رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

النظارة السوداء لنهار أسود !

الأمريكان يعرفون عن كوكب المريخ، أكثر مما يعرفونه عن المسلمين والعرب، فقد بات معروفاً أننا متهمون بالإرهاب وكل أنواع الهباب، وفي هذا ظلم لنا، فنحن أمة تعاني من الصمم والبكم بفعل فاعل، بعد أن أُغلقت في وجوهنا أبواب الاجتهاد في العلوم والمعارف العامة، وصرنا نعاني من الأنيميا الثقافية لفرط تعاطينا المعلبات السكند هاند ذات الصلاحية المنعدمة والمنتهية التي تقدمها لنا وسائل الإعلام! والمسلم العربي «غلباااااااان» في عقله، وجوعان في بطنه، ومع هذا فإن امريكا تتعامل معه بمنطق «المسكين سكين»، وتسيء به الظن، ومن ثم ابتدعت وسائل وتقنيات تكشف نواياه الشريرة. من يسافر إلى بريطانيا وامريكا لا يتعرض فقط للكشف بالأشعة على امتعته، وبالأيدي عن أعضاء جسمه بما في ذلك عورته، بل سيقف امام اشخاص يرتدون نظارات شمسية، يسألونه بكل براءة: إلى اين تتجه؟ فتقول صادقاً (مثلا): إنني ذاهب إلى لاس فيجاس للعب القمار بما يسهم في تنشيط الاقتصاد الأمريكي! فيبتسم في وجهك بخبث ويقول لك: على جون يا فرعون؟ قل الحقيقة، قبل أن أطلب لك الكلاب البوليسية لـ «تفرمك» (لن أنسى قط تجربة أول زيارة لي للولايات المتحدة عندما نزلت في مطار واشنطن – دالس، وذهبوا بي في مكان فيه ركاب من سوريا وايران وأتوا بكلب في حجم وحيد القرن ليشمنا ويشم أمتعتنا، وكدت أصاب بانهيار عصبي عندما توقف الكلب امامي وصار يشم حذائي، ثم صرفه الله عني) على كل حال إذا استجوبك لابس نظارة سوداء في مطار غربي فمن الخير لك أن تعترف بأنك إرهابي على خفيف، لا أنت في الخلايا الإرهابية النائمة، ولا الخلايا الصاحية. قل لهم أنك في الخلايا الناعسة! يعني تعترف بأنك فكرت – مجرد تفكير في الانضمام إلى تنظيم إرهابي، ولكنك اصبت بالنعاس وفات عليك ان تستكمل إجراءات العضوية، وفي هذه الحالة سيسجنونك لفترة بسيطة لا تزيد على سنة أو اثنتين ثم يطلقون سراحك، ويا ويلك إذا عاندت لأنهم قد ينقلونك إلى مكان كسجن أبو غريب في بغداد، وكلنا نعرف كيف ان الفتاة المستنسخة من ضفدع «ليندي إينغلندا» كانت تعذب السجناء بالسير أمامهم وهي عارية، وما أقسى على السجين أن يرى حارسة سجن تشبه روبرت موغابي وهي في حال «ربي كما خلقتني». النظارة السوداء التي يرتديها من يلاقونك في مطارات امريكا، من اختراع العالم الإسرائيلي عامير ليبرمان، وهي جهاز يقال إنه قادر على كشف الكذب، مزود برقاقة دقيقة تتولى تحليل الموجات الصوتية وتحلل نبرات الصوت، ودرجة توتر الشخص الخاضع للاستجواب، ومعنى هذا أن المئات من الأبرياء سيتعرضون للسجن والمرمطة خلال زياراتهم المرتقبة إلى الدول الغربية، فأنت مثلا قلت لزوجتك أنك ذاهب إلى أمريكا لدخول مايو كلينيك لاستئصال اللوزتين، وردت عليك بقولها أنه سبق لك استئصال اللوزتين في القاهرة قبل سنتين، فتفحمها بقولك أن اللوزتين نبتتا من جديد، مما يتطلب مهارات جراحية لا تتوفر إلا في مكان مثل مايو كلينيك! وحقيقة الأمر انك تعتزم التوجه إلى شواطئ ميامي في فلوريدا حيث اللاتينيات من طراز جنيفر لوبيز، ولكنك وعندما يستجوبك ابو نظارة، لن تستطيع ان تقول مثلا انك تريد دعم العنصر النسائي في المعارضة الكوبية، وستقول كلاماً سخيفاً مثل: اريد زيارة المتاحف ومعارض الفنون!! هنا سيومض مصباح صغير في النظارة ليقول انك كاذب أشر! وبعدها ستركب كل عفاريت الأرض لابس النظارة، ويمسك بك من تلابيبك ويجرجرك من غرفة إلى أخرى على مدى اربعة أيام، تحرم خلالها من النوم، وتجد نفسك في اليوم الخامس تعترف بأشياء عجيبة: الحقيقة أسامة بن لادن اعطاني أمس ثلاثين الف دولار صومالي كي اقوم بتوصيلها إلى ابنه محمد المختبئ في فيلا في سان فرانسيسكو جنوب تكريت ليشتري بها آيسكريم مفخخا! يا عرب: والله مشكلة. إذا ذهبتم إلى امريكا فضحتكم النظارات السوداء، وإذا ذهبتم إلى بانكوك اصطادتكم بلاوي وقانا الله وإياكم منها، وداهية تاخد عامير وتاخد أميركا.

2433

| 19 سبتمبر 2023

من يفعل الخير لا يعدم جوازيه

كانت السيدة الأمريكية العجوز متوجهة إلى مدينة سانت لويس، عندما اضطرت للتوقف في يوم ممطر في منطقة صحراوية لأن أحد الإطارات المطاطية لسيارتها المرسيدس، «نزل» كما نقول في السودان وبنشر كما يقال في الخليج أي لم يعد ممتلئا بالهواء اللازم الذي يمكنه من الدوران السلس، فجلست داخل السيارة، وهي في حيرة من أمرها بعد أن أدركت أنها بلا حيلة (بالمناسبة اعترف بأنني جاهل بكل أمور السيارات ولا أعرف حتى كيف ابدِّل اطار السيارة المعطوب أو المثقوب)، ثم فوجئت العجوز برجل مبهدل الهيئة، يوقف سيارته المكعكعة التي أكل الدهر عليها ولم يجد ما يشرب، ويتجه إليها، ورغم أنه كان مبتسما فقد خشيت أن يستغل خلو المنطقة من البشر، ويسلب مجوهراتها ونقودها وربما حتى سيارتها، ولكن الرجل سألها بأدب ما إذا كانت بحاجة إلى مساعدة، فحدثته وهي متوجسة عبر فتحة صغيرة في زجاج باب السيارة، عن الإطار «المعطوب»، ثم أغلقت نافذة السيارة وأبوابها بإحكام وجلست وهي تفكر في احتمال اعتدائه عليها. فتح الرجل الشنطة الخلفية في المرسيدس وأخرج الإطار الاحتياطي، ثم زحف تحت السيارة ووضع الرافعة (التي نسميها في السودان عفريتة، ولا أعرف لماذا عفرتناها، وتسمى في الخليج «جيك» تحويرا للتسمية الإنجليزية «جاك») في المكان الصحيح، ثم شرع في تثبيت الإطار الاحتياطي السليم، ثم أشار لصاحبة السيارة وهو يبتعد بملابسه الملطخة بالطين بما معناه: المهمة اكتملت، ففتحت السيدة نافذة السيارة، بعد أن اطمأنت إلى أنه ليس مجرما، وقالت له إنها على استعداد لدفع المبلغ الذي يطلبه نظير المهمة التي أداها، ولكن الرجل قال لها إن ما فعله ليس مهمة، بل واجب أخلاقي، وأنه ياما تلقى مساعدات من أناس لا يعرفهم في ظروف حرجة، ثم أضاف: بإمكانك ان تدفعي المبلغ الذي كنت تريدين دفعه لي، لأي شخص محتاج الى مساعدة تصادفينه مستقبلا، وقولي هذا مني، ومن رجل اسمه برايان أندرسون (وهذا هو اسم الرجل الذي ساعد العجوز صاحبة المرسيدس في تغيير اطار السيارة). وشكرته العجوز بحرارة، ثم انطلقت بسيارتها، وبعد كيلومترات قليلة، توقفت عند مطعم ريفي مهلهل البناء ورث الأثاث، وفور جلوسها داخل المطعم أتتها جرسونة بفوطة نظيفة، وعرضت عليها استخدامها لتجفيف شعرها المبتل، لأن بعض حبات المطر نزلت عليه وهي في طريقها من السيارة الى المطعم، ثم أحضرت للسيدة ما طلبته من طعام، ولاحظت العجوز أن الجرسونة حامل في نحو الشهر الثامن، وتتحرك بصعوبة داخل المطعم، المهم أنه عندما أتتها الجرسونة بفاتورة الطعام أعطتها مائة دولار، وتحركت الجرسونة نحو الخزينة لتأتيها بباقي المبلغ، ولكن ما أن عادت صوب الطاولة التي كانت تجلس عليها العجوز، حتى اكتشفت أنها غادرت ثم نظرت عبر النافذة ورأتها تنطلق بسيارتها، فتوجهت نحو الطاولة لتنظيفها، فوجدت على الفوطة الورقية ما يلي: أنت غير مدينة لي بأي شيء، فقد ساعدني شخص ما يوما ما وأريد أن أرد له الجميل بمساعدتك، ووجدت الجرسونة 600 دولار تحت الفوطة. أكملت الجرسونة مهامها وعادت الى بيتها في ساعة متأخرة من الليل ووجدت زوجها نائما ويشخر «بعد»، فقبلته بلطف وهمست في أذنه: مشكلة تكاليف الولادة الشهر المقبل فُرجت يا بريان أندرسون.. هل عرفت معنى عنوان المقال؟ وقرأت في فيسبوك تجربة شاب سوداني أعرفه بالاسم: تلقى قبل سنوات على هاتفه رصيدا بألف جنيه من مصدر لا يعرفه، فاتصل بصاحب الرقم وقال له: الحقيقة أنا محتاج للمبلغ لعلاج أمي ولن أتمكن.... فقاطعه من قام بتحويل الرصيد: ولا يهمك، وحلال عليك الألف جنيه، وربنا يشفي الوالدة، فإذا بالطرف الثاني يضحك: معليش كنت بهزر وسأعيد لك المبلغ فورا، ولكن صاحب «الحق» قال: استحلفك بالله خلي الفلوس معك، أصلها طلعت مني، ويظهر إنها من قسمتك، وأنا ما عندي مشكلة مالية. المهم ان متلقي الرصيد المفاجئ أعاده إلى صاحبه / مصدره.. والدنيا ما زالت بخير

1566

| 14 سبتمبر 2023

من لا أول له لا تالِي له

كتبت أكثر من مرة عن ولعي بقنوات الجزيرة الوثائقية وديسكفري وناشونال جيوغرافيك والقنوات الوثائقية الفضائيات عموما، ليس فقط لأنها خالية من الهشك بشك، ولكن لأنها تقدم غذاء للعقل والفكر بما تضخه من مادة علمية موثقة تعرض بطرق شيقة، (مؤخرا صرت من جماهير قناة يوتيوب لأنني اكتشفت أنني استطيع ان اشاهد فقط ما اريده من مواد، متى أشاء). وقبل أيام كنت أشاهد في ديسكفري فيلماً تسجيلياً عن الإسكيمو ذلك الشعب الذي يعيش في مناطق في القطب الشمالي في أكواخ يكسوها الجليد على مدار السنة، وزادهم الوحيد هو ما يصطادونه من حيوانات بحرية، وشاهدت صبياً من الإسكيمو يمسك بندقية ويصوبها نحو عجل بحر ويطخه في رأسه، فكان أن أقامت العائلة وليمة كبيرة لأنها لم تكن قد ذاقت طعاماً حقيقياً يقيها غائلة الجوع والبرد طوال أربعة أيام. ورأيت في أيام أخرى كيف يعاني سكان صحار مثل كلهاري في أفريقيا أو جماعة الأبورجينيز- وهم أهل أستراليا الأصليون الذين ما زالوا يعيشون على صيد السحالي ويأكلون كل شيء: كلاب وضفادع وديدان وتماسيح. وتعود بي الذاكرة إلى سنوات الطفولة حيث لم تكن هناك كهرباء، وكنا نشرب الماء من نفس الجدول المخصص للزراعة، والذي كانت تشرب منه بهائمنا، وكانت الصيحات الثكلى تتعالى كل مساء عندما يلدغ ثعبان أو عقرب شخصاً ما، ولا علاج عندنا لمثل تلك الحالات سوى عصير الليمون المركز (ولليمون مكانة عالية في الشعر الغنائي في السودان ومنطقة الخليج ربما لانعدام الفواكه الأخرى، ولجمال شكله وفوائده الصحية العالية)، ومع هذا كنا نأكل ثلاث وجبات، ونشرب الشاي ثلاث مرات (في الصبح وبعد الغداء وعند المغيب) ولدينا تمر كثير. كانت طفولتي بائسة بمقاييس ذلك «العصر» مقارنة بحال غيري من الأطفال في بلدان أخرى كانت أقل فقراً من بلدي، ولكن كلما شاهدت معاناة سكان الصحاري والأصقاع الجليدية أدرك أنني نعمت بطفولة مرفهة، وأنا أجلس الآن أمام كمبيوتر وأمامي على الحائط تلفزيون طويل وعريض قادر على التقاط قناة يوتيوب حتى في غياب شبكة نت منزلية (واي فاي)، وعلى يميني تلفون آيفون وعلى يساري آيباد ومكيف الهواء يتلاعب بما تبقى من شعر رأسي، ولا تكاد تمر ساعة دون أن أقول في سري: سبحان الله.. كنا فين وبقينا فين.. هل أنا المرتدي الملابس الأفرنجية نفس الـ «جعفر» الذي كان يرعى عنزات العائلة، وياما اضطر إلى مساعدة العديد من العنزات على الولادة. يعني داية/قابلة للغنم، وكنت ماهراً في حلب الماعز. ودعوني أتباهى أمامكم بخصلة حباني الله إياها وهي «الشكر والحمد»، بمعنى أنه لا يغيب عن بالي أنني لم اكن أحلم يوماً ما بأن تكون عندي سيارة خاصة، بل وحتى في مرحلة الشباب كان ركوب التاكسي «بدلا من الباص» حلماً صعب المنال، وقضيت المرحلة الجامعية بثلاثة قمصان وبنطلونين كنت أتولى غسلهما وكيهما بنفسي، وإلى يومنا هذا فإنني «كواء» محترف وكنت إذا اكتشفت في ساعة متأخرة من ذات مساء أن الزي المدرسي لولدي أو بنتي بحاجة للكي، أقوم بلا تردد بتناول المكواة، وأجهز له/ لها الملابس المدرسية في أفضل حال. كافحت وأنا النوبي الأعجمي حتى تعلمت اللغة العربية وكتبت بها قصائد «قمة في الركاكة» ولكن وبالعناد والمثابرة هأنا ذا أكتب مقالاً يومياً بالعربية في صحيفة الشرق المشرقة دائما والتي قدمتني للقراء في مطلع تسعينات القرن الماضي. كنت أفرح في بداية الأمر كلما رأيت اسمي مكتوباً في صحيفة أو كلما استوقفني شخص وسألني إن كنت «أبو الجعافر»، ولكنني لم أترك تلك الأمور «تطلع في رأسي» بأن أذكر نفسي: رحم الله امرأ عرف قدر نفسه. ومن نسي قديمه تاه، واللي ما له أول ما له تالي، وبالتالي لن أنسى «الحمارسيدس» أبو أربعة حوافر، الذي تباهيت بركوبه وانا صبي، بعد أن عشت في عصر المرسيدس ذي الدفع الرباعي.

1938

| 05 سبتمبر 2023

كارثة تلفزيونية جديدة

خرجت علينا الولايات المتحدة الأمريكية مؤخرا بكارثة إعلامية تمثلت في تدشين أول قناة تلفزيونية مخصصة للأطفال ما بين سن ستة أشهر وثلاث سنوات، ويقول القائمون على أمر تلك القناة (بيبي فيرست تي في https://www.babyfirsttv.com/) وتعني «تلفزيون الطفل أولاً»، إن برامج القناة عبارة عن مجموعة ألعاب خفيفة تشد انتباه الأطفال وتعلمهم الأشكال الهندسية الأساسية (دائرة ومربع ومستطيل) وتمييز الألوان، وأن هناك برامج الغرض منها هدهدة الصغار لحملهم على النوم. الكارثة الحقيقية هي أن تلك القناة قوبلت بترحاب فائق من ملايين العائلات الأمريكية، وستنتقل خدماتها إلى بريطانيا خلال الأشهر القليلة المقبلة، ومن المعروف أنه إذا عطست أمريكا وبريطانيا أصيب بعض العرب بعسر الهضم وفتق الحجاب الحاجز والحمل خارج الرحم، فإذا كنا قد استوردنا برامج الإسفاف والتفاهة واللغو، فهل يعقل أن ننجو من قناة كهذه غايتها جعل التلفزيون «دادة/ جليسة أطفال إلكترونية»؟ هل صار الأطفال عبئاً بحيث نسعى لابتكار وسيلة تلهيهم وتصرفهم عنا فلا يحتاجون لرعايتنا؟ هل هناك متعة تعادل متعة رؤية طفل رضيع يتعلم المشي ويقلب الطاولات ويحشو رغيف التوست في جهاز الفيديو ويصاب بلوثة عقلية مؤقتة ويبدأ في الرفس و»الريالة» كلما رأى زجاجة أو كوب عصير في يد ضيف؟ ماذا سيقول عني ولدي الأكبر وزوجته بعد ان يسمعا بأمر هذه القناة وأنا الذي «طربقت» الدنيا على رأسيهما عندما رأيتهما يعطيان حفيدي آيباد لإلهائه، عوضا عن مجالسته ومسامرته كما فعلت انا مع عيالي؟ حتى عندنا في العالم العربي حيث الأسرة أكثر تماسكا من نظيرتها الغربية، لم تعد الأمهات يغنين للرضع من عيالهن، بينما كانت أمهاتنا يؤلفن أهازيج خفيفة أو يرددن بعض المتوارث منها، لتهدئة الصغار عند البكاء أو تعبيرا عن الفرح لدخولهم حياة الأسرة (من محفوظات أغاني الهدهدة في السودان: النوم تعال/ سكِّت الجهال/ النوم، النوم ولدي الغالي/ النوم النوم يستر حالي- نعم ففي السودان نسمي صغار السن جهال ومفردها جاهل) كنت وما أزال أعتقد أن التلفزيون أداة إعلامية مهمة وخطيرة، تستطيع أن تلعب دوراً كبيراً في التنوير والتوعية والترفيه، ولكن الشيء إذا فات حدَّه انقلب ضده. فالتنوير صار تسليط الأنوار والأضواء على العورات، والتوعية صارت تعني أن التلفزيون «وعاء» ينضح بالوسخ والعفن والنتانة، والترفيه صار مفهوماً هلامياً تمارس بمقتضاه تجارة الرقيق الأبيض (الحمد لله أن السواد الذي يرمز في اللغة للبؤس وسوء الحظ والتعاسة لا يستخدم للرمز إلى الفسوق والفجور العادي أو الإلكتروني). ما دور الأب أو الأم في الحياة إذا قام التلفزيون بمهمة الهاء طفل رضيع عن اللعب والعبث؟ كانت لي بنت «عذبتني» في طفولتها بشقاوتها وعنادها، وكانت لا تنام ما لم استلق على ظهري ورقدت هي فوق بطني فأطبطب على ظهرها بلطف. كانت مزعجة ومرعبة بدرجة أن جدتها لأمها، وكانت امرأة تتسم بالصبر الشديد وطول البال، كانت تقول كلما رأتها نائمة: نوم الظالم عبادة!! ويا ويلي إذا نمت قبلها. فقد كانت تدخل إصبعها في عيني أو فتحة أنفي فأصرخ وانتفض من الألم فتبتسم في خبث وتغمض عينيها لتوهمني بأنها فعلت ذلك وهي نائمة. وعندما كبرت وصارت تستحي أن تنام فوق بطني أو حتى قربي على السرير، أحسست بمرارة «الفراق».. مررت بتجربة الانسحاب withdrawal التي يمر بها «المدمن» عندما يتوقف عن تعاطي شيء معين! أصغر أولادي، وبعد أن كان مرحا ضحوكا وشقيا صار «ثقيل الدم» لأنه يريد أن يتصرف وأن يعامل كشخص كبير، وكان من قبل يسعد بالرقاد معنا أنا وأمه ويكون في قمة السرور عندما «أصارعه» أو أرمي عليه مخدة أو كرة مطاطية. ومع انني لست من عشاق قيس بن الملوح ولا احترم انه كان مجنونا بليلى، إلا أنني أعشق من شعره قوله: تَعَلَّقتُ لَيلى وَهيَ غِرٌّ صَغيرَةٌ /... إلى قوله: صَغيرَينِ نَرعى البَهمَ يا لَيتَ أَنَّنا/ إِلى اليَومِ لَم نَكبَر وَلَم تَكبَرِ البَهمُ.

1380

| 22 أغسطس 2023

كلام جميل وبديع

أتناول اليوم أشياء منقولة عن رجل حكيم تقول معلوماتي الشحيحة عنه إنه يعيش في مكة المكرمة، وهو- واسمه صالح إمام- فاعل خير من طراز نادر، وأنصحك بالسعي للقائه والجلوس إليه لبضع دقائق، وستخرج من عنده وأنت أغنى أغنياء العالم، قم، توكل على الله واذهب معتمرا واسع لمقابلته، وشخصيا اكتشفت أمر هذا «الصالح» بعد تداول عشرات الأشخاص عبر البريد الإلكتروني كلاماً جميلا له، خلاصته ما قاله الشاعر الكبير إيليا أبو ماضي: كم تشتكي وتقول إنك معدم/‏ والأرض ملك والسما والأنجم/ ‏ ولك الحقول وزهرها وأريجها/ ‏ ونسيمها والبلبل المترنم/‏ والماء حولك فضة رقراقة/‏ والشمس فوقك عسجد يتضرم/ ‏ والنور بيني في الحقول وفي الذرى/ ‏ دوراً مزخرفة وحينا يهدم/‏ هشت لك الدنيا فما لك باكيا / ‏ وتبسّمت فعلا لا تتبسم؟ وقول أبو ماضي أيضا: أَيُّهَذا الشاكي وَما بِكَ داءٌ كَيفَ تَغدو إِذا غَدَوتَ عَليلا إِنَّ شَرَّ الجُناةِ في الأَرضِ نَفسٌ تَتَوَقّى قَبلَ الرَحيلِ الرَحيلا وَتَرى الشَوكَ في الوُرودِ وَتَعمى أَن تَرى فَوقَها النَدى إِكليلا هُوَ عِبءٌ عَلى الحَياةِ ثَقيلٌ مَن يَظُنُّ الحَياةَ عِبئاً ثَقيلا وَالَّذي نَفسُهُ بِغَيرِ جَمالٍ لا يَرى في الوُجودِ شَيئاً جَميلا لَيسَ أَشقى مِمَّن يَرى العَيشَ مُرّاً وَيَظُنُّ اللَذاتِ فيهِ فُضولا أَحكَمُ الناسِ في الحَياةِ أُناسٌ عَلَّلوها فَأَحسَنوا التَعليلا فَتَمَتَّع بِالصُبحِ ما دُمتَ فيهِ لا تَخَف أَن يَزولَ حَتّى يَزولا وَإِذا ما أَظَلَّ رَأسَكَ هَمٌّ قَصِّرِ البَحثَ فيهِ كَيلا يَطولا يقول صالح إمام – أصلح الله حاله كمان وكمان – إن عدد المليارديرات في العالم يبلغ نحو ستمائة (يعني أقلية مضطهدة)، وطبعاً بيل غيتس مؤسس شركة مايكروسوفت من بينهم، ولكن المسكين يمر بأزمة مالية طاحنة وأوشك على الإفلاس! فرصيده المصرفي صار فقط 84 مليار دولار (84000000000)، ورغم حاله البائس هذا فقد تبرع حتى الآن بنحو 40 مليار دولار للأعمال الخيرية في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. دعكم من أصحاب البلايين، زادهم الله من نعيمه، ودعونا ننزل لـ «مستوانا»: تعداد البشرية نحو سبعة بلايين منهم بليونان يعيشون تحت خط الفقر، أي يعيشون على نحو ثلاثة دولارات يوميا، ويقول صالح إن الكثيرين من أهل الخليج يشكون من الفقر، بينما هم وبطريقة التفكير الإيجابي يعدون من الأثرياء، فإذا كان دخلك الشهري لا يتعدى 300 دولار أمريكي مثلاً فهناك أكثر من خمسة بلايين شخص أكثر منك فقراً، أما إذا كنت «مبحبحاً» وتتقاضى 1500 دولار شهرياً فإنك من الناس اللي فوق على مستوى الكرة الأرضية لأن هناك خمسة بلايين وستمائة مليون شخص أكثر منك فقراً بل ستكون من بين أغنى 13.34% من سكان العالم،.. وهناك مفاجأة سارة للبعض منكم: إذا كان راتبك 4 آلاف دولار شهرياً فأنت تنتمي إلى أغنى أغنياء العالم الذين يمثلون 1% فقط من سكان كوكبنا. يعني تستطيع أن تقول بقلب جامد إنك تنتمي إلى نفس الشريحة التي ينتمي إليها جعفر غيتس وجيف بيزوس وغيرهما إذن لا معنى للتكشيرة التي جعلت في وجهك أخاديد كتلك التي في الأكورديون، وتجعل ملامحك مزيجا من روبرت موغابي وشعبولا، وارفع رأسك منتشياً ولكن لا تمش في الأرض مرحا ولا تنس أصحابك لأنك انتميت إلى تلك الشريحة من الناحية «الإحصائية»! طيب هب أن راتبك دون الـ 1500 دولار، وأنك تملك بيتاً ولديك ما تحتاجه من طعام عادي: هذا يجعلك ضمن أغنى 75% من سكان العالم. وإذا لم تسافر قط إلى بلاد بره في إجازة فلا تنس أنك تقوم بجولة مجانية سنوية حول الشمس على الدوام، وإذا كنت لا تعاني من مرض مزمن فأنت أفضل حالاً من مليون شخص يهلكون كل أسبوع بسبب تلك الأمراض، وإذا كنت عراقياً أو فلسطينياً أو سوريا أو يمنيا او سودانيا او صوماليا فحالك مثل حال نصف مليار نسمة يعانون من الحروب والتعذيب والسجون، وإذا كان أبواك على قيد الحياة ويعيشان سوياً فأنت من صنف نادر في الوجود، وإذا كنت تقرأ هذه السطور فأنت تملك ثروة عظيمة هي البصر والقدرة على القراءة! أليس كلام صالح إمام يشرح الصدر أكثر من كلام عادل إمام؟

1251

| 15 أغسطس 2023

ابن آدم سينتصر على الكمبيوتر

ظلت الترجمة من اللغة العربية إلى الإنجليزية والعكس هي سلاحي لكسب القوت لسنين عددا، في شركة الاتصالات القطرية (كيوتل التي صارت لاحقا أوريدو)، ثم سمعت أن غوغل طرحت برنامجا يتولى الترجمة بين جميع اللغات الحية، فأصابني الهلع وقلت: الدوام لله يا أبو الجعافر، ها هي التكنولوجيا الامبريالية تتآمر عليك، ثم اتضح أن ترجمة غوغل، لا تختلف عن خطب ترامب، وأغنيات شعبولا فأنشدت بيت الشعر الذي صار على كل لسان: زعمت غواغل ان ستقتل جعفرا/ فابشر بطول سلامة يا جعفرُ (غواغل هي أنثى غوغل). (حدث توارد خواطر بيني وبين الشاعر الأموي جرير بن عطية، فله بيت من الشعر يقول عن منافسه في ميدان الشعر أَبُو فِرَاسْ هَمَّامْ بْنْ غَالِبْ بْنْ صَعْصَعَة اَلْمُجَاشِعِي اَلتَّمِيمِي اَلْبَصَرِيَّ المعروف بِاَلْفَرَزْدَقِ: «زعم الفرزدق ان سيقتل مربعا/ فابشر بطول سلامة يا مربع». وبيني وبين وجرير ود حميم، فهو مثلي معتدٌّ بأصوله وأسرته البسيطة، ويقال إن رجلا سأل جريرا من أشعر الناس؟ فجذبه جرير مغضبا وقاده إلى منزله، وأوقفه عند رجل دميم، قد انتحى في زاوية من البيت، وقد دس رأسه بين رجلي عنز يرضعها، فقال له: أو تعرف هذا؟ قال: لا، قال: أو تعرف لماذا يفعل هكذا؟ قال: لا، قال: إنه يرضع هكذا، مخافة أن يسمع الناس شخب اللبن عندما يحلب عنزه، هذا هو أبي، وأشعر الناس من قارع بهذا الأب ثمانين شاعرا فغلبهم جميعا). وحسبت انني نجوت من الكيد التكنولوجي متمثلا في غوغل فإذا بهوس الحكم الالكتروني يعم معظم أنحاء العالم، وكان معنى هذا «تفنيش» ابن آدم ليحل محله جهاز كله اسلاك قابلة للتلف، مع ما يمثله ذلك من انتهاك لحقوق الانسان، بينما معلوم ان متوسط عمر الانسان عشرين ضعف عمر الكمبيوتر، الذي لا يكاد يمر اسبوع دون ان يصاب بعلة: تكتب عليه 3000 كلمة وفجأة «يعلق» ويتجمد فلا تستطيع إضافة حرف لما كتبت أو الاحتفاظ بما كتبت، والانسان قد لا يصاب بفيروس إلا مرة أو اثنتين طوال عمره، بينما الكمبيوتر الجالس في مكتب في الدوحة يصاب بلوثة عقلية فتستنجد باختصاصي امراض الكمبيوتر فيقول لك: الدوام لله.. صاده فيروس من فنزويلا، وبينما تغلَّب بنو البشر على فيروس كوفيد - 19 في غضون سنتين فإن فيروسات الكمبيوتر تزداد شراسة لأنها تمر بطفرات. والآن ظهرت مصيبة جديدة اسمها الذكاء الاصطناعي، ويقولون انه سيؤدي الى الاستغناء عن خدمات البشر حتى في الحروب، وسيؤدي إلى انهاء خدمات ملايين أخرى في غضون سنوات قلائل. ويجري حاليا تطوير برمجيات الذكاء الاصطناعي بحيث تمتلك قدرة كبيرة من شأنها أن تحدث ثورة في عالم الأعمال، مما يُثير تساؤلات عديدة حول الوظائف التي يمكن أن يؤديها الذكاء الاصطناعي بدلا من الإنسان. وذكر تقرير صادر عن بنك الاستثمار الأمريكي، غولدمان ساكس، أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يحل محل ما يعادل 300 مليون وظيفة بدوام كامل خلال السنوات القليلة المقبلة، ولا يستبعد التقرير أن تقوم تقنيات الذكاء الاصطناعي بمهام 25% من الوظائف في الولايات المتحدة وأوروبا. خاصة في القطاعات الإدارية، والقانونية، والهندسة المعمارية، والطبية حوالينا ولا علينا يا رب. ولا شك في ان الكمبيوتر إحدى نقلات كبرى في كل مجالات الحياة، ثم جاء الانترنت وقيل إنه سيستولي على وظائف البشر ويتسبب في تفشي البطالة وبائيا، ثم صار الانترنت حقيقة واقعة تعزز ديمقراطية المعرفة، حيث صارت المعلومات متاحة للملايين في كل البلدان، وما حدث تاليا هو أنه وفي جميع مواقع العمل تمددت إدارات تقنية المعلومات من حيث الموارد والكوادر البشرية، ولم يحدث التشريد واسع النطاق المرتقب لقوى العمل، فالكمبيوتر وما ترتب عليه من تطور وطفرات تكنولوجية من صنع العقل البشري، والبشر هم من يتحكَّمون فيه وفيها، والذكاء الاصطناعي خرج من رحم الكمبيوتر والإنترنت، والتلميذ قد يتفوق على المعلم، ولكن المخلوق لا يتفوق على خالقه، وعليه فلا سبيل لتفوق الذكاء المصطنع على ذكاء من صنعه ويتولى إدارته وتطويره ووضع الضوابط لاستخدامه.

1158

| 08 أغسطس 2023

ورقة من ملف الكورونا

عانى معظم بني البشر ماديا من ظروف الحجر والإغلاقات الجزئية والكاملة التي أملتها ضرورات منع تحوُّل جائحة كورونا الى إعصار أكثر تدميرا، وبينما عانت قلة قليلة من الناس صحيا من الكورونا، عاش غالبية الناس في حالة هلع وجزع على أحوالهم الصحية، ولكن مصاب الأغلبية عاد بالفائدة على أقلية ممعنة في القِلَّة، فقد جنت شركات ومؤسسات صغيرة ملايين كثيرة من صنع الكمامات والقفازات والملابس الواقية، وبينما جنى أغنى 500 شخص في العالم تريليونا وثمانمائة بليون دولار إضافية خلال عام 2020، وهو ما يعادل ما جناه 165 مليونا من المواطنين الأمريكان العاديين «طوال حياتهم»، صار إجمالي ما تملك تلك الفئة من مال 7 تريليونات و6 بلايين دولار، بينما يقول مؤشر بلومبيرغ إن ملابسات الجائحة ستتسبب في إفقار بليون آدمي في مختلف أنحاء العالم بحلول عام 2030. تسعة من بين أغنى عشرة أشخاص في العالم يعيشون في الولايات المتحدة، ارتفعت ثروة إيلون مَسْك الرئيس التنفيذي ومالك شركة تسلا للسيارات الكهربائية من 142 بليونا في 2019 الى 170بليونا في 2020، ليحل محل بيل غيتس مؤسس شركة مايكروسوفت في الترتيب الثالث بين أغنياء العالم، مسجلا أعلى نمو للثروة في التاريخ، بينما يبقى جيف بيزوس مؤسس شركة أمازون جالسا فوق قمة عرش الأغنياء بإجمالي ثروة تبلغ 190 بليون دولار بعد أن أضاف 75 بليون دولار الى أمواله في عام 2020، مستفيدا من انحباس الناس في بيوتهم اتقاءً لكورونا، وميلهم الى طلب كل ما يلزمهم وما لا يلزمهم من امازون الكترونيا ولم يكن كورونا وحده ما وجد الملعب خاليا أمامه من التحديات في الولايات المتحدة بسبب استخفاف ترامب به، فقد اجتاحت البلاد دبابير سامة تستطيع الإبرة في مقدمة الواحدة منها اختراق الملابس الواقية التي يرتديها النحالون عند جني العسل من خلايا النحل، ونفث سم قاتل الى جسم الانسان، وكما قال ترامب ان فيروس كورونا صيني فقد نسب تلك الدبابير الى اليابان، ومن عجائب 2020 أن الكورونا جعلت في الآذان وقراً، اكتشاف طالب في المرحلة الثانوية في أمريكا كوكبا جديدا، وكان الطالب يقضي فترة تدريبية في وكالة (ناسا) عندما اكتشف ذلك الكوكب (يحمل اسم TOI 1338 b) الذي يفوق حجمه حجم كوكب الأرض 6,9 مرات، ويدور حول نجمين كل 95 يوما، ويبعد عن الأرض 1300 سنة ضوئية، وهكذا كسب العلم كوكبا جديدا في 2020، ولكن وبالمقابل فقد اختفى من الأكوان نجم عملاق، بأن انفجر وانهار داخل ما يسمى بالثقب الأسود شركة سياحة آيسلندية طرحت خدمة في 2020 تستطيع ان تسميها «فشة خلق»، وجدت تجاوبا وتفاعلا منقطعا النظير، وتتمثل في أن تتلقى الشركة من الراغبين صرخات مدوية يتم تسجيلها وارسالها عبر الكمبيوترات او الهواتف الذكية، ويتم تجميع الصرخات وإطلاقها عبر أبواق عملاقة من على جبال تتخللها شلالات مياه ليحملها الريح إلى القطب الشمالي او شرقا وغربا تقول مصادر الشركة إن زبائن كثيرين يجدون في الصراخ العالي تنفيسا عن مشاعر مكبوتة، وأن هناك من يرسل عدة صرخات في الشهر الواحد، واعتقد انني وبالكتابة عن هذه «الخدمة» أقدم هدية لملايين العرب المحرومين من حق الصراخ والأنين ليمارسوا التنفيس عن أوجاعهم المزمنة، الناجمة عما يلحق بهم من أذى من حكامهم المزمنين، ليس فقط بإرسال صرخاتهم المسجلة الى آيسلندا، بل بالذهاب اليها «شخصيا» للصراخ الحي المباشر، الذي لن توصله الرياح مهما اشتدت الى آذان أجهزة المخابرات العربية، ولكن الحذر واجب، فطال الزمن ام قصر، ستكتشف آذان وأعين تلك الأجهزة أمر كفالة حرية الصراخ في تلك الجزيرة وبالتالي يصبح من يتعامل معها او يزورها في القائمتين الرمادية والسوداء

1350

| 01 أغسطس 2023

خذوا الدرس من ويلكي

هو رجل بريطاني جدير بالاحترام، اسمه أندور ويلكي، وهو بروفيسور في جامعة أكسفورد العريقة، وله إنجازات معترف بها عالميا في مجال أمراض الدم، وأقام الدنيا وأقعدها، عندما رفض طلبا من طالب اسمه أميت دوفاشاني كان يريد التحضير للدكتوراه تحت إشرافه، ولكن البروفيسور ويلكي رفض طلبه ورد عليه بكل وضوح: شكرا على اتصالك بي، ورغبتك في الالتحاق بالدورات التدريبية التي أنظمها، ولكنني لا أستطيع أن أقبل بك ضمن طلابي، لأنه يصعب عليَّ قبول طالب إسرائيلي سبق له أداء الخدمة العسكرية (كان دوفاشاني مبتعثا من جامعة تل أبيب). ويواصل بروفيسور ويلكي مخاطبة الطبيب الإسرائيلي في رسالته تلك: «والإسرائيليون استثمروا معاناتهم خلال المحرقة النازية، ويواصلون البكاء على ضحاياهم، بينما ينتهكون حقوق الفلسطينيين بصورة فظة، فقط لأنهم - أي الفلسطينيين - يريدون العيش في وطنهم، وقد تكون أنت بالذات شخصا طيبا، ولكن ضميري لا يسمح لي بالتعامل معك، لكونك خضعت للتجنيد الإجباري في إسرائيل». وهكذا قامت قيامة صحف اليمين البريطاني، ونهشت لحم بروفيسور ويلكي متهمة إياه بمعاداة السامية والعنصرية، (جاءتني ذات مرة رسالة باللغة العربية المكسرة، كان من الواضح من اسم من أرسلها أنه إسرائيلي، تتهمني بمعاداة السامية، لأنني كتبت مرارا في مقالاتي عن كوني نوبيا وبالتالي حاميا، فأرسلت إليه ردا أقول فيه: العرب ساميون مثلكم ومع هذا فأنتم تلطمون الخدود – ولا يشقون الجيوب!! بزعم أنهم يعادون السامية. ضغطت جامعة أوكسفورد على ويلكي كي يغير موقفه ويقبل الطالب الإسرائيلي، ولكنه اختار تقديم استقالته على القيام بأمر لا يرضاه ضميره، هنا وقعت الجامعة في حيص بيص، وتكتكت لتجد مخرجا من الورطة، ثم قالت: فلتضرب إسرائيل رأسها بالحائط أو تشرب من البحر الأبيض أو الميت موات ضمائر قادتها. وقررت اعتبار فترة استقالته «توقيفا»، أي تأديبا إداريا وأعادته إلى وظيفته واضطر الطالب الإسرائيلي للبحث عن جامعة أخرى تؤويه. هذه الحكاية مهداة إلى من يعتبرون كل إنسان أبيض عدوا للعرب والإسلام، متناسين أن أقوى الحركات المعارضة لغزو أمريكا للعراق والبلطجة التي مارسها الجنود الأمريكان هناك، كانت تنطلق وتزداد عنفوانا يوما بعد يوم في أوروبا وأمريكا، حتى فاز أوباما بالرئاسة الأمريكية واضطر لسحب قوات بلاده من هناك، وأن موقف النقابات المهنية والعمالية في الدول الغربية الرافض لسياسات إسرائيل في وقتنا الراهن، أقوى من موقف منظمة التحرير، التي أعلنتها «ثورة حتى النصر»، وأنشأت جهاز البوساد في مواجهة الموساد، وقال شاعرها: البوس أصدق أنباءً من السيف/ في الخد أو في النعل على كيفي. بل إن نقابة أساتذة الجامعات في بريطانيا ما زالت تقاطع الجامعات الإسرائيلية مقاطعة ناجزة كاملة، بينما نحن في معظمنا لا نستطيع أن نمارس كراهيتنا لما تقوم به إسرائيل وأمريكا إلا همسا وخلسة: عبر البريد الإلكتروني أو تطبيق واتساب فيما بيننا، وفي جلسات الأنس، فكل كلمة سوء بحق أمريكا في هذا البلد العربي أو ذاك/ قد تعود عليك بشبهة موالاة الإرهاب، وكل كلمة ناقدة لإسرائيل تجعلك عدوا للسامية، مع أن حكومة إسرائيل الحالية هي العدو الأكبر للسامية. وقد قرأت من قبل للكاتب الأمريكي الكبير وليام فاف في الهيرالد تريبيون (التي رحلت عن دنيا الصحافة) مقالا عن بلطجات شارون السفاح صاحب أسوأ سجل دموي في تاريخ الشرق الأوسط،، وكيف أن الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش سار على خطاه في العراق من حيث ممارسة القتل العشوائي وتجريف الأراضي الزراعية وتدمير البساتين، وبعد قراءة المقال خشيت على كاتبه من السجن، ثم تذكرت أنه أمريكي ومن حقه أن يقول ما يريد عن حكومة بلاده وحكومات بلداننا، بينما ليس من حقنا أن نقول أي شيء عن حكومة بلاده أو حكومة إسرائيل. أما إذا فقد عربي عقله، وقال شيئا غير المدح في حق الحكومة المنبطحة في محراب الصهيونية، فإنه يلاقي عزرائيل!

1080

| 25 يوليو 2023

خطرفات التواصل الاجتماعي

أتوقف كل بضعة أسابيع عن استخدام واتساب لأسباب كثيرة من بينها السخف المتمثل في أن سبع حبات فلفل قبل الاستحمام تزيل الشيب، وأنه لو أرسلت دعاء معينا الى 12 شخصا سأصبح مليونيرا، وقد عانيت كثيرا في بداية دخول العرب مجال الانترنت والبريد الالكتروني من رسائل تنضح بلاهة وعباطة، وتخلصت منها بعمل «بلوك» أي حظر الكتروني لمن يبعث بمثل تلك الرسائل، وصار بريدي خاليا من الغثاثات لسنوات طويلة (ما عدا رسائل فاعلي الخير الذين يودون منحي جوائز لفوزي في مسابقات لم أشارك فيها، أو تحويل ملايين الى حسابي البنكي) وفجأة تلقيت رسالة عبر واتساب أثارت غضبي، ثم فوجئت بنفس الرسالة تأتيني من ثلاثة أشخاص مواظبين على مراسلتي، نص الرسالة التي استفزتني يقول: تم سحب جميع منتجات شركة كورن فليكس من الأسواق الأمريكية بعد أن أثبتت الأبحاث أنها تسبب السرطان، وتعكف تلك الشركة حالياً على تسويق منتجاتها بأسرع ما يمكن بين الأطفال العرب. (هل الأطفال فقط يأكلون كورن فليكس أم أنهم – وليس الكبار خطر على واشنطن؟) أما الجزء الذي أثار غضبي الشديد في الرسالة فعبارة جاءت في آخرها: أمانة في عنقك إلى يوم القيامة أن تنشر فحوى هذه الرسالة! أمانة في عنقي أن أثبت للناس أنني عبيط وأبله؟ أقول للناس أن شركة كورن فليكس تبيع علماً مواد تسبب السرطان دون أن تخشى العواقب من قضايا وتعويضات تصل إلى تريليونات الدولارات؟ هل تذكرون عادل إمام في مسرحية (شاهد ماشافش حاجة)، عندما اشتكى من أن شركة الاتصالات أرسلت إليه إنذار بقطع الخدمة الهاتفية عنه، ثم اتبعت الإنذار بوعيد بأنها ستصادر العدة أي جهاز التليفون، وكيف أن عادل خاف على العدة ثم استدرك (ثم أنا ما عنديش تليفون) يا عالم والله لا توجد هناك شركة اسمها كورن فليكس، بل إن كورن فليكس اسم لرقائق الذرة وتقوم بإنتاجه نحو عشرة آلاف شركة في مختلف أنحاء العالم ولكل شركة اسم خاص بها ولعل أشهرها هي شركة كيلوغز! ثم هل أطّلع من ينشرون تلك الرسالة على تعميم سري تم توزيعه بين المواطنين الأمريكان يقول: إياكم والكورن فليكس لأنه يسبب سرطان الأظافر. بس هذا الكلام بيننا وبينكم ولا داعي لأن تعرف الشعوب العربية بذلك لأننا نريد لها أن تتسمم وتفنى! كتبت ذات مرة في صحيفة سودانية عن أنه لم يعد هناك ما يبرر تجفيف اللحم لإعداد أكلات شعبية معينة بعد ظهور المفرمة اللحم والثلاجة، فجاءني تعقيب قصير ولاذع من قارئ: لماذا تفترض أن كل السودانيين مثلك لديهم مفارم لحم وثلاجات بينما أنت تعرف أن أكثر من 40 بالمائة من أهل البلاد لم تصلهم الكهرباء؟ أفحمني ذلك القارئ بملاحظته تلك، وتذكرتها بمناسبة رسالة الكورن فليكس: كم من العرب يتعاطى الكورن فليكس، بل كم العرب سمع بها؟ 20 بالمائة؟ 25 بالمائة؟ ومن قبل وصلتني رسالة من عدة مصادر تقول أن محلات البيرغر تعد البطاطس أو البطاطا المقلية في شحم الخنزير! لم يسأل مرسلو تلك التخاريف أنفسهم: شحم كم خنزير يكفي لقلي كيلو واحد من البطاطا؟ ثم أن القلي يكون بالزيت النباتي أو السمن الحيواني والسمن يستخرج من الحليب وليس الشحم؟ ثم ما مصلحة محلات البيرغر في استخدام مواد قد تتسبب في افلاسها؟ مروجو مثل تلك الترهات لا يعرفون أن في الغرب جمعيات لحماية المستهلك لديها مختبرات لفحص مكونات كل سلعة، وأنه حتى عندنا ما من سلعة تدخل أسواقنا إلا بعد أن تجاز في مختبرات محلية حسنة التجهيز فنياً وبشرياً. ثم أن أمريكا لا تفني الشعوب بأساليب ملتوية بل تضرب مباشرة في المليان بالصواريخ والقنابل. ويجوز أن نصدق ادعاءات القائلين بأن الشركات الأمريكية تريد نشر السرطان بيننا، لو صدقنا أن أمريكا تريد نشر الديمقراطية في بلداننا!!

1401

| 18 يوليو 2023

إيذاء الإنسان رياضة ! ما يصير

في الملاكمة، ترى فحلين بشريين يتباريان في كيل الضربات لبعضهما البعض فتصبح الجماهير منتشية، وقد يسقط أحد الفحلين قتيلاً أو مصاباً بارتجاج في المخ، فتزداد هالات المجد حول من صرعه اتساعاً ووهجاً. لماذا يعتدي شخص على آخر عمداً، ومع سبق الإصرار والترصد فيعتبرونه بطلاً؟ بينما القانون الإنجليزي - مثلا – ينص على عقاب الأم أو الأب الذي يضرب طفله ليؤدبه نشر بعض الأطباء النفسيين مؤخرا تقريراً يقول إن الأطفال الذين يتعرضون إلى الضرب يصبحون عدوانيين واولي نزعات إجرامية. ولو كان فيما قالوه مثقال ذرة من الصدق والحقيقة لكان صاحب هذه السطور نزيل سجون وادي النيل والخليج العربي منذ سنوات، لأن الضرب كان على أيامنا «ضرورياً» مثل الوجبات الغذائية، استغفر الله الوجبات لم تكن منتظمة ولكن الضرب كان مقنناً ومنتظماً. لم يكن ضربا مبرحا، ولكنه كان بمثابة الوجبة اليومية الخفيفة بل لو كان ما يقوله أولئك الأطباء صحيحاً لكان جميع أهل قريتنا أعضاء في المافيا. كان من حق أي شخص فوق الخامسة عشرة أن يضرب من يصغرونه إذا اعتقد أنهم أساءوا الأدب، وإلى يومنا هذا فإن قريتنا لم تعرف «الشرطة» ولا «الحكومة»، لا سرقات ولا عنف ولا أمراض نفسية. وردّي القاطع على ذلك التقرير هو أن البشرية لم تعرف المناخوليا والبارانويا والشيزوفرنيا والهايبوكوندريا إلا بعد ظهور الطب النفسي، وقد يعني هذا أن الأطباء النفسيين هم الذين نشروا تلك الأمراض، فقبل ظهورهم وظهور نظرياتهم كان المجتمع خالياً من المختلين عقلياً بفضل جمهور «الأولياء» الذين كان يتولون تقييد كل من يخرج عن مألوف السلوك كي لا ينقل شياطينه إلى «الأصحاء»، وكانت حفنة من البخور و « الشخابيط» كفيلة بردع الشياطين ووضع حد لكيدهم. في صدر الشباب وبعد أن تأكد لي تماماً أنني لن أنجح في تحقيق التنمية الاقتصادية الذاتية بحيث لا أحتاج لأداء أي عمل، يتطلب الاستيقاظ في ساعة معينة، كتبت رسالة إلى محمد علي كلاي رحمه الله، أرجوه فيها أن يقبل منازلتي في حلبة الملاكمة لبضع دقائق، وأن يمهلني حتى الجولة الثانية ثم يضربني برفق لأدخل في غيبوبة أصحو منها وتحت وسادتي مئات آلاف من الدولارات التي كم أذلت من رجال. وختمت رسالتي: أخوك في الله، فلان بن فلان، ويبدو أنني تأخرت في كتابة تلك الرسالة، فبعد يومين من إرسالها شاهدت كلاي في التلفزيون وهو يهذي. نعم يهذي. ذلك الرجل الذي اشتهر بالثرثرة صار عاجزاً عن الاتيان بجملة مفيدة لأن الملاكمة أعطته الملايين وسببت له الشلل الرعاش. هناك أناس بودّي لو أقضم أنف الواحد منهم، ولكن القانون يمنعني من ذلك. وللأسف فلست مؤهلاً جسمانياً لممارسة الملاكمة كي أستدرجهم إلى الحلبات وأدمي أنوفهم فأصبح بطلاً و.. غنياً. ما علينا، لا داعي لأحلام اليقظة، وعلى كل حال فالملاكمة في نظري أيضاً مؤامرة إمبريالية!! كيف؟؟ هل رأيتم ملاكماً أبيض «عليه القيمة»؟ لا وكلا.. الامبريالية فصلت الملاكمة على مقاس السود واختارت لأبنائها وبناتها التنس والفروسية والألعاب غير القاتلة، وربما الهدف من المؤامرة هو القضاء على السود الذين اختاروا البقاء في الدول الغربية. وعلى كل حال فان أي شيء يستهدف السود لابد أن يكون مؤامرة لسبب بسيط، وهو أنني شديد الانتماء إلى السود بحكم انتمائي إلى البلد الوحيد في العالم الذي يوحي اسمه بأنه وطن السود، أعني بذلك السودان «الشغيغ»، وقد كفى الله السودان شرور الملاكمة بانضمامه إلى الجامعة العربية التي تُكالم ولا تلاكم. يعني جامعة تختص بشؤون الكلام من فصاحة وبلاغة ووو.. جامعة وديعة ومسالمة لا تهش ولا تنش ولو فعلت غير ذلك لتعرضت إلى اللكمات وتعرضنا معها إلى البهدلة. آخر تفانين الامبريالية هو استدراج اليمني نسيم حميد إلى حلبة الملاكمة. عندما حقق انتصارات أصبح «بريطانياً» وعند أول نكسة لفقوا له تهمة تهريب القات وحاولوا إعادته إلى مأرب!!.

1008

| 04 يوليو 2023

ماكو تيرنر عربية

تناقلت معظم وسائل الإعلام العالمية حكاية السيدة الأسترالية فيليس تيرنر التي نالت الماجستير وعمرها 94 سنة، أي بعد أن نال بعض أحفاد أحفادها تلك الدرجة العلمية، وكانت تيرنر في سن الـ 12 عندما هجر أبوها العائلة، فغادرت كرسي الدراسة لتساعد أمها في تربية بقية إخوتها، ثم كبرت وتزوجت وأنجبت سبعة من البنين والبنات، وتبنت طفلين يتيمين، وعندما بلغت السبعين كان عيالها التسعة قد تزوجوا وصار لديها من الأحفاد ما يكفي لتشكيل فريق كرة قدم مع كذا لاعب في دكة الاحتياطي. تعملي إيه يا فيليس يا تيرنر وعيالك صاروا مشغولين بعيالهم، والبيت صار خاليا من البشر؟ التحقت بجامعة أديليد الأسترالية، وبعد سنتين فازت بمنحة وكانت وقتها في الثانية والسبعين، وعادت تحمل بكالوريوس في الأنثروبولوجي «علم الأجناس/السلالات البشرية». وعندها قالت خالتو فيليس: طيب خلصنا من البكالوريوس، هل أبلّه وأشرب ماءه، خصوصا وأنني لم أدخل الجامعة للحصول على مؤهل يضمن لي وظيفة، لأنني أعرف أن القانون لا يسمح لمن هم فوق السبعين ببدء حياتهم العملية؟ لا حل سوى مواصلة الدراسة وهكذا عادت تيرنر إلى جامعة أديليد في استراليا والتحقت بكلية الطب، وتأهلت كطبيبة، ولكن وكما يقول العلماء فكلما اطلعت ودرست تزداد إحساسا بأنك جاهل، فما كان من خالتو تيرنر – وكانت وقتها في التسعين - إلا أن عادت إلى مقاعد الدراسة والعمل الميداني في المستشفيات حتى نالت الماجستير في الطب، (يعني صارت اختصاصية في الطب الباطني) ويحاول المشرف على رسالتها البروفسور هينيغبيرغ حالياً إقناعها بالعمل للحصول على الدكتوراه وهي التي بلغت الـ 94!! تخيل أن شخصاً عربياً في السبعين (رجلاً بالتحديد لأنه لا سبيل لضرب المثل بامرأة عربية فوق السبعين تفكر في مجرد المرور بمحاذاة سور أي جامعة لأن أهلها كانوا سيربطونها بالحبال ويسلمونها إلى مستشفى للأمراض النفسية والجلدية! أو يسلمونها لدجال ليقوم بطرد الجان الذي تلبسها). وتخيل أن مثل ذلك الرجل كان سلفاً يحمل بكالوريوس مع مرتبة الشرف في مادة ما، ولديه إنجازات معروفة لدى الكافة، قرر الذهاب إلى أقرب جامعة للحصول على ماجستير (رغم أن المعارف والخبرات التي اكتسبها في الحياة العملية تؤهله لتدريس الأساتذة الجامعيين الذين يشرفون على الدراسات العليا). ولكنه يريد الماجستير لأنه أدرك أن كل ما أنجزه لا يحظى بالتقدير الكافي لأن مؤهلاته «حي الله» حتة بكالوريوس. حتما لن يتمكن مثل هذا الرجل من اجتياز البوابة الخارجية للجامعة لأن جماعة السكيورتي (الأمن) كانوا سيصيحون فيه فور رؤيته وهو يقترب من البوابة: روح حجي.. هاذول طلاب ما عندهم شيء! روح عند المسجد تلاقي محسنين؛ ويشرح لهم الرجل أنه لا يريد من الطلاب صدقة فيصيحون بحزم: يا عمي التسول ممنوع حتى من الأساتذة.. ترا هم بعد يستحقون الزكاة.. روح قبل لا أنادي لك الشرطة. تكويننا العقلي والفكري لا يسمح لنا بقبول فكرة أنه ليس هناك «سن يأس» في مجال المعرفة والتحصيل والبحث العلمي، والعقلية التي تجعل اللوائح فوق البشر ومصالحهم هي التي تحول أساتذة جامعات نابهين إلى مجرد روبوتات يتم تحريكهم بالريموت كونترول الخاص بـ «الجداول» والمقررات.. والاختبارات والامتحانات الفصلية والنهائية. وأعرف أساتذة جامعات تعرضوا للاستجواب لأنهم يقضون وقتاً طويلاً في المختبرات أو المكتبات بعد نهاية الدوام، ومصدر الشكوى مسؤول الأمن الذي لديه أوامر بإغلاق كل المكاتب والقاعات في ساعة معينة من الليل. ولهذا أقول إنه لا مجال لتيرنر عربية، فحتى في المرحلة الابتدائية لا تسمح أنظمتنا بالتحاق طفل في التاسعة فاته قطار التعليم لعذر قاهر بالصف الأول من المرحلة الابتدائية، بل نعرف جميعا أن تلك النظم واللوائح من السخف والعسف بحيث تعطل المسار التعليمي لطفل لأنه عمره يزيد أو يقل عن السن المحددة للالتحاق بالصف الأول الابتدائي بثلاثة أسابيع.

1221

| 27 يونيو 2023

مخاطر الكرافتة والنقود

طوال فترة عملي في السفارة البريطانية في الخرطوم، فشلت أسرة السفارة في إقناعي بربط الكرافتة، ومن ثم كانت أول مرة استخدم فيها ربطة العنق (الكرافتة) هي ليلة زواجي، وكنت قد عدت من دورة دراسية في لندن قبلها بقليل، حيث اقتنيت أول بدلة/‏ جاكيت في حياتي، وبمناسبة الزواج اشتريت بدلة أخرى كحلية (لا تزال عندي بصحة جيدة)، وفي مساء تلك الليلة المشهودة فوجئ أهلي وأصدقائي بأن الشاب العائد من بريطانيا ارتدى بدلة كاملة بدون كرافتة وصاحوا: مش ممكن تكون مبهدل في ليلة زواجك، وبما أنني لم أكن أملك كرافتة فقد تبرع لي فاعل خير بواحدة وتبرع آخر بربطها لي، وأحسست وهي تضغط على زمارة رقبتي بأنني أخضع لحكم بالإعدام مع تباطؤ في التنفيذ، فما كان مني إلا أن نزعتها ووضعتها في جيب الجاكيت. ولعدة سنوات بعدها لم أكن أملك كرافتة ولا أعرف طريقة ربطها.. ثم صرت يوما ما مديرا للعلاقات العامة والترجمة بشركة الاتصالات القطرية (كيوتل سابقا وأوريدو حاليا) ومسؤولا عن تنظيم الندوات والمؤتمرات والحفلات واستقبال ضيوف الشركة فألزمني المدير العام بارتداء الكرافتة، واضطررت إلى التدرب على ربطها. وصرت "متحضرا" ارتدي الكرافتة في المناسبات "اللي هي". وسبحان الله عندي اليوم نحو مائة كرافتة.. قل ما شاء الله.. نصفها لم يعد صالحا للاستخدام الآدمي بعد انتهاء صلاحيتها.. و30% من النصف الباقي اشتريته من الأسواق الشعبية في بريطانيا بالكيلو.. والكرافتات التي يمكنني استخدامها دون أن يصدر احتجاج عن زوجتي نحو عشرة كلها فرنسية أو إيطالية من صنع تايوان. منذ سنوات قرر المجلس الطبي البريطاني أن على جميع الأطباء عدم ربط الكرافتة خلال ساعات العمل بوصفها ناقلة للجراثيم والميكروبات، وكل من يستخدم الكرافتة يعرف أنها قطعة ملابس لا ضرورة لها البتة، ولا تؤدي وظيفة معينة كما قطع الملابس الأخرى وعدمها خير من وجودها. ولدي كرافتات ظلت معقودة ومربوطة طوال أكثر من عشر سنوات. يعني لم تخضع لغسل او كي طوال أكثر من عشر سنوات، ولك ان تتخيل كم مليون نسمة من الجراثيم تقيم بصورة غير قانونية في تلافيف كل كرافتة. والمستشفيات هي أكبر مستوطنات الباكتيريا، بل من المعروف ان جراثيم المستشفيات قاتلة، ليس لأن مصدرها المرضى بل لأنها حسنة التغذية بحكم انها تعرضت لأنواع عديدة من المطهرات واكتسبت مناعة ضدها، وأشهر أنواع الباكتيريا في المستشفيات هي إم آر إس إيه/‏ مرسا MRSA ولا يوجد مضاد حيوي ناجع ضدها، ولو أصابت شخصا يعاني جهاز المناعة عنده من الضعف، فاقرأ الفاتحة على روحه!.والأطباء أنفسهم ناقلون للجراثيم والباكتيريا بحكم أنهم يعملون في بيئات تسرح فيها تلك الآفات وتمرح (ومن ثم تجدهم يغسلون أيديهم جيدا بعد التعامل مع كل مريض).. وعلى طاري وذكر الكرافتات وما تحمله من جراثيم فإن أكبر مستودع للباكتيريا والبلاوي المسببة لأمراض الجلد والعيون والجهاز الهضمي والتنفسي هي العملات الورقية، فالدينار او الدولار او الريال او الدرهم او الجنيه الذي في يدك ربما مرّ بأيدي خمسين شخصا، وما من آدمي إلا ويده ملوثة لبعض الوقت يوميا، وعليك أن تغسل يدك بعد عدّ العملات الورقية، ومن باب اللعب على المضمون اشتر عافيتك بان تعطيني ما عندك من تلك العملات وأنا أشيل عنك هم الجراثيم والباكتيريا.

1395

| 20 يونيو 2023

alsharq
الكرسي الفارغ

ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...

5058

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
من يُعلن حالة الطوارئ المجتمعية؟

في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم،...

4446

| 24 أكتوبر 2025

alsharq
النعش قبل الخبز

لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...

3699

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
نموذج قطر في مكافحة المنشطات

يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...

2799

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
غياب الروح القتالية

تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...

2373

| 23 أكتوبر 2025

alsharq
أين ربات البيوت القطريات من القانون؟

واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...

1518

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
وجبات الدايت تحت المجهر

لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت...

1071

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
النظام المروري.. قوانين متقدمة وتحديات قائمة

القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى،...

1023

| 23 أكتوبر 2025

alsharq
وجهان للحيرة والتردد

1. الوجه الإيجابي • يعكس النضج وعمق التفكير...

978

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
مستقبل الاتصال ينطلق من قطر

فيما يبحث قطاع التكنولوجيا العالمي عن أسواق جديدة...

972

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
القيمة المضافة المحلية (ICV)

القيمة المضافة المحلية (ICV) أداة إستراتيجية لتطوير وتمكين...

846

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
دور معلم الفنون في مدارس قطر

في قلب كل معلم مبدع، شعلة لا تهدأ،...

825

| 17 أكتوبر 2025

أخبار محلية