا وغيرها، وجلس داخل الاستوديوهات الموزعة على عدة مواقع شباب متمكن من فنون الأداء أمام الكاميرات يقومون بدور المايسترو الذي يربط المراسلين على الأرض لإخراج رسالة إعلامية متكاملة ومبهرة، وكل ذلك بأسلوب خال من التشنج والانفعالات المسرحية التي تصاحب عادة نقل المنافسات الرياضية، فقد اتسم الجميع بروح مرحة فرحة، وكان المراسلون في الميادين يتفاعلون مع جمهور هذا البلد أو ذاك في جو من الدعابة والألفة، وهم يتحدثون بألسنة طلقة بعربية فصيحة وسليمة ثم عامية هذا البلد العربي أو ذاك ثم يرطنون مع الضيوف الأجانب بمختلف اللغات ويستخلصون منهم انطباعاتهم وردود أفعالهم، أي ان المراسلين اندغموا واندمجوا في أجواء المونديال الفرائحية، فأسقطوا الحواجز بينهم وبين الجمهور الذي كانوا يستنطقونه ​سمعت المدير الأسبق لنادي ارسنال الإنجليزي يقول انه شهد وقائع 15 دورة لكأس العالم وأنه يرى أن دورة قطر بزت وفاقت الدورات السابقة من حيث التنظيم على مستوى الملاعب وعلى مستوى استضافة جمهور المشجعين، وأنه لا يعتقد ان دورة قادمة ستضاهي تلك القطرية، وكانت قنوات الكأس غير المشفرة المرآة العملاقة التي عكست للملايين – في العالم العربي على الأقل- كيف ان قطر كانت "قد القول" عندما تحملت مسؤولية الاستضافة وأدت الأمانة بما فاق تقديرات أكثر الناس تفاؤلا. وراء نجاح المونديال فرسان معلومون ومجهولون يستحقون أسمى آيات التقدير فقد قدموا معزوفة هارمونية متجانسة طربت لها الأعين والآذان والأفئدة: لجنة المشاريع والإرث التي اضطلعت بتنظيم أكبر حدث رياضي في العالم، ثم تفوقت على نفسها بأن رتبت لفعاليات بديعة جمعت بين الامتاع البصري والسمعي، وجماعة الجوازات في مطار حمد الدولي الذين سيروا أمور خمسة آلاف قادم ومسافر في وقت واحد بنفس سهولة تسير أمور خمسين مسافرا، وفريق الجمارك في المطار الذين امتدح القادمون والمسافرون كفاءتهم وتعاملهم المهذب والراقي مع الجميع، ورجال الشرطة والأمن الذين كانوا حاضرين وغائبين في كل مكان، أعنى أنهم كانوا في كل موقع ولكنهم حرصوا على ان يكون حضورهم ناعما "غير صارخ"، وتحقق لهم ذلك فلم تسجل وسائل الإعلام الغربية أي اضطراب امني لأن الدوحة لم تشهد حوادث العنف التي كانت ميسم المونديالات السابقة والتي يكون أطرافها الغوغائيون الغربيون، وجماعة المرور -ما شاء الله عليهم- كانوا كعهدنا بهم مايستروات يضبطون إيقاع الحركة في الشارع فتنساب السيارات في سلاسة. حتى الجمهور العام من قطريين ومقيمين كان جزءا من الملحمة المونديالية، حيث التحموا بالضيوف في الساحات وشاركوهم الحبور وعلى الوجوه ابتسامات غير متكلفة، وكنت ترى الآلاف منهم في درب لوسيل او سوق واقف او كتارا أو الكورنيش وغيرها وهم محمولون على الموجات البشرية، انصهارا فيها: وكلنا في "الهوى" سوا، ويا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا / نحن الضيوف وانت رب المنزل. كنت استشير قناة الكأس لأحدد أين أذهب، وإذا لم يتيسر لي الذهاب الى حيث اريد كانت قناة الكأس تشيلني إليه وتحطني فيه، وأحسب أن القناة تستحق كأسا خاصة على الجهد الضخم الذي بذلته لتغطية كل شيء – أكرر كل شيء- يتعلق بالمونديال وبالبيئة التي تم فيها كل شيء، وقد اكتسبت من العمل في قسم الجودة التحريرية في شبكة الجزيرة الإعلامية سنين عددا حاسة التقاط الأخطاء في العمل التلفزيوني، ولكن سلاسة الأداء في قناة الكأس ومهارة الفريق الفني والهندسي فيها عند الانتقال من مشهد الى آخر وحسن إضاءة الاستوديوهات ونقاء الصوت عطل عندي تلك الحاسة، فجلست طوال شهر أمام شاشتها مذهولا مأخوذا "أحدق بلا وجه وأرقص بلا ساق" كما قال الشاعر محمد مفتاح الفيتوري في قصيدته "معزوفة لدرويش متجول". ثم وبعد انجلاء غبار معارك المونديال الودية صرت أعاني من "الانسحاب"، الذي هو مجموعة من الأعراض التي تظهر على الإنسان عند التوقف، أو التقليل من استخدام أو تعاطي بعض المواد النفسية أو المخدرة، أو بعض الأدوية التي كانت تؤخذ بشكل متكرر لفترات طويلة، ويصعب الاستغناء عنها لأنها أصبحت جزءاً من مكونات الجسم، فقد أدمنت "الكأس" طوال الأسابيع الماضية حتى صار الجلوس منتشيا أمام القناة لساعات من الطقوس اليومية، وهأنذا ومنذ مساء الأحد 18 ديسمبر الجاري أجلس محملقا في الفراغ وأشدو بلسان شادي الخليج: حالي حال/ حالي حال/ كيف أسوي وكيف أحتال ولكن هل من سبيل للاحتيال على مونديال بنفس روعة نسخة 2022؟

3213

| 19 ديسمبر 2022

العروس لا تقاس بالفلوس

عندما جلست أمام المأذون لإبرام عقد زواجي، تجادل موكلي ووكيل العروس حول الصداق المؤجل، هذا يريده رمزيا وذاك يريده فلكيا، فقاطعتهما وذكرت مبلغاً كبيراً بمقاييس ذلك الزمان من حيث القوة الشرائية، وكان الجنيه السوداني في ذلك "العصر"، يساوي دولارين، واليوم يساوي الدولار، أكثر من 470 جنيها – تبا للإمبريالية – المهم أن مؤجل الصداق الذي حددته جعل أقاربي الجالسين حولي يصابون بالحول، وهمس أحدهم: بعدين تتورط لما يجي الطلاق!! قلت له: الله يطمئنك يا شيخ! أنا أتأهب للزواج بمن اخترت، وأتمنى بناء بيت سعيد، وأنت تفكر في مشكلات طلاقي منها؟ على كل حال بقي مؤجل الصداق كبيراً رغم التنزيلات التي نفذها أقربائي. بفضل جيناته الإفريقية العربية، فقد ظل السودان يحقق معدلات نمو اقتصادي عالية من سنة إلى أخرى، حتى صار من المستحيل تحديد قيمة مؤجل صداق زوجتي بأي عملة عالمية، وصار الجنيه السوداني متدني القيمة، بدرجة أن ذلك المؤجل أصبح في لغة المال كأن لم يكن، يعني "زي قِلّته"، ويصعب احتسابه دون إصابة الآلة الحاسبة أو الكمبيوتر بخلل في القوى العقلية، وهكذا صرت كلما تراجع الجنيه السوداني خطوة إلى الوراء، أداعب زوجتي، فإذا تناولت قطعة شوكولاتة أحضرتها البيت، قلت لها: كده وهيك خالصين، وعفيت ليك باقي المبلغ، وكل حي يروح لحاله! واشتري لها عطراً وأقول لها: هذا هو مؤجل صداقك مضروباً في ألف!! ثم صارت الحكاية نكتة بايخة ومكررة فتوقفت عن إغاظتها بها، وابتكار أشياء ووسائل أخرى من بينها الزعم بأن نبيلة عبيد مضربة عن الزواج لأنها تضع عينها عليَّ. ولعل القارئ يتذكر وهو يقرأ السطور أعلاه ما أوردته معظم الصحف العربية مؤخراً عن ذلك الزوج العربي، الذي تزوج قبل سنوات عديدة، وكان محظوظاً لأن والد زوجته لم يكن من النوع المفشخراتي وطلب منه مهراً رمزياً - بالتحديد ريالين فقط، لأن بنته لا تقدر بثمن، وليس لأنها بضاعة رخيصة كما توهم الزوج، وصار يكرر أمامها بأسلوب جارح أن مهرها كان زجاجة بيبسي حتى عيل صبرها وهجرت بيت الزوجية!! ومن حقك أيها القارئ أن تتساءل: ما الفرق بينك وبين صاحبنا أبو مهر بيبسي؟ الفرق كبير: فقد كانت زوجتي تعرف أنني أذكرها فقط بما آل إليه حال الجنيه السوداني، ولم يكن في كل ما أقوله لها أي تلميح بأنها كانت "سلعة رخيصة"، في حين أن صاحبنا هذا يعاير زوجته بأنه عقد قرانه عليها بأسلوب المقايضة: أعطيكم زجاجة بيبسي تعطوني بنتكم، بل كان يؤكد لها ذلك بأن يذكرها بأن قريناتها تزوجن بمهور قيمتها عشرات الآلاف، وفوقها ألوف مؤلفة أنفقت على المجوهرات وحفلات الطعام والبهرجة. (للحكاية نهاية سعيدة فقد شكت البنت لوالدها من حكاية المعايرة بمهر البيبسي فأمرها بأن تبقى عنده في البيت، ولم يسمح للزوج باستردادها إلا بعد أن دفع مهرا بآلاف مؤلفة.. ابن الذين). أذكر أنني كنت فوق العاشرة بقليل عندما ذاع أمر مجلس صلح بين زوجين شارك فيه ستة وسطاء، وكان الزوج يقول في حضور زوجته وأمام الوسطاء عبارات مثل: هذه كلبة و...، فيهدئ الجماعة من خاطره ويطالبون الطرفين بفتح صفحة جديدة: يا بنت الناس طولي بالك عليه... وأنت يا ابن العم لا تكن شديداً عليها دائماً!! فينفجر الزوج: الكلب لا يمشي إلا بالجزمة!! وكان أصغر الوسطاء الستة صامتاً طوال الجلسة فقال له الجماعة: قول حاجة يا أستاذ، هنا قال "الأستاذ" بهدوء: هذه الزيجة باطلة من أساسها لأن زواج ابن آدم بكلبة لا يجوز، وليس من حل للمشكلة سوى الطلاق الفوري، فهاج الجميع وماجوا: أنت مش عاقل... أنت واسطة خير وللا بتاع فتنة؟ وقيل إن الزوجة كانت سعيدة بكلام صاحبنا وتمسكت بالطلاق وكان لها ما أرادت، ولام الناس من اقترح الطلاق، وكبرت والحكاية تلك عالقة بذاكرتي، وتزوج الرجل بعدها ثلاث مرات وطلق، وكانت آخر طلقة بعد أن نال علقة جامدة من زوجته الثالثة التي كانت "مسعورة" بعد أن تطاول عليها باليد.

2559

| 14 ديسمبر 2022

هل الرجولة في خطر؟

الخواجات، أي الأجناس ذوات البشرة التي توصف بالبياض، سيقودوننا إلى التهلكة على أكثر من صعيد، ولا أتحدث عن الحروب، فهذا مجال لا فجل لنا فيه ولا بصل ولا عنزة لنا فيه ولا عجل، بل مكتوب علينا السمع والطاعة، وقبول ما يعرضه علينا "العراب" من بضاعة، بل أتكلم عن سيدة أمريكية تريد أن تمسح بنا الأرض وتمرمط كرامتنا، بعد أن أضربت عن أعمال البيت بموجب مذكرة كتبتها إلى زوجها ونقلتها وكالة أسوشيتد برس، قالت فيها إنها سئمت الطبخ والكنس وكي الملابس وأن عليه أن يقوم بتلك المهام بالكامل من "طقطق لسلامو عليكم"، ولن أذكر اسم السيدة هذه لأن قراء هذه الزاوية كلهم- في شرع الخواجات من الإرهابيين بالميلاد والوراثة، وأخشى أن يقوموا باستهدافها، خاصة وأن الرجل العربي قد يقبل الإهانة من شرطي، وقد يتمسح في جوخ الشخص الإفرنجي ويلعقه، ولكنه لا يقبل الذل المتمثل في الطبخ وغسل الحمامات وكنس الغرف، فهذه أشياء تمس الشرف، وتنقض الرجولة، وليس من المستبعد لو دخلنا نحن الرجال المطابخ، وتعاملنا مع المكانس، أن يأتي اليوم الذي تطلب فيه زوجاتنا منا أن- يا للهول- نبدل حفاظات أو بامبرز عيالنا الرُّضع! لقد حذرت من قبل وعبر أكثر من صحيفة ومجلة من دلالات الجرم الذي اقترفته بحقنا تشيري بلير، حرم رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، عندما أرغمته على أخذ "إجازة وضع" عندما "وضعت" هي وليدها المسمى ليو! وقد تفرغ بلير فعلاً لرعاية الوليد أسبوعين متتالين فـ "فشلنا" نحن معشر الرياييل والأزوال والأزلام، ثم وليثبت أنه رجل من ظهر رجل، تعنتر علينا، وشارك جورج بوش أبو طربوش في غزو العراق، وهي الغزوة التي ما زالت دول الشرق الأوسط تدفع ثمنها دعدشة وفركشة.. طيب يا فالح: أسد على صدام وعلى تشيري نعامة؟ وكانت تشيري "تبعي" أم الجعافر، قد حسبت أنني صرت متحضرا لأنني وخلال إقامة العائلة في لندن كنت أقوم بين الحين والآخر بكنس الأرضيات والحمامات وغسل أواني الطعام، وكي الملابس، ثم غادرنا لندن غير آسفين، فعُدْتُ إلى "أصلي": أبو الجعافر سليل العناتر؛ ففي اليوم التالي لعودتنا الى قواعدنا صاحت: جعفر دخل الهدوم (الملابس) في الغسالة، فنشطت جيناتي العنترية وقلت لها: يكون في معلومك أنني رجل من ظهر رجل، ويا ويلك وظلام نهارك وليلك لو طلبت مني القيام بأي عمل ستاتي في البيت (بصراحة لم أقلها بتلك العبارات بل بدبلوماسية: يا بنت الناس... الناس تقول شنو عني لو عرفت إني بغسل أواني المطبخ والهدوم؟ هل يرضيكِ ان أتعرض لإشانة السمعة اذا سمع بقية الرجاجيل أنني قمت بتشغيل الغسالة؟ وما يعتبر عند الخواجات مستحبا، قد يصبح عندنا فرض عين، ليس بالضرورة لأنهم يأمروننا بذلك، ولكن لأننا نتهافت على استرضائهم، وعلى إثبات أننا قادرون على مجاراتهم، لحد الشطط، وأنظر على عجل – ولا تكرر النظر – إلى قنواتنا الفضائية لترى كيف أن المسلك الذي يراه الخواجات عادياً أمام الكاميرا، صار عند بعض مذيعاتنا فوق العادة، وفوق الركبة، وتحت الكتف، حتى صارت ملامسة جهاز التلفزيون تبطل الوضوء، ومتابعة برنامج لأكثر من ثلاث دقائق توجب الغسل، بما في ذلك غسل الجهاز نفسه سبع مرات إحداهن بالديتول، وليس من المستبعد أن يصدر قرار عن مجلس الأمن الدولي على غرار النفط مقابل الشفط (في عراق صدام حسين)، والسلام مقابل عدم الكلام، يلزمنا نحن الرجال العرب النشامى البواسل الكواسر بغسل الحمامات، بل ومن الوارد أن ينتجوا حبوب منع حمل رجالية تحقيقاً للمساواة مع المرأة! وتخيل شخصا مثلي جده عنترة بن شداد أبو الفوارس، واسم أبيه عباس أي ذو التكشيرة والعبوس، وعباس أيضاً من أسماء الأسد، وجدي اسمه "السيد"، ثم تصيح بي أم الجعافر: أخدت الحبة؟ الشكوى لغير الله مذلة فاتركوا مجلس الأمن، وحاولوا استرضاء النساء فهن بالتأكيد أكثر "حنيّة" علينا لأنهن من أهل الفيمتو، ولسن من جماعة الفيتو!.

1800

| 07 ديسمبر 2022

مني الحكاية ومنك مغزاها

أقوم في أحيان كثيرة بإعادة نشر حكايات سبق لي سردها أو الإشارة إليها في مقال هنا أو هناك، قبل بضعة أشهر أو سنوات، ليتسنى لي عرض وجهة نظر معينة، أو توصيل رسالة معينة، لأنني لا أريد أن ألبس مسوح الواعظ ولا أزعم أنني ممسك بالحكمة من قرونها، وأستطيع نثر الدرر، ومن ثم فإنني أميل إلى سرد حكايات من الواقع أو الخيال وأترك للقارئ أن يصل إلى ما يشاء من استنتاجات. الفأر حيوان ماكر ونشط، ولكنه كثيراً ما يضع نفسه في مواقع صعبة لأنه كثير الحركة، ويتميز بالشراهة والنهم وحب الاستطلاع، كما أنه ذو نزعات تخريبية (خذ عندك مثلا ميل الفئران لنهش الأسلاك المعدنية، فهي لا تأكل تلك الأسلاك، ولكنها تستمتع بتقطيعها، ولعلها أكثر الكائنات حزنا، لبوار سوق الهواتف الأرضية الموصلة بأسلاك) ومقابل ذلك فإنه يتمتع بحس أمني كبير، يعينه على معرفة مَوَاطن الخطر وتفاديها، ولعلمك فإنك إذا وضعت سم الفأر في موقع ما في بيتك أو مكتبك، وتناوله فأر ومات، فإن بقية الفئران لا تدخل أبدا للغرفة التي مات فيها ذلك الفأر. ذات يوم شاهد فأر صاحب المزرعة التي يعيش فيها ينزل صندوقاً صغيراً جميل الشكل، فسال لعابه، وحسب أن الصندوق يحوي شيئاً صالحاً للأكل، أو على الأقل للتقطيع (الفار يقرض الأشياء المعدنية ليس لأنه ميال للتخريب كما قلت أعلاه، بل لسنِّ أسنانه لتبقى حادة)، وتخيل مدى حزن الفأر وإحساسه بالإحباط عندما اكتشف أن ما بالصندوق مصيدة فئران، فصاح بصوت يحنن حتى قلب نتنياهو: جات الحزينة تفرح ما لقتلهاش مطرح.. ده كان مستخبي لنا فين؟... عديم البخت يلاقي العظم في الفشة (رئة البهيمة)،.. يا دي النهار الأسود والفأرة لبست أسود... حسرة على شبابك يا فرفور... يا شماتة أبله ظاظا فيك، وشماتة توم، القط المفتري عليّ أنا ابن عم جيري. ومع هذا لم يستسلم فرفور لليأس بل عمد إلى اللجوء إلى «الجماهير» لتأليبها على المزارع، وبادر بالاتصال بالدجاجة مبلغاً إياها بأن المزارع أتى بمصيدة فئران، فضحكت الدجاجة حتى دمعت عيناها وقالت: تعيش وتأكل غيرها يا فرفورتي... إيه رأيك تهاجر إلى المزرعة المجاورة، أو تأكل التبن بدل الجبن؟ أخرج الفأر لسانه للدجاجة من فرط الغيظ، وتوجه صوب الخروف ليحذره من وجود المصيدة، ولكن الخروف قال له: وأنا مالي؟ المصيدة على مقاسك يا فرفور وخلي بالك من زوزو! وكل واحد يحافظ على لغاليغو!! وما تكون حمار يا فار، وحاول الفأر استدرار عواطف الخروف وقال له: هل نسيت يوم قرضت الحبل الذي كان يقيد حركتك فانطلقت لتأكل من المزرعة ما تشاء؟ فرد عليه الخروف: نعم أذكر ذلك ولكن أتذكر أيضا كيف أن ذلك كاد أن يكون نهاية حياتي عندما ضربني المزارع!! صاح الفأر في الخروف من شدة الغيظ: أنت فعلاً حيوان، وبهيمة، ثم انطلق صوب البقرة، وحكى لها ما كان من أمر المصيدة، فصاحت البقرة: يا ناس ياهو الحقوني.. الفلاح جاب مصيدة عشان يمسكني من قروني... آآآخ منك يا ظالم... ياريت لو كنت كبيرة وضخمة زي الفأر...! هنا هتف الفأر: حتى اسم بقرة كثير عليكِ! ولم ير الفأر بُدّاً من أن ينصرف إلى التفكير في وسيلة تجنبه الوقوع في المصيدة التي كان يعرف مكانها، وجلس وهو يطنطن: إيه اللي رماني وسط البهائم هؤلاء،.. ثم سمع صراخاً عالياً، فتوجه إلى حيث المصيدة فوجدها مطبقة على ثعبان ثم رأى زوجة المزارع تندفع نحو المصيدة وهي تحسب أن الفأر راح فيها، فلدغها الثعبان واستوجب علاجها تزويدها بالسوائل، فذبح المزارع الدجاجة وصنع لها منها شوربة، وتوافد الجيران لزيارة الزوجة فذبح الخروف لإطعامهم، ولكن السم سرى في جسد المسكينة فماتت وامتلأ البيت بالمعزين، فاضطر المزارع إلى ذبح البقرة لتوفير الطعام لهم!! هل تعلمت شيئا من هذه الحكاية؟ والآن حاول – وبدون أن ترفع صوتك – أن تحدد من هو الفأر ومن هو الدجاجة.. الخروف... البقرة...

1056

| 30 نوفمبر 2022

الزواج والعسل والحماة

سأروي لكم اليوم حكاية ​كلوديو فلاد وهو مواطن من رومانيا عانى طويلاً من شظف العيش، وجاهد كي يوفر حياة كريمة لزوجته وعياله، وكانت حماته الحيزبون الدردبيس، التي ناهزت الخامسة والسبعين تملك مالاً كثيراً، ولكنها كانت تحجم عن تقديم العون المادي له ولأحفادها منه، ثم ماتت الحماة تاركة وصية يتم توزيع تركتها بموجبها، وجاء موعد قراءة الوصية، ولما جاء دور السيد فلاد انتصبت أذناه في انتظار حصته، وجاءه صوت المحامي: ولكلوديو فلاد زوج ابنتي اترك علبة مربى فواكه! نعم أوصت له بعلبة مربى، وأغلب الظن أن صلاحيتها كانت منتهية! وكتم فلاد غيظه وتم دفن الحماة، ثم قرر فلاد الانتقام منها فعرض قبرها للبيع بسعر التكلفة وباعه بنحو 550 دولاراً، على أنه قبر فارغ، ولسوء حظ فلاد مات والد المشتري بعد أسبوع من إبرام الصفقة، فحمل الجثمان وأنزله في قبو القبر ليجد تابوت الأرملة بداخله فاضطر إلى اللجوء إلى القضاء!! (هؤلاء قوم يضع بعضهم موتاهم داخل صناديق ويتركونها في سراديب تحت الأرض دون إهالة التراب عليها كما نفعل نحن مع موتانا- تولاهم الله وإيانا برحمته). عندما سردت هذه الحكاية على صديق سألته عن العبرة منها فقال: إذا كانت والدة خطيبتك غنية، يُفضل أن تنتظر حتى تموت ثم تبرم عقد الزواج حتى لا تحرم بنتها من الميراث بسببك، لأنها لو كانت أكثر غنى منك وحية تسعى، عند حدوث مراسيم الزواج فستحتقرك، من منطلق أنك طفيلي، قاد بنتها إلى حياة البهدلة. كثيراً ما أقول لأم الجعافر إنه كان من الأصوب لي أن أختار زوجة غنية ويتيمة الأب والأم، (يعني وارثة من الطرفين) فتقول إن واحدة بتلك المواصفات ما كانت ستقبل بي زوجاً، وهذا صحيح ففي الفترة التي دخلنا فيها دنيا الزواج لم تكن هناك عنوسة أو عوانس، كان هنا كيال لكل فولة، وكانت البنات اللواتي يفوتهن قطار الزواج من النوع الذي يستأهل البوار، إما لسلاطة ألسنتهن أو لسوء طباعهن وسلوكهن بدرجة أو بأخرى، ولكن بوجه عام لم يكن الزواج مشكلة تواجه شاباً أو شابة، وإذا فات قطار الزواج فتاة بمحطة واحدة كان يتم «تكليف» أحد الأقارب الذكور بالاقتران بها، وفي السودان يقولون لك «غطي ماعونك، واستر قدحك»، أي أستر قريباتك فهن أولى بالغطاء العائلي، واليوم تجد موظفاً محترم المركز المالي، لكنه يشكو من عدم القدرة على الزواج، لأنه ليس فقط مطالبٌ بعقد قرانه على من وقع اختياره عليها، بل أيضاً بتوقيع عقد مع فندق محترم أو صالة باذخة، أو مطعم من النوع الذي يتسع للمئات ويعد أكلاً جميل الشكل عديم الطعم، ثم يبرم عقودا مماثلة مع محلات المفروشات ووكالات السفر، ومكان قضاء شهر العسل يحتاج الى لجنة من الخبيرات (هذا قرار نسائي بحت، ولا دخل للرجال به، ولو أصر العريس على السفر بالعروس إلى مدينة أي كلام، فإن أبله ظاظا ستشمت فيه، وتفضحه أمام الذي يسوى والذي لا يسوى وكل من هب ودب – بالمناسبة ما هو المعيار لمعرفة من يسوى أو لا يسوى أو الذي يهب وذاك الذي يدب؟) أذكر أنني أقنعت أم الجعافر بقضاء ما يسمى بشهر العسل في فندق في الخرطوم بمنطق أننا أولى بتكاليف السفر إلى الخارج، وبعد نهاية العسل المزعوم عدت إلى بيت الزوجة على سيارة بيك أب أي شاحنة صغيرة حاملاً معي رتلا من الأدوات الكهربائية وأواني المطبخ، اشتريتها من المبلغ الذي كان مخصصاً للسفر إلى الخارج، ومازالت إلى يومنا هذا تطالبني بشهر عسل تعويضي فأقول لها إن صلاحية عسلنا انتهت زمااااااان!! وهكذا وكلما سمعت بأن عريسا وزوجته ذهبا الى المالديف، مثلا، تتحسر على شهر عسلها المُكلفت، واقترحت عليها ذات مرة أن أعوضها عن شهر العسل الماسخ ذاك بسفرة بمناسبة ما يسمى بـ»عيد زواجنا» الكذا، وسبحان الله رفضت الاقتراح، ربما لأن الاحتفال بذلك العيد يذكرها بعمر زواجنا مضافا اليه عمرها قبل الزواج، وهو أمر يؤدي الى تكوين المياه الزرقاء في عيون النساء.

1233

| 23 نوفمبر 2022

ابتعد عن المرآة والعواجيز

لاحظت خلال الأشهر الأخيرة أنني أتوقف أمام كل مرآة تمر بي، ولاحظت أيضا أن ما أراه في المرايا لا يسر خاطري أو يشرح صدري، وكنت من قبل أنظر بازدراء إلى الرجال الذين كلما وجدوا مرآة أو سطحا لامعا عاكسا وقفوا أمامه يعدلون من هيئاتهم ويتغزلون في محاسن أنفسهم في صمت، وفي دورات المياه تجد على الدوام رجالا يكادون يخترقون المرايا برؤوسهم وهم يقتربون منها للتأكد من أن كل شيء تمام التمام، ولأن المرايا تسبب الإحباط فإنني أنصحك بالتوقف عن النظر فيها. فالمرآة سخيفة ولا تجامل وتصفعك بالحقائق في وجهك، هذا بالطبع ما لم تكن من النوع الذي يمارس خداع النفس ويطالع المرآة ويحسب أن صورته المعكوسة عليها هي صورة "يوسف". من آيات العولمة أن التعلق بالمرايا والهوس بالمظهر والوسامة والأناقة والقيافة لم يعد وقفا على النساء، ولا بأس بالطبع في أن يحرص الإنسان رجلا كان أم امرأة على أن يكون حسن المظهر، وفي وسامة وحلاوة أبي الجعافر، ولكن أن يبلغ الأمر مرحلة التزوير فيرتدي رجل تجاوز الستين بنطلون جينز من النوع الذي يتعذر خلعه بدون استخدام كريم أو دهان، ثم يترك صدره مفتوحا ليرى الناس السلسلة التي تتدلى منه، ويرتدي قميصا من فصيلة قمصان شعبان عبد الرحيم فهذه ردة إلى "الطفولية، وتزوير المظهر بغرض إخفاء العمر الحقيقي لا يكون فقط بصبغ الشعر أو ارتداء الملابس الشبابية بل يكون أيضا في اختيار نوع السيارة واختيار بلدان معينة لقضاء الإجازات، وأنا دقة قديمة ولو أهداني أحدهم سيارة قيمتها نصف مليون دولار صفراء اللون لعرضتها للبيع حتى قبل أن أسجلها باسمي لأشتري بدلا منها سيارة بخمسين ألف ريال ذات لون كالح، ثم هاجرت ببقية المبلغ إلى كندا!!!! المصيبة هي أنه كلما تمسك الشخص الشائب بمظاهر الشباب كلما انفضح أمره، والشخص الذي يرتدي المزركش والمبرقع والمرقط بعد أن تجاوز الستين، يصبح كما جورج بوش وهو يرتدي الغترة والعقال. وعندي وصفة مضمونة للمحافظة على الشباب، وهي أنك وبمجرد أن ترفض جهة ما توظيفك وتفضل عليك شخصا أصغر سنا، أن تتجنب مجالسة كبار السن، خاصة تلك النوعية التي لا تكف عن الشكوى من سوء الهضم وآلام المفاصل والانزلاق الغضروفي، فمجالسة هؤلاء تسبب الإحباط، خاصة وأنهم يقرنون الشكوى بالتحسر على أيام زمان، وبما أنني شاهد على ذلك العصر فإنني أقول لجيل الشباب إن مزاعم الكبار بأن أيام زمان كانت أحلى من أيام "الآن"، كلام فارغ!! ما الحلو في أن يعيش الإنسان في بيت تحتل الأغنام ربع مساحته؟ ما الحلو في أن تكون وجبة الإفطار رغيفا مغموسا في الشاي؟ (قال لي صديق سعودي إن عواجيز منطقته يسمون الخبز التوست "شفاط الشاي" لأن نصف كوب الشاي يختفي عند غمس الخبزة فيه)، ما حلاوة خلع الضرس بدون بنج بواسطة الحلاق أو الحداد؟ أولئك الذين يتحسرون على أيام زمان لم يكونوا يذوقون الكوكا كولا، إلا إذا أصيبوا بعسر هضم (إلى يومنا هذا يوجد بيننا شباب يحسبون أن المشروبات الغازية تساعد على الهضم)! إذا أردت أن تحافظ على شبابك كن جعفريا ولا تحسب سنوات عمرك التي انقضت، بل لا تحسب عمرك بطريقة الجمع والطرح: أنا مولود في عام كذا وبالتالي فعمري كذا وكذا! ومن باب الاحتياط توقف عن الاحتفال بـ "عيد" ميلادك وأنت شاب، فعندما تقوم بتزوير عمرك لاحقا قد يكون بعض من حضر احتفالك بعيد ميلادك العشرين حاضرا ويقول لك: كيف يكون عمرك 42 سنة وأنت احتفلت بعيد ميلادك العشرين قبل ثلاثين سنة؟ بلاش تضحك على نفسك، وفكر في كيفية التواؤم والتأقلم مع السنوات التي قد تعيشها، وتعامل مع الكبر والشيخوخة على أنهما "مكسب" فغيرك مات دون أن يبلغ السن التي بلغتها، فكن حامدا شاكرا ولا تلجأ إلى التزوير لإخفاء نعمة طول العمر. وأهم من كل ذلك (والكلام موجه إلى الرجال) لا تثق بالمرآة ولا بالمرأة. فالمرآة كما أسلفت لا تعرف "الستر" وكلما اقتربت منها كلما أظهرت الحفر والمطبات الموجودة أسفل عينيك وعلى خديك.. ولا تثق بالمرأة لأن عينها أخطر من عيون المرايا وتستطيع أن تعرف عمرك مهما تفننت في تزوير شكلك الخارجي، فإذا قلت لها إن عمرك 38 سنة وقالت لك: ما شاء الله.. اللي يشوفك ما يعطيك أكثر من 25 سنة،.. فتأكد أنها تقصد أن عدد سنوات عمرك الحقيقية يكون بتبادل المواقع بين الخمسة والإثنين.

3660

| 16 نوفمبر 2022

أسماء دلع تسبب الهلع

في إحدى الدول العربية أحتج رجل لأن السلطات رفضت له أن يسمي ابنه "هتلر"، ولم يكن الرجل موفقاً في اختيار الاسم، لأن هتلر شخص بشع ومجرم بكل المقاييس، كما أن السلطات لم تكن موفقة في رفضها لذلك الاسم، لأن الرفض كان لتفادي تلك الدولة تهمة معاداة السامية من حيث ان اسم هتلر يعد استفزازياً لليهود لكونهم أكبر ضحاياه، وحدث أمر مشابه في ألمانيا التي أنجبت هتلر، فقد رفض مسؤولو السجل المدني في بلدة ألمانية صغيرة، اسماً اختارته والدة أحد الأطفال، وقالوا لها سمِّه هتلر أو حتى جعفر، ولكننا لن نسجل المولود بالاسم الذي اخترتيه، وهو تشينيكواهو تيكوميش ميغيسكاو كلامو (لحظة من فضلكم كي التقط أنفاسي وأكمل اسم الولد الألماني)... أرنستو إنتو بريثيبي (كمان شوي ويخلص الاسم) بآثار تشاجارا ميجيم (هانت وكلها كلمتين ونخلص من هذا الاسم الذي يسبب نطقه الربو الشعبي)... هنريكو أليساندرو!! اسم مكون من 13 "اسم"، أما عدد حروفه فأمر أتركه لك لأن مجرد كتابة الاسم سبب لي تضخم البروستات، وروماتيزم مفاصل اليد، وبرر المسؤولون رفضهم لهذا الاسم لكونه يمثل إهدارا للموارد والطاقة لمن يحاولون مناداة هذا الطفل بعد دخوله المدرسة والحياة العلمية، وحاولت أم الولد أن تقنعهم بأنها ستكتفي بمناداته كيكو، حتى لا ترهق من ينادونه ولكن السلطات رفضت أي اسم للمولود يتركب من أكثر من ثلاثة مقاطع. كان ذلك من قبيل ما يفعله بعضنا فيسمي ولده بـ "خير" الأسماء... محمد ثم يناديه ميمي أو حودة أو عبد الكريم ثم يناديه عبودي، أو كيمو (كثيرون ينادون أشخاصا في أسمائهم الكاف والميم ب"كيمو"، فيقشعر بدني، لأن كيمو تعني عادة العلاج الكيميائي للأورام الخبيثة)، وقد حرصت على تسمية عيالي بأسماء مستساغة وسهلة النطق وسهلة الكتابة (قليلة الأحرف)، وأسميت أصغرهم "لؤي"، فوجدت أن هناك من يسميه لولو، أو أبو اللول، ولأنني مدرك أن إطلاق اسم "دلع" على كل طفل صار عادة متأصلة في معظم البيوت، فقد حميت ولدي من سخافات الأهل والأصدقاء والأسماء "البنوتية" واخترت له اسم "زغلول"، وهكذا صار لؤي زغلولاً تفادياً لتسميات سخيفة، وحتى في المدرسة تناديه مدرسته الإنجليزية "زاقلول"، أما ابنتي مروة فقد غاظني أن الجميع كانوا ينادونها مرمر، بينما كانت شوكة حوت في حلقي، ثم أنه لا يوجد مرمر "أسمر"، فاخترت لها اسم دلع لائقاً وهو "محمود المليجي"، الذي اشتهر في السينما المصرية بأنه "بتاع مشاكل"، وقد كتبت أكثر من مرة عن تلك الشابة التي كان اسمها "إسهال يعقوب"، ولما أحست أن الاسم جعلها مادة للتندر، لجأت إلى المحكمة واختارت اسماً جديداً، ثم أبلغت جميع من يعرفونها أن اسمها الرسمي "إسهال عبد الصمد"!. ​وقلبي على زملاء وزميلات ومثيلات إسهال تلك الذين أثقل أهلهم عليهم بأسماء سخيفة بل ومهينة وجارحة، ففي ظل تفشي الجهل والخرافة يعتقد البعض أنهم يضللون عزرائيل بإطلاق أسماء بشعة على أولادهم وبناتهم، كي "لا يموتوا" كما مات إخوة لهم من قبل، فتجد من يسمي ولده كرجويل وشلنكح وبظطغيش، وبنته ينة وزكيبة وطقشمة، ويبررون ذلك – وهم مسلمون – بأن الشيطان لا يقرب من حاملي الأسماء القبيحة، ولا جدوى من القول لهم إن عزرائيل وليس شرشبيل هو المسؤول عن قبض الأرواح. ولعل القراء تابعوا لهاث مئات الآلاف من الأسر في العراق لتغيير أسماء أولادهم الذين أطلقوا عليهم اسم "صدام" طمعاً في مغنم أو سعياً لإثبات أنهم جزء من الأسرة الراقية الحاكمة سابقاً. وبالمقابل جنى بعض الكويتيين على عيالهم بتسميتهم جورج بوش، إعرابا عن تقديرهم لدور الرجل (هيربرت بوش الكبير) في تحرير بلدهم من قبضة صدام عام 1991، وتخيل أن يكون هناك ابن آدم اسمه جورج بوش محمد عمر صلاح الدين! ومن منا لا يعرف مراسلة قناة الجزيرة المتألقة جيفارا البديري؟ ولا يصعب التخمين بأن والدها كان معجباً بالمناضل الأممي أرنستو تشي جيفارا (بالمناسبة فإن جيفارا تنطق بالقاف اليمنية، قيفارا) ومن فرط إعجابه به، منح اسماً رجالياً تنطقه هي، وجميع من يعرفونها خطاً!.

4668

| 08 نوفمبر 2022

خطر الاستنساخ يتهددني

​الله يستر علينا وعليكم، فقد هاصت المسألة مجدداً وتلخبطت وتخربطت، بعد أن أفتى القاضي البريطاني "كرين" قاضي المحكمة العليا، بأن استنساخ البشر لا يخالف قانون التخصيب والأجنة البشرية لعام 1990م، لأن الاستنساخ على حد قوله يقوم على تخليق كائن باستبدال نواة البويضة وليس بالتخصيب، وبالتالي فلا تثريب على استنساخ البشر، بطريقة النعجة دوللي، وهي لو تذكرون، أول كائن تم تخليقه دون تواصل بين نعجة وخروف (ماتت في عز شبابها عن ست سنوات ونصف السنة في فبراير 2003، ونعتها جميع وكالات الأنباء وقنوات التلفزة، علما أن النعاج والخراف تعيش ما بين 10 و12 سنة، وبالمناسبة فكلما كان الحيوان كبير الحجم كان طويل العمر، وهكذا فالبقرة تعيش عمرا أطول من النعاج والفيل قد يعيش أكثر من مائة عام، فقط السلحفاة على ضآلة حجمها تعيش أحيانا سنوات أطول من الفيل، والبعوض يعيش – في المتوسط – نحو أسبوع واحد، ولكن بعض إناث البعوض "الأنوفليس"، وهي الصنف الشرير ناقل الأمراض قد يعيش لشهر كامل.. يعني حتى في عالم البعوض فإن الذكور يتسمون بالطيبة وعدم الميل لتسبيب الأذى! ويقول حكيم السودان الأشهر – وليس جعفر – فرح ود تكتوك "الحريم فيهن رميم، وفيهن ذهب مخزون قديم، وفيهن عقارب ساكنات الهشيم". هناك سلفاً طبيب إيطالي يعمل على المكشوف على استنساخ بشر، ولا شك في أن هناك عشرات الباحثين الأمريكان والكوريين الذين نجحوا في استنساخ الكلاب والأرانب والخيل دخلوا المجال بدوافع تجارية، وجاء في بعض الصحف الأمريكية أن عصابات إجرامية تعمل على استنساخ أشخاص هاربين من العدالة بعد أن رصدت الشرطة مكافآت مليونية لمن يساعد في القبض عليهم، بالحصول على الحمض النووي الخاص بهم بالتواطؤ معهم، ثم قسمة المكافأة فيفتي-فيفتي بعد تسليم المستنسخ للشرطة على أنه "الأصلي" وعلى المستوى الشخصي فإنني أتخوف من الاستنساخ لأن خصومي قد يستغلونه للتشهير بي، ومن ثم فإنني أعلن مقدماً وبقوة أن الشخص الذي يشاهد على شاشة التلفزيون بعد عشرين أو ثلاثين سنة وهو يتمايل أمام راقصة او مطربة عربية، لا صلة له بـ "أبو الجعافر" على الرغم من أنه وسيم ومليح ورشيق وأشقر مثله مائة في المائة، كما أنني اتبرأ من "أبو الجعافر" الذي يذهب إلى ذلك النادي الليلي يومياً لنثر النقوط على رأس النسخة الجديدة من فيفي عبده أو حفيدتها، ولو كانت لذلك الكائن صلة بـ "أبو الجعافر" الأصلي لشوهد وهو يستولى على النقوط ويهرب بها إلى دورة المياه ليضعها حيث ينبغي أن تنتمي، ويطيب لي أن أعلن على مضض: باي باي عارضة الأزياء ناوومي كامبل التي قد تستغل ملايينها لتثأر لكرامتها التي أهدرتها عندما ركبت معي المصعد في مبنى "تي في سنتر" التابع لبي بي سي، في وايت سيتي في لندن، وكنت أريد الذهاب إلى الطابق السابع، فغمزت لي بعينيها الكبيرتين بما معناه: وراك والزمن طويل وسأذهب أيضاً إلى نفس الطابق، وبعد أن اجتزنا دورين فشخت فمها بابتسامة كلها تحرش وغواية، وقالت لي دون سائر من كانوا معنا داخل المصعد: هاي، ولكنني تجاهلتها، وعندما همت بمفاتحتي بأمرها!! ضغطت على زر الطابق الخامس وخرجت من المصعد فكادت أن تسقط من الحزن والأسى، وبالتالي فإنني لا أستبعد أن تستنسخ "أبو الجعافر"، ثم تلبسه "شورت وفانلة" بدون أكمام، وتضع على فمه سيجارة وفي يده زجاجة مشروب وتلقي به أمام ناد للستريبتيز في الوست آند في لندن ثم تدعو قنوات التلفزة لمحاورته، وكل ذلك من باب ابتزازي: إما أن تكون لي أو أفضحك وتعيش منبوذا بين قومك. إذا رأيتم جعفر على ذلك الحال فقولوا: دا مش هو

2589

| 01 نوفمبر 2022

نحافظ على البيئة بشروطنا

في بلدتنا في منطقة النوبة في شمال السودان كانت الثعالب مصدر صداع دائم لأهلنا، لأنها كانت دائمة الاعتداء على الدواجن. والثعلب حيوان تافه وخسيس ومخرب، لأنه عندما ينجح في اقتحام قفص الدجاج يقوم بقتل جميع أفراد السرب، ثم يحمل دجاجة واحدة في فمه ويهرب بها إلى جحره في إحدى الغابات الصغيرة التي اشتهرت بها بلدتنا وهي جزيرة نهرية اسمها "بدين"، ولكن اليقظة الشعبية أدت إلى انقراض تلك الثعالب اللعينة، فقد اختفت الغابات التي كانت تلجأ إليها، لأن توسيع الرقعة الزراعية استوجب قطع جميع الأشجار، وأصبحت الثعالب أهدافاً سهلة للكلاب والبشر فانقرضت، وأصبح من حق الدجاج في بلدتنا أن يتجول ليلاً وأن يقضي الليل بطوله خارج "القوقه" وهي بيت الدجاج في اللغة النوبية، وهو ذو شكل دائري يصنع من الطين، وله غطاء طيني ثقيل، وفي أول كل مساء كان يتم تكليفنا نحن الصغار بإلقاء القبض على الدجاجات ووضعها في "القوقه". ومن آيات ذكاء الثعلب أنه عندما يريد تناول فراخ في العشاء يبدأ بحفر نفق تحت القوقه ثم ينشب مخالبه حتى يفتح ثغرة في قعرها ويفتك بجميع ما فيها من دجاج، ثم يتناول واحدة طرية اللحم ويتوجه إلى مخبئه، ولكن وبتوفيق من عند الله نجحنا في القضاء على جميع الثعالب، بل والغابات التي كانت تتخذ منها مأوى، دون أن نضطر لتشكيل حركة تحرير كما حدث في أنحاء أخرى في السودان. وعندما انعقدت قمة المناخ في باريس وقبلها في كيتو في اليابان، أبلغت المشاركين فيها بالجرائم البيئية تلك التي ارتكبها أهلي في جزيرة "بدين" النهرية، بل وقلت لهم إننا نحن أهل السودان وبوركينا فاسو ونيبال وإكوادور سنواصل قطع الأشجار واستخدام أخشابها كوقود للطهي، كما نتعهد بالاستمرار في تلويث مصادر المياه المتاحة لدينا! لماذا؟ لأننا أحرار؟ لا لأننا مرغمون على فعل ذلك، فالأوروبيون والأمريكيون "أخذوا راحتهم" في تقطيع الأشجار وحرق الفحم الخشبي والحجري، وتفجير القنابل الذرية، ولما جاء دورنا للاستفادة من الموارد الطبيعية باتوا يصيحون ويولولون. وحاولوا أن يأكلوا بعقلي حلاوة كما يقول المصريون عن الاستعباط، وقالوا: ترامب انسحب من اتفاقية المناخ وما تكون مثله من الخاسرين. كن عاقلا "كما عهدناك"، ثم هل سترضى أن يسمي الناس أهلك وقومك بالترامبيين؟ قلت لهم: ترامبيين ترامبولين تريفيرا ما تفرقش (تريفيرا هذه نوع من الأقمشة وجد رواجا بين النساء لحين من الدهر ولا أعرف لماذا اختفى من القاموس النسائي). أخذتم فرصتكم في بهدلة البيئة ولا خيار أمامنا سوى قطع الأشجار وحرق أخشابها وصيد كل حيوان مؤذٍ، أو لحمه طيب. يقولون إنه إذا أستمر تدمير الغابات فإن درجة الحرارة على كوكب الأرض سترتفع. طيب ماله؟ ضربوا الرجل على عينه العوراء فقال "بايظة بايظة" يعني نحن أساسا نعيش في بلاد صيفها جحيم وشتاؤها سقر، ولن "تفرق" معنا كثيرا أن ترتفع الحرارة درجتين أو ثلاثة أما أهل أوروبا وأمريكا الشمالية فإن تسخين الأرض يهددهم بالطوفان القادم من الشمال بعد أن يبدأ القطب الشمالي في الذوبان، في ستين ألف داهية، وعليهم أن يختاروا: هذا أو الطوفان، و"هذا" هو أن يوفروا لنا الوقود والمحروقات وأجهزة المايكروويف، وقبل كل شيء محطات كهرباء، حتى لا نقوم بتدمير الغابات، والأهم من كل ذلك أن يخلصوا في الدفاع عن حقوقنا، بنفس درجة حماسهم للدفاع عن حقوق السلاحف والسحالي والشجر والبحر والنهر والحجرـ حتى لا "نفش غلنا" في الحيوانات والنباتات فنشبعها إبادة وانقراضا. هؤلاء الغربيون قليلو الحياء، يذرفون الدموع على تماسيح أفريقيا التي كادت تفنى لأن أهلنا يصطادونها لبيع جلودها التي تحوِّلها المصانع الغربية إلى حقائب وأحذية، يعادل ثمن "الحبة" الواحدة منها متوسط دخل إنسان العالم الثالث في سنة كاملة، ولكن ابن آدم في بلادهم يتعرض للاعتداء والسجن وربما القتل لأنه لون بشرته "غلط" أو لأنه "شوهد وهو يدخل المسجد ويخرج منه مرارا".

4932

| 25 أكتوبر 2022

الديكة والدبكة

إذا كنت متابعاً للشأن العراقي فقد تكون عارفاً بالاعتصامات التي تقودها تنظيمات مختلفة في سياق صراع الديكة على السلطة، وقد لا يعجبك لجوء قوة مسلح إلى البنادق لتفريق جماهير غاضبة، وكما يحدث كثيرا في العراق سيقال إن الفاعلين مجهولون، ولكن ربما فاتك خبر شديد الأهمية وشغل شرائح من المجتمع العراقي، ويتعلق بالصراع الدموي الذي كان أبرز أطرافه البرمكي وأبو عبده، والذي انتهى بتتويج البرمكي بطلاً بلا منازع، بعد فشل محاولات أبو عبده اليائسة لتحويل مجرى الصراع غير المتكافئ لصالحه، وحتى محاولته الهرب من ساحة الصراع باءت بالفشل، لأن البرمكي انقض عليه بلا رحمة وأشبعه جراحاً دامية. وعلى ذمة الصحف التي أوردت تفاصيل ذلك الصراع فإن البرمكي وأبو عبده، لا ينتميان إلى أي من الفصائل المتناحرة في العراق، فلا هذا من الحشد الشعبي ولا ذاك من الحشد الداعشي أو التيار الصدري أو النوري المالكي، ولا أحدهما من حزب الدعوة والآخر "مالوش دعوة"، بل هما ديكان اشتركا في مصارعة حرة شرسة، لا يستطيع حتى روك أو جون سينا الصمود فيها، وعلى البرمكي خوض مباريات أخرى ضد ديكة ريفية وحضرية، كي يكسب لقب ديك ديوك العراق!. لدينا مثل سوداني يقول: الفاضي يهمز أمه، والهمز هنا هو اللكزة أي الطعنة الخفيفة بإصبع في أحد جنبي الجسم، مما يجعل المهموز يقفز متحسساً أو ضاحكاً، والمقصود بالمثل أن الشخص الذي ليست لديه حرفة أو شيء مفيد يملأ به وقت فراغه يقوم بعمل غير لائق، فليس من الأدب أن "تهمز" أمك، والمنشغلون باختيار ديك ديوك العراق بالتأكيد قوم يفتقرون إلى الحد الأدنى من المادة الرمادية التي تملأ تجاويف رؤوس معظم بني البشر، وصراع الديكة معروف لدى العديد من الشعوب، ولكنه لا يليق بأفراد شعب سالت منهم الدماء حتى شكلت نهرا جديدا إلى جانب نهري دجلة والفرات. المحزن أننا قوم نهتم بتوافه الأمور، حتى في الظروف التي تتطلب الحزم والعزم، نمارس التهويل من أمر أنفسنا والتهوين من أمر العدو! وصدام حسين أقنعنا بأن إيران هي عدوتنا فشنّ عليها "قادسية" القرن العشرين، وبعد ثماني سنوات من الاقتتال اتضح أنه لا صدام هو سعد بن أبي وقاص الجديد أو خالد بن الوليد، واتضح أيضا أن جيشه لم يكن أفضل حالاً من جيش خلفه نوري المالكي، ولم تكن إيران من الضعف بدرجة أن يجتاحها صدام كما كان يحلم، ولم تكن من القوة بحيث تطيح به وتحتل العتبات المقدسة في النجف وكربلاء كما كان يردد الملالي. انظروا حال الجيش العراقي الذي أنفق على تسليحه رئيس الحكومة السابق نوري المالكي ثلاثين مليار دولار، وكيف أهلك على مدى ثلاث سنوات من أهل الموصل الأبرياء ألف ضعف من أهلكهم من داعش، وجميع الدول العربية ظلت تهدد إسرائيل بالفناء، ولكن فقط شفاهة ومن باب إبراء الذمة، بينما تحولت إسرائيل إلى قوة قادرة على هزيمة الجيوش العربية مجتمعة، لا لأن جنودها أفذاذ ولا لأنهم أكثر شجاعة وصموداً، ولكن لأنهم يأخذون مسائل الحرب بجدية وجاهزون لها على مدار السنة. وتحضرني هنا أبيات شعر كتبها "فرقعون الفرعون" محيياً الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش لوقفته الصلبة الى جانب إسرائيل: يا مرحبا يا بوش مليون يا من مشاعر شعب موسى سكنها حنا معاكم لين غصب (ن) يطيعون ولا نحظ أجسادهم في كفنها والله ما أوقف قتل حتى يقولون كوهين الأرض المقدسة ملكها ولا تقصر بفيتو ليا جوك يشكون والباقية كوهين والله ولدها وفي الأنباء أيضاً أن حفل عرس في الأردن تحول إلى عرس دم، لا صلة له بـ "لوركا"، عندما اختلف شابان حول قضية مصيرية هي: من يقود الدبكة؟ فقتل أحدهما الآخر تأسيا بقول الشاعر: ونحن أناس لا توسط بيننا لنا الصدر دون العالمين أو القبر (غارثيا لوركا شاعر إسباني كتب مسرحية عرس الدم) وبعد مصرع القائد الدبكاوي هاج أهله وأحرقوا منازل ومتاجر عشيرة القاتل، وليس من المستبعد أن تتخذ الولايات المتحدة من الحادث ذريعة لإدراج الدبكة والمدبكين في قائمة الأشرار!.

4098

| 18 أكتوبر 2022

alsharq
جريمة صامتة.. الاتّجار بالمعرفة

نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما...

6609

| 27 أكتوبر 2025

alsharq
من يُعلن حالة الطوارئ المجتمعية؟

في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم،...

6483

| 24 أكتوبر 2025

alsharq
غياب الروح القتالية

تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...

3252

| 23 أكتوبر 2025

alsharq
طيورٌ من حديد

المسيرات اليوم تملأ السماء، تحلّق بأجنحةٍ معدنيةٍ تلمع...

2484

| 28 أكتوبر 2025

alsharq
النظام المروري.. قوانين متقدمة وتحديات قائمة

القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى،...

1887

| 23 أكتوبر 2025

alsharq
الدوحة عاصمة لا غنى عنها عند قادة العالم وصُناع القرار

جاء لقاء حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن...

1695

| 26 أكتوبر 2025

alsharq
المدرجات تبكي فراق الجماهير

كان المدرج في زمنٍ مضى يشبه قلبًا يخفق...

1659

| 30 أكتوبر 2025

alsharq
الدوحة عاصمة الرياضة العالمية

على مدى العقد الماضي أثبتت دولة قطر أنها...

1473

| 27 أكتوبر 2025

alsharq
منْ ملأ ليله بالمزاح فلا ينتظر الصّباح

النّهضة هي مرحلة تحوّل فكري وثقافي كبير وتمتاز...

1056

| 24 أكتوبر 2025

alsharq
كريمٌ يُميت السر.. فيُحيي المروءة

في زمنٍ تاهت فيه الحدود بين ما يُقال...

999

| 24 أكتوبر 2025

alsharq
التوظيف السياسي للتصوف

لا بد عند الحديث عن التصوف أن نوضح...

987

| 27 أكتوبر 2025

alsharq
فاتورة الهواء التي أسقطت «أبو العبد» أرضًا

“أبو العبد” زلمة عصامي ربّى أبناءه الاثني عشر...

924

| 27 أكتوبر 2025

أخبار محلية